ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194124)

ابوالوليد المسلم 03-07-2020 04:27 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (480)
تفسير السعدى
(سورة ص)
من (78)الى (88)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة ص



" وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " (78)



وإن لك طردي وإبعادي دائما.

" قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون " (79)



قال إبليس: رب فأخر أجلي , ولا تهلكني إلى حين تبعث الخلق من قبورهم

" قال فإنك من المنظرين " (80)



فال الله له: فإنك من المؤخرين

" إلى يوم الوقت المعلوم " (81)



إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم النفخة الأولى عندما تموت الخلائق.

" قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين " (82)



فال إبليس: فبعزتك- يا رب- وعظمتك لأضلن بني آدم أجمعين,

" إلا عبادك منهم المخلصين " (83)



إلا من أخلصته منهم لعبادتك , وعصمته من إضلالي, فلم تجعل لي عليهم سبيلا

" قال فالحق والحق أقول " (84)



فال الله: فالحق مني , ولا أقول إلا الحق,

" لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين "(85)



لأملان جهنم منك ومن ذريتك وممن تبعك من بني آدم أجمعين

" قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين "(86)



فل- يا محمد- لهؤلاء المشركين من قومك: لا أطلب منكم أجرا أو جزاء على دعوتكم وهدايتكم, ولا أدعي أمرا ليس لي, بل أتبع ما يوحى إلي , ولا أتكلف تخرصا وافتراء.

" إن هو إلا ذكر للعالمين " (87)



ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين من الجن والإنس , يتذكرون به ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم

" ولتعلمن نبأه بعد حين "(88)



ولتعلمن- أيها المشركون- خبر هذا القرآن وصدقه , حين يغلب الإسلام , ويدخل الناس فيه أفواجا, وكذلك حين يقع عليكم العذاب, وتنقطع عنكم الأسباب.

ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:23 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (481)
تفسير السعدى
(سورة الزمر)

من الأية(1)الى الأية(9)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الزمر

" تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " (1)




تنزيل القرآن إنما هو من الله العزيز في فدرته وانتقامه, الحكيم في تدبيره وأحكامه


" إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين " (2)


إنا أنزلنا إليك- يا محمد- القرآن يأمر بالحق والعدل, فاعبد الله وحده, وأخلص له جميع دينك.


" ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار " (3)


ألا لله وحده الطاعة التامة السالمة من الشرك,, الذين أشركوا مع الله غيره واتخذوا من دونه أولياء, قالوا: ما نعبد تلك الآلهة مع الله إلا لتشفع لنا عند الله, وتقربنا عنده منزلة, فكفروا بذلك؟ لأن العبادة والشفاعة لله وحده, إن الله يفصل بين المؤمنين المخلصين والمشركين مع الله غيره يوم القيامة فيما يختلفون فيه من عبادتهم, فيجازي كلا بما يستحق.
إن الله لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم من هو مفتر على الله, كفار بآياته وحججه.



" لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " (4)


لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاختار من مخلوفاته ما يشاء, تنزه الله وتقدس عن أن يكون له ولد, فإنه الواحد الأحد, الفرد الصمد, القهار الذي قهر خلقه بقدرته, فكل شيء له متذلل خاضع.


" خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار " (5)


خلق الله السموات والأرض وما فيهما بالحق, يجيء بالليل ويذهب بالنهار, ويجيء بالنهار ويذهب بالليل, وذلل الشمس والقمر بانتظام لمنافع العباد, كل منهما يجري في مداره أي حين قيام الساعة ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال, وأنعم على خلقه بهذه النعم هو العزيز على خلقه, الغفار لذنوب عباده التائبين

" خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون " (6)


خلقكم ربكم- أيها الناس- من آدم, وخلق منه زوجه, وخلق لكم من الأنعام ثمانية أنواع ذكرا وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز؟ يخلقكم في بطون أمهاتكم طورا بعد طور من الخلق في ظلمات البطن, والرحم, والمشيمة, ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء, ربكم المتفرد بالملك المتوحد بالألوهية المستحق للعبادة وحده, فكيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره من خلقه؟


" إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور " (7)


إن تكفروا- أيها الناس- بربكم ولم تؤمنوا به, ولم تتبعوا رسله, فإنه غني عنكم, ليس بحاجة إليكم, وأنتم الفقراء إليه, ولا يرضى لعباده الكفر, ولا يأمرهم به, وإنما يرضى لهم شكر نعمه عليهم.
ولا تحمل نفس إثم نفس أخرى, ثم إلى ربكم مصيركم, فيخبركم بعملكم, ويحاسبكم عليه إنه عليم بأسرار النفوس وما تخفي الصدور.



" وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار " (8)


وإذا أصاب الإنسان بلاء وشدة ومرض تذكر الله, فاستغاث به ودعاه, ثم إذا أجابه وكف عنه ضره, ومنحه نعمه, في دعاءه لربه عند حاجته إليه, وأشرك معه غيره؟ ليضل غيره عن الإيمان بالله وطاعته, قل له- يا محمد- متوعدا: تمتع بكفرك قليلا حتى موتك وانتهاء أجلك, إنك من أهل النار المخلدين فيها.


" أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب " (9)


أهذا الكافر المتمتع بكفره خير, أم من هو عابد لربه طائع له, يقضي ساعات الليل في القيام والسجود لله, يخاف عذاب الآخرة, ويأمل رحمة ربه؟ قل- يا محمد-: هل يستوي الذين يعلمون ربهم ودينهم الحق والذين لا يعلمون شيئا من ذلك؟ لا يستوون.
إنما يتذكر ويعرف الفرق أصحاب العقول السليمة.

ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:29 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (482)
تفسير السعدى
(سورة الزمر)
من (10)الى (19)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الزمر





" قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " (10)


قل- يا محمد- لعبادي المؤمنين بالله ورسوله: اتقوا ربكم بطاعته واجتناب معصيته.
للذين أحسنوا في هذه الدينا بعبادة ربهم وطاعته حسنة في الآخرة, وهي الجنة, وحسنة في الدنيا من صحة ورزق ونصر وغير ذلك.
وأرض الله واسعة, فهاجروا فيها إلى حيث تعبدون ربكم, وتتمكنون من إقامة دينكم.
إنما يعطى الصابرون ثوابهم في الآخرة بغير حساب منا, كما يحاسب غيرهم.



" قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين " (11)


قل- يا محمد- للناس: إن الله أمرني ومن تبعني بإخلاص العبادة له وحده دون سواه


" وأمرت لأن أكون أول المسلمين "(12)


وأمرني بأن أكون أول من أسلم من أمتي, فخضع له بالتوحيد, وأخلص له العبادة, وبرئ من كل ما دونه من الآلهة.

" قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم "(13)


فل- يا محمد- لناس: إني أخاف إن عصيت ربي فيما أمرني به من عبادته والإخلاص في طاعته عذاب يوم القيامة, ذلك اليوم الذي يعظم هوله.


" قل الله أعبد مخلصا له ديني " (14)


قل- يا محمد-: إني أعبد الله وحده لا شريك له مخلصا له عبادتي وطاعتي,

" فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين " (15)


فاعبدوا أنتم- أيها المشركون- ما شئتم من دون الله من الأوثان والأصنام وغير ذلك من مخلوقاته, فلا يضرني ذلك شيئا.
وهذا تهديد ووعيد لمن عبد غير الله, وأشرك معه غيره قل- يا محمد-: إن الخاسرين- حقا- هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وذلك بإغوائهم في الدنيا وإضلالهم عن الإيمان.
ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هو الخسران البين الواضح.



" لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون " (16)


أولئك الخاسرون لهم يوم القيامة في جهنم من فوقهم قطع عذاب من النار كهيئة الظلل المبنية, ومن تحتهم كذلك.
ذلك العذاب الموصوف يخوف الله به عباده; ليحذروه يا عباد فاتقوني بامتثال أوامري واجتناب معاصي.


" والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عبادي " (17)


والذين اجتنبوا طاعة الشيطان وعبادة غير الله, وتابوا إلى الله بعبادته وإخلاص الدين له, لهم البشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن والتوفيق من الله, وفي الآخرة رضوان الله والنعيم الدائم في الجنة.
فبشر- يا محمد- عبادي



" الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب " (18)


الذين يستمعون القول فيتبعون أرشده.
وأحسن الكلام وأرشده كلام الله ثم كلام رسوله.
أولئك هم الذين وفقهم الله للرشاد والسداد, وهداهم لأحسن الأخلاق والأعمال, وأولئك هم أصحاب العقول السليمة.



" أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار " (19)


أفمن وجبت عليه كلمة العذاب, باستمراره على غيه وعناده, فإنه لا حيلة لك- يا محمد- في هدايته, أفتقدر أن تنقذ من في النار؟ لست بقادر على ذلك.

ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:30 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (483)
تفسير السعدى
(سورة الزمر)
من (20)الى (28)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الزمر







" لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد " (20)


لكن الذين اتقوا ربهم- بطاعته وإخلاص عبادته- لهم في الجنة غرف مبنية بعضها فوق بعض, تجري من تحت أشجارها الأنهار, وعدها الله عباده المتقين وعدا متحققا, لا يخلف الله الميعاد

" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب " (21)


ألم تر- يا محمد- أن الله أنزل من السحاب مطرا فأدخله في الأرض, وجعله عيونا نابعة ومياها جارية, ثم يخرج بهذا الماء زرعا مختلفا ألوانه وأنواعه, ثم ييبس بعد خضرته ونضارته, فتراه مصفرا ألونه, ثم يجعله حطاما متكسرا متفتتا؟ إن في فعل الله ذلك لذكرى وموعظة لأصحاب العقول السليمة.

" أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين " (22)


أفمن وسع الله صدره, فسعد بقبول الإسلام والانقياد له والإيمان به, فهو على بصيرة من أمره وهدى من ربه, كمن ليس كذلك؟ لا يستوون.
فويل وهلاك للذين قست قلوبهم, وأعرضت عن ذكر الله, أولئك في ضلال بين عن الحق.



" الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد " (23)


الله تعالى هو الذي نزل أحسن الحديث, وهو القرآن العظيم, متشابها في حسنه وإحكامه وعدم اختلافه, تثنى فيه القصص والأحكام, والحجج والبينات, تقشعر من سماعه, وتضطرب جلود الذين يخافون ربهم؟ تأئرا بما فيه من ترهيب ووعيد, ثم تلين جلودهم وقلوبهم; استبشارا بما فيه من وعد وترغيب, ذلك التأثر بالقرآن هداية من الله لعباده والله يهدي بالقرآن من يشاء من عباده.
ومن يضلله الله عن الإيمان بهذا القرآن, لكفر.
وعناده, فما له من هاد يهديه ويوفقه



" أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون " (24)


أفمن يلقى في النار مغلولا- فلا بتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه؟ لكفره وضلاله- خير أم من ينعم في الجنة؟ لأن الله هداه؟ وقيل يومئذ للظالمين: ذوقوا وبال ما كنتم في الدنيا تكسبون من معاصي الله.

" كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون "(25)


كذب الذين من قبل قومك- يا محمد- رسلهم, فجاءهم العذاب من حيث لا يشعرون بمجيئه,


" فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " (26)


فأذاق الله الأمم المكذبة العذاب, الهوان في الدنيا, وأعد لهم عذابا أشد وأشق في الأخرة لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ما حل بهم, بسب كفرهم وتكذيبهم لاتعظوا.

" ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون " (27)


ولقد ضربنا لهؤلاء المشركين بالله في هذا القرآن من كل مثل من أمثال القرون الخالية تخويفا وتحذيرا; ليتذكروا فينزجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بالله.


" قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون " (28)


وجعلنا هذا القرآن عربيا واضح الألفاظ سهل المعاني, لا لبس فيه ولا انحراف; لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:32 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (484)
تفسير السعدى
(سورة الزمر)
من (29)الى (38)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الزمر






" ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون "(29)


ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لشركاء متنازعين, فهو حيران في إرضائهم, وعدا خالصا لمالك واحد يعرف مراده وما يرضيه, هل يستويان, مثلا؟ لا يستويان, كذلك المشرك هو في حيرة وشك, والمؤمن في راحة واطمئنان.
فالثناء الكامل التام لله وحده, بل المشركون لا يحلمون الحق فيتبعونه.



" إنك ميت وإنهم ميتون " (30)


إنك- يا محمد- ميت وإنهم ميتون,

" ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " (31)


ثم إنكم جميعا- أيها الناس, يوم القيامة عند ربكم تتنازعون, فيحكم بينكم بالعدل والإنصاف.

" فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين " (32)


لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب: بأن نسب إليه ما لا يليق به كالشريك والولد, أو قال: أوحي إلي, ولم يوح إليه شيء, ولا أحد أظلم ممن كذب بالحق الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
أليس في النار مأوى ومسكن لمن كفر بالله, ولم يصدق محمدا صلى الله عليه وسلم؟ بلى.



" والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " (33)


والذي جاء بالصدق في قوله وعمله من الأنبياء وأتباعهم, وصدق به إيمانا وعملا, أولئك هم الذين جمعوا خصال التقوى, وفي مقدمة هؤلاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به, العاملون بشريعته من الصحابة, رضي الله عنهم, فمن بعدهم إلى يوم الدين.

" لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين " (34)


لهم ما يشاؤون عند ربهم من أصناف اللذات, المشتهيات؟ ذلك جزاء من أطاع ربه حق الطاعة, وعبده حق العبادة.

" ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون "(35)


ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال؟ بسبب ما كان منهم من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها, ويثيبهم الله على طاعتهم في الدنيا بأحسن ما كانوا يعملون, وهو الجنة.

" أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد " (36)


أليس الله بكاف عبده محمدا وعيد المشركين وكيدهم من أن ينالوه بسوء؟ بلى إنه سيكفيه في أمر دينه ودنياه, ويدفع عنه من أراده بسوء, ويخوفونك- يا محمد- بآلهتهم التي زعموا أنها ستؤذيك.
ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق, فما له من هاد يهديه إليه.


" ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام " (37)


ومن يوفقه الله للإيمان به والعمل بكتابه واتباع رسوله فما له من مضل عن الحق الذي هو عليه أليس الله بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه, وممن عصاه؟


" ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون " (38)


ولئن سألت- يا محمد- هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: من خلق هذه السموات والأرض؟ ليقولن: خلقهن الله, فهم يقرون بالخالق.
قل لهم, هل تستطيع هذه الآلهة التي تشركونها مع الله أن تبعد عني أذى قدره الله علي, أو تزيل مكروها لحق بي؟ وهل تستطيع أن تمنع نفعا يسره الله لي, أو تحبس رحمة الله عني؟ إنهم سيقولون : لا تستطيع ذلك.
قل لهم: حسبي الله وسيكفيني, كل ما أهمني عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم, فالذي بيده وحده الكفاية هو حبي, ريكفيني كل ما أمشي.


ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:33 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (485)
تفسير السعدى
(سورة الزمر)
من (39)الى (47)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الزمر





" قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون " (39)


فل- يا محمد- لقومك المعاندين: اعملوا على حالتكم التي رضيتموها لأنفسكم, حيث عبدتم من لا يستحق العبادة, وليس له من الأمر شيء, إني عامل على ما أمرت به من التوجه لله وحده في أقوالي وأفعالي,


" من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم " (40)


فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يهينه في الحياة الدنيا, ويحل عليه في الآخرة عذاب دائم؟ لا يحول عنه ولا يزول.

" إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل "(41)


إنا أنزلنا عليك- يا محمد- القرآن بالحق هداية للعالمين, إلى طريق الرشاد, فمن اهتدى بنوره, وعمل بما فيه, واستقام على منهجه, فنفع ذلك يعود على نفسه, ومن ضل بعد ما تبين له الهدى, فإنما يعود ضرره على نفسه, ولن يضر الله شيئا, وما أنت- يا محمد- عليهم بوكيل تحفظ أعمالهم, وتحاسبهم عليها, وتجبرهم على ما تشاء, ما عليك إلا البلاغ.


" الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " (42)


الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يقبض الأنفس حين موتها, وهذه الوفاة الكبرى, وفاة الموت بانقضاء الأجل, ويقبض التي لم تمت في منامها, وهي الموتة الصغرى, فيحبس من هاتين النفسين النفس التي قضى عليها الموت, وهي نفس من مات, ويرسل النفس الأخرى إلى استكمال أجلها ورزقها, وذلك بإعادتها إلى جسم صاحبها, إن في قبض الله نفس الميت والنائم وإرساله نفس النائم, وحبسه نفس الميت لدلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر.

" أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون " (43)


أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء, تشفع لهم عند الله في حاجاتهم؟ قل- يا محمد- لهم: اتتخذونها شفعاء كما تزعمون, ولو كانت الآلهة لا تملك شيئا, ولا تعقل عبادتهم لها؟


" قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون " (44)


قل- يا محمد- لهؤلاء المشركين: لله الشفاعة جميعا, له ملك السموات والأرض وما فيهما, فالأمر كله لله وحده, ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه, فهو الذي يملك السموات والأرض ويتصرف فيهما, فالواجب أن تطلب الشفاعة ممن يملكها, وأن تخلص له العبادة, ولا تطلب من هذه الآلهة التي لا تضر ولا تنفع, ثم إليه ترجعون بعد مماتكم للحساب والجزاء.

" وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون " (45)


وإذا ذكر الله وحده نفرت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات, وإذا ذكر الذين من دونه من الأصنام والأوثان والأولياء إذا هم يفرحون؟ لكون الشرك موافقا لأهوائهم.

" قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " (46)


قل: اللهم يا خالق السموات والأرض ومبدعها على غير مال سبق, عالم السر والعلانية, أنت تفصل بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون من القول فيك, وفي عظمتك وسلطانك والإيمان بك وبرسولك, اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك, إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم وكان هذا من دعائه صلى الله عليه وسلم, وهو تعليم للعباد بالالتجاء إلى الله تعالى, ودعائه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.


" ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " (47)


ولو أن لهؤلاء المشركين بالله ما في الأرض جميعا من مال وذخائر, ومثله معه مضاعفا, لبذلوه يوم القيامة؟ ليقتدرا به من سوء العذاب, ولو بذلوا وافتدوا به ما قبل منهم, ولا أغنى عنهم من عذاب الله شيئا, وظهر لهم يومئذ من أمر الله وعذابه ما لم يكونوا يحتسبون في الدنيا أنه نازل بهم.




ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:34 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (486)
تفسير السعدى
(سورة الزمر)
من (48)الى (56)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الزمر




" وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " (48)


وظهر لهؤلاء المكذبين يوم الحساب جزاء سيئاتهم التي اقترفوها, حيث نسبوا إلى الله ما لا يليق به, وارتكبوا المعاصي في حياتهم, وأحاط بهم من كل جانب عذاب أليم؟ عقابا لهم على استهزائهم بالإنذار بالعذاب الذي كان الرسول يعذبهم به, ولا يأبهون له.

" فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " (49)


فاذا أصاب الإنسان شدة وضر, طلب من رده أن يفرج عنه, فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرا, ولفضله منكرا, وقال: إن الذي أوتيته إنما هو على علم من الله أني له أهل ومستحق, بل ذلك فتنة يبتلي الله بها عباده؟ لينظر من يشكره ممن يكفره, ولكن أكثرهم- لجهلهم وسوء ظنهم وقولهم- لا يعلمون؟ فلذلك يحذون الفتنة منحة.


" قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " (50)


قد قال مقالتهم هذه من قبلهم من الأمم الخالية المكذبة؟ فما أغنى عنهم حين جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من الأموال والأولاد.

" فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين " (51)


فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية وبال سيئات ما كسبوا من الأعمال, فعوجلوا بالخزي في الحياة الدنيا, والذين ظلموا أنفسهم من قومك يا محمد, وقالوا هذه المقالة, يصيبهم أيضا وبال سيئات ما كسبوا, كما أصاب الذين من قبلهم, وما هم بفاتنين الله ولا سابقيه.

" أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " (52)


أو لم يعلم هؤلاء أن رزق الله للإنسان لا يدل على حسن حال صاحبه, فإن الله لبالغ حكمته يوسع الرزق لمن يشاء من عباده, صالحا كان أو طالحا, ويضيقه على من يشاء منهم؟ إن في ذلك التوسع والتضييق في الرزق لدلالات واضحات لقوم يصدقون أمر الله ويعملون به.


" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " (53)


قل- يا محمد- لعبادي الذين تمادوا في المعاصي, وأصرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه من الذنوب: لا تيئسوا من رحمة الله؟ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.

" وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون "(54)


وارجعوا إلى ربكم- أيها الناس- بالطاعة والتوبة, واخضعوا له من قبل أن يقع بكم عقابه, ثم لا ينصركم أحد من دون الله.


" واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون " (55)


واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم, وهو القرآن العظيم, وكله حسن, فامتثلوا أوامره, واجتنبوا نواهية من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة, وأنتم لا تعلمون به.


" أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين " (56)


وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به, وقصرت في طاعته وحقه, وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.

ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:36 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (487)
تفسير السعدى
(سورة الزمر)
من (57)الى (66)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الزمر




" أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين " (57)


أو تقول: لو أن الله أرشدني إلى دينه لكنت من المتقين الشرك والمعاصي.

" أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين " (58)


أو تقول حين ترى عقاب الله قد أحاط بها يوم الحساب: ليت لي رجعة إلى الحياة الدنيا فأكون فيها من الذين أحسنوا بطاعة ربهم , والعمل بما أمرتهم به الرسل.

" بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين " (59)


ما القول كما تقول, فد جاءتك آياتي الواضحة الدالة على الحق, فكذبت بها, واستكبرت عن قبولها واتباعها, وكنت من الكافرين بالله ورسله.

" ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين " (60)


ويوم القيامة ترى هؤلاء المكذبين الذين وصفوا ربهم بما لا يليق به, ونسبوا إليه الشريك والولد وجوههم مسودة.
أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله, فامتنع من توحيده وطاعته؟ بلى.



" وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " (61)


وينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه بفوزهم وتحقق أمنيتهم, وهي الظفر بالجنة, لا يمسهم من عذاب جهنم شيء, ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.

" الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل " (62)


الله تعالى هو خالق الأشياء كلها, وربها ومليكها والمتصرف فيها, وكل تحت تدبيره وقهره, وهو على كل شيء وكيل.


" له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون " (63)


لله مفاتيح خزائن السموات والأرض, يعطي منها خلقه كيف يشاء والذين جحدوا بآيات القرآن وما فيها من الدلائل الواضحة, أولئك هم الخاسرون في الدنيا بخذلانهم عن الإيمان, وفي الآخرة بخلودهم في النار.

" قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون "(64)


قل- يا محمد- لمشركي قومك: أفغير الله أيها الجاهلون بالله تأمرونن أن أعبد, ولا تصلح العبادة لشيء سواه؟

" ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " (65)


ولقد أوحي إليك- يا محمد- وإلى من قبلك من الرسل: لئن أشركت بالله غيره ليبطلن عملك, ولتكونن من الهالكين الخاسرين دينك وآخرتك, لأنه لا تقبل مع الشرك عمل صالح.


" بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " (66)


بل الله فاعبد- يا محمد- مخلصا له العبادة وحده لا شريك له, وكن من الشاكرين لله نعمه

ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:37 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (488)
تفسير السعدى
(سورة الزمر)
من (67)الى (75)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الزمر




" وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون "(67)


وما عظم هؤلاء المشركون الله حق تعظيمه; إذ عبدوا معه غيره مما لا ينفع ولا يضر, فسووا المخلوق مع عجزه بالخالق العظيم, الذي من عظيم فدرته أن جميع الأرض في فبضته يوم القيامة, والسموات مطويات بيمينه, تنزه وتعاظم سبحانه وتعالى عما يشرك به هؤلاء المشركون وفي الآية دليل على إثبات القبضة, واليمين, والطي, لله كما يليق بجلاله وعظمته, من غير تكييف ولا

" ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " (68)


ونفخ في " القرن " فمات كل من في السموات والأرض, إلا من شاء الله عدم موته, ثم نفخ الملك فيه نفخة ثانية مؤذنا بإحياء جميع الخلائق للحساب أمام ربهم, فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم؟

" وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون " (69)


وأضاءت الأرض يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء, ونشرت الملائكة صحيفة كل فرد, وجيء بالنبيين والشهود على الأم؟ ليسأل الله النبيين عن التبليغ وعما أجابتهم به أممهم, كما تأتي أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لتشهد بتبليغ الرسل السابقين لأممهم إذا أنكرت هذا التبليغ, فتقوم الحجة على الأمم, وقضى رب العالمين بين العباد بالعدل التام, وهم لا يظلمون شيئا بنقص ثواب أو زيادة عقاب.

" ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون " (70)


ووفى الله كل نفس جزاء عملها من خير وضر, وهو سبحانه وتعالى أعلم بما يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية

" وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين " (71)


وسيق الذين كفروا بالله ورسله إلى جهنم جماعات, حتى إذا جاؤوها فتح الخزنة الموكلون بها أبوابها السبعة, وزجروهم قائلين: كيف تعصون الله وتجحدون ربوبيته؟ ألم يرسل إليكم رسلا منكم يتلون عليكم أيات ربكم, ويحذرونكم أهوال هذا اليوم؟ قالوا مقرين بذنبهم, بلى قد جاءت رسل ربنا بالحق, وحذرونا هذا اليوم, ولكن وجبت كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به.

" قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " (72)


قيل للجاحدين إهانة لهم وإذلالا: ادخلوا أبواب جهنم ماكثين فيها أبدا, ففتح مصير المتعالين على الإيمان بالله والعمل بشرعه.

" وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " (73)


وسيق الذين اتقوا ربهم بتوحيده والعمل بطاعته إلى الجنة جماعات, حتى إذا جاؤوها وجدوا أبوالها مفتوحة, فترحب بهم الملائكة الموكلون بالجنة, ويحيونهم بالبشر والسرور; لطهارتهم من آثار المعاصي قائلين لهم: سلام عليكم من كل آفة, طابت أحوالكم, فادخلوا الجنة خالدين فيها.

" وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين " (74)


وقال المؤمنون: الحمد لله الذي صدقنا وعده الذي, عدنا إياه على ألسنة رسله, وأورثنا أرض الجنة ننزل منها في أي مكان شئنا, فنعم ثواب المحسنين الذين اجتهدوا في طاعة ربهم.


" وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين "(75)


وترى- يا محمد- الملائكة محيطين بعرض الرحمن, ينزهون ربهم عن كل ما لا يليق به, وقضى الله سبحانه وتعالى بين الخلائق بالحق والعدل, فأسكن أهل الإيمان الجنة, وأهل الكفر النار, وقيل: الحمد لله رب العالمين على ما قضى به بين أهل الجنة وأهل النار, حمد فضل وإحسان, وحمد عدل وحكمة.

ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:39 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (489)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (1)الى (10)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر




" حم " (1)



(حم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.


" تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم " (2)


تنزيل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله- عز وجل- العزيز الذي قهر بعزته كل مخلوق, العليم بكل شيء.


" غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير " (3)


غافر الذنب للمذنبين, وقابل التوب من التائبين, شديد العقاب على من تجرأ على الذنوب, ولم يتب منها, وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضل على عباده الطائعين, لا معبود تصلح العبادة له سواه, إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب, فيجازي كلا بما يستحق.


" ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد " (4)


ما يخاصم في آيات القرآن وأدلته على وحدانية الله, ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون الذين جحدوا توحيده, فلا يغررك- يا محمد- ترددهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب, ونعيم الدنيا وزهرتها.


" كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب " (5)


كذبت قبل هؤلاء الكفار قوم نوح ومن تلاهم من الأمم التي أعلنت حربها على الرسل كعاد وثمود, حيث عزموا على إيذائهم وتجمعوا عليهم بالتعذيب أو القتل, وهمت كل أمة من هذه الأمم المكذبة برسولهم ليقلوه, وخاصموا بالباطل؟ ليبطلوا بجدالهم الحق فعاقبتهم, فكيف كان عقابي إياهم عبرة للخلق, وعظة لمن يأتي بعدهم؟

" وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار " (6)


وكما حق العقاب على الأمم السابقة التي كذبت رسلها, حق على الذين كفروا أنهم أصحاب النار.


" الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم " (7)


الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومن حول العرش ممن يحف به منهم, ينزهون الله عن كل نقص, ويحمدونه بما هو أهل له, ويؤمنون به حق الإيمان, ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين, قائلين: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما, فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي, وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام, وجنبهم عذاب النار وأهوالها.


" ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم " (8)


ربنا وادخل المؤمنين جنات عدن التي وعدتهم, ومن صلح بالإيمان والعمل الصالح من أبائهم وأزواجهم وأولادهم.
إنك أنت العزيز القاهر لكل شيء, الحكيم في تدبيره وصنعه



" وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم " (9)


واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم, فلا تؤاخذهم بها, ومن تصرف عنه السيئات يوم الحساب فقد رحمته, وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك, وذلك هو الظفر العظيم الذي لا فوز مثله.


" إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون " (10)


إن الجاحدين بالله عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم, يمقتون أنفسهم أشد المقت, وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم: لمقت الله لكم في الدنيا- حين طلب منكم الإيمان به واتباع رسله, فأبيتم- أكبر من بغضكم لأنفسكم الآن, بعد أن أدركتم أنكم تستحقون سخط الله وعذابه.



ابوالوليد المسلم 13-07-2020 04:40 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (490)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (11)الى (19)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر






" قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل " (11)


فال الكافرون: ربنا أمتنا مرتين: حين كنا في بطون أمهاتنا نطفا قبل نفخ الروح, وحين انقضى أجلنا في الحياة الدنيا, وأحييتنا مرتين: في دار الدنيا, يوم ولدنا, ويوم بعثنا من قبورنا, فنحن الآن نقر بأخطائنا السابقة؟ فهل لنا من طريق نخرج به من النار, وتعيدنا به إلى الدنيا؟ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا الاعتراف.


" ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير " (12)


ذلكم العذاب الذي لكم- أيها الكافرون- بسبب أنكم كنتم إذا دعيتم لتوحيد الله وإخلاص العمل له كفرتم به, وإن يجعل لله شريك تصدقوا بذلك, وتعملوا به فالله سبحانه وتعالى هو الحاكم في خلقه, العادل الذي لا يجور, يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء, لا إله إلا هو الذي له العلو المطلق, وله الكبرياء والعظمة.


" هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب " (13)


هو الذي يظهر لكم- أيها الناس- قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها, وينزل لكم من الماء مطرا ترزقون به, وما يتذكر بهذه الآيات إلا من يرجع إلى طاعة الله, ويخلص له العبادة.

" فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " (14)


فأخلصوا- أيها المؤمنون- لله وحده العبادة والدعاء, وخالفوا المشركين في مسلكهم, ولو أغضبهم ذلك, فلا تبالوا بهم.


" رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق " (15)


إن الله هو العلي الأعلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعا باين به مخلوقاته, وارتفع به قدره, وهو صاحب العرش العظيم, ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به, فيكونون على بصيرة من أمرهم؟ لتخوف الرسل عباد الله, وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون.

" يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " (16)


يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم, لا يخفى على الله منهم ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء, يقول الله سبحانه: لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله, القهار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته.


" اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب " (17)


اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر, لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته.
إن الله سبحانه وتعالى سريع الحساب, فلا تستبطئوا ذلك اليوم؟ فإنه قريب.


" وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع " (18)


وحذر- يا محمد- الناس من يوم القيامة القريب, وإن استبعدوه, إذ قلوب العباد من مخافة عقاب الله قد ارتفعت من صدورهم, فتعلقت بحلوقهم, وهم ممتلئون غما وحزنا.
ما للظالمين من قريب ولا صاحب, ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم, فيستجاب له.



" يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " (19)


يعلم الله سبحانه ما تختلسه العيون من نظرات, وما يضمره الإنسان في نفسه من خير أو شر.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:17 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (491)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (20)الى (28)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر




" والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير " (20)


والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه, والذين يعبدون من دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء؟ لعجزهم عن ذلك.
إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم, البصير بأفعالكم وأعمالكم.



" أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق " (21)


أولم يسر في الأرض هؤلاء المكذبون برسالتك يا محمد, فينظروا كيف كان خاتمة الأمم السابقة قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشا, وأبقى في الأرض أثارا, فلم تنفعهم شدة قواهم وظم أجسامهم, فأخذهم الله بعقوبته بسبب كفرهم واكتسابهم الآثام, وما كان لهم من عذاب الله من واق يقيهم منه, فيدفعه عنهم.


" ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب "(22)


ذلك العذاب الذي حل بالمكذبين السابقين, كان بسبب موقفهم من رسل الله الذين جاؤوا بالدلائل القاطعة على صدق دعواهم, فكفروا بهم, وكذبوهم, فأخذهم الله بعقابه, إنه سبحانه قوي لا يغلبه أحد, شديد العقاب لمن كفر به وعصاه.


" ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين " (23)


ولقد أرسلنا موسى بآياتنا العظيمة الدالة على حقيقة ما أرسل به, وحجة واضحة بينة على صدقه في دعوته, وبطلان ما كان عليه من أرسل إليهم.


" إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب " (24)


إلى فرعون ملك مصرا, وهامان, وزيره, وقارون صاحب الأموال والكنوز, فأنكروا رسالته واستكبروا, وقالوا عنه: إنه ساحر كذاب, فكيف يزعم أنه أرسل للناس رسولا؟


" فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال " (25)


فلما جاء مؤسى فرعون وهامان وقارون بالمعجزات الظاهرة من عندنا, لم يكتفوا بمعارضتها وإنكارها, بل قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه, واستبقوا نساءهم للخدمة والاسترتاق.
وما تدبير أهل الكفر إلا في ذهاب وهلاك.



" وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد "(26)


وقال فرعون لأشراف قومه: اتركوني أقتل موسى, ليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا, فيمنعه منا, إني أخاف أن يبدل دينكم الذي أنتم عليه, أو أن يظهر في أرض " مصر " الفساد.


" وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب " (27)


وقال موسى لفرعون وملئه: إني استجرت بربي وربكم- أيها القوم- من كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه.


" وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " (28)


وقال رجل مؤمن بالله من آل فرعون, يكتم إيمانه منكرا على قومه: كيف تستحلون قتل رجل لا جرم له عندكم إلا أن يقول ربي الله, وقد جاءكم بالبراهين القاطعة من ربكم على صدق ما يقول؟ فإن يك موسى كاذبا فإن وبال كذبه عائد عليه وحده, وإن يك صادقا لحقكم بعض الذي يتوعدكم به, إن الله لا يوفق للحق من هو متجاوز للحد, بترك الحق, والإقبال على الباطل, كذاب بنسبته ما أسرف فيه إلى الله.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:19 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (492)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (29)الى (38)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر




" يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "(29)


يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في الأرض على بني إسرائيل, فمن يدفع عنا عذاب الله إن حل بنا؟ قال فرعون لقومه مجيبا: ما أريكم- أيها الناس- من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحا وصوابا, وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب.


" وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب " (30)


وقال الرجل المؤمن من آل فرعون لفرعون, وملئه واعظا ومحذرا: إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى, مثل يوم الأحزاب الذين تحزبوا على أنبيائهم.

" مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد " (31)


مثل عادة قوم نوح وعاد وثمود ومن جاء بعدهم في الكفر والتكذيب, أهلكهم الله بسبب ذلك.
وما الله سبحانه يريد ظلما للعباد, فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه تعالى الله عن الظلم والنقص علوا كبيرا.



" ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " (32)


ويا قوم إني أخاف عليكم عقاب يوم ينادي فيه بعض الناس بعضا; من هول الموقف يوم القيامة.

" يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " (33)


يوم تولون ذاهبين هاربين, ما لكم من الله من مانع يمنعكم وناصر ينصركم.
ومن يخذله الله ولم يوفقه إلى رشده, فما له من هاد يهديه إلى الحق والصواب.



" ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب " (34)


ولقد أرسل الله إليكم النبي الكريم يوسف بن يعقوب عليهما السلام من قبل موسى, بالدلائل الواضحة على صدقه, وأمركم بعبادة الله وحده لا شريك له, فما زلتم مرتابين مما جاءكم به في حياته, حتى إذا مات ازداد شككم وشرككم, وقلتم : إن الله لن يرسل من بعده رسولا, مثل ذلك الضلال يضل الله كل متجاوز للحق, شاك في وحدانية الله تعالى, فلا يوفقه إلى الهدى والرشاد.


" الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " (35)


الذين يخاصمون في أيات الله وحججه لدفعها من غير أن يكون لديهم حجة مقبولة, كبر ذلك الجدال مقتا عند الله وعند الذين آمنوا, كما ختم بالضلال وحجب عن الهدى قلوب هؤلاء المخاصمين, يختم الله على قلب كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.


" وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب " (36)


وقال فرعون مكذبا لموسى في دعوته إلى الإقرار برب العالمين والتسليم له: يا هامان إبن لي بناء عظيما; لعلي أبلغ أبواب السموات وما يوصلني إليها,


" أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب " (37)


فأنظر إلى إله موسى بنفسي, وإني لأظن موسى كاذبا في دعواه أن لنا ربا, وأنه فوق السموات, وهكذا زين لفرعون عمله السيء فرآه حسنا, وصد عن سبيل الحق؟ بسبب الباطل الذي زين له, وما احتيال فرعون وتدبيره لإيهام الناس أنه محق, وموسى مبطل إلا في خسار وبوار, لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة.


" وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد " (38)


وقال الذي آمن معيدا نصيحته لقومه : يا قوم اتبعون أهدكم طريق الرشد والصواب.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:21 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (493)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (39)الى (47)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر



" يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار " (39)


يا قوم إن هذه الحياة الدنيا حياة يتنعم الناس فيها قليلا, ثم تنقطع وتزول, فينبغي ألا تركنوا إليها, وإن الدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم هي محل الإقامة التي تستقرون فيها, فينبغي لكم أن تؤثروها, وتعملوا لها العمل الصالح الذي يسعدكم فيها.


" من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "(40)


من عصى الله في حياته وانحرف عن طريق الهدى, فلا يجزى في الآخرة إلا عقابا يساوي معصيته, ومن أطاع الله وعمل صالحا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, ذكرا كان أو أنثى, وهو مؤمن بالله موحد له, فأولئك يدخلون الجنة, يرزقهم الله فيها من ثمارها ونعيمها ولذاتها بغير حساب.


" ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار " (41)


ويا قوم كيف أدعوكم إلى الإيمان بالله واتباع رسوله موسى, وهي دعوة تنتهي بكم إلى الجنة والبعد عن أهوال النار, وأنتم تدعونني إلى عمل يؤدي إلى عذاب الله وعقوبته في النار؟


" تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار "(42)


تدعونني لأكفر بالله, وأشرك به ما ليس لي به علم أنه يستحق العبادة من دونه- وهذا من أكبر الذنوب وأقبحها- وأنا أدعوكم إلى الطريق الموصل إلى الله العزيز في انتقامه, الغفار لمن تاب إليه بعد معصيته.

" لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار " (43)


حقا أن ما تدعونني إلى الاعتقاد به لا يستحق الدعوة إليه, ولا يلجأ إليه في الدنيا ولا في الآخرة لعجزه ونقصه, واعلموا أن مصير الخلائق كلها إلى الله سبحانه, وهو يجازي كل عامل بعمله, وأن الذين تعدوا حدوده بالمعاصي وسفك الدماء والكفر هم أهل النار.


" فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " (44)


فلما نصحهم ولم يطيعوه قال لهم: فستذكرون أني نصحت لكم وذكرتكم, وصوت تندمون حيث لا ينفع الندم, وألجأ إلى الله, وأعتصم به, وأتوكل عليه.
إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد, وما يستحقونه من جزاء, لا يخفى عليه شيء منها.



" فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب " (45)


فوقى الله سبحانه ذلك الرجل المزمن الموفق عقوبات مكر فرعون وآله, وحل بهم سوء العذاب حيث أغرقهم الله عن آخرهم.

" النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " (46)


لقد أصابهم الغرق أولا, وملكوا, ثم يعذبون في قبورهم حيث النار, يعرضون عيها صباحا ومساء إلى وقت الحساب, ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون النار؟ جزاء ما اقترفوه من أعمال السوء وهذه الآية أصل في إثبات عذاب القبر.

" وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار " (47)


وإذ يتخاصم أهل النار, ويعاتب بعضهم بعضا, فجتبي الأتباع المقلدون على رؤسائهم المستكبرين الذين أضلوهم, وزينوا لهم طريق الشقاء, قائلين لهم: هل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار بتحملكم قسطا من عذابنا؟

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:22 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (494)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (48)الى (57)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر



" قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد " (48)


قال الرؤساء المتكبرون مبينين عجزهم: لا نتحمل عنكم شيئا من عذاب النار, وكلنا فيها, لا خلاص لنا منها, إن الله قد قسم بيننا العذاب بقدر ما يستحق كل منا بقضائه العادل.


" وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب " (49)


وقال الذين في النار من المستكبرين والضعفاء لخزنة جهنم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوما واحدا من العذاب؟ كي تحصل لنا بعض الراحة.


" قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " (50)


قال خزنة جهنم لهم توبيخا: هذا الدعاء لا ينفعكم في شيء, أولم تأتكم رسلكم بالحجج الواضحة من الله فكذبتموهم؟ فاعترف الجاحدون بذلك وقالوا: بلى فتبرأ خزنة جهنم منهم وقالوا: نحن لا ندعو لكم, ولا نشفع فيكم, فادعوا أنتم, ولكن هذا الدعاء لا يغني شيئا؟ لأنكم كافرون وما دعاء الكافرين إلا في ضياع لا يقبل, ولا يستجاب.


" إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " (51)


إنا لننصر رسلنا ومن تبعهم من المؤمنين, ونؤيدهم على من آذاهم في حياتهم الدنيا, ويوم القيامة, يوم تشهد فيه الملائكة والأنبياء والمؤمنون على الأمم التي كذبت رسلها, فتشهد بأن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم, وأن الأمم كذبتهم.

" يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " (52)


يوم الحساب لا ينتفع الجاحدون الذين تعدوا حدود الله بما يقدمونه من عذر لتكذيبهم رسل الله, ولهم الطرد من رحمة الله, ولهم الدار السيئة في الآخرة, وهي النار.


" ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب "(53)


ولقد آتينا موسى ما يهدي إلى الحق من التوراة والمعجزات, وجعلنا بني إسرائيل يتوارثون التوراة خلفا عن سلف,


" هدى وذكرى لأولي الألباب " (54)


هادية إلى سبيل الرشاد, وموعظة لأصحاب العقول السليمة.

" فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار " (55)


فاصبر- يا محمد- على أذى المشركين, فقد وعدناك بإعلاء كلمتك, ووعدنا حق لا يتخلف, واستغفر لذنبك, ودم على تنزيه ربك عما لا يليق به, في آخر النهار وأوله.

" إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير " (56)


إن الذين يخاصمون في آيات الله ودلائل قدرته, ويخلطون الدلائل الواضحة بالباطل من غير أن تكون لديهم حجة بينة, ما في صدور هؤلاء إلا كبر يحملهم على تكذيبك, وحسد منهم على الفضل الذي خصك الله به, ما هم ببالغيه, فاعتصم بالله من شرهم؟ إنه هو السميع لأقوالهم, البصير بأفعالهم.


" لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (57)


لخلق الله السموات والأرض أكبر من خلق الناس وإعادتهم بعد موتهم, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:23 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (495)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (58)الى (66)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر



" وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون " (58)


وما يستوي الأعمى والبصير, وكذلك لا يستوي المؤمنون الذين يهتدون بهدي الله ويقزون بوحدانيته, والجاحدون الذين يغضبونه وينكرون دلائله البينة.
قليلا ما تذكرون- أيها الناس- حجج الله, فتعتبرون, وتتعظون بها.



" إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " (59)


إن الساعة لآتية لا شك فيها, فأيقنوا بمجيئها, كما أخبرت بذلك الرسل, ولكن أكثر الناس لا يصدقون بمجيئها, ولا يعملون لها.


" وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " (60)


وقال ربكم- أيها العباد-: ادعوني وحدي وخصوني بالعبادة أستجب لكم, إن الذين يتكبرون عن إفرادي بالعبودية والألوهية, سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين.


" الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون " (61)


الله وحده هو الذي جعل لكم الليل؟ لتسكنوا فيه, وتحققوا راحتكم, والنهار مضيئا؟ لتصرفوا فيه أمور معاشكم إن الله لذو فضل عظيم على الناس, ولكن أكثرهم لا يشكرون له بالطاعة وإخلاص العبادة.

" ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون " (62)


الذي أنعم عليكم بهذه النعم إنما هو ربكم الذي أوجد الأشياء كلها, لا إله يستحق العبادة غيره, فكيف تعدلون عن الإيمان به, وتعبدون غيره من الأوثان, بعد أن تبينت لكم دلائله؟


" كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون " (63)


كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه وكذبتم به, يصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بآيات الله يجحدون .


" الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين "(64)


الله الذي جعل لكم الأرض, لتستقروا فيها, ويسر لكم الإقامه عليها, وجعل السماء سقفا للأرض, وبث فيها من العلامات الهادية, وخلقكم في أكمل هيئة وأحسن تقويم, وأنعم عليكم بحلال الرزق ولذيذ المطاعم والمشارب, ذلكم الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو ربكم, فتكاثر خيره وفضله وبركته, وتنزه عما لا يليق به, وهو رب الخلائق أجمعين.


" هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين " (65)


هو الله سبحانه الحي الذي له الحياة الكاملة التامة لا إله غيره, فاسألوه واصرفوا عبادتكم له وحده, مخلصين له دينكم وطاعتكم.
فالحمد لله والثناء الكامل له رب الخلائق أجمعين.


" قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين " (66)


قل- يا محمد- لمشركي قومك: إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله, لما جاءني الآيات الواضحات من عند ربي, وأمرني أن أضع وأنقاد بالطاعة التامة له, سبحانه رب العالمين.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:25 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (496)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (67)الى (76)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر



" هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون " (67)


هو الله الذي خلق أباكم آدم من تراب, ثم أوجدكم من المني بقدرته, وبعد ذلك تنتقلون إلى طور الدم الغليظ, ثم تجري عليكم أطوار متعددة في الأرحام, إلى أن تولدوا أطفالا صغارا, ثم تقوى بنيتكم إلى أن تصيروا شيوخا, ومنكم من يموت قبل ذلك, ولتبلغوا بهذه الأطوار المقدرة أجلا مسمى تنتهي عنده أعماركم, ولعلكم تعقلون حجج الله عليكم بذلك, تتدبرون آياته, فتعرفون أنه لا إله غيره يفعل ذلك, وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له.

" هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " (68)


هو سبحانه المتفرد بالإحياء والإماتة, فإذا قضى أمرا فإنما يقول له: " كن " , فيكون, لا راد لقضائه.


" ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون " (69)


ألا تعجب- يا محمد- من هؤلاء المكذبين بآيات الله يخاصمون فيها, وهي واضحة الدلالة على توحيد الله وقدرته, كيف يعدلون عنها مع صحتها؟ وإلى أي شيء يذهبون بعد البيان التام؟

" الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون " (70)


هؤلاء المشركون الذين كذبوا بالقرآن والكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله لهداية الناس, فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم

" إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون " (71)


حين تجعل الأغلال في أعناقهم, والسلاسل في أرجلهم, وتسحبهم زبانية العذاب

" في الحميم ثم في النار يسجرون " (72)


في الماء الحار الذي اشتد غليانه وحره, ثم في نار جهنم يوقد بهم.

" ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون " (73)


ثم قيل لهم توبيخا, وهم في هذه الحال التعيسة: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ هل ينصرونكم اليوم؟ فادعوهم, لينقذوكم من هذا البلاء الذي حل بكم إن استطاعوا,


" من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين " (74)


قال المكذبون: غابوا عن عيوننا, فلم ينفعونا بشيء, ويعترفون بأنهم كانوا في جهالة من أمرهم, وأن عبادتهم لهم كانت باطلة لا تساوي شيئا, كما أضل الله هؤلاء الذين ضل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله, يضل الله الكافرين به.

" ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون " (75)


ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا من غفلة, حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام, وبما أنتم عليه من الأشر والبطر والبغي على عباد الله.


" ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " (76)


ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بالله ومعصيتكم له خالدين فيها, فبئست جهنم نزلا للمتكبرين في الدنيا على الله.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:26 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (497)
تفسير السعدى
(سورة غافر)
من (77)الى (85)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة غافر





" فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون " (77)


فاصبر يا محمد, وامض في طريق الدعوة, إن وعد الله حق, وسينجز لك ما وعدك, فإما نرينك في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب, أو نتوفينك قبل أن يحل نلك بهم, فعلينا مصيرهم يوم القيامة, وسنذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.

" ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون " (78)


ولقد أرسلنا من قبلك- يا محمد- رسلا كثيرين إلى قومهم يدعونهم, ويصبرون على أذاهم: منهم من قصصنا عليك خبرهم, ومنهم من لم نقصص عليك, وكلهم مأمورون بتبليغ وحي الله إليهم.
وما كان لأحد منهم أن يأتي بآية من الآيات الحسية أو العقلية إلا بإذن الله ومشيئته, فإذا جاء أمر الله بعذاب المكذبين قضي بالعدل بين الرسل ومكذبيهم, وخسر هنالك المبطلون, لافترائهم على الله الكذب, وعبادتهم غيره.



" الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون " (79)


الله سبحانه هو الذي جعل لكم الأنعام؟ لتنتفعوا بها: من منافع الركوب والأكل وغيرها من أنواع المنافع,

" ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون " (80)


ولتبلغوا بالحمولة على بعضها حاجة في صدوركم من الوصول إلى الأقطار البعيدة, وعلى هذه الأنعام تحملون في البرية, وعلى الفلك في البحر تحملون كذلك.


" ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون " (81)


ويريكم الله تعالى دلائله الكثيرة الواضحة الدالة على قدرته وتدبيره في خلقه, فأي آية من آياته تنكرونها, لا تعترفون بها؟

" أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " (82)


أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض, يتفكروا في مصارع الأم المكذبة من قبلهم, كيف كانت عاقبتهم؟ وكانت هذه الأمم السابقة أكثر منهم عددا وعدة وآثارا في الأرض من الأبنية والمصانع والغراس وغير ذلك, فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبونه حين حل بهم بأس الله.

" فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " (83)


فلما جاءت هؤلاء الأمم المكذبة رسلها بالدلائل الواضحات, فرحوا جهلا منهم بما عندهم من العلم المناقض لما جاءت به الرسل, وحل بهم من العذاب ما كانوا يستعجلون به رسلهم على سبيل السخرية والاستهزاء.
وفي الآية دليل على أن كل علم يناقض الإسلام, أو يقدح فيه, أو يشكك في صحته, فإنه مذموم ممقوت, ومعتقده ليس من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.



" فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين " (84)


فلما رأوا عذابنا أقروا حين لا ينفع الإقرار, وقالوا: آمنا بالله وحده, وكفرنا بما كنا به مشركين في عبادة الله.


" فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون " (85)


فلم يك ينفعهم إيمانهم هذا حين رأوا عذابنا; وذلك لأنه إيمان قد اضطروا إليه, لا إيمان اختيار ورغبة, سنة الله وطريقته التي سنها في الأمم كلها أن لا ينفعها الإيمان إذا رأوا العذاب, وهلك عند مجيء بأس الله الكافرون بربهم, الجاحدون توحيده وطاعته.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:28 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (498)
تفسير السعدى
(سورة فصلت)
من (1)الى (9)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة قصلت



" حم " (1)




(حم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.

" تنزيل من الرحمن الرحيم "(2)


هذا القرآن الكريم تنزيل من الرحمن الرحيم, نزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

" كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " (3)


كتاب بينت آياته تمام البيان؟ ووضحت معانيه وأحكامه, قرآنا عربيا ميسرا فهمه لقوم يعلمون اللسان العربي.

" بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون " (4)


بشيرا بالثواب العاجل والآجل لمن آمن به وعمل بمقتضاه, ونذيرا بالعقاب العاجل والآجل لمن كفر به, فأعرض عنه أكثر الناس, فهم لا يسمعون له سماع قبول وإجابة.


" وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون "(5)


وقال هؤلاء المعرضون الكافرون للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: قلوبنا في أغطية مانعة لنا من فهم ما تدعونا إليه, وفي أذاننا صمم فلا نسمع, ومن بيننا وبينك- يا محمد- ساتر يحجبنا عن إجابة دعوتك, فاعمل على وفق دينك, كما أننا عاملون على وفق ديننا.

" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين " (6)


قل لهم- يا محمد-: إنما أنا بشر مثلكم يوحي الله إلي أنما إلهكم الذي تصلح العبادة له, إله واحد لا شريك له, فاسلكوا الطريق الموصل إليه, واطلبوا مغفرته.


" الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون " (7)


وعذاب للمشركين الذين عبدوا من دون الله أوثانا لا تنفع ولا تضر, والذين لم يطهروا أنفسهم توحيد ربهم, والإخلاص لله, ولم يصلوا ولم يزكوا, فلا إخلاص منهم للخالق ولا نفع فيهم للخلق, وهم لا يؤمنون بالبعث, ولا بالجنة والنار, ولا ينفقون في طاعة الله.

" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون " (8)


إن الذين آمنوا بالله ورسوله وكتابه وعملوا الأعمال الصالحة مخلصين لله فيها, لهم ثواب عظيم غير مقطوع ولا ممنوع.


" قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين " (9)



فل- يا محمد- لهؤلاء المشركين مؤبخا لهم ومتعجبا من فعلهم: أإنكم لتكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين اثنين, وتجعلون له نظراء وشركاء تعبدونهم معه؟ ذلك الخالق هو رب العالمين كلهم.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:31 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (499)
تفسير السعدى
(سورة فصلت)
من (10)الى (18)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة قصلت







" وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين " (10)


وجعل سبحانه في الأرض جبالا ثوابت من فوقها, وبارك فيها فجعلها دائمة الخير لأهلها, وقدر فيها أرزاق أهلها من الغذاء, وما يصلحهم من المعاش في تمام أربعة أيام: يومان خلق فيهما الأرض, ويومان جعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها, سواء للسائلين أي: لمن أراد السؤال عن ذلك؟ ليعلمه.

" ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " (11)


ثم استوى سبحانه وتعالى, أي قصد إلى السماء وكانت دخانا من قبل, فقال للسماء وللأرض: انقادا لأمري مختارتين أو مجبرتين.
قالتا: أتينا مذعنين لك, ليس لنا إرادة تخالف إرادتك.


" فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم "(12)


فقضى الله خلق السموات السبع وتسويتهن في يومين, فتم بذلك خلق السموات والأرض في ستة أيام, لحكمة يعلمها الله, مع قدرته سبحانه على خلقهما في لحظة واحدة, وأوحى في كل سماء ما أراده وما أمر به فيها, وصلنا السماء الدنيا بالنجوم المضيئة, وحفظا لها من الشياطين الذين يسترقون السمع, ذلك الخلق البديع تقدير العزيز في ملكه, العليم الذي أحاط علمه بكل شيء.

" فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " (13)


فإن أعرض هؤلاء المكذبون بعدما بين لهم من أوصاف القرآن الحميدة, ومن صفات الله العظيم, فقل لهم: قد أنذرتكم عذابا يستأصلكم مثل عذاب عاد وثمود حين كفروا بربهم وعصوا رسله.

" إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون " (14)


حين جاءت الرسل عادا وثمود, يتبع بعضهم بعضا متوالين, يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له, قالوا لرسلهم: لو شاء ربنا أن نوحده, ولا نعبد من دونه شيئا غبره, لأنزل إلينا ملائكة من السماء رسلا بما تدعوننا إليه, ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا, فإنا بما أرسلكم الله به إلينا من الإيمان بالله وحده جاحدون.

" فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون " (15)


فأما عاد قوم هود فقد استعلوا في الأرض على العباد بغير حق, وقالوا في غرور: من أشد منا قوة؟ أو لم يروا أن الله تعالى الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وبطشا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يجحدون.

" فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون " (16)


فأرسلنا عليهم ريحا شديدة البرودة عالية الصوت في أيام مشؤومات عليهم؟ لنذيقهم عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا, ولعذاب الآخرة أشد ذلا وهوانا, ومم لا ينصرون بمنع العذاب عنهم.


" وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون " (17)


وأما ثمود قوم صالح فقد بينا لهم سبيل الحق وطريق الرشد, فاختاروا العمى على الهدى, فأهلكتهم صاعقة العذاب المهين؟ بسبب ما كانوا يقترفون من الآثام بكفرهم بالله, وتكذيبهم رسله.


" ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " (18)


ونجينا الذين آمنوا من العذاب الذي أخذ عادا وثمود, وكان هؤلاء الناجون يخافون الله ويتقونه.

ابوالوليد المسلم 19-07-2020 07:32 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (500)
تفسير السعدى
(سورة فصلت)
من (19)الى (27)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة قصلت



" ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون " (19)


ويوم نحشر أعداء الله إلى نار جهنم, ترد زبانية العذاب أولهم على آخرهم,

" حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون " (20)


حتى إذا ما جاؤوا النار, وأنكروا جرائمهم شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الذنوب والآثام.


" وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون " (21)


وقال هؤلاء الذين يحشرون إلى النار من أعداء الله لجلودهم معاتبين: لم شهدتم علينا؟ فأجابتهم جلودهم: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء, وهو الذي خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئا, وإليه مصيركم بعد الموت للحساب والجزاء.

" وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون " (22)


وما كنتم تستخفون عند ارتكابكم المعاصي؟ خوفا من أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم يوم القيامة, ولكن ظننتم بارتكابكم المعاصي أن الله لا يعلم كثيرا من أعمالكم التي تعصون الله بها.


" وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " (23)


وذلكم ظنكم السيء الذي ظننتموه بربكم أهلككم, فأوردكم النار, فأصبحتم اليوم من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم.


" فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين " (24)


فإن يصبروا على العذاب فالنار مأواهم, وإن يسألوا الرجوع إلى الدنيا؟ ليستأنفوا العمل الصالح لا يجابوا إلى ذلك, ولا تقبل لهم أعذار.

" وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين " (25)


وهيأنا لهؤلاء الظالمين الجاحدين قرناء فاسدين من شياطين الإنس والجن, فزينوا لهم قبائح أعمالهم في الدنيا, ودعوهم إلى لذاتها وشهواتها المحرمة, وزينوا لهم ما خلفهم من أمور الآخرة, فأنسوهم ذكرها, ودعوهم إلى التكذيب بالمعاد, وبذلك وجب عليهم دخول النار في جملة أمم سابقة من كفرة الجن والإنس, إنهم كانوا خاسرين أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.


" وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون " (26)


وقال الكافرون بعضهم لبعض متواصين فيما بينهم: لا تسمعوا لهذا القرآن, ولا تطيعوه ولا تنقادوا لأوامره, وارفعوا أصواتكم بالصياح والصفير والتخليط على محمد إذا قرأ القرآن؟ لعلكم تغلبونه, فيترك القراءة, وننتصر عليه.

" فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون " (27)


فلنذيقن الذين قالوا هذا القول عذابا شديدا في الدنيا والآخرة, ولنجزينهم أسوأ ما كانوا يعملون من السيئات.

ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:18 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (501)
تفسير السعدى
(سورة فصلت)
من (28)الى (36)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة قصلت




" ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون "(28)


هذا الجزاء الذي يجزى به هؤلاء الذين كفروا جزاء أعداء الله النار, لهم فيها دار الخلود الدائم؟ جزاء بما كانوا بحججنا وأدلتنا يجحدون في الدنيا.
والآية دالة على عظم جريمه من صرف الناس عن القرآن العظيم, وصدهم عن تدبره وهدايته بأي وسيلة كانت.


" وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " (29)


وقال الذين كفروا بالله ورسوله, وهم في النار: ربنا أرنا اللذين أضلانا من خلقك من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا؟ ليكونا في الدرك الأسفل من النار.


" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " (30)


إن الذين قالوا ربنا الله تعالى, وحده لا شريك له, ثم استقاموا على شريعته, تتنزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم: لا تخافوا من الموت وما بعده, ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا, وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها.

" نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون " (31)


وتقول لهم الملائكة: نحن أنصاركم في الحياة الدنيا؟ نسددكم ونحفظكم بأمر الله, وكذلك نكون معكم في الآخرة, ولكم في الجنة كل ما تثشهيه أنفسكم مما تختارونه, وتقر به أعينكم,

" نزلا من غفور رحيم " (32)


ومهما طلبتم من شيء وجدتموه بين أيديكم ضيافة وإنعاما لكم من غفور لذنوبكم, رحيم بكم.


" ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين " (33)


لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى توحيد الله وعبادته وحده وعمل صالحا وقال: إنني من المسلمين المنقادين لأمر الله وشرعه وفي الآية حث على الدعوة إلى الله سبحانه, وبيان فضل العلماء الداعين إليه على بصيرة, وفق ما جاء عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " (34)


ولا تستوي حسنة الذين آمنوا بالله, واستقاموا على شرعه, وأحسنوا إلى خلقه, وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره, وأساؤوا إلى خلقه.
ادفع بعفوك وحلمك وإحسانك من أساء إليك, وقابل إساءته لك بالإحسان إليه, فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق عليك.


" وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " (35)


وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة إلا الذين صبروا أنفسهم على ما تكره, وأجبروها على ما يحبه الله, وما يوفق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة.

" وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم " (36)


وإما يلقين الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس لحملك على مجازاة المسيء بالإساءة, فاستجر بالله واعتصم به, إن الله هو السميع لاستعاذتك به, العليم بأمور خلقه جميعها.

ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:20 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (502)
تفسير السعدى
(سورة فصلت)
من (37)الى (45)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة قصلت




" ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون " (37)


ومن حجج الله على خلقه, ودلائله على وحدانيته وكمال قدرته اختلاف الليل والنهار, وتعاقبهما, واختلاف الشمس والقمر وتعاقبهما, كل ذلك تحت تسخيره وقهره.
لا تجدوا للشمس ولا للقمر- فإنهما مدبران مخلوقان- واسجدوا لله الذي خلقهن, إن كنتم تعبدونه وحده لا شريك له.



" فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون " (38)


فإن استكبر هؤلاء المشركون عن السجود لله, فإن الملائكة الذين عند ربك لا يستكبرون عن ذلك, بل يسبحون له, وينزهونه عن كل نقص بالليل والنهار, وهم لا يفترون عن ذلك, ولا يملون.

" ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير " (39)


ومن علامات وحدانية الله وقدرته؟ أنك ترى الأرض يابسة لا نبات فيها؟ فإذا أنزلنا عليها المطر دبت فيها الحياة, وتحركت بالنبات, وانتفخت وعلت, إن الذي أحيا هذه الأرض بعد همودها, قادر على إحياء الخلق بعد موتهم, إنه على كل شيء قدير, فكما لا تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها, فكذلك لا تعجز عن إحياء الموتى.


" إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير " (40)


إن الذين يميلون عن الحق, فيكفرون بالقرآن ويحرفونه, لا يخفون علينا, بل نحن مطلعون عليهم.
أفهذا الملحد في آيات الله الذي يلقى في النار خير, أم الذي يأتي يوم القيامة آمنا من عذاب الله, مستحقا لثوابه; لإيمانه به وتصديقه بآياته؟ اعملوا- أيها الملحدون- ما شئتم, فإن الله تعالى بأعمالكم بصير, لا يخفى عليه شيء منها, وسيجازلكم على ذلك.
وفي هذا وعيد وتهديد لهم.



" إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز " (41)


إن الذين جحدوا هذا القرآن حين جاءهم هالكون ومعذبون, وإن هذا القرآن لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه وحفظه له من كل تغيير أو تبديل,


" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " (42)


لا يأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه ولا يبطله شيء, فهو محفوظ من أي نقص منه, أو يزاد فيه, تنزيل من حكيم بتدير أمور عاده, محمود على ما له من صفات الكمال.

" ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم " (43)


ما يقول لك هؤلاء المشركون- يا محمد- إلا ما قد قاله من قبلهم من الأمم لرسلهم, فاصبر على ما ينالك في سبيل الدعوة إلى الله.
إن ربك لذو مغفرة لذنوب التائبين, وذو عقاب لمن أصر على كفره وتكذيبه.



" ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " (44)


ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه عليك- يا محمد- أعجميا, لقال المشركون: هلا بينت آياته, فنفقهه ونعلمه, لأعجمي هذا القرآن, ولسان الذي أنزل عليه عربي؟ هذا لا يكون قل لهم- يا محمد-: هذا القرآن للذين آمنوا بالله ورسوله هدى من الضلالة, وشفاء لما في الصدور من الشكوك والأمراض, والذين لا يؤمنون بالقرآن في آذانهم صمم من سماعه وتدبره, وهو على قلوبهم عمى, فلا يهتدون به, أولئك المشركون كمن ينادي, وهو في مكان بعيد لا يسمع داعيا, ولا يجيب مناديا.


" ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب "(45)


ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك القرآن- يا محمد- فاختلف فيها قومه: فمنهم من آمن, ومنهم من كذب ولولا كلمة سبقت من ربك بتأجيل العذاب عن قومك لفصل بينهم لإهلاك الكافرين في الحال, وإن المشركين لفي شك من القرآن شديد الريبة.

ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:22 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (503)
تفسير السعدى
(سورة فصلت)
من (46)الى (54)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة قصلت



" من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد " (46)


من عمل صالحا فأطاع الله ورسوله فلنفسه ثواب عمله, ومن أساء فعصى الله ورسوله فعلى نفسه وزر عمله.
وما ربك بظلام للعبيد, بنقص حسنة أو زيادة سيئة



" إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد " (47)


إلى الله تعالى وحده لا شريك له يرتجع علم الساعة, فإنه لا يعلم أحد متى قيامها غيره, وما تخرج من ثمرات من أوعيتها, وما تحمل من أنثى ولا تضع حملها إلا بعلم من الله, لا يخفى عليه شيء من ذلك ويوم ينادي الله تعالى المشركين يوم القيامة توبيخا لهم وإظهارا لكذبهم: أين شركائي الذين كنتم تشركونهم في عبادتي؟ قالوا: أعلمناك الآن ما منا من أحد يشهد اليوم أن معك شريكا,

" وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص " (48)


وذهب عن هؤلاء المشركين شركاؤهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله, فلم ينفعوهم, وأيقنوا أن لا ملجأ لهم من عذاب الله, ولا محيد عنه.

" لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط " (49)


لا يمل الإنسان من دعاء ربه طالبا الخير الدنيوي, وإن أصابه فقر وشدة فهو يؤوس من رحمة الله, قنوط بسوء الظن بربه.

" ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ " (50)


ولئن أذقنا الإنسان نعمة منا من بعد شدة وبلاء لم يشكر الله تعالى, بل يطغى ويقول: أتاني هذا؟ لأني مستحق له, وما أعتقد أن الساعة آتية, وذلك إنكار منه للبعث, وعلى تقدير إتيان الساعة وأني سأرجع إلى ربي, فإن لي عنده الجنة, فلنخبرن الذين كفروا يوم القيامة بما عملوا من سيئات, ولنذيقنهم من العذاب الشديد.

" وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض " (51)


وإذا أنعمنا على الإنسان بصحة أو رزق أو غيرهما أعرض وترفع عن الانقياد إلى الحق؟ فإن أصابه ضر فهو ذو دعاء كثير بأن يكشف الله ضره, فهو يعرف ربه في الشدة, ولا يعرفه في الرخاء.

" قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد " (52)


قل- يا محمد- لهؤلاء المكذبين: أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله ثم جحدتم به, لا أحد أضل منكم؟ لأنكم في خلاف بعيد عن الحق بكفركم بالقرآن وتكذيبكم به.

" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " (53)


سنري هؤلاء المكذبين أياتنا في أقطار السموات والأرض, وما يحدثه الله فيهما من الحوادث العظيمة, وفي أنفسهم وما اشتملت عليه من بديع آيات الله وعجائب صنعه, حتى يتبين لهم من تلك الآيات بيان لا يقبل الشك أن القرآن الكريم هو الحق الموحى به من رب العالمين.
أو لم يكفهم دليلا على أن القرآن حق, ومن جاء به صادق, شهادة الله تعالى؟ فإنه قد شهد له بالتصديق, وهو على كل شيء شهيد, ولا شيء أكبر شهادة من شهادته سبحانه وتعالى.



" ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط " (54)


ألا إن هؤلاء الكافرين في شك عظيم من البعث بعد الممات.
ألا إن الله- جل وعلا- بكل شيء محيط علما وقدرة وعزة, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.



ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:26 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (504)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (1)الى (9)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى


{
حـمۤ } (1) { عۤسۤقۤ } (2) { كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } (3) { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } (4) { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَة ُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُو نَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } (5) { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } (6) { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } (7) { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } (8) { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }(9)


يخبر تعالى أنه أوحى هذا القرآن العظيم إلى النبي الكريم، كما أوحى إلى مَنْ قبله من الأنبياء والمرسلين، ففيه بيان فضله، بإنزال الكتب، وإرسال الرسل، سابقاً ولاحقاً، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل، وأن طريقته طريقة مَنْ قبله، وأحواله تناسب أحوال مَنْ قبله من المرسلين. وما جاء به يشابه ما جاؤوا به، لأن الجميع حق وصدق، وهو تنزيل من اتصف بالألوهية والعزة العظيمة والحكمة البالغة، وأن جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي. وأنه { ٱلْعَلِيُّ } بذاته، وقدره، وقهره.
{ ٱلعَظِيمُ } الذي من عظمته { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } على عظمها وكونها جماداً، { وَٱلْمَلاَئِكَة ُ } الكرام المقربون خاضعون لعظمته، مستكينون لعزته، مذعنون بربوبيته.
{ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } ويعظمونه عن كل نقص، ويصفونه بكل كمال، { وَيَسْتَغْفِرُو نَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } عمّا يصدر منهم، مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه، مع أنه تعالى هو { ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } الذي لولا مغفرته ورحمته، لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة.
وفي وصفه تعالى بهذه الأوصاف، بعد أن ذكر أنه أوحى إلى الرسل كلهم عموماً، وإلى محمد - صلى الله عليهم أجمعين - خصوصاً، إشارة إلى أن هذا القرآن الكريم، فيه من الأدلة والبراهين، والآيات الدالة على كمال الباري تعالى، ووصفه بهذه الأسماء العظيمة الموجبة لامتلاء القلوب من معرفته ومحبته وتعظيمه وإجلاله وإكرامه، وصرف جميع أنواع العبودية الظاهرة والباطنة له تعالى، وأن من أكبر الظلم وأفحش القول، اتخاذ أنداد للّه من دونه، ليس بيدهم نفع ولا ضرر، بل هم مخلوقون مفتقرون إلى الله في جميع أحوالهم، ولهذا عقبه بقوله: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } يتولونهم بالعبادة والطاعة، كما يعبدون الله ويطيعونه، فإنما اتخذوا الباطل، وليسوا بأولياء على الحقيقة. { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } يحفظ عليهم أعمالهم، فيجازيهم بخيرها وشرها.
{ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } فتسأل عن أعمالهم، وإنما أنت مبلغ أديت وظيفتك.
ثم ذكر منته على رسوله وعلى الناس، حيث أنزل الله { قُرْآناً عَرَبِيّاً } بين الألفاظ والمعاني { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } وهي مكة المكرمة { وَمَنْ حَوْلَهَا } من قرى العرب، ثم يسري هذا الإنذار إلى سائر الخلق.
{ وَتُنذِرَ } الناس { يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } الذي يجمع الله به الأولين والآخرين، وتخبرهم أنه { لاَ رَيْبَ فِيهِ } وأن الخلق ينقسمون فيه فريقين { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ } وهم الذين آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين، { وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } وهم أصناف الكفرة المكذبين.
{ وَ } مع هذا { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } لجعل الناس، أي: جعل الناس { أُمَّةً وَاحِدَةً } على الهدى، لأنه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء، ولكنه أراد أن يدخل في رحمته مَنْ شاء من خواص خلقه. وأما الظالمون الذين لا يصلحون لصالح، فإنهم محرومون من الرحمة، فـ { مَا لَهُمْ } من دون الله { مِّن وَلِيٍّ } يتولاهم، فيحصل لهم المحبوب { وَلاَ نَصِيرٍ } يدفع عنهم المكروه.
والذين { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } يتولونهم بعبادتهم إياهم، فقد غلطوا أقبح غلط.
فالله هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته، والتقرب إليه بما أمكن من أنواع التقربات، ويتولى عباده عموماً بتدبيره ونفوذ القدر فيهم، ويتولى عباده المؤمنين خصوصاً، بإخراجهم من الظلمات إلى النور، وتربيتهم بلطفه، وإعانتهم في جميع أمورهم.
{ وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي: هو المتصرف بالإحياء والإماتة، ونفوذ المشيئة والقدرة، فهو الذي يستحق أن يعبد وحده لا شريك له.



ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:30 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (505)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (10)الى (12)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى




{
وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } 10 { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } 11 { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }12


يقول تعالى: { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ } من أصول دينكم وفروعه، مما لم تتفقوا عليه { فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } يرد إلى كتابه، وإلى سُنّة رسوله، فما حكما به فهو الحق، وما خالف ذلك فباطل.
{ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي } أي: فكما أنه تعالى الرب الخالق الرازق المدبر، فهو تعالى الحاكم بين عباده بشرعه في جميع أمورهم. ومفهوم الآية الكريمة، أن اتفاق الأمة حجة قاطعة، لأن اللّه تعالى لم يأمرنا أن نرد إليه إلا ما اختلفنا فيه، فما اتفقنا عليه، يكفي اتفاق الأمة عليه، لأنها معصومة عن الخطأ، ولا بد أن يكون اتفاقها موافقاً لما في كتاب اللّه وسُنّة رسوله.
وقوله: { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي: اعتمدت بقلبي عليه في جلب المنافع ودفع المضار، واثقاً به تعالى في الإسعاف بذلك. { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي: أتوجه بقلبي وبدني إليه، وإلى طاعته وعبادته.
وهذان الأصلان، كثيراً ما يذكرهما اللّه في كتابه، لأنهما يحصل بمجموعهما كمال العبد، ويفوته الكمال بفوتهما أو فوت أحدهما، كقوله تعالى:
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5] وقوله:{ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود: 123].
{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: خالقهما بقدرته ومشيئته وحكمته.
{ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } لتسكنوا إليها، وتنتشر منكم الذرية، ويحصل لكم من النفع ما يحصل.
{ وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } أي: ومن جميع أصنافها نوعين، ذكراً وأُنثى، لتبقى وتنمو لمنافعكم الكثيرة، ولهذا عداها باللام الدالة على التعليل، أي: جعل ذلك لأجلكم، ولأجل النعمة عليكم، ولهذا قال: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي: يبثكم ويكثركم ويكثر مواشيكم، بسبب أن جعل لكم من أنفسكم، وجعل لكم من الأنعام أزواجاً.
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفة كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه.
{ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. { ٱلْبَصِيرُ } يرى دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء، ويرى سريان القوت في أعضاء الحيوانات الصغيرة جداً، وسريان الماء في الأغصان الدقيقة. وهذه الآية ونحوها، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، من إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات. وفيها رد على المشبهة في قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وعلى المعطلة في قوله: { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }.
وقوله: { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: له ملك السماوات والأرض، وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق، والنعم الظاهرة والباطنة. فكل الخلق مفتقرون إلى اللّه، في جلب مصالحهم، ودفع المضار عنهم، في كل الأحوال، ليس بيد أحد من الأمر شيء.
واللّه تعالى هو المعطي المانع، الضار النافع، الذي ما بالعباد من نعمة إلاّ منه، ولا يدفع الشر إلا هو، و
{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [فاطر: 2].
ولهذا قال هنا: { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي: يوسعه ويعطيه من أصناف الرزق ما شاء، { وَيَقْدِرُ } أي: يضيق على مَنْ يشاء، حتى يكون بقدر حاجته، لا يزيد عنها، وكل هذا تابع لعلمه وحكمته، فلهذا قال: { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فيعلم أحوال عباده، فيعطي كلاًّ ما يليق بحكمته وتقتضيه مشيئته.





ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:33 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (506)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (13)الى (/)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى



{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }(13)


هذه أكبر منة أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه، فالدين الذي شرعه الله لهم، لا بد أن يكون مناسباً لأحوالهم، موافقاً لكمالهم، بل إنما كملهم الله واصطفاهم، بسبب قيامهم به، فلولا الدين الإسلامي، ما ارتفع أحد من الخلق، فهو روح السعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب.
ولهذا قال: { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أُصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى ولا تعاونون على الإثم والعدوان.
{ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } أي: ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزاباً، وتكونون شيعاً يعادي بعضكم بعضاً مع اتفاقكم على أصل دينكم.
ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجُمَع والصلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلاّ بالاجتماع لها وعدم التفرق.
{ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } أي: شق عليهم غاية المشقة، حيث دعوتهم إلى الإخلاص للّه وحده، كما قال عنهم:
{ وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [الزمر: 45] وقولهم:{ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ص: 5].
{ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ } أي: يختار من خليقته مَنْ يعلم أنه يصلح للاجتباء لرسالته وولايته ومنه أن اجتبى هذه الأُمة وفضلها على سائر الأُمم، واختار لها أفضل الأديان وخيرها.
{ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } هذا السبب الذي من العبد، يتوصل به إلى هداية الله تعالى، وهو إنابته لربه، وانجذاب دواعي قلبه إليه، وكونه قاصداً وجهه، فحسن مقصد العبد مع اجتهاده في طلب الهداية، من أسباب التيسير لها، كما قال تعالى:
{ يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ } [المائدة: 16].
وفي هذه الآية، أن الله { يَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } مع قوله:
{ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } [لقمان: 15] مع العلم بأحوال الصحابة رضي الله عنهم، وشدة إنابتهم، دليل على أنَّ قولهم حجة، خصوصاً الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم أجمعين.



ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:36 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (507)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (14)الى (15)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى

{ وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } (14) { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }(15)


لما أمر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم، ونهاهم عن التفرق، أخبرهم أنكم لا تغتروا بما أنزل الله عليكم من الكتاب، فإن أهل الكتاب لم يتفرقوا حتى أنزل الله عليهم الكتاب الموجب للاجتماع، ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم، وذلك كله بغياً وعدواناً منهم، فإنهم تباغضوا وتحاسدوا، وحصلت بينهم المشاحنة والعداوة، فوقع الاختلاف، فاحذروا أيها المسلمون أن تكونوا مثلهم. { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } أي: بتأخير العذاب القاضي { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ } ولكن حكمته وحلمه، اقتضى تأخير ذلك عنهم. { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ } أي: الذين ورثوهم وصاروا خلفاً لهم ممن ينتسب إلى العلم منهم { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } أي: لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف، حيث اختلف سلفهم بغياً وعناداً، فإن خلفهم اختلفوا شكاً وارتياباً، والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم. { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ } أي: فللدين القويم والصراط المستقيم، الذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله، فادع إليه أمتك وحضهم عليه، وجاهد عليه مَنْ لم يقبله، { وَٱسْتَقِمْ } بنفسك { كَمَآ أُمِرْتَ } أي: استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالاً لأوامر الله واجتناباً لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك، فأمره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك.
ومن المعلوم أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له.
{ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } أي: أهواء المنحرفين عن الدين، من الكفرة والمنافقين إما باتباعهم على بعض دينهم، أو بترك الدعوة إلى الله، أو بترك الاستقامة، فإنك إن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين، ولم يقل: " ولا تتبع دينهم " لأن حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم، هو دين الرسل كلهم، ولكنهم لم يتبعوه، بل اتبعوا أهواءهم، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً.
{ وَقُلْ } لهم عند جدالهم ومناظرتهم: { آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ } أي: لتكن مناظرتك لهم مبنية على هذا الأصل العظيم، الدال على شرف الإسلام وجلالته وهيمنته على سائر الأديان، وأن الدين الذي يزعم أهل الكتاب أنهم عليه جزء من الإسلام، وفي هذا إرشاد إلى أن أهل الكتاب إن ناظروا مناظرة مبنية على الإيمان ببعض الكتب، أو ببعض الرسل دون غيره، فلا يسلم لهم ذلك، لأن الكتاب الذي يدعون إليه، والرسول الذي ينتسبون إليه، من شرطه أن يكون مصدقاً بهذا القرآن وبمن جاء به، فكتابنا ورسولنا لم يأمرنا إلاّ بالإيمان بموسى وعيسى والتوراة والإنجيل، التي أخبر بها وصدق بها، وأخبر أنها مصدقة له ومقرة بصحته.
وأما مجرد التوراة والإنجيل، وموسى وعيسى، الذين لم يوصفوا لنا، ولم يوافقوا لكتابنا، فلم يأمرنا بالإيمان بهم.
وقوله: { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أي: في الحكم فيما اختلفتم فيه، فلا تمنعني عداوتكم وبغضكم، يا أهل الكتاب من العدل بينكم، ومن العدل في الحكم، بين أهل الأقوال المختلفة، من أهل الكتاب وغيرهم، أن يقبل ما معهم من الحق، ويرد ما معهم من الباطل، { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي: هو رب الجميع، لستم بأحق به منّا.
{ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } من خيرٍ وشر { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي: بعد ما تبينت الحقائق، واتضح الحق من الباطل، والهدى من الضلال، لم يبق للجدال والمنازعة محل، لأن المقصود من الجدال، إنما هو بيان الحق من الباطل، ليهتدي الراشد، ولتقوم الحجة على الغاوي، وليس المراد بهذا أن أهل الكتاب لا يجادلون، كيف والله يقول:
{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [العنكبوت: 46] وإنما المراد ما ذكرنا.
{ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يوم القيامة، فيجزي كلا بعمله، ويتبين حينئذ الصادق من الكاذب.






ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:39 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (508)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (16)الى (20)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى




{ وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }(16)

وهذا تقرير لقوله: لا حجة بيننا وبينكم، فأخبر هنا أن { ٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ } بالحجج الباطلة، والشبه المتناقضة { مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ } أي: من بعد ما استجاب للّه أولو الألباب والعقول، لما بيّن لهم من الآيات القاطعة، والبراهين الساطعة، فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } أي: باطلة مدفوعة { عِندَ رَبِّهِمْ } لأنها مشتملة على رد الحق وكل ما خالف الحق، فهو باطل.
{ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } لعصيانهم وإعراضهم عن حجج اللّه وبيناته وتكذيبها.
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } هو أثر غضب اللّه عليهم، فهذه عقوبة كل مجادل للحق بالباطل.
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } (17) { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }(18)

لما ذكر تعالى أن حججه واضحة بيّنة، بحيث استجاب لها كل مَنْ فيه خير، ذكر أصلها وقاعدتها، بل جميع الحجج التي أوصلها إلى العباد، فقال: { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } فالكتاب هو هذا القرآن العظيم، نزل بالحق، واشتمل على الحق والصدق واليقين، وكله آيات بيّنات، وأدلة واضحات، على جميع المطالب الإلهية والعقائد الدينية، فجاء بأحسن المسائل وأوضح الدلائل. وأما الميزان، فهو العدل والاعتبار بالقياس الصحيح والعقل الرجيح، فكل الدلائل العقلية، من الآيات الآفاقية والنفسية، والاعتبارات الشرعية، والمناسبات والعلل، والأحكام والحكم، داخلة في الميزان الذي أنزله الله تعالى ووضعه بين عباده، ليزنوا به ما اشتبه من الأمور، ويعرفوا به صدق ما أخبر به وأخبرت رسله، مما خرج عن هذين الأمرين عن الكتاب والميزان مما قيل إنه حجة أو برهان أو دليل أو نحو ذلك من العبارات، فإنه باطل متناقض، قد فسدت أصوله، وانهدمت مبانيه وفروعه، يعرف ذلك من خبر المسائل ومآخذها، وعرف التمييز بين راجح الأدلة من مرجوحها، والفرق بين الحجج والشبه، وأما من اغتر بالعبارات المزخرفة، والألفاظ المموهة، ولم تنفذ بصيرته إلى المعنى المراد، فإنه ليس من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان هذا الميدان، فوفاقه وخلافه سيان.
ثم قال تعالى مخوفاً للمستعجلين لقيام الساعة المنكرين لها، فقال: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } أي: ليس بمعلوم بعدها، ولا متى تقوم، فهي في كل وقت متوقع وقوعها، مخوف وجبتها. { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } عناداً وتكذيباً، وتعجيزاً لربهم.
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } أي: خائفون، لإيمانهم بها، وعلمهم بما تشتمل عليه من الجزاء بالأعمال، وخوفهم، لمعرفتهم بربهم، أن لا تكون أعمالهم منجية لهم ولا مسعدة، ولهذا قال: { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } الذي لا مرية فيه، ولا شك يعتريه { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ } أي: بعد ما امتروا فيها، ماروا الرسل وأتباعهم بإثباتها فهم في شقاق بعيد، أي: معاندة ومخاصمة غير قريبة من الصواب، بل في غاية البُعد عن الحق، وأيُّ بعد أبعد ممن كذّب بالدار التي هي الدار على الحقيقة، وهي الدار التي خلقت للبقاء الدائم والخلود السرمد، وهي دار الجزاء التي يظهر الله فيها عدله وفضله وإنما هذه الدار بالنسبة إليها، كراكب قال في ظل شجرة ثم رحل وتركها، وهي دار عبور وممر، لا محل استقرار.
فصدقوا بالدار المضمحلة الفانية، حيث رأوها وشاهدوها، وكذبوا بالدار الآخرة، التي تواترت بالإخبار عنها الكتب الإلهية، والرسل الكرام وأتباعهم، الذين هم أكمل الخلق عقولاً، وأغزرهم علماً، وأعظمهم فطنة وفهماً.
{ ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } (19) { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }(20)

يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه، ويتعرضوا للطفه وكرمه، واللطف من أوصافه تعالى معناه: الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده - وخصوصاً المؤمنين - إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون. فمن لطفه بعبده المؤمن، أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعياً لاتباعه. ومن لطفه أن أمر المؤمنين بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض. ومن لطفه، أن قيض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصية صرفها عنه، وقدر عليه رزقه، ولهذا قال هنا: { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } بحسب اقتضاء حكمته ولطفه { وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } الذي له القوة كلها، فلا حول ولا قوة لأحد من المخلوقين إلاّ به، الذي دانت له جميع الأشياء. ثم قال تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ } أي: أجرها وثوابها، فآمن بها وصدق، وسعى لها سعيها { نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } بأن نضاعف عمله وجزاءه أضعافاً كثيرة، كما قال تعالى:{ وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } [الإسراء: 19] ومع ذلك، فنصيبه من الدنيا لا بد أن يأتيه. { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا } بأن: كانت الدنيا هي مقصوده وغاية مطلوبه، فلم يقدم لآخرته، ولا رجا ثوابها، ولم يخش عقابها. { نُؤْتِهِ مِنْهَا } نصيبه الذي قسم له، { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } قد حرم الجنة ونعيمها، واستحق النار وجحيمها. وهذه الآية، شبيهة بقوله تعالى:{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } [هود: 15] إلى آخر الآيات.



ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:41 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (509)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (21)الى (24)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى




{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } 21 { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } 22 { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }(23)

يخبر تعالى أن المشركين اتخذوا شركاء يوالونهم ويشتركون هم وإياهم في الكفر وأعماله، من شياطين الإنس، الدعاة إلى الكفر { شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } من الشرك والبدع، وتحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرّم الله ونحو ذلك مما اقتضته أهواؤهم.
مع أن الدين لا يكون إلاّ ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه، فالأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئاً ما جاء عن الله وعن رسوله، فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم وآباؤهم على الكفر.
{ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي: لولا الأجل المسمى الذي ضربه الله فاصلاً بين الطوائف المختلفة، وأنه سيؤخرهم إليه، لقضي بينهم في الوقت الحاضر بسعادة المحق وإهلاك المبطل، لأن المقتضي للإهلاك موجود، ولكن أمامهم العذاب الأليم في الآخرة، هؤلاء وكل ظالم.
وفي ذلك اليوم { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ } أنفسهم بالكفر والمعاصي { مُشْفِقِينَ } أي: خائفين وجلين { مِمَّا كَسَبُواْ } أن يعاقبوا عليه.
ولما كان الخائف قد يقع به ما أشفق منه وخافه، وقد لا يقع، أخبر أنه { وَاقِعٌ بِهِمْ } العقاب الذي خافوه، لأنهم أتوا بالسبب التام الموجب للعقاب، من غير معارض، من توبة ولا غيرها، ووصلوا موضعاً فات فيه الإنظار والإمهال. { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بقلوبهم بالله وبكتبه ورسله وما جاءوا به، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } يشمل كل عمل صالح من أعمال القلوب، وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات، فهؤلاء { فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ } أي: الروضات المضافة إلى الجنات، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه، فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة، وما فيها من الأنهار المتدفقة، والفياض المعشبة، والمناظر الحسنة، والأشجار المثمرة، والطيور المغردة، والأصوات الشجية المطربة، والاجتماع بكل حبيب، والأخذ من المعاشرة والمنادمة بأكمل نصيب، رياض لا تزداد على طول المدى إلاّ حسناً وبهاءً، ولا يزداد أهلها إلا اشتياقاً إلى لذاتها ووداداً، { لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ } فيها، أي: في الجنات، فمهما أرادوا فهو حاصل، ومهما طلبوا حصل، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
{ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } وهل فوز أكبر من الفوز برضا الله تعالى، والتنعم بقربه في دار كرامته؟ { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي: هذه البشارة العظيمة، التي هي أكبر البشائر على الإطلاق، بشّر بها الرحيم الرحمن، على يد أفضل خلقه لأهل الإيمان والعمل الصالح، فهي أجلُّ الغايات، والوسيلة الموصلة إليها أفضل الوسائل. { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } أي: على تبليغي إياكم هذا القرآن ودعوتكم إلى أحكامه.
{ أَجْراً } فلست أريد أخذ أموالكم، ولا التولي عليكم والترأس، ولا غير ذلك من الأغراض { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ }. يحتمل أن المراد: لا أسألكم عليه أجراً إلا أجراً واحداً هو لكم، وعائد نفعه إليكم، وهو أن تودوني وتحبوني في القرابة، أي: لأجل القرابة.

ويكون على هذا المودة الزائدة على مودة الإيمان، فإن مودة الإيمان بالرسول، وتقديم محبته على جميع المحاب بعد محبة الله، فرض على كل مسلم، وهؤلاء طلب منهم زيادة على ذلك أن يحبوه لأجل القرابة، لأنه صلى الله عليه وسلم، قد باشر بدعوته أقرب الناس إليه، حتى إنه قيل: إنه ليس في بطون قريش أحد، إلاّ ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه قرابة.
ويحتمل أن المراد إلاّ مودة الله تعالى الصادقة، وهي التي يصحبها التقرب إلى الله، والتوسل بطاعته الدالة على صحتها وصدقها، ولهذا قال: { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي: في التقرب إلى الله، وعلى كلا القولين، فهذا الاستثناء دليل على أنه لا يسألهم عليه أجراً بالكلية، إلا أن يكون شيئاً يعود نفعه إليهم، فهذا ليس من الأجر في شيء، بل هو من الأجر منه لهم صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى:
{ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [البروج: 8] وقولهم: " ما لفلان ذنب عندك، إلا أنه محسن إليك ".
{ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } من صلاة، أو صوم، أو حج، أو إحسان إلى الخلق { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } بأن يشرح الله صدره، وييسر أمره، وتكون سببا للتوفيق لعمل آخر، ويزداد بها عمل المؤمن، ويرتفع عند الله وعند خلقه، ويحصل له الثواب العاجل والآجل.
{ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } يغفر الذنوب العظيمة ولو بلغت ما بلغت عند التوبة منها، ويشكر على العمل القليل بالأجر الكثير، فبمغفرته يغفر الذنوب ويستر العيوب، وبشكره يتقبل الحسنات ويضاعفها أضعافاً كثيرة.
{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }(24)


يعني أم يقول المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم جرأةً منهم وكذباً: { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فرموك بأشنع الأمور وأقبحها، وهو الافتراء على الله بادعاء النبوة والنسبة إلى الله ما هو بريء منه، وهم يعلمون صدقك وأمانتك، فكيف يتجرؤون على هذا الكذب الصراح؟ بل تجرؤوا بذلك على الله تعالى، فإنه قدح في الله، حيث مكّنك من هذه الدعوة العظيمة، المتضمنة - على موجب زعمهم - أكبر الفساد في الأرض، حيث مكنه الله من التصريح بالدعوة، ثم بنسبتها إليه، ثم يؤيده بالمعجزات الظاهرات، والأدلة القاهرات، والنصر المبين، والاستيلاء على مَنْ خالفه، وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من أصلها ومادتها، وهو أن يختم على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعي شيئاً ولا يدخل إليه خير، وإذا ختم على قلبه انحسم الأمر كله وانقطع.
فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول، وأقوى شهادة من الله له على ما قال، ولا يوجد شهادة أعظم منها ولا أكبر، ولهذا من حكمته ورحمته، وسُنته الجارية، أنه يمحو الباطل ويزيله، وإن كان له صولة في بعض الأوقات، فإن عاقبته الاضمحلال.
{ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } الكونية، التي لا تغير ولا تبدل، ووعده الصادق، وكلماته الدينية التي تحقق ما شرعه من الحق، وتثبته في القلوب، وتبصر أولي الألباب، حتى إن من جملة إحقاقه تعالى الحق، أن يُقَيِّض له الباطل ليقاومه، فإذا قاومه، صال عليه الحق ببراهينه وبيناته، فظهر من نوره وهداه ما به يضمحل الباطل وينقمع، ويتبين بطلانه لكل أحد، ويظهر الحق كل الظهور لكل أحد.
{ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي: بما فيها، وما اتصفت به من خير وشر، وما أكنته ولم تبده.





ابوالوليد المسلم 27-07-2020 06:43 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (510)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (25)الى (29)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى


{
وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } (25) { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } (26) { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } (27) { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ }(28)


هذا بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه، بقبول التوبة الصادرة من عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها، ويعزمون على أن لا يعاودوها إذا قصدوا بذلك وجه ربهم، فإن الله يقبلها بعد ما انعقدت سبباً للهلاك، ووقوع العقوبات الدنيوية والدينية.
{ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ } ويمحوها، ويمحو أثرها من العيوب، وما اقتضته من العقوبات، ويعود التائب عنده كريماً، كأنه ما عمل سوءاً قط، ويحبه ويوفقه لما يقرّبه إليه. ولما كانت التوبة من الأعمال العظيمة، التي قد تكون كاملة بسبب تمام الإخلاص والصدق فيها، وقد تكون ناقصة عند نقصهما، وقد تكون فاسدة إذا كان القصد منها بلوغ غرض من الأغراض الدنيوية، وكان محل ذلك القلب الذي لا يعلمه إلاّ الله، ختم هذه الآية بقوله: { وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } فالله تعالى دعا جميع العباد إلى الإنابة إليه والتوبة من التقصير، فانقسموا - بحسب الاستجابة له - إلى قسمين: مستجيبين وصفهم بقوله { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي: يستجيبون لربهم لما دعاهم إليه وينقادون له ويلبون دعوته، لأن ما معهم من الإيمان والعمل الصالح يحملهم على ذلك، فإذا استجابوا له، شكر الله لهم، وهو الغفور الشكور. وزادهم من فضله توفيقاً ونشاطاً على العمل، وزادهم مضاعفة في الأجر زيادة عن ما تستحقه أعمالهم من الثواب والفوز العظيم. وأما غير المستجيبين للّه وهم المعاندون الذين كفروا به وبرسله، فـ { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } في الدنيا والآخرة، ثم ذكر أن من لطفه بعباده، أنه لا يوسع عليهم الدنيا سعة، تضر بأديانهم فقال: { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: لغفلوا عن طاعة الله، وأقبلوا على التمتع بشهوات الدنيا، فأوجبت لهم الإكباب على ما تشتهيه نفوسهم، ولو كان معصية وظلماً.
{ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } بحسب ما اقتضاه لطفه وحكمته { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } كما في بعض الآثار أن الله تعالى يقول:
" إن من عبادي مَنْ لا يصلح إيمانه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي مَنْ لا يصلح إيمانه إلاّ الصحة، ولو أمرضته لأفسده ذلك، وإن من عبادي مَنْ لا يصلح إيمانه إلا المرض ولو عافيته لأفسده ذلك، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني خبير بصير ". { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ } أي: المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد، { مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } وانقطع عنهم مدة ظنوا أنه لا يأتيهم، وأيسوا وعملوا لذلك الجدب أعمالاً، فينزل الله الغيث { وَيَنشُرُ } به { رَحْمَتَهُ } من إخراج الأقوات للآدميين وبهائمهم، فيقع عندهم موقعاً عظيماً، ويستبشرون بذلك ويفرحون.
{ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ } الذي يتولى عباده بأنواع التدبير، ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم. { ٱلْحَمِيدُ } في ولايته وتدبيره، الحميد على ما له من الكمال، وما أوصله إلى خلقه من أنواع الإفضال.

{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ }(29)


أي: ومن أدلة قدرته العظيمة، وأنه سيحيي الموتى بعد موتهم، { خَلْقُ } هذه { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } على عظمهما وسعتهما، الدال على قدرته وسعة سلطانه، وما فيهما من الإتقان والإحكام دال على حكمته وما فيهما من المنافع والمصالح دال على رحمته، وذلك يدل على أنه المستحق لأنواع العبادة كلها، وأن إلهية ما سواه باطلة.
{ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } أي: نشر في السماوات والأرض من أصناف الدواب التي جعلها اللّه مصالح ومنافع لعباده.
{ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ } أي: جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة { إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } فقدرته ومشيئته صالحان لذلك، ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق، وقد علم أنه قد تواترت أخبار المرسلين وكتبهم بوقوعه.



ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:17 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 


الحلقة (511)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (30)الى (39)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى
{ وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } (30) { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }(31)


يخبر تعالى، أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم وفيما يحبون ويكون عزيزاً عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو اللّه عنه أكثر، فإن اللّه لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } [فاطر: 45].
وليس إهمالاً منه تعالى تأخير العقوبات ولا عجزاً. { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: معجزين قدرة اللّه عليكم، بل أنتم عاجزون في الأرض، ليس عندكم امتناع عمّا ينفذه اللّه فيكم.
{ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } يتولاكم، فيحصل لكم المنافع { وَلاَ نَصِيرٍ } يدفع عنكم المضار.

{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } (32) { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } (33) { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } (34) { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ }(35)


أي: ومن أدلة رحمته وعنايته بعباده { ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ } من السفن، والمراكب النارية والشراعية، التي من عظمها { كَٱلأَعْلاَمِ } وهي الجبال الكبار، التي سخر لها البحر العجاج، وحفظها من التطام الأمواج، وجعلها تحملكم وتحمل أمتعتكم الكثيرة، إلى البلدان والأقطار البعيدة، وسخر لها من الأسباب ما كان معونة على ذلك. ثم نبه على هذه الأسباب بقوله: { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ } التي جعلها الله سبباً لمشيها، { فَيَظْلَلْنَ } أي: الجوارِ { رَوَاكِدَ } على ظهر البحر، لا تتقدم ولا تتأخر، ولا ينتقض هذا بالمراكب النارية، فإن من شرط مشيها وجود الريح. وإن شاء الله تعالى أوبق الجوارِ بما كسب أهلها، أي: أغرقها في البحر وأتلفها، ولكنه يحلم ويعفو عن كثير. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي: كثير الصبر على ما تكرهه نفسه ويشق عليها، فيكرهها عليه، من مشقة طاعة، أو ردع داع إلى معصية، أو ردع نفسه عند المصائب عن التسخط، { شَكُورٍ } في الرخاء وعند النعم، يعترف بنعمة ربه ويخضع له، ويصرفها في مرضاته، فهذا الذي ينتفع بآيات الله. وأما الذي لا صبر عنده، ولا شكر له على نِعَم الله، فإنه مُعْرض أو معاند لا ينتفع بالآيات. ثم قال تعالى: { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا } ليبطلوها بباطلهم. { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } أي: لا ينقذهم منقذ مما حل بهم من العقوبة.
{ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } (36) { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } (37) { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } (38) { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ }(39)


هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة، وذكر الأعمال الموصلة إليها فقال: { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ } من ملك ورياسة، وأموال وبنين، وصحة وعافية بدنية.
{ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } لذة منغصة منقطعة.
{ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من الثواب الجزيل، والأجر الجليل، والنعيم المقيم { خَيْرٌ } من لذات الدنيا، خيرية لا نسبة بينهما { وَأَبْقَىٰ } لأنه نعيم لا منغص فيه ولا كدر، ولا انتقال. ثم ذكر لمن هذا الثواب فقال: { لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي: جمعوا بين الإيمان الصحيح، المستلزم لأعمال الإيمان الظاهرة والباطنة، وبين التوكل، الذي هو الآلة لكل عمل، فكل عمل لا يصحبه التوكل فغير تام، وهو الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد، ودفع ما يكرهه مع الثقة به تعالى. { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ } والفرق بين الكبائر والفواحش - مع أن جميعهما كبائر - أن الفواحش هي الذنوب الكبار التي في النفوس داع إليها، كالزنا ونحوه، والكبائر ما ليس كذلك، هذا عند الاقتران، وأما مع إفراد كل منهما عن الآخر فإن الآخر يدخل فيه. { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } أي: قد تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلاّ بالإحسان والعفو والصفح.
فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير، كما قال تعالى:
{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت: 34-35].
{ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ } أي: انقادوا لطاعته، ولبَّوْا دعوته، وصار قصدهم رضوانه، وغايتهم الفوز بقربه. ومن الاستجابة للّه، إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلذلك عطفهما على ذلك، من باب عطف العام على الخاص، الدال على شرفه وفضله فقال: { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي: ظاهرها وباطنها، فرضها ونفلها.
{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } من النفقات الواجبة، كالزكاة والنفقة على الأقارب ونحوهم، والمستحبة، كالصدقات على عموم الخلق.
{ وَأَمْرُهُمْ } الديني والدنيوي { شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } أي: لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعاً عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمراً من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي في الغزو والجهاد، وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء، أو غيره، وكالبحث في المسائل الدينية عموماً، فإنها من الأمور المشتركة، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله، وهو داخل في هذه الآية.
{ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ } أي: وصل إليهم من أعدائهم { هُمْ يَنتَصِرُونَ } لقوتهم وعزتهم، ولم يكونوا أذلاء عاجزين عن الانتصار. فوصفهم بالإيمان، والتوكل على الله، واجتناب الكبائر والفواحش الذي تكفر به الصغائر، والانقياد التام، والاستجابة لربهم، وإقامة الصلاة، والإنفاق في وجوه الإحسان، والمشاورة في أمورهم، والقوة والانتصار على أعدائهم، فهذه خصال الكمال قد جمعوها، ويلزم من قيامها فيهم، فعل ما هو دونها، وانتفاء ضدها.




ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:20 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 

الحلقة (512)
تفسير السعدى
(سورة الشورى)
من (40)الى (48)
عبد الرحمن بن ناصر السعدى
تفسير سورة الشورى




{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } (40) { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } (41) { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (42) { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }(43)


ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم. فمرتبة العدل، جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله. ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } يجزيه أجراً عظيماً، وثواباً كثيراً، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأموراً به.
وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.
وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم. { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي: انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه { فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } أي: لا حرج عليهم في ذلك. ودلَّ قوله: { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ } وقوله: { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أنه لا بد من إصابة البغي والظلم ووقوعه.
وأما إرادة البغي على الغير، وإرادة ظلمه من غير أن يقع منه شيء، فهذا لا يجازى بمثله، وإنما يؤدب تأديباً يردعه عن قولٍ أو فعل صدر منه. { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ } أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية { عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } وهذا شامل للظلم والبغي على الناس، في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: موجع للقلوب والأبدان، بحسب ظلمهم وبغيهم. { وَلَمَن صَبَرَ } على ما يناله من أذى الخلق { وَغَفَرَ } لهم، بأن سمح لهم عمّا يصدرُ منهم، { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي: لمن الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر.
فإن ترك الانتصار للنفس بالقول أو الفعل، من أشق شيء عليها، والصبر على الأذى، والصفح عنه، ومغفرته، ومقابلته بالإحسان، أشق وأشق، ولكنه يسير على مَنْ يسره الله عليه، وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك، ثم إذا ذاق العبد حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق، والتلذذ فيه.

{ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } (44) { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ } (45) { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ }(46)


يخبر تعالى أنه المنفرد بالهداية والإضلال، وأنه { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } بسبب ظلمه { فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ } يتولى أمره ويهديه.
{ وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } مرأى ومنظراً فظيعاً، صعباً شنيعاً، يظهرون الندم العظيم، والحزن على ما سلف منهم، و { يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } أي: هل لنا طريق أو حيلة إلى رجوعنا إلى الدنيا، لنعمل غير الذي كنا نعمل، وهذا طلب للأمر المحال الذي لا يمكن.
{ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } أي: على النار { خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ } أي: ترى أجسامهم خاشعة للذل الذي في قلوبهم، { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } أي: ينظرون إلى النار مسارقة وشزراً، من هيبتها وخوفها.
{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } حيث ظهرت عواقب الخلق، وتبين أهل الصدق من غيرهم: { إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ } على الحقيقة { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ } حيث فوتوا أنفسهم جزيل الثواب، وحصلوا على أليم العقاب وفرَّق بينهم وبين أهليهم، فلم يجتمعوا بهم، آخر ما عليهم.
{ أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } أنفسهم بالكفر والمعاصي { فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ } أي: في سوائه ووسطه، منغمرين لا يخرجون منه أبداً، ولا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } كما كانوا في الدنيا يمنون بذلك أنفسهم، ففي القيامة يتبين لهم ولغيرهم أن أسبابهم التي أملوها تقطعت، وأنه حين جاءهم عذاب الله لم يدفع عنهم.
{ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } تحصل به هدايته، فهؤلاء ضلوا حيث زعموا في شركائهم النفع ودفع الضر، فتبين حينئذ ضلالهم.
{ ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } (47) { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ }(48)


يأمر تعالى عباده بالاستجابة له، بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وبالمبادرة بذلك وعدم التسويف، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْم القيامة الذي إذا جاء لا يمكن رده واستدراك الفائت، وليس للعبد في ذلك اليوم ملجأ يلجأ إليه، فيفوت ربه، ويهرب منه.
بل قد أحاطت الملائكة بالخليقة من خلفهم، ونودوا
{ يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [الرحمن: 33] وليس للعبد في ذلك اليوم نكير لما اقترفه وأجرمه، بل لو أنكر لشهدت عليه جوارحه. وهذه الآية ونحوها، فيها ذم الأمل، والأمر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرض للعبد، فإن للتأخير آفات.
{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ } عمّا جئتهم به بعد البيان التام { فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } تحفظ أعمالهم وتسأل عنها، { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } فإذا أديت ما عليك، فقد وجب أجرك على اللّه، سواء استجابوا أم أعرضوا، وحسابهم على اللّه الذي يحفظ عليهم صغير أعمالهم وكبيرها، وظاهرها وباطنها.
ثم ذكر تعالى حالة الإنسان، وأنه إذا أذاقه الله رحمة، من صحة بدن، ورزق رغد، وجاه ونحوه { فَرِحَ بِهَا } أي: فرح فرحاً مقصوراً عليها، لا يتعداها، ويلزم من ذلك طمأنينته بها، وإعراضه عن المُنْعِم. { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } أي: مرض أو فقر، أو نحوهما { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ } أي: طبيعته كفران النعمة السابقة، والتسخط لما أصابه من السيئة.







ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:22 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (513)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الشورىhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(49)
الى الأية(53)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الشورى
{ لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } (49) { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }(50)


هذه الآية فيها الإخبار عن سعة ملكه تعالى، ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور، حتى إن تدبيره تعالى، من عمومه، أنه يتناول المخلوقة عن الأسباب التي يباشرها العباد، فإن النكاح من الأسباب لولادة الأولاد، فاللّه تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء. فمن الخلق مَنْ يهب له إناثاً، ومنهم مَنْ يهب له ذكوراً، ومنهم مَنْ يزوجه، أي: يجمع له ذكوراً وإناثاً، ومنهم مَنْ يجعله عقيماً لا يولد له.
{ إِنَّهُ عَلِيمٌ } بكل شيء { قَدِيرٌ } على كل شيء، فيتصرف بعلمه وإتقانه الأشياء، وبقدرته في مخلوقاته.
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } (51) { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (52) { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }(53)


لما قال المكذبون لرسل الله، الكافرون بالله:{ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ } [البقرة: 118] من كبرهم وتجبرهم، رد الله عليهم بهذه الآية الكريمة، وأن تكليمه تعالى لا يكون إلا لخواص خلقه، للأنبياء والمرسلين، وصفوته من العالمين، وأنه يكون على أحد هذه الأوجه.
إما { أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً } بأن يلقي الوحي في قلب الرسول، من غير إرسال ملك، ولا مخاطبة منه شفاها.
{ أَوْ } يكلمه منه شفاها، لكن { مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } كما حصل لموسى بن عمران، كليم الرحمن. { أَوْ } يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي، فـ { يُرْسِلَ رَسُولاً } كجبريل أو غيره من الملائكة. { فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ } أي: بإذن ربه، لا بمجرد هواه، { إِنَّهُ } تعالى علي الذات، علي الأوصاف، عظيمها، علي الأفعال، قد قهر كل شيء، ودانت له المخلوقات. حكيم في وضعه كل شيء في موضعه، من المخلوقات والشرائع. { وَكَذَلِكَ } حين أوحينا إلى الرسل قبلك { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } وهو هذا القرآن الكريم، سماه روحاً، لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير.
وهو محض منّة الله على رسوله وعباده المؤمنين، من غير سبب منهم، ولهذا قال: { مَا كُنتَ تَدْرِي } أي: قبل نزوله عليك { مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أمياً لا تخط ولا تقرأ، فجاءك هذا الكتاب الذي { جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } يستضيئون به في ظلمات الكفر والبِدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم.
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي: تبينه لهم وتوضحه، وتنيره وترغبهم فيه، وتنهاهم عن ضده، وترهبهم منه، ثم فسَّر الصراط المستقيم فقال: { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي: الصراط الذي نصبه الله لعباده، وأخبرهم أنه موصل إليه وإلى دار كرامته، { أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ } أي: ترجع جميع أمور الخير والشر، فيجازي كُلاً بحسب عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.



ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:23 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (514)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الزخرفhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(1)
الى الأية(14)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الزخرف
{ حـمۤ } (1) { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } (2) { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (3) { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } (4) { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ }(5)


هذا قسم بالقرآن على القرآن، فأقسم بالكتاب المبين وأطلق، ولم يذكر المتعلق، ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين والآخرة.
{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } هذا المقسم عليه، أنه جُعِل بأفصح اللغات وأوضحها وأبينها، وهذا من بيانه. وذكر الحكمة في ذلك فقال: { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ألفاظه ومعانيه لتيسرها وقربها من الأذهان.
{ وَإِنَّهُ } أي: هذا الكتاب { لَدَيْنَا } في الملأ الأعلى في أعلى الرتب وأفضلها { لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } أي: لعليٌّ في قدره وشرفه ومحله، حكيم فيما يشتمل عليه من الأوامر والنواهي والأخبار، فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان.
ثم أخبر تعالى أن حكمته وفضله يقتضي أن لا يترك عباده هملاً، لا يرسل إليهم رسولاً، ولا ينزل عليهم كتاباً، ولو كانوا مسرفين ظالمين فقال: { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } أي: أفنعرض عنكم، ونترك إنزال الذكر إليكم، ونضرب عنكم صفحاً، لأجل إعراضكم، وعدم انقيادكم له؟ بل ننزل عليكم الكتاب، ونوضح لكم فيه كل شيء، فإن آمنتم به واهتديتم، فهو من توفيقكم، وإلا قامت عليكم الحجة، وكنتم على بيّنة من أمركم.

{ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } (6) { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } (7) { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ }(8)


يقول تعالى: إن هذه سنتنا في الخلق، أن لا نتركهم هملاً، فكم { أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } يأمرونهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له، ولم يزل التكذيب موجوداً في الأمم.
{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } جحداً لما جاء به، وتكبراً على الحق.
{ فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ } من هؤلاء { بَطْشاً } أي: قوة وأفعالاً، وآثاراً في الأرض، { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } أي: مضت أمثالهم وأخبارهم، وبيّنا لكم منها ما فيه عبرة ومزدجر عن التكذيب والإنكار.

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } (9) { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (10) { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } (11) { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } (12) { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } (13) { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }(14)


يخبر تعالى عن المشركين، أنك لو { سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ } الله وحده لا شريك له، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات، العليم بظواهر الأمور وبواطنها، وأوائلها وأواخرها، فإذا كانوا مقرين بذلك، فكيف يجعلون له الولد والصاحبة والشريك؟! وكيف يشركون به مَنْ لا يخلق ولا يرزق، ولا يُميت ولا يُحيي؟! ثم ذكر أيضاً من الأدلة الدالة على كمال نعمته واقتداره، بما خلقه لعباده من الأرض التي مهدها وجعلها قراراً للعباد، يتمكنون فيها من كل ما يريدون. { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي: جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة، تنفذون منها إلى ما وراءها من الأقطار.
{ لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } في السير في الطرق ولا تضيعون، ولعلكم تهتدون أيضاً في الاعتبار بذلك والادكار فيه. { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } لا يزيد ولا ينقص، ويكون أيضاً بمقدار الحاجة، لا ينقص بحيث لا يكون فيه نفع، ولا يزيد بحيث يضر العباد والبلاد، بل أغاث به العباد، وأنقذ به البلاد من الشدة، ولهذا قال: { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } أي: أحييناها بعد موتها، { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } أي: فكما أحيا الأرض الميتة الهامدة بالماء، كذلك يحييكم بعد ما تستكملون في البرزخ، ليجازيكم بأعمالكم.
{ وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } أي: الأصناف جميعها، مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون، من ليل ونهار، وحر وبرد، وذكر وأنثى، وغير ذلك. { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ } أي: السفن البحرية، الشراعية والنارية، مَا تَرْكَبُونَ { وَ } من { ٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } وهذا شامل لظهور الفلك ولظهور الأنعام، أي: لتستقروا عليها، { ثُمَ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } بالاعتراف بالنعمة لمن سخرها، والثناء عليه تعالى بذلك، ولهذا قال: { وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أي: لولا تسخيره لنا ما سخّر من الفلك، والأنعام، ما كنا مطيقين لذلك وقادرين عليه، ولكن من لطفه وكرمه تعالى، سخرها وذللها ويسر أسبابها.
والمقصود من هذا، بيان أن الرب الموصوف بما ذكره، من إفاضة النعم على العباد، هو الذي يستحق أن يعبد، ويصلى له ويسجد.



ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:23 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (515)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الزخرفhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(15)
الى الأية(25)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الزخرف

{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } (15) { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } (16) { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } (17) { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } (18) { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } (19) { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } (20) { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } (21) { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } (22) { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } (23) { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } (24) { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }(25)


يخبر تعالى عن شناعة قول المشركين، الذين جعلوا للّه تعالى ولداً، وهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له كفواً أحد، وإن ذلك باطل من عدة أوجه: منها: أن الخلق كلهم عباده، والعبودية تنافي الولادة. ومنها: أن الولد جزء من والده، واللّه تعالى بائن من خلقه، مباين لهم في صفاته ونعوت جلاله، والولد جزء من الوالد، فمحال أن يكون للّه تعالى ولد.
ومنها: أنهم يزعمون أن الملائكة بنات اللّه، ومن المعلوم أن البنات أدون الصنفين، فكيف يكون لله البنات، ويصطفيهم بالبنين، ويفضلهم بها؟! فإذا يكونون أفضل من اللّه، تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً.
ومنها: أن الصنف الذي نسبوه للّه، وهو البنات، أدون الصنفين، وأكرههما لهم، حتى إنهم من كراهتهم لذلك { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } من كراهته وشدة بغضه، فكيف يجعلون للّه ما يكرهون؟ ومنها: أن الأنثى ناقصة في وصفها، وفي منطقها وبيانها، ولهذا قال تعالى: { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ } أي: يجمل فيها، لنقص جماله، فيجمل بأمر خارج عنه؟ { وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ } أي: عند الخصام الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام، { غَيْرُ مُبِينٍ } أي: غير مبين لحجته، ولا مفصح عمّا احتوى عليه ضميره، فكيف ينسبونهن للّه تعالى؟ ومنها: أنهم جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الله إِنَاثاً، فتجرؤوا على الملائكة، العباد المقربين، ورقوهم عن مرتبة العبادة والذل، إلى مرتبة المشاركة للّه، في شيء من خواصه، ثم نزلوا بهم عن مرتبة الذكورية إلى مرتبة الأنوثية، فسبحان مَنْ أظهر تناقض مَنْ كذب عليه وعاند رسله. ومنها: أن اللّه رد عليهم بأنهم لم يشهدوا خلق اللّه لملائكته، فكيف يتكلمون بأمر من المعلوم عند كل أحد، أنه ليس لهم به علم؟! ولكن لا بد أن يسألوا عن هذه الشهادة، وستكتب عليهم، ويعاقبون عليها.
وقوله تعالى: { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } فاحتجوا على عبادتهم الملائكة بالمشيئة، وهي حجة لم يزل المشركون يطرقونها، وهي حجة باطلة في نفسها، عقلاً وشرعاً. فكل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر، ولو سلكه في حالة من أحواله لم يثبت عليها قدمه.
وأما شرعاً، فإن اللّه تعالى أبطل الاحتجاج به، ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله، فإن اللّه تعالى قد أقام الحجة على العباد، فلم يبق لأحد عليه حجة أصلاً، ولهذا قال هنا: { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي: يتخرصون تخرصاً لا دليل عليه، ويتخبطون خبط عشواء.
ثم قال: { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } يخبرهم بصحة أفعالهم، وصدق أقوالهم؟ ليس الأمر كذلك، فإن اللّه أرسل محمداً نذيراً إليهم، وهم لم يأتهم نذير غيره، أي: فلا عقل ولا نقل، وإذا انتفى الأمران، فلا ثَمَّ إلاّ الباطل.
نعم، لهم شبهة من أوهى الشُّبَه، وهي تقليد آبائهم الضالين، الذين ما زال الكفرة يردون بتقليدهم دعوة الرسل، ولهذا قال هنا: { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } أي: على دين وملة { وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } أي: فلا نتبع ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم.
{ وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أي: منعموها، وملؤها الذين أطغتهم الدنيا، وغرتهم الأموال، واستكبروا على الحق.
{ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } أي: فهؤلاء ليسوا ببدع منهم، وليسوا بأول مَنْ قال هذه المقالة. وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين، بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به اتباع الحق والهدى، وإنما هو تعصب محض، يراد به نصرة ما معهم من الباطل.
ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه بهذه الشبهة الباطلة: { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ } أي: فهل تتبعوني لأجل الهدى؟ { قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } فعلم بهذا، أنهم ما أرادوا اتباع الحق والهدى، وإنما قصدهم اتباع الباطل والهوى. { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } بتكذيبهم الحق، وردهم إياه بهذه الشبهة الباطلة.
{ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } فليحذر هؤلاء أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم ما أصابهم.



ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:25 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (516)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الزخرفhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(26)
الى الأية(32)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الزخرف
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } (26) { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } (27) { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (28) { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } (29) { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } (30) { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } (31) { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }(32)


يخبر تعالى عن ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي ينتسب إليه أهل الكتاب والمشركون، وكلهم يزعم أنه على طريقته، فأخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ } الذين اتخذوا من دون اللّه آلهة يعبدونهم ويتقربون إليهم: { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } أي: مبغضٌ له، مجتنبٌ معادٍ لأهله، { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } فإني أتولاه، وأرجو أن يهديني للعلم بالحق والعمل به، فكما فطرني ودبرني بما يصلح بدني ودنياي، فـ { سَيَهْدِينِ } لما يصلح ديني وآخرتي. { وَجَعَلَهَا } أي: هذه الخصلة الحميدة، التي هي أم الخصال وأساسها، وهي إخلاص العبادة للّه وحده، والتبرِّي من عبادة ما سواه.
{ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } أي: ذريته { لَعَلَّهُمْ } إليها { يَرْجِعُونَ } لشهرتها عنه، وتوصيته لذريته، وتوصية بعض بنيه - كإسحاق ويعقوب - لبعض، كما قال تعالى:
{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } إلى آخر الآيات [البقرة: 130].
فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان.
فقال تعالى: { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ } بأنواع الشهوات، حتى صارت هي غايتهم ونهاية مقصودهم، فلم تزل يتربى حبها في قلوبهم، حتى صارت صفات راسخة، وعقائد متأصلة. { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } الذي لا شك فيه ولا مرية ولا اشتباه. { وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } أي: بين الرسالة، قامت أدلة رسالته قياماً باهراً، بأخلاقه ومعجزاته، وبما جاء به، وبما صدق به المرسلين، وبنفس دعوته صلى اللّه عليه وسلم. { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } الذي يوجب على مَنْ له أدنى دين ومعقول أن يقبله وينقاد له. { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } وهذا من أعظم المعاندة والمشاقة، فإنهم لم يكتفوا بمجرد الإعراض عنه، بل ولا جحده، فلم يرضوا حتى قدحوا به قدحاً شنيعاً، وجعلوه بمنزلة السحر الباطل، الذي لا يأتي به إلاّ أخبث الخلق وأعظمهم افتراء، والذي حملهم على ذلك، طغيانهم بما متعهم اللّه به وآباءهم. { وَقَالُواْ } مقترحين على اللّه بعقولهم الفاسدة: { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } أي: معظَّم عندهم، مبجّل من أهل مكة، أو أهل الطائف، كالوليد بن المغيرة ونحوه، ممن هو عندهم عظيم. قال اللّه رداً لاقتراحهم: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } أي: أهم الخزان لرحمة اللّه، وبيدهم تدبيرها، فيعطون النبوة والرسالة مَنْ يشاؤون، ويمنعونها ممن يشاؤون؟ { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } أي: في الحياة الدنيا، { وَ } الحال أن رَحْمَةَ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من الدنيا. فإذا كانت معايش العباد وأرزاقهم الدنيوية بيد اللّه تعالى، وهو الذي يقسمها بين عباده، فيبسط الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء، بحسب حكمته، فرحمته الدينية، التي أعلاها النبوة والرسالة، أولى وأحرى أن تكون بيد اللّه تعالى، فاللّه أعلم حيث يجعل رسالته.
فعلم أن اقتراحهم ساقط لاغ، وأن التدبير للأمور كلها، دينيها ودنيويها، بيد اللّه وحده.
هذا إقناع لهم، من جهة غلطهم في الاقتراح، الذي ليس في أيديهم منه شيء، إن هو إلا ظلم منهم ورد للحق. وقولهم: { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } لو عرفوا حقائق الرجال، والصفات التي بها يعرف علو قدر الرجل، وعظم منزلته عند اللّه وعند خلقه، لعلموا أن محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى اللّه عليه وسلم، هو أعظم الرجال قدراً، وأعلاهم فخراً، وأكملهم عقلاً، وأغزرهم علماً، وأجلهم رأياً وعزماً وحزماً، وأكملهم خلقاً، وأوسعهم رحمةً، وأشدهم شفقةً، وأهداهم وأتقاهم. وهو قطب دائرة الكمال، وإليه المنتهى في أوصاف الرجال، ألا وهو رجل العالم على الإطلاق، يعرف ذلك أولياؤه وأعداؤه، فكيف يفضل عليه المشركون مَنْ لم يشم مثقال ذرة من كماله؟!، ومن جرمه ومنتهى حمقه، أن جعل إلهه الذي يعبده ويدعوه ويتقرب إليه، صنماً، أو شجراً، أو حجراً، لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، وهو كلٍّ على مولاه، يحتاج لمن يقوم بمصالحه، فهل هذا إلا من فعل السفهاء والمجانين؟ فكيف يجعل مثل هذا عظيماً؟ أم كيف يفضل على خاتم الرسل وسيد ولد آدم صلى اللّه عليه وسلم؟ ولكن الذين كفروا لا يعقلون. وفي هذه الآية تنبيه على حكمة اللّه تعالى في تفضيل اللّه بعض العباد على بعض في الدنيا { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } أي: ليسخر بعضهم بعضاً، في الأعمال والحرف والصنائع.
فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم. وفيها دليل على أن نعمته الدينية خير من النعمة الدنيوية كما قال تعالى في الآية الأخرى:
{ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58].



ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:25 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (517)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الزخرفhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(33)
الى الأية(40)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الزخرف
{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } (34) { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } (35) { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }(36)


يخبر تعالى بأن الدنيا لا تسوى عنده شيئاً، وأنه لولا لطفه ورحمته بعباده، التي لا يقدم عليها شيئاً، لوسَّع الدنيا على الذين كفروا توسيعاً عظيماً، ولجعل { لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ } أي: درجاً من فضة { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } على سطوحهم. { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } من فضة، ولجعل لهم { زُخْرُفاً } أي: لزخرف لهم دنياهم بأنواع الزخارف، وأعطاهم ما يشتهون، ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده خوفاً عليهم من التسارع في الكفر وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا، ففي هذا دليل على أنه يمنع العباد بعض أمور الدنيا منعاً عاماً أو خاصاً لمصالحهم، وأن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة، وأن كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا، منغصة، مكدرة، فانية، وأن الآخرة عند اللّه تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لأن نعيمها تام كامل من كل وجه، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون، فما أشد الفرق بين الدارين!!
{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } (37) { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } (38) { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } (39) { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }(40)


يخبر تعالى عن عقوبته البليغة، لمن أعرض عن ذكره، فقال: { وَمَن يَعْشُ } أي: يعرض ويصد { عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمَنْ قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب، ومَنْ أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبداً، وقيَّض له الرحمن شيطاناً مريداً، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا، { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي: الصراط المستقيم، والدين القويم.
{ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له، وإعراضهم عن الحق، فاجتمع هذا وهذا.
فإن قيل: فهل لهذا من عذر، من حيث إنه ظن أنه مهتد، وليس كذلك؟ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله، الذين مصدر جهلهم الإعراض عن ذكر اللّه، مع تمكنهم على الاهتداء، فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه، ورغبوا في الباطل، فالذنب ذنبهم، والجرم جرمهم.
فهذه حالة هذا المُعْرِض عن ذكر اللّه في الدنيا، مع قرينه، وهو الضلال والغيّ، وانقلاب الحقائق.
وأما حاله، إذا جاء ربه في الآخرة، فهو شر الأحوال، وهو: إظهار الندم والتحسر، والحزن الذي لا يجبر مصابه، والتبرِّي من قرينه، ولهذا قال تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ }. كما في قوله تعالى:
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً } [الفرقان: 27-29].
وقوله تعالى: { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي: ولا ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب، أنتم وقرناؤكم وأخلاؤكم، وذلك لأنكم اشتركتم في الظلم، فاشتركتم في عقابه وعذابه.
ولن ينفعكم أيضاً، روح التسلي في المصيبة، فإن المصيبة إذا وقعت في الدنيا، واشترك فيها المعاقبون، هان عليهم بعض الهون، وتسلَّى بعضهم ببعض، وأما مصيبة الآخرة، فإنها جمعت كل عقاب، ما فيه أدنى راحة، حتى ولا هذه الراحة. نسألك يا ربنا العافية، وأن تريحنا برحمتك.



ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:27 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (518)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الزخرفhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(41)
الى الأية(56)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الزخرف

{ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } (41) { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } (42) { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } (42) { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (43) { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } (44) { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }(45)


يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، مسلياً له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له، وأنهم لا خير فيهم، ولا فيهم زكاء يدعوهم إلى الهدى: { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } أي: الذين لا يسمعون { أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ } الذين لا يبصرون، أو تهدي { وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي: بَيِّنٌ واضح، لعلمه بضلاله، ورضاه به.
فكما أن الأصم لا يسمع الأصوات، والأعمى لا يبصر، والضال ضلالاً مبيناً لا يهتدي، فهؤلاء قد فسدت فطرهم وعقولهم، بإعراضهم عن الذكر، واستحدثوا عقائد فاسدة، وصفات خبيثة، تمنعهم وتحول بينهم وبين الهدى، وتوجب لهم الازدياد من الردى، فهؤلاء لم يبق إلا عذابهم ونكالهم، إما في الدنيا، أو في الآخرة، ولهذا قال تعالى: { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } أي: فإن ذهبنا بك قبل أن نريك ما نعدهم من العذاب، فاعلم بخبرنا الصادق أنَّا منهم منتقمون.
{ أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ } من العذاب { فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } ولكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة لتعجيله أو تأخيره، فهذه حالك وحال هؤلاء المكذبين.
وأما أنت { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ } فعلاً واتصافاً، بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه، وحرصاً على تنفيذه في نفسك وفي غيرك. { إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } موصل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به، والاهتداء إذا علمت أنه حق وعدل وصدق، تكون بانياً على أصل أصيل، إذا بنى غيرك على الشكوك والأوهام، والظلم والجور.
{ وَإِنَّهُ } أي: هذا القرآن الكريم { لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } أي: فخر لكم، ومنقبة جليلة، ونعمة لا يقادر قدرها، ولا يعرف وصفها، ويذكركم أيضاً ما فيه الخير الدنيوي والأخروي، ويحثكم عليه، ويذكركم الشر ويرهبكم عنه، { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } عنه، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم، أم لم تقوموا به فيكون حجة عليكم، وكفراً منكم بهذه النعمة؟ { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } حتى يكون للمشركين نوع حجة، يتبعون فيها أحداً من الرسل، فإنك لو سألتهم واستخبرتهم عن أحوالهم، لم تجد أحداً منهم يدعو إلى اتخاذ إله آخر مع الله مع أن كل الرسل، من أولهم إلى آخرهم، يدعون إلى عبادة الله، وحده لا شريك له.
قال تعالى:
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [النحل: 36] وكل رسول بعثه الله، يقول لقومه: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فدل هذا، أن المشركين ليس لهم مستند في شركهم، لا من عقل صحيح، ولا نقل عن الرسل.
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } (46) { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } (47) { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } (48) { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } (49) { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } (50) { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } (51) { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } (52) { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } (53) { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } (54) { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُ مْ أَجْمَعِينَ } (55) { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }(56)


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } إلى آخر القصة لما قال تعالى:{ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45] بيَّن تعالى حال موسى ودعوته، التي هي أشهر ما يكون من دعوات الرسل، ولأن اللّه تعالى أكثر من ذكرها في كتابه، فذكر حاله مع فرعون، فقال: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ } التي دلت دلالة قاطعة على صحة ما جاء به، كالعصا، والحية، وإرسال الجراد، والقمل، إلى آخر الآيات.

{ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فدعاهم إلى الإقرار بربهم، ونهاهم عن عبادة ما سواه.
{ فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } أي: ردوها وأنكروها، واستهزؤوا بها، ظلماً وعلواً، فلم يكن لقصور بالآيات، وعدم وضوح فيها، ولهذا قال: { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } أي: الآية المتأخرة أعظم من السابقة، { وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ } كالجراد، والقمل، والضفادع، والدم، آيات مفصلات. { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى الإسلام، ويذعنون له، ليزول شركهم وشرهم.
{ وَقَالُواْ } عندما نزل عليهم العذاب: { يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ } يعنون موسى عليه السلام، وهذا إما من باب التهكم به، وإما أن يكون هذا الخطاب عندهم مدحاً، فتضرعوا إليه بأن خاطبوه بما يخاطبون به من يزعمون أنهم علماؤهم، وهم السحرة، فقالوا: { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } أي: بما خصك اللّه به، وفضلك به، من الفضائل والمناقب، أن يكشف عنا العذاب { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } إن كشف اللّه عنا ذلك. { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } أي: لم يفوا بما قالوا، بل غدروا، واستمروا على كفرهم. وهذا كقوله تعالى:
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُوا ْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ * فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } [الأعراف: 133-135].
{ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ } مستعلياً بباطله، قد غره ملكه، وأطغاه ماله وجنوده: { يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ } أي: ألست المالك لذلك، المتصرف فيه، { وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ } أي: الأنهار المنسحبة من النيل، في وسط القصور والبساتين.
{ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } هذا الملك الطويل العريض، وهذا من جهله البليغ، حيث افتخر بأمر خارج عن ذاته، ولم يفخر بأوصاف حميدة، ولا أفعال سديدة.
{ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } يعني - قبحه اللّه - بالمهين، موسى بن عمران، كليم الرحمن، الوجيه عند اللّه، أي: أنا العزيز، وهو الذليل المُهان المحتقر، فأيّنا خير؟ { وَ } مع هذا فـ { لاَ يَكَادُ يُبِينُ } عمّا في ضميره بالكلام، لأنه ليس بفصيح اللسان، وهذا ليس من العيوب في شيء، إذا كان يبين ما في قلبه، ولو كان ثقيلاً عليه الكلام.
ثم قال فرعون: { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } أي: فهلا كان موسى بهذه الحالة، أن يكون مزيناً مجملاً بالحلي والأساور؟ { أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } يعاونونه على دعوته، ويؤيدونه على قوله. { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } أي: استخف عقولهم بما أبدى لهم من هذه الشبه، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا حقيقة تحتها، وليست دليلاً على حق ولا على باطل، ولا تروج إلاّ على ضعفاء العقول. فأي دليل يدل على أن فرعون محق، لكون ملك مصر له، وأنهاره تجري من تحته؟ وأي دليل يدل على بطلان ما جاء به موسى، لقلة أتباعه، وثقل لسانه، وعدم تحلية الله له، ولكنه لقي ملأ لا معقول عندهم، فمهما قال اتبعوه، من حق وباطل.

{ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } فبسبب فسقهم، قيض لهم فرعون، يزين لهم الشرك والشر.
{ فَلَمَّآ آسَفُونَا } أي: أغضبونا بأفعالهم { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُ مْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } ليعتبر بهم المعتبرون، ويتعظ بأحوالهم المتعظون.



ابوالوليد المسلم 31-07-2020 03:28 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (519)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الزخرفhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(57)
الى الأية(65)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الزخرف

{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } 57 { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } 58 { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } 59 { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } 60 { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } 61 { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } 62 { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } 63 { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } 64 { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ }65


يقول تعالى: { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } أي: نُهي عن عبادته، وجعلت عبادته بمنزلة عبادة الأصنام والأنداد. { إِذَا قَوْمُكَ } المكذبون لك { مِنْهُ } أي: من أجل هذا المثل المضروب، { يَصِدُّونَ } أي: يستلجون في خصومتهم لك، ويصيحون، ويزعمون أنهم قد غلبوا في حجتهم، وأفلجوا.
{ وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعني: عيسى، حيث نهي عن عبادة الجميع، وشورك بينهم بالوعيد على مَنْ عبدهم، ونزل أيضاً قوله تعالى:
{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98]. ووجه حجتهم الظالمة، أنهم قالوا: قد تقرر عندنا وعندك يا محمد، أن عيسى من عباد الله المقربين، الذين لهم العاقبة الحسنة، فَلِمَ سويت بينه وبينها في النهي عن عبادة الجميع؟ فلولا أن حجتك باطلة لم تتناقض.
ولِمَ قلت:
{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98].
وهذا لفظٌ بزعمهم، يعم الأصنام، وعيسى، فهل هذا إلاّ تناقض؟ وتناقض الحجة دليل على بطلانها، هذا أنهى ما يقررون به هذه الشبهة [الذي] فرحوا بها واستبشروا، وجعلوا يصدون ويتباشرون. وهي - وللّه الحمد - من أضعف الشبه وأبطلها، فإن تسوية الله بين النهي عن عبادة المسيح، وبين النهي عن عبادة الأصنام، لأن العبادة حق للّه تعالى، لا يستحقها أحد من الخلق، لا الملائكة المقربون، ولا الأنبياء المرسلون، ولا مَنْ سواهم من الخلق، فأي شبهة في تسوية النهي عن عبادة عيسى وغيره؟ وليس تفضيل عيسى عليه السلام، وكونه مقرباً عند ربه ما يدل على الفرق بينه وبينها في هذا الموضع، وإنما هو كما قال تعالى: { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } بالنبوة والحكمة والعلم والعمل، { عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } يعرفون به قدرة الله تعالى على إيجاده من دون أب. وأما قوله تعالى:
{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98] فالجواب عنها من ثلاثة أوجه: أحدها: أن قوله:{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الأنبياء: 98] أن " ما " اسم لما لا يعقل، لا يدخل فيه المسيح ونحوه. الثاني: أن الخطاب للمشركين، الذين بمكة وما حولها، وهم إنما يعبدون أصناماً وأوثاناً ولا يعبدون المسيح. الثالث: أن الله قال بعد هذه الآية:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء: 101] فلا شك أن عيسى وغيره من الأنبياء والأولياء، داخلون في هذه الآية.
ثم قال تعالى: { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } أي: لجعلنا بدلكم ملائكة يخلفونكم في الأرض، ويكونون في الأرض حتى نرسل إليهم ملائكة من جنسهم، وأما أنتم يا معشر البشر، فلا تطيقون أن ترسل إليكم الملائكة، فمن رحمة الله بكم، أن أرسل إليكم رسلاً من جنسكم، تتمكنون من الأخذ عنهم.

{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } أي: وإن عيسى عليه السلام، لدليل على الساعة، وأن القادر على إيجاده من أم بلا أب، قادر على بعث الموتى من قبورهم، أو وإن عيسى عليه السلام، سينزل في آخر الزمان، ويكون نزوله علامة من علامات الساعة { فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } أي: لا تشكنَّ في قيام الساعة، فإن الشك فيها كفر.
{ وَٱتَّبِعُونِ } بامتثال ما أمرتكم، واجتناب ما نهيتكم، { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } موصل إلى الله عز وجل، { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } عما أمركم الله به، فإن الشيطان { لَكُمْ عَدُوٌّ } حريص على إغوائكم، باذل جهده في ذلك.
{ وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ } الدالة على صدق نبوته وصحة ما جاءهم به، من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ونحو ذلك من الآيات.
{ قَالَ } لبني إسرائيل: { قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ } النبوة والعلم، بما ينبغي على الوجه الذي ينبغي. { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } أي: أبين لكم صوابه وجوابه، فيزول عنكم بذلك اللبس، فجاء عليه السلام مكملاً ومتمماً لشريعة موسى عليه السلام، ولأحكام التوراة.
وأتى ببعض التسهيلات الموجبة للانقياد له، وقبول ما جاءهم به.
{ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } أي: اعبدوا الله وحده لا شريك له، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه، وآمنوا بي وصدقوني وأطيعون.
{ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } ففيه الإقرار بتوحيد الربوبية، بأن الله هو المربي جميع خلقه بأنواع النِّعم الظاهرة والباطنة، والإقرار بتوحيد العبودية، بالأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وإخبار عيسى عليه السلام أنه عبد من عباد الله، ليس كما قال فيه النصارى: " إنه ابن الله، أو ثالث ثلاثة " ، والإخبار بأن هذا المذكور صراط مستقيم، موصل إلى الله وإلى جنته. فلما جاءهم عيسى عليه السلام بهذا { ٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ } المتحزبون على التكذيب { مِن بَيْنِهِمْ } كلٌّ قال بعيسى عليه السلام مقالة باطلة، ورد ما جاء به، إلاّ مَنْ هدى الله من المؤمنين، الذين شهدوا له بالرسالة، وصدقوا بكل ما جاء به، وقالوا: إنه عبد الله ورسوله.
{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } أي: ما أشد حزن الظالمين وما أعظم خسارهم في ذلك اليوم!!



الساعة الآن : 01:36 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 695.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 693.73 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.25%)]