ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:02 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النور - (8)
الحلقة (625)
تفسير سورة النور مدنية
المجلد الثالث (صـــــــ 585الى صــــ 590)

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)
شرح الكلمات:
وأقيموا الصلاة: أي أدوها أداءاً كاملاً تاماً مراعين فيها شروطها وأركانها وواجباتها وسننها حتى تثمر الزكاة والطهر في نفوسكم.
وآتوا الزكاة: أي المفروضة من المال الصامت كالذهب والفضة والحرث والناطق كالأنعام من إبل وبقر وغنم.
وأطيعوا الرسول: أي محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمره ونهيه والأخذ بإرشاده وتوجيهه.
لعلكم ترحمون: أي رجاء أن يرحمكم ربكم في دنياكم وآخرتكم فلا يعذبكم فيهما.
معجزين في الأرض: أي معجزين الله تعالى بحيث لا يدركهم ولا ينزل بهم نقمته وعذابه.
ولبئس المصير: أي النار إذ هي المأوى الذي يأوون إليه ويصيرون إليه.
معنى الآيتين:
يأمر تعالى عباده المؤمنين من أصحاب الرسول الكريم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمره ونهيه وإرشاده وتوجيهه وذلك رجاء أن يرحموا في الدارين، ولا يعذبوا فيهما. وهذا وإن كان موجهاً ابتداءً إلى أصحاب الرسول فإنه عام بعد ذلك فيشمل كل مؤمن ومؤمنة في الحياة وقوله {لا تحسبن1 الذين كفروا معجزين2 في الأرض} هذا خطاب للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهاه ربه تعالى أن يظن أن الذين كفروا مهما كانت قوتهم سيفوتون الله تعالى ويهربون مما أراد بهم من خزي وعذاب، لا، لا بل سيخزيهم ويذلهم ويسلط عليهم، وقد فعل {ومأواهم النار} يوم القيامة {ولبئس المصير} نار جهنم يصيرون إليها.

هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:

1- وجوب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للحصول على رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة في الدنيا بالنصر والتمكين والأمن والسيادة وفي الآخرة بدخول الجنة.
2- تقرير عجز الكافرين وأنهم لن يفوتوا الله تعالى مهما كانت، قوتهم وسينزل بهم نقمته ويحل عليهم عذابه.
3- بيان مصير أهل الكفر وأنه النار والعياذ بالله تعالى.


__________

1 الآية تحمل تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرئت بالتاء: (تحسبن) خطاب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكل ذي أهلية من أصحابه والمؤمنين والجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وقرئت الآية: (ولا يحسبن) بالياء وهى قراءة ضعيفة إذ حسب هنا لمعنى ظن ولم يذكر لها إلا مفعولا واحداً وهي تنصب مفعولين.
2 المعجز: الذي يعجز غيره أي: يجعله عاجزاً عن غلبه، والأرض في الآية هي أرض الدنيا هذه.

**********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:03 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)

شرح الكلمات
ليستأذنكم: أي ليطلب الإذن منكم في الدخول عليكم.
ملكت أيمانكم: من عبيد وإماء.
لم يبلغوا الحلم منكم: أي سن التكليف وهو وقت الاحتلام خمسة عشر سنة فما فوق.
تضعون ثيابكم: أي وقت القيلولة للاستراحة والنوم.
ثلاث عورات لكم: العورة ما يستحي من كشفه، وهذه الأوقات الثلاثة ينكشف فيها الإنسان في فراشه فكانت بذلك ثلاث عورات.
بعدهن: أي بعد الأوقات الثلاثة المذكورة.
طوافون عليكم: أي للخدمة.
بعضكم على بعض: أي بعضكم طائف على بعض.
فليستأذنوا: أي في جميع الأوقات لأنهم أصبحوا رجالاً مكلفين.
والقواعد من النساء: أي اللاتي قعدن عن الحيض والولادة لكبر سنهن.
أن يضعن ثيابهن: كالجلباب والعباءة والقناع والخمار.
غير متبرجات بزينة: أي غير مظهرات زينة خفية كقلادة وسوار وخلخال.
وأن يستعففن خير لهن: بأن لا يضعن ثيابهن خير لهن من الأخذ بالرخصة.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} 1 روى في نزول هذه الآية أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث غلاماً من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب يدعوه له فوجده نائمًا في وقت الظهيرة فدق الباب ودخل فاستيقظ عمر فانكشف منه شيء فقال عندها عمر وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا في هذه الساعة إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد هذه الآية قد أنزلت فخر ساجداً شكراً لله تعالى.
فقوله تعالى: {يا أيها الذي آمنوا} هو نداء لكل المؤمنين في كل عصورهم وديارهم. وقوله {ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم2 والذين لم يبلغوا الحلم منكم} أي علموا أطفالكم وخدمكم الاستئذان عليكم في هذه الأوقات الثلاثة وأمروهم بذلك. وقوله: {ثلاث مرات} هي المبينة في قوله: {من قبل صلاة
الفجر} وهي ساعات النوم من الليل، {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} وهي القيلولة، {ومن بعد صلاة العشاء3} وهي بداية نوم الليل. وقوله: {ثلاث عورات لكم} 4 أي هي منطقة انكشاف العورة فيها فأطلق عليها اسم العورة والعورة ما يستحي من كشفه وقوله: {ليس عليكم ولا عليهم} أي ولا على الأطفال والخدم {جناح بعدهن} أي بعد المرات الثلاث وقوله: {طوافون عليكم} أي يدخلون ويخرجون عليكم للخدمة.
{بعضكم على بعض} أي بعضكم يدخل على بعض للخدمة فلا غنى عنه فلذا فلا حرج عليكم في غير الأوقات الثلاثة.
وقوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات} أي كهذا التبيين الذي بين لكم حكم الاستئذان يبين الله لكم الآيات المتضمنة للشرائع والأحكام والآداب فله الحمد وله المنة وقوله: {والله عليم} أي بخلقه وما يحتاجون إليه في إكمالهم وإسعادهم {حكيم} فيما يشرع لهم ويفرض عليهم.
وقوله تعالى في الآية الثانية (59) {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} أي إذا بلغ الطفل سن الاحتلام وهو البلوغ واحتلم فعليه أن لا يدخل على غير محارمه إلا بعد الاستئذان كما يفعل ذلك الرجال من قبله إذ قد أصبح بالبلوغ الذي علامته الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة فأكثر أصبح رجلاً تماماً فعليه أن لا يدخل بيت أحد إلا بعد أن يستأذن هذا معنى قوله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} وهم الرجال وقوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم آياته} أي المتضمنة لأحكامه وشرائعه {والله عليم} بخلقه وما يصلح لهم {حكيم} في شرعه وهذه حال توجب طاعته تعالى فيما يأمر به وينهى عنه وقوله تعالى: {والقواعد5 من النساء اللاتي لا يرجون6 نكاحاً7} أي والتي قعدت عن الحيض والولادة لكبر سنها بحيث أصبحت لا ترجو نكاحاً ولا يرجى منها ذلك فهذه ليس عليها إثم ولا حرج في أن تضع خمارها من فوق رأسها، أو عباءتها من فوق ثيابها التي على جسمها حال كونها غير متبرجة7 أي مظهرة زينة لها كخضاب اليدين والأساور في المعصمين والخلاخل في الرجلين، أو أحمر الشفتين، وما إلى ذلك مما هو زينة يجب ستره وقوله تعالي: {وأن يستعففن خير لهن} أي ومن لازمت خمارها وعجارها ولم تظهر للأجانب كاشفة وجهها ومحاسنها خير لها حالاً ومآلاً، وحسبها أن يختار الله لها فما اختاره لها لن يكون إلا خيراً في الدنيا والآخرة فعلى المؤمنات أن يخترن ما اختار الله لهن. وقوله: {والله سميع عليم} أي سميع لأقوال عباده عليم بأعمالهم وأحوالهم فليتق فيطاع ولا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وجوب تعليم الآباء والسادة والأطفال والخدم الاستئذان عليهم في الأوقات الثلاثة المذكورة والمعبر عنها بالعورات.
2- وجوب استئذان الأولاد إذا احتلموا الاستئذان على من يريدون الدخول عليه في بيته لأنهم أصبحوا رجالاً مكلفين.
3- بيان رخصة كشف الوجه لمن بلغت سناً لا تحيض فيها ولا تلد للرجال الأجانب ولو أبقت على سترها واحتجابها لكان خيراً لها كما قال تعالى: {وأن يستعففن خير لهن} .
__________

1 قيل: إن الآية منسوخة وقيل: هي للندب أو هي واجبة إذ كانوا لا أبواب لغرفهم والصحيح أنها محكمة وأن الاستئذان من هؤلاء المذكورين واجب وسواء كان العبد وغداً أو ذا منظر حسن.
2 {ملكت أيمانكم} هم العبيد والذكر والأنثى في هذا سواء.
3 يكره تسمية العشاء بالعتمة. روى مسلم أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم معتِّمون بالإبل وفي رواية فإنها في كتاب الله العشاء وإنها أي الأعراب تعتم بحلاب الإبل وفي الصحيح "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل".
4 العورة: في الأصل الخلل والنقص ثم أطلقت على ما يكره انكشافه والنظر إليه.
5 المراد أنّ الأطفال إذا بلغوا الحلم تغيّر حكمهم في الاستئذان فأصبحوا كالرجال في الاستئذان على دخول بيوت الغير كما تقدم في آية الاستئذان {يا أيها الذين آمنوا إذا دخلتم بيوتاً..} الآية.
6 القواعد: جمع قاعد بدون تاء وهي: الآيسة من الحيض والحمل.
هذه الجملة متضمنة وصفاً كاشفاً للقواعد وليس قيداً.
7 ورد وعيد شديد للمتبرجات فقد روى مسلم أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.. "

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:04 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
شرح الكلمات
أمر جامع: كخطبة الجمعة ونحوها مما يجب حضوره كاجتماع لأمر هام كحرب ونحوها.
يستأذنوه: أي يطلبوا منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإذن.
لبعض شأنهم: أي لبعض أمورهم الخاصة بهم.
دعاء الرسول: أي نداءه فلا ينادي بيا محمد ولكن بيا نبي الله ورسول الله.
كدعاء بعضكم بعضاً: أي كما ينادي بعضكم بعضاً بيا عمر ويا سعيد مثلاً.
أن تصيبهم فتنة: أي زيغ في قلوبهم فيكفروا.
قد يعلم ما أنتم عليه: أي من الإيمان والنفاق، وإرادة الخير أو إرادة الشر. وقد هنا للتأكيد عوملت معاملة رب إذ هي للتقليل وتكون للتكثير أحياناً.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أن المؤمنين الكاملين في إيمانهم هم الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا كانوا معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمر جامع يتطلب حضورهم كالجمعة واجتماعات الحروب، لم يذهبوا حتى يستأذنوه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويأذن لهم هذا معنى قوله تعالى: {إنما1 المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه} .
وقوله تعالى: {إن الذين يستئذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنوك لبعض شأنهم بأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم} في هذا تعليم للرسول والمؤمنين وتعريض بالمنافقين. فقد أخبر تعالى أن الذين يستأذنون النبي هم المؤمنون بالله ورسوله، ومقابله أن الذين لا يستأذنون ويخرجون بدون إذن هم لا يؤمنون بالله ورسوله وهم المنافقون حقاً، وأمر رسول الله إذا استأذنه المؤمنون لبعض شأنهم أن يأذن لمن شاء منهم ممن لا أهمية لحضوره كما أمره أن يستغفر الله لهم لما قد يكون غير عذر شرعي يبيح لهم الاستئذان وطمعهم في المغفرة بقوله إن الله غفور رحيم.
وقوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم2 بعضا} هذا يحتمل أموراً كلها حق الأول أن يحاذر المؤمنون إغضاب رسول الله بمخالفته فإنه إن دعا عليهم هلكوا لأن دعاء الرسول لا يرد فليس هو كدعاء غيره، والثاني أن لا يدعوا الرسول باسمه يا محمد ويا أحمد بل عليهم أن يقولوا يا نبي الله ويا رسول الله، والثالث أن لا يغلظوا في العبارة بل عليهم أن يلينوا اللفظ ويرققوا العبارة إكباراً وتعظيماً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا ما تضمنه قوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا}
وقوله: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} أعلمهم تعالى أنه يعلم قطعاً أولئك المنافقين الذين يكونون في أمر جامع مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيتسللون واحداً بعد آخر بدون أن يستأذنوا متلاوذين في هروبهم من المجلس يستر بعضهم بعضاً، وفي هذا تهديد بالغ
الخطورة لأولئك المنافقين. وقوله: {فليحذر3 الذين يخالفون عن أمر4} أي أمر رسول الله وهذا عام للمؤمنين والمنافقين وإلى يوم القيامة فليحذروا أن تصيبهم فتنة وهي زيغ في قلوبهم فيموتوا كافرين، أو يصيبهم عذاب أليم في الدنيا والعذاب ألوان وصنوف.
وقوله تعالى: {ألا إن لله ما في السموات والأرض} أي خلقاً وملكماً وعبيداً يتصرف كيف يشاء ويحكم ما يريد ألا فَليتقّ اللهُ عز وجل في رسوله فلا يخالف أمره ولا يعصي في نهيه فإن الله لم يرسل رسولاً إلا ليطاع بإذنه.
وقوله تعالى: {قد يعلم ما انتم عليه} إخبار يحمل التهديد والوعيد أيضاً فما عليه الناس من أقوال ظاهرة وباطنة معلومة لله تعالى، ويوم يرجعون إلى الله بعد موتهم فينبئهم بما عملوا من خير وشر ويجزيهم به الجزاء الأوفى، {والله بكل شيء عليم} فليحذر أن يخالف رسوله أو يعصي وليتق في أمره ونهيه فإن نقمته صعبة وعذابه شديد.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- وجوب الاستئذان من إمام المسلمين إذا كان الأمر جامعاً. وللإمام أن يأذن لمن شاء ويترك من يشاء حسب المصلحة العامة.
2- وجوب تعظيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحرمة إساءة الأدب معه حياً وميتاً.
3- وجوب طاعة رسول الله وحرمة مخالفة أمره ونهيه.
4- المتجرىء على الاستهانة بسنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله.
__________

1 إنما: أداة حصر، وهي هنا كذلك، فالمعنى أنه لا يتم ولا يكمل إيمان مَنْ آمن بالله ورسوله إلاّ إذا كان من الرسول في سامعا غير معنّت, فلا يناقض للرسول في قول ولا عمل أبداً.
2 يريد: لا يصيحوا به من بعيد يا أبا القاسم، بل يعظّموه، شاهده من سورة الحجرات: {إنّ الدين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} .
3 دلت الآية على أن الأمر للوجوب، وتوجيهه أنّ الله تعالى قد حذّر من مخالفة أمره وتوعّد بالعقاب عليها بقوله: {أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} .
4 قيل: إن {عن} في قوله: {يخالفون عن أمره} زائدة، والتقدير: يخالفون أمره وقيل: ليست زائدة إذ المعنى: يخالفون بعد أمره فعن بمعنى: عند وهذا كقوله تعالى: {ففسق عن أمر ربّه} أي: بعد أمر ربّه إياه بأن يسجد لأدم.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:05 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفرقان - (1)
الحلقة (627)
تفسير سورة الفرقان مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 596الى صــــ 601)

سورة الفرقان
مكية
وآياتها سبع1 وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا (3)
شرح الكلمات
تبارك: أي تكاثرت بركته وعمت الخلائق كلها.
الذي نزل الفرقان: أي الله الذي نزل القرآن فارقاً بين الحق والباطل.
على عبده: أي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ليكون للعالمين نذيرا: أي ليكون محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نذيراً للعالمين من الإنس والجن أي مخوفاً لهم من عقاب الله وعذابه إن كفروا به ولم يعبدوه ويوحدوه.
فقدره تقديرا: أي سواه تسوية قائمة على أساس لا اعوجاج فيه ولا زيادة ولا نقص عما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
ضراً ولا نفعاً: أي لا دفع ضر ولا جلب نفع.
موتاً ولا حياة ولا نشوراً: أي لا يقدرون على إماتة أحد ولا إحيائه ولا بعثاً للأموات.
معنى الآيات:
يثني الرب تبارك2 وتعالى على نفسه بأنه عَظُم خيره وعمت بركته المخلوقات كلها الذي نزل الفرقان الكتاب العظيم الذي فرق به بين الحق والباطل والتوحيد والشرك والعدل والظلم أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله وسلم ليكون3 للعالمين الإنس والجن نذيراً ينذرهم عواقب الكفر والشرك والظلم والشر والفساد وهي عقاب الله وعذابه في الدنيا والآخرة وقوله: {الذي له ملك السموات والأرض} خلقاً وملكاً وعبيداً وهو ثناء بعد ثناء وقوله: {ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء4 فقدره تقديراً} وهو ثناء آخر عظيم أثنى تبارك وتعالى فيه على نفسه بالملك والقدرة والخلق والعلم والحكمة وقوله: {واتخذوا من5 دونه آلهة} أصناماً {لا يخلقون شيئاً وهو يخلقون ولا يملكون لأنفسهم} فضلاً عن غيرهم من عابديهم {ضّراً ولا نفعاً} أي دفع ضرٍ ولا جلب نفع، ولا يملكون موتاً لأحد ولا حياة لآخر ولا نشوراً6 للناس يوم القيامة. أليس هذا موضع تعجب واستغراب أمع الله الذي عمت بركته الأكوان وأنزل الفرقان ملك ما في السموات والأرض تنزه عن الولد والشريك وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وخلق كل شيء فقدره تقديراً يتخذون من دونه آلهة أصناماً لا تدفع عن نفسها ضراً ولا نجلب لها نفعاً ولا تملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً فسبحان الله أين يذهب بعقول الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- مظاهر ربوبية الله تعالى الموجبة لألوهيته وهو إفاضة الخير على الخلق والملك والقدرة والعلم والحكمة.
2- التنديد بالشرك والمشركين.
3 - تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء.
__________

1 من الجائز أن يكون فيها بعض الآيات مدنياً إلا أن أسلوبها ومحتواها ظاهر في أنه مكيّ وهو الصحيح، وسميت بالفرقان لذكر لفظ الفرقان فيها ثلاث مرات.
2 للفظ تبارك دلالات كلها حق، منها: تقدس، وتعالى، ودام وثبت إنعامه. قال الثعلبي: لا يقال: متبارك ولا مبارك لأنه يوقف في أسمائه تعالى وصفاته على ما ورد عنه في كتابه وعلى لسان رسوله قال الطِّرمّاح:
تباركت لا معطٍ لشيء منعته
وليس لما أعطيت يا ربّ مانع
3{ليكون} أي: من نزل عليه القرآن وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعالمين نذيراً في الآية دليل على عموم رسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يكن هذا لغيره إلا نوحاً بعد الطوفان، فقد عمّت رسالته الإنس.
4 فيه ردّ على المجوس والثنوية القائلين: هناك خالقان خالق للظلمة وخالق للنور أو خالق للخير وخالق للشر، وهو رأي عفن وجهل مظلم.
5 في هذه الجملة تعجب من اتخاذ المشركين آلهة دونه تعالى وهي جمادات لا حياة فيها ولا تملك نفعاً ولا ضراً.
6 النشور: الإحياء بعد الموت قال الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا
يا عجباً للميّت الناشر

***********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:05 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا (5) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَّسْحُورًا (8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا (9)
شرح الكلمات:
إفك افتراه: أي ما القرآن إلا كذباً افتراه محمد وليس هو بكلام الله تعالى هكذا قالوا.
ظلمًا وزوراً: أي فرد الله عليهم قولهم بقوله فقد جاءوا ظلمًا حيث جعلوا الكلام المعجز الهادي إلى الإسعاد والكمال البشري إفكا مختلقاً وزوراً بنسبة ما هو برىء منه إليه.
اكتتبها: أي طلب كتابتها له فكتبت له.
يعلم السر: أي ما يسره أهل السماء والأرض وها يخفونه في نفوسهم.
أو يلقى إليه كنز: أي من السماء فينفق منه ولا يحتاج معه إلى الضرب في الأسواق.
جنة يأكل منها: بستان فيه ما يغنيه من أنواع الحبوب والثمار.
رجلاً مسحوراً: مخدوعاً مغلوباً على عقله.
ضربوا لك الأمثال: أي بالسحر والجنون والشعر والكهانة والكذب وما إلى ذلك.
فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً: فضلوا الطريق الحق وهو أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فلا يهتدون.
معنى الآيات:
يخبر تعالى عن أولئك المشركين الحمقى الذين اتخذوا من دون الله رب العالمين آلهة أصناماً لا تضر ولا تنفع أنهم زيادة على سفههم في اتخاذ الأحجار آلهة يعبدونها قالوا في القرآن الكريم والفرقان العظيم ما هو إلا إفك أي كذب اختلقه محمد وأعانه عليه قوم1 آخرون يعنون اليهود ساعدوه على الإتيان بالقرآن. فقد جاءوا بهذا القول الكذب الممقوت ظلماً وزوراً ظلماً لأنهم جعلوا القرآن المعجز الحامل للهدى والنور جعلوه كذباً وجعلوا البريء من الكذب والذي لم يكذب قط كاذباً فكان قولهم فيه زوراً وباطلاً. وقوله تعالى: {وقالوا أساطير2 الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} هذه الآية نزلت رداً على شيطان قريش النضر بن الحارث إذ كان يأتي الحيرة ويتعلم أخبار ملوك فارس ورستم. وإذا حدث محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه محذراً إياهم أن يصيبهم ما أصاب الأمم قبلهم فإذا قام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المجلس جاء هو فجلس وقال تعالوا أقص عليكم إني أحسن حديثاً من محمد، ويقول إن ما يقوله محمد هو من أكاذيب القصاص وأساطيرهم التي سطروها في كتبهم فهو يحدث بها وهي تملى عليه أي يمليها عليه غيره صباحاً ومساءاً فرد تعالى هذه الفرية بقوله لرسوله: {قل3 أنزله} أي القرآن{الذي يعلم السر في السموات والأرض} أي سر ما يسره أهل السموات وأهل الأرض فهو علام الغيب المطلع على الضمائر العالم بالسرائر، ولولا أن رحمته سبقت غضبه لأهلك من كفر به وأشرك به سواه {إنه كان غفوراً رحيماً} يستر زلات من تاب إليه ويرحمه مهما كانت ذنوبه.
وقوله تعالى: {وقالوا: ما لهذا4 الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا5 أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} هذه كلمات رؤوساء قريش وزعمائها لما عرضوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يترك دعوته إلى ربه مقابل ما يشاء من ملك أو مال أو نساء أو جاه فرفض كل ذلك فقالوا له إذاً فخذ لنفسك لماذا وأنت رسول الله تأكل الطعام وتمشي في الأسواق6 تطلب العيش مثلنا فسل ربك ينزل إليك ملكاً فيكون معك نذيراً أو يلقي إليك بكنز من ذهب وفضة تعيش بها أغنى الناس، أو يجعل لك جنة من نخيل وعنب، أو يجعل لك قصوراً من ذهب تتميز بها عن الناس وتمتاز فيعرف قدرك وتسود قومك وقوله تعالما: {وقال الظالمون7} أي للمؤمنين من أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً أي أنكم بإتباعكم محمداً فيما جاء به ويدعو إليه ما تتبعون إلا رجلاً مسحورً، أي مخدوعاً مغلوباً على عقله لا يدري ما يقول ولا ما يفعل أي فاتركوه ولا تفارقوا ما عليه آباؤكم وقومكم. وقوله تعالى: {انظر كيف ضربوا8 لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً} أي انظر يا رسولنا إلى هؤلاء المشركين المفتونين كيف شبهوا لك الأشباه وضربوا لك الأمثال الباطلة فقالوا فيك مرة هو ساحر، وشاعر وكاهن ومجنون فضاعوا في هذه التخرصات وضلوا طريق الحق فلا يرجى لهم هداية بعد، وذلك لبعد ضلالهم فلا يقدرون على الرجوع إلى الحق وهو معنى قوله: {فلا يستطيعون سبيلاً} .
هداية الآيات:
من هداية الآيات

1- بيان ما قابل به المشركون دعوة التوحيد من جلب كل قول وباطل ليصدوا عن سبيل الله وما زال هذا دأب المشركين إزاء دعوة التوحيد إلى اليوم وإلى يوم القيامة.
2- تقرير الوحي الإلهي والنبوة المحمدية.
3- بيان حيرة المشركين إزاء دعوة الحق وضربهم الأمثال الواهية الرخيصة للصّدّ عن سبيل الله، وقد باءت كل محاولاتهم بالفشل والخيبة المرة.

__________

1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: {قوم آخرون} هم: أبو فكيهة مولى بن الحضرمي وعدّاس وجبر، وكان هؤلاء الثلاثة من أهل الكتاب.
2 هذه الجملة ردّ على من زعم من المشركين أنّ محمداًَ يتلقى القرآن من أهل الكتاب وذكر السرّ دون الجهر لأنّ من علم السر فهو بالجهر أعلم وأمرٌ آخر: لو كان القرآن مأخوذاً عن أهل الكتاب لما كان فيه زيادة عمّا عندهم في حين أنّ فيه من العلوم والمعارف مالا يخطر حتى على البال ولو لم يكن كذلك لقدروا على الإتيان بسورة من مثله.
3 الأساطير: جمع أسطورة كأحاديث جمع أحدوثة. وقال بعضهم إنها جمع أسطار كأقوال وأقاويل: {تُملى} أصلها: تُملل فأبدلت اللام الأخيرة ياء من التضعيف.
4 الاستفهام للتعجب، وجملة: {يأكل الطعام} جملة حالية، وقولهم: {هذا الرسول} من باب المجاراة وإلاّ فهم مكذّبون برسالته.
5 لولا: حرف تحضيض استعملت هنا في التعجيز أي: لولا أنزل عليه ملك لاتبعناه وإنهم كاذبون.
6 {الأسواق} جمع سوق، وسميت السوق سوقاً لقيام الناس فيها على ساق للبيع والشراء وورد ذكرها في الكتاب والسنة والعمل فيها مباح وكان الرسول يأتيها يدعو أهلها إلى الإسلام وورد أنها شرّ البقاع والمساجد خيرها وهي مقابلة، وورد أنه من قال فيها رافعاً بها صوته: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير واليه المصير وهو على كل شيء قدير كتب له ألف ألف حسنة. "
7 هذا القائل هو: عبد الله بن الزبعري أيّام جاهلتيه إذ أسلم فيما بعد وحسن إسلامه.
8 هذه الجملة تعجبية وهي إخبار منه تعالى عن حال المشركين إذ ضلوا في تلفيق المطاعن والبحث عن التهم لدفع الحق وإبطاله فعجزوا وتاهوا في طرق طلبهم ما يبطلون به دعوة الله تعالى.


ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:06 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفرقان - (2)
الحلقة (628)
تفسير سورة الفرقان مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 601الى صــــ 606)


تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولا (16)
شرح الكلمات:
تبارك: أي تقدس وكثر خيره وعمت بركته.
خيراً من ذلك: أي الذي اقترحه المشركون عليك.
ويجعل لك قصوراً: أي كثيرة لا قصراً وحداً كما قال المشركون.
بل كذبوا بالساعة: أي لم يكن المانع لهم من الإيمان كونك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق بل تكذيبهم بالبعث والجزاء هو السبب في ذلك.
تغيظاً وزفيرا: أي صوتاً مزعجاً من. نغيظها على أصحابها المشركين بالله الكافرين به.
مقرنين: أي مقرونة أيديهم مع أعناقهم في الأصفاد.
دعوا هنالك ثبوراً: أي نادوا يا ثبورنا أي يا هلاكنا إذ الثبور الهلاك.
كانت لهم جزاءً ومصيراً: أي ثواباً على إيمانهم وتقواهم، ومصيراً صاروا إليها لا يفارقونها.
وعداً مسؤلا: أي مطالباً به إذ المؤمنون يطالبون به قائلين ربنا وآتنا ما وعدتنا والملائكة تقول ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الرد على مقترحات المشركين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ قالوا لولا أنزل إليه ملك، أو يلقى إليه كنزٌ وتكون له جنة يأكل منها فقال تعالى: لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {تبارك1 الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك} أي الذي اقترحوه وقالوا خذ لنفسك من ربك بعد أن رفضت طلبهم بترك دعوتك والتخلي عن رسالتك {جنات تجري من تحتها الأنهار} أي من خلال أشجارها وقصورها2 {ويجعل لك قصوراً} لا قصراً3 واحداً كما قالوا، ولكنه لم يشأ ذلك لك من هذه الدار لأنها دار عمل ليست دار جزاء وراحة ونعيم فربك قادر على أن يجعل لك ذلك ولكنه لم يشأه والخير فيما يشاءه فاصبر فإن المشركين لم يكن المانع لهم من الإيمان هو كونك بشراً تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، أو أن الله تعالى لم ينزل إليك ملكاً بل المانع هو تكذيبهم بالساعة فعلة كفرهم وعنادهم هي عدم إيمانهم بالبعث والجزاء فلو آمنوا بالحياة الثانية لطلبوا كل سبب ينجي في عذابها ويحصل نعيمها {بل كذبوا4 بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة5} أي القيامة {سعيراً} أي ناراً مستعرة أو هي دركة من دركات النار تسمى سعيراً.
وقوله تعالى: {إذا رأتهم6 من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً} هذا وصف للسعير وهو أنها إذا رأت أهلها من ذوي الشرك والظلم والفساد من مكان بعيد تغيظت عليهم تغيظاً وزفرت زفيراً مزعجاً فيسمعونه فترتعد له فرائصهم. {وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين} مشدودة أيديهم إلى أعناقهم بالأصفاد {دعوا هنالك} أي نادوا بأعلى أصواتهم يا ثبوراه أي يا هلاكاه أحضر فهذا وقت حضورك: فيقال لهم: خزياً وتبكيتا وتحسيراً: {لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً} ، فهذا أوآن هلاككم وخزيكم وعذابكم وهنا يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قل} لأولئك المشركين المكذبين بالبعث والجزاء: {أذلك} أي المذكور من السعير والإلقاء فيها مقرونة الأيدي بالأعناق وهم يصرخون يدعون بالهلاك {خير أم7 جنة الخلد التي وعد المتقون} أي التي وعد الله تعالى بها عباده الذين اتقوا عذابه بالإيمان به وبرسوله وبطاعة الله ورسوله قطعاً جنة الخلد خير ولا مناسبة بينها وبين السعير، وإنما هو
التذكير لا غير وقوله: {كانت لهم} أي جنة الخلد كانت لأهل الإيمان والتقوى {جزاء} أي ثواباً، {ومصيراً} يصيرون إليه لا يفارقونه وقوله تعالى: {لهم فيها ما يشاءون} أي فيها من أنواع المطاعم والمشارب والملابس والمساكن وقوله: {خالدين} . أي فيها لا يموتون ولا يخرجون، وقوله: {كان على ربك وعداً مسئولاً} أي تفضل ربك أيها الرسول بها فوعد بها عباده المتقين وعداً يسألونه إياه فينجزه لهم فهم يقولون: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على
رسلك} ، {والملائكة تقول ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم} .
هداية الآيات:
من هداية الآيات:

1- بيان أن مرد كفر الكافرين وظلم الظالمين وفساد المفسدين إلى تكذيبهم بالبعث والجزاء
في الدار الآخرة فإن من آمن بالبعث الآخر سارع إلى الطاعة والاستقامة.
2- تقرير عقيدة البعث الآخر بوصف بعض ما يتم فيه من الجزاء بالنار والجنة.
3- فضل التقوى وأنها ملاك الأمر فمن آمن واتقى فقد استوجب الدرجات العلى جعلنا الله تعالى من أهل التقوى والدرجات العلى.

__________

1 أي: إن شاء جعل لك خيراً من ذاك الذي اقترحه المشركون عليك وأن معنى لو الشرطية وجواب الشرط محذوف. أي: لجعل ولكن لم يشأ ذلك لأنه غير لائق بمقامك في هذه الدار وهو لك في الآخرة.
2 قرىء {ويجعل} بالرفع على الاستئناف، وقراءة الأكثر بالجزم على محل الشرط: إن شاء جعل لك.
3 القصر في اللغة: كل بناء رفيع عالٍ حصين. وأما البيت فقد يكون من لبن وطين وقد يكون من شعر.
4 بل: هنا للإضراب والانتقال. إضراب على جواب اقتراحهم، وانتقال إلى ذكر علة كفرهم وعنادهم واقتراحهم ما اقترحوه، وهو تكذيبهم بالبعث الآخر، إذ هو سبب عنادهم وكفرهم وفسادهم.
5 الساعة: اسم غلب على عالم الخلود. تسمية باسم مبدئه وهو ساعة البعث.
6 إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم فقد ورد مرفوعا أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً. قيل يا رسول الله ولها عينان؟ قال: أما سمعتم الله عز وجل يقول: {إذا رأتهم من كان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً} يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول: وكلت بكل من جعل مع الله إلها آخر". الحديث صححه ابن العربي في القبس.
7 إن قيل: كيف قال: {أذلك خير} ولا خير في النار؟ قيل: هذا من باب قول العرب: الشقاء أحبّ إليك أم السعادة؟ وقد علم أنّ السعادة أحب إليه. قال حسان:
أتهجوه ولست له بكفىء
فشركما لخيركما الفداء
وقطعاً الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا شرّ فيه البتة.

*****************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:06 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الاسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
شرح الكلمات:
يحشرهم: أي يجمعهم
وما يعبدون من دون الله: من الملائكة والأنبياء والأولياء والجن.
أم هم ضلوا السبيل: أي طريق الحق بأنفسهم بدون دعوتكم إياهم إلى ذلك.
سبحانك: أي تنزيهاً لك عما لا يليق بجلالك وكمالك.
ولكن متعتهم: أي بأن أطلت أعمارهم ووسعت عليهم أرزاقهم.
وكانوا قوماً بوراً: أي هلكى, إذ البوار الهلاك.
ومن يظلم منكم: أي ومن يشرك منكم أيها الناس.
وجعلنا بعضكم لبعض فتنة: أي بليّة فالغني مبتلَى بالفقير، والصحي بالمريض، والشريف بالوضيع فالفقير يقول ما لي لا أكون كالغني والمريض يقول مالي لا أكون كالصحيح، والوضيع يقول ما لي لا أكون كالشريف مثلاً.
أتصبرون: أي اصبروا على ما تسمعون مِمّن ابتليتم بهم، إذ الاستفهام للأمر هنا.
وكان ربك بصيراً: أي بمن يصبر وبمن يجزع ولا يصبر.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مظاهر لها في القيامة إذ إنكار هذه العقيدة هو سبب كل شر وفساد في الأرض فقوله تعالى: {ويوم يحشرهم1 وما يعبدون من دون الله} أي اذكر يا رسولنا يوم يحشر الله المشركين وما كانوا يعبدونهم من دوننا كالملائكة والمسيح والأولياء والجن. {فيقول} لمن كانوا يعبدونهم {أآنتم2 أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل؟} أي ما أضللتموهم ولكنهم ضلوا طريق الحق بأنفسهم فلم يهتدوا إلى عبادتي وحدي دون سواي. فيقول المعبودون {سبحانك} أي تنزيهاً لك وتقديساً عن كل ما لا يليق بجلالك وكمالك {ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء3} أي لا يصح منا اتخاذ أولياء من دونك فندعو عبادك إلى عبادتهم فنضلهم بذلك، {ولكن متعتهم} يا ربنا {وآباءهم} من قبلهم بطول الأعمار وسعة الأرزاق فانغمسوا في الشهوات والملاذ {حتى نسوا الذكر4} أي نسوا ذكرك وعبادتك وما جاءتهم به رسلك فكانوا بذلك قوماً بوراًُ أي هلكى خاسرين.
وقوله تعالى: {فقد5 كذبوكم بما تقولون6} يقول تعالى للمشركين فقد كذبكم من كنتم
تشركون به، فقامت الحجة عليكم فأنتم الآن لا تستطيعون صرفاً للعذاب عنكم ولا نصراً أي ولا تجدون من ينصركم فيمنع العذاب عنكم.
وقوله تعالى: {ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيراً} هذا خطاب عام لسائر الناس يقول تعالى للناس ومن يشرك منكم بي أي يعبد غيري نذقه أي يوم القيامة عذاباً كبيراً وقوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك} أي يا رسولنا {من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق 7} إذاً فلا تهتم بقول المشركين {ما لهذا الرسول يأكل الطعام} ولا تحفل به فإنهم يعرفون ذلك ولكنهم يكابرون ويجاحدون.
وقوله تعالى: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة8} أي هذه سنتنا في خلقنا نبتلي بعضهم ببعض فنبتلي المؤمن بالكافر والغني بالفقير والصحيح بالمريض والشريف بالوضيع، وننظر من يصبر ومن يجزع ونجزي الصابرين بما يستحقون والجزعين كذلك.
وقوله تعالى: {أتصبرون} هذا الاستفهام معناه الأمر أي اصبروا إذاً ولا تجزعوا أيها المؤمنون من أذى المشركين والكافرين لكم. وقوله تعالى: {وكان ربك بصيرا} أي وكان ربك أيها الرسول بصيراً بمن يصبر وبمن يجزع فاصبر ولا تجزع فإنها دار الفتنة والامتحان وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- يا لهول الموقف إذا سئل المعبودون عمن عبدوهم، والمظلومون عمن ظلموهم.
3- براءة الملائكة والأنبياء والأولياء من عبادة من عبدوهم.
4- خطورة طول العمر وسعة الرزق إذ غالباً ما ينسى العبد بهما ربه ولقاءه.
5- تقرير أن الدنيا دار ابتلاء فعلى أولى الحزم أن يعرفوا هذا ويخلصوا منها بالصبر والتحمل في ذات الله حتى يخرجوا منها ولو كفافاً لا لهم ولا عليهم.
__________

1 قرأ الجمهور: {نحشرهم} بالنون للعظمة، و {يقول} بالياء وهو التفات من التكلم إلى الغيبة حسن. وقرأ حفص وغيره بالياء في {يحشرهم} و {يقول} معاً وقرأ بعضٌ بالنون فيهما معاً.
2 الاستفهام تقريري للاستنطاق والاستشهاد.
3 الأولياء جمع ولي بمعنى التابع فإن الولي يرادف المولى فيصدق على كلا طرفي الولاء أي: على السيد والعبد، والناصر والمنصور والمراد هنا من الولي: التابع.
4 قيل: الذكر: القرآن، وقيل: الشكر على الإحسان، وما في التفسير أشمل.
5 الفاء الفصيحة إذّ أفصحت على جواب شرط محذوف تقديره:
إن قلتم هؤلاء آلهتنا حقد كذبوكم بما تقولون، وقد جاء التصريح بما يدل على القول المحذوف في قول عباس بن الأحنف.
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا
ثم القفول فقد جئنا خراسانا
6 قرأ الجمهور بالباء وقرأ حفص بالتاء: {تقولون} .
7 أخرج مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها".
8 هذه الجملة تذييلية الغرض منها التسلية للرسول صلى عليه وسلم والمؤمنين من أجل ما يلاقون من عناد المشركين وأذاهم. والاستفهام في: {أتصبرون} معناه الحث على الصبر والأمر به نحو قوله: {فهل أنتم منتهون} .
أي: عما حرّم من الخمر والميسر.

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:07 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفرقان - (3)
الحلقة (629)
تفسير سورة الفرقان مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 607الى صــــ 611)

الجزء التاسع عشر
وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا (24)
شرح الكلمات:
لا يرجون لقاءنا: أي المكذبون بالبعث إذ لقاء العبد ربه يكون يوم القيامة.
لولا أنزل علينا الملائكة: أي هلاَّ أنزلت علينا ملائكة تشهد لك بأنك رسول الله.
أو نرى ربنا: أي فيخبرنا بأنك رسوله وأن علينا أن نؤمن بك.
استكبروا في أنفسهم: أي في شأن أنفسهم ورأوا أنهم أكبر شيء وأعظمه غروراً منهم.
وعتوا عتواً كبيراً: أي طغوا طغياناً كبيراً حتى طالبوا بنزول الملائكة ورؤية الرب تعالى.
ويقولون حجراً محجوراً: أي تقول لهم الملائكة حراماً محرماً عليكم البشرى.
وقدمنا إلى ما عملوا: أي عمدنا إلى أعمالهم الفاسدة التي لم تكن على علم وإخلاص.
هباء منثوراً: الهباء ما يرى من غبار في شعاع الشمس الداخل من الكوى.
وأحسن مقيلاً: المقيل مكان الاستراحة في نصف النهار في أيام الحر.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر أقوال المشركين من قريش فقال تعالى {وقال الذين لا
يرجون لقاءنا1} وهم المكذبون بالبعث المنكرون للحياة الثانية بكل ما فيها من نعيم وعذاب {لولا أنزل علينا الملائكة} أي هلا أنزل الله علينا الملائكة تشهد لمحمد بالنبوة {أو نرى2 ربنا} فيخبرنا بأن محمداً رسوله وأن علينا أن نؤمن به وبما جاء به ودعا إليه. قال تعالى {لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً3} أي وعزتنا وجلالنا لقد استكبر هؤلاء المشركون المكذبون بالبعث في شأن أنفسهم ورأوا أنهم شيء كبير وعتوا أي طغوا طغياناً كبيراً في قولهم هذا الذي لا داعي إليه إلا الشعور بالكبر، والطغيان النفسي الكبير، وقوله {يوم يرون الملائكة} أي الذين يطالبون بنزولهم عليهم، وذلك يوم القيامة. لا بشرى يومئذ للمجرمين أي الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والظلم الفساد: {ويقولون} أي وتقول لهم الملائكة {حجراً محجوراً} أي حراماً4 محرماً عليكم البشرى بل هي للمؤمنين المتقين.
وقوله تعالى {وقدمنا5 إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء6 منثوراً} أي وعمدنا إلى أعمالهم التي لم تقم على مبدأ الإيمان والإخلاص والموافقة للشرع فصيرناها هباءً منثوراً كالغبار الذي يرى في ضوء الشمس الداخل مع كوة أو نافذة لا يقبض باليد ولا يلمس بالأصابع لدقته وتفرقه فكذلك أعمالهم لا ينتفعون منها بشيء لبطلانها وعدم الاعتراف بها.
وقوله تعالى {أصحاب الجنة} أي أهلها الذين تأهلوا لها بالإيمان والتقوى يومئذ أي يوم القيامة الذي كذب به المكذبون خير مستقراً أي مكان استقرار وإقامة وأحسن مقيلا 7أي مكان استراحة من العناء في نصف النهار أي خير وأحسن من أهل النار المشركين المكذبين وفي هذا التعبير إشارة إلى أن الحساب قد ينقضي في نصف يوم الحساب وذلك أن الله سريع الحساب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان ما كان عليه غلاة المشركين من قريش من كبر وعتو وطغيان.
2- إثبات رؤية الملائكة عند قبض الروح، ويوم القيامة.
3- نفي البشرى عن المجرمين وإثباتها للمؤمنين المتقين.
4- حبوط عمل المشركين وبطلانه حيث لا ينتفعون بشيء منه البتة.
5- انتهاء حساب المؤمنين قبل نصف يوم الحساب الذي مقداره خمسون ألف سنة.
__________

1 {لقاءنا} أي: لا يخافون لقاءنا ولا يأملونه ولا يبالون به، وهذا كلّه ناتج عن تكذيبهم بالبعث والدار الآخرة.
2 لما كانت الحياة الدنيا حياة ابتلاء امتنع أن يعطيهم ما طلبوا إذ لو أراهم الله تعالى نفسه أو أراهم ملائكته لآمنوا وبطل حينئذ التكليف الذي أقام تعالى عليه الحساب والجزاء مع أن رؤية الله لا يقدرون عليها لكن على فرض لو أقدرهم الله عليها.
3 العتو: أشد الكفر وأفحش الظلم.
4 حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلاّ من شهد أن لا إله إلا الله وأقام شرائع الله، وكذلك الحال يوم القيامة لا بشرى يومئذ للمجرمين:
ومن شواهد أن حجراً بمعنى محرماً وحراماً قول المتلمس:
حنّت إلى النخلة القصوى فقلت لها
حِجر حرام إلا تلك الدهاريس
الدهاريس: الدراهم.
5 قدمنا: عمدنا قال الشاعر:
وقدم الخوارج والضلال
إلى عباد ربهم فقالوا
إن دماءكم لنا حلال
6 تصغر هباء: هبيٌ وواحده: هبأة، وهمز في هباء لالتقاء الساكنين وجمع هباة: أهباء.
7 المقيل: الذي يؤوى إليه في وقت القيلولة للاستراحة فيه وفي الحديث: "قيلوا فإنّ الشياطين لا تقيل" وروي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له ما أطول هذا اليوم فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا".

********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:08 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولا (29)
شرح الكلمات:
بالغمام: أي عن الغمام وهو سحاب أبيض رقيق كالذي كان لبني إسرائيل في التيه.
الملك: أي الملك الحق لله ولم يبق لملوك الأرض ومالكيها ملك في شيء ولا لشيء.
على الكافرين عسيرا: أي صعباً شديداً.
يعض الظالم على يديه: أي ندماً وأسفاً على ما فرط في جنب الله.
سبيلا: أي طريقاً إلى النجاة بالإيمان والطاعة.
لم أتخذ فلاناً خليلاً: أي أبي بن خلف خليلاً صديقاً ودوداً.
لقد أضلني عن الذكر: أي عن القرآن وما يدعو إليه من الإيمان والتوحيد والعمل الصالح.
وكان الشيطان: شيطان الجن وشيطان الإنس معاً.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في عرضي مظاهر القيامة وبيان أحوال المكذبين بها فقال تعالى {ويوم} أي اذكر {يوم تشقق1 السماء2 بالغمام} أي عن الغمام ونُزّل الملائكة تنزيلاً وذلك لمجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء. وقوله تعالى {الملك يومئذ الحق3} أي الثابت للرحمن عز وجل لا لغيره من ملوك الدنيا ومالكيها، وكان ذلك اليوم يوماً على الكافرين4 عسيراً لا يطاق ولا يحتمل ما فيه من العذاب والأهوال وقوله {يوم يعض الظالم على يديه} أي المشرك الكافر بيان لعسر اليوم وشدته حيث يعض الظالم على يديه تندماً وتحسراً وأسفاً على تفريطه في الدنيا في الإيمان وصالح الأعمال.. يقول يا ليتني أي متمنياً: {اتخذت مع الرسول5 سبيلا} أي طريقاً إلى النجاة من هول هذا اليوم وذلك بالإيمان والتقوى. وينادي مرة أخرى قائلاً {يا ويلتا} أي يا هلكتي احضري فهذا وقت حضورك، ويتمنى مرة أخرى فيقول {يا ليتني لم اتخذ6 فلاناً خليلاً} وهو شيطان من الإنس أو الجن كان قد صافاه ووالاه في الدنيا فغرر به وأضله عن الهدى. فقال في تحسر {لقد أضلني عن الذكر} أي القران بعد إذ جاءني من ربي بواسطة الرسول وفيه هداي وبه هدايتي، قال تعالى {وكان الشيطان للإنسان خذولاً5} أي يورطه ثم يتخلى عنه ويتركه في غير موضع وموطن.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر البعث والجزاء وبذكر أحوالها وبعض أهوالها.
2- إثبات مجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء يوم القيامة.
3- تندم الظلمة وتحسرهم على ما فاتهم من الإيمان والطاعة لله ورسوله.
4- بيان سوء عاقبة موالاة شياطين الإنس والجن وطاعتهم في معصية الله ورسوله.
__________

1 قرأ نافع {تشَقَق} بتشديد الشين والقاف، وقرأ حفص: {تشقق} بتخفيف الشين وأصلها تتشقق فمن حذف إحدى التائين للتخفيف قرأ بتخفيف الشين ومن أدغم التاء في الشين شدّدها.
2 الباء: بمعنى عن نحو: رميت بالقوس وعن القوس، والغمام: سحاب أبيض رقيق مثل الضباب هو الذي قال تعالى فيه: {هل أن ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} .
3 الحق: نعت للملك. المبتدأ والخبر: الجار والمجرور، والجملة تتضمن إبطال أي ملك لأحد سوى الرحمن عز وجل إذ هو الملك الحق والمالك الحق.
4 مفهوم الخطاب انه على المؤمنين غير عسير فهو إذاً يسير وهو كذلك.
5 الخذول: كثير الخذلان, وخذله: إذا ترك نصرته وهو قادر عليها فالخذل والخذلان: معناهما: ترك نصر المستنجد مع القدرة على نصره.
5 أهل التفسير على أن هذا الظالم هو عقبة بن أبي معيط وأنّ خليله أميّة بن خلف، فعقبة قتله علي في أسرى بدر وأمية قتله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان هذا من دلائل النبوة. لأنه أخبر عنهما بهذا فقُتلا كافرين إلى النار.
6 هذا هو عقبة بن أبي معيط وفلان هو: أمية بن خلف. في الآية دليل على وجوب البعد عن قرناء السوء، وفي الحديث الصحيح: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إنا أن يحذيك وإمّا أن تبتاع منه وإما أن نجد ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة " رواه مسلم.



ابوالوليد المسلم 03-08-2022 04:09 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفرقان - (4)
الحلقة (630)
تفسير سورة الفرقان مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 611الى صــــ 616)


وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)

شرح الكلمات:
مهجوراً: أي شيئاً متروكاً لا يلفت إليه.
هادياً ونصيراً: أي هادياً لك إلى طريق الفوز والنجاح وناصراً لك على كل أعدائك.
جملة واحدة: أي كما نزلت التوراة والإنجيل والزبور دفعة واحدة فلا تجزئة ولا تفريق.
لنثبت به فؤادك: أي نقوي قلبك لتتحمل أعباء الرسالة وإبلاغها.
ورتلناه ترتيلاً: أي أنزلناه شيئاً فشيئاً آيات بعد آيات وسورة بعد أخرى ليتيسر فهمه وحفظه.
شر مكاناً: أي ينزلونه وهو جهنم والعياذ بالله منها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في عرض أحوال البعث الآخر الذي أنكره المشركون وكذبوا فقال تعالى {وقال الرسول1 يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} هذه شكوى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقومه إلى ربه ليأخذهم بذلك. وهجرهم للقرآن تركهم سماعه وتفهمه والعمل بما فيه.
وقوله تعالى: {وكذلك2 جعلنا لكلى نبي عدواً من المجرمين} أي وكما جعلنا لك أيها الرسول أعداء لك من مجرمي قومك جعلنا لكل نبي قبلك عدواً من مجرمي قومه، إذاً فاصبر وتحمل حتى تبلغ رسالتك وتؤدي أمانتك، والله هاديك إلى سبيل نجاحك وناصرك على أعدائك. وهذا معنى قوله تعالى {وكفى بربك هادياً ونصيراً} . وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} أي وقال المكذبون بالبعث المنكرون للنبوة المحمدية المشركون بالله آلهة من الأصنام هلا نزل عليه القرآن مرة واحدة مع بعضه بعضاً لا مفرقاً آيات وسوراً أي كما نزلت التوراة جملة واحدة والإنجيل والزبور وهذا من باب التعنت منهم والاقتراحات التي لا معنى لها إذ هذا ليس من شأنهم ولا مما يحق لهم الخوض فيه، ولكنه الكفر والعناد. ولما كان هذا مما قد يؤلم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد تعالى عليهم بقوله { (كذلك3} أي أنزلناه كذلك منجماً ومفرقاً لحكمة عالية وهي تقوية قلبك وتثبيته لأنه كالغيث كلما أنزل أحيا موات الأرض وازدهرت به ونزوله مرة بعد مرة أنفع من نزول المطر دفعة واحدة. وقوله تعالى: {ورتلناه ترتيلا} أي أنزله مرتلاً أي شيئاً فشيئاً ليتيسر حفظه وفهمه والعمل به.
وقوله تعالى {ولا يأتونك4 بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن5 تفسيراً} هذا بيان الحكمة في نزول القرآن مفرقاً لا جملة واحدة وهو أنهم كلما جاءوا بمثل أو عرض شبهة ينزل القرآن الكريم بإبطال دعواهم وتفنيد كذبهم، وإلغاء شبهتهم، وإحقاق الحق في ذلك وبأحسن تفسير لما اشتبه عليهم واضطربت نفوسهم فيه وقوله تعالى {الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكاناً وأضل سبيلاً6} أي أولئك المنكرون للبعث المقترحون نزول القرآن جملة واحدة هم الذين يحشرون على وجوههم تسحبهم الملائكة على وجوههم إلى جهنم لأنهم مجرمون بالشرك والتكذيب والكفر والعناد. أولئك البعداء شر مكاناً يوم القيامة، وأضل سبيلاً في الدنيا، إذ مكانهم جهنم، وسبيلهم الغواية والضلالة والعياذ بالله من ذلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- شهادة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من هجروا القرآن الكريم فلم يسمعوه ولم يتفهموه ولم يعملوا به، وشكواه إياهم إلى الله عز وجل.
2- بيان سنة الله في العباد وهي أنه ما من نبي ولا هاد ولا منذر إلا وله عدو من الناس وذلك لتعارض الحق مع الباطل، فينجم عن ذلك عداء لازم من أهل الباطل لأهل الحق.
3- بيان الحكمة في نزول القرآن منجماً شيئاً فشيئاً مفرقاً.
4- بيان أن المجرمين. يحشرون على وجوههم لا على أرجلهم إلى جهنم إهانة لهم وتعذيباً.
__________

1 الرسول: هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكو المشركين من قومه إلى ربه تعالى يوم القيامة لتحق عليهم كلمة العذاب.
2 هذه الجملة تحمل العزاء للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتسلية من جراء ما يجد من قومه المكذبين المعادين المحاربين، ومعنى الآية: وكما جعلنا لك عدواً من قومك وهو أبو جهل جعلنا لكل نبي عدواً.
3 جائز أن يكون كذلك من كلام المشركين: أي: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك أي: كالتوراة والإنجيل فيتم الوقف على كذلك ثم يبتدئ {لنثبت به فؤادك} وما في التفسير أولى.
4 هذا كقولهم: {إن هذا غلاّ إفك افتراه} وقولهم: {أساطير الأولين} وقولهم: {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} وقولهم {إن تتبعون إلاّ رجلا مسحورا} وقولهم: {لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} كل هذا الذي قالوه رد عليهم وأبطله بالحجج القوية فأسكتهم وأبطل دعاويهم.
5 أي: بما يقطع حجتهم ويلقمهم الحجر فلا يستطيعون الرد أو القول.
6 {سبيلا} منصوب على التمييز المحول عن فاعل، أي: ضلّت سبيلهم.

*******************************

يتبع


الساعة الآن : 06:04 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 196.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 195.78 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.25%)]