ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:17 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (7)
الحلقة (596)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 422الى صــــ 427)

{ قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } 59 { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } 60 { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } 61 { قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } 62 { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } 63 { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } 64 { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ }65


شرح الكلمات:

بآلهتنا: أي بأصنامهم التي سموها آلهة لأنهم يعبدونها ويؤلهونها.

فتى يذكرهم: أي بالعيب والإِنتقاص.

على أعين الناس: أي ظاهراً يرونه بأعينهم.

يشهدون: أي عليه بأنه الذي كسر الآلهة، ويشهدون العقوبة التي ننزلها به.

أأنت فعلت هذا: هذه صيغة الاستنطاق والاستجواب.

بل فعله كبيرهم هذا: أشار إلى أصبعه نحو الصنم الكبير الذي علق به الفاس قائلاً بل فعله كبيرهم هذا وَوَرَّى بإصبعه تحاشيا للكذب.

فرجعوا إلى أنفسهم: أي بعد التفكر والتأمل حكموا على أنفسهم بالظلم لعبادتهم مالا ينطق.

نكسوا على رؤوسهم: أي بعد اعترافهم بالحق رجعوا إلى اقرار الباطل فكانوا كمن نكس فجعل رأسه أسفل ورجلاه أعلى.

ما هؤلاء ينطقون: فكيف تطلب منا أن نسألهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم فيما دار بين إبراهيم الخليل وقومه من حوار حول العقيدة أنه لما استغل إبراهيم فرصة خروج القوم إلى عيدهم خارج البلد ودخل البهو فكسر الآلهة فجعلها قطعاً متناثرة وعلق الفأس بكبير الآلهة المزعومة وعظيمها وخرج فلما جاء المساء وعادوا إلى البلد ذهبوا إلى الآلهة المزعومة لأخذ الطعام الموضوع بين يديها لتباركه في زعمهم واعتقادهم الباطل وجدوها مهشمة مكسرة صاحوا قائلين: { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } فأجاب بعضهم بعضاً قائلاً: { سَمِعْنَا 1فَتًى يَذْكُرُهُمْ } أي شاباً يذكر الآلهة بعيب وازدراء، واسمه إبراهيم، وهنا قالوا إذاً { فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ2 ٱلنَّاسِ } لنشاهده ونحقق معه فإذا ثبت أنه هو عاقبناه وتشهد الناس عقوبته فيكون ذلك نكالاً لغيره، وجاءوا به عليه السلام وأخذوا في استنطاقه فقالوا ما أخبر تعالى به عنهم: { أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا } أي التكسير والتحطيم { يٰإِبْرَاهِيمُ }؟ فأجابهم بما أخبر تعالى به عنه بقوله: { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ 3كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } يشير بأصبعه إلى كبير الآلهة تورية، { فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } تقريعاً لهم وتوبيخاً وهنا رجعوا إلى أنفسهم باللائمة فقالوا: { إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } أي حيث تألهون مالا ينطق ولا يجيب ولا يدفع عن نفسه فكيف عن غيره، وقوله تعالى: { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ 4} أي قلبهم الله رأساً على عقب فبعد أن عرفوا الحق ولاموا على أنفسهم عادوا إلى الجدال بالباطل فقالوا: { لَقَدْ عَلِمْتَ } أي يا إبراهيم ما { هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } فكيف تطلب منا أن نسألهم وأنت تعلم أنهم لا ينطقون. كما أن اعترافهم بعدم نطق الآلهة المدعاة إنتكاس منهم إذ اعترفوا ببطلان تلك الآلهة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- الظلم معروف لدى البشر كلهم ومنكر بينهم ولولا ظلمة النفوس لما أقروه بينهم.

2- إقامة البيّنة على الدعاوي أمر مقرر في عرف الناس وجاءت به الشرائع من قبل.

3- أسلوب المحاكمة يعتمد على الاستنطاق والاستجواب أولا.

4- مشروعية التورية خشية القول بالكذب5.
_____________________________
1 جائز أن يكون إبراهيم لما قال: متوعداً أصنامهم {تالله لأكيدن أصنامكن} كان هناك من سمعه من ضعفة القوم أو سمعه من سمعه يعيب الآلهة قبل أن يتوعدها بالكسر.
2 في هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد قد لا تثبت بل لابد من التحري حتى تثبت أو لا تثبت كما هو في شرعنا الإسلامي.
3 قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} قاله من أجل أن يقولوا: إنهم لا ينطقون ولا ينفعون ولا يضرّون فيقول لهم: فلم تعبدونهم إذاً؟! فتقوم له الحجة عليهم من أنفسهم ولذا يجوز فرض الباطل مع الخصم حتى يرجع إلى الحق من ذات نفسه فإنه أقطع للشبهة وأقرب في الحجة.
4 قال ابن عباس رضي الله عنهما: أدركهم الشقاء فعادوا إلى كفرهم.
5 الكذب: هو الإخبار بما يخالف الواقع، والتورية: أن يقول أو يفعل شيئاً ويوري بغيره تجنباً للكذب، وفي الحديث الصحيح: "لم يكذب إبراهيم النبي في شيء قط إلا في ثلاث: قوله: إني سقيم، وقوله لسارة: أختي، وقوله: بل فعله كبيرهم" وهي في الواقع معاريض وليست بالكذب الصريح، وكانت في ذات الله تعالى.

*****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:17 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } 66 { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } 67 { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } 68 { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } 69 { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } 70 { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } 71 { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ }72


شرح الكلمات:

ما لا ينفعكم شيئاً: أي آلهة لا تنفعكم شيئاً ولا تضركم إن أرادت ضركم.

أفٍ لكم: أي قبحاً ولما تعبدون من دون الله.

قالوا: حرقوه: أي أحرقوه بالنار إنتصاراً لآلهتكم التي كسرها.

برداً وسلاماً: أي على إبراهيم فكانت كذلك فلم يحرق منه غير وثاقه " الحبل الذي وثق به ".

كيداً: وهو تحريقه بالنار للتخلص منه.

فجعلناهم الأخسرين: حيث خرج من النار ولم تحرقه ونجا من قبضتهم وذهب كيدهم ولم يحصلوا على شيء.

ونجيناه ولوطاً: أي ابن أخيه هاران.

التي باركنا فيها: وهي أرض الشام.

ويعقوب نافلة: زيادة على طلبه الولد فطلب ولداً فأعطاه ما طلب وزاده آخر.

وكلاً جعلنا صالحين: أي وجعلنا كل واحد منهم صالحاً من الصالحين الذين يؤدون حقوق الله كاملة وحقوق الناس كذلك.

معنى الآيات:

يخبر تعالى أن إبراهيم عليه السلام قال لقومه منكراً عليهم عبادة ألهتهم { أَفَتَعْبُدُونَ 1مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } أي أتعبدون آلهة دون الله علمتم أنها لا تنفعكم شيئاً ولا تضركم ولا تنطق إذا استنطقت ولا تجيب إذا سئلت { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي قبحاً لكم ولتلك التماثيل التي تعبدون من دون الله الخالق الرازق الضار النافع { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ 2} قبح عبادتها وباطل تأليهها وهي جماد لا تسمع ولا تنطق ولا تنفع ولا تضر وهنا أجابوا3 بما أخبر تعالى به عنهم فقالوا: { حَرِّقُوهُ 4} أي أحرقوا إبراهيم بالنار { وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ } التي أهانها وكسرها { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } أي مريدين نصرتها حقاً وصدقاً. ونفذوا ما أجمعوا عليه وجمعوا الحطب وأججوا النار في بنيان خاص وألقوه فيه بواسطة منجنيق لقوة لهبها وشدة حرها وقال تعالى للنار ما أخبر به في قوله: { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } فكانت كما طلب منها ولم تحرق غير وثاقه الحبل الذي شدت به يداه، ورجلاه ولو لم يقل وسلاماً لكان من الجائز أن تنقلب النار جبلاً من ثلج ويهلك به إبراهيم عليه السلام. روي أن والد إبراهيم لما رأى إبراهيم لم تحرقه النار وهو يتفصد عرقاً قال: نعم الرب ربك يا إبراهيم! وقوله تعالى: { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } أي أرادوا بإبراهيم مكراً وهو إحراقه بالنار فخَّيب الله مسعاهم وأنجى عبده وخليله من النار وأحبط عليهم ما كانوا يأملون فخسروا في كل أعمالهم التي أرادوا بها إهلاك إبراهيم، وقوله تعالى: { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً }6 أي ونجينا إبراهيم وابن أخيه هاران وهو لوط { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا7 فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } وهي أرض الشام فنزل إبراهيم بفلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة وهي قرى قوم لوط التي بعد دمارها استحالت إلى بحيرة غير صالحة للحياة فيها وقوله: { بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } أي بارك في أرزاقها بكثرة الأشجار والأنهار والثمار لكل من ينزل بها من الناس كافرهم ومؤمنهم لقوله: { لِلْعَالَمِينَ } وقوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ } أي لإِبراهيم إسحاق حيث سأل الله تعالى الولد، وزاده يعقوب نافلة8 وقوله: { وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } أي وجعلنا كل واحد منهم من الصالحين الذين يعبدون الله بما شرع لهم فأدوا حقوق الربَّ تعالى كاملة، وأدوا حقوق الناس كاملة وهذا نهاية الصلاح.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان قوة حجة إبراهيم عليه السلام، ومتانة أسلوبه في دعوته 9وذلك مما آتاه ربّه.

2- مشروعية توبيخ أهل الباطل وتأنيبهم.

3- آية إبطال مفعول النار فلم تحرق إبراهيم إلا وثاقه لما أراد الله تعالى ذلك.

4- قوة التوكل على الله كانت سبب تلك المعجزة إذ قال إبراهيم حسبي الله ونعم والوكيل. فقال الله تعالى للنار: { كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } فكانت، وكفاه ما أهمه بصدق توكله عليه، ويؤثر أن جبريل عرض له قبل أن يقع في النار فقال هل لك يا إبراهيم من حاجة؟ فقال إبراهيم: أمَّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل.

5- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين.

6- خروج إبراهيم من أرض العراق إلى أرض الشام كانت أول هجرة في سبيل الله في التاريخ.
__________________________

1 الاستفهام للإنكار والتوبيخ والتقريع.
2 الاستفهام للتوبيخ والتأنيب.
3 بعد إن أعيتهم الحجة وانقطعوا ببيان اللسان لاذوا إلى قوة السنان، وهذا شأن الإنسان إذا كتب عليه الخسران، والعياذ بالرحمن.
4 روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ومجاهد وابن جريج: أنّ الذي قال حرّقوه: رجل من الأكراد من بادية فارس واسمه هيزرُ وخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة: وقيل: إن القائل: ملكهم نمرود. والله أعلم.
5 روي أنهم جمعوا الحطب في مدة شهر كامل ولما ألقوه في النار عرض له جبريل عليه السلام فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل. وقال عليّ وابن عباس رضي الله عنهم لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها ولم تبق دابة في المنطقة إلاّ أطفأت عن إبراهيم النار إلاّ الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فلذا أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلها وسمّاها الفويسقة.
6 هذه النجاة ثانية. الأولى كانت من النار وهذه من ديار الكفار، إذ هاجر من أرض الكلدانيين إلى أرض فلسطين، وهي بلاد الكنعانيين يومئذٍ، وهجرة إبراهيم هذه أول هجرة في تاريخ الإسلام، إذ خرج إبراهيم وابن أخيه لوط بن هاران وزوجه وابنة عمه سارة عليهم السلام، ونصب لوط على المفعول معه، وضمّن فعل نجيناه معنى الإخراج فعدي بإلى.
7 قيل لها مباركة لكثرة خصبها وأنهارها وثمارها ولأنها معادن الأنبياء والبركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير. إذا لزم مكانه ولم يبرحه.
8 نافلة: منصوب على الحال وصاحبها: اسحق ويعقوب والنافلة الزيادة غير الموعودة.
9 قال تعالى: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} من سورة الأنعام.



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:18 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (8)
الحلقة (597)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 428الى صــــ 433)


{
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } 73 { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } 74 { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } 75 { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } 76 { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }77


شرح الكلمات:

أئمة: أي يقتدى بهم في الخير.

يهدون بأمرنا: أي يرشدون الناس ويعلمونهم ما به كمالهم ونجاتهم وسعادتهم بإذن الله تعالى لهم بذلك حيث جعلهم رسلاً مبلغين.

وكانوا لنا عابدين: أي خاشعين مطيعين قائمين بأمرنا.

ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً: أي أعطينا لوطاً حكماً أي فصلاً بين الخصوم وفقهاً في الدين وكل هذا يدخل تحت النبوة والرسالة وقد نبأه وأرسله.

تعمل الخبائث: كاللواط وغيره من المفاسد.

فاسقين: أي عصاة متمردين عن الشرع تاركين للعمل به.

ونوحاً إذ نادى من قبل: أي واذكر نوحاً إذ دعا ربّه على قومه الكفرة.

من الكرب العظيم: أي من الغرق الناتج عن الطوفان الذي عم سطح الأرض.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر أفضال الله تعالى على إبراهيم وولده فقال تعالى: { وَجَعَلْنَاهُمْ } أي إبراهيم وإسحاق ويعقوب أئمة هداة يقتدى بهم في الخير ويهدون الناس إلى دين الله تعالى الحق بتكليف الله تعالى لهم بذلك حيث نبأهم وأرسلهم. وهو بمعنى قوله تعالى: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا }1 وقوله: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ } أي أوحينا إليهم بأن يفعلوا الخيرات جمع خير وهو كل نافع غير ضار فيه مرضاة لله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. وقوله تعالى: { وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ } أي امتثلوا أمرنا فيما أمرناهم به وكانوا لنا مطيعين خاشعين وهو ثناء عليهم بأجمل الصفات وأحسن الأحوال وقوله تعالى: { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ 2حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ 3إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } أي وكما آتينا إبراهيم وولديه ما آتيناهم من الإِفضال والإِنعام الذي جاء ذكره في هذا السياق آتينا لوطاً وقد خرج مهاجراً مع عمه إبراهيم آتيناه أيضاً حكماً وعلماً ونبوة ورسالة متضمنة حسن الحكم والقضاء وأسرار الشرع والفقه في الدين. هذه منة وأخرى أنا نجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث وأهلكنا أهلها لأنهم كانوا قوم سوء لا يصدر عنهم إلا ما يسوء إلى الخلق فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا، وقوله: { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } وهذا إنعام آخر أعظم وهو إدخاله في سلك المرحومين برحمة الله الخاصة لأنه من عباد الله الصالحين.

وقوله تعالى: { وَنُوحاً } أي واذكر يا رسولنا في سلك هؤلاء الصالحين عبدنا ورسولنا نوحاً الوقت الذي نادى ربه من قبل إبراهيم 4فقال إني مغلوبٌ فانتصر، { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ 5ٱلْعَظِيمِ } حيث نجاه تعالى وأهله إلا امرأته وولده كنعان فإنهما لم يكونا من أهله لكفرهما وظلمهما فكانا من المغرقين. وقوله: { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أي ونصرناه بإنجائنا له منهم فلم يمسوه بسوء، وأغرقناهم أجمعين لأنهم كانوا قوم سوء فاسقين ظالمين6.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- فضل الدعوة إلى الله تعالى وشرف القائمين بها.

2- فضل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات.

3- ثناء الله تعالى على أوليائه وصالحي عباده بعبادتهم، وخشوعهم له.

4- الخبث إذا كثر في الأمة استوجبت الهلاك والدمار.

5- التنديد بالفسق والتحذير من عواقبه فإنها مدمرة والعياذ بالله.

6- تقرير النبوة المحمدية وتأكيدها إذ مثل هذا القصص لا يتأتى إلا لمن يوحى إليه.
________________________

1 وجائز أن يكون معنى {بأمرنا} : أي: بما أنزلنا عليهم بوحينا من الأمر والنهي كأنه قال: بكتابنا وما بيّنا فيه من التشريع المحقق للآخذين به سعادة الدنيا والآخرة والأئمة جمع إمام وهو الرئيس الذي يقتدى به في الخير لا في الشر.
2 {ولوطاً} : منصوب على الاشتغال أي: وآتينا لوطا آتيناه. والحكم: الحكمة وهو النبوة والعلم علم الشريعة.
3 الخبائث: جمع خبيثة وهي الفعلة الشنيعة، ومن خبائثهم: اللواط، والتضارط في الأندية وحذف الحصى، والتحريش بين الديك والكلاب. والقرية هي سدوم وعمورة، وما حولهما إذ كانت سبع مدن قلب جبريل منها ستة وأبقى واحدة للوط وعياله وهي: زغر من كورة فلسطين.
4 من قبل إبراهيم ولوط عليهما السلام.
5 الكرب: هو الغّم الشديد وهو هنا: الطرفان.
6 السوء: بفتح السين مصدر: القبيح المكروه من القول والفعل وبضم السين اسم مصدر وهو أعم من السوء بفتح السين.

***************************************


يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:19 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } 78 { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } 79 { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } 80 { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } 81 { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }82


شرح الكلمات:

في الحرث: أي في الكرم الذي رعته الماشية ليلا.

نفشت فيه1: أي رعته ليلاً بدون راع.

شاهدين: أي حاضرين صدور حكمهم في القضية لا يخفى علينا شيء من ذلك.

ففهمناها: أي القضية التي جرى فيها الحكم.

وكلاً آتينا حكماً وعلماً: أي كلاً من داود وولده سليمان أعطيناه حكماً أي النبوة وعلماً بأحكام الله وفقهها.

يسبحن: أي معه إذا سبح.

وكنا فاعلين: أي لما هو أغرب وأعجب من تسبيح الجبال والطير فلا تعجبوا.

صنعة لبوس لكم: هي الدروع وهي من لباس الحرب.

لتحصنكم: أي تقيكم وتحفظكم من ضرب السيوف وطعن الرماح.

فهل أنتم شاكرون: أي اشكروا فالاستفهام معناه الأمر هنا.

إلى الأرض التي باركنا: أي أرض الشام.

يغوصون: أي في أعماق البحر لاستخراج الجواهر.

ويعملون عملاً دون ذلك: أي دون الغوص كالبناء وغيره وبعض الصناعات.

وكنا لهم حافظين: أي لأعمالهم حتى لا يفسدوها.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده، وفي ذلك تقرير لنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي كذبت بها قريش فقال تعالى: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } أي واذكر يا نبينا داود وسليمان { إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ } اي اذكرهما في الوقت الذي كانا يحكمان في الحرث الذي { نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } أي رعت فيه ليلاً بدون راع فأكلته وأتلفته { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } حاضرين لا يخفى علينا ما حكم به كل منهما، إذ حكم داود بأن يأخذ صاحب الحرث الماشية مقابل ما أتلفته لأن المتلف يعادل قيمة الغنم التي أتلفته، وحكم سليمان بأن يأخذ صاحب الماشية الرزع يقوم عليه حتى يعود كما كان، ويأخذ صاحب الحرث الماشية يستغل صوفها ولبنها وسخالها فإذا ردت إليه كرومة كما كانت أخذها ورد الماشية لصاحبها لم ينقص منها شيء هذا الحكم أخبر تعالى أنه فهم فيه سليمان وهو أعدل من الأول وهو قوله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا 2} أي الحكومة أو القضية أو الفتيا سليمان، ولم يعاتب داود على حكمه، وقال: { وَكُلاًّ آتَيْنَا 3حُكْماً وَعِلْماً } تلافياً لما قد يظن بعضهم أن داود دون ولده في العلم والحكم.

وقوله: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } هذا ذكر لبعض ما أنعم به على داود عليه السلام وهو أنه سخر الجبال والطير تسبح معه إذا سبح سواء أمرها بذلك فأطاعته أو لم يأمرها فإنه إذا صلى وسبح صلت معه وسبحت، وقوله: { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } أي لما هو أعجب من تسخير الجبال والطير تسبح مع سليمان لأنا لا يعجزنا شيء وقد كتب هذا في كتاب المقادير فأخرجه في حينه، وقوله تعالى: { وَعَلَّمْنَاهُ } أي داود { صَنْعَةَ لَبُوسٍ 4لَّكُمْ } وهي الدروع السابغة التي تقي لا سبها طعن الرماح وضرب السيوف بإذن الله تعالى فهي آلة حرب ولذا قال تعالى { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن 5بَأْسِكُمْ } { فَهَلْ أَنتُمْ 6شَاكِرُونَ }؟ أمر لعباده بالشكر على إنعامه عليهم والشكر يكون بحمد الله تعالى والإِعتراف بإنعامه، وطاعته وصرف النعمة فيما من أجله أنعم بها على عبده، وقوله { وَلِسُلَيْمَانَ } أي وسخرنا لسليمان { ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً } شديدة السرعة { تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } إذْ يخرج غازياً أول النهار وفي آخره تعود به الريح تحمل بساطه الذي هو كأكبر سفينة حربية اليوم إلى الأرض التي بارك الله وهي أرض الشام.
وقوله: { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } يخبر تعالى أنه كان وما زال عليماً بكل شيء ما ظهر للناس وما غاب عنهم فكل أحداث الكون تتم حسب علم الله وإذنه وتقديره وحكمته فلذا وجبت له الطاعة واستحق الألوهة والعبادة.

وقوله: { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ7 لَهُ } أي وسخرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في أعماق البحار لاستخراج الجواهر، { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ } كالبناء وصنع التماثيل والمحاريب والجفان وغير ذلك. وقوله تعالى: { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } أي وكنا لأعمال أولئك العاملين من الجن حافظين لها عالمين بها حتى لا يفسدوها بعد عملها مكراً منهم أو خديعة فقد روى أنهم كانوا يعملون ثم يفسدون ما عملوه حتى لا ينتفع به.

هذا كله من إنعام الله تعالى على داود وسليمان وغيره كثير فسبحان ذي الأنعام والأفضال إله الحق ورب العالمين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- وجوب نصب القضاة للحكم بين الناس.

2- بيان حكم الماشية ترعى في حرث الناس وإن كان شرعنا على خلاف شرع من سبقنا فالحكم عندنا إن رعت الماشية ليلاً قوم المتلف على صاحب الماشية ودفعه لصاحب الزرع، وإن رعت نهاراً فلا شيء لصاحب الزرع لأن عليه أن يحفظ زرعه من أن ترعى فيه مواشي الناس لحديث العجماء، جبار وحديث ناقة البراء بن عازب.

3- فضل التسبيح.

4- وجوب صنع آلة الحرب وإعدادها للجهاد في سبيل الله.

5- وجوب شكر الله تعالى على كل نعمة تستجد للعبد.

6- بيان تسخير الله تعالى الجن لسليمان يعملون له أشياء.

7- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ من أرسل هؤلاء الرسل وأنعم عليهم بما أنعم لا يستنكر عليه إرسال محمد رسولاً وقد أرسل من قبله رسلاً.

8- كل ما يحدث في الكون من أحداث يحدث بعلم الله تعالى وتقديره ولحكمة تقضيه.
_______________________

1 النفش: الرعي ليلا والهمل: الرعي بالنهار.
2 يروى أن سليمان كان على باب المحكمة فإذا خرج الخصمان سألهما بم قضى بينكما نبي الله داود؟ فقال: قضى بالغنم لصاحب الحرث فقال: لعل الحكم غير هذا انصرفا معي فأتى أباه فقال: يا نبي الله إنك حكمت بكذا وكذا وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع فقال وما هو؟ فقال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث إلى آخر ما هو في التفسير.
3 اختلف هل كان حكمهما بوحي أو باجتهاد فإن كان بوحي فهو نسخ للحكم الأول بالثاني، وإن كان باجتهاد وهو ما عليه الجمهور، ولم يخطى داود ولكن الحكم الذي ألهمه سليمان كان أرفق بالطرفين.
4 هذا مع إلانة الحديد له فقال تعالى في سورة سبأ: {وألنا له الحديد أن اعمل سابغات} واللبوس في العربية: سلاح الحرب من سيف ورمح ودرع وغيرها واللبوس أيضاً: كل ما يلبس قال الشاعر:
إلبس لكل حالة لبوسها
إمّا نعيمها وإما بؤسها
5 قرأ حفص: {لتحصنكم} بالتاء أي: الدروع، وقرأ نافع {ليحصنكم} : أي: اللبوس وقرأ ورش لنُحصنكم بالنون، والإحصان: الوقاية والحماية وفي الآية دليل على وجوب الصناعة على الكفاية.
6 الاستفهام هنا للأمر بالشكر.
7 الغوص: النزول تحت الماء، والغوّاص: الذي يغوص لاستخراج اللآليء وفعله يقال له: الغواصة على وزن حياكة (مهنة) .


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:20 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (8)
الحلقة (597)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 433الى صــــ 439)

{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } 83 { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ } 84 { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } 85 { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }86


شرح الكلمات:

وأيوب: أي واذكر أيوب.

إذ نادى ربه: أي دعاه لما ابتلي بفقد ماله وولده ومرض جسده.

مسني الضر: هو ما ضر بجسمه أو ماله أو ولده.

وذكرى للعابدين: أي عظة للعابدين، ليصبروا فيثابوا.

وأدخلناهم في رحمتنا: بأن نبأناهم فانخرطوا في سلك الأنبياء إنهم من الصالحين.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر إفضالات الله تعالى وإنعامه على من شاء من عباده الصالحين فقوله تعالى في الآية الأولى [83] { وَأَيُّوبَ } أي واذكر عبدنا في شكره وصبره وسرعة أَوْبِتَه، وقد ابتليناه بالعافية والمال والولد، فشكر وابتليناه بالمرض وذهاب المال والأهل والولد فصبر. أذكره { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } أي داعياً ضارعاً بعد بلوغ البلاء منتهاه ربّ أي يا رب { أَنِّي1 مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } دعاءه { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } من زوجة وولد { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } أي ضاعف له ما أخذه منه بالابتلاء بعد الصبر وأما المال فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم انه أنزل عليه رَجْلاً من جَرَادٍ من ذهب فكان أيوب يحثو في ثوبه حثيثاً فقال له ربّه في ذلك فقال من ذا الذي يستغني عن بركتك يا رب. وقوله تعالى: { رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } أي رحمناه رحمة خاصة، وجعلنا قصته ذكرى وموعظة للعابدين لنا لما نبتليهم بالسراء والضراء فيشكرون ويصبرون ائتساء بعبدنا أيوب{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }2 [ص: 44].

وقوله تعالى: { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ 3} أي واذكر في عداد المصطفين من أهل الصبر والشكر إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وإدريس وهو أخنوخ وذا الكفل { كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ } على عبادتنا الشاكرين لنعمائنا، وأدخلناهم في رحمتنا فنبأنا منهم من نبأنا وأنعمنا عليهم وأكرمناهم بجوارنا إنهم من الصالحين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- علو مقام الصبر ومثله الشكر فالأول على البأساء والثاني على النعماء.

2- فضيلة الدعاء وهو باب الاستجابة وطريقها من ألهمه ألهم الاستجابة.

3- في سير الصالحين مواعظ وفي قصص الماضيين عبر.

4- من ابتلي بفقد مال أو أهل أو ولد فَصَبَر كان له من الله الخلف وما يقال عند المصيبة " إنا لله وإنا إليه لراجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها ".
_____________________

1 هل قول أيوب: {ربّ إني مسني الضرّ} يتنافى مع الصبر؟ والجواب: هذه المسألة ذكر القرطبي في تفسيره نحواً من ستة عشر قولاً، والصحيح أن هذا لا ينافي الصبر لأنه دعاء، والدليل هو قوله تعالى: {فاستجببنا له} ولم يكن شكوى لأنّ الاستجابة تأتي بعد الدعاء لا الاشتكاء، قال الجنيد: عرّفه فاقة السؤال ليمنّ عليه بكرم النوال.
2 اختلف في مدة مرضه، أصح ما قيل فيها أنها ثماني عشرة سنة وهذا مروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 اختلف في ذي الكفل من هو؟ وأرجح الأقوال ما رواه أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن ذا الكفل لم يكن نبيًّا ولكنه كان عبداً صالحاً فتكفل بعمل رجل صالح عند موته وكان يصلي لله كل يوم مائة صلاة فأحسن الله الثناء عليه".

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:21 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


{ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } 87 { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } 88 { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } 89 { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } 90 { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }91


شرح الكلمات:

وذا النون: هو يونس بن متَّى عليه السلام وأُضيف إلى النون الذي هو الحوت في قوله تعالى{ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } [القلم: 48] لأن حوتة كبيرة ابتلعته.

إذ ذهب مغاضباً: أي لربه تعالى حيث لم يرجع إلى قومه لما بلغه أن الله رفع عنهم العذاب.

فظن أن لن نقدر عليه: أي أن لن نحبسه ونضيق عليه في بطن الحوت من أجل مغاضبته.

في الظلمات: ظلمة الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل.

ونجيناه من الغم: أي الكرب الذي أصابه وهو في بطن الحوت.

لا تذرني فرداً: أي بلا ولد يرث عني النبوة والعلم والحكمة بقرينة ويرث من آل يعقوب.

رغباً ورهباً: أي طمعاً فينا ورهباً منا أي خوفاً ورجاءاً.

أحصنت فرجها: أي صانته وحفظته من الفاحشة.

من روحنا: أي جبريل حيث نفخ في كم درعها عليها السلام.

آية للعالمين: أي علامة على قدرة الله تعالى ووجوب عبادته بذكره وشكره.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر إفضال الله تعالى وإنعامه على من يشاء من عباده فقال تعالى: { وَذَا ٱلنُّونِ } أي واذكر ذا النون أي يونس بن متَّى { إِذ ذَّهَبَ 1مُغَاضِباً } لربه تعالى حيث لم يصبر على بقائه مع قومه يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته وطاعته وطاعة رسوله فسأل لهم العذاب، ولما تابوا ورفع عنهم العذاب بتوبتهم وعلم بذلك فلم يرجع إليهم فكان هذا منه مغاضبة لربه تعالى وقوله تعالى عنه: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي ظن يونس عليه السلام أن الله تعالى لا يحبسه في بطن الحوت ولا يضيق عليه وهو حسن ظن منه في ربه سبحانه وتعالى، ولكن لمغاضبته ربه بعدم العودة إلى قومه بعد أن رفع عنهم العذاب أصابه ربّه تطهيراً له من أمر المخالفة الخفيفة بأن ألقاه في ظلمات ثلاث، ظلمة الحوت والبحر والليل ثم ألهمه الدعاء الذي به النجاة فكان يسبح في الظلمات الثلاث { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ 2} فاستجاب الله تعالى له وهو معنى قوله: { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي 3كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ } الذي أصابه من وجوده في ظلمات محبوساً لا أنيس ولا طعام ولا شراب مع غم نفسه من جراء عدم عودته إلى قومه وقد أنجاهم الله من العذاب. وهو سبب المصيبة، وقوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ نُنجِـي 4 ٱلْمُؤْمِنِينَ } مما قد يحل بهم من البلاء وقوله تعالى: { وَزَكَرِيَّآ } أي اذكر يا رسولنا زكريا في الوقت الذي نادى ربه داعياً ضارعاً قائلاً: { رَبِّ } أي يا رب { لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } أي لا تتركني فرداً لا ولد لي يرثني في نبوتي وعلمي وحكمتي ويرث ذلك من آل يعقوب حتى لا تنقطع منهم النبوة والصلاح وقوله: { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } ذكر هذا اللفظ توسلاً به إلى ربه ليستجيب له دعاءه واستجاب له والحمد لله.
فوهبه يحيى وأصلح له زوْجه بأن جعلها ولوداً بعد العقر حسنة الخلق والخُلق. وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ } أي زكريا ويحيى ووالدته كانوا يسارعون في الطاعات والقربات أي في فعلها والمبادرة إليها. وقوله: { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً 5وَرَهَباً 6} هذا ثناء عليهم أيضاً إذ كانوا يدعون الله رغبة في رحمته ورهبة وخوفاً من عذابه وقوله: { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } أي مطيعين ذليلين متواضعين وهم يعبدون ربهم بأنواع العبادات.

وقوله تعالى: { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ 7فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا 8} أي واذكر يا نبينا تلك المؤمنة التي أحصنت فرجها أي منعته مما حرم الله تعالى عليها وهي مريم بنت عمران اذكرها في عداد من أنعمنا عليهم وأكرمناهم وفضلناهم على كثير من عبادنا الصالحين، حيث نفخنا فيها من روحنا إذ أمرنا جبريل روح القدس ينفخ في كم درعها فسرت النفخة إلى فرجها فحبلت وولدت في ساعة من نهار، وقوله تعالى: { وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ } أي عيسى كلمة الله وروحه { آيَةً }9 أي علامة كبرى على وجودنا وقدرتنا وعلمنا وحكمتنا وإنعامنا وواجب عبادتنا وتوحيدنا فيها حيث لا يعبد غيرنا { لِّلْعَالَمِينَ } أي للناس أجمعين يستدلون بها على ما ذكرنا آنفاً من وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ووجوب عبادته وتوحيده فيها.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- فضيلة دعوة ذي النون: { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }. إذ ورد أنه ما دعا بها مؤمن إلا استجيب له، وقوله تعالى: { وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } يقوي هذا الخبر.

2- استحباب سؤال الولد لغرض صالح لا من أجل الزينة واللهو به فقط.

3- تقرير أن الزوجة الصالحة من حسنة الدنيا.

4- فضيلة المسارعة في الخيرات والدعاء برغبة ورهبة والخشوع في العبادات وخاصة في الصلاة والدعاء.

5- فضيلة العفة والاحصان للفرج.

6- كون مريم وابنها آية لأن مريم ولدت من غير محل، ولأن عيسى كان كذلك وكلم الناس في المهد، وكان يحيي الموتى بإذن الله تعالى.
________________________

1 قيل: {مغاضباً لربه} أي: لأجل ربه تعالى حيث عصاه قومه فكان غضبه لله تعالى وهو تأويل حسن إذ يقال: فلان غضب لله. أي: لأجله. وجائز أن يكون مغاضباً لقومه إذ ردوا دعوته ولم يستجيبوا له.
2 {من الظالمين} حيث ترك مداومة قومه والصبر عليهم أو في الخروج من غير إذن له فنزّه ربّه عن الظلم ونسبه إلى نفسه اعترافاً واستحقاقاً.
3 روى أبو داود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "دعاء ذي النون في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلاّ استجيب له".
4 قرأ ابن عامر: {نجيّ} بنون واحدة وجيم مشدّدة وتسكين الياء على الماضي وإضمار المصدر أي: وكذلك نجيّ النجاء المؤمنين كما يقال: ضرب زيداً بمعنى: ضرب الضرب زيداً.
5 قيل: الرغب: الدعاء ببطون الأكف إلى السماء، والرهب: رفع ظهورهما. روى الترمذي عن عمر رضي الله عنهما. قال: "كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع يديه لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه " وروى الترمذي أيضاً عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا سألتم الله فأسالوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورهما وامسحوا بهما وجوهكم". وعن ابن عباس: إن رفع اليدين حذاء الصدر هو الدعاء ورفعهما حتى يجاوز بهما الرأس: فهو الابتهال.
6 {رغبا ورهبا} يصح نصبهما على المصدرية وعلى الحال، وعلى المفعول لأجله.
7 {أحصنت فرجها} : أي: عفّت فامتنعت عن الفاحشة، وقيل: إن المراد من فرجها فرج القميص: أي لم تعلق بثيابها ريبة أي: أنها طاهرة الأثواب وفروج القميص أربعة: الكمان والأعلى والأسفل، قال السهيلي: هذا من لطيف الكناية لأن القرآن ألطف إشارة وأنزه عبارة.
8 إضافة الروح إلى الله تعالى: إضافة تشريف كبيت الله، وقيل فيه: روح الله لأنه مبعوث من قبله سبحانه وتعالى.
9 آية اسم جنس فمريم آية، وعيسى عليه السلام آية.



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:21 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (9)
الحلقة (598)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 440الى صــــ 446)

{ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } 92 { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } 93 { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } 94 { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } 95 { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } 96 { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }97


شرح الكلمات:

إن هذه أمتكم: أي ملتكم وهي الإِسلام ملة واحدة من عهد آدم إلى العهد المحمدي إذ دين الأنبياء واحد وهو عبادة الله تعالى وحده بما يشرع لهم.

وأنا ربكم فاعبدون: أنا الهكم الحق حيث خلقتكم ورزقتكم فلا تنبغي العبادة إلا لي فاعبدون ولا تعبدوا معي غيري.

وتقطعوا أمرهم بينهم: أي وتفرقوا في دينهم فأصبح لكل فرقة دين كاليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنيات وما أكثرها.

كل إلينا راجعون: أي كل فرقة من تلك الفرق التي قطعت الإِسلام راجعة إلينا وسوف نجزيها بكسبها.

فلا كفران لسعيه: أي لا نكران ولا جحود لعمله بل سوف يجزى به وافياً.

وإنا له كاتبون: إذ الكرام الكاتبون يكتبون أعمال العباد خيرها وشرها.

وحرام: أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا.

يأجوج ومأجوج: قبيلتان موجودتان وراء سدهما الذي سيفتح عند قرب الساعة.

حدب: أي مرتفع من الأرض.

ينسلون: أي يسرعون المشي.

الوعد الحق: يوم القيامة.

في غفلة من هذا: أي من يوم القيامة وما فيه من أحداث.

معنى الآيات:

بعد ذكر أولئك الأنبياء وما أكرمهم الله تعالى به من إفضالات وما كانوا عليه من كمالات قال تعالى مخاطباً الناس كلهم: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ }1 أي ملتكم { أُمَّةً وَاحِدَةً } أي ملة واحدة من عهد أول الرسل إلى خاتمهم وهو الإِسلام القائم على الإِخلاص لله في العبادة والخلوص من الشرك وقوله تعالى: { وَتَقَطَّعُوۤاْ2 أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } ينعى تعالى على الناس تقطيعهم الإِسلام إلى ملل شتى كاليهودية والنصرانية وغيرهما، وتمزيقه إلى طوائف ونحل، وقوله { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } إخبار منه تعالى أنهم راجعون إليه لا محالة بعد موتهم وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون ومن ذلك تقطيعهم للدين الإِسلامي وتمزيقهم له فذهبت كل فرقة بقطعة منه. وقوله تعالى: { فَمَن يَعْمَلْ3 مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } والحال أنه مؤمن، والمراد من الصالحات ما شرعه الله تعالى من عبادات قلبية وقولية وفعلية { فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي لعمله فلا يجحد ولا ينكر بل يراه ويجزي به كاملاً. وقوله تعالى: { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } يريد أن الملائكة تكتب أعماله الصالحة بأمرنا ونجزيه بها أيضاً أحسن جزاء وهذا وعد من الله تعالى لأهل الإِيمان والعمل الصالح جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم.

وقوله تعالى: { وَحَرَامٌ 4عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } يخبر تعالى أنه ممتنع امتناعاً كاملاً أن يهلك أمة بذنوبها في الدنيا ثم يردها إلى الحياة في الدنيا، وهذا بناء على أن { لاَ } مزيدة لتقوية الكلام ويحتمل الكلام معنى آخر وهي ممتنع على أهل قرية قضى الله تعالى بعذابهم في الدنيا أو في الآخرة أنهم يرجعون إلى الإِيمان والطاعة والتوبة الصادقة وذلك بعد أن كذبوا وعاندوا وظلموا وفسقوا فطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون إلى التوبة بحال، ومعنى ثالث وهو حرام على أهل قرية أهلكهم الله بذنوبهم فأبادهم إنهم لا يرجعون إلى الله تعالى يوم القيامة بل يرجعون للحساب والجزاء فهذه المعانى كلها صحيحة، والمعنى الأخير لا تكلف فيه بكون { لاَ } صلة بل هي 5نافية ويرجح المعنى الأخير قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ6 وَمَأْجُوجُ } فهو بيان لطريق رجوعهم إلى الله تعالى وذلك يوم القيامة وبدايته بظهور علاماته الكبرى ومنها إنكسار سد يأجوج ومأجوج وتدفقهم في الأرض يخربون ويدمرون { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ 7} وصوب { يَنسِلُونَ } مسرعين.
وقوله تعالى: { وَٱقْتَرَبَ8 ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ } وهو يوم الدين والحساب والجزاء وقوله: { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ 9أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وذلك بعد قيامهم من قبورهم وحشرهم إلى أرض المحشر وهم يقولون في تأسف وتحسر { يٰوَيْلَنَا } أي يا هلاكنا { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ } أي في دار الدنيا { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } فاعترفوا بذنبهم حيث لا ينفعهم الاعتراف إذ لا توبة تقبل يومئذ.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- وحدة الدين وكون الإِسلام هو دين البشرية كافة لأنه قائم على أساس توحيد الله تعالى في عبادته التي شرعها ليعبد بها.

2- بيان ما حدث للبشرية من تمزيق الدين بينها بحسب الأهواء والأطماع والأغراض.

3- وعد الله لأهل الإِيمان والعمل الصالح بالجزاء الحسن وهو الجنة.

4- تقرير حقيقة وهي إذا قُضِي بهلاك أمة تعذرت عليها التوبة، وأن أمة يهلكها الله تعالى لا تعود إلى الحياة الدنيا بحال وإن البشرية عائدة إلى ربها فممتنع عدم عودة الناس إلى ربهم، وذلك لحسابهم وجزائهم يوم القيامة.
_________________________________


1 قرأ الجمهور: {إن هذه أمتكم} برفع أمتكم على الخبرية ونصب أمّة واحدة على الحال، والرصف. وقرأ بعض: {أمتكم أمةٌ واحدة} بالرفع فيهما.
2 تفرقوا في الدين واختلفوا فيه.
3 {من الصالحات} من للتبعيض إذ من غير الممكن أن يعمل العبد كل الصالحات ويأتي بكل الطاعات، وقوله {وهو مؤمن} وموحد أيضاً فإن الشرك محبط للعمل.
4 في حرام قراءات ووجوه منها: {حرام} وهي قراءة الجمهور وحِرم مثل حِل وحلال. وحرم كمرض، وحرُم كشرف، وحرّم: كضرب، وحرّم كبدّل، وحرم كعلم مشددة اللام وحَرم كفرح وحُرم كقفل تسع قراءات.
5 شاهد أن لا: نافية وليست بصلة، ولكون لفظ الحرام معناه الوجوب قول الخنساء:
وإنّ حراماً لا أرى الدهر باكيا
على شجوه إلا بكيت على صخر
تريد أخاها صخراً.
6 في الكلام حذف تقديره: حتى إذا فتع سد يأجوج ومأجوج، مثل: واسأل القرية. أي أهل القرية.
7 الحدب: ما انقطع من الأرض، والجمع حداب مأخوذ من حدبة الظهر، قال عنترة:
فما رعشت يداي ولا ازدهاني
تواترهم إليّ من الحداب
و (ينسلون) يخرجون مسرعين، قال امرؤ القيس: فسلي ثيابي من ثيابك تنسل.
وقال النابغة: عسلان الذئب أمسى قارباً
برد الليل عليه فنَسلَ
أي أسرع.
8 قل: الواو زائدة مقحمة، والمعنى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق. فاقترب: جواب إذا والواو مقحمة، ومثله: وتلّه للجبين، وناديناه أي: للجبين ناديناه، وأجاز بعضهم أن يكون جواب إذا: فإذا هي شاخصة ويكون اقترب الوعد الحق: معطوفاً.
9 هي: ضمير الأبصار، والأبصار بعدها: تفسير لها كأنه قال: فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيىء الوعد.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:22 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } 98 { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } 99 { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } 100 { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } 101 { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } 102 { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } 103 { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }104


شرح الكلمات:

وما تعبدون من دون الله: أي من الأوثان والأصنام.

حصب جهنم: أي ما توقد به جهنم.

لو كان هؤلاء آلهة: أي الأوثان التي يعبدها المشركون من قريش.

ما وردوها: أي لحالوا بين عابديهم ودخول النار لأنهم آلهة قادرون على ذلك ولكنهم ليسوا آلهة حق فلذا لا يمنعون عابديهم من دخول النار.

وكل فيها خالدون: أي العابدون من الناس والمعبودون من الشياطين والأوثان.

لهم فيها زفير: أي لأهل النار فيها أنين وتنفس شديد وهو الزفير.

سبقت لهم منا الحسنى: أي كتب الله تعالى أزلاً أنهم أهل الجنة.

حسيسها: أي حِسّ صوتها.

لا يحزنهم الفزع الأكبر: أي عند النفخة الثانية نفخة البعث فإنهم يقومون من قبورهم آمنين غير خائفين.

كطي السجل للكتب: أي يطوي الجبار سبحانه وتعالى السماء طيّ الورقة لتدخل في الظرف.

كما بدأنا أول خلق نعيده: أي يعيد الله الخلائق كما بدأهم أول مرة فيبعث الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا، كما ولدوا لم ينقص منهم شيء.

معنى الآيات:

يقول تعالى للمشركين الذين بدأت السورة الكريمة بالحديث عنهم، وهم مشركوا قريش يقول لهم مُوعداً: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ 1مِن دُونِ ٱللَّهِ } من أصنام وأوثان { حَصَبُ 2جَهَنَّمَ } أي ستكونون أنتم وما تعبدون من أصنام وقوداً لجهنم التي أنتم واردوها لا محالة، وقوله تعالى: { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً } لو كان هؤلاء التماثيل من الأحجار التي يعبدها المشركون لو كانوا آلهة حقاً ما ورد النار عابدوها لأنهم يخلصونهم منها ولما ورد النارالمشركون ودخلوها دل ذلك على أن آلهتهم كانت آلهة باطلة لا تستحق العبادة بحال. وقوله تعالى: { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } أي المعبودات الباطلة وعابدوها الكل في جهنم خالدون. وقوله: { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ3 وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } يخبر تعالى أن للمشركين في النار زفيراً وهو الأنين الشديد من شدة العذاب وأنهم فيها لا يسمعون لكثرة الأنين وشدة الأصوات وفظاعة ألوان العذاب وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } نزلت هذه الآية رداً على ابن الزِّبَعْرَى عندما قال إن كان ما يقوله محمد حقاً بأننا وآلهتنا في جهنم فإن الملائكة معنا في جهنم لأننا نعبدهم، وأن عيسى والعزيز في جهنم لأن اليهود عبدوا العزيز والنصارى عبدوا المسيح، فأخبر تعالى أن من عبد بغير رضاه بذلك وكانا يعبدنا ويتقرب إلينا بالطاعات فهو ممن سبقت لهم منا الحسنى بأنهم من أهل الجنة هؤلاء عنها أي عن جهنم مبعدون { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } أي حس صوتها وهم في الجنة ولهم فيها ما يشتهون خالدون، لا يحزنهم الفزع 4الأكبر عند قيامهم من قبورهم بل هم آمنون { وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } عند القيام من قبورهم بالتحية والتهنئة قائلة لهم: { هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وقوله تعالى: { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ } أي يتم لهم ذلك يوم يطوي الجبار جل جلاله السماء بيمينه { كَطَيِّ 5ٱلسِّجِلِّ } أي الصحيفة للكتب.
وذلك يوم القيامة حيث تبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات. وقوله تعالى: { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } أي يعيد الإِنسان كما بدأ خلقه فيخرج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا6. وقوله: { وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } أي وعدنا بإعادة الخلق بعد فنائهم وبلاهم وعداً، إنا كنا فاعلين فأنجزنا ما وعدنا، وإنا على ذلك لقادرون.

هداية الآيات

من هداية الآيات


1- تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء.

2- من عبد من دون الله بأمره أو برضاه سيكون ومن عَبَده وقوداً لجهنم ومن لم يأمر ولم يرض فلا يدخل النار مع من عبده بل العابد له وحده في النار.

3- بيان عظمة الله وقدرته إذ يطوي السماء بيمينه، والأرض في قبضته يوم القيامة.

4- بعث الناس حفاة عراة غرلا لم ينزع منهم شيء ولا غلفة الذكر إنجاز الله وعده في قوله:{ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف: 29] فسبحان الواحد القهار العزيز الجبار.

____________________

1 قوله {ما تعبدون} فيه دليل على وجود العموم في الألفاظ.، فإن ابن الزبعرى لمَّا نزلت هذه الآية أتت به قريش وقالت له: انظر محمداً شتم آلهتنا، فقال: لو حضرت لرددت عليه، قالوا: وما كنت تقول له؟ قال: كنت أقول له: هذا المسيح تعبده النصارى واليهود تعبد عزيراً، أفهما من حصب جهنم؟. فعجبت من مقالته ورأوا أن محمداً قد خُصم. فأنزل الله تعالى {إن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} . فدَّل قوله تعالى وما تعبدون على العموم وخصه الله تعالى بهذه الآية {إن الذين سبقت لهم منَّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} .
2 قرأ الجمهور حصب بالصاد، وقرأ علي وعائشة رضي الله عنهما بالطاء أي حطب. والحصب أعَمّ، إذ كل ما هُيجت به النار وأوقدت به فهو حصب.
3 الزفير نَفَسٌ يخرج من أقصى الرئتين لضغط الهواء من التأثر بالغم، وهو هنا من أحوال المشركين لا الأصنام.
4 لا يُحزنهم بضم الياء من أحزنه، وبفتحها من حزنه قراءتان سبعيتان، والفزع الأكبر: أهوال يوم القيامة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار.
5 السجل: الكاتب يكتب الصحيفة ثم يطويها عند انتهاء كتابتها. هذا المعنى أوضح مما في التفسير.
6 الغرل: جمع أغرل وهو من لم يختتن فتقطع منه غلفة ذكره، وأول من يكسى إبراهيم كما في صحيح مسلم.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:23 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانبياء - (10)
الحلقة (599)
تفسير سورة الانبياء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 446الى صــــ 451)

{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } 105 { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } 106 { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } 107 { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } 108 { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } 109 { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } 110 { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } 111 { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }112


شرح الكلمات:

ولقد كتبنا في الزبور: أي في الكتب التي أنزلنا كصحف إبراهيم والتوراة والإِنجيل والقرآن.

من بعد الذكر: أي من بعد أن كتبنا ذلك في الذكر الذي هو اللوح المحفوظ.

أن الأرض1: أي أرض الجنة.

عبادي الصالحون: هم أهل الإِيمان والعمل الصالح من سائر الأمم من أتباع الرسل عامة.

إن في هذا لبلاغا: أي إن في القرآن لبلاغاً أي لكفاية وبلغة لدخول الجنة فكل من آمن به وعمل بما فيه دخل الجنة.

لقوم عابدين: أي مطيعين الله ورسوله.

رحمة للعالمين: أي الإِنس والجن فالمؤمنون المتقون يدخلون الجنة والكافرون ينجون. من عذاب الاستئصال والإبادة الذي كان يصيب الأمم السابقة.

فهل أنتم مسلمون: أي أسلموا فالاستفهام للأمر.

وإن أدري: أي ما أدري.

فتنة لكم: أي اختبار لكم.

على ما تصفون: من الكذب من أن النبي ساحر، وأن الله اتخذ ولداً وأن القرآن شعر.

معنى الآيات:

يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بوعده الكريم الذي كتبه في كتبه المنزلة بعد كتابته في الذكر الذي هو كتاب المقادير المسمى باللوح المحفوظ أن أرض الجنة يرثها عباده الصالحون هذا ما دلت عليه الآية الأولى [105] وقوله تعالى: { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ 2} أي في هذا القرآن العظيم لبلاغاً لمن كان من العابدين لله بأداء فرائضه واجتناب نواهيه لكفاية في الوصول به إلى بغيته وهي رضوان الله والجنة وقوله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } يخبر تعالى أنه ما أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للعالمين 3إنسهم وجنهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمنون باتباعه يدخلون رحمة الله وهي الجنة والكافرون يأمنون من عذاب الإِبادة والاستئصال في الدنيا ذلك العذاب الذي كان ينزل بالأمم والشعوب عندما يكذبون رسلهم وقوله تعالى { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ 4} يأمر تعالى رسوله أن يقول لقومه ولمن يبلغهم خطابه إن الذي يوحى إلي هو أن إلهكم إله واحد أي معبودكم الحق واحد وهو الله تعالى ليس غيره وعليه { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي أسلموا له قلوبكم ووجوهكم فاعبدوه ولا تعبدوا معه سواه فبلغهم يا رسولنا هذا { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عن هذا الطلب ولم يقبلوه { فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ } أي أعلمتكم { عَلَىٰ سَوَآءٍ } أنا وأنتم إنه لا تلاقي بيننا فأنا حرب عليكم وأنتم حرب عليَّ وقوله تعالى: { وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } أي وقل لهم يا رسولنا: إني ما أدري أقريب ما توعدون من العذاب أم بعيد فالعذاب كائن لا محالة ما لم تسلموا إلا أني لا أعلم وقته. وفي الآية وعيد واضح وتهديد شديد وقوله: { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } أي يعلم طعنكم العلني في الإِسلام وكتابه ونبيه، كما يعلم ما تكتمونه في نفوسكم من عداوتي وبغضي وما تخفون من إِحَنٍ وفي هذا إنذار لهم وتهديد، وهم مستحقون لذلك.
وقوله: { وَإِنْ أَدْرِي } أي وما أدري { لَعَلَّهُ 5} أي تأخير العذاب عنكم بعد استحقاقكم له يحرِبكم للإِسلام ونبيه { فِتْنَةٌ لَّكُمْ } أي اختبار لعلكم تتوبون فيرفع عنكم العذاب أو هو متاع لكم بالحياة إلى آجالكم، ثم تعذبون بعد موتكم. فهذا علمه إلى ربي هو يعلمه، وبهذا أمرني بأن أقوله لكم. وقوله تعالى: { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } وفي قراءة قُلْ رب احكم بالحق أي قال الرسول بعد أمر الله تعالى بذلك يا رب احكم بيني وبين قومي المكذبين لي المحاربين لدعوتك وعبادك المؤمنين. بالحق وذلك بنصري عليهم أو بإنزال نقمتك بهم، وقوله: { وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ 6} أي وربنا الرحمن عز وجلّ هو الذي يستعان به على إبطال باطلكم أيها المشركون حيث جعلتم لله ولداً، وشركاء، ووصفتم رسوله بالسحر والكذب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- المؤمنون المتقون وهم الصالحون هم ورثة الجنة دار النعيم المقيم.

2- في القرآن الكريم البُلغة الكافية لمن آمن به وعمل بما فيه بتحقيق ما يصبوا إليه من سعادة الدار الآخرة.

3- بيان فضل النبي صلى الله عليه وسلم وكرامته على ربه حيث جعله رحمة للعالمين.

4- وجوب المفاصلة بين أهل الشرك وأهل التوحيد.

5- وجوب الاستعانة بالله على كل ما يواجه العبد من صعاب وأتعاب.
________________________________

1 في الأرض: الأرض المقدسة، وقال مرة أنها أرض الكفار ترثها أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 العابدون قال أبو هريرة وسفيان الثوري هم أهل الصلوات الخمس.
3 قال ابن زيد: المؤمنون خاصة، والعموم أولى وأصح من الخصوص.
4 الاستفهام معناه الأمر أي أسلموا كقوله تعالى {فهل أنتم منتهون} ؟ أي انتهوا.
5 لعله أي الإمهال والتأخير.
6 تصفون قرأ الجمهور تصفون بالتاء، وقرأ بعض يصفون بالياء.

*******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:24 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سورة الحج
مكية ومدنية

وآياتها1 ثمان وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } 1 { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } 2 { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } 3 { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }4


شرح الكلمات:

اتقوا ربكم: أي عذاب ربكم وذلك بالإِيمان والتقوى.

إن زلزلة الساعة: أي زلزلة الأرض عند مجيء الساعة.

تذهل كل مرضعة: أي من شدة الهول والخوف تنسى رضيعها وتغفل عنه.

وتضع كل ذات حمل حملها: أي تسقط الحوامل ما في بطونهن من الخوف والفزع.

سكارى وما هم بسكارى: أي ذاهلون فاقدون رشدهم وصوابهم كالسكارى وما هم بسكارى.

يجادل في الله بغير علم: أي يقول إن الملائكة بنات الله وإن الله لا يحيي الموتى.

شيطان مريد: أي متجرد من كل خير لا خير فيه البتة.

كتب عليه أنه من تولاه: فرض فيه أن من تولاه أي اتبعه يضله عن الحق.

معنى الآيات:

بعد ذلك البيان الإِلهي في سورة الأنبياء وما عرض تعالى من أدلة الهداية وما بين من سبل النجاة نادى تعالى بالخطاب العام الذي يشمل العرب والعجم والكافر والمؤمن إنذاراً وتحذيراً فقال في فاتحة هذه السورة سورة الحج المكية المدنية لوجود آي كثير فيها نزل في مكة وآخر نزل بالمدينة: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ2 ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } أي خافوا عذابهُ، وذلك بطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه فآمنوا به وبرسوله وأطيعوهما في الأمر والنهي وبذلك تقوا أنفسكم من العذاب. وقوله: { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } فكيف بالعذاب الذي يقع فيها لأهل الكفر والمعاصي، إن زلزلة لها تتم قبل قيامها 3تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت أي تنسى فيها الأم ولدها، { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } فتسقط من شدة الفزع لتلك الزلزلة المؤذنة بخراب الكون وفناء العوالم ويرى الناس فيها سكارى أي فاقدين لعقولهم وما هم بسكارى بشرب سكر { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } فخافوه لظهور أماراته ووجود بوادره.

هذا ما دلت عليه الآيتان [1] و [2] وأما الآية الثالثة فينعى تعالى على النضر بن الحارث وأمثاله ممن يجادلون في الله بغير علم فينسبون لله الولد والبنت ويزعمون أنه ما أرسل محمداً رسولاً، وأنه لا يحيى الموتى بعد فناء الأجسام وتفتتها قال تعالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } بجلال الله وكماله ولشرائعه وأحكامه وسننه في خلقه، { وَيَتَّبِعُ } أي في جداله وما يقوله من الكذب والباطل { كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } أي متجرد من الحق والخير، { كُتِبَ 4عَلَيْهِ } أي على ذلك الشيطان في قضاء الله أن من تولاه بالطاعة والاتباع فإنه يضله عن الحق ويهديه بذلك إلى عذاب السعير في النار.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحوالهما وأهوالهما.

2- حرمة الجدال بالباطل لإِدحاض الحق وإبطاله.

3- حرمة الكلام في ذات الله وصفاته بغير علم من وحي إلهي أو كلام نبوي صحيح.

4- موالاة الشياطين واتباعهم يفضِي بالموالي المتابع لهم إلى جهنم وعذاب السعير.
_____________________________________

1 ذكر القرطبي عن الغزنوي أنه قال: سورة الحج من أعاجيب سورة القرآن. نزلت ليلاً ونهاراً سفراً وحصراً مكيّاً ومدينّا سليماً وحربيّاً ناسخاً ومنسوخاً محكما ومتشابهاً.
2 روى الترمذي وصححه عن عمران بن خصين رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت {يا أيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم} إلى قوله: {شديد} قال: أنزلت عليه في سفر: فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذاك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار قال يا ربّ وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. قال: فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قاربوا وسدّدوا فإنه لم تكن نبوة قط إلاّ كان بين يديها جاهلية قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلاّ أخذ من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبّروا ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبّروا ثمّ قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبّروا. قال: لا أدري قال الثلثين أم لا". الرقمة: الهنة الناتئة في ذراع الدابة والشامة: علامة تخالف البدن الذي هي فيه.
3 الذي عليه أكثر أهل التفسير أن هذه الزلزلة تتم بنفخة الفناء بقرينة الحمل والوضع وحديث الترمذي الصحيح دال على أنها بعد البعث، والجمع بينهما: صحيح أولا لا مانع من أن يقع هذا وذاك وهو كذلك والقرآن حمّال الوجوه، فهذا الهول العظيم سيقع حتماً في النفخة الأولى، وفي ساحة فصل القضاء، وأمّا موضوع الحمل والوضع فكائن أيضاً في عرصات القيامة إذ الناس يبعثون على ما ماتوا عليه فالحامل تبعث حاملا والمرضع تبعث ترضع أيضاً.
4 قال قتادة ومجاهد: من تولى الشيطان فإنه يضله.



الساعة الآن : 05:09 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 147.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 147.48 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.34%)]