ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:55 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (2)
الحلقة (581)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 345الى صــــ 349)

{ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } 25 { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } 26 { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } 27 { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } 28 { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } 29 { هَارُونَ أَخِي } 30 { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } 31 { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } 32 { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } 33 { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } 34 { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }35


شرح الكلمات:

اشرح لي صدري: أي وسعه لأتحمل الرسالة.

ويسر لي أمري: أي سهله حتى أقوى على القيام به.

واحلل عقدة من لساني1: أي حبسة حتى أُفهم من أُخاطب.

اشدد به أزري: أي قوي به ظهري.

وأشركه في أمري: أي اجعله نبياً كما نبأتني2.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في حديث موسى عليه السلام مع ربه سبحانه وتعالى إنه بعد أن أمر الله تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون ليدعوه إلى عبادة الله وحده وإرسال بني إسرائيل مع موسى ليذهب به إلى أرض القدس قال موسى عليه السلام لربه تعالى { ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } لأتحمل أعباء الرسالة { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } أي سهل مهمتي عليَّ وارزقني العون عليها فإنها صعبة شاقة. { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } تلك العقدة التي نشأت بسبب الجمرة التي ألقاها في فمه بتدبير الله عزوجل حيث عزم فرعون على قتله لما وضعه في حجره يلاعبه فأخذ موسى بلحية فرعون ونتفها فغضب فقالت له آسية إنه لا يعقل لصغر سنه وقالت له تختبره بوضع جواهر في طبق وجمر في طست ونقدمهما له فإن أخذ الجواهر فهو عاقل ودونك افعل به ما شئت، وإن أخذ الجمر فهو غير عاقل فلا تحفل به ولا تغتم لفعله، وقدم لموسى الطبق والطست فمد يده إلى الطست بتدبير الله فأخذ جمرة فكانت سبب هذه العقدة فسأل موسى ربه أن يحلها من لسانه ليفصح إذا خاطب فرعون وبين فيفُهم قوله، وبذلك يؤدي رسالته. هذا معنى قوله: { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي }3.

وقوله تعالى فيما أخبر عن موسى { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً 4مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي } أي طلب من الله تعالى أن يجعل له من أخيه هارون معيناً على تبليغ الرسالة وتحمل أعبائها. وقوله: { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي 5} أي قوّ به ظهري. وقوله: { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } وذلك بتنبئته وإرساله ليكون هارون نبياً رسولاً. وعلل موسى عليه الصلاة والسلام لطلبه هذا بقوله: { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً6 وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } ، وقوله { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } أي أنك كنت ذا بصر بنا لا يخفى عليك شيء من أمرنا وهذا من موسى توسل إلى الله تعالى في قبول دعائه وما طلبه من ربه توسل إليه بعلمه تعالى به وبأخيه وبحالهما.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- وجوب اللجأ إلى الله تعالى في كل ما يهم العبد.

2- مشروعية الأخذ بالأُهبة والاستعداد لما يعتزم العبد القيام به.

3- فضيلة التسبيح والذكر، والتوسل بأسماء الله وصفاته.
______________________________

1 أصل العقدة: موضع ربط بعض الخيط أو الحبل ببعض آخر وهي فُعلة كغرفة وشرفة أطلقت على عسر النطق بالكلام أو ببعض الحروف ويقال: حُبسة فشبه موسى حبسة لسانه بالعقدة في الحبل ونحوه.
2 يقال: ما برّ أخ أخاه كما برّ موسى أخاه هارون إذ طلب له أشرف مطلب الرسالة والنبوة.
3 اختلف في هل انحلّت تلك العقدة أو لم تنحل، والصحيح أنها انحلّت إجابة الله تعالى لدعوة موسى إذ قال: {قد أجيبت دعوتكما} وأما قول فرعون: ولا يكاد يبين فهو تكرار لما سبق ولأجل الانتقاص من كمال موسى عليه السلام.
4 الوزير: المؤزار كالأكيل للمؤاكل، وفي حديث النسائي: "من ولي منكم عملاً فأراد الله به خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه".
5 الأزر: الظهر من موضع الحقوين، والأزر: القوة أيضاً وآزره أي: قواه، وقيل: الأزر العون، ومنه قول أبي طالب.
أليس أبونا هاشم شدّ أزره
وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
6 في هذه الآية دليل على فضل التسبيح والذكر إذ لولا أن موسى علم حب الله تعالى لهما لما توسل بهما لقضاء حاجته.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:55 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } 36 { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } 37 { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } 38 { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } 39 { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } 40 { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي }41


شرح الكلمات:

قد أوتيت سؤلك1: أي مسؤولك من انشراح صدرك وتيسير أمرك وانحلال عقدة لسانك، وتنبئة أخيك.

ولقد مننا عليك مرة أخرى: أي أنعمنا عليك مرة أخرى قبل هذه.

ما يوحى: أي في شأنك وهو قوله: أن اقذفيه الخ.

في التابوت: أي الصندوق.

فاقذفيه في اليم: أي في نهر النيل.

ولتصنع على عيني2: تربى بمرأى مني ومحبة وإرادة.

على من يكفله: ليكمل له رضاعه.

وقتلت نفساً : هو القبطي الذي قتلته بمصر وهو بيت فرعون.

فنجيناك من الغم: إذا استغفرتنا فغفرنا لك وأئتمروا بك ليقتلوك فنجيناك منهم.

وفتناك فتونا: أي اختبرناك اختبارا وابتليناك ابتلاء عظيما.

جئت على قدر3: أي جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلى فرعون.

واصطنعتك لنفسي: أي أنعمت عليك بتلك النعم اجتباءً منا لك لتحمل رسالتنا.

معنى الآيات:

ما زال السياق في حديث موسى مع ربه تعالى فقد تقدم أن موسى عليه السلام سأل ربه أموراً لتكون عوناً له على حمل رسالته فأجابه تعالى بقوله: في هذه الآية [36] { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } أي قد أعطيت ما طلبت، { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } أي قبل هذه الطلبات وهي أنه لما أمر فرعون بذبح أبناء بني إسرائيل 4{ إِذْ أَوْحَيْنَآ 5إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } أي في الصندوق 6{ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } أي نهر النيل { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ7 لَّهُ } فهذه النجاة نعمة، ونعمة أخرى تضمنها قوله تعالى: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } أي أضفيت عليك محبتي فأصبح من يراك يحبك، ونعمة أخرى وهي: من أجل أن تُربَّى وتغذى على مرأى مني وإرادة لي أرجعتك بتدبيري إلى أمك لترضعك وتقر عينها ولا تحزن على فراقك، وهو ما تضمنه قوله تعالى: { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ 8} فتقول: { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } لكم أي لارضاعه وتربيته. { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ } ، ونعمة أخرى وهي أعظم إنجاؤنا لك من الغم الكبير بعد قتلك النفس وائتمار آل فرعون على قتلك { فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } من القتل وغفرنا لك خطيئة القتل. وقوله تعالى: { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً }9 أي ابتليناك ابتلاءً عظيما وها هي ذي خلاصته في الأرقام التالية:

1- حمل أمك بك في السنة التي يقتل فيها أطفال بني إسرائيل.

2- إلقاء أُمك بك في اليم.

3- تحريم المراضع عليك حتى رجعت إلى أمك.

4- أخذك بلحية فرعون وهمه بقتلك.

5- قتلك القبطي وائتمار آل فرعون بقتلك.

6- إقامتك في مدين وما عانيت من آلام الغربة.

7- ضلالك الطريق بأهلك وما أصابك من الخوف والتعب.

هذه بعض ما يدخل تحت قوله تعالى: { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } وقوله { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } ترعى غنم شعيب عشراً من السنين { ثُمَّ جِئْتَ } من مدين إلى طور سينا { عَلَىٰ قَدَرٍ } منا مقدر ووعد محدد ما كنت تعلمه حتى لاقيته.
واصطنعتك لنفسي أي خلقتك وربيتك وابتليتك واتيت بك على موعد قدَّرْته لأُحمِّلك عبء الرسالة إلى فرعون وبني إسرائيل: إلى فرعون لتدعوه إلى عبادتنا وإرسال بني إسرائيل معك إلى أرض المعاد. وإلى بني إسرائيل لهدايتهم وإصلاحهم وإعدادهم للإِسعاد والإِكمال في الدارين إن هم آمنوا واستقاموا.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- مظاهر لطف الله تعالى وحسن تدبيره في خلقه.

2- مظاهر اكرام الله تعالى ولطفه بعبده ورسوله موسى عليه السلام.

3- آية حب الله تعالى لموسى، وأثر ذلك في حب الناس له.

4- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإخباره في كتابه بمثل هذه الأحداث في قصص موسى عليه السلام.
____________________________

1 سؤل بمعنى مسؤول كخبز بمعنى مخبوز وأكل بمعنى مأكول.
2 الصنع هنا: بمعنى التربية والتنمية.
3 كما قال الشاعر:
نال الخلافة أو كانت له قدرا
كما أتى موسى ربه على قدر
4 أوحى الله تعالى إلى أم موسى: {أن اقذفيه..} الآية.
5 هذا إلهام لها أو منام إذ لم تكن نبيّة إجماعاً.
6 الساحل: الشاطىء، وهو ساحل معهود وهو الذي يقصده آل فرعون للسباحة. واللام في (فليلقه) لام التكوين الإلهي.
7 هذا العدو: فرعون عدو الله تعالى وعدو موسى وبني إسرائيل.
8 أخت موسى تسمى مريم بنت عمران.
9 الفتون: مصدر كالدخول والخروج وهو كالفتنة، وهي اضطراب حال المرء في مدة حياته.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:56 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (3)
الحلقة (582)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 349الى صــــ 356)

{ ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } 42 { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } 43 { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } 44 { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ } 45 { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } 46 { فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } 47 { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ }48


شرح الكلمات:

بآياتي: أي بالمعجزات التي آتيتك كالعصا واليد وغيرها.

ولا تنيا في ذكري: أي لا تفترا ولا تقصرا في ذكري فإنه سر الحياة وعونكما على أداء رسالتكما.

إنه طغى: تجاوز قدره بادعائه الألوهية والربوبية.

قولا لينا: أي خالياً من الغلظة والعنف.

لعله يتذكر: أي فيما تقولان فيهتدي إلى معرفتنا فيخشانا فيؤمن ويسلم ويرسل معكما بني إسرائيل.

يفرط علينا: أي يعجل بعقوبتنا قبل أن ندعوه ونبين له.

أو أن يطغى: أي يزداد طغياناً وظلما.

أسمع وأرى: أي أسمع ما تقولانه وما يقال لكما، وأرى ما تعملان وما يعمل لكما.

فأرسل معنا بني إسرائيل: أي لنذهب بهم إلى أرض المعاد أرض أبيهم إبراهيم.

بآية: أي معجزة تدل على صدقنا في دعوتنا وأنا رسولا ربك حقاً وصدقاً.

والسلام على من اتبع الهدى: أي النجاة من العذاب في الدارين لمن آمن واتقى، إذ الهدى إيمانٌ وتقوى.

من كذب وتولى: أي كذب بالحق ودعوته وأعرض عنهما فلم يقبلهما.

معنى الكلمات:

ما زال السياق الكريم في الحديث عن موسى مع ربه تبارك وتعالى فقد أخبره تعالى في الآية السابقة أنه صنعه لنفسه، فأمره في هذه الآية بالذهاب مع أخيه هارون مزودين بآيات الله وهي حججه التي أعطاهما من العصا واليد البيضاء. ونهاهما عن التواني في ذكر الله بأن يضعفا في ذكر وعده ووعيده فيقصرا في الدعوة إليه تعالى فقال: { ٱذْهَبْ 1أَنتَ وَأَخُوكَ2 بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } وبين لهما الى من يذهبا وعلة فقال: { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } أي تجاوز قدره وتعدى حده من إنسان يعبد الله إلى إنسان كفار ادعى أنه رب وإله، وعلمهما اسلوب الدعوة فقال لهما: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } أي خالياً من الغلظة والجفا وسوء الإِلقاء وعلل لذلك فقال { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ 3} أي رجاء أن يتذكر معاني كلامكما وما تدعوانه إليه فيراجع نفسه فيؤمن ويهتدي4 أو يخشى العذاب إن بقي على كفره وظلمه فيسلم لكما بني إسرائيل ويرسلهم معكما، فأبدى موسى وأخوه هارون تخوفاً فقال ما أخبر تعالى به عنهما في قوله: { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ } أي يعجل بعقوبتنا بالضرب أو القتل، { أَوْ أَن يَطْغَىٰ 5} أي يزداد طغياناً وظلماً. فطمأنهما ربهما عز وجل بأنه معهما بنصره وتأييده وهدايته إلى كل ما فيه عزهما فقال لهما: { لاَ تَخَافَآ } أي من فرعون وملائه: { إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } أسمع ما تقولان لفرعون وما يقول لكما. وأرى ما تعملان من عمل وما يعمل فرعون وإني أنصركما عليه فأحق عملكما وأبطل عمله. فاتياه إذاً ولا تترددا فقولا أي لفرعون { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } أي إليك { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } لنخرج بهما حيث أمر الله، { وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } بقتل رجالهم واستحياء نسائهم واستعمالهم في أسوء الأعمال وأحطها، { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن 6رَّبِّكَ } أي بحجة من ربك دالة على أنا رسولا ربك إليك وأنه يأمرك بالعدل والتوحيد وينهاك عن الظلم والكفر ومنع بني إسرائيل من الخروج إلى أرض المعاد معنا.
{ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } أي واعلم يا فرعون أن الأمان والسلامة يحصلان لمن اتبع الهدى الذي جئناك به، فاتبع الهدى تسلم7، وإلا فأنت عرضة للمخاوف والهلاك والدمار وذلك لأنه { قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ } أي أوحى إلينا ربنا، { إِنَّا أَنَّ ٱلْعَذَابَ 8عَلَىٰ مَن كَذَّبَ } بالحق الذي جئناك به { وَتَوَلَّىٰ } عنه فأعرض عنه ولم يقبله كبرياءً وعناداً.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- عظم شأن الذكر بالقلب واللسان والجوارح أي بالطاعة فعلاً وتركاً.

2- وجوب مراعاة الحكمة في دعوة الناس إلى ربهم.

3- تقرير معية الله تعالى مع أوليائه وصالحي عباده بنصرهم وتأييدهم.

4- تقرير أن السلامة من عذاب الدنيا والآخرة هي من نصيب متبعي الهدى.

5- شرعية إتيان الظالم وأمره ونهيه والصبر على أذاه.

6- عدم المؤاخذة على الخوف حيث وجدت أسبابه.
_______________________

1 يروى أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الآيات التسع. وهذا باعتبار ما يكون وإلاّ فما حصل هو آية العصا واليد لا غير.
2 ولا تنيا؛ أي: ولا تضعفا. يقال: وني يني ونىً أي: ضعف في العمل. أي: لا تني أنت وأبلغ هارون أن لا يني.
3 لعل: حرف ترج ولكن هي هنا بالنسبة إلى موسى وهارون معناه: لعل رجاءكما وطمعكما. فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر.
4 لقد تذكر فرعون وخشي وذلك ساعة غرقه ولم ينفعه ذلك إذ قال: آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل.
5 قوله تعالى: {قالا ربنا إنا نخاف} الخ هذه بداية كلام موسى وهارون بعد أن انتهى كلام موسى مع ربه وحده. قبل أن يصل إلى مصر، ومعنى: يفرط يبادر بعقوبتهما ويعجلها، يقال: فرط منه أمر أي: بدر، وأفرط: أسرف وفرط: ترك وأضاع، وفي الآية دليل عدم المؤاخذة بالخوف مما من شأنه أن يخاف، ولكن لا يمنع من عبادة الله تعالى التي هي علّة الخلق والوجود.
6 هي اليد والعصا.
7 والسلام هنا ليس سلام تحية.
8 قوله تعالى: {إن العذاب على من كذّب وتولّى} هذه أرجى أية للموحدين لأنهم لم يكذّبوا ولم يتولوا.

_________________

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:56 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } 49 { قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } 50 { قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } 51 { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } 52 { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } 53 { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } 54 { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ }55


شرح الكلمات:

أعطى كل شيء خلقه: أي خلقه الذي هو عليه متميز به عن غيره.

ثم هدى: أي الحيوان منه إلى طلب مطعمه ومشربه ومسكنه ومنكحه.

قال فما بال القرون الأولى: أي قال فرعون لموسى ليصرفه عن ادلائه بالحجج حتى لا يفتضح فما بال القرون الأولى كقوم نوح وعاد وثمود في عبادتهم الأوثان؟

قال علمها عند ربي: أي علم أعمالهم وجزائهم عليها عند ربي دعنا من هذا فإنه لا يعنينا.

في كتاب لا يضل ربي: أي أعمال تلك الأمم في كتاب محفوظ عند ربي وسيجزيهم بأعمالهم إن ربي لا يخطىء ولا ينسى فإن عذب أو أخر العذاب فإن ذلك لحكمة اقتضت منه ذلك.

مهاداً وسلك لكم فيها سبلاً: مهاداً، فراشاً وسلك: سهل، وسبلاً طرقاً.

أزواجاً من نبات شتى: أزواجاً: أصنافاً: شتى: مختلفة الألوان والطعوم.

إن في ذلك لآيات: لدلائل واضحات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته.

لأولي النهى: أي أصحاب العقول لأن النُهية العقل وسمي نهية لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح كالشرك والمعاصي.

منها خلقناكم: أي من الأرض وفيها نعيدكم بعد الموت ومنها نخرجكم عند البعث يوم القيامة.

تارة أخرى: أي مرة أخرى إذ الأولى كانت خلقاً من طين الأرض وهذه إخراجاً من الأرض.

معنى الآيات:

السياق الكريم في الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وفرعون إذ وصل موسى وأخوه إلى فرعون ودَعَوَاهُ إلى الله تعالى ليؤمن به ويعبده وبأسلوب هادئ لين كما أمرهما الله تعالى: فقالا له:{ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [طه: 47-48] ولم يقولا له لا سلام عليك، ولا أنت مكذب ومعذب. وهنا قال لهما فرعون ما أخبر به تعالى في قوله: { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ }؟ أفرد اللعين موسى بالذكر لإدلائه عليه بنعمة التربية في بيته ولأنه الرسول الأول فأجابه موسى بما أخبر تعالى به بقوله: { رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ 1أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ2 ثُمَّ هَدَىٰ } أي كل مخلوق خلقه الذي هو عليه متميز به من شكل ولون وصفة وذات ثم هدى الأحياء من مخلوقاته إلى طلب رزقها من طعام وشراب، وطلب بقائها بما سن لها وهداها إليه من طرق التناسل إبقاء لأنواعها. وهنا وقد أفحم موسى فرعون وقطع حجته بما ألهمه الله من علم وبيان قال فرعون صارفاً موسى عن المقصود خشية الفضيحة من الهزيمة أمام ملائه قال: { فَمَا بَالُ3 ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } أخبرنا عن قوم نوح وهود وصالح وقد كانوا يعبدون الأوثان. وعرف موسى أن اللعين يريد صرفه عن الحقيقة فقال له ما أخبر تعالى به في قوله: { عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ4 لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى 5} فإن ما سألت عنه لا يعنينا فعلم حال تلك الأمم الخالية عند ربي في لوح محفوظ عنده وسيجزيها بعملها، وما عجل لها من العقوبة أو أخر إنما لحكمة يعلمها فإن ربي لا يخطئ ولا ينسى وسيجزي كلاً بكسبه.
ثم أخذ موسى يصف ربه ويعرفهم به وهي فرصة سنحت فقال { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } أي فراشاً مبسوطة للحياة عليها { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي سهل لكم للسير عليا طرقا تمكنكم من الوصول إلى حاجاتكم فوقها، { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } وهو المطر المكون للأنهار والمغذي الممد للآبار. هذا هو ربي وربكم فاعرفوه واعبدوه ولا تعبدوا معه سواه. وقوله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا 6بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } أي بالمطر أزواجاً أي أصنافاً من نباتٍ شتى أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخصائص. كان هذا من قول الله تعالى تتميماً لكلام موسى وتذكيراً لأهل مكة المتجاهلين لله وحقه في التوحيد. وقوله: { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } أي مما ذكرنا لكم من أزواج النبات وارعوا إبلكم وأغنامكم وسائر بهائمكم واشكروا لنا هذا الإِنعام بعبادتنا وترك عبادة غيرنا. وقوله تعالى: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } أي إن في ذلك المذكور من إنزال المطر وإنبات النبات لتغذية الإِنسان والحيوان لدلالات على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وأنه بذلك مستحق للعبادة دون سواه إلا أن هذه الدلائل لا يعقلها إلا أصحاب العقول وذوو النهى فهم الذي يستدلون بها علم معرفة الله ووجوب عبادته وترك عبادة غيره. وقوله تعالى: { مِنْهَا 7 نخرجكم تارة اخرى8} أي من الأرض التي فيها حياة النبات والحيوان خلقناكم أي بخلق أصلكم الأول وهو آدم، وفيها نعيدكم بالموت فتقبرون أحياء للحساب والجزاء بالنعيم المقيم أو العذاب المهين بحسب صفات نفوسكم فذو النفس الطاهرة ينعم وذو النفس الخبيثة من الشرك والمعاصي يعذب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تعين إجابة السائل ولتكن بالعلم الصحيح النافع.

2- تقرير مبدأ من حسن9 إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

3- تنزه الرب تعالى عن الخطأ والنسيان.

4- الاستدلال بالآيات الكونية على الخالق عزوجل وقدرته وألوهيته.

5- احترام العقول وتقديرها لأنها تعقل 10صاحبها دون الباطل والشر.

6- تسمية العقل نهية لأنه ينهى صاحبه عن القبائح.
_________________________

1 أعلمه عليه السلام بأنّ ربه تعالى يعرف بصفاته لا بذاته ولا باسم يعرف به ولم يقل له موسى: إنه الله، لأنّ الاسم العلم لا يهدي إلى معرفته تعالى كما تهدي إليه الصفات العُلى التي لا يقدر فرعون على جحدها وإنكارها.
2 قال ابن عباس: أعطى كل زوج من جنسه ثمّ هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه. وقال مجاهد: أعطى كل شيء صورته ولم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان. قال الشاعر:
وله في كل شيء خلقه
وكذا الله ما شاء فعل
3البال: الحال أي: ما حالها وما شأنها؟ فأعلمه موسى عليه السلام أن علمها عند الله أي: إن ما سألت عنه من علم الغيب الذي استأثر الله به درن سواه.
4 في هذه الآية دليل على مشروعية كتابة العلوم وتدوينها، حتى لا تنسى فتضيع وفي الحديث مشاهد آخر ففي صحيح مسلم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده. إن رحمتي تغلب غضبي".
5 الضلال: الخطأ في العلم شبّه بخطإ الطريق، والنسيان: عدم تذكر الأمر المعلوم في الذهن.
6 في الكلام التفات من ضمير الغيبة إلى ضمير التكلم والخطاب تنويعاً للأسلوب وتحريكاً للضمير الجامد.
7 بمناسبة ذكر دلائل وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته الموجبة لألوهيته دون سواه ذكّرهم بعقيدة البعث والجزاء مستدلاً عليها بقدرة الله تعالى وعلمه.
8 تجمع التارة على تارات كالمرة على المرّات، والتارة: اسم جامد غير مشتق.
9 هذا حديث الصحيح: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه".
10 تعقل: أي: تحجزه أو تصرفه عما يضرّ حالاً أو مآلاً.
****************************



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:57 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (4)
الحلقة (583)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 356الى صــــ 360)

{ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } 56 { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } 57 { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } 58 { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } 59 { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ }60


شرح الكلمات:

أريناه آياتنا كلها: أي أبصرناه حججنا وأدلتنا على حقيقة ما أرسلنا به رسولينا موسى وهارون إليه كلها فرفضها وأبى أن يصدق بأنهما رسولين إليه من رب العالمين.

من أرضنا: أي أرض مصر التي فرعون ملك عليها.

بسحرك يا موسى: يشير إلى العصا واليد البيضاء.

مكاناً سوى: أي مكان عدل بيننا وبينك ونَصَفٍ، صالحاً للمباراة بحيث يكون ساحة كبرى مكشوفة مستوية يرى ما فيها كل ناظر إليها.

يوم الزينة: أي يوم عيد يتزينون فيه ويقعدون عن العمل.

وأن يحشر الناس ضحى: أي وأن يؤتى بالناس من كل أنحاء البلاد للنظر في المباراة.

فتولى فرعون: أي انصرف من مجلس الحوار بينه وبين موسى وهارون في كبرياء وإعراض.

فجمع كيده: أي ذوى كيده وقوته من السحرة.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحوار بين موسى وهارون من جهة وفرعون وملائه من جهة أخرى فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ } أي أرينا فرعون { آيَاتِنَا كُلَّهَا } أي أدلتنا وحججنا 1على أن موسى وهارون رسولان من (قبلنا) أرسلناهما إليه، فكذب برسالتهما وأبى الاعتراف بهما، وقال ما أخبر تعالى به عنه: { قَالَ أَجِئْتَنَا 2} أي يا موسى { لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا } أي منازلنا وديارنا ومملكتنا { بِسِحْرِكَ } الذي انقلبت به عصاك حية تسعى، { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً } نتقابل فيه، { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى }3 عدلاً بيننا وبينك يكون من الاعتدال والاتساع بحيث كل من ينظر إليه يرى ما يجرى فيه من المباراة بيننا وبينك. فأجاب موسى بما أخبر تعالى به عنه فقال: { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ } وهو يوم عيد للأقباط يتجملون فيه ويقعدون عن العمل، { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى 4} أي في يوم يجمع فيه الناس ضحى للتفرج في المباراة من كل أنحاء الممكلة وهنا تولى فرعون بمعنى انصرف من مجلس المحاورة وكله كبر وعناد فجمع قواته من السحرة لإِنفاذ كيده في موسى وهارون. وفي الآيات التالية تظهر الحقيقة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان كبر فرعون وصلفه وطغيانه.

2- للسحر آثار وله مدارس يتعلم فيها ورجال يحذقونه ويعلمونه.

3- مشروعية المبارزة والمباراة لإِظهار الحق وإبطال الباطل.

4- مشروعية اختيار المكان والزمان اللائق للقتال والمباراة ونحوهما.
___________________________

1 أي: الدالة على وجود الله تعالى ووجوب ألوهيته وعلى صحة نبوّة موسى وهارون.
2 لما رأى الآيات وبهرته احتال في دفعها اللعين بدعواه أن موسى جاء ليخرج فرعون وقومه من بلادهم ليستقل بها دونهم، وهذا من الكذب السياسي الممقوت.
3 قرأ حفص (سُوى) كطوى بضم السين، وقرأ نافع (سوى) بكسرها كطوى، والكسر أفصح. أي: وسطاً في المدينة لا يشق على من يأتيه.
4 اختار موسى اليوم والساعة، وهي: الضحى لعلمه أنه سيغلب السحرة ويهزمون أمامه، فأحب أن يكون الوقت مناسباً الكثرة المتفرّجين ووضوح الرأي لهم في شباب النهار (الضحى) .

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:57 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } 61 { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } 62 { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } 63 { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } 64 { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } 65 { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }66


شرح الكلمات:

ويلكم: دعاء عليهم معناه: ألزمكم الله الويل وهو الهلاك.

فيسحتكم بعذاب: أي يهلككم بعذاب من عنده.

فتنازعوا أمرهم: أي في شأن موسى وهارون أي هل هما رسولان أو ساحران.

وأسروا النجوى: وهي قولهم: إن هذان لساحران يريدان الخ...

بطريقتكم المثلى: أي ويغلبا على طريقة قومكم وهما أشرافهم وساداتهم.

فأجمعوا كيدكم: أي أحكموا أمر كيدكم حتى لا تختلفوا فيه.

قد أفلح من استعلى: أي قد فاز من غلب.

إما أن تلقي: أي عصاك.

فخيل إليه أنها تسعى: أي فخيل إلى موسى أنها حية تسعى، لأنهم طلوها بالزئبق فلما ضربت الشمس عليها اضطربت واهتزت فخيل إلى موسى أنها تتحرك.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام والسحرة الذين جمعهم فرعون للمباراة فأخبر تعالى عن موسى أنه قال لهم مخوفاً إياهم علهم يتوبون: { وَيْلَكُمْ1 لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي لا تتقولوا على الله فتنسبوا إليه ما هو كذب { فَيُسْحِتَكُم 2بِعَذَابٍ } أي يهلككم بعذاب إبادة واستئصال، { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } أي خسر من كذب على الله أو على الناس. ولما سمعوا كلام موسى هذا اختلفوا فيما بينهم هل صاحب هذا الكلام ساحر أو هو كلام رسول من في السماء؟ وهو ما أخبر تعالى به عنهم في قوله:

{ فَتَنَازَعُوۤاْ3 أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } وقوله { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } أي أخفوا ما تناجوا به بينهم وهو ما أخبر تعالى به في قوله: { إِنْ4 هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } أي موسى وهارون { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } أي دياركم المصرية، { وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ5 } أي باشرافكم وساداتكم من بني إسرائيل وغيرهم فيتابعوهما على ما جاءا به ويدينون بدينهما، وعليه فأجمعوا أمركم حتى لا تختلفوا فيما بينكم، { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } واحدا متراصاً، { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } أي غلب، وهذا بعد أن اتفقوا على أسلوب المباراة قالوا بأمر فرعون: { يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } عصاك، وإما أن نلقي نحن فنكون أول من ألقى. فقال لهم موسى: { بَلْ أَلْقُواْ } ، فالقوا عندئذ { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ } وكانت ألوفاً فغطت الساحة وهي تتحرك وتضطرب لأنها مطلية بالزئبق فلما سخنت بحر الشمس صارت تتحرك وتضطرب الأمر الذي خيل فيه لموسى أنها تسعى (باقي الحديث في الآيات بعد).

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- حرمة الكذب على الله تعالى، وإنه ذنب عظيم يسبب دمار الكاذب وخسرانه.

2- من مكر الإِنسان وخداعه6 أن يحول القضية الدينية البحتة إلى سياسة خوفاً من التأثير على النفوس فتؤمن وتهتدي إلى الحق.

3- معية الله تعالى لموسى وهارون تجلت في تصرفات موسى إذ الإذن لهم بالإِلقاء أولا من الحكمة وذلك أن الذي يبقى في نفوس المتفرجين والنظارة هو المشهد الأخير والكلمة الأخيرة التي تقال.. لا سيما في موقف كهذا.
____________________________________

1 الويل: الهلاك وهو شبه مصدر، ونصبه إما على تقدير: ألزمهم الله أو على النداء أي: يا ويلهم. كقوله: {يا ويلنا من بعثنا) .
2 سحت وأسحت بمعنى، وأصله من استقصاء الشعر في إزالته قرأ أهل الكوفة: (فيُسحتكم) بضم الياء من أسحت، وقرا أهل الحجاز بفتح الياء من: سحت قال الشاعر:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع
من المال إلاّ مُسحتا أو مجلّفا
والشاهد في: مسحت من أسحت.
3 التنازع: مشتق من جذب الدلو من البئر وجذب الثوب من الجسد والتنازع تفاعل إذ كل ذي رأي يريد نزع رأي صاحبه لرأيه لما يراه من الصواب.
4 قراءة الجمهور بكسر إنّ وتشديد النون، وبلغ الخلاف في هذا الحرف أشدّه فبلغوا فيه إلى ستة تخريجات أمثلها: أن (إن) حرف جواب بمعنى نعم قال الشاعر:
ويقلن شيب علا
ك وقد كبرت فقلت إنّه
والشاهد في إنه جواب لما في البيت من كلام، والهاء في إنه هاء السكت، وشاهد آخر وهو: أنّ عبد الله بن الزبير قال لأعرابي استجداه فلم يعطه: إنّ وراكبها. لما قال الأعرابي: لعن الله ناقة حملتني إليك. فقوله: إن: أي: نعم وراكبها أي: ملعون كذلك.
5 المثلى: مؤنث: الأمثل، من المثالية التي هي حسن الحال. أراد فرعون إثارة الحمية في قومه ليدافعوا عن عاداتهم وشرائعهم وأخلاقهم.
6 المراد به الإنسان الذي لا يؤمن بالله ولقائه ولا يتحلى بالصبر والتقوى.



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:58 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (5)
الحلقة (584)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 360الى صــــ 364)

{ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } 67 { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } 68 { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } 69 { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } 70 { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ }71


شرح الكلمات:

فأوجس في نفسه خيفة: أي أحس بالخوف في نفسه.

أنت الأعلى: أي الغالب المنتصر.

تلقف: أي تبتلع بسرعة ما صنع السحرة من تلك الحبال والعصي.

كيد ساحر: أي كيد سحر لا بقاء له ولا ثبات.

لا يفلح الساحر: أي لا يفوز بمطلوبه حيثما كان.

فألقي السحرة سجداً: أي ألقوا بأنفسهم ورؤوسهم على الأرض ساجدين.

إنه لكبيركم: أي لمعلمكم الذي علمكم السحر.

من خلاف: أي يد يمنى مع رجل يسرى.

في جذوع النخل: أي على أخشاب النخل.

أينا أشد عذاباً وأبقى: يعني نفسه - لعنه الله - ورب موسى أشد عذاباً وأدومه على مخالفته وعصيانه.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن المباراة التي بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون إنه لما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم وتحركت واضطربت وامتلأت بها الساحة شعر موسى بخوف في نفسه فأوحى إليه ربه تعالى في نفس اللحظة: { لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } أي الغالب القاهر لهم.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى [67] فأوجس1 في نفسه خيفة موسى والثانية [68] { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } وقوله تعالى: { وَأَلْقِ2 مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ } أي تبتلع بسرعة وعلل لذلك فقال: { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ3 } أي هو مكر وخدعة من ساحر { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } أي لا يفوز الساحر بما أراد ولا يظفر به أبداً لأنه مجرد تخيلات يريها غيره. وليس لها حقيقة ثابتة لا تتحول ولما شاهد السحرة ابتلاع العصا لكل حبالهم وعصيتهم عرفوا أن ما جاء به موسى ليس سحراً وإنما هو معجزة سماوية ألقوا بأنفسهم على الأرض ساجدين لله رب العالمين لما بهر نفوسهم من عظمة المعجزة وقالوا في وضوح { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ }. وهنا صاح فرعون مزمجراً مهدداً ليتلافى في نظره شر الهزيمة فقال للسحرة { آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ } بذلك { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ 4} أي معلمكم العظيم { ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } فتواطأتهم معه على الهزيمة. { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } تعذيباً وتنكيلاً فاقطع يمين أحدكم مع يسرى رجليه، أو العكس { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ 5فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } أي لأشدنكم على أخشاب النخل وأترككم معلقين عبرة ونكالا لغيركم { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } أي أدومه: رب موسى الذي آمنتم به أو أنا " فرعون عليه لعائن الله ".

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- الشعور بالخوف والإِحساس به عند معاينة أسبابه لا يقدح في الإِيمان.

2- تقرير أن ما يظهر السحرة من تحويل الشيء إلى آخر إنما هو مجرد تخييل لا حقيقة له.

3- حرمة السحر لأنه تزوير وخداع.

4- قوة تأثير المعجزة في نفس السحرة لما ظهر لهم من الفرق بين الآية والسحر.

5- شجاعة المؤمن لا يرهبها خوف بقتل ولا بصلب.
________________________

1 (أوجس) : أي أحس ووجد أي: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي العصا.
2 لم يقل له: ألق العصا لأن فيها إكباراً لشأن العصا وأنها بحق قادرة على إبطال باطل السحرة.
3 قرأ الجمهور: {كيد ساحر} وقرأ بعضهم: {كيد سحر} بكسر السين أي: كيد ذي سحر، وكيد: خبر مرفوع، والمبتدأ: ما الموصولية في قوله: {إن ما صنعوا} وصنعوا: صلتها، وكيد: الخبر. وقرىء بنصب كيد على أنّ ما كافة. وكيد معمول لصنعوا.
4 أراد فرعون بقوله هذا التشبيه على الناس والتمويه حتى لا يتبعوا السحرة فيؤمنوا كإيمانهم لا أنّ موسى استاذهم في السحر وأنه أحذق منهم له وأعلم منهم به.
5 حروف الجر تتناوب، والفاء هنا: (في جذع النخل) بمعنى: على. قال الشاعر:
هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة
فلا عطست شيبان إلاّ بأجدعا

*********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:58 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } 72 { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } 73 { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } 74 { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } 75 { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ }76


شرح الكلمات:

لن نؤثرك: أي لن نفضلك ونختارك.

والذي فطرنا: أي خلقنا ولم نكن شيئاً.

فاقض ما أنت قاض: أي اصنع ما قلت إنك تصنعه بنا.

والله خير وأبقى: أي خير منك ثواباً إذا أطيع وأبقى منك عذاباً إذا عصى.

مجرما: مجرما أي على نفسه مفسداً لها بآثار الشرك والكفر والمعاصي.

جزاء من تزكى: أي ثواب من تتطهر من آثار الشرك والمعاصي وذلك بالإِيمان والعمل الصالح.

معنى الآيات:

ما زال السياق مع فرعون والسحرة المؤمنين أنه لما هددهم فرعون بالقتل والصلب على جذوع النخل لإِيمانهم بالله وكفرهم به وهو الطاغوت قالوا له ما أخبر تعالى به عنهم في هذه الآية [72] { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ } يا فرعون { عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الدلائل والحجج القاطعة على أن رب 1موسى وهارون هو الرب الحق الذي تجب عبادته وطاعته فلن نختارك على الذي خلقنا فنؤمن بك ونكفر به لن يكون هذا أبداً واقض ما أنت عازم على قضائه علينا من القتل والصلب. { إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } في هذه الحياة الدنيا لما لك من السلطان فيها أما الآخرة فسوف يقضى عليك فيها بالخلد في العذاب المهين.

وأكدوا إيمانهم في غير خوف ولا وجل فقالوا: { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا } أي خالقنا ورازقنا ومدبر أمرنا { لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } أي ذنوبنا، { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } أي من تعلمه والعمل به، ونحن لا نريد ذلك ولا شك أن فرعون كان قد ألزمهم بتعلم السحر والعمل به من أجل محاربة موسى وهارون لما رأى من معجزة العصا واليد. وقولهم { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي خير ثوابا وجزاء حسنا لمن آمن به وعمل صالحاً، وأبقى عذاباً لمن كفر به وآمن بغيره وعصاه. هذا ما دلت عليه الآيتان [72] و [73].

أما الآية الثالثة [74] وهي قوله تعالى: { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً 2} أي على نفسه بإفسادها بالشرك والمعاصي { فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ 3لاَ يَمُوتُ فِيهَا 4وَلاَ يَحْيَىٰ } فيستريح من العذاب فيها، { وَلاَ يَحْيَىٰ } حياة يسعد فيها.

وقولهم { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ } أي مؤمناً به كافراً بالطاغوت قد عمل بشرائعه فأدى الفرائض واجتنب المناهي { فَأُوْلَـٰئِكَ 5لَهُمُ } جزاء إيمانهم وعملهم الصالح { ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي في جنات عدن { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } لا يموتون ولا يخرجون منها، { وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } أي تتطهر بالإِيمان وصالح الأعمال بعد تخليه عن الشرك والخطايا والذنوب. لا شك أن هذا العلم الذي عليه السحرة كان قد حصل لهم من طريق دعوة موسى وهارون إذ أقاموا بينهم زمناً طويلاً.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- لا يؤثر الكفر على الإِيمان والباطل على الحق والخرافة على الدين الصحيح إلا أحمق جاهل.

2- تقرير مبدأ أن عذاب الدنيا يتحمل ويصبر عليه بالنظر إلى عذاب الآخرة.

3- الاكراه نوعان: ما كان بالضرب الذي لا يطاق يغفر لصاحبه وما كان لمجرد تهديد ومطالبة فإنه لا يغفر إلا بالتوبة الصادقة وإكراه السحرة كان من النوع الآخر.

4- بيان جزاء كل من الكفر والمعاصي، والإِيمان والعمل الصالح في الدار الآخرة.
________________________

1 روي أن آسيا امرأة فرعون لما بدأت المباراة قالت لهم: أخبروني عمّن يغلب فأخبرت أن موسى وهارون غلبا فقالت: آمنت بربّ موسى وهرون. فأمر فرعون بأعظم صخرة فإذا أصرّت على قولها قألقوها عليها فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فرأت منزلها في الجنة بعد أن قالت {ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} وخرجت روحها فألقيت عليها الصخرة وهي جسد لا روح فيها استجاب الله لها عليها السلام.
2 المجرم: فاعل الجريمة، وهي المعصية، والفعل الخبيث، والمجرم في اصطلاح القرآن: الكافر غالباً.
3 اللام في: له جهنم لام الاستحقاق أي: هو صائر إليها لا محالة.
4 لا يموت فيها ولا يحيى، لأن عذابها متجدد فيها فلا هو ميّت لأنه يحس بالعذاب ولا هو حي لأنه في حالة الموت أهون منها، وهذا كقول عباس بن مرداس:
وقد كنت في الحرب ذا تُدْرَءٍ
فلم أُعط شيئاً ولم أمنع
5 {فأولئك..} الآية أوتي باسم الإشارة إلى أنهم أحياء بهذا النعيم في جنات ويؤكده قوله {ذلك جزاء من تزكى} .



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:59 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة طه - (6)
الحلقة (585)
تفسير سورة طه مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 365الى صــــ 371)

{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } 77 { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } 78 { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } 79 { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } 80 { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } 81 { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ }82


شرح الكلمات:

أن أسر بعبادي: أي سر ليلاً من أرض مصر.

طريقاً في البحر يبساً: طريقاً في وسط البحر يابساً لا ماء فيه.

لا تخاف دركاً: أي لا تخش أن يدركك فرعون، ولا تخشى غرقاً.

فغشيهم من اليم: أي فغطاهم من ماء البحر ما غطاهم حتى غرقوا فيه.

وأضل فرعون قومه: أي بدعائهم إلى الإِيمان به والكفر بالله رب العالمين.

وما هدى: أي لم يهدهم كما وعدهم بقوله:{ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } [غافر: 29].

جانب الطور الأيمن: أي لأجل إعطاء موسى التوراة التي فيها نظام حياتهم دينا ودنيا.

المن والسلوى: المن: شيء أبيض كالثلج، والسلوى طائر يقال له السماني1.

ولا تطغوا فيه: أي بالإِسراف فيه، وعدم شكر الله تعالى عليه.

ثم اهتدى: أي بالاستقامة على الإِيمان والتوحيد والعمل الصالح حتى الموت.

معنى الآيات:

إنه بعد الجدال الطويل والخصومة الشديدة التي دامت زمناً غير قصير وأبى فيها فرعون وقومه قبول الحق والإِذعان له أوحى تعالى إلى موسى عليه السلام بما أخبر به في قوله عز وجل: { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ } وبأي شيء أوحى إليه. بالسرى ببني إسرائيل وهو قوله تعالى { وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } قوله { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً }2 أي اجعل لهم طريقاً في وسط البحر، وذلك حاصل بعد ضربه البحر بالعصي فانفلق البحر فرقتين والطريق وسطه يابساً لا ماء فيه حتى اجتاز بنو إسرائيل البحر، ولما تابعهم فرعون ودخل البحر بجنود أطبق الله تعالى عليهم البحر فأغرقهم أجمعين، بعد أن نجى موسى وبني إسرائيل، وهو معنى قوله تعالى: { فَأَتْبَعَهُمْ3 فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ } أي من ماء البحر { مَا غَشِيَهُمْ 4} أي الشيء العظيم من مياه البحر. وقوله لموسى { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً 5وَلاَ تَخْشَىٰ } أي لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى غرقاً في البحر.

وقوله تعالى: { وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ 6} إخبار منه تعالى أن فرعون أضل أتباعه حيث حرمهم من الإِيمان بالحق واتباع طريقه، ودعاهم إلى الكفر بالحق وتجنب طريقه فاتبعوه على ذلك فضلوا وما اهتدوا، وكان يزعم أنه ما يهديهم إلا سبيل الرشاد وكذب.

وقوله تعالى: { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } أي فرعون، { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } أي مع نبينا موسى لانزال التوراة لهدايتكم وحكمهم بشرائعها، وأنزلنا عليكم المن والسلوى غذاء لكم في التيه، { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي قلنا لكم: كلوا من طيبات ما رزقناكم من حلال الطعام والشراب، { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } بترك الحلال إلى الحرام وبالأسراف في تناوله وبعدم شكر الله تعالى، وقوله تعالى: { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي } أي أن أنتم طغيتم فيه.
{ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي } أي ومن يجب عليه غضبي { فَقَدْ هَوَىٰ } أي في قعر جهنم وهلك.

وقوله تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ7 } يعدهم تعالى بأن يغفر لمن تاب منهم ومن غيرهم وعمل صالحاً أي أدى الفرائض واجتنب المناهي ثم استمر على ذلك ملازماً له حتى مات.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا القصص لا يقصه إلا بوحي إليه إذ لا سبيل إلى معرفته إلا من طريق الوحي الإِلهي.

2- آية انفلاق البحر ووجود طريق يابس فيه لبني إسرائيل حتى اجتازوه دالة على جود الله تعالى وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته.

3- تذكير اليهود المعاصرين للدعوة الإِسلامية بإنعام الله تعالى على سلفهم لعلهم يشكرون فيتوبون فيسلمون.

4- تحريم الإِسراف والظلم، وكفر النعم.

5- الغضب صفة لله تعالى كما يليق ذلك بجلاله وكماله لا صفات المحدثين.
__________________________

1 السُّمانى: بضم السين، وفتح النون ممدودة، والجمع سمانيات والواحدة سماناة كمناجاة: نوع من الطيور.
2 اليبس: محرّك الياء والباء، وتسكن الباء أيضاً: وصف بمعنى اليابس وأصله مصدركالقدم، والعدم بفتح العين وضمها.
3 قرىء: (فأتبعهم) وبالياء في بجنوده للمصاحبة فهي بمعنى مع أي مع جنوده.
4 ما غشهم في هذا تهويل عظيم لما غشيهم من الماء الذي غمرهم وغطّاهم بحيث يستحيل النجاة معه.
5 {دركاً} أي: لحاقاً بك وبمن معك من بني إسرائيل.
6 {وما هدى} : توكيد لقوله: {فأضل قومه} لأن الهدى ضد الضلال فما دام قد أضلهم فإنه ما هداهم كقوله: {أموات غير أحياء} وكقول الشاعر:
إما ترينا حفاة لا نعال لنا
إنا كذلك ما نحفى وننتعل
وفي الآية: التهكم بفرعون إذ قال لهم: وما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد.
7 ثم اهتدى بأن لزم طريق الهداية حتى مات على ذلك أما من تاب وعمل صالحاً ثم ضل بعد ذلك ومات على ضلالة، فلا يناله هذا الوعد ففي قوله: {ثم اهتدى} احتراس ممن يتوب ثم يعود فيموت على غير هداية.

************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 11:00 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } 83 { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } 84 { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } 85 { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } 86 { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } 87 { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } 88 { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }89


شرح الكلمات:

وما أعجلك: أي شيء جعلك تترك قومك وتأتي قبلهم.

هم على أثري: أي آتون بعدي وليسوا ببعيدين مني.

وعجلت إليك ربي لترضى: أي استعجلت المجيء إليك طلباً لرضاك عني.

قد فتنا قومك: أي ابتليناهم أي بعبادة العجل.

وأضلهم السامري: أي عن الهدى الذي هو الإِسلام إلى الشرك وعبادة غير الرب تعالى.

غضبان أسفاً: أي شديد الغضب والحزن.

وعداً حسناً: أي بأن يعطيكم التوراة فيها نظام حياتكم وشريعة ربكم لتكملوا عليها وتسعدوا.

أفطال عليكم العهد: أي مدة الموعد وهي ثلاثون يوماً قبل أن يكملها الله تعالى أربعين يوماً.

بملكنا1: أي بأمرنا وطاقنا، ولكن غلب علينا الهوى فلم نقدر على انجاز الوعد بالسير وراءك.

أوزاراً: أي أحمالاً من حلي نساء الأقباط وثيابهن.

فقذفناها: أي ألقيناها في الحفرة بأمر هارون عليه السلام.

ألقى السامري2: السامري هو موسى بن ظفر من قبيلة سامرة الإِسرائيلية، وما ألقاه هو التراب الذي أخذه من تحت حافر فرس جبريل ألقاه أي قذفه على الحلي.

عجلاً جسداً: أي ذا جثة.

له خوار: الخوار صوت البقر.

فنسي: أي موسى ربه هنا وذهب يطلبه.

ألا يرجع إليهم قولا: أنه لا يكلمهم إذا كلموه لعدم نطقه بغير الخوار.

معنى الآيات:

بعد أن نجى الله تعالى بني إسرائيل من فرعون وملائه حيث اجتاز بهم موسى البحر وأغرق الله فرعون وجنوده أخبرهم موسى أن ربه تعالى قد أمره أن يأتيه ببني إسرائيل وهم في طريقهم إلى أرض المعاد إلى جبل الطور ليؤتيهم التوراة فيها شريعتهم ونظام حياتهم دنيا ودينا وأنه واعدهم جانب الطور الأيمن، واستعجل 3موسى في المسير إلى الموعد فاستخلف أخاه هارون على بني إسرائيل ليسير بهم وراء موسى ببطء حتى يلحقوا به عند جبل الطور، وحدث أن بني إسرائيل فتنهم السامري بضع العجل ودعوتهم إلى عبادته وترك المسير وراء موسى عليه السلام فقوله تعالى: { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } هو سؤال من الله تعالى لموسى ليخبره بما جرى لقومه بعده وهو لا يدري فلما قال تعالى لموسى: { وَمَآ أَعْجَلَكَ } عن المجئ وحدك دون بني إسرائيل مع أن الأمر أنك تأتي معهم أجاب موسى بقوله { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي 4} آتون بعدي، وعجلت المجيء إليك لترضى عني. هنا أخبره تعالى بما حدث لقومه فقال عز وجل: { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } أي بصنع العجل لهم ودعوتهم إلى عبادته بحجة أنه الرب تعالى وأن موسى لم يهتد إليه. ولما انتهت المناجاة وأعطى الله تعالى موسى الألواح التي فيه التوراة { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً } أي حزينا إلى قومه فقال لهم لما بما أخبر تعالى عنه بقوله: { قَالَ يٰقَوْمِ 5أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } فذكرهم بوعد الله تعالى لهم بإنجائهم من آل فرعون وإكرامهم بالملك والسيادة موبخاً لهم على خطيئتهم بتخلفهم عن السير وراءه وانشغالهم بعبادة العجل والخلافات الشديدة بينهم، وقوله { أَفَطَالَ 6عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } أي لم يطل فالمدة هي ثلاثون يوماً فلم تكتمل حتى فتنتم وعبدتم غير الله تعالى، قوله { أَمْ أَرَدتُّمْ7 أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أي بل أردتم بصنيعكم الفاسد أن يجب عليكم غضب من ربكم فحل بكم، { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي8 } بعكوفكم على عبادة العجل وترككم السير على أثري لحضور موعد الرب تعالى الذي واعدكم.

وقوله تعالى { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } هذا ما قاله قوم موسى كالمعتذرين به إليه فزعموا أنهم ما قدروا على عدم إخلاف الموعد لغلبة الهوى عليهم فلم يطيقوا السير وراءه مع وجود العجل وما ضللهم به السامري من أنه هو إلههم وأن موسى أخطأ الطريق إليه. هذا معنى قولهم: { مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } أي بأمرنا وقدرتنا إذ كنا مغلوبين على أمرنا.

وقولهم: { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ 9أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا } هذا بيان لوجه الفتنة وسببها وهي أنهم لما كانوا خارجين من مصر استعار نساؤهم حلياً من نساء القبط بدعوى عيد لهم، وأصبحوا خارجين مع موسى في طريقهم إلى القدس، وتم إنجاؤهم وإغراق فرعون ولما نزلوا بالساحل استعجل موسى موعد ربه وتركهم تحت إمرة هارون أخيه على أن يواصلوا سيرهم وراء موسى إلى جبل الطور غير أن موسى الملقب بالسامري استغل الفرصة وقال لنساء بني إسرائيل هذا الحلي الذي عندكن لا يحل لَكُنَّ أخذه إذ هي ودائع كيف تستحلونها وحفر لهم حفرة وقال ألقوها فيها وأوقد فيها النار لتحترق ولا ينتفع بها بعد، هذا ما دل عليه قولهم { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } أي قوم فرعون فقذفناها أي في الحفرة التي أمر بها السامري وقوله تعالى { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ10 } هو من جملة قول بني إسرائيل لموسى فكما ألقينا الحلي في الحفرة ألقى السامري ما معه من التراب الذي أخذه من تحت حافر فرس جبريل، فصنع السامري العجل فأخرجه لهم عجلاً جسداً11 له خوار أي صوت فقال بعضهم لبعض هذا إلهكم وإله موسى الذي ذهب إلى موعده فنسي12 وضل الطريق إليه فاعبدوه حتى يأتي موسى. قال تعالى موبخاً إياهم { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً } إذا كلموه، { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } فكيف يعقلون أنه إله وهو لا يجيبهم إذا سألوه، ولا يُعطيهم إذا طلبوه، ولا ينصرهم إذا استنصروه ولكنه الجهل والضلال واتباع الهوى. والعياذ بالله تعالى.

هداية الآيات

1- ذم العجلة وبيان آثارها الضَّارة فاستعجال موسى الموعد وتركه قومه وراءه كان سبباً في أمر عظيم وهو عبادة العجل وما تترتب عليها من آثار جسام.

2- مشروعية طلب رضا الله تعالى ولكن بما يحب أن يتقرب به إليه.

3- مشروعية الغضب لله تعالى والحزن على ترك عبادته بمخالفة أمره ونهيه.

4- مشروعية استعارة الحلي للنساء والزينة، وحرمة جحدها وأخذها بالباطل.

5- وجوب استعمال العقل واستخدام الفكر للتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر.
_____________________________

1 ميم ملكنا مثلثة تفتح وتضم وتكسر والمعنى واحد كما في التفسير أي: لم يكن ذلك بإرادتنا واختيارنا.
2 نفى بعضهم أن تكون هناك قبيلة من بني إسرائيل تدعى السامرة وإنما السامرة أمة من سكان فلسطين في جهة نابلس قبل أن تكون فلسطين لبني إسرائيل، ثم امتزجوا ببني إسرائيل لما دخلوها واتبعوا معهم شريعة موسى، وبما أن السامري كان في مصر جائز أن يكون من قرية بمصر تسمى سامرة، والمراد من هذا أن السامري لم يكن من بني إسرائيل أصلاً ومحتداً ثم بمرور الأيام وجدت طائفة من بني إسرائيل تدعى السامرية، وهي عبارة عن طريقة ضالة تنتمي إلى شريعة التوراة وهي منحرفة فنشأت عن فتنة السامري الأولى كالطرق المنحرفة لدى المسلمين.
3 لهذا الاستعجال لامه ربّه وعتب عليه في قوله: {وما أعجلك من قومك يا موسى) حتى تركتهم وجئتنا وحدك، وقد ترتب على هذا الاستعجال شر كبير باتخاذ بني إسرائيل عجلاً عبدوه دون الله تعالى، ولذا قيل: تأن ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة.
4 أثري، وإثري: لغتان، والأثر: ما يتركه الماشي على الأرض من علامات قدم أو حافر أو خف، والمعنى: هم سائرون على مواضع أقدامي وقرىء (إثري) بكسر الهمزة والجمهور قرؤا بالفتح.
5 هذا ابتداء كلام يحمل اللوم والعتاب والتأديب حيث جمع موسى بني إسرائيل وفيهم هارون وخاطبهم قائلاً: يا قوم.. الخ.
6 الاستفهام تابع للاستفهام الأول: ألم يعدكم، وهو للتقرير والإنكار معاً.
7 {أم} بمعنى: بل والاستفهام بعدها إنكاري أي: أنكر عليهم إرادتهم حلول غضب الله عليهم بسبب شركهم بعبادة العجل.
8 المراد من موعده إياهم: هو ما عهد به إليهم بأن يلزموا طاعة هارون ويسيروا معه بدون تأخر حتى يلحقوا به في جبل الطور فأخلفوا ذلك فعصوا هارون وعكفوا على عبادة العجل وتركوا السير على إثره كما طلب منهم.
9 الأوزار: جمع وزر، وهو الحمل الثقيل والمراد بها: الحلي الذي استعاره نساؤهم من جاراتهن القبطيات بمصر بقصد الفرار به للنفع الخاص، وخافوا تلاشي الحلي فرأوا أن يصوغوه في قطع كبيرة يحفظ بها من الضياع.
10 أي: فمثل قذفنا الزينة في النار لصوغها قذف السامري، وقالوا هذا اعتذاراً منهم لموسى عليه السلام.
11 الجسد: الجسم ذو الأعضاء وسواء كان حياً أو ميتا، والتعبير بأخرج الإشارة إلى أن السامري صنع العجل بحيلة مستورة خفية حتى أتمّه ثمّ أظهره أي: أخرجه ظاهراً لنا.
12 إطلاق النسيان على الضلال والغفلة والترك شائع وسائغ في اللغة.



الساعة الآن : 08:51 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 153.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 152.57 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.33%)]