ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:43 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (1)
الحلقة (571)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 295الى صــــ 301)

{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } 8 { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } 9 { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } 10 { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } 11 { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } 12 { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } 13 { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } 14 { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً }15


شرح الكلمات:

أنى يكون لي غلام؟: أي من أي وجهٍ وَجِهَةٍ يكون لي ولد.

عتيا: أي يبست مفاصلي وعظامي.

آية: أي علامة تدلني على حمل امرأتي.

سويا: أي حال كونك سويَّ الخلقِ ما بك عليه خرس.

من المحراب1: المصلى الذي يصلي فيه وهو المسجد.

فأوحى إليهم: أومأ إليهم وأشار عليهم.

وآتيناه الحكم صبيا: الحكم والحكمة بمعنى واحد وهما الفقه في الدين ومعرفة أسرار الشرع.

وحنانا من لدنا: أي عطفاً على الناس موهوباً له من عندنا.

وزكاة: أي طهارة من الذنوب والآثام.

جبارا عصياً: أي متعاليا لا يقبل الحق عصياً لا يطيع أمر الله عز وجل وأمر والديه.

وسلام عليه: أي أمان له من الشيطان أن يمسه بسوء يوم يولد، وأمان له من فتاني القبر يوم يموت، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حياً.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر رحمة الله عبده زكريا إنه لما بشره ربه تعالى بيحيى قال: ما أخبر به تعالى عنه في قوله: { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً2 } أي من أي وجه وجهة يأتيني الولد أمن إمرأة غير أمرأتي، أم منها ولكن تهبني قوة على مباضعتها3 وتجعل رحمها قادرة على العلوق4، لأني كما تعلم يا ربي قد بلغت من الكبر حداً يبس فيه عظمي ومفاصلي وهو العتى كما أن امرأتي عاقر لا يولد لها. فأجابه الرب تبارك وتعالى بما في قوله عزوجل: { قَالَ كَذٰلِكَ } أي الأمر كما قلت يا زكريا، ولكن { قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي إعطاؤك الولد على ما أنت عليه من الضعف والكبر وامرأتك من العقر سهل يسير لا صعوبة فيه ويدلك على ذلك أني { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ5 وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } ، فكما قدر ربك على خلقك ولم تك شيئاً فهو قادر على هبتك الولد على ضعفك وعقر امرأتك وهنا طالب زكريا ربه بأن يجعل له علامة تدله على وقت حمل امرأته بالولد فقال ما أخبر به تعال في قوله: { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } فأعطاه تعالى علامة على وقت حمل امراته بالولد وهي أنه يصبح يوم بداية الحمل لا يقدر على الكلام وهو سوي البدن ما به خرس ولا مرض يمنعه من الكلام، { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ } أي المصلى الذي يصلي فيه { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ } أي أومأ وأشار6 إليهم { أَن سَبِّحُواْ 7بُكْرَةً وَعَشِيّاً 8} أي اذكروا الله في هذين الوقتين بالصلاة والتسبيح. وهنا علم بحمل امرأته إذ إمتناعه عن الكلام مع سلامة جسمه وحواسه آية على بداية الحمل، وقوله تعالى: { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } هذا قول الله تعالى للغلام بعد بلوغه ثلاث سنين أمره الله تعالى أن يتعلم التوراة ويعمل بها بقوة جد وحزم وقوله { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ 9صَبِيّاً } أي وهبناه الفقه في الكتاب ومعرفة أسرار الشرع وهو صبي لم يبلغ سن الاحتلام.
وقوله تعالى { وَحَنَاناً10 مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } أي ورحمة منا به ومحبة له آتيناه الحكم صبياً كما أنه عليه السلام كان ذا حنان على أبويه وغيرهما من المسلمين وقوله { وَزَكَاةً } أي طهارة من الذنوب باستعمال بدنه في طاعة ربه عزوجل { وَكَانَ تَقِيّاً } أي خائفاً من ربه فلا يعصه بترك فريضة ولا يفعل حرام.

وقوله تعالى: { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ } أي محسناً بهما مطيعاً لهما لا يؤذيهما أدنى أذى وقوله { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } أي لم يكن عليه السلام مستكبراً ولا ظالماً، ولا متمرداً عاصياً لربه ولا لأبويه وقوله: { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ11 وُلِدَ } أي أمان له من الشيطان يوم ولد، وأمان له من فتاني القبر يوم يموت، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حياً، فسبحان الله ما أعظم فضله وأجزل عطاءه على أوليائه، اللهم أمنا كما أمنته فإنك ذو فضل عظيم.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- طلب معرفة السبب الذي يتأتى به الفعل غير قادح في صاحبه فسؤال زكريا عن الوجه الذي يأتي به الولد، كسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى.

2- جواز طلب العلامات الدالة على الشيء للمعرفة.

3- آية عجيبة أن يصبح زكريا لا يتكلم فيفهم غيره بالإِشارة فقط.

4- فضل التسبيح في الصباح والمساء.

5- وجوب أخذ القرآن بجد وحزم وحفظاً وعملاً بما فيه.

6- صدق قول أهل العلم من حفظ القرآن في سن ما قبل البلوغ فقد أوتي الحكم صبياً.

7- وجوب البر بالوالدين ورحمتهما والحنان عليهما والتواضع لهما.
_________________________________
1 المحراب: مكان مرتفع، ومن هنا كره مالك أن يصلي الإمام في مكان أرفع من المكان الذي يصلي فيه الناس وراءه خشية الكبر عليه، والكبر من كبائر الذنوب ولم يكره أحمد رحمه الله تعالى.
2 قرأ نافع (عُتيا) بضم أوله كما: بُكيَّا وصليَّا، وبكسرها قرأ حفص، والعتي: هو قحول العظم ويبوسته.
3 أي: جماعها من إدخال البضع في البضع.
4 أي: علوق النطفة في الرحم.
5 أي: فخلق الولد كخلقك.
6 أو كتب إليهم كتابة.
7 إذ كان يأمرهم بالصلاة بكرة وعشيا فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة بالإشارة لأنه لم يقدر على الكلام إذ جعل الله تعالى عجزه عن الكلام علامة الحمل لامرأته.
8 بكرة وعشياً ظرفان في الصباح والمساء.
9 يروى أنه قال له الأولاد: هيا بنا نلعب فقال لهم: ما للعب خلقت، فهذا مما أوتيه من الحكم صبياً.
10 الحنان: التعطف والترحم وأصله من حنين الناقة إلى فصيلها، ويقال: حنانك وحنانيك وهما بمعنى واحد. قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيك بعض الشر أهو من بعض
11 وجائز أن يكون المراد بالسلام هنا: التحية منه تعالى وهي أشرف من غيرها.

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:44 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } 16 { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } 17 { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } 18 { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } 19 { قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً } 20 { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً }21


شرح الكلمات:

واذكر في الكتاب: أي القرآن مريم أي خبرها وقصتها.

مريم: هي بنت عمران والدة عيسى عليه السلام.

إذا انتبذت: أي حين اعتزلت أهلها باتخاذها مكاناً خاصاً تخلو فيه بنفسها.

شرقيا: أي شرق الدار التي بها أهلها.

حجابا: أي ساتراً يسترها عن أهلها وذويها.

روحنا: جبريل عليه السلام.

بشراً سوياً: أي تام الخلق حتى لا تفزع ولا تروع منه.

إن كنت تقياً: أي عاملاً بإيمانك وتقواك لله فابتعد عني ولا تؤذني.

غلاما زكيا: ولداً طاهراً لم يتلوث بذنب قط.

ولم يمسسني بشر: أي لم أتزوج.

ولم أك بغيّاً: أي زانية.

قال كذلك: أي الأمر كذلك وهو خلق غلام منك من غير أب.

هو علي هين: ما هو إلا أن ينفخ رسولنا في كم درعك حتى يكون الولد.

ولنجعله آية للناس: أي عل عظيم قدرتنا.

ورحمة منا: أي وليكون الولد رحمة بمن آمن به واتبع ما جاء به.

أمراً مقضياً: أي حكم الله به وفرغ منه فهو كائن حتماً لا محالة.

معنى الآيات:

هذه بداية قصة مريم عليها السلام إذ قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ } أي القرآن الكريم { مَرْيَمَ } أي نبأها وخبرها ليكون ذلك دليلاً على نبوتك وصدقك في رسالتك وقوله { إِذِ ٱنتَبَذَتْ } أي اعتزلت { مِنْ أَهْلِهَا } هذا بداية القصة وقوله { مَكَاناً شَرْقِياً } أي موضعاً شرقي دار قومها وشرق المسجد، ولذا اتخذ النصارى المشرق قبلة لهم في صلاتهم ولا حجة لهم في ذلك إلا الابتداع وإلا فقبلة كل مصلي لله الكعبة بيت الله الحرام قوله تعالى: { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم } أي من دون أهلها { حِجَاباً } ساتراً لها عن أعينهم1، ولما فعلت ذلك أرسل الله تعالى إليها جبريل في صورة بشر سوي الخلقة معتدلها، فدخل عليها فقالت ما قص الله تعالى في كتابه { إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } أي أحتمي بالرحمن الذي يرحم الضعيفات مثلي إن كنت مؤمناً تقياً فاذهب عني ولا تروعني أو تمسني بسوء. فقال لها جبريل عليه السلام ما أخبر تعالى به وهو { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ 2لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } أي طاهراً لا يتلوث بذنب قط. فأجابت بما أخبر تعالى عنها في قوله: { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } أي من أي وجه يأتيني الولد، { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } أي وأنا لم أتزوج، { وَلَمْ أَكُ3 بَغِيّاً } أي ولم أك زانية، فأجابها جبريل بما أخبر تعالى به في قوله: { قَالَ كَذٰلِكَ } أي الأمر كما قلت ولكن ربك قال: { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي خلقه بدون أب من نكاح أو سفاح، لأنه هين علينا من جهة، { وَلِنَجْعَلَهُ 4آيَةً لِّلْنَّاسِ } دالة على قدرتنا على خلق آدم بدون أب ولا أم، والبعث الآخر من جهة أخرى، وقوله تعالى { وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً 5} أي ولنجعل الغلام المبشر به رحمة منا لكل من آمن به واتبع طريقته في الإِيمان والاستقامة وكان هذا الخلق للغلام وهبته لك أمراً مقضياً أي حكم الله فيه وقضى به فهو كائن لا محالة ونفخ جبريل في جيب قميصها فسرت النفخة في جسمها فحملت به كما سيأتي بيانه في الآيات التالية.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان شرف مريم وكرامتها على ربها.

2- فضيلة العفة والحياء.

3- كون الملائكة يتشكلون كما أذن الله تعالى لهم.

4- مشروعية التعوذ بالله من كل ما يخاف من إنسان أو جان.

5- التقوى6 مانعة من فعل الأذى بالناس أو إدخال الضرر عليهم.

6- خلق عيسى آية مبصرة تتجلى فيها قدرة الله تعالى على الخلق بدأ وإعادة.
___________________

1 قيل: استترت عن أهلها لتغتسل من حيضتها وتمتشط، وذلك لكمال حيائها.
2 قرأ ورش عن نافع: (ليهب) بالياء بغير همزة، وقرأ غيره: (لأهب) بالهمزة فعلى قراءة نافع المعنى: أرسلني ليهب لك، وعلى قراءة غيره أرسلني يقول لك أرسلت رسولي إليك لأهب لك.
3 لم تقل بغيّة لأنه وصف يغلب على النساء فقلما تقول العرب رجل بغي فجرى بغيا مجرى حائض وعاقر، وقيل هو فعيل بمعنى فاعل والأوّل أولى.
4 {ولنجعله} متعلق بمحذوف تقديره: ونخلقه لنجعله.
5 أي: مقدرا في اللوح المحفوظ كتاب المقادير العام.
6 بخلاف الفجور فإنه مصدر كل ضرّ وشرّ.

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (2)
الحلقة (572)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 301الى صــــ 305)

{ فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } 22 { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } 23 { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } 24 { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } 25 { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }26


شرح الكلمات:

فانتبذت به: فاعتزلت به.

مكاناً قصيا: أي بعيداً من أهلها.

فأجاءها المخاض: أي ألجأها الطلق واضطرها وجع الولادة.

إلى جذع النخلة: لتعتمد عليها وهي تعاني من آلام الولادة.

نسياً منسياً: أي شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر.

فناداها من تحتها: أي عيسى عليه السلام بعدما وضعته.

تحتك سريا: أي نهراً يقال له سري.

رطبا جنيا: الرطب الجني: ما طاب وصلح للإِجتناء.

فكلي واشربي: أي كل من الرطب واشربي من السري.

وقري عينا: أي وطيبي نفسا وافرحي بولادتك إياي ولا تحزني.

نذرت للرحمن صوماً: أي إمساكاً عن الكلام وصمتاً.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة مريم إنه بعد أن بشرها جبريل بالولد وقال لها وكان أمراً مقضياً ونفخ في كم درْعها أو جيب قميصها فحملته1 فوراً { فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } أي فاعتزلت به في مكان بعيد 2{ فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ 3} أي ألجأها وجع النفاس { إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } لتعتمد عليه وهي تعاني من آلام الطلق وأوجاعه، ولما وضعته قالت متأسفة متحسرة ما أخبر تعالى به: { قَالَتْ يٰلَيْتَنِي 4مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا } أي الوقت الذي أصبحت فيه أم ولد، { وَكُنتُ نَسْياً5 مَّنسِيّاً } أي شيئاً متروكا لا يذكر ولا يعرف وهنا { فَنَادَاهَا } 6عيسى عليه السلام { مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي } يحملها على الصبر والعزاء وقوله تعالى: { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } أي نهر ماء يقال له سري، { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَٱشْرَبِي } أي كلي من الرطب واشربي من ماء النهر، { وَقَرِّي عَيْناً } أي طيبي نفساً وافرحي بولدك، { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً } أي فسألك عن حالك أو عن ولدك فلا تكلميه واكتفي بقولك { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } أي صمتاً { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } هذا كله من قول عيسى لها أنطقه الله كرامة لها ليذهب عنها حزنها وألمها النفسي من جراء الولادة وهي بكر لم تتزوج.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- من مظاهر قدرة الله تعالى حملها ووضعها في خلال ساعة من نهار.

2- إثبات كرامات الله لأوليائه إذ أكرم الله تعالى مريم بنطق عيسى ساعة وضعه فأرشدها وبشرها وأذهب عنها الألم والحزن، وأثمر لها نخلة فأرطبت وأجرى لها النهر بعد يبسه.

3- تقرير نظام الأسباب التي في مكنة الإِنسان القيام بها فإن الله تعالى قد أثمر لمريم النخلة إذ هذا لا يمكنها القيام به ثم أمرها أن تحرك النخلة من جذعها ليتساقط عليها الرطب7 الجني إذ هذا في استطاعتها.

4- مشروعية النذر إلا أنه بالامتناع 8عن الكلام منسوخ في الإِسلام.
______________________________

1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما هو إلاّ أن حملت فوضعت في الحال. قال القرطبي: هذا هو الظاهر لأنّ الله تعالى ذكر الانتباذ عقب الحمل: {فحملته فانتبذت به} والفاء للترتيب والتعقيب.
2 انتحت بالحمل إلى مكان بعيد قال ابن عباس: إلى أقصى الوادي وادي بيت لحم بينه وبين إيلياء أربعة أميال وإنما بعدت فراراً من تعيير قومها بالولادة من غير أب.
3 يقال: جاء به وأجاءه إلى موضع كذا: اضطره وألجأه.
4 تمني الموت لا يجوز لحديث: "لاّ يتمنّين أحدكم الموت لضرّ نزل به" الحديث وتمنّته مريم عليها السلام لا لصالح نفسها ولكن لله تعالى، وذلك أنها خافت أن يظنّ بها الشرّ في دينها وتُعَيَّر فتفتن بذلك، وهذا لله، وثانياً خافت أن يقع بعض الناس في البهتان والنسبة إلى الزنى فيهلكون. وهذا أيضاً لله لا لها.
5 النسي: الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى ولا يُتألم لفقده كالوتد والحبل ونحوهما، ويجمع النسي على أنساء قال الكميت رضي الله عنه:
أتجعلنا جسرا لكب قضاعة
ولست بنسي في معدّ ولا دخل
والنسي أيضاً: خرق الحيض التي ترمى بدمها من الحيض.
6 قرأ نافع (مِن) بكسر الميم حرف جر، وقرأ حفص مَن بفتحها، اسم موصول والمراد بالموصول عيسى عليه السلام ناداها قبل أن ترضعه من تحتها تعجيلا للمسرة والبشرى لها به فأنْ في ألا تحزني تفسيرية لأنّ النداء قول.
7 قالت العلماء: أكل الرطب للنفساء من أنفع الأغذية لها نظراً إلى أنّ الله تعالى اختاره لمريم عليها السلام.
8 قولها {إني نذرت للرحمن صوماً} فسر الصوم بالصمت كما في التفسير وأولى من هذا أن يكون صوم النذر في دينهم مستلزماً للصمت وعدم الكلام، والسياق دلّ عليه ظاهر فيه، وما زال النصارى يعتبرون الصمت عبادة فيصمتون دقائق على أرواح موتاهم ونسخ الإسلام هذا كما في الصحيح حيث أمر من نذر أن لا يتكلم أن يتكلم، ومن سنن الهدى في الإسلام الامتناع عن الكلام القبيح في الصيام لحديث الصحيح: "إذا كان صومٍ أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن امرئ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم" وهو كقول مريم: {فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلّم اليوم إنسياً} .

****************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:45 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } 27 { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } 28 { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } 29 { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } 30 { وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } 31 { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } 32 { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }33


شرح الكلمات:

فأتت به: أي بولدها عيسى عليه وعليها السلام.

جئت شيئاً فريا1: أي عظيماً حيث أتيت بولد من غير أب.

يا أخت هارون: أي يا أخت الرجل الصالح هارون.

امرأ سوء: أي رجلاً يأتي الفواحش.

فأشارت إليه: أي إلى عيسى وهو في المهد.

آتاني الكتاب: أي الإِنجيل باعتبار ما يكون مستقبلاً.

مباركا أينما كنت: أي حيثما وجدت كانت البركة فيَّ ومعي ينتفع الناس بي.

وبرا بوالدتي: أي محسناً بها مطيعاً لها لا ينالها مني أدنى أذى.

جباراً شقيا: ظالماً متعالياً ولا عاصياً لربي خارجاً عن طاعته.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة مريم مع قومها: إنها بعد أن تماثلت للشفاء حملت ولدها وأتت به قومها وَما أن رأوهما حتى قال قائلهم: { يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } أي أمراً عظيماً وهو إتيانك بولد من غير أب. { يٰأُخْتَ2 هَارُونَ } نسبوها إلى عبد صالح يسمى هارون: { مَا كَانَ أَبُوكِ } عمران { ٱمْرَأَ سَوْءٍ } يأتي الفواحش { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ } " حنة " { بَغِيّاً } أي زانية فكيف حصل لك هذا وأنت بنت البيت الطاهر والأسرة الشريفة. وهنا أشارت إلى عيسى الرضيع في قماطته أي قالت لهم سلوه يخبركم الخبر وينبئكم بالحق، لأنها علمت أنه يتكلم لما سبق أن ناداها ساعة وضعه من تحتها وقال لها ما ذكر تعالى في الآيات السابقة. فردوا عليها مستخفين بها منكرين عليها متعجبين منها: { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن3 كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً }؟ فأنطق الله عيسى الرضيع فأجابهم بما أخبر تعالى عنه في قوله: { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ 4آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً5 بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً }6 فأجابهم بكل ما كتب الله وأنطقه به، وكان عيسى كما أخبر عن نفسه لم ينقص من ذلك شيئاً كان عبداً لله وأنزل عليه الإِنجيل ونبأه وأرسله إلى بني إسرائيل وكان مباركاً يشفي المرضى ويحيى الموتى بإذن الله تنال البركة من صحبته وخدمته والإِيمان به وبمحبته وكان مقيماً للصلاة مؤدياً للزكاة طوال حياته وما كان ظالماً ولا متكبراً عاتياً ولا جباراً عصياً. فعليه كما أخبر السلام أي الأمان التام يوم ولد فلم يقربه شيطان ويوم يموت فلا يفتن قبره ويوم يبعث حياً فلا يحزنه الفزع الأكبر، ويكون من الآمنين السعداء في دار السلام.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعبودية عيسى ونبوته عليهما السلام.

2- آية نطق عيسى في المهد وإخباره بما أولاه الله من الكمالات.

3- وجوب بر الوالدين بالاحسان بهما وطاعتهما والمعروف وكف الأذى عنهما.

4- التنديد بالتعالي والكبر والظلم والشقاوة التي هي التمرد والعصيان.
___________________________________

1 (فريًّا) : أي: مختلقاً مفتعلاً من الافتراء الذي هو الكذب يقال: فرى وأفرى: كذب ومن كراماتها أن امرأة مدّت لها يدها لتضرّبها أصيبت بالشلل الفوري فحملت كذلك وقالت لها: أخرى ما أراك إلاّ زنيت فأخرسها الله فوراً فصارت لا تتكلم ومن ثم ألانوا لها الكلام واحترموها.
2 من الجائز أن يكون لمريم أخ صالح من أبيها أو من أبويها نسبوها إليه ومن الجائز أن تنسب إلى هارون الرسول عليه السلام كقول العرب يا أخا تميم ويا أخا العرب، وما في التفسير إجمال يشمل الكلّ فتأمّل، وفي الآية دليل على جواز التسمية بالأنبياء والصالحين، ولا خلاف في ذلك.
3 كان: هنا زائدة للتوكيد، ومن: مبتدأ والخبر في المهد وصبياً: حالي من الموصول.
4 قيل: لما سمع كلامهم ترك الرضاعة وأقبل عليهم بوجهه وقال مشيراً بسبابته اليمنى: {إني عبد الله} فكان أول ما نطق به الاعتراف بعبوديته لله تعالى، وفي هذا ردّ على الذين ألّهوه وعبدوه من دون الله تعالى.
5 البر: بمعنى البار وخص بهذه الصفة لأن قومهم قل فيهم البرور بالوالدين وكثر فيهم العقوق نظراً إلى فشو الباطل فيهم ورقة حبل الدين بينهم، والجبّار: المتكبر على الناس الغليظ في معاملتهم، والشقي ضدّ السعيد.
6 لما قال ما قال في المهد: إني عبد الله.. إلى قوله: {ويوم أبعث حيًّا} لم يتكلم حتى بلغ سن التكلم.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:46 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (3)
الحلقة (573)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 305الى صــــ 311)

{ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } 34 { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } 35 { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } 36 { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } 37 { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } 38 { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } 39 { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }40


شرح الكلمات:

ذلك عيسى ابن مريم: أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو عيسى بن مريم.

قول الحق: أي وهو قول الحق الذي أخبر تعالى به.

يمترون: يشكون.

ما كان لله أن يتخذ من ولد: أي ليس من شأن الله أن يتخذ ولداً وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.

سبحانه: أي تنزيهاً له عن الولد والشريك والشبيه والنظير.

صراط مستقيم: أي طريق مستقيم لا يضل سالكه.

فاختلف الأحزاب: أي في شأن عيسى فقال اليهود هو ساحر وابن زنا، وقالت النصارى هو الله وابن الله تعالى عما يصفون.

من مشهد يوم عظيم: هو يوم القيامة.

أسمع بهم وأبصر: أي ما أسمعهم وما أبصرهم يوم القيامة عند معاينة العذاب.

وأنذرهم يوم الحسرة: أي خوفهم بما يقع في يوم القيامة من الحسرة والندامة وذلك عندما يشاهدون أهل الجنة قد ورثوا منازلهم فيها وهم ورثوا منازل أهل الجنة في النار فتعظم الحسرة ويشتد الندم.

معنى الآيات:

بعد أن قص الله تعالى قصة مريم من ساعة أن اتخذت من دون أهلها حجاباً معتزلة أهلها منقطعة إلى ربها إلى أن أشارت إلى عيسى وهو في مهده فتكلم فقال: إني عبد الله، فبين تعالى أن جبريل بشرها، وأنه نفخ في كم درعها فحملت بعيسى وأنه ولد في ساعة من حمله وأنها وضعته تحت جذع النخلة وأنه ناداها من تحتها: أن لا تحزني، وأرشدها إلى القول الذي تفول لقومها إذا سألوها عن ولادتها المولود بدون أب، وهو أن تشير إليه تطلب منهم أن يسألوه وسألوه فعلاً فأجاب بأنه عبد الله وأنه آتاه الكتاب وجعله نبياً ومباركاً وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حياً وأنه بر بوالدته، ولم يكن جباراً شقياً فأشار تعالى إلى هذا بقوله في هذه الآية [34] { ذٰلِكَ } أي هذا الذي بينت لكم صفته وأخبرتكم خبره هو { عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } ، وما أخبرتكم به هو { قَوْلَ1 ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } أي يشكون إذ قال اليهود في عيسى أنه ابن زنا وانه ساحر وقال النصارى هو الله وابن الله وثالث ثلاثة حسب فرقهم وطوائهم المتعددة وقوله تعالى: { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ } ينفي تعالى عنه اتخاذ الولد وكيف يصح ذلك له أو ينبغي وهو الغني عما سواه والمفتقر إليه كل ما عداه، وأنه يقول للشيء كن فيكون فعيسى عليه السلام كان بكلمة الله تعالى له كن فكان وهو معنى قوله تعالى { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ 2}. وقد نزه تعالى نفسه عن الولد والشريك والشبيه والنظير، والافتقار والحاجة إلى مخلوقاته بقوله: سبحانه أي تنزيها له عن صفات المحدثين وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ3 }.
هذا من قول عيسى 4عليه السلام لبني إسرائيل أخبرهم أنه عبد الله وليس بابن لله ولا بإله مع الله وأخبرهم أن الله تعالى هو ربه وربهم فليعبدوه جميعاً بما شرع لهم ولا يعبدون معه غيره إذ لا إله لهم إلا هو سبحانه وتعالى، وأعلمهم أن هذا الاعتقاد الحق والعبادة بما شرع الله هو الطريق المفضي بسالكه إلى السعادة ومن تنكب عنه وسلك طريق الشرك والضلال أفضى به إلى الخسران وقوله تعالى في الآية [37] { فَٱخْتَلَفَ5 ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } أي في شأن عيسى فمن قائل هو الله، ومن قائل هو ابن الله ومن قائل هو وامه الهين من دون الله والقائلون بهذه المقالات كفروا بها فتوعدهم الله تعالى بالعذاب الأليم فقال { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } بنسبَتِهم الولد والشريك لله، والويل واد في جهنم فهم إذا داخلوها لا محالة، وقوله { مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يعني به يوم القيامة وهو يوم ذو أهوال وشدائد لا يقادر قدرها.

وقوله تعالى في الآية [38] { أَسْمِعْ6 بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } يخبر تعالى أن هؤلاء المتعامين اليوم عن الحق لا يريدون أن يبصروا آثاره الدالة عليه فيؤمنوا ويوحدوا ويعبدوا، والمتصاممين عن سماع الحجج والبراهين وتوحيد الله وتنزيهه عن الشريك والولد هؤلاء يوم يقدمون عليه تعالى في عرصات القيامة يصبحون أقوى ما يكون أبصاراً وسمعاً، ولكن حين لا ينفعهم سمع ولا بصر، وقوله تعالى: { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } يخبر تعالى أن أهل الشرك والكفر وهم الظالمون في ضلال مبين أي عن طريق الهدى وهو سبب عدم إبصارهم للحق وسماعهم لحججه التي جاءت بها رسل الله ونزلت بها كتبه.

وقوله تعالى في آية [39] { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ 7إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يأمر تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن ينذر الكفار والمشركين أي يخوفهم عاقبة شركهم وكفرهم وضلالهم يوم القيامة حيث تشتد فيه الحسرة وتعظم الندامة وذلك عندما يتوارث الموحدون مع المشركين فالموحدون يرثون منازل المشركين في الجنة، والمشركون يرثون منازل الموحدين في النار، وعندما يؤتى بالموت في صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار، وينادي منادٍ يا أهل الجنة خلود فلا موت؟ ويا أهل النار خلود فلا موت عندها تشتد الحسرة ويعظم الندم هذا معنى قوله تعالى { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ } عما حكم عليهم به من الخلود في نار جهنم { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بالبعث ولا بما يتم فيه من نعيم مقيم وعذاب أليم. وقوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ8 نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يخبر تعالى عن نفسه بأنه الوارث للأرض ومن عليها ومعنى هذا أنه حكم بفناء، هذه المخلوقات وأن يوماً سيأتي يفنى فيه كل من عليها، والجميع سيرجعون إليه ويقفون بين يديه ويحاسبهم بما كتبت أيديهم ويجزيهم به، ولذا فلا تحزن أيها الرسول وامض في دعوتك تبلغ عن ربك ولا يضرك تكذيب المكذبين ولا شرك المشركين.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير أن عيسى عبد الله ورسوله، وليس كما قال اليهود، ولا كما قالت النصارى.

2- استحالة اتخاذ الله الولد الذي يقول للشيء كن فيكون.

3- تقرير التوحيد على لسان عيسى عليه السلام.

4- الإِخبار بما عليه النصارى من خلاف في شأن عيسى عليه السلام.

5- بيان سبب الحسرة يوم القيامة وهو الكفر بالله والشرك به.

6- تقرير فناء الدنيا، ورجوع الناس إلى ربهم بعد بعثهم وهو تقرير لعقيدة البعث والجزاء التي تعالجها السور المكية في القرآن الكريم.
_________________________________

1 قرأ الجمهور برفع قول وقرأ عاصم بنصبها، فأما الرفع فهو خبر ثانٍ عن اسم الإشارة أو وصف لعيسىأ وبدل منه، وأمّا النصب فعلى الحال من اسم الإشارة.
2 في هذا ردّ على النصارى القائلين بأن المكوّن بأمر التكوين من غير سبب معتاد لا يكون إلاّ ابن الله تعالى فبيّنت الآية أن أصول الموجودات كلها كانت بأمر التكوين فهل يقال فيها أبناء الله؟! والجواب قطعاً لا، وعليه فقد بطل قولهم: عيسى ابن الله لأنّه كان بكلمة التكوين.
3 جملة: {هذا صراط مستقيم} تذييل وفذلكة لما سبق من الكلام وإشارة إلى مضمون ما تقدّم على اختلاف وجوهه، في تقرير الحق وإبطال الباطل.
4 نعم الظاهر أنه من قول عيسى عليه السلام، والجمل قبله من قوله تعالى: {ذلك عيسى بن مريم} اعتراض بين قول عيسى الأوّل: {إني عبد الله} وبين قوله {وإن الله ربّي وربكم} .
5 (من) : زائدة واختلاف الأحزاب، وجهه: أن اليهود قادحون والنصارى مادحون، فاليهود قالوا: ساحر وابن زنية، والنصارى فرقة: قالت هو الله وأخرى قالت: ابن الله، وثالثة قالت: ثالث ثلاثة، وهذه الفرق هي الملكانية، واليعقوبية، والنسطورية ثم تشعبت وأشهرها الآن: الملكائية أي الكاثوليك واليعقويية: أي أرثذوكس والاعتراضية أي: البروتستانت.
6 هذا الكلام ظاهر أنه أمر لحمل السامع على التعجب من حال المذكورين، ومعناه الخبر أي: لا أحد أسمع منهم ولا أبصر يوم يقفون في عرصات القيامة، ويشاهدون النار ويسمعون زفيرها.
7 روي في مسند أحمد وفي الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت، كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ قال فيشرئبون وينظرونه ويقولون: نعم هذا الموت. قال: فيقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. قال: فيؤمر به فيذبح. قال. ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت، ثمّ قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وأنذرهم يوم الحسرة..} الآية.
8هذه الجملة ذيّل بها الكلام السابق فتمت به القصة وضمير (نحن) للتأكيد والأرض: المراد بها ما فيها من غير العقلاء (ومن عليها) المراد بهم العقلاء وهم البشر.

***********************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:46 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } 41 { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } 42 { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } 43 { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } 44 { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }45


شرح الكلمات:

اذكر في الكتاب: أي في القرآن.

إنه كان صديقا: أي كثير الصدق بالغ الحد الأعلى فيه.

يا أبت: يا أبي وهو آزر.

صراطا سويا: أي طريقاً مستقيماً لا اعوجاج فيه يفضي بك إلى الجنة.

لا تعبد الشيطان: أي لا تطعه في دعوته إياك إلى عبادة ألأصنام.

عصيا: أي عاصياً لله تعالى فاسقاً عن أمره.

فتكون للشيطان وليا: أي قريباً منه قرينا له فيها أي النار.

معنى الآيات:

هذه بداية قصة إبراهيم الخليل عليه السلام مع والده آزر عليه لعائن الرحمن قال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱذْكُرْ } يا نبينا { فِي ٱلْكِتَابِ } أي القرآن الكريم { إِبْرَاهِيمَ } خليلنا { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً } أي صادقاً في أقواله وأعماله بالغاً مستوى عظيماً في الصدق { نَّبِيّاً } من أنبيائنا فهو جدير بالذكر في القرآن ليكون قدوة صالحة للمؤمنين. واذكره { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ } آزر { يٰأَبَتِ1 لِمَ تَعْبُدُ } أي تسأله بالدعاء والتقرب بأنواع القربات ما لا يسمع ولا يبصر من الأصنام أي لا يبصرك ولا يسمعك { وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } لا يدفع عنك ضراً ولا يجلب لك نفعاً فأي حاجة لك إلى عبادته { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي2 مِنَ ٱلْعِلْمِ } أي من قبل ربي تعالى { مَا لَمْ يَأْتِكَ } أنت { فَٱتَّبِعْنِيۤ } فيما أعتقده وأعمله وأدعو إليه { أَهْدِكَ صِرَاطاً 3سَوِيّاً } أي مستقيماً يفضي بك إلى السعادة والنجاة، { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } أي بطاعته فيما يدعوك إليه من عبادة غير الله تعالى من هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع لأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تعطي ولا تمنع، { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ4 عَصِيّاً } أي عاصياً أمره فأبى طاعته وفسق عن أمره. { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ 5} إن أنت بقيت على شركك وكفرك ولم تتب منهما حتى مت فيمسك عذاب من الرحمن { فَتَكُونَ } أي بذلك { لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } أي قريباً منه قرينا له في جهنم فتهلك وتخسر.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- تقرير التوحيد بالدعوة إليه.

2- كمال إبراهيم بذكره في الكتاب.

3- بطلان عبادة غير الله تعالى.

4- عبادة الأوثان والأصنام وكل عبادة لغير الله تعتبر عبادة للشيطان لأنه الآمر بها والداعي إليها.
__________________________________

1 الاستفهام للإنكار أي: لأيّ شيء تعبد.
2 أي: من اليقين والمعرفة بالله وبما يكون بعد الموت وأنّ من عبد غير الله يعذّب أبداً.
3 أرشدك إلى دين قيّم فيه نجاتك وسعادتك.
4 الجملة تعليلية للنهي عن عبادة الشيطان واتباع وسوسته وما يدعو إليه من الشرك.
5 أي: إني أخاف أن تموت على الكفر فيمسك العذاب الأليم.



ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (4)
الحلقة (574)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 311الى صــــ 316)

{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } 46 { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } 47 { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } 48 { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } 49 { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }50


شرح الكلمات:

لئن لم تنته: أي عن التعرض لها وعيبها.

لأرجمنك: بالحجارة أو بالقول القبيح فاحذرني.

واهجرني مليا1: أي سليما من عقوبتي.

سلام عليك: أي أمنةٌ مني لك أن أعاودك فيما كرهت مني.

إنه كان بي حفيا: أي لطيفاً بي مكرماً لي يجيبني لما أدعوه له.

عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا: بل يجيب دعائي ويعطني مسألتي.

فلما اعتزلهم: بأن هاجر إلى أرض القدس وتركهم.

وهبنا له إسحاق ويعقوب: أي وهبنا له ولدين يأنس بهما مجازاة منا له على هجرته قومه.

ووهبنا لهم من رحمتنا: خيراً كثيراً المال والولد بعد النبوة والعلم.

لسان صدق عليا: أي رفيعاً بأن يُثنى عليهم ويذكرون بأطيب الخصال.

معنى الآيات:

ما زال السياق في قصة إبراهيم مع أبيه آزر إنه بعد تلك الدعوة الرحيمة بالألفاظ الطيبة الكريمة التي وجهها إبراهيم لأبيه آزر ليؤمن ويوحد فينجو ويسعد قال آزر راداً عليه بعبارات خالية من الرحمة والأدب بل ملؤها الغلظة والفظاظة والوعيد والتهديد وهي ما أخبر به تعالى عنه في قوله: في الآية [46] { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ } أي أكاره لها تعيبها، { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ } أي عن التعرض لها بأي سوء 2{ لأَرْجُمَنَّكَ } بأبشع الألفاظ وأقبحها، { وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً 3} أي وابعد عني ما دمت معافى سليم البدن سويه قبل أن ينالك مني ما تكره. كان هذا رد آزر الكافر المشرك. فيما أجاب إبراهيم المؤمن الموحد أجاب بما أخبر تعالى به عنه في قوله في آية [47] { قَالَ سَلاَمٌ 4عَلَيْكَ 5} أي أمان لك مني يا أبتاه فلا أعاودك فيما كرهت مني قط وسأقابل إساءتك بإحسان { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ } أي أطلب منه أن يهديك للإِيمان والتوحيد فتتوب فيغفر لك { إِنَّهُ كَانَ } سبحانه وتعالى { بِي حَفِيّاً } لطيفاً بي مكرماً لي لا يخيبني فيما أدعوه فيه.

وقوله تعالى حكاية عن قيل إبراهيم: { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي أذهب بعيداً عنكم تاركاً لكم ولما تعبدون من دون الله من أصنام وأوثان، { وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً5 } أي رجائي في ربي كبير أن لا أشقى بعبادته كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام. قال تعالى مخبراً عنه فلما حقق ما واعدهم به من هجرته لديارهم إلى ديار القدس تاركاً أباه وأهله وداره كافأناه بأحسن حيث أعطيناه ولدين يأنس بهما في وحشته وهما إسحاق ويعقوب وكلا منهما جعلناه نبيا رسولاً، ووهبنا لجميعهم وهم ثلاثة الوالد إبراهيم وولداه إسحاق ويعقوب بن إسحاق عليهم السلام من رحمتنا الخير العظيم من المال والولد والرزق الحسن هذا معنى قوله تعالى: { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } وهو ابن ولده إسحاق { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا }.
وقوله تعالى عنهم { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } هذا إنعام آخر مقابل الهجرة في سبيل الله حيث جعل الله تعالى لهم لسان الصدق في الآخرة فسائر أهل الأديان الإلهية يثنون على إبراهيم وذريته بأطيب الثناء وأحسنه وهو لسان الصدق العلي الرفيع الذي حظى به إبراهيم وولديه إكراماً من الله تعالى وإنعاماً عليهم جزاء صدق إبراهيم وصبره وبالتالي هجرته للأصنام وعابديها.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان الفرق بين ما يخرج من فم المؤمن الموحد من طيب القول وسلامة اللفظ ولين الجانب والكلام، وبين ما يخرج من فم الكافر المشرك من سوء القول وقبح اللفظ وقسوة الجانب وفظاظة الكلام.

2- مشروعية المتاركة والموادعة وهو أن يقال للسيء من الناس سلام عليك وهو لا يريد بذلك تحيته ولكن تركه وما هو فيه.

3- مشروعية الهجرة وبيان فضلها وهجرة إبراهيم هذه أول هجرة كانت في الأرض.

4- الترغيب في حسن الأحدوثة بأن يكون للمرء حسن ثناء بين الناس لما يقدم من جميل وما يورث من خير وإفضال.
__________________________________

1 {واهجرني مليا} أي: اتركني وشأني وابعد عنّي طويلا تسلم من عقوبتي.
2 أي: كعيبها وشتمها.
3 وقيل في معناه: اجتنبني سالماً قبل أن تصيبك عقوبتي، وقيل: اهجرني طويلا.
4 هذا يسمى سلام المتاركة، وليس هو بالتحية وهل يجوز بدء الكافر بالسلام؟ في المسألة خلاف، والراجح: جواز السلام إذا كان لغرض سليم ككونه جاراً لك أو رفيقاً أو مصاحباً لك في عمل أو لك إليه حاجة وما إلى ذلك إذ سلم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جماعة فيهم مشركون كما في الصحيح، وأمّا حديث: "لاّ تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام" فهو إذا لم يكن هناك غرض صحيح.
(سلام) : نكرة وصح الابتداء بها لما فيها من معنى التخصيص فقاربت لذلك المعرفة وصحّ الابتداء بها. وعليك الخبر.
5 أراد بهذا الدعاء أن يهب الله تعالى له أهلاً وولداً يتقوى بهم حتى لا يستوحش بالاعتزال، وفي قوله تعالى {فلما اعتزلهم} وهنا له دليل يرجح هذا القول. والله أعلم.

******************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:47 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } 51 { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } 52 { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }53


شرح الكلمات:

واذكر في الكتاب: أي في القرآن تشريفاً وتعظيماً.

موسى: أي ابن عمران نبي بني إسرائيل عليه السلام.

مخلصاً: أي مختاراً مصطفى على قراءة فتح اللام " مخلصاً " وموحداً لربه مفرداً إياه بعبادته بالغا في ذلك أعلى المقامات على قراءة كسر اللام.

جانب الطور: الطور جبل بسيناء بين مدين ومصر.

وقربناه نجيا: أي أدنيناه إدناء تشريف وتكريم مناجياً لنا مكلما من قبلنا.

أخاه هارون نبيا: إذ سأل ربه لأخيه الرسالة فأعطاه فنبَّأهُ وأرسله معه إلى فرعون.

معنى الآيات:

هذا موجز قصة موسى عليه السلام قال تعالى في ذلك وهو يخاطب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱذْكُرْ } في هذه السلسلة الذهبية من عباد الله الصالحين أهل التوحيد واليقين موسى ابن عمران أنه جدير بالذكر في القرآن وعلة ذلك في قوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً } أي مختاراً مصطفى للإِبلاغ عنا عبادنا ما خلقناهم لأجله وهو ذكرنا وشكرنا ذكرنا بالسنتهم وقلوبهم وشكرهم لنا بجوارحهم وذلك بعبادتنا وحدنا دون مَن سوانا، وكان موسى كذلك، وقوله تعالى: { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } أي ومن افضالنا عليه وإكرامنا له أن جعلناه نبياً رسولاً نبأناه وأرسلناه إلى فرعون وملائه، { 1وَنَادَيْنَاهُ } وهو في طريقه من مدين إلى مصر في جانب الطور الأيمن 2حيث نبأناه وأرسلناه وبذلك { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } فصار يناجينا فنُسمعه كلامنا ونسمع 3كلامه وأعظم بهذا التكريم من تكريم، وقوله: { وَوَهَبْنَا لَهُ 4مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } هذا إنعام آخر من الله تعالى على موسى النبي إذ سأل ربه أن يرسل معه أخاه هارون إلى فرعون فبرحمة من الله تعالى استجاب له ونبأ هارون وأرسله معه رسولاً وما كان هذا إلا برحمة خاصة إذ النبوة لا تطلب ولا يتوصل إليها بالاجتهاد في العبادة ولا بالدعاء والصراعة إذ هي هبة إلهية خاصة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- فضيلة الإِخلاص، وهو إرادة الله تعالى بالعبادة ظاهراً وباطناً.

2- إثبات صفة الكلام والمناجاة لله تعالى.

3- بيان إكرام الله تعالى وإنعامه على موسى إذ أعطاه ما لم يعط أحداً من العالمين باستجابة دعائه بأن جعل أخاه هارون رسولاً نبياً.

4- تقرير أن كل رسول نبياً والعكس لا أي ليس كل نبي رسولا.
________________________________
1 قيل: كان هذا الكلام والمناجاة ليلة الجمعة. ذكره القرطبي.
2 هو بالنسبة إلى يمين موسى عليه السلام أما الجبل فلا يمين له ولا شمال "ابن جرير الطبري".
3 أي: من غير وحي بل كفاحاً وجها لوجه لا واسطة.
4 وذلك حين سأل ربه قائلاً: {واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي} الآية.




ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة مريم - (5)
الحلقة (575)
تفسير سورة مريم مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 316الى صــــ 320)

{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } 54 { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } 55 { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } 56 { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } 57 { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }58


شرح الكلمات:

واذكر في الكتاب إسماعيل: أي اذكر في القرآن تشريفاً وتعظيماً إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام.

صادق الوعد: لم يخلف وعد قط.

بالصلاة والزكاة: أي بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.

مرضيا: أي رضى الله تعالى قوله وعمله ليقينه وإخلاصه.

إدريس: هو جد أبي نوح عليه السلام.

ورفعناه مكاناً عليا: إلى السماء الرابعة.

إسرائيل: أي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.

وممن هدينا واجتبينا: أي من جملة من هديناهم لطريقنا واجتبيناهم بنبوتنا.

إذا تتلى عليهم آيات الرحمن: أي تقرأ عليهم وهم يستمعون إليها.

سجداً وبكيا: جمع ساجد وباك أي ساجدين وهم يبكون.

معنى الآيات:

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما ذكرت من ذكرت من مريم وابنها وإبراهيم وموسى اذكر كذلك إسماعيل1 فإنه { كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ }2 لم يخلف وعداً قط وكان ينتظر الموعود الليالي حتى يجئ وهو قائم في مكانه ينتظره، { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } نبأة تعالى بمكة المكرمة إذ عاش بها وأرسله إلى قبيلة جرهم العربية ومنها تزوج وأنجب وكان من ذريته محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ } المراد من الأهل أسرته وقومه من قبيلة جرهم والمراد من الصلاة إقامتها ومن الزكاة أداؤها، وهذا مما أعلى شأنه ورفع قدره فاستحق ذكره في القرآن العظيم، وقوله: { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } موجب آخر لإِكرامه والإِنعام عليه بذكره في القرآن الكريم في سلسلة الأنبياء والمرسلين، ومعنى { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } أي أقواله وأفعاله كلها كانت مقبولة مرضية فكان بذلك هو3 مرضياً من قبل ربه عزوجل. وقوله تعالى { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ4 } وهو جد أبي نوح واستوجب الذكر في القرآن لأنه { كَانَ صِدِّيقاً } كثير الصدق مبالغا فيه حتى إنه لم يجر على لسانه كذب قط، وصديقاً في أفعاله وما يأتيه فلم يعرف غير الصدق في قول ولا عمل وكان نبيا من أنبياء الله، وقوله { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } إلى السماء الرابعة 5في حياته كما رفع تعالى عيسى ورفع محمد إلى ما فوق السماء السابعة. وقوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ } 6كإدريس، { وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } أي في الفلك كإبراهيم، { وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ } كإسحاق وإسماعيل، { وَإِسْرَائِيلَ } أي ومن ذرية إسرائيل كموسى وهارون وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى، { وَمِمَّنْ هَدَيْنَا } لمعرفتنا وطريقنا الموصل إلى رضانا وذلك بعبادتنا والاخلاص لنا فيها { وَٱجْتَبَيْنَآ } لوحينا وحمل رسالتنا. وقوله { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً 7} أي أولئك الذين هديناهم واجتبينا من اجتبينا منهم. والاجتباء الأختبار والاصطفاء بأخذ الصفوة { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الحاملة للعظات والعبر والدلائل والحجج { خَرُّواْ سُجَّداً } لله ربهم { وَبُكِيّاً } عما يرون من التقصير أو التفريط في جنب ربهم جل وعظم سلطانه.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير النبوة إذ الذي نبأ هؤلاء وأرسلهم لا ينكر عليه أن ينبئ محمداً ويرسله.

2- فضيلة الأمر بالصلاة والزكاة.

3- فضيلة الوفاء بالوعد والصدق في القول والعمل.

4- سُنية السجود لمن تلا هذه الآية أو تليت وهو يستمع إليها. { خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }

5- فضيلة البكاء حال السجود فقد كان عمر إذا تلا هذه الآية سجد ثم يقول هذا السجود فأين البكيُّ يعني البكاء.
___________________________________
*******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:48 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } 59 { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } 60 { جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } 61 { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } 62 { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً }63

شرح الكلمات:

خلف1: أي عقب سوء.

أضاعوا الصلاة: أهملوها فتركوها فكانوا بذلك كافرين.

اتبعوا الشهوات: انغمسوا في الذنوب والمعاصي كالزنا وشرب الخمر.

يلقون غياً : أي وادياً في جهنم يلقون فيه.

ولا يظلمون شيئاً: أي لا ينقصون شيئا من ثواب حسناتهم.

جنات عدن: أي إقامة دائمة.

بالغيب : أي وعدهم بها وهي غائبة عن أعينهم لغيابهم عنها إذ هي في السماء وهم في الأرض.

مأتياً: أي موعوده وهو ما يعد به عباده آتياً لا محالة.

لغواً: أي فضل الكلام وهو ما لا فائدة فيه.

بكرةً وعشياً: أي بقدرهما في الدنيا وإلا فالجنة ليس فيها شمس فيكون فيها نهار وليل.

من كان تقياً: أي من كان في الحياة الدنيا تقياً لم يترك الفرائض ولم يغش المحارم.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } يخبر تعالى عن أولئك الصالحين ممن اجتبى وهدى من النبيين وذرياتهم، إنه خلف من بعدهم خلف سوء كان من شأنهم أنهم { أَضَاعُواْ2 ٱلصَّلَٰوةَ } فمنهم من أخرها عن أوقاتها ومنهم من تركها { وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ 3} فانغمسوا في حمأة الرذائل فشربوا الخمور وشهدوا الزور وأكلوا الحرام ولهوا ولعبوا وزنوا وفجروا، بعد ذهاب أولئك الصالحين كما هو حال النصارى واليهود اليوم وحتى كثير من المسلمين، فهؤلاء الخلف السوء يخبر تعالى أنهم { فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } بعد دخولهم نار جهنم. والغي: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بئر في جهنم وعن ابن مسعود أنه واد في4 جهنم، والكل صحيح إذ البئر توجد في الوادي وكثيراً ما توجد الآبار في الأودية.

وقوله تعالى: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } أي لكن من تاب من هذا الخلف السوء وآمن أي حقق إيمانه وعمل صالحاً فأدى الفرائض وترك غشيان المحارم. فأولئك أي فهؤلاء التائبون المنيبون { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } مع سلفهم الصالح، { وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } أي ولا ينقصون ولا يبخسون شيئاً من ثواب أعمالهم.

وقوله تعالى: { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي بساتين إقامة أبدية { ٱلَّتِي وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ عِبَادَهُ بِٱلْغَيْبِ } أي وعدهم بها وهي غائبة عنهم لم يروها لأنها في السماء وهم في الأرض.

وقوله: { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } أي كونهم ما رأوها غير ضار لأن ما وعد به الرحمن لا يتخلف أبداً لا بد من الحصول عليه ومعنى مأتياً يأتيه صاحبه قطعاً.

وقوله تعالى في الآية [62] { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } يخبر تعالى أن أولئك التائبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات ودخلوا الجنة لا يسمعون فيها أي في الجنة لغواً وهو الباطل من القول وما لا خير فيه من الكلام اللهم إلا السلام فإنهم يتلقونه من الملائكة فيسمعونه منهم وهو من النعيم الروحاني في الجنة دار النعيم.
وقوله تعالى: { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي ولهم طعامهم فيها وهو ما تشتهيه أنفسم من لذيذ الطعام والشراب { بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي في وقت الغداة في الدنيا وفي وقت العشي في الدنيا إذ لا ليل في الجنة 5ولا نهار، وإنما هي أنوار وجائز إذا وصل وقت الغداء أو العشاء تغير الأنوار من لون إلى آخر أو تغلق الأبواب وترخى الستائر ويكون ذلك علامة على وقت الغداء والعشاء.

وقوله تعالى: { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ }6 آية [63] يشير تعالى إلى الجنة دار السلام تلك الجنة العالية { ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } منهم، أما الفاجر فإن منزلته فيها نورثها المتقي كما أن منزل التقي في النار نورثه فاجراً من الفجار، إذ هذا معنى التوارث: هذا يرث هذا وذاك يرث ذا، إذ ما من إنسان إلا وله منزلة في الجنة ومنزل في النار فمن آمن وعمل صالحاً دخل الجنة ونزل في منزلته، ومن كفر وأشرك وعمل سوءاً دخل النار ونزل في منزله فيها، ويورث الله تعالى الأتقياء منازل الفجار التي كانت لهم في الجنة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- التنديد بخلف السوء وهو من يضيع الصلاة ويتبع الشهوات.

2- الوعيد الشديد لمن ينغمس في الشهوات ويترك الصلاة فيموت على ذلك.

3- باب التوبة مفتوح والتوبة مقبولة من كل من أرادها وتاب.

4- بيان نعيم الجنة دار المتقين الأبرار.

5- تقرير مبدأ التوارث بين أهل الجنة وأهل النار.

6- بيان أن ورثة الجنة هم الأتقياء، وأن ورثة النار هم الفجار.
________________________________
1 الخلف: بإسكان اللام خلف سوء وبفتحها خلف خير وصلاح.
2 جائز أن يراد بهذا الخلف السيء كل من أضاع الصلاة بتركها أو بعدم إقامتها بإخلاله بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، واتبع الشهوات من أهل الكتاب ومن المسلمين.
3 اتباع الشهوات لازم لإضاعة الصلاة لقول عمر: مَن أضاعها فهو لما سواها أضيع، ولأنّ اقام الصلاة ينهى عن الفحشاء والمنكر.
4 قال ابن عباس رضي الله عنهما: غيّ: واد في جهنم وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعدّ الله تعالى ذلك الوادي للزاني المصرّ على الزنى ولشارب الخمر المدمن عليه ولآكل الربا لا ينزع عنه، ولأهل العقوق ولشاهد الزور ولامرأة أدخلت على زوجها ولداً ليس منه.
5 روى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس في الجنة ليل ولا نهار وإنما هم في نور أبداً وإنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب". ذكره أبو الفرج ابن الجوزي، والمهدوي وغيرهما (القرطبي) .
6 الجملة مستأنفة، واسم الإشارة فيها للتنوبه بها وبعلو مقامها وعظم الكرامة فيها لأهل التقوى.



الساعة الآن : 12:01 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 149.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 148.94 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.33%)]