ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:22 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الإسراء - (9)
الحلقة (556)
تفسير سورة الإسراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 215الى صــــ 221)

{ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ 1كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } 71 { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } 72 { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } 73 { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } 74 { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } 75 { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّون َكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } 76 { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }77


شرح الكلمات:

بإمامهم: أي الذي كانوا يقتدون به ويتبعونه في الخير أو الشر.

فتيلا: أي مقدار فتيل وهو الخيط الذي يوجد وسط النواة.

ومن كان في هذه أعمى: من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله تعالى الدالة على وجوده وعلمه وقدرته، فلم يؤمن به ولم يعبده فهو في الآخرة أشد عمى وأضل سبيلاً.

وإن كادوا: أي قاربوا.

ليفتنونك: أي يستنزلونك عن الحق، أي يطلبون نزولك عنه.

لتفتري علينا غيره: أي لتقول علينا افتراءً غير الذي أوحينا إليك.

إذاً لاتخذوك خليلاً: أي لو فعلت الذي طلبوا منك فعله لاتخذوك خليلاً لهم.

ضعف الحياة وضعف الممات: أي لعذبناك عذاب الدنيا مضاعفاً وعذاب الآخرة كذلك.

ليستفزونك من الأرض: أي ليستخفونك من الأرض أرض مكة.

لا يلبثون خلافك: أي لا يبقون خلفك أي بعدك إلا قليلاً ويهلكهم الله.

سنة من قد أرسلنا من قبلك: أي لو أخرجوك لعذبناهم بعد خروجك بقليل، سنتنا في الأمم.

ولا تجد لسنتنا تحويلا: أي عما جرت به في الأمم السابقة.

معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله في تقرير عقيدة البعث والجزاء، اذكر يا رسولنا { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } الذي كانوا يقتدون به ويتبعونه فيتقدم ذلك الإِمام ووراءه أتباعه وتوزع الكتب عليهم واحداً واحداً فمن أعطى كتابه بيمينه تشريفاً له وتكريماً، فأولئك الذين أكرموا بإعطائهم كتبهم بأيمانهم، يقرأون كتابهم ويحاسبون بما فيه { وَلاَ يُظْلَمُونَ } أي لا ينقصون مقدار فتيل لا تنقص حسناتهم، ولا بزيادة سيئاتهم.2 واذكر هذا لهم تعظهم به لعلهم يتعظون، وقوله تعالى: { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ } أي الدنيا { أَعْمَىٰ } لا يبصر هذه الحجج والآيات والدلائل وأصر على الشرك، والتكذيب والمعاصي { فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ } أي أشد عمى { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } فلا يرى طريق النجاة ولا يسلكه حتى يقع في جهنم. وقوله: { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ 3 } أي يصرفونك { عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ4 } من توحيدنا والكفر بالباطل وأهله. { لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ } أي لتقول علينا غير الحق الذي أوحيناه إليك، وإذاً لو فعلت بأن وافقتهم على ما طلبوا منك، من الإغضاء على شركهم والتسامح معهم إقراراً لباطلهم، ولو مؤقتاً، { لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً } لهم وكانوا أولياء لك، وذلك أن المشركين في مكة والطائف، واليهود في المدينة كانوا يحاولون جهدهم أن يستنزلوا الرسول على شيء من الحق الذي يأمر به ويدعو إليه مكراً منهم وخديعة سياسية إذ لو وافقهم على شيء لطالبوا بآخر، ولقالوا قد رجع إلينا، فهو إذاً يَتَقَوَّل، وليس بالذي يوحى إليه بدليل قبوله منا كذا وكذا وتنازله عن كذا وكذا، وقوله تعالى: { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ } أي على الحق حيث عصمناك { لَقَدْ كِدتَّ } أي قاربت { تَرْكَنُ 5} أي تميل { إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } بقبول بعض اقتراحاتهم { إِذاً } أي لو ملت إليهم، وقبلت منهم ولو شيئاً يسيراً { لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ 6ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ 7} ، أي لضاعفنا عليك العذاب في الدنيا والآخرة ثم لا تجد لك نصيراً ينصرك إذا نحن خذلناك وعذبناك وقوله تعالى في حادثة أخرى وهي أنهم لما فشلوا في المحاولات السلمية أرادوا استعمال القوة فقرروا إخراجه من مكة بالموت أو الحياة فأخبر تعالى رسوله بذلك إعلاماً وإنذاراً، فقال: { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّون َكَ 8مِنَ ٱلأَرْضِ } أرض مكة { لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً } أي لو فعلوا لم يلبثوا بعد إخراجك إلا زمناً قليلاً ونهلكهم كما هي سنتنا في الأمم السابقة التي أخرجت أنبياءها أو قتلتهم هذا معنى قوله تعالى: { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّون َكَ } أي يستخفونك { مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ9 إِلاَّ قَلِيلاً سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } اي عما جرت به في الأمم السابقة.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- الترغيب في الاقتداء بالصالحين ومتابعتهم والترهيب من الاقتداء بأهل الفساد ومتابعتهم.

2- عدالة الله تعالى في الموقف بإقامة الحجة على العبد وعدم ظلمه شيئاً.

3- عمى الدنيا عن الحق وشواهده سبب عمى الآخرة وموجباته من السقوط في جهنم.

4- حرمة الركون أي الميل لأهل الباطل بالتنازل عن شيء من الحق الثابت إرضاءً لهم.

5- الوعيد الشديد لمن يرضى أهل الباطل تملقاً لهم طمعاً في دنياهم فيترك الحق لأجلهم.

6- إمضاء سنن الله تعالى وعدم تخلفها بحال من الأحوال.
_____________________

1{فمن أوتي} معطوف على مقدر اقتضاه قوله: {تدعو كل اناس بإمامهم} أي فيؤتون كتبهم {فمن أوتي كتابه ... } الخ.
2 لم يذكر من أوتي كتبهم بشمائلهم إذ هم الذين خسروا أنفسهم اكتفاء بذكر من أوتوا كتبهم بأيمانهم، وقد ذكر في أول السورة: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} وذكر في سورتي الحاقة والانشقاق.
3 عدي فعل يفتنونك بعن لأنه مضمن معنى فعل يتعدّى بها وهو الصرف يقال: صرفه عن كذا. أي يصرفونك.
4 الآية مسوقة مساق الامتنان على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث عصمه، وفيها بيان مدى ما كان المشركون يريدونه من صرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحق الذي جاءه وهو يدعو إليه من التوحيد.
5 الركون: الميل بالركن الذي هو الجانب من جسد الإنسان واستعمل في الموافقة بعلاقة القرب.
6 هذه الجملة جزاء لجملة: {لقد كدت تركن إليهم} إذ تقدير الكلام لو ركنت إليهم لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات.
7 جائز أن يكون المراد بعذاب الدنيا: تراكم المصائب والأزراء في مدّة الحياة وعذاب الممات أن يموت مكموداً مستذلاً بين من فازوا عليه بشرف سقوطه بينهم وضياع ما كان يأمله ويدعو إليه.
8 الاستفزاز: الحمل على الترحل، وهو استفعال من فزّ يفزّ بمعنى: بارح المكان، والمعنى: كادوا: أن يخرجوك من بلدك كرهاً ثم صرفهم الله عنك حتى خرجت برضاك واختيارك فلذا لم تنزل بهم العقوبة بخروجك من بلدك.
9 قرأ نافع: {خلفك} أي بعدك، وقرأ حفص {خلافك} وهي لغة في خلف بمعنى: بعد.


****************************** *****
يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:23 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } 78 { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } 79 { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } 80 { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } 81 { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } 82 { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } 83 { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً }84


شرح الكلمات:

لدلوك الشمس: أي زوالها من كبد السماء ودحوضها إلى جهة الغرب.

إلى غسق الليل: أي إلى ظلمة الليل، إذ الغسق الظلمة.

وقرآن الفجر: صلاة الصبح.

كان مشهوداً: تشهده الملائكة، ملائكة الليل وملائكة النهار.

فتهجد به1: أي بالقرآن.

نافلة: أي زائدة عن الغرض وهي التهجد بالليل.

مقاماً محموداً: هو الشفاعة العظمى يوم القيامة حيث يحمده الأولون والآخرون.

أدخلني مدخل صدق: أي المدينة، إدخالاً مرضياً لا أرى فيه مكروهاً.

وأخرجني مخرج صدق: أي من مكة إخراجاً لا ألتفت بقلبي إليها.

وقل جاء الحق وزهق الباطل: أي عند دخولك مكة فاتحاً لها بإذن الله تعالى.

زهق الباطل: أي ذهب واضمحل.

أعرض ونأ بجانبه: أعرض عن الشكر فلم يشكر، ونأ بجانبه: أي ثنى عطفه متبختراً في كبرياء.

على شاكلته: أي طريقته ومذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلال.

معنى الآيات:

بعد ذلك العرض الهائل لتلك الأحداث الجسام أمر تعالى رسوله بإقام الصلاة فإنها مأمن الخائفين، ومنار السالكين، ومعراج الأرواح إلى ساحة الأفراح فقال: { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } أي لأول2 دلوكها وهو ميلها من كبد السماء إلى الغرب وهو وقت الزوال ودخول وقت الظهر، وقوله { إِلَىٰ غَسَقِ 3 ٱلَّيلِ } أي إلى ظلمته، ودخلت صلاة العصر4 فيما بين دلوك الشمس وغسق الليل، ودخلت صلاة المغرب وصلاة العشاء في غسق الليل الذي هو ظلمته، وقوله: { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ5 } أي صلاة الصبح وهذه هي الصلوات الخمس المفروضة على أمة الإِسلام، النبي وأتباعه سواء وقوله { إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } يعني محضوراً، تحضره ملائكة النهار لتنصرف ملائكة الليل، لحديث الصحيح " يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار... " وقوله { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ6 بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } أي صلاة زائدة على الفرائض الخمس وهي قيام الليل، وهو واجب عليه صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، وعلى أمته مندوب إليه، مرغوب فيه.

وقوله: { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } عسى من الله تعالى تفيد الوجوب، ولذا فقد أخبر تعالى رسوله مبشراً إياه بأن يقيمه يوم القيامة { مَقَاماً مَّحْمُوداً } يحمده عليه الأولون والآخرون. وهو الشفاعة العظمى حيث يتخلى عنها آدم فمن دونه.. حتى تنتهي إليه صلى الله عليه وسلم فيقول: أنالها، أنالها، ويأذن له ربه فيشفع للخليقة في فضل القضاء، ليدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وتستريح الخليقة من عناء الموقف وطوله وصعوبته.
وقوله تعالى: { وَقُل رَّبِّ 7أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }. هذه بشارة أخرى أن الله تعالى أذن لرسوله بالهجرة من تلقاء نفسه لا بإخراج قومه وهو كاره. فقال له: قل في دعائك ربي أدخلني المدينة دار هجرتي { مُدْخَلَ صِدْقٍ } بحيث لا أرى فيها مكروهاً، وأخرجني من مكة يوم تخرجني { مُخْرَجَ صِدْقٍ } غير ملتفت إليها بقلبي شوقاً وحنيناً إليها.
{ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } أي وسلني أن أجعل لك من لدني سلطاناً نصيراً لك على من بغاك بسوء، وكادك بمكر وخديعة، وحاول منعك من إقامة دينك، ودعوتك إلى ربك، وقوله تعالى: { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } هذه بشارة أخرى بأن الله تعالى سيفتح له مكة، ويدخلها ظافراً منتصراً وهو يكسر الأصنام حول الكعبة وكانت ثلاثمائة وستين صنماً! ويقول جاء الحق وزهق الباطل أي ذهب الكفر واضمحل. { إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }. لا بقاء له ولا ثبات إذا صاول الحق، ووقف في وجهه، وجائز أن يكون المراد بالحق، القرآن وبالباطل الكذب والافتراء، وجائز أن يكون الحق الإِسلام والباطل الكفر والشرك وأعم من ذلك، أن الحق هو كل ما هو طاعة الله عز وجل، والباطل كل طاعة للشيطان من الشرك والظلم وسائر المعاصي. وقوله تعالى: { وَنُنَزِّلُ8 مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ } أي وننزل عليك يا رسولنا محمد من القرآن ما هو شفاء9 أي ما يستشفى به من مرض الجهل والضلال والشك والوساوس ورحمة للمؤمنين دون الكافرين، لأن المؤمنين يعملون به فيرحمهم الله تعالى بعملهم بكتابة، وأما الكافرون، فلا رحمة لهم فيه، لأنهم مكذبون به تاركون للعمل بما فيه. وقوله { وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } أي ولا يزيد القرآن الظالمين وهم المشركون المعاندون الذين أصروا على الباطل عناداً ومكابرة، هؤلاء لا يزيدهم ما ينزل من القرآن ويسمعونه إلا خساراً لازدياد كفرهم وظلمهم وعنادهم. وقوله تعالى: { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ 10أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } يخبر الله تعالى عن الإِنسان الكافر المحروم من نور الإِيمان وهداية الإِسلام أنه إذا أنعم عليه بنعمة النجاة من الهلاك وقد أشرف عليه بغرق أو مرض أو جوع أو نحوه، أعرض عن ذكر الله ودعائه كما كان يدعوه في حال الشدة، ونأى بجانبه أي بعد عنا فلا يلتفت إلينا بقلبه، وذهب في خيلائه وكبريائه وقوله تعالى: { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ 11كَانَ يَئُوساً } أي قنوطاً. هذا هو الكافر، ذو ظلمة النفس لكفره وعصيانه، إذا مسه الشر من جوع أو مرض أو خوف أحاط به كان يؤوساً أي كثير اليأس والقنوط تامهما، لعدم إيمانه بالله ورحمته وقدرته على إنجائه وخلاصه.
وقوله تعالى: { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } أي قل يا رسولنا للمشركين، كل منا ومنكم يعمل عل طريقته ومذهبه بحسب حاله هداية وضلالاً. والله تعالى ربكم أعلم بمن هو أهدى منا ومنكم سبيلاً. ويجزي الكل بحسب عمله وسلوكه. وهذه كلمة مفاصلة قاطعة، للنزاع الناجم عن كون كل يدعي أنه على الحق وأن دينه أصوب، وطريقته أمثل وسبيله أجدى وأنفع.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- وجوب إقامة الصلاة وبيان أوقاتها المحددة لها.

2- الترغيب في النوافل، وخاصة التهجد أي " نافلة الليل ".

3- تقرير الشفاعة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم.

4- ضعف الباطل وسرعة تلاشيه إذا صاوله الحق ووقف في وجهه.

5- القرآن شفاء لأمراض القلوب عامة ورحمة بالمؤمنين خاصة.

6- بيان طبع المرء الكافر وبيان حال الضعف الملازم له.

7- تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كيف يتخلصون من الجدال الفارغ والحوار غير المثمر.
__________________________

1 تهجّد: إذا ألقى الهجود عنه، وهو النوم، وقام يصلّي، والتهجّد من الهجود وهو من الأضداد هجد: نام، وهجد: سهر.
2 ما في التفسير أشهر وأولى بالأخذ به وهو ما ذهب إليه عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس ومالك، ويرى غير هؤلاء من بعض الصحابة والتابعين: أن دلوك الشمس هو غروبها وعليه فلم تشمل الآية أوقات الصلوات الخمس بخلاف القول بدلوك الشمس: زوالها عن كبد السماء.
3 غسق الليل: سواده وظلمته قال ابن قيس الرّقيّات:
إنّ هذا الليل قد غسقاَ
واشتكيت الهمّ والأرقا
4 وقت العصر إذا زاد ظل كل شيء مثله، ووقت المغرب: غروب الشمس، ووقت العشاء: ذهاب الشفق الأحمر، ووقت الصبح طلوع الفجر ووقت الظهر: زوال الشمس عن كبد السماء.
5 {قرآن} : منصوب على الاغراء أي: والزم قرآن الفجر لأهميته ويصح أن ينصب على العطف أي: أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر أي: صلاته.
6 {نافلة لك} : أي نافلة لأجلك خاصة بك دون سائر أمتك.
7 روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة ثمّ أمر بالهجرة فنزلت: {وقل ربّ أدخلني..} الخ وهو تعليم من الله لرسوله هذا الدعاء يقوله في صلاته وخارجها.
8 {من} : بيانية أي: مبينة للموصول، ما هو شفاء وليست للابتداء ولا هي زائدة أي: وننزّل القرآن الذي هو شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين.
9 وقد يستشفى بالقرآن من الأمراض الجسمية ففي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثهم وكانوا ثلاثين راكباً فنزلوا على قوم من العرب فسألوهم أن يضيفوهم فأبوا فلدغ سيد الحي فأتاهم آت وقال لهم: فيكم من يرقي من العقرب؟ قلنا: نعم لكن حتى تعطونا فقالوا: إنا نعطيكم ثلاثين شاة فرقاه بفاتحة الكتاب قرأها عليه سبع مرات فشفي فأخذوا الثلاثين شاة فأتوا بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لهم "كلوا وأطعمونا من الغنم".
10 المراد بالإنسان هنا: الكافر لا المؤمن وال فيه للجنس فيشمل اللّفظ كل إنسان كافر لم يهتد إلى الإسلام.
11 كونه يؤوساً: لا يتعارض مع كثرة دعائه كما في قوله تعالى: {فذو دعاء عريض} إذ يدعو وهو قانط.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:24 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الإسراء - (10)
الحلقة (557)
تفسير سورة الإسراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 221الى صــــ 226)



{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } 85 { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } 86 { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } 87 { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } 88 { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }89


شرح الكلمات:

يسألونك عن الروح: أي يسألك المشركون بواسطة أهل الكتاب عن الروح الذي يحيا به البدن.

من أمر ربي: أي من شأنه وعلمه الذي استأثر به ولم يعلمه غيره.

لنذهبن بالذي أوحينا إليك: أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف لفعلنا.

لك به علينا وكيلا: يمنع ذلك منا ويحول دون ما أردناه منك.

إلا رحمة من ربك: أي لكن أبقيناه عليك رحمة من ربك فلم نذهب به.

بمثل هذا القرآن: من الفصاحة والبلاغة والمحتوى من الغيوب والشرائع والأحكام.

ظهيراً: أي معيناً ونصيراً.

صرفنا: بينا للناس مثلاً من جنس كل مثل ليتعظوا به فيؤمنوا ويوحدوا.

فأبى أكثر الناس: أي أهل مكة إلا كفوراً أي جحوداً للحق وعناداً فيه.

معنى الآيات:

يقول تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ 1عَنِ ٱلرُّوحِ } إذ قد سأله المشركون عن الروح وعن أصحاب الكهف، وذي القرنين بإيعاز من يهود المدينة فأخبره تعالى: بذلك وعلمه الرد عليهم فقال: { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي2 } وعلمه الذي لا يعلمه إلا هو، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاًَ لأن سؤالهم هذا ونظائره دال على إدعائهم العلم فأعلمهم أن ما أوتوه من العلم إلا قليل بجانب علم الله تعالى 3وقوله تعالى: { وَلَئِن شِئْنَا 4لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } هذا امتنان من الله على رسوله الذي أنزل عليه القرأن شفاء ورحمة للمؤمنين بأنه تعالى قادر على محوه من صدره. وسطره، فلا تبقى منه آية ثم لا يجد الرسول وكيلاً له يمنعه من فِعْلِ الله به ذلك ولكن رحمة منه تعالى لم يشأ ذلك بل يبقيه إلى قرب قيام الساعة حجة الله على عباده وآية على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق رسالته، وليس هذا بأول إفضال من الله تعالى على رسوله، بل فضل الله عليه كبير، ولنذكر من ذلك طرفاً وهو عموم رسالته، كونه خاتم الأنبياء، العروج به إلى الملكوت الأعلى، إمامته للأنبياء الشفاعة العظمى، والمقام المحمود.

وقوله تعالى: { قُل لَّئِنِ5 ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } لا شك أن هذا الذي علم الله رسوله أن يقوله له سبب وهو ادعاء بعضهم أنه في إمكانه أن يأتي بمثل هذا القرآن الذي هو آية صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك تبطل الدعوى، وينتصر باطلهم على الحق. فأمر تعالى رسوله أن يرد على هذا الزعم الباطل بقوله: قل يا رسولنا لهؤلاء الزاعمين الإِتيان بمثل هذا القرآن لئن اجتمعت الإِنس والجن متعاونين متظاهرين على الاتيان بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ذلك لأنه وحي الله وكتابه، وحجته على خلقه.

وكفى. فكيف إذا يمكن للإِنس والجن أن يأتوا بمثله؟!

وقوله: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } أي بينا مثلاً من جنس كل مثل من أجل هداية الناس وإصلاحهم علهم يتذكرون فيتعظون، فيؤمنون ويوحدون فأبى أكثر الناس إلا كفوراً أي جحوداً بالحق، وإنكاراً للقرآن وتكذيباً به وبما جاء فيه من الحق والهدى والنور، لما سبق القضاء الإِلهي من امتلاء جهنم بالغاوين وجنود إبليس أجمعين.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- علم الروح مما استأثر الله تعالى به.

2- ما علم أهل العلم إلى علم الله تعالى إلا كما يأخذ الطائر بمنقاره من ماء المحيط.

3- حفظ القرآن في الصدور والسطور إلى قرب الساعة.

4- عجز الإِنس والجن عن الإِتيان بقرآن كالقرآن الكريم.

5- لما سبق في علم الله من شقاوة الناس تجد أكثرهم لا يؤمنون.

______________________
1 روى ابن إسحق أن قريشاً بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود ويثرب يسألانهم عن أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال اليهود لهما: سلوه عن ثلاثة وذكروا لهما أهل الكهف وذا القرنين وعن الروح، فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبي وإلاّ فروا رأيكم فيه فأنزل الله تعالى سورة الكهف وفيها الجواب عن أصحاب الكهف، وذي القرنين، وأنزل هذه الآية: {يسألونك عن الروح} .
2 يطلق الروح على ملك من الملائكة عظيم ويطلق على جبريل ويطلق على هذا الموجود الخفي المنتشر في سائر الجسد الإنساني الذي دلت عليه آثاره من الإدراك والتفكير وهو المسؤول عنه في هذه الآية، وسؤالهم كان عن بيان حقيقته وماهيته.
3 لفظ الآية عام وإن كان سبب نزولها خاصاً إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإنه ما أوتي أحد علماً إلا وهو إلى جانب علم الله تعالى قليل.
4 روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: إن هذا القرآن الذي أظهركم يوشك أن ينزع منكم. قالوا: كيف ينزع منا وقد أثبته الله في قلوبنا وكتبناه في المصاحف قال: يسرى عليه في ليلة واحدة فينزع ما في القلوب ويذهب ما في المصاحف ويصبح الناس منه فقراء ثمّ قرأ: {ولئن شئنا لنذهبنّ} الآية.
5 نزلت هذه الآية ردَّاً على كفار قريش عندما قال النضر بن الحارث وغيره لو نشاء لقلنا مثل هذا. ومعنى ظهيراً: أي: عنوناً ونصيراً كما يتعاون الشعراء على قصيد الشعر.

******************************

يتبع


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:24 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } 90 { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } 91 { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَة ِ قَبِيلاً } 92 { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } 93 { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } 94 { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً }95


شرح الكلمات:

ينبوعاً: عيناً لا ينضب ماؤها فهي دائمة الجريان.

جنة: بستان كثير الأشجار.

كسفاً: قطعاً جمع كسفة كقطعة.

قبيلا: مقابلة لنراهم عياناً.

من زخرف: من ذهب.

ترقى: تصعد في السماء.

مطمئنين: ساكنين في الأرض لا يبرحون منها.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والبعث وتقرير ذلك. فقال تعالى مخبراً عن قيلهم لرسول الله وهم يجادلون في نبوته: فقالوا: { لَن1 نُّؤْمِنَ لَكَ } أي لن نتابعك على ما تدعو إليه من التوحيد والنبوة لك والبعث والجزاء لنا { حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } أي عيناً يجري ماؤها على وجه الأرض لا ينقطع { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ } أي بستان من نخيل وعنب، { فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا } أي خلال الأشجار تفجيراً، { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ2 عَلَيْنَا كِسَفاً } أي قطعاً، { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَة ِ قَبِيلاً 3} أي مقابلة نراهم معاينة، { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } أي من ذهب تسكنه بيننا { أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي تصعد بسلم ذي درج في السماء، { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ 4} إن أنت رقيت { حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً } من عند الله { نَّقْرَؤُهُ } يأمرنا فيه بالإِيمان بك واتباعك! هذه ست طلبات كل واحدة اعتبروها آية متى شاهدوها زعموا أنهم يؤمنون، والله يعلم أنهم لا يؤمنون، فلذا لم يستجب لهم وقال لرسوله: قل يا محمد لهم: { سُبْحَانَ رَبِّي } متعجباً من طلباتهم { هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }؟! أي هل كنت غير بشر رسول؟ وإلا كيف يطلب مني هذا الذي طلبوا، إن ما تطلبونه لا يقدر عليه عبد مأمور مثلي، وإنما يقدر عليه رب عظيم قادر، يقول للشيء كن... فيكون! وأنا ما ادعيت ربوبية، وإنما أصرح دائماً بأني عبدالله ورسوله إليكم لأبلغكم رسالته بأن تعبدوه وحده ولا تشركوا به سواه وتؤمنوا بالبعث الآخر وتعملوا له بالطاعات وترك المعاصي. وقوله تعالى: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } أي وما منع أهل مكة أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى5 على يد رسولهم { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } أي إلا قولهم { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً }؟ منكرين على الله أن يبعث رسولاً من البشر!

وقوله تعالى: { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } أي قل يا رسولنا لهؤلاء المنكرين أن يكون الرسول بشراً، المتعجبين من ذلك، قل لهم: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ساكنين في الأرض لا يغادرونها لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً يهديهم بأمرنا ويعلمهم ما يطلب منهم فعله بإذننا لأنهم يفهمون عنه لرابطة الجنس بينهم والتفاهم الذي يتم لهم. ولذا بعثنا إليكم رسولاً من جنسكم تفهمون ما يقول لكم يقدر على إفهامكم والبيان لكم فكيف إذاً تنكرون الرسالة للبشر وهي أمر لا بد منه؟!

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم.

2- بيان شدة عناد مشركي قريش، وتصلبهم وتحزبهم إزاء دعوة التوحيد.

3- بيان سخف عقول المشركين برضاهم للألوهية بحجر وإنكارهم الرسالة للبشر!

4- تقرير أن التفاهم حسب سنة الله لا يتم إلا بين المتجانسين فإذا اختلفت الأجناس فلا تفاهم إلا أن يشاء الله فلا يتفاهم إنسان مع حيوان أو جان.
______________________

1 نزلت هذه الآية في رؤساء قريش مثل: عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبي سفيان والنضر بن الحارث وأبي جهل وأمية بن خلف وغيرهم حيث اجتمعوا حول الكعبة ليلا وبعثوا إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان حريصاً على هدايتهم فأتاهم فقالوا له كلاماً طويلاً ثم خلصوا إلى ما ذكر تعالى في هذه الآية وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا الخ.
2 الكسف: بفتح السين جمع كسفة بإسكانها، قرأ نافع كسفاً بفتح السين وكذا عاصم وقرأ غيرهما كسفاً بإسكان السين أي: قطعة.
3 فسر قبيلاً بعدّة تفسيرات قال ابن عباس: كفيلا، وقال مقاتل: شهيداً، وقال مجاهد جمع القبيلة أي: بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة، وقيل ضمناء يضمنون لنا إتيانك به وما في التفسير أولى وأظهر في تفسير الآية.
4 الرقى: مصدر رقى يرقي رقياً ورُقيا أي: صعد المنبر ونحوه.
5 الهدى: أي ما يحقق الهداية من الكتب والرسل من عند الله تعالى.

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:26 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الإسراء - (11)
الحلقة (558)
تفسير سورة الإسراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 226الى صــــ 231)

{ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } 96 { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } 97 { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } 98 { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً }99


شرح الكلمات:

شهيداً: على أني رسول الله إليكم وقد بلغتكم وعلى أنكم كفرتم وعاندتم.

فلن تجد لهم أولياء: أي يهدونهم.

على وجوههم: أي يمشون على وجوههم.

عمياً وبكماً وصماً: لا يبصرون ولا ينطقون ولا يسمعون.

كلما خبت: أي سكن لهبها زدناهم سعيراً أي تلهباً واستعاراً.

وقالوا: أي منكرين للبعث.

مثلهم: أي أناساً مثلهم.

أجلاً: وقتاً محدداً.

معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية إذ يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: قل لأولئك المنكرين أن يكون الرسول بشراً، { كَفَىٰ1 بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } على أني رسوله وأنتم منكرون عليَّ ذلك.

إنه تعالى كان وما زال { بِعِبَادِهِ خَبِيراً } أي ذا خبرة تامة بهم { بَصِيراً } بأحوالهم يعلم المحق منهم من المبطل، والصادق من الكاذب وسيجزي كلاً بعدله ورحمته.

وقوله تعالى: { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ 2} يخبر تعالى أن الهدايه بيده تعالى فمن يهده الله فهو المهتدي بحق، { وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ3 أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ } أي يهدونهم بحال من الأحوال، وفي هذا الكلام تسلية للرسول وعزاء في قومه المصرّين على الجحود والانكار لرسالته.

وقوله: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي أولئك المكذبين الضالين الذين ماتوا على ضلالهم وتكذيبهم فلم يتوبوا نحشرهم يوم القيامة، يمشون على وجوههم 4حال كونهم عمياً لا يبصرون، بكماً لا ينطقون، صماً5 لا يسمعون وقوله تعالى: { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي محل استقرارهم في ذلك اليوم جهنم الموصوفة بأنها { كُلَّمَا خَبَتْ } أي سكن لهبها عنهم زادهم الله سعيراً أي تلهباً واستعاراً. وقوله تعالى: { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم } أي ذلك العذاب المذكور جزاؤهم بأنهم كفروا بآيات الله أي بسبب كفرهم بآيات الله. وقولهم إنكاراً للبعث الآخر واستبعاداً له: { أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً } أي تراباً { أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } ورد الله تعالى على هذا الاستبعاد منهم للحياة الثانية فقال: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } أي أينكرون البعث الآخر؟ ولم يروا بعيون قلوبهم { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ }؟؟*! بلى إنه لقادر لو كانوا يعلمون!

وقوله تعالى: { وَجَعَلَ 6لَهُمْ أَجَلاً } أي وقتاً محدوداً معيناً لهلاكهم وعذابهم { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } وهم صائرون إليه لا محالة، وقوله: { فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً } أي مع هذا البيان والاستدلال العقلي أبى الظالمون إلا الجحود والكفران ليحق عليهم كلمة العذاب فيذوقوه والعياذ بالله تعالى.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- عظم شهادة الله تعالى ووجوب الاكتفاء بها.

2- الهداية والاضلال بيد الله فيجب طلب الهداية منه والاستعاذة به من الضلال.

3- فظاعة عذاب يوم القيامة إذ يحشر الظالمون يمشون على وجودهم كالحيات وهم صم بكم عمي والعياذ بالله تعالى من حال أهل النار.

4- جهنم جزاء الكفر بآيات الله والانكار للبعث والجزاء يوم القيامة.

5- دليل البعث عقلي كما هو نقلي فالقادر على البدء، قادر عقلاً على الإِعادة بل الاعادة - عقلاً - أهون من البدء للخلق من لا شيء.
______________________
1 روي أن نفراً من قريش قالوا حين سمعوا قوله: {هل كنت إلاّ بشراً رسولاً} فمن يشهد لك أنك رسول الله؟ فنزل: {قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيراً بصيراً} .
2 حذفت الياء ليوقف على الدّال بالسكون وهي لغة فصيحة وفي حال الوصل يؤتى بالياء نطقا بها.
3 جمع الضمير (لهم) مراعاة إلى أن (من) تكون للواحد والمتعدد.
4 أي: يسحبون على وجوههم إهانة لهم كما يفعل في الدنيا بمن ينتقم منه حيث يسحبونه على وجهه في الأرض إهانة، ومن سورة القمر قال تعالى: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر} وجائز أن يمشوا على وجوههم عند حشرهم إلى جهنم فإذا دخلوها سحبوا على وجوههم لحديث أنس: "أليس الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه؟ " في جواب سائل قال: أفيحشر الكفّار على وجوههم؟
5 هذا في حال حشرهم إلى جهنم وكانوا قبل ذلك يسمعون ويبصرون وينطقون ثم إذا دخلوها عادت إليهم حواسهم للآيات القرآنية المصرّحة بذلك منها: {ورأى المجرمون..} ومنها: {سمعوا لها تغيظاً وزفيرا} ومنها: {قالوا يا مالك ليقض علينا ربك..} .
6 جملة: {وجعل لهم أجلاً لا ريب فيه} معطوفة على جملة {أو لم يروا} لتأويلها بمعنى: قد رأوا ذلك لو كانوا يعقلون. الأجل: الزمن المجعول غاية يبلغ إليها في حال من الأحوال والمراد به هنا مدّة حياتهم.

****************************** **

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:26 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } 100 { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } 101 { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } 102 { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } 103 { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً }104


شرح الكلمات:

خزائن رحمة ربي: أي من المطر والأرزاق.

لأمسكتم: أي منعتم الانفاق.

خشية الإِنفاق: خوف النفاد.

قتوراً: أي كثير الاقتار أي البخل والمنع للمال.

تسع آيات بينات: أي معجزات بينات أي واضحات وهو اليد والعصا والطمس إلخ.

مسحوراً: أي مغلوياً على عقلك، مخدوعاً.

ما أنزل هؤلاء: أي الآيات التسع.

مثبوراً: هالكاً بانصرافك عن الحق والخير.

فأراد أن يستفزهم: أي يستخفهم ويخرجهم من ديار مصر.

اسكنوا الأرض: أي أرض القدس والشام.

الآخرة: أي الساعة.

لفيفاً: أي مختلطين من أحياء وقبائل شتى.

معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد لأولئك الذين يطالبون بتحويل جبل الصفا إلى ذهب، وتحويل المنطقة حول مكة إلى بساتين من نخيل وأعناب تجري الأنهار من خلالها، قل لهم، لو كنتم أنتم تملكون الخزائن رحمة ربي من الأموال والأرزاق لأمسكتم بخلابها ولم تنفقوها خوفاً من نفاذها إذ هذا طبعكم، وهو البخل، { وَكَانَ ٱلإنْسَانُ } قبل هدايته وإيمانه { قَتُوراً } أي كثير التقتير بخلاً وشحاً نفسياً ملازماً له حتى يعالج هذا الشح بما وضع الله تعالى من دواء نافع جاء بيانه في سورة المعارج 1من هذا الكتاب الكريم.

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ 2} أي، ولقد أعطينا موسى بن عمران نبي بني إسرائيل تسع آيات وهي: اليد، والعصا والدم3، وانفلاق البحر، والطمس على أموال آل فرعون، والطوفان والجراد والقمل والضفادع، فهل آمن عليها آل فرعون؟! لا، إذاً، فلو أعطيناك ما طالب به قومك المشركون من الآيات الست التي اقترحوها وتقدمت في هذه السياق الكريم مبينة، ما كانوا ليؤمنوا بها، ومن هنا فلا فائدة من إعطائك إياها.

وقوله تعالى: { فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي سل يا نبينا علماء بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره، إذ جاءهم موسى بطالب فرعون بإرسالهم معه ليخرج بهم إلى بلاد القدس، وأرى فرعون الآيات الدالة على صدق نبوته ورسالته وأحقية ما يطالب به فقال له فرعون: { إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } أي ساحراً لإِظهارك ما أظهرت من هذه الخوارق، ومسحوراً بمعنى مخدوعاً مغلوباً على عقلك فتقول الذي تقول مما لا يقوله العقلاء فرد عليه موسى بقوله بما أخبر تعالى به في قوله { لَقَدْ عَلِمْتَ } أي فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات البينات إلا رب السماوات أي خالقها ومالكها والمدبر لها { بَصَآئِرَ } أي آيات واضحات مضيئات هاديات لمن طلب الهداية، فعميت عنها وأنت تعلم صدقها { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً 4}! أي من أجل هذا أظنك يا فرعون ملعوناً، من رحمة الله مبعداً مثبوراً هالكاً. فلما أعيته أي فرعون الحجج والبينات لجأ إلى القوة، { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي يستخفهم من أرض مصر بالقتل الجماعي استئصالاً لهم، أو بالنفي والطرد والتشريد، فعامله الرب تعالى بنقيض، قصده فأغرقه الله تعالى هو وجنوده أجمعين، وهو معنى قوله تعالى: { فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ } أي من الجنود { جَمِيعاً } وقوله تعالى: { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ } أي من بعد هلاك فرعون وجنوده لبني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } أي أرض القدس والشام إلى نهاية آجالكم بالموت.
{ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } أي يوم القيامة بعثناكم أحياء كغيركم، { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } أي مختلطين من أحياء وقبائل وأجناس شتى لا ميزة لأحد على آخر، حفاة عراة لفصل القضاء ثم الحساب والجزاء.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- الشح من طبع الإِنسان إلا أن يعالجه بالإِيمان والتقوى فيقيه الله منه5.

2- الآيات وحدها لا تكفي لهداية الإِنسان بل لا بد من توفيق إلهي.

3- مظاهر قدرة الله تعالى وانتصاره لأوليائه وكبت أعدائه.

4- بيان كيفية حشر الناس يوم القيامة لفيفاً أخلاطاً من قبائل وأجناس شتى.
_______________________

1 هو قوله تعالى: {إنّ الإنسان خلق هلوعاً إذا مسّه الشر جزوعاً وإذا مسّه الخير منوعاً إلاّ المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون} إلى قوله: {والذين هم على صلاتهم يحافظون} .
2روى الترمذي وصححه والنسائي عن صفوان بن عسال المرادي: " أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله، فقال: لا تقل له نبي فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين، فأتيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألاه عن قول الله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات} فقال: لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وعليكم يا معشر يهود خاصة ألاّ تعدوا في السبت فقبّلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي قال: ما يمنعكما أن تؤمنا؟ قالا: إن داود دعا الله ألاّ يزال في ذريته نبي وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود". وعليه فالمراد بالآيات: آيات التشريع في التوراة، وهذا وجه. ولا منافاة مع تفسير الآيات بالمعجزات التسع كما في التفسير.
3 لا خلاف في اليد والعصا والطوفان والجراد والقمّل والدم وإنما الخلاف في الثلاث الباقية وانفلاق البحر مجمع عليه وإنما في الطمس والحجر لأن الحجر كان في التيه بعد نجاة بني إسرائيل.
4 الظنّ هنا بمعنى التحقيق، وذكر لكلمة مثبور عدة معان كلها صحيحة منها: الهلاك والخسران والخبال والمنع من الخير، قال ابن الزّبعرى:
إذ أجاري الشيطان في سنن الغيِّ ومَنْ مال مَيْلَةُ مثبورُ
أي هالك وخاسر.
5 قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} .




ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:27 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الإسراء - (12)
الحلقة (559)
تفسير سورة الإسراء مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 231الى صــــ 235)

{ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } 105 { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً } 106 { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } 107 { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } 108 { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً }109


شرح الكلمات:

وبالحق أنزلناه: أي القرآن.

وبالحق نزل: أي نزل ببيان الحق في العبادات والعقائد والأخبار والمواعظ والحكم والأحكام.

وقرآناً فرقناه: أن نزلناه مفرقاً في ظرف ثلاث وعشرين سنة لحكمة اقتضت ذلك.

على مكث: أي على مهل وتؤده ليفهمه المستمع إليه.

ونزلناه تنزيلاً: أي شيئاً فشيئاً حسب مصالح الأمة لتكمل به ولتسعد عليه.

أوتوا العلم من قبله: أي مؤمنوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي.

للأذقان سجداً: أي سجداً على وجوههم، ومن سجد على وجهه فقد خرَّ على ذقنه ساجداً.

إن كان وعد ربنا لمفعولاً: منجزاً، واقعاً، فقد أرسل النبي الأمي الذي بشرت به كتبه وأنزل عليه كتابه.

معنى الآيات:

يقول تعالى: { وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ } أي ذلك الكتاب الذي جحد به الجاحدون، وكذب به المشركون أنزلناه بالحق الثابت حيث لا شك أنه كتاب الله ووحيه إلى رسوله، { وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ } فكل ما جاء فيه ودعا إليه وأمر به. وأخبر عنه من عقائد وتشريع وأخبار ووعد ووعيد كله حق ثابت لا خلاف فيه ولا ريبة منه. وقوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } أي لم نرسلك لخلق الهداية في قلوب عبادنا ولا لإِجبارهم بقوة السلطان على الإِيمان بنا وتوحيدنا، وإنما أرسلناك للدعوة والتبليغ { مُبَشِّراً } من أطاعنا بالجنة ومنذراً من عصانا مخوفاً من النار. وفي هذا تقرير لرسالته صلى الله عليه وسلم ونبوته وقوله تعالى: { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } أي أنزلنا القرآن وفرقناه في خلال ثلاث وعشرين سنة لحكمة منا اقتضت ذلك وقوله { لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ } آيات بعد آيات ليكون ذلك أَدْعَى إلى فهم من يسمعه ويستمع إليه، وقوله تعالى: { وَنَزَّلْنَاهُ 1تَنْزِيلاً } أي شيئاً فشيئاً حسب 2مصالح العباد وما تتطلبه تربيتهم الروحية والانسانية ليكملوا به، عقولاً وأخلاقاً وأرواحاً ويسعدوا به في الدارين وقوله تعالى: { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ } أي قل يا رسولنا للمنكرين للوحي القرآني مِنْ قومك، آمنوا به أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم به كعدمه لا يغير من واقعه شيئاً فسوف يؤمن به ويسعد عليه غيركم إن لم تؤمنوا أنتم به وهاهم أولاء الذين أوتوا العلم من قبله من علماء أهل الكتابين اليهود والنصارى قد آمنوا به، يريد أمثال عبدالله بن سلام وسلمان الفارسي والنجاشي أصحم الحبشي وإنهم { إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي يُقرأ عليهم { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } أي يخرون ساجدين على أذقانهم ووجوههم ويقولون حال سجودهم { سُبْحَانَ رَبِّنَآ }3 أي تنزيهاً له أن يخلف وعده إذ وعد أنه يبعث نبي آخر الزمان وينزل عليه قرآناً، { إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } إقراراً منهم بالنبوة المحمدية والقرآن العظيم، أي ناجزاً إذ وعد بإرسال النبي الخاتم وإنزال الكتاب عليه فأنجز ما وعد، وهكذا وعد ربنا دائماً ناجز لا يتخلف، وقوله { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ4 يَبْكُونَ 5} أي عندما يسمعون القرآن لا يسجدون فحسب بل يخرون يبكون ويزيدهم سماع القرآن وتلاوته خشوعاً في قلوبهم واطمئناناً في جوارحهم لأنه الحق سمعوه من ربهم.
هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- القرآن حق من الله وما نزل به كله الحق.

2- الندب إلى ترتيل القرآن لا سيما عند قراءته على الناس لدعوتهم إلى الله تعالى.

3- تقرير نزول القرآن مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة.

4- تقرير النبوة المحمدية بنزول القرآن وإيمان من آمن به من أهل الكتاب.

5- بيان حقيقة السجود وأنه وضع الوجه على الأرض.

6- مشروعية السجود للقارئ أو المستمع وسنية ذلك عند قراءة هذه الآية وهي { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } فيخر ساجداً مكبراً في الخفض وفي الرفع قائلاً: الله أكبر ويسبح ويدعو في سجوده بما يشاء.
_________________

1 قال القرطبي: لا خلاف في أنه نزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة.
2 {تنزيلا} : مصدر مؤكد لنزوله نجما بعد نجم وهو معنى مفرّقا آية بعد آية وسورة بعد سورة حتى اكتمل نزوله.
3 في الآية دليل على مشروعية التسبيح في السجود وشاهده من السنة رواية مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر أن يقول في سجوده وركوعه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" وورد أنه فعله استجابة لقول الله تعالى {فسبّح بحمد ربك واستغفره} آخر سورة النصر.
4 {الأذقان} جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين، والسجود على الجبهة والأنف وإنما ذكر الأذقان هنا لأنّ اللحية تصل إلى الأرض قبل الجبهة والأنف إذا كانت طويلة كما هي السنة.
5 دلت الآية على أن البكاء في الصلاة لا يقطعها، والخلاف في النفخ والأنين والتنحنح والصحيح أنّ ما كان بحروف تسمع كان كلاماً ويقطع الصلاة وما لم يكن بحرف فلا فقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبكي في صلاته ويسمع له أزير كأزير المرجل.

*************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:28 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } 110 { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }111


شرح الكلمات:

ادعوا الله أو ادعوا الرحمن: أي سموه بأيهما ونادوه بكل واحد منهما الله أو الرحمن.

أيا ما تدعوا: أي إن تدعوه بأيهما فهو حسن لأن له الأسماء الحسنى وهذان منها.

ولا تجهر بصلاتك: أي بقراءتك في الصلاة كراهة أن يسمعها المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله.

ولا تخافت بها: أي ولا تسر به إسراراً حتى ينتفع بقراءتك أصحابك الذين يصلون وراءك بصلاتك.

وابتغ بين ذلك سبيلاً: أي اطلب بين السر والجهر طريقاً وسطاً.

لم يتخذ ولداً: كما يقول الكافرون.

ولم يكن له شريك: كما يقول المشركون.

ولم يكن له ولي من الذل: أي لم يكن له ولي ينصره من أجل الذل إذ هو العزيز الجبار مالك الملك ذو الجلال والإِكرام.

وكبره تكبيرا: أي عظمه تعظيماً كاملاً عن اتخاذ الولد والشريك والولي من الذل.

معنى الآيات:

كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه يا الله. يا رحمن، يا رحمن يا رحيم فسمعه المشركون وهم يتصيدون له أية شبهة ليثيروها ضده فلما سمعوه يقول: يا الله، يا رحمن قالوا: أنظروا إليه كيف يدعو إلهين وينهانا عن ذلك فأنزل الله تعالى:1 { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } أي قل لهم يا نبينا ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فالله هو الرحمن الرحيم { أَيّاً مَّا تَدْعُواْ } منهما الله أو الرحمن فهو الله ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى وقوله تعالى: { وَلاَ تَجْهَرْ2 بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } أي وسطاً بين السر والجهر، وذلك أن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبُّوا قارئه ومن أنزله، فأمر الله تعالى رسوله والمؤمنون تابعون له إذا قرأوا في صلاتهم أن لا يجهروا حتى لا يسمع المشركون قراءتهم ولا يسروا حتى لا يحرم سماع القرآن من يصلي وراءهم فأمر رسول الله بالتوسط بين الجهر والسر.

وقوله تعالى: 3{ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }. أي أمر الله تعالى الرسول أن يحمد الله الذي لم يتخذ ولداً كما زعم ذلك بعض العرب، إذ قالوا الملائكة بنات الله! وكما زعم ذلك اليهود إذ قالوا عزير بن الله والنصارى إذ قالوا عيسى بن الله! { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } كما قال المشركون من العرب: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك!

{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } كما قال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل الله!

{ وَكَبِّرْهُ } أنت أو عظمه يا رسولنا تعظيماً من أن يكون له وصف النقص والافتقار والعجز.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- إن لله الأسماء الحسنى وهي مائة اسم إلا اسماً واحداً4 فيدعى الله تعالى وينادى بأيها، وكلها حسنى كما قال تعالى في سورة الأعراف:{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الآية: 180].

2- بيان ما كان عليه المشركون في مكة من بغض للرسول والقرآن والمؤمنين..

3- مشروعية الأخذ بالاحتياط للدين كما هو للدنيا.

4- وجوب حمد الله تعالى والثناء عليه وتنزيهه عن كل عجز ونقص.

5- هذه الآية { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ } تسمى آية العز هكذا سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
_____________________

1 فنزلت الآية مبيّنة أنهما الله والرحمن اسمان لمسمى واحد فإن دُعي يا الله فهو ذاك وإن دعي يا رحمن فهو ذاك.
2 روى مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك} الخ قوله نزلت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوارٍ بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به". فقال الله تعالى: {ولا تجهر بصلات ك،} فيسمع المشركون قراءتك {ولا تخافت بها} عن أصحابك أي: أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر {وابتغ بين ذلك سبيلا} أي: بين الجهر والمخافتة كان هذا في مكة ثم استقرت السنة بالجهر في صلاة الصبح والمغرب والعشاء في الركعتين الأولتين والسر في صلاة الظهر والعصر وثالثة المغرب والأخيرتين من صلاة العشاء.
3 روي عن عمر أنه قال: الله أكبر خير من الدنيا وما فيها، وورد أنّ هذه الآية {وقل الحمد لله} الخ خاتمة التوراة وفاتحتها أوّل سورة الأنعام.
4 الإجماع على أنه لا يصح وضع اسم لله تعالى بالنظر والاجتهاد وإنما أسماؤه وصفاته توقيفية مصدرها الوحي الإلهي: الكتاب والسنة.


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:29 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الكهف - (1)
الحلقة (560)
تفسير سورة الكهف مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 235الى صــــ 241)

سورة الكهف1
مكية


{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } 1 { قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } 2 { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } 3 { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } 4 { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } 5 { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً }6


شرح الكلمات:

الحمد لله: الحمد الوصف بالجميل، والله عَلَم على ذات الرب تعالى.

الكتاب: القرآن الكريم.

ولم يجعل له عوجاً: أي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانيه.

قيما: أي ذا اعتدال لا إفراط فيه ولا تفريط في كل ما حواه ودعا إليه من التوحيد والعبادة والآداب والشرائع والأحكام.

بأساً شديداً: عذاباً ذا شدة وقسوة وسوء عذاب في الآخرة.

من لدنه: من عنده سبحانه وتعالى.

أجراً حسنا: أي الجنة إذ هي أجر المؤمنين العاملين بالصالحات.

كبرت كلمة: أي عظمت فرية وهي قولهم الملائكة بنات الله.

إن يقولون إلا كذباً: أي ما يقولون إلا كذباً بحتاً لا واقع له من الخارج.

باخع نفسك: قاتل نفسك كالمنتحر.

بهذا الحديث أسفاً: أي بالقرآن من أجل الأسف الذي هو الحزن الشديد.

معنى الآيات:

أخبر تعالى في فاتحة سورة الكهف2 بأنه المستحق للحمد، وأن الحمد لله وذكر موجب ذلك، وهو إنزاله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب الفخم العظيم وهو القرآن العظيم الكريم فقال: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ } وقوله تعالى، { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا 3} أي ولم يجعل لذلك الكتاب العظيم عوجاً أي ميلاً عن الحق والاعتدال في ألفاظه ومعانية فهو كلام مستقيم محقق للآخذ به كل سعادة وكمال في الحياتين. وقوله { قَيِّماً } أي معتدلا خاليا من الإِفراط والتفريط قيما على الكتب السابقة مهيمناً عليها الحق فيها ما أحقه والباطل ما أبطله.

وقوله { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ } أي أنزل الكتاب الخالي من العوج القيم من أجل أن ينذر الظالمين من أهل الشرك والمعاصي عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة ينزل بهم من عند ربهم الذين كفروا به وأشركوا وعصوه وكذبوا رسوله وعصوه. ومن أجل أن يبشر بواسطته أيضاً { ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ } أي يخبرهم بما يسرهم ويفرح قلوبهم وهو أن لهم عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وقوله تعالى: { وَيُنْذِرَ } بصورة خاصة أولئك المتقولين على الله المفترين عليه بنسبتهم الولد إليه فقالوا: { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } وهم اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب الذين قالوا إن الملائكة بنات الله! هذا ما دل عليه قوله تعالى: { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداًً } وهو قول تَوَارَثُوهُ لا علم لأحد منهم به، وإنما هو مجرد كذب يتناقلونه بينهم لذا قبح الله قولهم هذا وعجّب منه العقلاء، فقال: { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } أي عظم قولهم { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } كلمة قالوها تخرج من أفواههم لا غير إذ لا واقع لها أبداً، وقرر الانكار عليهم فقال: { إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } أي ما يقولون إلا الكذب البحت الذي لا يعتمد على شيء من الصحة البتة.
وقوله { فَلَعَلَّكَ 4بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } يعاتب الله تعالى رسوله ويخفف عنه ما يجده في نفسه من الحزن على عدم إيمان قومه واشتدادهم في الكفر والتكذيب وما يقترحونه عليه من الآيات أي فلعلك يا رسولنا قاتل نفسك على إثر رفض قومك للإيمان بك وبكتابك وما جئت به من الهدى، حزناً عليهم، وجزعاً منهم، فلا تفعل واصبر لحكم ربك فإنه منجز وعده لك بالنصر على قومك المكذبين لك.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:


1- وجوب حمد الله تعالى على آلائه وعظيم نعمه.

2- لا يحمد إلا من له ما يقتضي حمده، وإلا كان المدح كذباً وزوراً.

3- عظم شأن القرآن الكريم وسلامته من الافراط والتفريط والانحراف في كل ما جاء به.

4- بيان مهمة القرآن وهي البشارة لأهل الإِيمان والإِنذار لأهل الشرك والكفران.

5- التنديد بالكذب على الله ونسبة ما لا يليق بجلاله وكماله إليه كالولد ونحوه.

6- تحريم الانتحار وقتل النفس من الحزن أو الخوف ونحوه من الغضب والحرمان.
_________________________

1 روى مسلم: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال" وروى الدارمي في مسنده عن أبي سعيد الخدري رصي الله عنه: "من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق".. وروي أيضاً "أن من قرأها يوم الجمعة غفر له إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وأعطي نوراً يبلغ السماء ووقي فتنة الدجال".
2 روى ابن اسحق في سبب نزول سورة الكهف حديثاً طويلاً خلاصته أن وفداً من قريش أتوا اليهود بالمدينة وقالوا لهم أنتم أهل الكتاب فأخبرونا عن صاحبنا هذا- محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت اليهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل فإن لم يفعل فهو رجل متقوّل فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوافة قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه؟؛ وسلوه عن الروح ما هي؟ فان أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه فإنه نبي وإن لم يفعل فهو رجل متقوِّل فانظروا في أمره ما بدالكم وأتى الوفد مكة وسألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "أخبركم بما سألتم عنه غداً؛ ولم يستثن أي: لم يقل إن شاء الله فانقطع الوحي نصف شهر ثم نزلت سورة الكهف وفيها جواب ما سألوا.
3 العوج: ضد الاستقامة وهو الانحراف في الذوات والمعاني وتكسر عينه وتقع، وقيل: الكسر في المعاني والفتح في الذّوات.
4 {باخع} مهلك نفسك، قال ذو الرّمة:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه
بشيء نحته عن يديه المقادر
وفسّر ابن عباس رضي الله عنهما الباخع بقاتل نفسه من شدّة الحزن.

****************************** ******

يتبع


ابوالوليد المسلم 04-07-2022 10:30 PM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } 7 { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } 8 { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } 9 { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } 10 { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } 11 { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً }12


شرح الكلمات:

صعيداً جرزاً: أي تراباً لا نبات فيه، فالصعيد هو التراب والجرز 1الذي لا نبات فيه.

الكهف: النقب الواسع في الجبل والضيق منه يقال له " غار ".

والرقيم: لوح حجري رقمت فيه أسماء أصحاب الكهف.

أوى الفتية إلى الكهف: اتخذوه مأوى لهم ومنزلاً نزلوا فيه.

الفتية: جمع فتى وهم شبان مؤمنون.

هيئ لنا من أمرنا رشداً: أي ييسر لنا طريق رشد وهداية.

فضربنا على آذانهم: أي ضربنا على آذانهم حجاباً يمنعهم من سماع الأصوات والحركات.

سنين عدداً: أي أعواماً عدة.

ثم بعثناهم: أي من نومهم بمعنى أيقظناهم.

أحصى لما لبثوا: أي أضبط لأوقات بعثهم في الكهف.

أمداً: أي مدة محدودية معلومة.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } من حيوان وأشجار ونبات وأنهار وبحار، وقوله { لِنَبْلُوَهُمْ } أي لنختبرهم { أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } أي أيهم أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا وقوله: { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } أي وإنا لمخربوها في يوم، من الأيام بعد عمارتها ونضارتها وزينتها نجعلها { صَعِيداً جُرُزاً 2} أي تراباً لا نبات فيه، إذاً فلا تحزن يا رسولنا ولا تغتم مما تلاقيه من قومك فإن مآل الحياة من أجلها عادوك وعصوننا إلى أن تصبح صعيداً جرزاً. وقوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتَ 3أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ 4كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } أي أظننت أيها النبي أن أصحاب الكهف أي الغار في الكهف والرقيم وهو اللوح الذي كتبت عليه ورقم أسماء أصحاب الكهف وأنسابهم وقصتهم { كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً 5} أي كان أعجب من آياتنا في خلق ومخلوقات، السماوات والأرض بل من مخلوقات الله ما هو أعجب بكثير. وقوله: { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } هذا شروع في ذكر قصتهم العجيبة، أي اذكر للسائلين لك عن قصة هؤلاء الفتية، إذ أووا إلى الغار في الكهف فنزلوا فيه، واتخذوه مأوى لهم ومنزلاً هروباً من قومهم الكفار أن يفتنوهم في دينهم وهم سبعة شبان ومعهم كلب لهم فقالوا سائلين ربهم: { رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً 6} أي أعطنا من عندك رحمة تصحبنا في هجرتنا هذه للشرك والمشركين { وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } أي ويسر لنا من أمرنا في فرارنا من ديار المشركين خوفاً على ديننا { رَشَداً } أي سداداً وصلاحاً ونجاة من أهل الكفر والباطل، قال ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآيات وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفتية إلى الكهف الذي ذكر الله في كتابه فقال بعضهم: كان سبب ذلك أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى وكان لهم ملك عابد وثن دعاهم إلى عبادة الأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم أو يقتلهم فاستخفوا منه في الكهف وقوله تعالى: { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } أي فضربنا على آذانهم حجاباً 7يمنعهم من سماع الأصوات والحركات فناموا في كهفهم سنين معدودة أي ثلاثمائة وتسع سنين، وكانوا يتقلبون بلطف الله وتدبيره لهم من جنب إلى جنب حتى بعثهم من نومهم وهذا استجابة الله تعالى لهم إذ دعوه قائلين: { رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } وقوله تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } أي من نومهم ورقادهم { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ } أي في الكهف { أَمَداً } أي لنعلم عِلْمَ مشاهدة ولينظر عبادي فيعلموا أي الطائفتين 8اللتين اختلفتا في قدر لبثهم في الكهف كانت أحصى لمدة لبثهم في الكهف حيث اختلف الناس إلى حزبين حزب يقول لبثوا في كهفهم كذا سنة وآخر يقول لبثوا إلى مدى أي غاية كذا من السنين.
هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان العلة في وجود الزينة على هذه الأرض، وهي الابتلاء والاختبار للناس ليظهر الزاهد فيها، العارف بتفاهتها وسرعة زوالها، وليظهر الراغب فيها المتكالب عليها الذي عصى الله من أجلها.

2- تقرير فناء كل ما على الأرض حتى تبقى صعيداً جرزاً وقاعاً صفصفاً لا يرى فيها عوج ولا أمت.

3- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بإجابة السائلين عن أصحاب الكهف بالايجاز والتفصيل.

4- تقرير التوحيد ضِمْنَ قصة أصحاب الكهف إذ فروا بدينهم خوفاً من الشرك والكفر.

5- استجابة الله دعاء عباده المؤمنين الموحدين حيث استجاب للفتية فآواهم الغار ورعاهم حتى بعثهم بعد تغير الأحوال وتبدل العباد والبلاد.
________________________

1 الجرز: القاحل الأجرد الذي لا نبات فيه.
2 الصعيد: وجه الأرض والجمع صُعُد، والصعيد: الطريق أيضاً لحديث الصحيح: "إياكم والقعود على الصعدات" أي: الطرق، وجمع الجرز: أجراز يقال سنين أجراز لا مطر فيها ولا عشب ولا نبات.
3 (أم) هذه هي المنقطعة التي تقدّر ببل والاستفهام للتعجيب.
4 ويجمع الرقيم على رُقُم، والرقيم: فعيل بمعنى مفعول أي: مرقوم بمعنى مكتوب.
5 إنّ إماتة الأحياء أعجب من إماتة أصحاب الكهف.
6 الرشد: بفتحتين: الخير، وإصابة الحق والنفع والصلاح أيضاً.
7 أي: حائلاً كغشاوة ونحوها مما يحول دون السمع، ومعنى ضربنا، جعلنا أو وضعنا كقوله: {ضربت عليهم الذلّة} أي: جعلت وألصقت بهم.
8 يبعد أن يكون المراد بالحزبين: هم أصحاب الكهف أنفسهم بل الذين اختلفوا فيهم حزبان من الأمة التي اكتشفتهم بعد مضيّ سنين عديدة.




الساعة الآن : 04:09 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 150.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 149.73 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.33%)]