رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [227] الحلقة (258) شرح سنن أبي داود [227] يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وذلك لأنه تجتمع فيه أكثر أعمال الحج والتي هي: الرمي والنحر والحلق والطواف، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ومن لم يدرك الوقوف بعرفة فقد فاته الحج. يوم الحج الأكبر شرح حديث: (هذا يوم الحج الأكبر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: يوم الحج الأكبر. حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد حدثنا هشام -يعني: ابن الغاز - حدثنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر) ]. قوله: [ باب يوم الحج الأكبر ]. أي: يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، وهو يوم عيد الأضحى، وهو العاشر من شهر ذي الحجة، هذا هو يوم الحج الأكبر. ومن أهل العلم من يقول: إنه يوم عرفة، ولكن الأحاديث واضحة الدلالة على أن المراد به يوم النحر الذي هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة. وقيل له: الحج الأكبر؛ لأنه يجتمع فيه عدة أعمال من أعمال الحج التي هي الرمي والنحر والحلق والطواف والسعي لمن كان عليه سعي بعد طواف، فهذه الأعمال إنما تكون يوم النحر يوم الحج الأكبر. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: هذا يوم الحج الأكبر) ] هذا دليل على تعيين هذا اليوم، فقد سبق أن مر بنا الحديث الذي هو: (خير الأيام يوم الحج الأكبر ثم يوم القر) الذي هو اليوم الحادي عشر، فهذا فيه دلالة على أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر وأن هذا أرجح ما قيل في ذلك؛ بدلالة الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها كذلك المناداة التي حصلت في ذلك اليوم يوم الحج الأكبر بـ: (ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان). فالحاصل أن الأدلة دلت على أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر. تراجم رجال إسناد حديث: (هذا يوم الحج الأكبر) قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل ]. هو مؤمل بن الفضل الحراني وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي. [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام يعني: ابن الغاز ]. هشام بن الغاز ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ حدثنا نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أبي هريرة: (بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن الحكم بن نافع حدثهم حدثنا شعيب عن الزهري حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأكبر الحج ]. قوله: (بعثني أبو بكر) هذا كان في السنة التاسعة عندما حج بالناس أبو بكر رضي الله عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فيمن يؤذن يوم النحر: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) ] كان أهل الجاهلية والكفار يحجون، فجاء النهي ألا يحج بعد ذلك العام الذي هو في السنة التاسعة التي جاءوا فيها مشرك وألا يطوف بالبيت عريان، كما كان يفعله بعض الناس في الجاهلية، فقد كانوا يطوفون بالبيت عراة، فهذا كذلك يمنع؛ حتى تأتي السنة التي بعدها ولا يحصل شيء من ذلك، وهي السنة التي حج فيها النبي عليه الصلاة والسلام، فيكون عندما يأتي إلى الحج وقد طهرت مكة من الكفار الذين يأتون إلى الحج، وكذلك من الذين كانوا يتعرون وهم يطوفون، وهذه من أعمال الجاهلية فبعد هذا العام لا تُفْعَل، وتكون حجة النبي صلى الله عليه وسلم سليمة من أن يجد شيئاً من ذلك فيها. قوله: [ (ويوم الحج الأكبر يوم النحر) ] هذا فيه دلالة لما ترجم له المصنف من أن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر. قوله: [ (والحج الأكبر الحج) ]. قيل: إن هذا في مقابل العمرة؛ لأنها الحج الأصغر، وكون الحج الأكبر في ذلك اليوم فهذا يعني تمامه وكماله، وأن الإنسان في ذلك اليوم يأتي بالأمور المتعددة التي منها ما هو ركن ومنها ما هو واجب، الركن الذي هو الطواف والسعي بعده لمن كان عليه سعي، والأمور الأخرى التي هي الرمي والحلق فهذه من الأمور الواجبة، أما النحر فإنه واجب على المتمتعين والقارنين، وأما المفردون فإنه لا هدي عليهم، وعلى هذا فإن الأربعة الأعمال التي هي: الرمي والنحر والحلق والطواف ثلاثة منها لازمة على جميع الحجاج، وهي: الرمي والحلق أو التقصير والطواف والسعي لمن كان عليه سعي كالمتمتعين أو القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم. وأما النحر فليس على الحجاج جميعاً؛ لأن من الحجاج من لا نحر عليهم وهم المفردون، وأما القارنون والمتمتعون فإنه يجب عليهم الهدي وهي شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى ...) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أن الحكم بن نافع ]. الحكم بن نافع هو أبو اليمان وهو مشهور بكنيته ويذكر بكنيته دون اسمه، وهنا ذكر باسمه بدون كنيته وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حميد بن عبد الرحمن ]. هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الأشهر الحرم شرح حديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأشهر الحرم. حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن محمد عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب في حجته فقال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) ]. قوله: [ باب الأشهر الحرم]. الأشهر الحرم هي أربعة من أشهر السنة: ثلاثة متوالية وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد منفرد في أثناء السنة وهو رجب، أما الثلاثة فإنها متوالية واحد منها شهر الحج وواحد قبله وواحد بعده، وكان أهل الجاهلية يحرمون القتال فيها ويستعظمونه، وكانوا إذا أرادوا أن يقاتلوا في شهر حرام أخروا حرمة ذلك الشهر إلى غيره، فمثلاً: يستحلون القتال في شهر محرم ويحرمون صفر مكانه، وهذا الفعل كانوا يسمونه النسيء، يقول عز وجل: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37] فكانوا يعظمون الأشهر الحرم، ولكنهم كان يحتالون فيها بتأخير حرمتها إلى غيرها، وقيل: إنه عند تغيرهم لها اختلطت عليهم الشهور، فصاروا لا يميزون بعضها من بعض؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) يعني: رجع ترتيب الشهور إلى ما كان عليه الترتيب الذي كان موجوداً قبل أن يحصل النسيء وكما كانت يوم خلق الله السماوات والأرض، وهذا الرجوع كان في السنة التي حج فيها النبي صلى الله عليه وسلم. والخطأ الذي كان موجوداً بسبب النسيء والاختلاط الذي حصل من أهل الجاهلية قد زال بإخبار النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) وهذا قد يحصل لبعض الناس فتختلط عليهم الأيام، ففي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه قصة عجيبة فيها اختلاط الأيام على الناس، وهو أن جماعة من أهل قرية التبست عليهم الأيام فصلوا الجمعة يوم الخميس يظنون أنها الجمعة، ولما جاء الغد كان هناك أناس يأتون عادة من الأطراف ليصلوا الجمعة، فلما جاءوا إليهم يوم الجمعة قال الذين صلوا الجمعة يوم الخميس: بل الجمعة أمس، وقال هؤلاء: بل الجمعة اليوم وليست أمس، فكتبوا للشيخ يستفتونه، فأفتاهم بأن يعيدوا الصلاة التي صلوها يوم الخميس جمعة وأن يعيدوها ظهراً. الحاصل: أن اختلاط الأيام واختلاط الشهور قد يحصل، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر) سمي رجب مضر لأن مضر كانوا يعظمونه. قوله: ((الذي بين جمادى وشعبان) بعد إضافته إلى مضر ذكر أيضاً أنه الشهر الذي يكون بين جمادى وشعبان، هذه هي الأشهر الحرم. وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن القتال الذي كان محرماً فيها قد نسخ، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يزال تعظيم القتال في أشهر الحرم محكماً غير منسوخ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام معلوم أنه غزا الطائف وحنيناً في أشهر الحرم؛ لأنه بعد الفتح وكان ذلك في شهر ذي القعدة وهو أول أشهر الحرم. أما علاقة الأشهر الحرم بأشهر الحج: فإن أشهر الحج تتداخل مع الأشهر الحرم في بعضها؛ لأن أشهر الحج سبعون يوماً شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، هذه أشهر الحج، وأما الأشهر الحرم فهي الثلاثة التي هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الفرد، فشهر ذي القعدة من الأشهر الحرم ومن أشهر الحج، والعشر الأول من ذي الحجة هي من أشهر الحرم ومن أشهر الحج، وأما شوال فهو من أشهر الحج وليس من أشهر الحرم، ومحرم وبقية شهر ذي الحجة هي من الأشهر الحرم وليست من أشهر الحج. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي بكرة ]. هو نفيع بن الحارث رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. طريق أخرى لحديث: (إن الزمان قد استدار كهيئته...) وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فياض حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه ]. أورد المصنف رحمه الله حديث أبي بكرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وأحال على الذي قبله وهو أنه متفق بالمعنى، وإن كان يختلف معه في الألفاظ. قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فياض ]. محمد بن يحيى بن فياض ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي . [ حدثنا عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين ]. قد مر ذكر الاثنين. [ عن ابن أبي بكرة ]. هو عبد الرحمن بن أبي بكرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بكرة ]. أبو بكرة رضي الله عنه مر ذكره. [ قال أبو داود : وسماه ابن عون فقال: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة في هذا الحديث ]. يعني: أنه جاء تسميته في سند آخر وأنه عبد الرحمن ؛ لأنه كان في الحديث الأول مبهماً وهنا مسمى. [ وسماه ابن عون ]. هو عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. حكم من لم يدرك عرفة شرح حديث: (... الحج يوم عرفة من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من لم يدرك عرفة. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثني بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: الحج الحج يوم عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه، أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه, قال: ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك). قال أبو داود : وكذلك رواه مهران عن سفيان قال: (الحج الحج) مرتين، ورواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: (الحج) مرة ]. قوله: [ باب من لم يدرك عرفة ]. يعني: من لم يدرك الوقوف بعرفة فقد فاته الحج, والوقوف فيها يستمر إلى طلوع الفجر من ليلة العيد, فإذا طلع الفجر والإنسان لم يصل إلى عرفة فإنه قد فاته الحج هذا العام، ويتحول إلى عمرة, ويتحلل. والحج له زمان ومكان, له مكان هو عرفة, فلا بد من الوقوف فيها, وله زمان هو يوم عرفة, وليلة العيد إلى طلوع الفجر, فمن لم يصل إلى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة العيد, فإنه قد فاته الحج؛ لأن له نهاية وله غاية. وأما الأركان الأخرى مثل: طواف الإفاضة، فإنه ليس له وقت محدد فلا يفوت بوقت من الأوقات، بل يمكن أن يفعل في أي وقت. ولو أن إنساناً نسي طواف الإفاضة ومضى عليه أشهر، فإنه يمكن أن يأتي به، وأما الوقوف بعرفة فإن له أمداً ينتهي عنده وهو طلوع الفجر. كذلك هناك مكان للوقوف بعرفة, فلا يجوز للإنسان أن يقف خلف عرفة, ولو وقف خارج عرفة لم يحصل منه وقوف, وكذلك الزمان وهو يوم عرفة وليلة العيد إلى طلوع الفجر, فإذا طلع الفجر ولم يصل إلى عرفة -ولو جاء من أقصى الدنيا- فاته الحج. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: [ (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلاً فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى: الحج الحج يوم عرفة) ]. يعني: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينادي حتى يسمع الناس ويرفع صوته: الحج الحج يوم عرفة. ومعنى ذلك: أن أهم أعمال الحج أو الشيء الذي له أمد ينتهي ولا يمكن أن يتدارك هو يوم عرفة، أما غيرها من الأمور الأخرى مثل الطواف والسعي فإنها تتدارك أو فاتت ولو نسيت، ولكن الوقوف لو ذهب زمانه فإنه لا مجال لتداركه. قوله: (الحج الحج يوم عرفة) فيه إشارة إلى أهميته وعظم شأنه؛ لأنه الركن الذي لا بد منه, حيث إنه الركن الذي يفوت الحج بفواته؛ لأن له أمداً محدداً وزمناً محدداً. قوله: (من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه). يعني: من جاء إلى عرفة قبل صلاة الصبح من ليلة مزدلفة فقد تم حجه، وذلك قبل طلوع الفجر, ويسقط عنه المبيت بمزدلفة، ومن جاء بعد ذلك فقد فاته الحج ويتحول إلى عمرة، فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل. قوله: [ (أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) ]. يعني: أيام منى ثلاثة أيام وهي أيام التشريق, وليس منها يوم العيد؛ لأن يوم العيد ليس من أيام منى الثلاثة المعدودة، التي من تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. والأيام الثلاثة هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، هذه أيام منى التي قال الله تعالى عنها: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] يعني: الحادي عشر والثاني عشر، فإذا رمى الجمار بعد الزوال من اليوم الثاني، وأراد أن يتعجل فله أن يتعجل، ومن أراد أن يتأخر إلى اليوم الثالث عشر فله ذلك، والتأخر إلى اليوم الثالث عشر أكمل وأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله, وفيه زيادة مبيت ليلة وفيه رمي الجمار من الغد، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك, ولكن التعجل سائغ وجائز. فهذه هي أيام منى التي قال الله تعالى عنها: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203] وليس يوم العيد من الثلاثة الأيام، ولذلك بعض الناس ينفرون يوم الحادي عشر, وهذا لا يجوز؛ لأن الأيام الأربعة هي: يوم النحر، ويوم القر، وهو يوم الحادي عشر، وسمي بيوم القر لأن الناس مستقرون في منى، لا يخرج أحد من منى، بل لا بد من المبيت ليلة الثاني عشر في منى، أما اليوم الثاني عشر فهو يوم النفر الأول، من أراد أن ينفر فيه بعد الزوال والرمي فله ذلك، أما اليوم الثالث عشر فهو يوم النفر الثاني. فقوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203 ] المراد بذلك الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويوم العيد ليس معها. قوله: (ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك) ]. يعني: جعل ينادي بهذا الذي قاله صلى الله عليه وسلم: [ (من جاء إلى عرفة قبل صلاة الفجر ليلة جمع فتم حجه، وأيام منى ثلاثة) ]. تراجم رجال إسناد حديث: (..الحج يوم عرفة من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع ..) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان الثوري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني بكير بن عطاء ]. بكير بن عطاء ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي ]. عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب السنن. [ قال أبو داود : وكذلك رواه مهران عن سفيان قال: (الحج الحج) مرتين ]. هو مهران بن أبي عمر العطار، وهو صدوق له أوهام سيء الحفظ، أخرج له أبو داود في المراسيل وابن ماجه . قوله: [ ورواه يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: (الحج) مرة ]. يعني: يحيى بن سعيد القطان روى عن سفيان الثوري وقال: (الحج) يعني: مرة واحدة الحج عرفة. شرح حديث: (...من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا عامر أخبرني عروة بن مضرس الطائي رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف -يعني: بجمع- قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ]. أورد أبو داود حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وكان قد جاء من طيء، وجاء متأخراً، ولكنه كان يقف في الأماكن كلها، يعني: ما ترك حبلاً من الحبال إلا وقف عليه، والحبل هو التل من الرمل وعرفة فيها شيء من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه). يعني: أن من أدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه، ويبقى الشيء الذي لا يفوت، مثل الطواف والسعي والأعمال الأخرى. يقول بعض أهل العلم: إن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج، ويستدلون على ذلك بحديث عروة بن مضرس هذا، حيث قال فيه: (من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) لكن الحديث الذي سبق أن مر: (من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه) فهذا يدل على أن الركن هو عرفة، لكن أمر مزدلفة لا يستهان به؛ لأن بعض أهل العلم قال بركنيته، والركن لا يتم الحج إلا به، لكن القول الصحيح أنه ليس بركن وإنما هو واجب. قوله: (وقضى تفثه)، يعني: قضى الأشياء التي يطلب منه أن يأتي بها، كتقليم الأظفار وحلق الرأس، وما إلى ذلك من الأشياء التي يباح للإنسان أن يأتي بها بعدما يكون قد أدى ما هو مطلوب منه، ولكن كما هو معلوم إنما يكون ذلك بعد الرمي. تراجم رجال إسناد حديث: (...من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. هو إسماعيل بن أبي خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عروة بن مضرس ]. هو عروة بن مضرس الطائي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [228] الحلقة (259) شرح سنن أبي داود [228] يجب على جميع الحجاج أن يبيتوا بمنى أيام التشريق، يومين للمتعجل وثلاثة أيام للمتأخر، ومن كان به عذر ولا يستطيع المبيت بمنى فله أن يبيت خارجها، ويلحق بأهل السقاية والرعاة، ويستحب للإمام أن يخطب بمنى خطبة يبين فيها أحكام الحج ويبين للحجاج ما يلزم بيانه لهم. النزول بمنى شرح حديث: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى ونزلهم منازلهم…) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النزول بمنى. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى، ونزلهم منازلهم، فقال: لينزل المهاجرون هاهنا، وأشار إلى ميمنة القبلة، والأنصار هاهنا، وأشار إلى ميسرة القبلة، ثم لينزل الناس حولهم) ]. قوله: [ باب النزول بمنى ]. يعني: بعدما يأتي الحجاج من عرفة ومن مزدلفة ينزلون بمنى ويستقرون فيها، ويكون ذلك في يوم العيد وأيام التشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن أراد أن يتأخر. وأبو داود رحمه الله أورد حديث رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس بمنى، ونزلهم منازلهم، وأمر بأن يكون المهاجرون عن ميمنة القبلة، والأنصار عن ميسرتها، وسائر الناس تبعاً لهم، وذلك في مسجد الخيف، وجاء في رواية: أن المهاجرين كانوا أمام القبلة وعلى ميمنتها، والأنصار على ميسرة القبلة وراء المسجد. ومعنى ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين للناس هذه المنازل، وأمر عليه الصلاة والسلام الناس أن ينزلوا بمنى وأن يبيتوا ليالي التشريق بمنى. والنزول بمعنى في النهار مطلوب، ولكن في النهار يمكن للإنسان أن يذهب ويأتي ولا يترتب على عدم بقائه في النهار شيء، وأما في الليل فإنه يجب المبيت؛ لأنه يترتب على عدم مبيته لزوم الفدية. أما عن الحكمة من هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم: فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يكون المهاجرون على حدة، ويكون الأنصار على حدة، بحيث تعرف مساكن المهاجرين وتعرف مساكن الأنصار. تراجم رجال إسناد حديث: (خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى ونزلهم منازلهم…) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الأعرج ]. حميد الأعرج ليس به بأس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم التيمي ]. محمد بن إبراهيم التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن معاذ ]. عبد الرحمن بن معاذ صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي . [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. المجهول في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ثقة؛ لأن جهالة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لا تؤثر. اليوم الذي يخطب فيه بمنى شرح حديث: (رأينا رسول الله يخطب بين أوسط أيام التشريق...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أي يوم يخطب بمنى. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن المبارك عن إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق، ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى) ]. أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، وخطبهم في أوسط أيام التشريق كما جاء هنا، وأوسط أيام التشريق هو اليوم الثاني عشر. قوله: [ عن رجلين من بني بكر قالا: (رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى) ]. هذان الرجلان من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، رأيا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وهم عند راحلته قريبون منه، وكان ذلك في أوسط أيام التشريق. تراجم رجال إسناد حديث: (رأينا رسول الله يخطب بين أوسط أيام التشريق...) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن نافع ]. إبراهيم بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو يسار المكي ، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن رجلين من بني بكر ]. يعني: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن حدثتني جدتي سراء بنت نبهان رضي الله عنها، وكانت ربة بيت في الجاهلية قالت: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس، فقال: أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس أوسط أيام التشريق؟). قال أبو داود : وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي : (إنه خطب أوسط أيام التشريق) ]. ذكر المصنف رحمه الله حديث سراء بنت نبهان رضي الله عنها قالت: [ (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس، فقال: أي يوم هذا ؟) ] سمي يوم الرءوس لأنهم كانوا يأكلون رءوس الأضاحي فيه. فالنبي صلى الله عليه وسلم خطبهم في أوسط أيام التشريق الذي هو يوم الرءوس. تراجم رجال إسناد حديث: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس...) قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب ببندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن ]. ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو داود . [ حدثتني جدتي سراء بنت نبهان ]. سراء بنت نبهان أخرج حديثها البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود . [ قال عم أبي حرة الرقاشي ]. أبو حرة مشهور بكنيته، واسمه حنيفة ، وقيل: اسمه حكيم ، وهو ثقة أخرج له أبو داود . وعمه اسمه حذيم بن حنيفة السعدي ، صحابي أخرج له النسائي وحده. وأبو حرة هذا هو ابن أخيه، ذكر في التقريب لكن في المبهمات. خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر شرح حديث: (رأيت النبي يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: خطب يوم النحر. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا عكرمة حدثني الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) ]. قوله: [ باب من قال: خطب يوم النحر ]. وأورد فيه حديث الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه قال: [ (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى) ]. فيه إثبات الخطبة في يوم النحر. قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا هشام بن عبد الملك ]. هو أبو الوليد الطيالسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبو داود يروي عنه بواسطة وبغير واسطة، وهنا روى عنه بواسطة، لكن كثيراً ما يروي عنه أبو داود بدون واسطة. [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثني الهرماس بن زياد الباهلي ]. الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . شرح حديث: (سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل -يعني ابن الفضل الحراني - حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثنا سليم بن عامر الكلاعي قال: سمعت أبا أمامة يقول: (سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) ]. أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه قال: [ (سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) ] وهذا يدل على أنه خطب يوم النحر صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا مؤمل يعني ابن الفضل الحراني حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر ]. هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليم بن عامر الكلاعي ]. سليم بن عامر الكلاعي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ سمعت أبا أمامة ]. هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. خطب الحج الخطب في الحج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي اليوم الثاني عشر أوسط أيام التشريق، لكن المعروف الآن والمشهور خطبة عرفة فقط؛ فهي التي فيها الصلاة بالناس والخطبة، لكن في هذا الزمان يوجد في مسجد الخيف كلمات كثيرة وخطب فيها توجيهات وبيان للمناسك وما إلى ذلك. وقت الخطبة في يوم النحر شرح حديث: (رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أي وقت يخطب يوم النحر؟ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي حدثنا مروان عن هلال بن عامر المزني حدثني رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي رضي الله عنه يعبر عنه، والناس بين قاعد وقائم) ]. قوله: [ باب أي وقت يخطب يوم النحر ]. ذكر فيما مضى يوم النحر، كما في حديث أبي أمامة وغيره، وهنا أراد أن يبين وقت الخطبة من النهار، فأورد حديث رافع بن عمرو المزني قال: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حيث ارتفع الضحى على بغلة شهباء) ]. أي: في الساعة التي يصلي فيها الضحى، وكان على بغلة شهباء. قوله: [ (وعلي رضي الله عنه يعبر عنه) ]. أي: كان رضي الله عنه يبلغ كلام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يصل إلى الناس البعيدين؛ وذلك لكثرتهم. قوله: [ (والناس بين قاعد وقائم) ]. يعني: كان بعضهم قائمين وبعضهم قاعدين يستمعون الخطبة. تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى...) قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي ]. عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثنا مروان ]. هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن عامر المزني ]. هلال بن عامر المزني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي . [ حدثني رافع بن عمرو المزني ]. رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . ما يذكر الإمام في خطبته بمنى شرح حديث: (خطبنا رسول الله ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم...) قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى. حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى، فَفُتِحَتْ أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار، فوضع أصبعيه السبابتين، ثم قال: بحصى الخذف، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناس بعد ذلك) ]. قوله: [ باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى ]. لما ذكر فيما مضى الأيام التي يخطب فيها أتى بهذه الترجمة لبيان المواضيع التي جاءت في الخطب. وقد أورد حديث عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه قال: [ (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا) ] يعني: أن الله تعالى فتح أسماعهم حتى بلغهم صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا في أماكن بعيدة، بل كان منهم من يكون في رحله، وهذه من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى يبلغ صوته للناس عن بعد، وهذا -كما هو معلوم- يحصل في بعض الخطب، وفي بعضها لا يحصل؛ لأن الحديث الذي مر سابقاً أن علياً رضي الله عنه كان يبلغ الناس، وهنا الصوت يصل إلى الناس جميعاً، حتى الذين في رحالهم ولم يأتوا ليصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ويحضروا خطبته وصل إليهم صوت النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فطفق يعلمهم مناسكهم) ] يعني: جعل يعلمهم المناسك وما هو مطلوب منهم. قوله: [ (حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال: بحصى الخذف) ] يعني: حتى بلغ في الخطبة إلى ذكر ما يتعلق بحصى الجمار، فأشار أنها مثل حصى الخذف، وأنها تكون حين يرمي بها بين الأصابع. وحصى الخذف: هو حجر صغير فوق الحمص ودون البندق، أي: مثل نواة التمر تقريباً. وليس معنى ذلك أن حصى الخذف ترمى بين السبابتين وإنما ترمى بيد واحدة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين حصى الخذف الذي يكون بالأصابع؛ لأن الحجر الكبير لا يرمى بالأصابع وإنما يرمى بها الحجارة الصغيرة، وهذا ليس بياناً لكيفية الرمي وإنما هو بيان لحصى الخذف. قوله: [ (ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل الناس بعد ذلك) ]. وهذا لا ينافي ما تقدم من كون هؤلاء كانوا عن ميمنة القبلة وهؤلاء عن مسيرتها، فإن معناه: أن المهاجرين في مقدمة القبلة مع الميمنة وأولئك في ميسرتها مع المؤخرة. تراجم رجال إسناد حديث: (خطبنا رسول الله ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي ]. هؤلاء مر ذكرهم. حكم المبيت بمكة ليالي منى شرح حديث ابن عمر: (أما رسول الله فبات بمنى وظل) قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب يبيت بمكة ليالي منى. حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثني حريز -أو أبو حريز الشك من يحيى - أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل) ]. قوله: [ باب يبيت بمكة ليالي منى ]. يعني: ما حكم المبيت بمكة ليالي منى؟ والجواب عن هذا: أن من كان معذوراً كالذين يسقون الحجاج ومن كان في حكمهم كالرعاة فلهم أن يتركوا المبيت بمنى، وأما غيرهم فعليهم أن يبيتوا بمنى، والنبي صلى الله عليه وسلم بات بمنى، وأذن للرعاة والسقاة وغيرهم أن يبيتوا خارج منى، أما من ليس في حكمهم فليس له أن يبيت خارج منى. وعلى هذا فإن المبيت بمكة ليالي منى لا يسوغ إلا لمن كان معذوراً، ولمن رخص له مثل الترخيص للسقاة؛ لأن هؤلاء وأمثالهم هم الذين يمكن أن يبيتوا بمكة، وأما غيرهم من الحجاج فإن الأصل في المبيت أن يكون بمنى، ويجب أن يكون الحاج أغلب الليل في منى، كأن يكون في مكة في أول الليل ثم يأتي إلى منى ويكون فيها أكثر الليل، المهم أن يكون في منى أكثر الليل وأغلب الليل؛ لأن المبيت واجب، ولو كان غير واجب لما احتيج إلى أن يُستَأذن في تركه للسقاة والرعاة، فهذا الاستئذان يدل على أنه واجب. قوله: [ سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة فيبيت على المال، فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل). ] أخبر ابن عمر لما سئل أنهم كانوا يتبايعون ويجلسون في مكة من أجل المال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بمنى ليلاً ومكث بها نهاراً، فكلمة (بات) تدل على الليل، وكلمة (ظل) تدل على النهار. فمعنى ذلك أن مكان مكثه في الليل والنهار عليه الصلاة والسلام إنما هو منى. لكن كما عرفنا أن النهار لو ذهب والإنسان ليس في منى فلا يترتب عليه شيء، وأما المبيت لو ذهب وليس هو في منى، فإنه يترتب عليه شيء، إلا من أذن له كالسقاة والرعاة، وكذلك من في حكمهم، مثل المسئولين عن الشئون الصحية وما إلى ذلك من الأمور التي يحتاج الناس فيها إليهم. والحديث في إسناده رجل مجهول، لكن كما عرفنا أن المبيت بمنى مطلوب، وأن الإنسان إذا تركه وهو غير معذور فإنه يكون عليه فدية، وأما من كان معذوراً بالأعذار التي جاء ذكرها في السنة فليس عليه شيء. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أما رسول الله فبات بمنى وظل) قوله: [ حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي ]. أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا يحيى عن ابن جريج ]. يحيى مر ذكره، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حريز أو أبو حريز ]. حريز أو أبو حريز رجل مجهول، أخرج له أبو داود . [ الشك من يحيى ]. يعني: الذي قال: حريز أو أبو حريز هو يحيى شيخ شيخ أبي داود . [ يسأل ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره. شرح حديث: (استأذن العباس رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (استأذن العباس رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له) ]. أورد المصنف رحمه الله حديث ابن عمر قال: [ (استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له) ] وهذا يدل على أن بعض الحجاج يمكن أن يرخص لهم في ترك المبيت بمنى، كالذين هم بحاجة إلى خدمة الحجاج في أماكن أخرى؛ كرعاية الإبل، أو الشرط الذين يحتاج إليهم في الأعمال الأخرى، وكذلك أهل الطب الحجاج الذين يحتاج لهم في أماكن أخرى، فإنهم في حكم هؤلاء. والاستئذان في ترك المبيت بمنى يدل على وجوب المبيت لغير أصحاب الأعذار. تراجم رجال إسناد حديث: (استأذن العباس رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المصغر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. مر ذكره. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
الأسئلة حكم من ترك المبيت في ليالي منى السؤال: من ترك المبيت في منى في الثلاث الليالي فهل تجب عليه فدية واحدة أو ثلاث؟ الجواب: تجب عليه فدية واحدة، سواء ترك المبيت في الليالي الثلاث أو ليلة واحدة، وكذلك الجمرات من ترك واحدة فعليه فدية، ومن تركها كلها فعليه فدية. وجه الارتباط بين الحج وزيارة المسجد النبوي السؤال: هل هناك ارتباط بين الحج وزيارة المسجد النبوي؟ وهل الزائر يمكث أياماً معلومة؟ الجواب: ليس هناك ارتباط، فيمكن أن يسافر الإنسان من بلده للحج ويرجع إلى بلده دون أن يأتي إلى المدينة، ويمكن أن يأتي الإنسان من بلده للمدينة وزيارة هذا المسجد ويرجع دون أن يحج، فلا ارتباط بين هذا وهذا، بل يمكن أن ينشئ لهذا سفراً مستقلاً ولهذا سفراً مستقلاً، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). أما بالنسبة للزائر فليس هناك أيام معلومة يمكث فيها في المدينة، بل الأمر في ذلك واسع، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة فكلما زاد فهو خير، ولكنه ليس مقيداً بأيام ولا بصلوات معلومة، والحديث الذي ورد أنه (يصلي أربعين صلاة) أي: ثمانية أيام، غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أن الصلاة فيه بألف صلاة، أي: أن الصلاة فيه خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام، وإذا كان الإنسان سيذهب من المدينة إلى مكة، فسينتقل من مكان الصلاة فيه بألف إلى مكان الصلاة فيه بمائة ألف صلاة. متى يسعى المفرد والقارن السؤال: الحاج المفرد إذا عاد من عرفة في يوم النحر، هل يطوف طواف الإفاضة ويسعى أم يطوف فقط؟ الجواب: إذا كان قد سعى مع القدوم فإنه لا يسعى مع الإفاضة، وإن كان لم يدخل مكة إلا بعد الحج فلا بد بعد الطواف من السعي؛ لأن المفرد عليه سعي واحد، وعليه طواف واحد وهو طواف الإفاضة، وكذلك القارن إذا دخل مكة قبل الحج وطاف طواف القدوم فله أن يسعى مع القدوم. إذاً: القارنون والمفردون إذا سعوا مع القدوم فلا يسعون مع الإفاضة، أما إذا لم يكونوا دخلوا مكة إلا بعد الحج فيتعين عليهم أن يسعوا بعد طواف الإفاضة. حكم تأخير طواف الإفاضة والسعي مع طواف الوداع السؤال: هل يصح أن يؤخر المرء طواف الإفاضة مع طواف الوداع وكذلك السعي؟ الجواب: لا بأس، له ذلك، لكن ينوي الإفاضة ويسافر بعده؛ لأن المقصود بالوداع أن يكون آخر عهده بالبيت. أما السعي فإن كان متمتعاً فعليه سعي بعد طواف الإفاضة، وإن كان قارناً أو مفرداً فإن كان سعى مع القدوم فليس عليه سعي، وإن كان لم يدخل مكة إلا بعد الحج أو أنه طاف القدوم ولم يسع للإفاضة، فإنه يسعى بعد الحج، فإذا طاف وسعى وغادر بعد ذلك فإنه يكون آخر عهده بالبيت؛ لأن السعي تابع للطواف. حكم من نوى الإفراد ثم تحول بعد الإحرام إلى التمتع السؤال: شخص نوى أن يحج مفرداً عند الميقات، وبعد قدومه مكة نصحه أحد أقرانه أن يحول حجه إلى حجة تمتع، فسعى وطاف وتحلل، ثم عندما جاء يوم التروية أحرم بالحج من مقامه بمكة، فهل فعله هذا صحيح؟ الجواب: نعم، هذا هو العمل الصحيح، إذا دخل الإنسان في القران أو الإفراد ولم يسق هدياً فإن الأولى في حقه أن يتحول إلى عمرة ويكون متمتعاً، فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، وفي اليوم الثامن يحرم بالحج من منزله بمكة، أو من منى إن كان نازلاً بمنى، وعليه هدي تمتع. حكم لبس الساعة والحزام والخاتم والنظارات للمحرم السؤال: ما حكم لبس الساعة والحزام للمحرم؟ الجواب: لا بأس بهما، الساعة والخاتم والحزام والنظارات، كل هذه لا بأس بها. خطأ القول بأن الإفراد في الحج خاص بأهل مكة السؤال: ما مدى صحة القول بأن الإفراد خاص بأهل مكة؟ الجواب: هذا ليس بصحيح, بل أهل مكة لهم أن يتمتعوا ولهم أن يقرنوا، ولهم أن يفردوا، وليس الإفراد خاصاً بأهل مكة, بل الإفراد والقران والتمتع كلها لهم ولغيرهم. حكم الإحرام بالحج من جدة لمن جاء إليها للعمل السؤال: رجل جاء من بلده للعمل في جدة, وسيسمح له في وقت الحج بأداء فريضة الحج, فهل يلزمه الإحرام من الميقات, أم يجوز له الإحرام من جدة؟ الجواب: إذا جاء في أشهر الحج وهو عالم بأنه سيمكن من الحج, فمعنى هذا أنه لا يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم. بمعنى: أنه إذا قدم من بلده إلى جدة وهو يعلم أنه سيمكن من الحج، فإنه يحرم بعمرة من الميقات ويدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصر، ويرجع إلى جدة ويعمل بها, فإذا جاء وقت الحج يحرم بالحج ويكون متمتعاً, وإن كان لا يدري هل سيسمح له أو لا, وهو لا يريد عمرة في هذا السفر، فله أن يذهب إلى جدة, وبعد ذلك إن سمح له بالحج أحرم في وقت الحج، وإن لم يسمح له فإنه يبقى دون أن يحرم. سبب طواف بعض أهل الجاهلية عراة السؤال: لماذا يطوف أهل الجاهلية وهم عراة؟ الجواب: هكذا شأن بعض أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك, ولا أدري ما وجه ذلك, لكنه ثابت كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعلن هذا الإعلان: (ألا يحج بعد العام مشرك, ولا يطوف بالبيت عريان). مقدار الوقوف المجزئ بعرفة السؤال: ما مقدار الوقوف المجزئ بعرفة؟ الجواب: أقل شيء ولو لحظة في عرفة فإنه يجزئ. حكم الاستراحة في الطواف للمريض ومن يرافقه السؤال: أنا شخص لا أقدر على الطواف بسبب المرض, فهل يجوز لي أن أطوف وأجلس قليلاً ثم بعد ذلك أكمل؟ وهل يجوز أن تجلس معي زوجتي التي ترافقني في الطواف؟ الجواب: يجوز للإنسان إذا تعب في الطواف أن يجلس ويستريح, وله أن يركب، وله أن يطوف محمولاً, له هذا وله هذا, وزوجته التي معه لا بأس أن تبقى معه. حكم من نام أثناء الوقوف بعرفة السؤال: إذا نام الحاج وقت الوقوف بعرفة، فهل عليه شيء؟ الجواب: الإنسان في عرفة يحرص على أن يكون متنبهاً وأن يكون يقظاً، وأن يحذر من أن يضيع ذلك الوقت عليه في نوم أو في غفلة أو سهو, ولهذا شرع للحجاج أن يكونوا في عرفة مفطرين لا أن يكونوا صائمين؛ وذلك ليكون أنشط لهم, وأبعد عن الكسل، ومعلوم أن كون الإنسان ينام أربعاً وعشرين ساعة في يوم عرفة وليلة عرفة وليلة مزدلفة، فهذا يعتبر ما وجد منه الحج, لكن كونه يكون مستيقظاً ولو لحظة واحدة في وقت الوقوف فإنه يعتبر قد وقف. حكم تمتع من أتى بعمرة في أشهر الحج ثم خرج من الحرم السؤال: إذا أتى رجل بعمرة في أشهر الحج فهل يكون متمتعاً؟ الجواب: إذا جاء الإنسان من بلده وأتى بعمرة في أشهر الحج، ومكث في مكة أو مكث في أماكن أخرى ولم يرجع إلى بلده فإنه يكون متمتعاً, أما إذا رجع إلى بلده فقد انقطع تمتعه, وإذا أراد أن يتمتع فعليه أن يأتي بعمرة أخرى عندما يسافر من بلده إلى الحج. إذاً: الإنسان إذا رجع إلى بلده الذي هو قاطن فيه ومستقر فيه فإنه ينقطع التمتع، أما لو جاء من بلده إلى مكة ثم ذهب إلى الرياض أو ذهب إلى الطائف أو ذهب إلى المدينة، فلا يعتبر خروجه من الحرم قاطعاً لتمتعه بل هو متمتع؛ لأنه جاء إلى الحج وسفره واحد، ولكنه إذا أراد أن يمر بالميقات فعليه أن يدخل محرماً ولا يجوز أن يدخل بدون إحرام، فإن أحرم بالحج فهو على تمتعه، وإن أحرم بعمرة فيطوف ويسعى ويتحلل ثم يحرم بالحج يوم الثامن، وهذا أفضل، فيكون معه عمرتان وحج، وليس عليه إلا هدي واحد الذي هو هدي التمتع. حكم المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة السؤال: إذا حاضت في الحج وهي لم تطف طواف الإفاضة، ويصعب عليها الانتظار حتى تطهر، فهل لها أن تطوف وهي حائض؟ الجواب: ليس لها أن تطوف وهي حائض بل عليها أن تنتظر، وإذا كان يصعب عليها الانتظار ومن السهل أن تسافر ثم ترجع، فإنها تسافر وترجع وهي باقية على إحرامها، لكن لا يجامعها زوجها إذا كان لها زوج، وإذا طهرت فترجع وتأتي بطواف الإفاضة، والسعي إذا كان عليها سعي. حكم حديث (من حج فلم يزرني فقد جفاني) وعلاقة الزيارة بالحج السؤال: (من حج فلم يزرني فقد جفاني) هل هذا صحيح؟ الجواب: لم يصح شيء من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن الحج لا علاقة له بالزيارة؛ لأنه يمكن للإنسان أن يحج ولا يزور ويمكن للإنسان أن يزور المدينة ولا يحج؛ لأن كلاً من البلدين يمكن أن ينشئ المرء لها سفراً، فيمكن أن يسافر للحج ويرجع إلى بلده، ويمكن أن يسافر من بلده للمدينة ويرجع إلى بلده، ويمكن أن يجمع بين الحج والزيارة في سفرة واحدة، لكن حديث: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) وغيره من الأحاديث التي تتعلق بالزيارة لقبره صلى الله عليه وسلم، خاصة التي فيها أن من زاره فله كذا وأن من لم يزره فعليه كذا، كل هذه لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي إما باطلة وموضوعة وإما ضعيفة جداً، كما بين ذلك أهل العلم. حكم تكرار السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة من الزائر السؤال: هل يستحب لمن زار المسجد النبوي أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل صلاة؟ الجواب: ليس لمن زار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكرر السلام بعد كل صلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام)، فالإنسان إذا صلى وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الملائكة تبلغه، كما ثبت في هذين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتكرار الزيارة يدخل تحت مخالفة هذا الحديث حيث قال: (لا تتخذوا قبري عيداً)، والعيد هو ما يتكرر، ومعنى ذلك أنهم يكررون الزيارة، ولهذا قال بعدها: (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) فليس معناه: أن الفائدة لا تحصل إلا إذا كنتم عند القبر، بل تحصل من أي مكان كنتم فيه. حكم من جامع زوجته ليلة مزدلفة السؤال: رجل جامع زوجته ليلة مزدلفة فما حكم حجه؟ الجواب: يفسد حجه ويكمله فاسداً، ويلزمه أن يحج من السنة القادمة ويذبح بدنة. حكم رمي الزوج عن زوجته الحامل السؤال: رجل معه زوجته وهي حامل، فهل يمكن أن يرمي عنها؟ الجواب: نعم، يمكن أن يرمي عنها إذا كانت حاملاً، خاصة إذا كان ذهابها إلى الجمرة فيه مشقة عليها. حكم المرور بمزدلفة وعدم المبيت بها السؤال: بعض البعثات الحكومية لا يقفون بمزدلفة بل يمرون عليها مروراً فهل هذا سائغ؟ الجواب: ليس هذا بسائغ بل، الواجب هو المبيت بمزدلفة أكثر الليل، هذا الواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص للضعفة في آخر الليل، وهو صلى الله عليه وسلم بقي حتى صلى الفجر في أول الوقت، ومكث يدعو حتى أسفر جداً، فدل هذا على أن المبيت واجب. بيان أفضل الأنساك السؤال: أي النسك أفضل؟ الجواب: التمتع أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين كانوا قارنين ومفردين أن يفسخوا إحرامهم إلى عمرة، وأن يكونوا ممتعين، وتمناه بقوله: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي)وقوله: (لولا أن معي الهدي لأحللت ولجعلتها عمرة)، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يرشد إلى الانتقال من مفضول إلى فاضل، ولا يرشد إلى الانتقال من فاضل إلى مفضول؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الناس للناس. حكم الحج والعمرة عن الأبوين المتوفيين وكيفيتهما السؤال: ما حكم الحج والعمرة عن الأبوين المتوفيين؟ وإذا كانت عمرة فمتى تكون قبل الحج أو بعده؟ الجواب: الميت يحج عنه ويعتمر، بل العمرة المشروعة هي عمرة التمتع، يحرم الإنسان بعمرة من الميقات ثم يدخل مكة ويطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، وإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج، فهذا هو المتمتع، وهذه هي العمرة المشروعة والمستحبة، والإنسان يحج لنفسه ولغيره بهذه الطريقة، ولكنه لا يجمع لأبويه حجة واحدة، وإنما يحج عن أبيه مرة وعن أمه مرة، أما أن يجعل الحج لهما جميعاً، أو العمرة لهما جميعاً فلا يصح ذلك، لكن يمكن أن يعتمر عن شخص ويحج عن شخص إذا كان متمتعاً. الحكمة من تقبيل الحجر الأسود السؤال: ما الهدف من تقبيل الحجر الأسود؟ الجواب: اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال حين وقف أمام الحجر: (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). إذاً: المعول عليه والمعتمد عليه في ذلك اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، سواء عرفت الحكمة أو لم تعرف؛ لأنه لا يلزم من الاتباع أن الإنسان لا يفعل الشيء المشروع إلا إذا عرف الحكمة، وإنما يقدم الإنسان على ما أمر به عرف الحكمة أو لم يعرفها. حكم من حجت ورجعت إلى أهلها دون أن تعتمر السؤال: أتت امرأة مع زوجها إلى الحج فحجت معه، ثم توفي فرجعت إلى أهلها دون أن تعتمر فما الحكم؟ الجواب: إن كانت أحرمت بالحج فقط ولم تعتمر، فإن عمرة الإسلام باقية عليها، وإذا كان قد سبق أن اعتمرت في حياتها، وأدت عمرة الإسلام، فليس عليها شيء. حكم طواف القدوم السؤال: هل طواف القدوم واجب؟ الجواب: ليس بواجب وإنما هو مستحب، ولهذا يمكن للإنسان لو جاء متأخراً أن يأتي إلى عرفة رأساً ولا يدخل مكة إلا بعد الحج. أيام رمي الجمرات السؤال: ما حكم من وقف بعرفة ثم ذهب إلى مزدلفة، لكنه لم يرم الجمرات إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة؟ الجواب: الجمرة لا ترمى إلا في يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده، واليوم الثامن يذهب الناس إلى منى ويبيتون بها ليلة التاسع، وفي صباح اليوم التاسع بعد طلوع الشمس يذهب الناس إلى عرفة، وإذا غربت الشمس جاءوا إلى مزدلفة، وإذا صلوا الفجر ودعوا بعد صلاة الفجر حتى يسفر جداً فإنهم يأتون إلى منى ويرمون الجمرة، فيكون أول الرمي يوم العيد، فعندما يصل الإنسان إلى منى فأول شيء يعمله هو رمي الجمرة، وفي اليوم الحادي عشر يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، وفي اليوم الثاني عشر يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، وإن تأخر إلى اليوم الثالث عشر فإنه يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال. أما اليوم الثامن فليس فيه رمي، ويوم عرفة ليس فيه رمي، إنما يبدأ الرمي من يوم العيد، وبجمرة واحدة وهي جمرة العقبة. حكم صلاة المغرب والعشاء يوم عرفة بعرفة السؤال: ما حكم من صلى المغرب والعشاء بعرفة بعد غروب الشمس من يوم عرفة، فقيل له: خالفت السنة، فقال: إذا لم أصل المغرب والعشاء بعرفة فلن أستطيع أن أصليهما إلا بعد منتصف الليل؛ لأن السيارات لا تقف ولا يسمحون بالوقوف وهذا معلوم ومجرب؟ الجواب: هذا ليس بصحيح؛ لأن كل الحجاج يذهبون بعد الغروب ويصلون بمزدلفة المغرب والعشاء، وفيهم الذي يَصِلُ في وقت العشاء، والإنسان لو صلى بعرفة صحت صلاته ولا يقال: إن صلاته باطلة، ولكنه خالف السنة؛ لأن السنة أن تصلى المغرب والعشاء بمزدلفة وليس بعرفة، وكثير من الحجاج يصلون بمزدلفة، وفيهم من يصلي في وقت المغرب؛ لأنه وصل مبكراً، ومنهم من يصلي في وقت العشاء؛ لأنه جاء متأخراً، ولكن إذا انتصف الليل وهو في الطريق فله أن يصلي في الطريق؛ لأن الصلاة لا تؤخر عن وقتها، أما أن يقول من أول الوقت: أنا لا أستطيع، فما يدريك أنك لن تصل قبل نصف الليل؟ فيمكن أن تصل بعد ساعة أو أقل أو أكثر. حكم توكيل البنوك والمؤسسات لذبح الهدي وتوزيعه السؤال: هل يجوز توكيل المؤسسات والبنوك لذبح الهدي وتوزيعه؟ الجواب: الذي ينبغي للإنسان أن يقوم بذلك بنفسه، أو يوكل البنك الإسلامي للتنمية الذي رخص له من جهة الدولة أن يقوم بهذه المهمة، وهو يقوم بها ويوزع اللحوم في مكة وفي غير مكة، وترسل إلى كثير من البلاد في خارج المملكة المحتاجة إلى ذلك، أما كونه يوكل مطوفين أو يوكل مؤسسات أو ما إلى ذلك فلا ينبغي له ذلك؛ لأنه قد لا تكون هذه الجهات مأمونة، ولأنها غير مرخص لها في هذه المهمة، لكن كونه يوكل واحداً من الناس يثق به ويأمنه بأن يذهب هذا الوكيل إلى المجزرة ويشتري ذبيحة ويذبحها فلا بأس. إذاً: كونه يوكل الناس قد يأخذون الأموال ولا يصرفونها ولا يؤدون الأمانة، فإما أن يقوم بذلك بنفسه أو يوكل شخصاً يثق به، أو يوكل البنك الإسلامي للتنمية الذي رخص له من جهة الدولة، والذي يقوم بهذه المهمة، ويوزع اللحوم في داخل المملكة وخارجها. الحكمة من رمي الجمار السؤال: ما الحكمة من رمي الجمار، لأننا نسمع من بعض الناس أنها لرجم الشيطان؟ الجواب: لا يصلح أن يقول المسلم: إنه يرمي الشيطان، وإن الجمار هي الشياطين، وبعضهم عندما يرمي الجمرة يتكلم بكلام ساقط ويسب الشيطان ويتكلم عليه ويخاطبه، وقد يرمي بحصى كبار أو بنعال، فكل هذا من الجهل، ولكن على الإنسان أن يتبع السنة،وسواء عرف الحكمة أو لم يعرفها، وكذلك عند تقبيل الحجر الأسود يتبع المسلم السنة سواء عرف الحكمة أو لم يعرفها. حكم من حج متمتعاً وصام ثلاثة أيام في الحج ولم يصم السبعة الأيام من مدة طويلة السؤال: حضرت قبل سبعة عشر عاماً لأداء فريضة الحج، وحججت متمتعاً وصمت ثلاثة أيام بمكة، ولكن عند رجوعي إلى بلدي لم أصم السبعة الباقية، والآن حضرت وأنا مقيم بالمملكة وأنوي أن أحج هذا العام فهل هذا ممكن؟ وما حكم تلك الحجة؟ الجواب: الواجب عليه أن يصوم السبعة الباقية؛ لأنها في ذمته، فعليه أن يتدارك ويصوم السبعة الأيام؛ لتكمل العشرة التي قال الله عز وجل عنها: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [ البقرة:196 ]، فهي دين في ذمته، والواجب عليه المبادرة إلى الإتيان بها. حكم السعي مع الطواف في يوم العيد السؤال: هل هناك سعي مع الطواف في يوم العيد؟ الجواب: يوم العيد فيه طواف الإفاضة، والمتمتعون عليهم سعي؛ لأن كل متمتع عليه طواف وسعي للعمرة، ثم طواف وسعي للحج؛ لأن طواف العمرة وسعيها مستقل، وطواف الحج وسعيه مستقل، فمن كان متمتعاً فعليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة، ومن كان قارناً أو مفرداً، فإن كان قد سعى مع طواف القدوم فليس عليه سعي بعد الإفاضة، وإن كان لم يدخل مكة إلا بعد الحج، أو طاف للقدوم ولم يسع، فعليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة؛ لأن القارن والمفرد عليهما سعي واحد، وله محلان: بعد القدوم، وبعد الإفاضة، فإن فعله في المحل الأول فلا يفعله في المحل الثاني، وإن لم يفعله في المحل الأول تعين فعله في المحل الثاني. حكم الذكر والدعاء الجماعي مع الإمام بعد الصلاة السؤال: ما حكم الذكر والدعاء الجماعي مع الإمام بعد الصلاة؟ الجواب: هذا من الأمور المحدثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يذكر الله وهم يرددون وراءه، وإنما كان يذكر الله عز وجل وحده، وهم يذكرون الله ويرفعون أصواتهم كل لوحده، فلم يكن كل واحد منهم مرتبطاً بالآخر، فيمكن أن يقول أحدهم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، والآخر يقول: (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، فكل يذكر الله على حدة ويرفع صوته رفعاً خفيفاً، وأما الذكر بأن يستمع الناس للإمام ويرددون وراءه، فهذا من الأمور المحدثة. التحلل الأول والتحلل الثاني السؤال: للحج تحللان، هل هما بالحلق؟ الجواب: هناك تحلل أول وتحلل ثان. التحلل الأول: يكون بالحلق أو التقصير والرمي أو الطواف، أي: طواف الإفاضة، فإذا فعل اثنين من ثلاثة وجد التحلل الأول، وإذا أكمل الثلاثة وجد التحلل الثاني، والتحلل الأول يحل له كل شيء إلا النساء، والتحلل الثاني يحل له كل شيء حتى النساء، فإذا رمى وحلق أو قصر ثم طاف وسعى إن كان عليه سعي، فإنه يحل له كل شيء حتى النساء. مكان إحرام المتمتع للعمرة عن والدته السؤال: نويت الحج متمتعاً وأريد أن أقوم بعمرة عن والدتي، فمن أين أحرم بالعمرة؟ الجواب: إذا جئت من المدينة بعد الحج وأردت أن تذهب إلى مكة فأحرم بعمرة من المدينة واجعل ذلك لوالدتك، هذه هي العمرة المشروعة التي يؤتى بها من المواقيت من خارج الحرم. حكم قراءة القرآن عند القبور السؤال: هل قراءة القرآن الكريم عند القبور جائزة؟ الجواب: ليست بجائزة، فلا يجوز أن يقرأ القرآن في المقابر، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون للبيوت نصيب من الصلاة، وألا تكون مثل المقابر. أما المقابر إذا زارها المسلم فإنه يسلم على أهلها ويدعو لهم، أما أن يجلس ويقرأ القرآن فهذا ليس من السنة. حكم تنفيذ وصية الأهل بقراءة الفاتحة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: أوصاني أهلي أن أقرأ الفاتحة على روح النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم عليه بدلاً عنهم، فهل يلزمني طاعتهم؟ الجواب: لا تفعل، وإذا قالوا لك هذا الكلام مرة أخرى فقل لهم: صلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثروا من الصلاة والسلام عليه من مكانكم، فإن الملائكة تبلغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) والقرآن لا يقرأ ويُهدي لأحد، لا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره. حكم تأبط الزوج ذراع زوجته أثناء الإحرام السؤال: ما حكم تأبط الزوج ذراع زوجته أثناء الإحرام؟ الجواب: كونه يمسك بيدها من أجل أن يحافظ عليها حتى لا تنفلت منه، لا بأس بذلك، وأما إذا كان هناك شيء يتعلق بالشهوة ويتعلق بالميل إلى النساء فهذا لا يجوز. والله تعالى أعلم." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [229] الحلقة (260) شرح سنن أبي داود [229] من أحكام منى: قصر الصلاة فيها، ورمي الجمار، والمبيت فيها ليال التشريق، وقد جاءت السنة النبوية مبينة لما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة عندما حجوا. صفة الصلاة بمنى شرح حديث إتمام عثمان رضي الله عنه الصلاة بمنى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة بمنى. حدثنا مسدد أن أبا معاوية و حفص بن غياث حدثاه -وحديث أبي معاوية أتم- عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: (صلى عثمان رضي الله عنه بمنى أربعاً، فقال عبد الله رضي الله عنه: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر رضي الله عنه ركعتين، ومع عمر ركعتين، زاد عن حفص : ومع عثمان صدراً من إمارته ثم أتمها، زاد من هاهنا عن أبي معاوية : ثم تفرقت بكم الطرق، فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، قال الأعمش : فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه: أن عبد الله صلى أربعاً، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر) ]. قوله: [ باب الصلاة بمنى ]. الصلاة بمنى سواء كانت قبل يوم عرفة أو بعد يوم عرفة، فإنه يشرع للحاج أن يقصر الرباعية ولا يجمع؛ بل يصلي كل صلاة في وقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى بمنى يوم التروية الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثاً في وقتها كما هي، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها ركعتين كما هي، ثم انطلق إلى عرفة ثم إلى مزدلفة، ثم رجع إلى منى فكان يصلي بها في يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة كل صلاة في وقتها مقصورة وبدون جمع، وهذا هو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان في صدر من خلافته، ولكنه بعد ذلك أتم رضي الله عنه، والناس يصلون وراءه، ومعلوم أن هذا العمل الذي عمله عثمان يدل على أن الإتمام في حق المسافر جائز، والأولى هو القصر، لكن الإتمام سائغ وجائز. وقد ذكر العلماء عدة أوجه لفعل عثمان رضي الله عنه، منها: أنه رأى أن الأعراب كثروا، وأن الناس إذا جاءوا إلى الموسم والجهل فيهم كثير، فقد يظنون أن هذه كيفية الصلاة، وأن الصلاة ركعتان وليست أربعاً، فأراد أن يعلمهم. وقيل غير ذلك، ولكن الذي يمكن أن يقال: هو أن القصر هو الأفضل والأولى، والإتمام سائغ وجائز، وعثمان رضي الله عنه فعل ما هو سائغ وجائز، وسيأتي ذكر هذه الأوجه التي قيلت في وجه إتمام عثمان رضي الله عنه وأرضاه. وابن مسعود رضي الله عنه أنكر هذا؛ وذلك لأن القصر هو السنة وهو الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في أسفاره فإنه كان يقصر عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما ذكر له أنه أنكر على عثمان وقد صلى وراءه، قال: (الخلاف شر) يعني: أنه لا يترك الصلاة وراء الإمام من أجل أنه فعل فعلاً يرى عبد الله بن مسعود أن غيره أولى منه. فهو رضي الله عنه لم يتخلف عن الصلاة وراءه؛ لأن عثمان رضي الله عنه فعل أمراً سائغاً وليس أمراً محرماً، ولكن الشيء الذي كان يريده عبد الله رضي الله عنه هو أن تصلى الظهر والعصر والعشاء ركعتين ولا تصلى أربعاً. إذاً: هذا يدل على أن الإتمام جائز، وأن القصر هو الأولى والأفضل، وكونه يترك ما هو الأولى والأفضل ويصلي وراء الإمام الذي عمل باجتهاد منه، هذا فيه ترك للخلاف، وفيه عدم اختلاف الناس، واتفاقهم مع إمامهم وصلاتهم وراء إمامهم، وقد بين عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الخلاف شر، يعني: كون الناس يختلفون فهذا يصلي كذا، وهذا يصلي كذا، ويخالفون الإمام، والإمام فعل أمراً سائغاً جائزاً، فهذا ليس بجيد، وفيه شيء من الضرر، واجتماع القلوب واتفاقها ومتابعة الإمام في أمر هو سائغ وجائز وغير محرم أمر مطلوب، وهذا نظير ما حصل من أبي سعيد الخدري مع مروان بن الحكم لما قدم الخطبة يوم العيد قبل الصلاة، فإنه أنكر عليه، ولكنه لما صعد جلس ولم يترك المكان، وقال: (إن هذا خلاف السنة)، فدل على أن هذا العمل الذي عمله مروان ليس فيه اختلال شرط، وإنما ترك الأولى والأفضل، وصلاة العيد وجدت والخطبة وجدت ولكن السنة هي تقديم الصلاة على الخطبة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جلس من أجل ترك الخلاف، وأن مثل ذلك أمر يمكن أن يتابع فيه الإمام، وألا تترك الصلاة وراءه من أجل هذه المخالفة. قوله: [ (فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين) ] يعني: لو أن لي من الأربع الركعات التي فعلتها -وهي خلاف الأولى- ركعتين متقبلتين. قوله: [ (قال الأعمش : فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه: أن عبد الله صلى أربعاً، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر) ]. وهذا -كما أشرنا إليه- أنه تابع عثمان لأنه رأى أن الخلاف شر. أقسام الخلاف مسائل الخلاف منها ما هو اختلاف تنوع، ومنها ما هو اختلاف تضاد، واختلاف التضاد الذي يكون مبنياً على الاجتهاد يتابع فيه كل واحد الآخر ولو كان يرى خلافه، فمثلاً: هناك أمور اختلف فيها العلماء تتعلق بنقض الوضوء مثل الوضوء من لحم الإبل، فبعض العلماء يرى أن من أكل لحم إبل فإنه ينتقض وضوءه وعليه أن يتوضأ، وبعضهم يرى خلاف ذلك، ولكن لم يترك واحد منهم الصلاة خلف الآخر لأنه يرى خلاف رأيه. والمجتهدون يصلي بعضهم وراء بعض، ولم يقل أحدهم: أنا لا أصلي وراء فلان؛ لأنني أرى كذا وهو يرى كذا؛ لأن هذا من الخلاف الذي هو شر، ومعلوم أن العلماء يختلفون وكل يرى رأيه في المسألة، لكن لا يبتعد أحدهم عن الآخر؛ فمثل ذلك من الأمور الاجتهادية التي يتبع الناس فيها بعضهم بعضاً، وأما إذا كان الكل جائزاً ولكن أحد الوجهين أولى وأفضل كما هو موجود في مسألتنا، وهي أن الإتمام سائغ وجائز، بحيث لو صلى الإنسان متماً صحت صلاته ولكنه خالف الأولى، فعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرى أن السنة هي ركعتان، وأن الإنسان لا يتم في السفر، وعثمان رضي الله عنه لما أتم لم يخالفه عبد الله رضي الله عنه ولم يتخلف عن الصلاة وراءه، وعلل ذلك بأن الخلاف شر. إذاً: هذا من قبيل ما هو سائغ؛ لأنه ترك أمراً مفضولاً غيره أولى منه، لكن متابعة للإمام صلى خلفه متماً. تراجم رجال إسناد حديث إتمام عثمان رضي الله عنه الصلاة بمنى قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أن أبا معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حفص بن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحديث أبي معاوية أتم عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن يزيد ]. هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال الأعمش فحدثني معاوية بن قرة ]. معاوية بن قرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أشياخه عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. شرح أثر الزهري في سبب إتمام عثمان للصلاة بمنى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري : أن عثمان رضي الله عنه إنما صلى بمنى أربعاً لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج ]. أورد المصنف رحمه الله أثراً عن الزهري أن عثمان إنما أتم لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج، وهذا التعليل غير واضح من جهة أن عثمان رضي الله عنه كان مقره في المدينة، والمهاجرون لا يبقون في مكة أكثر من ثلاثة أيام، بل يعودون إلى دار هجرتهم، فقوله: أجمع على الإقامة بمكة هذا غير مستقيم. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح أثر إبراهيم النخعي في سبب إتمام عثمان للصلاة بمنى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن المغيرة عن إبراهيم قال: إن عثمان صلى أربعاً لأنه اتخذها وطناً ]. وهذا شبيه بالذي قبله، وهو لم يتخذها وطناً، ولم يبق بها، وإنما رجع إلى المدينة. قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة ]. هو المغيرة بن مقسم الضبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي وقد مر ذكره. يقول الحافظ في ترجمة المغيرة : ثقة متقن يدلس لا سيما عن إبراهيم ، وهنا يقول: عن إبراهيم ، فيكون الإسناد إلى إبراهيم فيه انقطاع، أو احتمال انقطاع. شرح أثر الزهري في سبب إتمام عثمان للصلاة بمنى من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال: لما اتخذ عثمان رضي الله عنه الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى أربعاً، قال: ثم أخذ به الأئمة بعده ]. وهذا أيضاً غير مستقيم؛ لأنه كما هو معلوم أن الخليفة إنما يقيم بالمدينة، وأن المهاجر لابد أن يرجع بعد هجرته إلى المدينة. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري قد مر ذكره. شرح أثر الزهري في ذكر سبب إتمام عثمان للصلاة بمنى من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن الزهري : أن عثمان بن عفان أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب؛ لأنهم كثروا عامئذ فصلى بالناس أربعاً ليعلمهم أن الصلاة أربع ]. وهذا أيضاً فيه أن الزهري علل أن عثمان رضي الله عنه إنما أتم ليعلم الأعراب الصلاة وأنها أربع، وأنهم لو رأوا الناس يصلون ثنتين لظنوا أن الصلاة الرباعية ركعتان، وأنها ليست أربعاً، وهذا هو أحسن ما قيل في التعليل؛ لأنه لا يتعلق بإقامة، ولا يتعلق بشيء فيه خلاف الواقع، ولكن كون التعليل به صحيحاً هذا لا يعرف إلا عن طريق تنصيص منه، ولكن الذي يظهر -كما أشرت- أن عثمان رضي الله عنه فعل أمراً سائغاً وأمراً جائزاً، ألا وهو الإتمام. وكذلك ما يذكره بعض العلماء: أنه تزوج زوجة من أهل مكة، فهذا أيضاً غير مستقيم؛ لأن الرسول كان معه أزواجه لما حج حجة الوداع وكان يقصر. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري قد مر ذكره. والشيخ الألباني رحمه الله لما ذكر هذه الآثار ضعفها كلها إلا هذا؛ وقال: إنه حسن. وهي كلها كما هو معلوم تنتهي إلى الزهري أو إلى إبراهيم ، وأسانيدها صحيحة إلا التدليس الذي من المغيرة عن إبراهيم . وهذه الآثار كلها إنما تتحدث عن تعليل فعل عثمان ، وكونه فعل ذلك من أجل الأعراب أقرب من التعليلات الأخرى، لكن كان بإمكانه أن يعلم الأعراب عن طريق الكلام وعن طريق التنبيه، وأن السنة القصر للمسافر، وأنهم في الحضر يتمون، فقد كان يمكن أن يبين ذلك من غير عمل. حكم القصر لأهل مكة شرح حديث: (صليت مع رسول الله بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القصر لأهل مكة. حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق حدثني حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه، وكانت أمه تحت عمر رضي الله عنه، فولدت له عبيد الله بن عمر ، قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع)، قال أبو داود : حارثة من خزاعة، ودارهم بمكة ]. قوله: [ باب القصر لأهل مكة ]. يعني: أهل مكة في حجهم هل يقصرون أو لا يقصرون، بعض أهل العلم قال: إنهم يقصرون؟ فلأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى معه الحجاج، ولم يقل لأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، إنما قال ذلك بمكة عام الفتح، حيث أهل مكة بمكة، وأما هذا فكان في الحج، فبعض أهل العلم يرى أن أهل مكة إذا حجوا يقصرون ويصلون مع الناس في صلاتهم، وأنه لا يلزمهم الإتمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج معه الخلق الكثير، ولم يقل لأهل مكة: أتموا، وبعض أهل العلم قال: إن ذهاب أهل مكة للحج ليس بسفر، فعليهم أن يتموا ولا يقصروا، فالمسألة فيها خلاف بين أهل العلم على ما بيناه. وقد أورد أبو داود حديث حارثة بن وهب الخزاعي أنه قال: [ (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع) ] يعني: أنهم بلغوا من الكثرة ما بلغوا، وأنه صلى بهم ركعتين، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أتموا، ومن أهل العلم من قال: إن هذا الحديث لا يدل على أن أهل مكة يتمون؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر؛ لأنه مسافر، وهو الذي صلى بالناس، لكن أهل مكة يمكن أنهم كانوا يصلون بغير قصر، وبعضهم يقول: إنه لو كان أهل مكة لا يقصرون وأن عليهم أن يتموا لبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن تأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة، وهذا مثلما مر في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين) ولم يقل: ليقطعهما، فهنا لم يبين القطع، وقد سبق أن بينه فيما مضى، قالوا: إن الفعل الآخر يكون ناسخاً للفعل الأول، وهنا لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن عليهم أن يتموا. إذاً: لهم أن يصلوا كما يصلي الناس، وذلك ليس لأجل السفر، وإنما هو لأجل النسك، وإلا فإن أهل مكة إذا ذهبوا إلى منى أو ذهبوا إلى عرفة في غير وقت الحج فإنهم يتمون؛ لأن القصر هنا للنسك، وليس ذلك سفراً؛ لأن المسافة قريبة جداً. تراجم رجال إسناد حديث: (صليت مع رسول الله بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حارثة بن وهب الخزاعي ]. حارثة بن وهب الخزاعي صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وكانت أمه تحت عمر فولدت له عبيد الله بن عمر ]. هذا زيادة تعريف به، وأن عبيد الله بن عمر أخوه لأمه. [ قال أبو داود : حارثة من خزاعة ودارهم بمكة ]. يعني: أنه من أهل مكة، ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتموا يا أهل مكة. ما جاء في رمي الجمار شرح حديث: (رأيت رسول الله يرمي الجمرة من بطن الوادي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في رمي الجمار. حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الناس! لا يقتل بعضكم بعضاً، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف). ]. قوله: [ باب في رمي الجمار ]، رمي الجمار يكون في يوم العيد والثلاثة الأيام التي بعده، فيوم العيد يرمي الحاج فيه جمرة واحدة وهي جمرة العقبة، وهي أقربهن إلى مكة، بل جمرة العقبة نهاية منى من جهة مكة، فما كان من بعد جمرة العقبة إلى مكة كل هذا ليس من منى، فجمرة العقبة هي نهايتها من جهة مكة، والرمي يوم النحر مقصور على هذه الجمرة، ووقت رميها من بعد طلوع الشمس إلى غروبها، والذين رخص لهم أن ينصرفوا آخر الليل لهم أن يرموا قبل الفجر، كما مر بنا بعض الأحاديث عن أم سلمة وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما. وأما في أيام التشريق الثلاثة فالرمي يكون بعد الزوال، في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين ويتحرى الزوال، فإذا زالت الشمس رمى قبل أن يصلي، ثم يصلي الظهر صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن الرمي في الأيام الثلاثة إنما يكون بعد الزوال، ومن لم يستطع أن يرمي قبل غروب الشمس بسبب شدة الزحام وكثرة الناس فله أن يؤخر الرمي إلى الليل، ولكن الرمي لا يقدم عن وقته، أي: قبل الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام الثلاثة كلها: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر كان موجوداً بمنى، وكان ينتظر زوال الشمس، فإذا زالت رمى الجمرات الثلاث، وبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، وهي الجمرة التي رماها يوم العيد وحدها، في الأيام الثلاثة آخر الجمرات. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم جندب الصحابية رضي الله عنها أنها قالت: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة) ]. يعني: أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد وهو راكب. ثم قالت: [ (ورجل خلفه يستره) ] وقد مر في الحديث: (أنه كان يظلل بثوب حين رمى جمرة العقبة صلى الله عليه وسلم). ثم قالت: [ (وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! لا يقتل بعضكم بعضاً) ]، يعني: لا يقتل بعضكم بعضاً بسبب الزحام، أو بسبب الحصى التي يرمى بها، خاصة إذا كانت كبيرة فتكون سبباً في قتلهم، وحتى لو كانت الحصى صغيرة فعلى الحاج ألا يرمي بها من مكان بعيد فتقع على رءوس الناس ولا تقع في المرمى، وإنما ينبغي أن يرمي بحصى صغيرة مثل حصى الخذف، ولا بد أن تكون في المرمى، وأما لو رمى من مكان بعيد فقد تقع على رءوس الناس، فيكون بذلك لم يرم الجمرة، وفي نفس الوقت ألحق الضرر بغيره، ولهذا فعلى المسلم أن يحرص أن يصل حصى الرمي إلى الحوض، أو يكون قريباً من الحوض، فيقع في المرمى، وينبغي ألا تكون الحصى كبيرة، بل بمقدار حصى الخذف، فوق الحمص ودون البندق، مثل نوى التمر تقريباً. ثم قالت: [ (فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس) ]. وسبق أن مر بنا أنه أسامة بن زيد أو بلال بن رباح رضي الله تعالى عنهم أجمعين. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يرمي الجمرة من بطن الوادي قوله: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي ]. إبراهيم بن مهدي مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن مسهر ]. علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص ]. سليمان بن عمرو بن الأحوص مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أمه ]. أمه هي أم جندب وهي صحابية، أخرج لها أبو داود و ابن ماجة . هذا الحديث في إسناده مقبولان وضعيف، ولكنه صحيح من جهة أنه قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي، أي: جعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، ولو لم يأت إلا من هذا الطريق لما صح الحديث، لكن الحديث جاء من طرق أخرى صحيحة، فيكون صحيحاً. شرح حديث أم جندب في رمي جمرة العقبة من طريق ثانية وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد و وهب بن بيان قالا: حدثنا عبيدة عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه رضي الله عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند جمرة العقبة راكباً، ورأيت بين أصابعه حجراً فرمى ورمى الناس) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم جندب من طريق أخرى، وأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم راكباً عند جمرة العقبة، وفي يده حجر، أي: حصى الجمار التي هي فوق الحمص ودون البندق، فكان يرمي والناس يرمون معه صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ]. أبو ثور إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ و وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبيدة ]. هو عبيدة بن حميد، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه ]. قد مر ذكرهم. شرح حديث أم جندب في رمي جمرة العقبة من طريق ثالثة وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس حدثنا يزيد بن أبي زياد بإسناده في مثل هذا الحديث زاد: (ولم يقم عندها). ]. قوله: [ (ولم يقم عندها) ] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف عند الأولى والثانية ولا يقف عند الثالثة التي هي جمرة العقبة. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء مر ذكره. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد بإسناده ]. وقد مر ذكره. شرح حديث ابن عمر أنه كان يأتي الجمار أيام التشريق ماشياً ذاهباً وراجعاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا عبد الله -يعني ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً وراجعاً، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : [ (أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشياً ذاهباً وراجعاً ويخبر أن النبي صلى الله عليه كان يفعل ذلك) ]، وهذا يحمل على غير يوم العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يوم العيد وهو على راحلته من مزدلفة، واستمر حتى وصل إلى الجمرة ورمى، وأما في الأيام الأخرى فكان يذهب ماشياً عليه الصلاة والسلام ويرجع ماشياً؛ لأن المنازل كانت عند مسجد الخيف، ومسجد الخيف قريب من الجمرات. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر أنه كان يأتي الجمار أيام التشريق ماشياً ذاهباً وراجعاً قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله يعني ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر العمري المصغر وهو ضعيف، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولكن معناه ثابت في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب ماشياً في غير أيام العيد. شرح حديث: (رأيت رسول الله يرمي على راحلته يوم النحر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، يقول: لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه حيث يقول: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر) ]، يعني: يوم العيد؛ لأنه جاء من مزدلفة إلى الجمرة رأساً ورماها وهو راكب. قوله: [ (لتأخذوا عني مناسككم) ] هذا من الكلمات الجامعة والألفاظ العامة، وهو من جنس قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي). قوله: [ (فلعلي لا أحج بعد حجتي هذه) ]، ولهذا سميت حجته حجة الوداع؛ لأنه ودع فيها الناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يرمي على راحلته يوم النحر...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (رأيت رسول الله يرمي على راحلته يوم النحر من طريق ثانية وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس) ]. هذه طريق أخرى لحديث جابر رضي الله عنه وفيه: (أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يرمي يوم النحر على راحلته ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس) ]، أي: بعد أيام النحر في الأيام الثلاثة، التي هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر فإنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام يرمي بعد زوال الشمس. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله ]. قد مر ذكر هذا الإسناد. شرح حديث ابن عمر: (كنا نتحين زوال الشمس فإذا زالت الشمس رمينا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان عن مسعر عن وبرة قال: (سألت ابن عمر رضي الله عنهما: متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم، فأعدت عليه المسألة فقال: كنا نتحين زوال الشمس فإذا زالت الشمس رمينا) ]. أورد أبو داود حديث وبرة بن عبد الرحمن أنه سأل ابن عمر قال: [ (متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم) ]. يعني: إنما يكون الرمي بعد الزوال، والمقصود بذلك الإمام الذي يقتدى به، والذي يكون على علم بالسنة وهو يطبق السنة، وأما إذا وجد من يخالف السنة ومن يرمي قبل الزوال فإنه لا يرمى معه، وإنما يرمى بعد الزوال؛ لأن الرمي قبل الزوال لا يجوز ولا يصح، فمن رمى قبل الزوال يجب عليه أن يعيده بعد الزوال، وإن لم يعده فإنه لم يرم، وهو كالذي يصلي الظهر قبل الزوال لا تصح صلاته، فكذلك الذي يرمي قبل الزوال لا يصح رميه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في منى ثلاثة أيام متوالية وفي كلها ينتظر الشمس حتى تزول ثم يرمي، حتى في اليوم الثالث عشر انتظر حتى زالت الشمس ثم رمى، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم في يوم واحد من الأيام الثلاثة، حتى يبين أنه جائز، لكن كونه يتحرى الزوال في أيام ثلاثة متوالية فإنه يدل على أن الرمي قبل الزوال لا يجوز، وأن من رمى قبله فعليه أن يعيد، وإن لم يعد فإنه لم يرم وعليه فدية، وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم إن استطاع، وإلا صام عشرة أيام مكانها. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كنا نتحين زوال الشمس فإذا زالت الشمس رمينا قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ]. هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، وهو صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ]. هو مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وبرة ]. هو وبرة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ قال: سألت ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره. شرح حديث: (ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن بحر و عبد الله بن سعيد المعنى قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية، ويطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها). ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت:[ (أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه -يعني: يوم النحر- حين صلى الظهر) ] وهذا غير محفوظ وغير ثابت؛ لأن المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفاض ضحى، وإنما هل صلى بمكة الظهر أو صلى بمنى بعد رجوعه؟ هذا الذي فيه الخلاف، وأما كونه لم يذهب إلى مكة إلا بعد الظهر فهذا منكر وغير ثابت، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة أنه صلى الله عليه وسلم أفاض ضحى بعدما رمى وحلق وتحلل وطيبته عائشة رضي الله عنها. قولها: [ (ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق) ]. أي: ليالي وأيام التشريق كان يبيت ويقيم بها. قولهها: [ (يرمي الجمرة إذا زالت الشمس) ]. أي: في الأيام التي بعد يوم العيد كان يرمي الجمرة فيها إذا زالت الشمس، وهذا جاء في أحاديث كثيرة أنه كان يرمي بعد الزوال في الأيام الثلاثة. قولها: [ (كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة) ]. أي: أن كل جمرة ترمى بسبع حصيات، وأنه يكبر مع كل حصاة. قولها: [ (ويقف عند الأولى والثانية فيطيل ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها) ]. أي: أنه عندما يرمي الأولى يقف ويدعو ويتضرع، وعندما يرمي الثانية كذلك، وأما الثالثة فإنه لا يقف عندها. إذاً: الوقوف ورفع اليدين والسؤال والدعاء إنما يكون بعد الأولى والثانية، وأما الثالثة فلا يقف بعدها، وكان بعض العلماء يعلل ذلك لضيق المكان، ولكن العمل هو اتباع السنة حتى وإن اتسع المكان وصارت جمرة العقبة مثل غيرها من ناحية سعة المكان، فإنه لا يفعل ذلك عند جمرة العقبة؛ لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، فيقتصر على ما وردت به السنة، وهو الدعاء عند الأولى والثانية. تراجم رجال إسناد حديث: (ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة ...) قوله: [ حدثنا علي بن بحر ]. علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و أبو داود و الترمذي . [ و عبد الله بن سعيد ]. عبد الله بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو خالد الأحمر ]. هو سليمان بن حيان، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو القاسم بن محمد وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها، أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر و مسلم بن إبراهيم المعنى قالا: حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه: [ (أنه لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات)]. فهذا مثلما جاء في حديث أم جندب الذي سبق أن مر من طريق ضعيفة، وفيه أنه رماها من بطن الوادي، والرامي من بطن الوادي يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه. قوله: [ (هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) ] خص سورة البقرة لأن كثيراً من أعمال الحج ومسائله جاءت فيها. تراجم رجال إسناد حديث: (لما انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره ...) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود ]. قد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث: (أن رسول الله رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك (ح) وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر) ]. أورد أبو داود حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر) ]. يعني: رخص لهم أن يذهبوا مع إبلهم، ولكنهم إذا جاءوا يرمون عن اليوم الحاضر ويوم آخر معه، سواء قبله أو بعده، وهذا يدل على أن رمي الجمار واجب؛ لأنه لو كان غير واجب لما احتاج إلى الترخيص فيه لرعاء الإبل. إذاً: يجب على كل حاج أن يرمي الجمار، ورميها ليس من الأمور المستحبة التي لو تركها الإنسان لا يكون عليه شيء، بل هو من الأمور الواجبة التي من تركها عمداً أثم، ويكون عليه فدية وهي شاة يذبحها بمكة ويوزعها على فقراء الحرم. قوله: [ (يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ثم من بعد الغد بيومين) ] قوله: [ (من بعد الغد بيومين) ] يتفق مع قوله: [ (يرمون يوم النفر) ] وهو يوم النفر الثاني؛ لأن النفر الثاني بعد الغد بيومين؛ لأن يوم الغد الذي هو يوم الحادي عشر الذي هو يوم القر بعده يومان، أحدهما يوم النفر الأول والثاني يوم النفر الثاني، فقوله: [ (ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر) ] ليس بمستقيم، إلا إذا كان المراد باليومين بعد العيد، ولكنه قال: (وبعد الغد بيومين)، وقد جاء في بعض الأحاديث أنهم يرمون يوماً ويتركون يوماً، فمعنى هذا: أنهم يرمون يوم العيد، ثم يتركون يوم الحادي عشر، ثم يرمون يوم الثاني عشر وهو يوم النفر الأول، وإن تعجلوا تعجلوا، وإن أرادوا أن يتأخروا رموا في اليوم الثالث العشر الذي هو يوم النفر الثاني. وبعض أهل العلم يقول: إن لهم أن يقدموا وأن يؤخروا. أي: لهم أن يقدموا الرمي في اليوم الحادي عشر ثم يرمون عن اليوم الثاني عشر، وبعضهم يقول: يرمي في اليوم الأخير عن اليوم الذي رخص له أن يتخلف من أجله، وسيأتي في حديث أنهم يرمون يوماً ويتركون يوماً، ومعنى هذا: أنهم يرمون يوم العيد، ثم يوم الثاني عشر، ويتركون الرمي يوم النفر الثاني لمن أراد أن يتأخر. قوله: [ (رخص لرعاء الإبل في البيتوتة) ]. يعني: أنهم يتركون المبيت، والرمي يمكن أن يجمع بعضه إلى بعض، وكذلك يدخل في الرخصة مثل الشرطة والقائمين على الخدمات الطبية وغيرها في البيتوتة وجمع الرمي إذا كان الأمر يتطلب بقاءهم، مثل الرعاة تماماً. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك ]. القعنبي مر ذكره، و مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ]. عبد الله بن أبي بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي البداح بن عاصم ]. أبو البداح بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو عاصم بن عدي وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن. شرح حديث الترخيص في الرمي لرعاء الإبل من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عبد الله و محمد ابني أبي بكر عن أبيهما عن أبي البداح بن عدي عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً) ]. أورد أبو داود حديث عاصم بن عدي من طريق أخرى، وفيه: [ (أنه رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً) ] يعني: أنهم يقضون ذلك الذي تركوه ولا يتركونه نهائياً، ولكنهم يجمعونه مع اليوم الذي جاءوا فيه. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان ]. مسدد وقد مر ذكره، و سفيان هو ابن عيينة مر ذكره. [ عن عبد الله و محمد ابني أبي بكر ]. عبد الله و محمد ابنا أبي بكر كل منهما ثقة، أخرج لهما أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيهما عن أبي البداح بن عدي عن أبيه ]. هؤلاء مر ذكرهم، وأبو البداح بن عاصم بن عدي في الحديث الأول نسبه إلى أبيه، وفي الثاني نسبه إلى جده. شرح حديث ابن عباس: ( ... ما أدري أرماها رسول الله بست أو بسبع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا مجلز يقول: (سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن شيء من أمر رمي الجمار، قال: ما أدري أرماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بست أو بسبع) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أنه سئل عن شيء من أمر الجمار، فقال: ما أدري أرماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع) ] شك هل رماها بست أو سبع، ولكن جاء اليقين عن بعض الصحابة ومنهم جابر و ابن عمر وغيرهما أنه رماها بسبع، فجزم الجازم مقدم على شك الشاك. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: ( ... ما أدري أرماها رسول الله بست أو بسبع) قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ]. عبد الرحمن بن المبارك ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا خالد بن الحارث ]. خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. مر ذكره. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أبا مجلز ]. هو لاحق بن حميد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سألت ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الحجاج عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء)، قال أبو داود : هذا حديث ضعيف، p=1001306>الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه. ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء) ] يعني: قد تحلل التحلل الأول الذي يحل معه كل شيء إلا النساء، والحديث كما قال أبو داود : ضعيف؛ لأنه من طريق الحجاج بن أرطأة وروايته عن الزهري منقطعة، ولكن الحديث جاء من طرق أخرى وله شواهد، وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض رواياته: (إذا رميتم وحلقتم)، ولكن الرواية التي فيها ذكر الحلق ضعيفة، وبعض أهل العلم يرى أنه إذا حصل رمي جمرة العقبة فإنه يحصل التحلل كما جاء في هذا الحديث، وبعضهم يرى أنه لا يتحلل إلا إذا فعل اثنين من ثلاثة، وهي: الرمي والحلق والطواف والسعي لمن كان عليه سعي مع الطواف، فإذا فعل اثنين من ثلاثة فإنه يحصل بذلك التحلل الأول، وإذا فعل الثالث حصل التحلل الأخير، الذي يحل معه كل شيء حتى النساء، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرمي والحلق؛ حيث قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) والنبي صلى الله عليه وسلم رمى ونحر وحلق، ثم إنه ذهب للطواف صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فإن التحلل يكون برمي جمرة العقبة كما جاء في هذا الحديث، والأولى للإنسان أنه بعد أن يرمي الجمرة أن يحلق أو يطوف؛ لأنه قد جاء عن عائشة -كما أسلفت- أنها كانت تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف بالبيت بعد الرمي والحلق، لكن لهذا الحديث فإن من تحلل بعد الرمي فإن عمله صحيح، وإن كان لم يحلق، ولكن الأولى أن يكون مع الحلق كما جاء عن عائشة رضي الله عنها. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحجاج ]. هو الحجاج بن أرطأة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن ]. الزهري مر ذكره، وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ثقة كثيرة الرواية عن عائشة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. قد مر ذكرها. الأسئلة حكم رمي الجمار حال الركوب السؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمي وهو راكب أم كان ينزل ثم يرمي؟ الجواب: كان صلى الله عليه وسلم يرمي وهو راكب وسبق أن مر بنا الحديث في هذا، وأنه يجوز أن ترمى الجمار عن ركوب ومن غير ركوب. حكم إعادة الرمي إذا سقطت الحصاة خارج المرمى السؤال: لو سقطت حصاة واحدة خارج المرمى، فهل عليه أن يعيد الرمي؟ الجواب: عليه أن يعيد، لكن يأخذ حصاة واحدة فقط ليست من محل الرمي فيرمي بها، وإذا كانت الحصاة قد رمي بها فلا يرمي بها؛ لأن بعض أهل العلم يقول: ولا يرمى بشيء قد رمي به، لكن إذا كانت الحصى ليست عند الحوض، وإنما هي في مكان متأخر عن الحوض، وغالباً أن الحصى الذي لم يرم به رمياً شرعياً ولا أجزأ عن صاحبه هو الذي يقع على رءوس الناس، فإذا أخذ من ذلك ورمى به فلا بأس. حكم من رمى الجمرة بست حصيات وسافر إلى أهله السؤال: ما حكم من رجع إلى أهله وبقيت عليه حصاة واحدة؟ الجواب: يقول بعض العلماء: إذا بقيت حصاة واحدة لم تقع في المرمى فلا بأس؛ لأنه جاء أثر عن السلف أنهم رموا بست، وأنهم قالوا: لا بأس، لكن إذا سقطت الحصاة ولم تقع في المرمى، فإنه يأخذ من الإخوة عند المرمى، أو يأخذ من الأماكن البعيدة عن المرمى، بحيث تكون الحصى لم يحصل الرمي بها رمياً شرعياً. حكم تحية المسجد بعد صلاة العصر السؤال: ما حكم تأدية تحية المسجد بعد صلاة العصر؟ الجواب: إذا دخل الإنسان المسجد بعد صلاة العصر فهل يصلي تحية المسجد أو لا؟ هناك خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إنه يصلي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، ومنهم من قال: إنه لا يصلي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس)، والذي يبدو أن الأمر في ذلك واسع، وأن من دخل وصلى فلا ينكر عليه، ومن دخل وجلس فلا ينكر عليه. حكم لبس الخاتم والساعة والحزام للمحرم السؤال: ما حكم لبس المحرم للخاتم والساعة والحزام؟ الجواب: كون المحرم يلبس خاتماً، أو يلبس ساعة، أو يستعمل النظارة، أو يستعمل حزاماً، كل ذلك لا بأس به. حكم ملامسة الرجل للمرأة أثناء الطواف بسبب الزحام السؤال: بالنسبة للاختلاط الذي يقع في الطواف، فبسبب الازدحام قد يلامس الرجال النساء، فهل في ذلك شيء؟ الجواب: على الإنسان أن يبتعد عن ملامسة المرأة، والمرأة عليها أن تبتعد عن ملامسة الرجل، وإن حصل شيء من غير اختيار الإنسان فلا يؤثر عليه، ولكن على الإنسان أن يتقي الله ما استطاع. حكم تأخر الحاج بعرفات حتى الساعة الثانية ليلاً لعدم وجود الحافلات السؤال: شخص لم يخرج من عرفات إلا بعد الساعة الثانية ليلاً، لعدم وجود الحافلات، مع العلم أن الحجاج مقيدون بهذه الحافلات، ولا يعرفون التحرك في المشاعر، وإذا فعلوا ذلك قد يتيهون، فما حكم ذلك؟ الجواب: الواجب على المسئولين عن الحافلات أن يوفروا السيارات التي تكفي للناس، حتى لا يبقى الناس في عرفات إلى آخر الليل، وإنما يذهبون بهم في أول الليل، وتأخرهم إلى الساعة الثانية من الليل أو الساعة الثالثة غلط لا يصلح، بل عليهم أن يطالبوا من يكون سبباً في ذلك ومن يحصل منه ذلك ألا يفعل ذلك، وأن يرفعوا أمره إلى الجهات المسئولة، حتى يزيدوا في السيارات، ويزيدوا في الحافلات. حكم رمي جمرة العقبة قبل الفجر لمن دفع مع النساء بعد منتصف الليل من مزدلفة السؤال: هل يجوز لمن دفع مع النساء ليلة النحر بعد منتصف الليل من مزدلفة أن يرمي جمرة العقبة فوراً عند وصوله إلى منى قبل صلاة الفجر؟ الجواب: إذا كان مع النساء فله أن يرمي، وإن أخر ذلك إلى بعد طلوع الشمس فهو الأولى، وإن رمى فرميه صحيح. حكم هدي التمتع على أهل مكة السؤال: إذا حج أهل مكة متمتعين فهل عليهم هدي؟ الجواب: ليس عليهم هدي؛ لأن الله تعالى قال: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]. حكم حلق اللحية وشرب الدخان السؤال: هل حلق اللحية وشرب الدخان من الفسوق، خاصة أننا نرى بعض الحجاج في يوم عرفة يدخن؟ الجواب: حلق اللحية لا شك أنه من المعاصي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى وأمر بتوفيرها، ونهى عن تشبه الرجال بالنساء، وكل ذلك موجود في حلق اللحى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية، وكان لا يأخذ من لحيته، وكذلك أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يعفون لحاهم، وقد اجتمع في إعفاء اللحى أوجه ثبوت السنة الثلاثة التي هي: القول والفعل والتقرير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بإعفاء اللحى وهذا قول، وكان معفياً للحيته وهذا فعل، وكان يرى أصحابه وهم ذوو لحى موفرة ويقرهم على ذلك، وهذه أوجه ثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: القول والفعل والتقرير، وكلها مجتمعة في مسألة اللحية وإعفائها، فلا يجوز حلقها، وحلقها لا شك أن فيه إثماً، وهو معصية لله عز وجل. أما شرب الدخان فهو من الأمور المحرمة، وهو محرم من وجوه متعددة: محرم من جهة أن فيه إضاعة للمال، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه يقول: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). وكذلك أيضاً من جهة أن فيه إتلافاً للنفس وجلباً للأمراض، والله تعالى يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء:29]. وأيضاً من جهة أن فيه إيذاء للناس بالرائحة الكريهة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) مع أن هذه الأشياء من الطيبات؛ ولكن للرائحة الخبيثة قال ما قال فيها، فكيف بالدخان الذي يؤذي صاحبه به الناس ويؤذي به الملائكة، ثم أيضاً الدخان ليس من الطيبات وإنما هو من الخبائث، والله تعالى بعث نبيه ليحل الطيبات ويحرم الخبائث، فكل هذه الأمور تدل على أنه محرم، وأن الإنسان لا يجوز له أن يتعاطاه، وأن تعاطيه فيه أضرار كثيرة كما أشرت إلى جملة منها، ويمكن للإنسان أن يتصور مدى سوء عمل صاحب الدخان وأن عمله عمل سيئ لو أن إنساناً معه نقود يمزقها ويرميها في الهواء، ماذا سيقول الناس لمن رأوه يفعل ذلك؟ سيقولون: إنه سفيه، ومع ذلك فهو أحسن حالاً ممن يصرف النقود في شرب الدخان؛ لأن ذاك ضيع نقوده وصحته باقية لم يأت بما يضرها، وأما هذا فأضاع نقوده في إتلاف نفسه، وإهلاكها، وأضاع نقوده في إيذاء الناس. فهذا يدل على فظاعة هذا العمل المنكر، وأن الإنسان الذي ابتلي به عليه أن يتوب إلى الله عز وجل منه، وأن يبقي على ماله، وأن يصرف هذه الأموال التي يصرفها في هذا الأمر المحرم يصرفها في وجوه البر، فيحصل أجرها وثوابها، في الوقت الذي إذا صرفها في شرب الدخان يحصل إثمها وعقابها، ولكنه إذا صرفها في أمور تنفع فإنه يسلم من الدخان ويحصل على الأجر والثواب من الله عز وجل. حكم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مراراً السؤال: زرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً، فهل أكون بذلك قد ارتكبت إثماً؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تبلغه الصلاة والسلام عليه بواسطة الملائكة ولو لم يأت الإنسان إلى القبر، فلهذا قال: (لا تتخذوا قبري عيداً فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) فتكرار الزيارة داخل تحت قوله: (لا تتخذوا قبري عيداً) يعني: أنه منهي عنه. حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم السؤال: هل يجوز لنا معاشر الحجاج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسؤالنا إياه قضاء حوائجنا وطلب مغفرة الذنوب، مع العلم أننا نعلم أن الله عز وجل هو الذي يغفر الذنوب، ولكننا نتخذه وسيلة؟ الجواب: لا يجوز للإنسان أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أموراً لا تطلب إلا من الله عز وجل، ثم أيضاً على الإنسان أن يعمل الأعمال الصالحة ويتوسل بها إلى الله عز وجل؛ لأنها هي التي تقربه إلى الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى بابه مفتوح للعباد، ليس بينه وبينهم وسائط، بل الإنسان يسأل الله عز وجل والله تعالى يجيبه، يقول عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186]، وقال عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [230] الحلقة (261) شرح سنن أبي داود [230] الحلق والتقصير من الأمور الواجبة في الحج والعمرة، والحلق والتقصير يكونان للرجال، والحلق في حقهم أفضل، وأما النساء فليس في حقهن سوى التقصير ولا يجوز لهن الحلق، ويكون الحلق بعد النحر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، وإن قُدِّم أو أُخر شيء من ذلك فلا حرج كما جاء في الأحاديث، والعمرة واجبة في العمر مرة، ويجوز للحائض التي لم تتمكن من الطواف أن تنقض عمرتها وتدخلها في الحج بحيث تصبح قارنة بعد أن كانت متمتعة. ما جاء في الحلق والتقصير، وحكمهما في الحج والعمرة شرح حديث: (اللهم ارحم المحلقين...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الحلق والتقصير. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اللهم ارحم المحلقين! قالوا: يا رسول الله والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين! قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: والمقصرين) ]. قال أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: الحلق والتقصير، والحلق والتقصير من الأمور الواجبة في الحج والعمرة، فالمعتمر عندما يدخل مكة فإنه يطوف ويسعى ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل من التقصير، وكذلك الحاج عندما يأتي من مزدلفة ويرمي الجمرة فإنه يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل من التقصير. وإذا كانت العمرة قريبة من الحج بحيث لا يكون هناك مدة ينبت فيها الشعر فإن المناسب أن يقصر الإنسان حتى يحلق يوم العيد، وذلك كأن يأتي في وقت متأخر، فعندما ينتهي من العمرة من كان متمتعاً يقصر من شعر رأسه كله، وإذا جاء اليوم العاشر فإنه يحلق رأسه كله، وأما بالنسبة للنساء فإن الواجب في حقهن التقصير فقط. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: والمقصرين) ]. فهذا الدعاء بالرحمة وتكراره من النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين يدل على أن الحلق أفضل من التقصير، ويدل على أن أي واحد منهما يحصل به أداء الواجب، ولكن الحلق أفضل وأعظم أجراً من التقصير؛ وذلك أن الإنسان عندما يكون محباً للشعر فقد يقدم على التقصير ويحتفظ بالشعر، ولكنه إذا أزاله كله بالحلق تقرباً إلى الله، فإنه يكون أكمل وأفضل. قوله صلى الله عليه وسلم: [ (اللهم ارحم المحلقين) ] يدل على جواز الدعاء بالرحمة للأحياء، فهي ليست مقصورة على الأموات، بل تكون للأحياء والأموات، وقد شاع عند الناس أن الترحم إنما يكون للأموات، فإذا سمع شخصاً يقول: فلان رحمه الله، فإنه يظن أنه قد مات، فهذا الحديث يدل على الدعاء بالرحمة للأحياء وللأموات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (اللهم ارحم الملحقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله!) ] وهذا يسمى عطف التلقين، فهم يطلبون منه أن يضيف المقصرين ويلحقهم بالمحلقين، فكرر عليه الصلاة والسلام الدعاء للمحلقين، ثم قال: [ (والمقصرين) ]، فدل على أن الحلق أفضل من التقصير. وقد بينت الأحوال التي يكون فيها الحلق والتقصير، فالحلق أفضل في العمرة إذا كانت بعيدة عن الحج، وفي الحج يوم العيد، وأما إذا كان الحج قريباً فإن التقصير أولى وأنسب من أجل أن يحصل الحلق يوم العيد، وأما النساء فليس في حقهن إلا التقصير من شعورهن. وقد سبق أن مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة هو وأصحابه طافوا وسعوا وقصروا؛ وذلك لأن الحج قريب، فلم يبق عليه إلا خمسة أيام، فقد دخل عليه الصلاة والسلام مكة في اليوم الرابع، والحلق يكون في اليوم العاشر فقصر وقصروا. إذاً: فالحلق يكون أفضل من التقصير إذا كان في عمرة بعيدة من الحج، أو كان في الحج في يوم العيد، وكذلك كون الحاج يزيل شعره كله تقرباً إلى الله عز وجل فإنه أكمل وأفضل، بخلاف الذي يقصر فإنه أبقى لنفسه شيئاً من الشعر؛ فهو يحبذه ويعجبه ذلك. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم ارحم المحلقين...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات. شرح حديث (أن رسول الله حلق رأسه في حجة الوداع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني - عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلق رأسه في حجة الوداع) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجة الوداع) ] يعني: يوم العيد بعد أن رمى ونحر حلق، وقد فعل عليه الصلاة والسلام الأكمل والأفضل، وقد سبق الحديث أنه دعا للمحلقين ثلاث مرات، والمقصرين مرة واحدة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله حلق رأسه في حجة الوداع) قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني - ]. هو يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني القاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن موسى بن عقبة ]. هو موسى بن عقبة المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر قد مر ذكرهما. شرح حديث: (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح ثم دعا بالحلاق ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا بذبح فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال: هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إلى أبي طلحة رضي الله عنه) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى ودعا بذبح فذبح، ودعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر، ثم قال: هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إلى أبي طلحة) ]. وهذا يدلنا على ما ترجم له المصنف من الحلق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حلق في حجته، ويدل على أنه رمى ثم نحر ثم حلق. قوله: [ (بذبح) ] سبق أن مر أنه نحر بيده صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بدنة، ووكل علياً بنحر الباقي وهو تمام المائة. والحديث يدل على تبرك الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وبعرقه وبفضل وضوئه وغير ذلك مما مسه جسده صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم فلا يفعل ذلك مع غيره من الناس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا هذا مع الخلفاء الراشدين، ولا مع كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم خير وأفضل الناس، وعلى هذا فما يقوله بعض العلماء: من أن التبرك بآثار الصالحين جائز، يعتبر غلطاً؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا هذا مع خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أبو بكر و عمر و عثمان و علي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وهم أولى الناس بأن يتبرك بهم لو كان التبرك سائغاً، وأما أن يتعدى ذلك إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك ليس بصحيح، وقد نقل الشاطبي اتفاق الصحابة على ذلك، وأنهم لم يحصل منهم ذلك مع أحد إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا يتعداه إلى غيره. قوله: [ (ثم قال: هاهنا أبو طلحة؟ فدفعه إلى أبي طلحة) ]، يعني: أنه أعطاه قسماً كبيراً من شعره من أجل أن يتولى توزيعه وقسمته. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر ثم رجع إلى منزلة بمنى فدعا بذبح فذبح ثم دعا بالحلاق...) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حفص ]. هو حفص بن غياث، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ]. هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن سيرين ]. هو محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر...) من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي و عمرو بن عثمان المعنى، قالا: حدثنا سفيان عن هشام بن حسان بإسناده بهذا قال فيه: (قال للحالق: ابدأ بشقي الأيمن فاحلقه). ]. وهذا مثل الذي قبله، إلا أنه قال للحالق: [(ابدأ بشقي الأيمن)]، وهناك بدأ بالشق الأيمن ثم بالأيسر، وهذا يدل على البدء بالشق الأيمن عند الحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الشق الأيسر. قوله: [ حدثنا عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي ]. عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي صدوق، أخرج له أبو داود . [ و عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن حسان ]. هشام بن حسان قد مر ذكره. شرح حديث: (... فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُسأل يوم منى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج، قال: إني أمسيت ولم أرم، قال: ارم ولا حرج) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم منى فيقول: لا حرج) ] أي: أنه كان يسأل عن التقديم والتأخير، فكان يقول: [ (لا حرج) ]، وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم الأعمال في يوم النحر على النحو التالي: رمي، ثم نحر، ثم حلق، ثم طواف، فبعض الناس قدم وأخر، فجاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ترتيبهم ليس كترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كلما سئل قال: [ (لا حرج) ] فجاءه رجل وقال: [ (حلقت قبل أن أنحر) ]، والنبي صلى الله عليه وسلم نحر ثم حلق، فقال: [ (اذبح ولا حرج) ] أي: لا حرج عليك في تقديم وتأخير النحر لا حرج عليك، وهذا يدل على أن الترتيب ليس بلازم وليس بواجب، وأنه يجوز التقديم والتأخير، ولكن الإتيان بها وترتيبها كما رتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل، لكن لو قدم بعضها على بعض وخالف هذا الترتيب فإنه سائغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: [ (لا حرج) ]. قوله: [ (قال: إنس أمسيت ولم أرم) ] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ضحى، فهذا جاء المساء وهو لم يرم في الصباح، فقال: [ (ارم ولا حرج) ] فدل هذا على أن النهار كله وقت للرمي يوم العيد، وأنه يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، وأن من رخص له في الانصراف من مزدلفة آخر الليل، فإن له أن يرمي كما فعل ذلك بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم سلمة رضي الله عنها، وكذلك أيضاً أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما. لم يتمكن من الرمي في النهار له أن يرمي في الليل الذي بعده، وليس ذلك مقصوراً على نصف الليل، بل إلى الفجر، ولكنه عن شيء سابق، ليس عن شيء قادم، لا يقدم مثلاً رمي يوم الثاني عشر ليلة إحدى عشرة، ولكنه يمكن أن يرمي عن يوم العيد في الليل، ويمكن أن يرمي عن يوم الحادي عشر ليلة اثني عشرة، إذا لم يتمكن من الرمي قبل الغروب. تراجم رجال إسناد حديث: (... فسأله رجل فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج...) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا خالد ]. هو خالد بن مهران، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الحسن العتكي حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج قال: بلغني عن صفية بنت شيبة بن عثمان رضي الله عنها قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان رضي الله عنها أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) ] يعني: أن النساء يقصرن من شعورهن ولا يحلقنها، فالحلق والتقصير للرجال، والحلق أفضل كما عرفنا، وأما النساء فإن الواجب في حقهن هو التقصير فقط، ولا يحلقن رءوسهن؛ لأن النساء بحاجة إلى شعر الرأس للتجمل به، وهن يختلفن عن الرجال. تراجم رجال إسناد حديث (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) قوله: [ حدثنا محمد بن حسن العتكي ]. محمد بن الحسن العتكي صدوق يغرب، أخرج له أبو داود . [ حدثنا محمد بن بكر ]. محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: بلغني عن صفية بنت شيبة بن عثمان ]. صفية بنت شيبة صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. [ عن أم عثمان بنت أبي سفيان ]. أم عثمان بنت أبي سفيان صحابية أخرج لها أبو داود . [ أن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. وهنا يقول ابن جريج: [ بلغني ] ففيه انقطاع إذاً، وستأتي له طريق أخرى يتقوى بها فيكون الحديث حجة. شرح حديث: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو يعقوب البغدادي ثقة، حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان رضي الله عنها أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) ]. قوله: [ (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) ] وهو مثل الذي قبله، ولكن ينبغي أن يعلم أن النساء لهن أن يقصرن عن أنفسهن بأنفسهن، ولا يلزم أن يقصر للمحرم غيره أو يحلقه غيره، فالمرأة تقصر عن نفسها، والرجل يقصر عن نفسه، ويحلق عن نفسه إذا تمكن من ذلك، فهذا ليس فيه ارتكاب محظور وإنما هو فعل نسك من الناسك وبعض الناس قد يتساءل كثيراً هل يحلق المحرم لنفسه أو يقصر لنفسه، وهل المرأة تقصر لنفسها؟ والجواب: أنها يجوز لها أن تقصر لنفسها، والرجل يقصر ويحلق لنفسه، فهذا الفعل ليس فيه ارتكاب محظور، وإنما هو فعل النسك الذي يكون به التحلل، فهو سائغ وجائز ولا بأس به. ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في (السلسلة الصحيحة) في الجزء الثاني رقم (157) أن ابن جريج صرح بالتحديث في رواية المخلص في جزء المنتقى من (الجزء الرابع)، وقد توبع على ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا أبو يعقوب البغدادي ثقة ]. هو إسحاق بن أبي إسرائيل صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام بن يوسف ]. هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة ]. ابن جريج مر ذكره، و عبد الحميد بن جبير بن شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان أن ابن عباس ]. مر ذكرهم. وهذا الحديث يفسر الحديث السابق، والواسطة التي بلغت عن صفية هو عبد الحميد بن جبير بن شيبة ، والحديثان يشد بعضهما بعضاً. حكم العمرة شرح حديث: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: العمرة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا مخلد بن يزيد و يحيى بن زكريا عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (اعتمر رسول الله صلى الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يحج) ]. قوله: [ باب: العمرة ]، العمرة واجبة كالحج، والمسلم عليه في عمره حجة واحدة وعمرة واحدة، سواء أتى بالعمرة وحدها والحج وحده، أو أتى بالعمرة مع الحج، وسواء كان تمتعاً أو قراناً، فالعمرة والحج لا زمان للمسلم في عمره مرة واحدة، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج ثلاث عمر وهي: عمرة الحديبية، وعمرة القضية، وعمرة الجعرانة، هذه الثلاث كانت قبل حجته، فعمرة الحديبية في السنة السادسة، والقضاء أو القضية في السنة السابعة، والجعرانة في السنة الثامنة، فحجته صلى الله عليه وسلم كانت في السنة العاشرة، وقد قرن فيها بين الحج والعمرة، فكانت عمره صلى الله عليه وسلم أربعاً، ثلاث مستقلات وواحدة مقرونة مع حجته صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالإنسان له أن يحج قبل أن يعتمر، وله أن يعتمر قبل أن يحج، وله أن يأتي بهما جميعاً بالقران. تراجم رجال إسناد حديث: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا مخلد بن يزيد ]. مخلد بن يزيد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و يحيى بن زكريا ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد ]. ابن جريج مر ذكره، و عكرمة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره. شرح حديث (والله ما أعمر رسول الله عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن ابن أبي زائدة حدثنا ابن جريج و محمد بن إسحاق عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (والله! ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك؛ فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون: إذا عفا الوبر وبرأ الدبر ودخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر، فكانوا يحرِّمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما أعمر عائشة بعد الحج ليقطع بذلك أمر أهل الشرك الذين كانوا لا يأتون بالعمرة في أشهر الحج ولا في الأشهر الحرم، وإنما يأتون بها بعدما ينتهي المحرّم وهو آخر الأشهر الحرم، وذلك إذا دخل صفر، فعند ذلك يأتون بالعمرة، لكن كما هو معلوم أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها ما أعمرها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بعد إلحاحها وطلبها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعمرها ابتداء ليقطع دابر أهل الجاهلية، فالرسول صلى الله عليه وسلم نفسه إنما فعل عمره كلها في ذي القعدة، وفي ذلك إبطالاً لأمر الجاهلية الذين يقولون: إن العمرة لا تكون في أشهر الحج ولا في الأشهر الحرم، وإنما كانوا يؤخرون العمرة إلى أن تنتهي الأشهر الحرم، فكانت عمره كلها في ذي القعدة، وذو القعدة من أشهر الحج ومن الأشهر الحرم، وكذلك أمهات المؤمنين كن متمتعات وعمرتهن كانت في ذي الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: فإعمار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بعد الحج كان بعد إلحاح منها، ولا شك أن أمر الجاهلية هو عدم الإتيان بالعمرة في الأشهر الحرم، ولكن قد جاء ما يدل على ذلك غير هذا الحديث، ومن ذلك أن أمهات المؤمنين اللاتي دخلن في اليوم الرابع عمرهن في شهر ذي الحجة، وقد طفن وسعين وقصرن وتحللن. إذاً: فلا شك أن هذه العمرة وغيرها مما وقع في أشهر الحج في ذي العقدة وذي الحجة أن في ذلك مخالفة للمشركين، وقد خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بالعمر كلها قبل حجه في السنة السادسة والسابعة والثامنة في ذي القعدة. قوله: [ (كانوا يقولون: إذا عفا الوبر) ] يعني: كثر الوبر على ظهور الإبل. قوله: [ (وبرئ الدبر) ] الدبر هو الذي يكون في ظهر الإبل من الجروح بسبب الركاب وكثرة السير عليها، فإنهم لا يقاتلون في الأشهر الحرم، بل يتركون الإبل تستريح حتى يبرأ الدبر، وكذلك لا يعتمرون عليها في الأشهر الحرم. قوله: [ (ودخل صفر) ] ذهب بالأشهر الحرم. تراجم رجال إسناد حديث: (والله ما أعمر رسول الله عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك...) قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد)، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن أبي زائدة حدثنا ابن جريج ]. ابن أبي زائدة و ابن جريج قد مر ذكرهما. [ و محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن طاوس ]. عبد الله بن طاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. شرح حديث أم معقل: (... إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم المهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل رضي الله عنها قالت: (كان أبو معقل رضي الله عنه حاجاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قدم قالت أم معقل : قد علمت أن علي حجة، فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه، فقالت: يا رسول الله! إن علي حجة وإن لأبي معقل بكراً، قال أبو معقل : صدقت، جعلته في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها فلتحج عليه فإنه في سبيل الله، فأعطاها البكر، فقالت: يا رسول الله! إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟ قال: عمرة في رمضان تجزئ حجة) ]. أورد أبو داود حديث أم معقل رضي الله عنها، أن أبا معقل حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بعدما جاء من الحج قالت أم معقل : إن عليها حجة وأنها لم تحج، وأن أبا معقل عنده بكر -والبكر هو الفتى من الإبل- فقال: إني قد حبسته في سبيل الله، فقال: أعطها إياه لتحج عليه؛ فإن الحج في سبيل الله، ثم قالت: إنني قد كبرت وضعفت فهل هناك شيء يجزئ عن حجتي؟ فقال: عمرة في رمضان تعدل حجة. والحديث يدل على فضل العمرة في رمضان، ولكنه لا يدل على أن العمرة تغني عن الحج وتجزئ عنه؛ لأن العمرة واجبة والحج واجب، ولا يغني أحدهما عن الآخر، والإنسان مطالب بأن يعتمر ومطالب بأن يحج، ولكن الحديث يدل على فضل العمرة في رمضان، وأنها تعدل حجة، أي: من ناحية الأجر والثواب، فأجرها عظيم وثوابها عظيم عند الله سبحانه وتعالى. وهل ذلك خاص بها أو عام لها ولغيرها؟ الذي يبدو أنه عام وليس خاصاً، فالعمرة في رمضان تعدل حجة من حيث الأجر والثواب، وهذا من جنس ما جاء في الحديث: (أن الإنسان إذا جلس في مصلاه فجعل يذكر الله، ثم صلى ركعتين، فهي تعدل حجة وعمرة تامة تامة تامة) يعني: في الأجر والثواب. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كانت تعدل عمرة)، وهذا يدل على عظم هذا العمل، ففيه ذلك الثواب العظيم من الله عز وجل، وأما كون العمرة تغني عن الحج فلا. تراجم رجال إسناد حديث أم معقل: (... إني امرأة قد كبرت وسقمت فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو الفضيل بن حسين الجحدري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن مهاجر ]. إبراهيم بن مهاجر صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي بكر بن عبد الرحمن ]. هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني رسول مروان ]. رسول مروان مجهول ومبهم، ولكن الحديث له طرق كما سيأتي ذكر بعضها، وهو صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ أرسل إلى أم معقل ]. أم معقل صحابية، أخرج حديثها أبو داود و الترمذي و النسائي . شرح حديث أم معقل من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي أسد خزيمة، حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما عن جدته أم معقل رضي الله عنها قالت: (لما حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل رضي الله عنه في سبيل الله، وأصابنا مرض وهلك أبو معقل ، وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فرغ من حجه جئته فقال: يا أم معقل ! ما منعك أن تخرجي معنا؟ قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل ، وكان لنا جمل وهو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله، قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله، فأما إذا فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان فإنها كحجة، فكانت تقول: الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أدري ألي خاصة) ]. أورد أبو داود حديث أم معقل رضي الله عنها أنهم كانوا تهيئوا للحج فأصابهم مرض وتوفي أبو معقل ، وأنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج فقال لها: [ (يا أم معقل ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: إنه حصل كذا وكذا، فقال: فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) ]. وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه أن أبا معقل قد توفي، وفي الحديث الأول أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يوفق بينهما بأنه حج مات بعد الحج، وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بالسبب الذي منعها من الحج فقال مواسياً لها: [ (فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) ] يعني: في الأجر، وأما حجة الإسلام فإنها لازمة؛ لأنه كما قالت: [(الحج حجة والعمرة عمرة) ]، أي: أنه لا يغني الحج عن العمرة، ولا العمرة عن الحج. قولها: [ (ما أدري إلي خاصة) ] والمقصود من ذلك أن هذا الذي فاتها من الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنها إذا اعتمرت في رمضان فإنها تحصل فيه على أجر تلك الحجة، ولكن حجة الإسلام لازمة عليها وباقية في ذمتها، وعليها أن تحج بعد ذلك. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث أم معقل من طريق أخرى [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ]. أحمد بن خالد الوهبي صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة)، وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي ]. محمد بن إسحاق مر ذكره، وعيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا يوسف بن عبد الله بن سلام ]. يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، وأصحاب السنن. [ عن جدته أم معقل ]. أم معقل قد مر ذكرها. قوله: [ قوله عن جدته ]. هي جدة عيسى بن معقل . وفيه أن سبب تأخرها عن الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه مات الزوج وأوصى بالجمل في سبيل الله، والتوفيق بينهما يكون بأنهما جاءا يمشيان بعد الحج، لكن فيه اختلاف من ناحية أنه كان معها كما في الرواية الأولى، وهنا جاءت وحدها كما في هذه الرواية التي معنا، وأخبرت بأنه قد هلك، فالذي يبدو والله أعلم أن هذه الرواية التي فيها: أنها جاءت وقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (فاعتمري في رمضان فإنها كحجة) أنها أولى، فهي متصلة وفيها مبهم، وهذه فيها عيسى بن معقل وهو مقبول، لكن كل هذه الروايات يشهد بعضها لبعض. وهذا الحديث في قصة أم معقل أخرجه النسائي في الحج، باب: العمرة في رمضان مختصراً، و ابن ماجة . شرح حديث أم معقل من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عامر الأحول عن بكر بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جملك، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وإنها سألتني الحج معك، قالت: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت: أحجني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال: وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته، وأخبرها أنها تعدل حجة معي يعني عمرة في رمضان) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو يتعلق بهذه القصة، وحكايتها وطريقتها هي نفس طريقة قصة أم معقل و أبي معقل ، وهي دالة على ما دلت عليه. تراجم رجال إسناد حديث أم معقل من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . و عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر الأحول ]. عامر الأحول صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (جزء القراءة)، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن بكر بن عبد الله ]. هو بكر بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. وهذا الحديث أخرج النسائي نحوه مختصراً من رواية أبي معقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ابن ماجة مختصراً كذلك بلفظ: (عمرة في رمضان تعدل حجة) عن أبي معقل . شرح حديث: (أن رسول الله اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال) ]. أورد أبو داود حديث عائشة : [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال) ]، والرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم اعتمر أربع عمر، فلعلها تقصد بذلك العمر التي أتى بها مستقلة تامة، وذلك إنما هو في عمرة القضية وفي عمرة الجعرانة، وأما عمرة الحديبية فإنه صُدَّ عنها ولم يدخل مكة، وأما العمرة التي مع الحج فهي مقرونة مع الحج، وأما العمرتان المستقلتان التامتان فهما: عمرة القضية، وعمرة الجعرانة، فالقضية في السنة السابعة، والجعرانة في السنة الثامنة. قوله: [ (وعمرة في شوال) ] قال بعض أهل العلم: إن هذا يحمل على أنه حصل البدء في شوال، ولكن التنفيذ كان في ذي القعدة، وبذلك تتفق النصوص على أن عُمُرَ النبي صلى الله عليه وسلم كانت كلها في ذي القعدة، أي: في نهايتها، وكانت العمرة التي مع الحجة في شهر ذي الحجة، والإحرام للحج والعمرة إنما كان في شهر ذي العقدة، وقيل: إن عمره كلها كانت في شهر ذي القعدة، باعتبار أن عمرته التي مع حجته كانت بدايتها في ذي القعدة، والإتيان بها وتنفيذها كان في ذي الحجة؛ لأنها مقرونة مع الحج. إذاً: فيحمل قولها: [ (وعمرة في شوال) ] على أن العمرة بدئ بها في شوال وأتما في ذي القعدة، ومن العلماء من يقول: إن هذا وهم، وأن عمر النبي صلى الله عليه وسلم كلها كانت في ذي القعدة، وليس منها شيء في شوال، ولا في غيره من الشهور. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال) قوله: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد ]. عبد الأعلى بن حماد لا بأس به بمعنى صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا داود بن عبد الرحمن ]. داود بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ] هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (لقد علم ابن عمر أن رسول الله قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن مجاهد قال: (سئل ابن عمر رضي الله عنهما : كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: مرتين، فقالت عائشة رضي الله عنها: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً سوى عمرته التي قرنها بحجة الوداع، وابن عمر قال: اثنتين، ولعله يقصد بالاثنتين المستقلتين، وهما: عمرة القضية، وعمرة الجعرانة، وأما الباقيات: فالأولى صُدّ عنها هي عمرة الحديبية، والثانية هي العمرة التي قرنها مع الحج. والحديث ضعفه الألباني ولا أدري ما وجه التضعيف، فالحديث مطابق للأحاديث الأخرى من جهة أن عُمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أربع، وأن واحدة منهن مع حجته، والإسناد ليس فيه شيء، وحتى لو كان فيه كلام فالأحاديث الأخرى تشهد له وتدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (لقد علم ابن عمر أن رسول الله قد اعتمر ثلاثاً سوى التي قرنها بحجة الوداع) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ] هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ] هو مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سئل ابن عمر فقالت عائشة ]. ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قد مر ذكرهما. شرح حديث: (اعتمر رسول الله أربع عمر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي وقتيبة قالا: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، والثانية حين تواطئوا على عمرة من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي قرن مع حجته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس وفيه بيان عمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنها أربع: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، والعمرة المقرونة مع حجته. تراجم رجال إسناد حديث: (اعتمر رسول الله أربع عمر...) قوله: [ حدثنا النفيلي و قتيبة ]. مر ذكرهما . [ حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن عمرو بن دينار ]. داود بن عبد الرحمن مر ذكره، وعمرو بن دينار ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. قد مر ذكرهما. شرح حديث (أن رسول الله اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته) [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي و هدبة بن خالد قالا: حدثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته) ]. أورد أبو داود حديث أنس [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة إلا العمرة التي مع حجته) ] وهذا مثل ما تقدم إلا أن قوله: [ (إلا التي مع حجته) ] لا ينافي ما تقدم؛ لأن العمرة التي مع الحجة حصل الإحرام لها في ذي القعدة، ولكن أداؤها كان في ذي الحجة، فالقول بأنها عمرة في ذي القعدة، لا ينافي ما جاء هنا من استثناء، فالبداية في ذي القعدة بلا شك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في آخر ذي القعدة، وأحرم بالحج والعمرة من الميقات قارناً، ولكن التنفيذ وهو الطواف والسعي للحج والعمرة إنما كان في شهر ذي الحجة، فلا تنافي بين ما تقدم وبين هذا؛ لأن المعتبر البداية بالنسبة للإحرام، وأما التنفيذ فكان في ذي الحجة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهدبة بن خالد ]. هدبة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . وهدبة بن خالد هذا هو الذي يقال له: هداب ، وكثيراً ما يأتي في صحيح مسلم هداب، وقيل: إن هدبة اسمه، وهداباً لقبه، و البخاري لا يذكره إلا بهدبة ، وأما مسلم فيذكره كثيراً بهداب، وأحدهما اسم والثاني لقب، واللقب يؤخذ من الاسم أحياناً، فلعل: هداب مأخوذ من هدبة . [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ] هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ] أنس قد مر ذكره. بيان ما أتقنه المصنف من هدبة في تفصيل عمر النبي صلى الله عليه وسلم [ قال أبو داود : أتقنت من هاهنا من هدبة ، وسمعته من أبي الوليد ولم أضبطه: (عمرة زمن الحديبية، أو من الحديبية، وعمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته) ]. قال: أبو داود أتقنت من هاهنا عن هدبة ولم أتقنه من أبي الوليد ، ثم ذكر ذلك التفصيل الذي أتقنه، حيث قال: (عمرة زمن الحديبية)وذلك عندما صده المشركون عنها، فتحلل صلى الله عليه وسلم بحلق رأسه ونحر هديه. قوله: [ (وعمرة من الجعرانة) ] وهي في السنة الثامنة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته صلى الله عليه وسلم. حكم نقض العمرة للحائض ورفض أعمالها شرح حديث: (أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المُهلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وآله وسلم قال لعبد الرحمن : يا عبد الرحمن! أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم، فإنها عمرة متقبلة) ]. قوله: [ باب: المُهلَّة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها -وفي بعضها: فترفض عمرتها- وتهل بالحج هل تقضي عمرتها؟ ] سبق أن مر بنا الكلام في هذه المسألة، وأن عائشة رضي الله عنها لم ترفض العمرة بمعنى أنها ترفض نيتها وترفض إحرامها بها، وإنما رفضت أعمالها ككونها تطوف وتسعى؛ لأنها لم تتمكن من الطواف بسبب الحيض، فأمرها بأن ترفض أعمال العمرة وأن تدخل الحج على العمرة، وبهذا صارت قارنة، وقال لها صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لما أرادت أن تعتمر: (يكفيك طوافك وسعيك عن حجك وعمرتك)؛ وذلك لأن القارن يكفيه طواف واحد عن حجه وعمرته، وسعي واحد عن حجه وعمرته، وقد كانت عائشة رضي الله عنها من القارنين ولم تكن من المتمتعين؛ لأنها لم يتم لها ما أرادت بسبب الحيض، وأما أمهات المؤمنين فتم لهن ما أردن؛ لأنه لم يأتهن الحيض، فأتممن عمرتهن ثم أحرمن بالحج، وأرادت رضي الله عنها وأرضاها أن يكون عندها طواف وسعي مستقل كما حصل لأمهات المؤمنين، وكما أرادت في أول الأمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يكفيك طوافك وسعيك عن حجك وعمرتك)، ولما ألحت عليه أمر أخاها بأن يذهب بها إلى التنعيم وأن تحرم من هناك، وهو لم يأذن لها إلا بعد إلحاحها عليه، فهي عمرة ثانية، وليست بديلة عن العمرة السابقة؛ لأن العمرة السابقة موجودة مقرونة مع الحج، كما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العمرة والحج، وقد قرنت عائشة بين العمرة والحج، حيث أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، وهذه ليست عوضاً عنها، بل هي عمرة ثانية، ولهذا استدل بهذا أهل العلم على أنه يجوز الإتيان بعمرتين في السنة أو في الشهر، لأن عائشة رضي الله عنها حصل لها العمرة المقرونة مع الحج، وحصلت لها هذه العمرة التي بعد ذلك. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن : يا عبد الرحمن أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم ، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم؛ فإنها عمرة متقبلة) ]. الأكمة هي مكان في التنعيم. قوله: [ (فلتحرم فإنها عمرة متقبلة) ]. يعني: أنها عمرة صحيحة مقبولة عند الله عز وجل، لكن لا يعني هذا أن الناس يترددون بين الكعبة والتنعيم، فإن هذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وإنما جاء في قصة عائشة بعد إلحاح، وبعد ظرف خاص حصل لها، وعمر النبي صلى الله عليه وسلم كلها وهو داخل إلى مكة، ولم يخرج من مكة من أجل أن يأتي بعمرة. تراجم رجال إسناد حديث: (أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم...) قوله: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا داود بن عبد الرحمن حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم ]. عبد الله بن عثمان بن خثيم هو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يوسف بن ماهك ] يوسف بن ماهك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ] حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ثقة، أخرج لها مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيها ]. هو عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (دخل النبي الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ، عن محرش الكعبي رضي الله عنه قال: (دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم، ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقي طريق المدينة، فأصبح بمكة كبائتٍ) ]. أورد أبو داود حديث محرش الكعبي رضي الله عنه، وهو يتعلق بعمرة الجعرانة، والحديث فيه تقديم وتأخير، والصحيح فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء الجعرانة وأحرم منها، ودخل مكة وطاف وسعى، ثم رجع إليها وصار فيها كبائت، ولهذا خفيت هذه العمرة؛ لأنها حصلت في الليل، فقد كان في الجعرانة في الليل، ثم ذهب إلى مكة ورجع فأصبح فيها كبائت، أي: بالجعرانة وليس بمكة، وبعدما أصبح اتجه إلى المدينة حتى التقى بطريق المدينة بمكان يقال له: سرف، وذهب إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، فاللفظ هذا فيه إيهام، والصواب كما جاء في بعض الروايات أنه أحرم من الجعرانة في أول الليل، ثم ذهب واعتمر، ثم رجع فأصبح فيها كبائت، وبعد زوال الشمس من الغد ذهب إلى المدينة فالتقى بالطريق بسرف. قوله: (جاء إلى المسجد) هذا منكر، يقول الألباني : غير ثابت، يعني: ذكر المسجد والصلاة فيه، وإنما فيه أنه أحرم منها ورجع إليها، ثم سافر إلى المدينة. قوله: [ (فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله ثم أحرم) ] كأنه مسجد في الجعرانة، وليس المقصود الكعبة. قوله: [ (ثم استوى على راحلته) ] يعني: حين ذهب إلى سرف، وهذا كان في الضحى بعد الزوال من الغد. وهذه الرواية أخرجها الترمذي و النسائي . تراجم رجال إسناد حديث: (دخل النبي الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع ما شاء الله، ثم أحرم...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. مر ذكره. [ حدثنا سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم ]. سعيد بن مزاحم بن أبي مزاحم هو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي مزاحم ]. مزاحم مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ]. عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن محرش الكعبي ] محرش الكعبي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . مدة المقام في عمرة القضاء شرح حديث: (أن رسول الله أقام في عمرة القضاء ثلاثاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المقام في العمرة. حدثنا داود بن رشيد حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام في عمرة القضاء ثلاثاً) ]. أورد أبو داود [ باب المقام في العمرة ]، والمقصود بذلك عمرة القضاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام في عمرة القضاء بمكة ثلاثة أيام، وذلك للاتفاق الذي كان بينه وبين كفار قريش، وأنه يبقى ثلاثة أيام. وهذا بيان لما قد حصل، وللإنسان أن يقيم ما تيسر له دون تحديد بثلاث أو بأقل أو أكثر، وهذا التحديد ورد بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأما المهاجرون فإنهم لا يبقون أكثر من ثلاثة أيام، حتى يرجعوا إلى دارهم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أقام في عمرة القضاء ثلاثاً) قوله: [ حدثنا داود بن رشيد ]. داود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح ]. أبان بن صالح ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ وعن ابن أبي نجيح ] هو عبد الله بن أبي نجيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر وقد مر ذكره. [ عن ابن عباس ] ابن عباس مر ذكره. الأسئلة صفة التقصير الشرعي عند التحلل من الإحرام السؤال: هل يكفي في صفة التقصير الأخذ بالمقص من جهة اليمين والشمال والخلف؟ الجواب: لا بد من تقصير الرأس كله ولا يكفي تقصير بعضه، كما أنه لا يكفي حلق بعضه، فيحلق كله أو يقصر كله، سواء كان ذلك بالمقص أو بالمكائن الكهربائية التي تأخذ الأطراف وتترك الأصول. صفة تقصير شعر المرأة عند التحلل من الإحرام السؤال: كيف تقصر المرأة المحرمة؟ الجواب: تأخذ من أطراف ضفائرها مقدار الأنملة. حكم إدخال (الدش) إلى البيوت السؤال: هل يجوز إدخال (الدش) إلى البيت من أجل مشاهدة قناة اقرأ التي تنقل دروساً علمية، وكذلك لرؤية صلاة الجمعة بمكة وبالمدينة، وكذلك لرؤية الأخبار المتعلقة بالمسلمين؟ الجواب: لا يجوز إدخال (الدشوش) في البيت مطلقاً؛ وذلك لما فيها من الشر الكثير، والواجب هو الحذر منها والابتعاد عنها؛ لأن أوساخ وقاذورات العالم كلها تأتي عن طريق هذه (الدشوش). حكم التبرك بمكان سجود النبي صلى الله عليه وسلم في المحراب السؤال: هل يجوز التبرك بموضع سجوده صلى الله عليه وسلم في المحراب؟ وهل ذلك هو مكان سجوده حقاً؟ الجواب: لا ندري هل هذا مكان سجوده، أو لا، فالله أعلم بذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له محراب، وإنما كان يصلي بين منبره وبيته، ويمين الصف من وراء المنبر من جهة الغرب، ولا نعلم مكاناً معيناً صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان أن يصلي في أي مكان من المسجد، وإذا تيسر له أن يصلي في الروضة من دون أن يؤذي أحداً من الناس ويتنفل بها فإن ذلك حسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة). حكم التمسح بالمنبر والمحراب في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: ما حكم ما يفعله بعض الزوار من مسح المنبر والمحراب في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: هذا كله من الأمور المنكرة، وعلى الإنسان عندما يأتي إلى هذا المسجد ألا يشغل نفسه بالتمسح والمسح، وإنما يصلي ويقرأ القرآن ويذكر الله عز وجل، فهذا هو الأمر المشروع، وأما كون الإنسان يمسح الجدران ويقبل الشبابيك وما إلى ذلك، فإن هذا من الأمور المحدثة والمنكرة، وقد عرفنا فيما مضى أن الله عز وجل لم يشرع للناس أن يقبلوا حجارة ولا جدراناً، وإنما شرع لهم أن يقبلوا الحجر الأسود فقط، ولو لم يقبله النبي صلى الله عليه وسلم ما قبله الناس، كما قال عمر : (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ثم إن محبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم، أعظم من محبته لنفسه وأبيه وأمه وأولاده، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، ويقول الله عز وجل مبيناً علامة المحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فعلامة المحبة هي الاتباع وليس الابتداع، وبعض أهل العلم يسمي هذه الآية: آية الامتحان؛ لأن من ادعى محبة الله ورسوله فعليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذه هي علامات المحبة الصادقة، وأما التمسح بالجدران والشبابيك فليس من علامات المحبة، بل هو خلاف السنة وخلاف ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وسلف هذه الأمة، فهو من محدثات الأمور، فمحبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم فوق محبة كل محبوب من الخلق؛ وذلك أن النعمة التي ساقها الله للناس على يديه هي أعظم نعمة على المسلم، وهي نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، فهذا هو السبب في كون محبته يجب أن تفوق محبة كل محبوب من الخلق عليه الصلاة والسلام. إذاً: فمحبته عليه الصلاة والسلام لا تكون بالتمسح بالجدران و الشبابيك، وإنما تكون باتباعه والسير على منهاجه، والله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. بيان ما يقال عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال: هل هناك أوراد شرعية تقال عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: ليس هناك شيء، وإذا جاء الإنسان إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعليه أن يسلم عليه ويدعو له، ولا يدعوه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الدعاء عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله، يقول عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة)، وقد سبق أن مر بنا الحديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاء غير الله شرك بالله، وصرف لحق الله إلى غير الله. حكم لبس الجوارب المقطوعة دون الكعبين للمحرم للحاجة، وكذلك غير المقطوعة السؤال: أنا مريض بمرض في قدميّ، ولا أستطيع الطواف والسعي حافي القدمين، وأريد أن ألبس جوربين دون الكعبين، بحيث لا يغطيان الكعبين؛ لتخفيف الآلام، فهل يجوز لي ذلك؟ الجواب: إذا كانت الجوارب دون الكعبين فلا بأس بها، مثل الخفاف التي تكون مقطوعة دون الكعبين، ولو أراد أن يبقي الجوارب دون قطع فلا بأس بذلك ما دام أنه بحاجة إليها، لكن عليه أن يطعم ستة مساكين أو يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، وأما إن قطع الجوارب وكانت دون الكعبين فإنه ليس عليه شيء. حكم التضحية عن النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: ما توجيهكم لرجل يريد الحج وهو يريد أن يضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: إذا أراد الإنسان أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء عن طريقه فما عليه إلا أن يعمل صالحاً لنفسه، فإن الله يعطي نبيه مثل ما أعطاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دل الناس على الخير، ومن دل على هدى كان له مثل أجر فاعله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثم من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). إذاً: فإذا أردت أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء بسببك، فما عليك إلا أن تعمل لنفسك عملاً صالحاً، كالصلاة والصيام والزكاة والحج وكل عمل تتقرب به إلى الله عز وجل، والله تعالى سيثيب نبيه مثل ما أثابك، ولهذا فالنبي عليه الصلاة والسلام له من الأجر مثل أجور أمته من حين بعثه الله إلى قيام الساعة؛ لأنه هو الذي دل الناس على هذا الحق والهدى، كما في الحديث: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، فلا تشغل نفسك بأن تضحي للنبي صلى الله عليه وسلم، بل ضح عن نفسك والله تعالى سيثيبك على فعلك، ويثيب نبيه مثل ما أثابك. حكم السؤال بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم والتوسل به السؤال: هل يجوز أن يسأل الإنسان بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ الجواب: لا، لا يسأل بوجه الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يقول: أسألك بوجه الرسول، أو أتوسل إليك بالرسول، فكل هذا لا يجوز وهو من الأمور المنكرة. حكم الحلق للعمرة قبل الحج بثلاثة أسابيع مع إرادة الحج ذلك العام السؤال: أريد أن أقوم بعمرة ولم يبق إلا أيام على الحج فهل الأفضل لي الآن التقصير أو الحلق؟ الجواب: بقي على الحج تقريباً خمسة وعشرون يوماً، فيمكن أن يخرج الشعر وينبت، وبالتالي يمكن أن يحلق الشعر يوم العيد." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [231] الحلقة (262) شرح سنن أبي داود [231] طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولو رجع الإنسان إلى بلده ولم يطف طواف الإفاضة لم يتم حجه، وعليه أن يرجع من بلده ليطوف طواف الإفاضة، والنبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف وكان ذلك ضحىً من يوم النحر، لكن من قدم بعض هذه الأعمال على بعض فلا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل يوم النحر عن شيء قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج)، وهذا تيسير منه عليه الصلاة والسلام على الأمة. حكم طواف الإفاضة في الحج شرح حديث (أفاض النبي يوم النحر ثم صلى الظهر بمنى...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإفاضة في الحج. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفاض يوم النحر، ثم صلى الظهر بمنى، يعني راجعاً). ]. قوله: باب: الإفاضة في الحج، أي: طواف الإفاضة، فعلى الحاج بعدما يرمي الجمرة وينحر هديه ويحلق رأسه أن يذهب إلى مكة، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث رتب أعمال يوم النحر بهذه الترتيب: رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، ولكنه ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: (لا حرج). وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به، ولا يجبر بشيء وإنما لا بد من الإتيان به، ولو رجع الإنسان إلى بلده دون أن يطوف لم يتم حجه، وعليه أن يرجع من بلده ليطوف هذا الطواف؛ لأنه ركن لا يتم الحج إلا به. والنبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق، ثم طاف، وكان ذلك ضحى، ولكن هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بمكة أو صلى الظهر بمنى؟ جاءت الأحاديث الصحيحة مختلفة في ذلك، فمنها حديث ابن عمر هذا الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أفاض يوم النحر ثم صلى الظهر بمنى يعني: راجعاً) يعني: عندما رجع من مكة، وجاء عن جابر وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة) واختلف العلماء في ترجيح ما جاء في هذين الحديثين، فمن أهل العلم من رجح أنه صلى الظهر بمكة؛ وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى ضحى وقد ظلل عليه بثوب، من شدة حرارة الشمس، ثم ذهب إلى المنحر ونحر ثلاثاً وستين من الإبل، وطبخ منها وأكل منها وشرب من مرقها، وحلق رأسه، ثم ذهب إلى مكة فطاف طواف الإفاضة، فكونه يرجع إلى منى مع هذه الأعمال فالوقت فيه ضيق، فيكون الراجح أنه صلى الظهر بمكة، كما جاء في حديث جابر . ومن أهل العلم من رجح ما جاء في حديث ابن عمر وأنه صلى الظهر بمنى، ومما يدل على هذا أو يقويه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أناب أحداً أن يصلي بالناس بمنى، ولو كان ذلك حاصلاً لنقل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين، وهو الذي يصلي بهم، ونيابة غيره معروفة، فلما صلى عبد الرحمن بن عوف في إحدى السفرات إماماً، نقل ذلك. ولما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمرو بن عوف أناب أبا بكر ليصلي بالناس إذا تأخر، وكذلك في مرض موته، فلو أنه صلى بمكة لأناب من يصلي عنه بمنى ولنقل ذلك. وعلى كل فالأحاديث كلها صحيحة، والله تعالى أعلم بالواقع، هل صلى الظهر بمنى أو صلى الظهر بمكة؟ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض ضحىً. تراجم رجال إسناد حديث (أفاض النبي يوم النحر ثم صلى الظهر بمنى...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ] هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عبيد الله ] هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ] هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أم سلمة في عدم الحل الكامل قبل طواف الإفاضة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين المعنى واحد ، قالا: حدثنا ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق حدثنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه رضي الله عنه، وعن أمه زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما عن أم سلمة رضي الله عنها يحدثانه جميعاً ذاك عنها قالت: (كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مساء يوم النحر، فصار إلي ودخل علي وهب بن زمعة ، ومعه رجل من آل أبي أمية متقمصين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوهب : هل أفضت أبا عبد الله ؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: انزع عنك القميص، قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولم يا رسول الله؟ قال: إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا -يعني: من كل ما حرمتم منه إلا النساء-، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها في مساء يوم النحر، أي ليلة الحادي عشر، وأنه جاء وهب بن زمعة ومعه رجل آخر، وكانا قد لبسا قمصاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لوهب [ (هل أفضت أبا عبد الله؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال: انزع عنك القميص، قال: فنزعه من رأسه، ونزع صاحبه قميصه من رأسه، ثم قال: ولم يا رسول الله؟) ] يعني: لماذا أنزع القميص؟ فقال عليه الصلاة والسلام: [ (إن هذا اليوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا -يعني: من كل ما حرمتم منه إلا النساء-، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به) ]. هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا جاء المساء من يوم النحر، وهو لم يطف بالبيت أنه يبقى محرماً كهيئته التي كان عليها قبل أن يرمي الجمرة، ويستمر في ذلك حتى يطوف بالبيت، هذا هو الذي يدل عليه هذا الحديث، والحديث صححه بعض أهل العلم، وبعضهم تكلموا في متنه وفي العمل به، وفي إسناده من هو متكلم فيه، حيث قال الحافظ فيه: مقبول، والمقبول هو الذي يقبل حديثه عند المتابعة، ولأهل العلم فيه كلام لم أتمكن اليوم من الوقوف عليه، وقد اطلعت عليه سابقاً، فأنا أرجئ الكلام على ذلك فيما يتعلق بهذا الحديث من جهة كون العلماء لم يعملوا به، حتى أقف على تلك الأقوال التي سبق أن اطلعت عليها. هناك حديث وعدنا بأن نذكر الشيء الذي نقف عليه حوله، وهو حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي فيه أن الإنسان إذا لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس يوم النحر، فإنه يعود إلى إحرامه وهيئته كما كان عليه قبل رمي الجمرة حتى يطوف بالبيت. أولاً: عرفنا فيما مضى أن الحديث فيه رجل متكلم فيه وهو مقبول، والمقبول هو الذي يقبل حديثه بعد المتابعة، وذكر جماعة من أهل العلم أنه لم يقل به أحد من الفقهاء. قال البيهقي في كتابه السنن: إنه لا يعلم أحد من الفقهاء قال بهذا الحديث. قال النووي : فيكون دل الإجماع على نسخه. والحافظ ابن رجب في كتابه العلل ذكره ضمن الأحاديث التي لم يعمل بها أحد من أهل العلم، وقال بعد ذلك: ويذكر أن عروة بن الزبير قال به. وذكر السخاوي نقلاً عن البلقيني أنه قال: هذا مثال لما دل الإجماع على نسخه من الأحاديث. فهذا ما وقفت عليه مما ذكره أهل العلم حول هذا الحديث. ثم إنه من حيث المعنى يترتب عليه أن الإنسان إذا كان سيعود إلى ما كان عليه قبل الرمي فمعنى ذلك أنه سيرجع إلى التلبية، وسيرجع إلى ما كان عليه قبل رمي جمرة العقبة، ويترتب على ذلك لو أن إنساناً جامع في ذلك الوقت فكأنه جامع قبل التحلل الأول، وإذا جامع قبل التحلل الأول فسد حجه، ويلزمه أن يتمه فاسداً، ويلزمه بدنه، ويحج من قابل. والشيخ ناصر رحمه الله في كتاب مناسك الحج والعمرة قال: إن الحديث صحيح، وابن القيم يفهم من كلامه أنه محفوظ كما في تهذيب السنن، لكن هذا الذي قاله البيهقي قال في السنن: إنه لا يُعلَم أحد من الفقهاء قال بهذا الحديث، وأيضاً يترتب عليه هذه الأمور التي أشرت إليها، وأيضاً فيه هذا الشخص المقبول، وإن كان له طريق أخرى يتقوى بها، والذين قالوا بنسخه فذلك على فرض ثبوته، أما إذا كان غير ثابت فوجوده مثل عدمه. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في عدم الحل الكامل قبل طواف الإفاضة قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل و يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ] هو محمد بن إبراهيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ] هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة ] أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة مقبول ، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ] وهو عبد الله بن زمعة صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ وعن أمه زينب بنت أبي سلمة ]. زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ] هي أم المؤمنين هند بنت أمية رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقد سبق أن مر بنا حديث قبل هذا فيه الدلالة على أن ليلتها كانت ليلة العيد، وليست ليلة الحادي عشر، وهو حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، ورمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندها). فلا أدري هل المقصود اليوم الذي سيأتي مع الليلة الآتية أو أن المقصود أن ذلك اليوم الذي هو يوم العيد، مع الليلة التي قبله؛ لأن التعجيل من أجل ذلك، ويفهم منه أن ليلة العيد كان عندها صلى الله عليه وسلم، وأنها ليلتها، وهو يختلف عما جاء في هذا الحديث الذي فيه أن ليلة إحدى عشرة كان عند أم سلمة. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل) ]. أورد أبو داود حديث عائشة و ابن عباس[ (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل) ] يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف ذلك اليوم إلى الليل، وهذا يخالف ما تقدم من أنه أفاض في النهار، وأنه صلى الظهر بمنى أو بمكة على اختلاف في الأحاديث الصحيحة في ذلك، والحديث إذا صح فإنه يحمل على أنه أذن لأصحابه أن يؤخروا الطواف إلى الليل، ولهذا نظائر في كونه يأتي ذكر العمل مضافاً إليه والمراد أصحابه؛ لأن ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم وبإرشاده وتوجيهه، ومن العلماء من قال: إن هذا الذي أخره إلى الليل إنما هو الذهاب إلى مكة في غير يوم العيد في الليالي الأخرى وهو طواف تطوع، وأنه كان يزور البيت، لكن هذا غير واضح؛ لأن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما دخل البيت إلا ثلاث مرات: مرة عند طواف القدوم، أول ما قدم مكة، ومرة عند طواف الإفاضة يوم العيد، ومرة عند طواف الوداع ليلة الرابع عشر، لما انصرف من منى وبات بالمحصب، ومشى آخر الليل وطاف طواف الوداع، وذهب من مكة إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، ومن العلماء من ضعف الحديث من جهة أن أبا الزبير مدلس، وقد رواه بالعنعنة عن عائشة وعن ابن عباس ، وعلى كل فالمحفوظ والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء في حديث جابر وحديث ابن عمر وغيرهما، وهناك أحاديث صحيحة تدل على أنه أفاض ضحى يوم النحر. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي أخر طواف يوم النحر إلى الليل) قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ] محمد بن بشار الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن ] هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان] هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ] عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ وابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن النبي لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب حدثني ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس[ (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) يعني: أنه لم يحصل منه الرمل وهو الإسراع الخفيف مع مقاربة الخطا في الأشواط الثلاثة الأول، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه الرمل في طواف العمرة، وفي طواف القدوم في حجته صلى الله عليه وسلم، وعرفنا أنه طاف على بعير، وأن المقصود بذلك أمره لأصحابه وأذنه لهم بأن يرملوا الأشواط الثلاثة الأول، ويمشوا في الأربعة الباقية، فابن عباس رضي الله عنه يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) ومعنى ذلك أن الرمل إنما يكون في أول طواف يكون فيه القدوم إلى مكة، سواء كان الإنسان حاجاً أو معتمراً. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود ]. سليمان بن داود المهري أبو الربيع المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبر ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ابن جريج ] هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن أبي رباح ] هو عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره. حكم طواف الوداع شرح حديث: (... لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الوداع. حدثنا نصر بن علي حدثنا سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت) ]. قوله: باب الوداع أي: على الحاج أن يودع البيت إذا انتهى من أعمال الحج، ولم يبق إلا السفر والعودة إلى بلاده، أو الخروج من مكة إلى أي بلدة أخرى بالطواف سبعة أشواط، بحيث لا يخرج من مكة إلا وقد ودع البيت بأن يطوف به سبعة أشواط، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وفعل ذلك، فإنه عليه الصلاة والسلام نزل المحصب، ومشى سحراً إلى مكة وطاف طواف الوداع وسافر في ليلة الرابع عشر. أورد أبو داود حديث ابن عباس: (كان الناس ينصرفون في كل وجه) ] يعني: كانوا يذهبون إلى كل جهة منصرفين إلى ديارهم بعد أداء الحج، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت). يعني: لا ينفرن أحدكم من مكة ومن الحج متجهاً إلى بلده أو إلى أي بلد آخر، حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت. وهذا يدلنا على أن طواف الوداع واجب، ولهذا رخص فيه للحائض والنفساء، والترخيص للحائض والنفساء يدل على أن غيرهما لم يخرص له، وإنما عليه أن يطوف، وألا يترك الطواف بل عليه أن يأتي به. تراجم رجال إسناد حديث (.. لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ] هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ] هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان الأحول ] سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ] هو طاوس بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] ابن عباس قد مر ذكره. حكم طواف الوداع للعمرة طواف الوداع يشرع في الحج، وأما في العمرة فالأولى للإنسان أن يودع، ولكن إن خرج غير مودع لا شيء عليه؛ لأنه ما جاء شيء يدل على العمرة بخصوصها، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك في الحج، فدل على أن طواف الوداع في الحج واجب، وأن الإنسان لا ينفر من مكة إلا وقد ودع البيت، وأما طواف الوداع للعمرة فلم يأت شيء يخصها، ولكن الأولى للإنسان ألا يخرج إلا وقد ودع، فإن خرج غير مودع فلا شيء عليه. حكم الحائض تخرج بعد الإفاضة من مكة شرح حديث احتباس الحائض حتى تطوف بعد الطهر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الحائض تخرج بعد الإفاضة. حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر صفية بنت حيي رضي الله عنها، فقيل: إنها قد حاضت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لعلها حابستنا، قالوا: يا رسول الله! إنها قد أفاضت، فقال: فلا إذاً). قوله: باب: الحائض تخرج بعد الإفاضة يعني: للحائض أن تخرج من مكة بعد الإفاضة غير مودعة، ولا يلزمها أن تنتظر حتى تطهر وتطوف طواف الوداع، فقد رخص لها أن تخرج بلا وداع ولا بأس بذلك، وهذا إنما هو للحائض والنفساء، فقد رخص لهن بترك طواف الوداع، وأما طواف الإفاضة، فإنه لازم في حق الجميع، ولا بد للحائض أن تبقى حتى تطهر وتطوف، وإذا كان بقاؤها لا يتيسر، وتمكنت من أن تذهب وترجع فإنها تذهب وترجع لأداء طواف الإفاضة؛ لأنه ركن لا يتم الحج إلا به، وطواف الوداع هو الذي يسقط عن الحائض والنفساء. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صفية ، فقيل: إنها قد حاضت، فقال: لعلها حابستنا) يعني: أنه كان يظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، وأنه سيترتب على ذلك حبس الناس بسببها حتى تطهر لتطوف، فلما أخبر بأنها قد أفاضت يوم النحر قال: (فلا إذاً) يعني: لن نحبس ولن ننتظر حتى تظهر فتطوف؛ لأن طواف الوداع يسقط عنها، وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء، أما من عداهم فإنه لا يسقط عنه طواف الوداع، بل يجب عليه أن يأتي به ولكنه لو تركه يكون عليه فدية، أما طواف الإفاضة فإنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولو خرج الإنسان من مكة ولم يطف بالبيت طواف الإفاضة، فإنه يتعين عليه أن يرجع إلى مكة وأن يأتي بهذا الطواف؛ لأنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعلها حابستنا) ] وذلك عندما أخبر بأنها حاضت، وكان قال ذلك على اعتبار أنه كان يظن أنها لم تطف طواف الإفاضة، فهذا فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ لأنه لو كان يعلم الغيب لما خفي عليه أمر صفية وأنها طافت طواف الإفاضة، فدل هذا على أنه لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وأن هناك أموراً تكون موجودة وتكون خفية خفيت عليه صلى الله عليه وسلم، كما خفي عليه كون صفية أتاها الحيض بعد الإفاضة، وكما جاء في قضية الإفك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم مكث مدة متألماً متأثراً مما رميت به عائشة ، ولا يعلم الحقيقة حتى نزلت براءتها في آيات تتلى في سورة النور، وكذلك العقد الذي فقد في سفر من الأسفار، وكان تحت الجمل الذي كانت تركبه عائشة ، وقد بقي الناس يبحثون عن العقد، ولما جاء الصباح ليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، ثم بعد ذلك أثاروا الإبل، وإذا العقد تحت الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما علم بذلك العقد، وقد كانوا مكثوا بالليل يبحثون عن ذلك العقد، فهذا من الأدلة الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأن علم الغيب على الإطلاق إنما هو من خصائص الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما أطلعه الله عليه من الغيوب، وقد أطلعه الله على غيوب كثيرة، وخفي عليه غيوب كثيرة. تراجم رجال إسناد حديث احتباس الحائض حتى تطوف بعد الطهر قوله: [ حدثنا القعنبي ] هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ] هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ] هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ] عائشة مر ذكرها. شرح حديث (أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال: (أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض، قال: ليكن آخر عهدها بالبيت، قال: فقال الحارث : كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فقال عمر : أربت عن يديك، سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكيما أخالف!) ]. أورد أبو داود حديث الحارث بن عبد الله بن أوس رضي الله عنه: (أنه جاء إلى عمر وسأله عن الحائض تطوف يوم النحر، ثم تحيض، فقال عمر : ليكن آخر عهدها بالبيت، قال: فقال الحارث : كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أربت عن يديك). يعني: دعا عمر رضي الله عنه عليه؛ لكونه سأله عن شيء قد سأل عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه قد يجيب بشيء يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم باجتهاده وعدم اطلاعه. وفيه أن من بلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أن يسأل غيره عما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الحديث بلغ هذا الرجل عن النبي عليه الصلاة والسلام فلا يحتاج أن يسأل غيره عن ذلك. وهنا قال: (ليكن آخر عهدها البيت) وهذا إنما يكون لو طهرت قبل أن تسافر، أما إذا كان الحيض مستمراً معها وأرادوا السفر، فقد جاءت الأحاديث الأخرى كما في حديث صفية وغيره أنها تنفر ولا شيء عليها. وهذا الحديث مخالف للأحاديث الأخرى الصحيحة، فيكون صحيحاً محفوظاً باعتبار أنها إذا طهرت فإنها تطوف، أما إذا كان الحيض مستمراً معها، فإنها لا تحبس الناس، وإنما تنفر، كما جاء في الحديث: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت، إلا أنه خفف عن الحائض) وحديث عائشة الذي تقدم في قصة صفية : (فقيل: إنها قد أفاضت، فقال: فلا إذاً) يعني: أن طواف الوداع يسقط عنها. هذه فائدة: يقول الحافظ في الفتح (3/587): واستدل الطحاوي بحديث عائشة وحديث أم سلمة على نسخ حديث الحارث في حق الحائض. يعني: أن العمل بحديث الحارث منسوخ. وهذا يشكل مع حديث قصة صفية ؛ لأنه هناك ليس فيه انتظار، وأما هنا فإنه قد يفهم منه الانتظار، فيكون بذلك منسوخاً، لكن لو كان الحيض قد ذهب عنها أو كانت باقية لأمر من الأمور، أو أرادت أن تجلس، فلابد أن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت؛ لأن سقوط ذلك عنها كان بسبب الحيض، أما وقد ذهب الحيض فلابد أن تطوف. يقول الخطابي : قلت: وهذا على سبيل الاختيار في الحائض، إذا كان في الزمان نفس، وفي الوقت مهلة، فأما إذا أعجلها السير كان لها أن تنفر من غير وداع بدليل خبر صفية . إذاً: لا شك أنها لو طهرت فلا يجوز لها أن تخرج إلا وقد ودعت؛ لأنها لو طهرت فليس هناك مانع يمنعها من الطواف، وإنما الكلام في قضية الاستعجال إذا أرادت أن تسافر وتنفر، فيسقط عنها الوداع كما جاء في حديث صفية وغيره: (أنه خفف عن الحائض) يعني: في حال حيضها، وأما إذا طهرت فإنه يتعين عليها أن تطوف ولا يجوز لها أن تخرج، ولو خرجت غير مودعة لزمها دم؛ لأنها خرجت وهي طاهرة. تراجم رجال إسناد حديث (أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعلى بن عطاء ]. يعلى بن عطاء وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الوليد بن عبد الرحمن ]. هو الوليد بن عبد الرحمن الجرشي وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الحارث بن عبد الله بن أوس ] الحارث بن عبد الله بن أوس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . والعجيب أن الحافظ في التقريب يقول: إنه مختلف في صحبته، لكن هذا الحديث يدل على صحبته؛ لأنه قال: (كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم). ويقول الحافظ أيضاً: وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. طواف الوداع شرح حديث عائشة في طواف الوداع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: طواف الوداع. حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأبطح حتى فرغت، وأمر الناس بالرحيل، قالت: وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيت فطاف به ثم خرج) ]. قوله: باب: طواف الوداع هذا الباب لا يختلف عن الباب الذي قبله الذي هو باب: الوداع، وكأن هذا التفريق المقصود منه أن الإنسان يودع قبل مغادرة مكة، وتلك الترجمة أورد لزوم طواف الوداع، وهنا ذكر صفة طواف الوداع، وأنه يطاف بالبيت سبعة أشواط عند مغادرة مكة، ويقال لذلك: طواف الوداع، وليس بين الترجمتين فرق، وكلها تتعلق بطواف الوداع، وأن الإنسان لا يغادر مكة إذا كان حاجاً إلا وقد ودع البيت، إلا الحائض والنفساء فإنهما قد رخص لهما في ذلك. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعمرها من التنعيم، كان بالأبطح ينتظرها، فلما كان في السحر في آخر الليل، نزل إلى مكة وطاف طواف الوداع، ثم خرج قافلاً إلى المدينة صلى الله عليه وسلم. وهذا يدل على أن طواف الوداع من فعله عليه الصلاة والسلام، والأحاديث التي مرت تدل على طواف الوداع من قوله صلى الله عليه وسلم، فطواف الوداع ثابت من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في طواف الوداع قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ] هو وهب بن بقية الواسطي وهو ثقة، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ] هو خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أفلح ] هو أفلح بن حميد وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن القاسم ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. قد مر ذكرها. شرح حديث عائشة في طواف الوداع من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر -يعني: الحنفي - حدثنا أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجت معه -تعني مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم- في النفر الآخر، فنزل المحصب) قال أبو داود : ولم يذكر ابن بشار قصة بعثها إلى التنعيم في هذا الحديث، قالت: (ثم جئته بسحر، فأذَّن في أصحابه بالرحيل، فارتحل، فمر بالبيت قبل صلاة الصبح، فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجهاً إلى المدينة) ]. أورد المصنف حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله. قول عائشة : (فنزل المحصب). يعني: أن عائشة رضي الله عنها كانت معه في النفر الآخر الذي هو اليوم الثالث عشر؛ لأن النفر نفران: النفر الأول في اليوم الثاني عشر لمن أراد أن يتعجل، والنفر الثاني في اليوم الثالث عشر بعد رمي الجمار بعد الزوال لمن أراد أن يتأخر، والنبي صلى الله عليه وسلم قد تأخر في منى إلى اليوم الثالث عشر حتى رمى الجمار، وانصرف من منى عليه الصلاة والسلام، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المحصب، ثم إنه انطلق آخر الليل في السحر وطاف طواف الوداع صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ] محمد بن بشار مر ذكره . [ حدثنا أبو بكر يعني الحنفي ] هو عبد الكبير بن عبد المجيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أفلح عن القاسم عن عائشة ]. وقد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث: (كان إذا جاز مكاناً من دار يعلى استقبل البيت فدعا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد : أن عبد الرحمن بن طارق أخبره عن أمه رضي الله عنها: (أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا جاز مكاناً من دار يعلى -نسيه عبيد الله - استقبل البيت فدعا) ]. أورد أبو داود حديث أم عبد الرحمن بن طارق : [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاز مكاناً من دار يعلى -نسيه عبيد الله - استقبل القبلة فدعا) ]. هذا الحديث ليس فيه شيء يدل على طواف الوداع، ومعناه غير واضح، وما أعرف ما هي دار يعلى هذه، وأيضاً ذلك المكان الذي نسيه عبيد الله أنه كان يستقبل البيت ويدعو، والحديث فيه عبد الرحمن بن طارق متكلم فيه فهو مقبول، يعني: أنه يقبل حديثه عند المتابعة. تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا جاز مكاناً من دار يعلى استقبل البيت فدعا) قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين مر ذكره. [ حدثنا هشام بن يوسف ]. هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن جريج أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد ]. عبيد الله بن أبي يزيد ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن عبد الرحمن بن طارق ]. عبد الرحمن بن طارق مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن أمه ] يقول الحافظ : لم أقف على اسمها وهي صحابية، أخرج لها أبو داود و النسائي . حكم النزول بالمحصب |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: (إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: التحصيب. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة، فمن شاء نزله، ومن شاء لم ينزل) . ]. قوله: باب: التحصيب، التحصيب هو النزول بالمحصب، والمحصب هو الذي يقال له: الأبطح والبطحاء، وهو بين مكة ومنى. أورد أبو داود حديث عائشة (أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما نزل المحصب؛ لأنه أسمح لخروجه) ] يعني: أنه نزل في ذلك المكان؛ لأنه متوسط بين مكة ومنى، فقبل الحج جاء ونزل فيه، ودخل وطاف وصلى فيه أربعة أيام يقصر الصلاة، وفي اليوم الثامن قبل الزوال ذهب إلى منى من المحصب وصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، وبعد أن رمى الجمار في اليوم الثالث عشر، انصرف إلى الأبطح وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي آخر ليلة الرابع عشر نزل منه إلى الكعبة وطاف طواف الوداع ثم اتجه إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، فعائشة رضي الله عنها تقول: إنه نزل المحصب؛ لأنه أسمح لطريقه. قولها: (وليس بسنة) يعني: ليس بسنة من سنن الحج ولا من المشاعر ولا من الأماكن التي تقصد مثل منى وعرفة ومزدلفة، وإنما كان أسمح لطريقه وليس فيه سنة، فمن شاء نزل ومن شاء لم ينزل. وبعض أهل العلم قال: إنه يستحب أن ينزل الحاج في المحصب اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد نزله، ولكن عائشة رضي الله عنه تبين السبب في نزوله وأنه كان أسمح للطريق، لأنه جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وذهب منه إلى مكة، ثم رجع إليه وذهب منه إلى منى، ثم بعد الحج نزل به، وذهب منه في آخر الليل إلى مكة وطاف طواف الوداع، وخرج إلى المدينة صلى الله عليه وسلم. والمحصب الآن هو المنطقة التي تقع قريبة من منى، التي يسمونها العدل الآن، فتلك المنطقة هي منقطة البطحاء أو الأبطح، وقد كان الناس إلى عهد قريب -لما كان الحجاج قليلين- يأتون وينزلون بالأبطح، وإذا جاء يوم ثمانية ارتحلوا إلى منى، ومنى ينزلون فيها كيف شاءوا، ليس فيها ازدحام. تراجم رجال إسناد حديث: (إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن أبيه عن عائشة ]. قد مر ذكر الثلاثة. شرح حديث: (لم يأمرني رسول الله أن أنزله يعني المحصب ولكن ضربت قبته فنزل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة المعنى ح وحدثنا مسدد قالوا: حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال: قال أبو رافع رضي الله عنه: (لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنزله، ولكن ضربت قبته فنزله، قال مسدد : وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عثمان: يعني في الأبطح) ]. أورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله عنه: أنه قال: [ (لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزله، ولكن ضربت قبته فنزله) ] يعني: أنه هو الذي سبق واختار له المكان في المحصب فضرب القبة فيه، فنزل فيه صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أنه ليس هناك أمر بأن ينزل في المكان الفلاني فيكون سنة، وإنما عندما كان أبو رافع رضي الله عنه على متاعه وعلى شئونه صلى الله عليه وسلم، فكان أن ضرب القبة له في الأبطح -أي: المحصب- فنزله النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (لم يأمرني رسول الله أن أنزله يعني المحصب...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل و عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود ، والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ وحدثنا مسدد ] هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صالح بن كيسان ]. صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو رافع ]. أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أسامة: (... نحن نازلون بخيف بني كنانة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (قلت: يا رسول الله! أين تنزل غداً؟ -في حجته - قال: هل ترك لنا عقيل منزلاً؟ ثم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة، حيث قاسمت قريش على الكفر، يعني: المحصب، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم). قال الزهري : والخيف الوادي ]. أورد أبو داود حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نزوله بمكة، وجاء في بعض الأحاديث: (أين تنزل بدارك بمكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهل ترك لنا عقيل من دور، أو هل ترك لنا عقيل من رباع) أي: دور. و عقيل هو ابن أبي طالب ، وذلك أن أبا طالب ورثه ابناه الكافران وهما طالب و عقيل ، و طالب قتل يوم بدر كافراً، فبقي عقيل هو الذي حاز الدار التي كان يسكنها أبو طالب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسكن مع أبي طالب فيها، ثم بعد ذلك حازها عقيل ، ولم يكن لعلي و جعفر شيء؛ لأنهما أسلما، ومن المعلوم كما في الحديث: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) وبعد ذلك أسلم عقيل رضي الله عنه، ولكنه كان قد ورث الدار في حال كفره، وتصرف في تلك الدار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وهل ترك لنا عقيل من دار) أي: أنه حازها وتصرف فيها وباعها. قوله: (نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر). خيف بني كنانة هو الأبطح، وفيه تقاسم بنو كنانة مع قريش على محاصرة بني هاشم. والمقصود أن نزوله عليه الصلاة والسلام في ذلك المكان الذي حصل فيه إظهار الكفر وإعلان الكفر ومعاداة أهله هو من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك إظهار قوة المسلمين كما قاله بعض أهل العلم، ولهذا قال بعضهم: إنه يستحب نزول المحصب؛ وذلك لكون النبي صلى الله عليه وسلم نزله. قوله: قال الزهري : والخيف الوادي. يعني: الخيف هو الوادي، وهو مكان منبسط في الأبطح، أما مسجد الخيف فهو في منى، وأما الخيف المذكور هنا فهو بين مكة ومنى، وهو خيف بني كنانة وهو الأبطح. تراجم رجال إسناد حديث أسامة: (... نحن نازلون بخيف بني كنانة...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ] هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن حسين ] هو علي بن حسين بن علي بن أبي طالب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن عثمان ] هو عمرو بن عثمان بن عفان وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أسامة بن زيد ] أسامة بن زيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أبي هريرة: (أن رسول الله قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غداً...) وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر حدثنا أبو عمرو -يعني الأوزاعي - عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غداً) فذكر نحوه ولم يذكر أوله، ولا ذكر الخيف: الوادي. ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة ، وهو قريب من الذي قبله. قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ] هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عمر ]. هو عمر بن عبد الواحد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عمرو يعني الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن أبي سلمة ] الزهري مر ذكره. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى أبو سلمة حدثنا حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله و أيوب عن نافع : (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يهجع هجعة بالبطحاء، ثم يدخل مكة، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك.) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أنه كان يهجع هجعة) يعني: كان ينام في أول الليل. قوله: (ثم يدخل مكة ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) ] يعني: يخبر؛ لأن الزعم هنا يراد به الخبر المحقق، وهذا يدل على نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالمحصب، وأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان ينزل بالمحصب قسطاً من الليل، ثم ينصرف منه للوداع. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء قوله: [ حدثنا موسى أبو سلمة ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد ] هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر بن عبد الله ] هو بكر بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأيوب ] هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع أن ابن عمر ]. نافع مولى ابن عمر و ابن عمر قد مر ذكرهما. الفرق بين مكث الرسول صلى الله عليه وسلم ومكث ابن عمر بالمحصب إن الذي فعله ابن عمر هو بعد الحج؛ لأنه قال: (أن ابن عمر كان يهجع هجعة بالبطحاء ثم يدخل مكة)، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يبيت بالمحصب ليلة الرابع عشر، بل إنه جاءه بعد أن رمى الجمار بعد الزوال وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أربعة أوقات صلاها عليه الصلاة والسلام في خيف بني كنانة الذي هو المحصب. شرح حديث ابن عمر في المبيت بالبطحاء من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر وأيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع بها هجعة، ثم دخل مكة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله). أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو توضيح للذي قبله، وأنه كان ذلك عند الانصراف من منى. وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع أو نام بالبطحاء ثم ذهب لطواف الوداع، وكان ابن عمر يفعل ذلك. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عفان ]. عفان بن مسلم الصفار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر ، وأيوب عن نافع عن ابن عمر]. قد مر ذكرهم جميعاً. حكم من قدم شيئاً قبل شيء في حجه شرح حديث: (اذبح ولا حرج...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (وقف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع بمنى يسألونه، فجاء رجل فقال: يا رسول الله! إني لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذبح ولا حرج، وجاء رجل آخر فقال: يا رسول الله! لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج ، قال: فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: اصنع ولا حرج) ]. قوله: باب: فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه، والمقصود من ذلك ما يحصل يوم النحر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام رتب ترتيباً معيناً: رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، ولكن بعض أصحابه فعلوا يوم العيد فعلاً لا يتفق مع ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم، مما جعلهم يستفتونه، فقال بعضهم: (حلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج، وقال آخر: نحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: اصنع ولا حرج) يعني: افعل الشيء الذي بقي عليك، ولا حرج عليك في كونك قدمت غيره عليه، والسبب في السؤال هو كون فعلهم اختلف عن فعله صلى الله عليه وسلم، لأنه رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف، فلما علموا ترتيب النبي صلى الله عليه وسلم حصل من بعضهم أنه سأل: هل يترتب على مخالفتهم لترتيب النبي صلى الله عليه وسلم إثم أو فدية أو كفارة، فكان الجواب منه عليه الصلاة والسلام ألا حرج عليهم. وهذا يدل على أن التقديم والتأخير جائز؛ لأنه لو كان غير جائز لبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الفعل لا يجوز، وكونه أخبر بأن التقديم والتأخير سائغ، يدل على أن هذا حكم مستمر وليس مقصوراً على ذلك الزمان، حتى لو قدم ما حقه التأخير وهو عالم لا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (اذبح ولا حرج) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله ]. عيسى بن طلحة بن عبيد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (سعيت قبل أن أطوف فقال: لا حرج) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً، فكان يقول: لا حرج، لا حرج، إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك)]. أورد أبو داود حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً، فكان يقول: لا حرج)، قال بعض أهل العلم: إن السعي هو الذي يكون مع طواف القدوم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حرج)، لكن الذي يبدو والله أعلم أن هذا إنما يقصد به السعي هنا الذي يكون يوم النحر، فلو سعى الإنسان قبل أن يطوف، فإنه لا يلزمه أن يعيد السعي بعد الطواف؛ لأنه طاف بعده، بل عمله صحيح، ولكن السنة كون الإنسان يأتي بالطواف أولاً ثم يأتي بالسعي ثانياً، فيكون هذا في حق المتمتعين الذين عليهم طواف وسعي، وكذلك في حق القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم، فيكون عليهم بعد طواف الإفاضة السعي بين الصفا والمروة، فالذي يبدو أن هذا كله في أعمال يوم النحر؛ لأن التقديم والتأخير حصل في ذلك اليوم، واحد قدم وأخر، وأما ما قاله بعض أهل العلم: إن المقصود من ذلك أنه قدم السعي مع طواف القدوم، فهذا غير واضح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو نفسه سعى مع طواف القدوم، ولكن الذي يبدو ويظهر أن المقصود به هو طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة في حق المتمتعين، وكذلك في حق القارنين والمفردين الذين لم يسعوا مع طواف القدوم؛ لأنه يتعين عليهم أن يسعوا بعد طواف الإفاضة. قوله: (فكان يقول: لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض مسلم). يعني: لا حرج في جواب الأسئلة المتعددة التي ذكرها. قوله: (إلا على رجل اقترض عرض مسلم وهو ظالم، فذلك هو الذي حرج وهلك) يعني: المقصود به من نال من عرض أخيه وهو ظالم له، والاقتراض هو القطع، يعني: تكلم في عرض أخيه وهو ظالم له، فالتقيد بقوله: (وهو ظالم له) يدل على أن الكلام في عرضه إذا كان لأمر سائغ ولأمر مشروع ، كجرح الرواة وتعديل الشهود، وكذلك في النصيحة والمشورة، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في معاوية : (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأبو جهم لا يضع العصاة عن عاتقه) وأمثال ذلك فإن هذا ليس بظلم، وإنما هو حق، وهذا الذي نال من عرض أخيه وهو ظالم هذا هو الذي أصابه الحرج وحصل له الحرج، وحصل له الهلاك، وذلك بحصول الإثم له. تراجم رجال إسناد حديث (سعيت قبل أن أطوف فقال: لا حرج) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ] هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن علاقة ] زياد بن علاقة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسامة بن شريك ] أسامة بن شريك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. حكم السترة في مكة شرح حديث المطلب بن أبي وداعة في المرور بين يدي المصلي في الحرم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في مكة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة، قال سفيان : ليس بينه وبين الكعبة سترة) قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أخبرنا كثير عن أبيه، قال: فسألته، فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي. ]. قوله: باب: في مكة، يعني: هل مكة تتميز على غيرها في أنه لا يتخذ فيها السترة، وأنه يمر فيها بين المصلين ولا يحتاجون إلى سترة، أو أنها كغيرها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلى عنزة في الأبطح، يعني: أنه اتخذ سترة في مكة. أورد أبو داود حديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه وفيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم) يعني: في جهة من جهات الكعبة. قوله: (والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة) يعني: لم يتخذ سترة. [ وقال سفيان : (ليس بينه وبين الكعبة سترة) قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أخبرنا كثير عن أبيه، فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي ]. الإسناد فيه من هو مبهم؛ ولهذا ضعف الحديث بهذا المبهم، فالحديث غير صحيح، ومكة كغيرها، وعلى الإنسان ألا يمر بين يدي المصلين، ويحرص على أن يبتعد، لكن في شدة الزحام الذي لا يمكن معه إلا المرور فإنه يمر، والإنسان يتقي الله ما استطاع، لكن لا يقال: إن الإنسان يمشي في أي مكان من الحرم، بحيث إذا رأى إنساناً يصلي مشى بينه وبين سترته، بحجة أن مكة لا يتخذ فيها سترة! فلم يثبت أن مكة لا يتخذ المصلي فيها سترة، بل النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ سترة في الأبطح. تراجم رجال إسناد حديث المطلب بن أبي وداعة في المرور بين يدي المصلي في الحرم قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ]. كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن بعض أهله عن جده ] جده هو المطلب بن أبي وداعة وهو صحابي، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ قال سفيان : كان ابن جريج أخبرنا عنه، قال: أخبرنا كثير عن أبيه قال: فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي ]. يعني: اتفق مع الذي قبله على أنه من بعض أهله. وجاء في رواية عند النسائي: قال: عن أبي عن جدي، وأبوه الذي هو كثير بن المطلب مقبول، لكن هذا فيه أنه قال: إني لم أسمعه من أبي، وإنما سمعته عن بعض أهلي، وهذا يدل على أن السماع من أبيه غير صحيح. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
الأسئلة حكم لبس المحرم للشراب الذي يكون دون الكعبين قياساً على النعلين السؤال: لقد أفتيتم أن المحرم الذي يلبس الشراب دون الكعبين لأجل الألم الذي في قدميه لا حرج عليه ولا فدية، بخلاف إذا كان يلبس الشراب كاملة، لكن القطع للخفين لمن لم يجد النعلين قد نسخ في يوم عرفة؟ الجواب: نعم الخفان إذا قطعا وصارا دون الكعبين، صار شأنهما شأن النعلين، ومعنى ذلك أن الإنسان له أن يلبسهما، وأما فيما يتعلق بالخفين اللذين يغطيان الكعبين فعندما يحتاج الإنسان إليهما فإنه لا يقطعهما؛ لأنه جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) ولم يذكر القطع، فدل هذا على أن من عدم النعلين ولم يمكنه الحصول عليهما، فله أن يلبس الخفين ولو كان مغطياً للكعبين ولا يلزمه قطعهما، وأما إذا كان الخف موجوداً، وهو دون الكعبين، فإنه يصير حكمه حكم النعل، مثل ما لو قطع الخف وصار دون الكعبين، فالنبي صلى الله عليه وسلم أذن في استعماله؛ لأنه يصير مثل النعلين، وكذلك الشراب الذي يكون دون الكعبين. حكم طلب الحاجات من الأموات السؤال: ما حكم من يذهب من الحجاج إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الحاجات، وكذا لقبر البدوي وقبر زينب وغير ذلك من القبور؟ الجواب: لا تطلب الحاجات إلا من الله عز وجل، قال الله عز وجل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62]، فالله تعالى هو الذي يدعى، وهو الذي يرجى، والأموات يأتي الإنسان إليهم ليدعو لهم، لا يدعوهم، ويسأل الله لهم ولا يسأل منهم أشياء. والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى أهل البقيع دعا لهم وقال: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم سلفنا ونحن بالأثر، نسأل الله لنا ولكم العافية) وهذا دعاء. فكذلك إذا زار المسلم قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر الصاحبين الكريمين رضي الله عنهما، أو زار أي قبر من القبور فإنه يدعو للأموات ولا يدعوهم؛ لأن الدعاء عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله عز وجل، كما قال عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]. وقال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة). فدلنا هذا على أن صاحب القبر عندما يزار لا يطلب منه شيء ولا يسأل منه شيء، وإنما يسأل الله له ويطلب من الله له. والنبي صلى الله عليه وسلم عندما يزوره الإنسان يسلم عليه ويدعو له، فيقول: صلى الله وسلم وبارك عليك، وجزاك أفضل ما جازى نبياً عن أمته، هذا دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا نقول: يا رسول الله المدد، يا رسول الله أغثني، يا رسول الله أنا أريد زوجة، يا رسول الله أنا أريد ولداً، يا رسول الله أنا أريد كذا؛ لأن هذه أمور تطلب من الله عز وجل، وحتى الشفاعة لا يطلبها الإنسان من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يطلبها من الله فيقول: اللهم شفع فيَّ نبيك، اللهم اجعلني من الفائزين بشفاعة نبيك، اللهم اجعلني من أتباعه السائرين على نهجه، وهكذا يسأل الله عز وجل أن يوفقه لفعل الخيرات، وأن يجنبه المنكرات التي هي من محدثات الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان. حكم طواف الوداع السؤال: ما حكم طواف الوداع إذا سافر الحاج بدونه؟ الجواب: يلزمه فدية، وهي شاة يذبحها بمكة ويوزعها على فقراء الحرم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج. حكم ترك المرأة لطواف الإفاضة بسبب الحيض السؤال: طواف الإفاضة إذا تركته المرأة بسبب الحيض؟ الجواب: لا تعتبر حجت حتى ترجع وتطوف طواف الإفاضة، ولو كانت في أقصى الدنيا؛ لأنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولا يصح أن يطوف أحد عن أحد، ولا يجبر بشيء لا بقليل ولا بكثير، وإنما لابد من الإتيان به، وإذا كانت قد سافرت قبل أن تأتي به فتعتبر ما حجت حتى ترجع وتأتي به. حكم الإتيان بطواف الإفاضة في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة السؤال: هل تصح الإفاضة في اليوم الرابع عشر؟ الجواب: نعم تصح الإفاضة في اليوم الرابع عشر وبعده وقبله، لكن كون الإنسان يبادر إلى أن يأتي بهذا الركن أولى له، وإن أخر إلى حين السفر وطاف طواف الإفاضة وسافر بعده فإنه يغني عن الوداع ويجزئ عنه. حكم طواف الحامل والمحمول السؤال: إذا كان الحاج عنده طفل ولبى عنه، فهل الطواف يكون للحامل والمحمول أو لواحد؟ الجواب: إذا نوى أنه طائف هو وأن هذا المحمول معه طائف، فيكونان طافا معاً. حكم ترديد الأمي للأدعية والأذكار خلف من يأتي بها السؤال: أمي امرأة أمية فهل يجوز أن تقول ورائي الكلمات الضرورية في الطواف، مثل: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158]، وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]رََبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ [البقرة:201]؟ الجواب: لا يصلح مثل هذا الشيء؛ لأنها تردد شيئاً لا تفهمه، ولكن تدعو بالأدعية والأسئلة التي كانت تسأل الله عز وجل إياها، وتذكر الله تعالى في طوافها وفي سعيها؛ لأن الطواف ليس له ذكر يخصه، وإنما ينبغي أن يعلمها بعض الأذكار وبعض الأدعية، ويمكن أن يقول لها: ادعي بما شئت واقرئي ما تحفظين من القرآن، ولو كانت لا تحفظ إلا الشيء اليسير القليل منه. حكم حلق أو تقصير المحرم لنفسه عند التحلل السؤال: يقول: إذا حلقت رأسي بيدي هل خالفت السنة؟ الجواب: لا، ليس هناك شيء يدل على خلاف السنة، فالإنسان إذا كان يستطيع أن يحلق رأسه بيده يفعل، وإذا حلقه غيره له يفعل، والمرأة كذلك تقصر لنفسها، وإن قصرت لها امرأة أخرى فلا بأس بذلك. حكم من توفي وصلت عليه النساء في بيته ولم يصل عليه الرجال السؤال: توفي رجل فصلى عليه النساء فقط في بيته ولم يصل عليه الرجال، هل يسقط فرض الكفاية بهن؟ الجواب: كيف يصلى عليه في بيته ولا يخرجونه من بيته؟! فالرجل يجهزه الرجال، وكيف جهزته النساء؟! المرأة لا تجهز الرجل، اللهم إلا إذا كانت الزوجة فإن لها أن تجهز زوجها، أما غير الزوجة فلا تجهز الرجل ولو كان أباها، وكذلك الرجل لا يجهز ابنته، وإنما تجهز المرأة المرأة ويجهز الرجال الرجل، ويمكن للزوج أن يجهز زوجته، والزوجة أن تجهز زوجها. والحاصل أن صلاة الجنازة فرض على الرجال، والنساء ليس من شأنهن الجماعة، وإذا كان هذا قد وقع فإنه يمكن أن يذهب بعض الرجال ويصلون عليه وهو في قبره. حكم استئذان أصحاب الديون في حج الفريضة السؤال: رجل عليه دين كبير ومتفرق لعدة أشخاص، ولا يستطيع أن يستأذنهم في أن يحج الفريضة، فهل يحج دون استئذان؟ الجواب: معلوم أن الذي يؤدى به الحج قليل بالنسبة للديون الكثيرة المتفرقة، ولا يحج إلا وقد استأذنهم، والأولى له ألا يحج، وأن يوفي بالمال الذي يريد أن يحج به بعضهم، حتى يقل دينه، وبدل أن يكون مديناً لعدة أشخاص فإنه يصير مديناً لشخص أو شخصين، وما دام ليست عنده القدرة المالية فليس عليه أن يحج، اللهم إلا إذا كانت هذه الديون مؤجلة ولم تحل، وهو يتمكن أن يوفي عند وقت الأجل، فلا بأس أن يحج. حكم الإحرام من جدة لمن جاء إليها زائراً للأقارب السؤال: هل يجوز للشخص أن يذهب من المدينة إلى جدة لزيارة الأقارب ثم يحرم من الحج منها؟ الجواب: إذا كانت نية الحج موجودة عنده وهو في المدينة فيجب عليه أن يحرم من ميقات المدينة، وأما إن كان ذاهباً إلى جدة وليس عنده عزم الحج، ولا يدري هل يحج أو لا، فإنه يذهب إلى جدة، وإذا جاء وقت الحج وحصل منه عزم على الحج فإنه يحرم من جده. وإذا كان سيمكث في جدة مدة طويلة، وهو عازم على الحج، فعليه أن يذهب إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر، ويكون متمتعاً، ثم يذهب إلى جدة، ويمكث فيها ما شاء الله أن يمكث، ثم بعد ذلك يذهب إلى مكة إذا جاء وقت الحج. حكم من أعطي مبلغاً ليحج عن غيره وبقي منه شيء فصرفه على أهله السؤال: رجل طلب منه أن يحج عن رجل قد توفي بعد أن أدى فريضة الحج، وأعطي مبلغاً من المال لأداء هذه الفريضة، فهو يريد أن يحج عن هذا الميت بنية خالصة لله عز وجل، مع ما يجد في نفسه من احتياجه إلى ما يزيد على هذا المال ليقوم به على مصالح أهله، فهل عمله هذا صحيح؟ الجواب: الشيء الذي يعطاه الإنسان ليحج عن غيره هو له، سواء كان على قدر كفايته أو زاد على ذلك، مادام أنه أتى بالحج على التمام والكمال، اللهم إلا إذا قالوا: حج من هذا المال وما بقي فأرجعه، فإنه يرجع لهم الباقي، ولكن الإنسان إذا كان قادراً على أن يحج بماله فالذي ينبغي له أن يحج بماله، وإن كان غير قادر على أن يحج بماله، وأراد أن يأخذ شيئاً ليحج به عن غيره من أجل أن يحج فإن هذا سائغ، وإنما الذي لا يسوغ كون الباعث له على الحج المال، وأما إذا كان لا يستطيع أن يحج بماله، ولكن أراد أن يحج ولو بمال غيره عن غيره فإن ذلك سائغ ومحمود، أما من حج ليأخذ فهذا مذموم؛ لأنه جعل الحج وسيلة إلى الدنيا والعكس هو الصحيح. حكم من أتى بعمرة التمتع من المدينة وليس من أهلها ثم رجع إليها لكونه يدرس بها السؤال: نويت أن أحج متمتعاً، فهل لي أن أذهب إلى مكة لأداء العمرة وأرجع بعد ذلك إلى المدينة، مع العلم أن المدينة ليست مدينتي ولكني أدرس بها؟ الجواب: إذا كان الإنسان مقيماً في المدينة فحكمه حكم أهل المدينة، وكون الإنسان يذهب من المدينة إلى مكة ليعتمر ثم يرجع إلى المدينة؛ ينقطع عنه التمتع، فإذا أراد أن يتمتع في الحج فعليه أن يأتي بعمرة ثانية، ويكون بذلك متمتعاً، فمن اعتمر ثم رجع إلى بلده الأصلي أو بلد إقامته الذي هو قاطن فيه، فإنه ينقطع عنه التمتع، فإذا أراد أن يحج متمتعاً فإنه يأتي بعمرة أخرى ثم يحج. واجب المسلم تجاه إخوانه في أيام الحج السؤال: ما واجبنا نحن معاشر طلاب العلم تجاه حجاج بيت الله إذا رأينا بعض المنكرات منهم، ونحن لا نستطيع التفاهم معهم بلغتهم؟ الجواب: الإنسان يحرص على أن يكون داعية إلى الله على بصيرة وعلى هدى، ويحرص على نفع إخوانه وتوجيههم وإرشادهم إلى الخير، وهذا أعظم شيء يحصلون عليه، وأنفس شيء يظفرون به أن يدلوا على الخير ويأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، والإنسان إذا كان يعرف لغة قوم ورأى منهم شيئاً يعرف أنه منكر وأنه غير جائز فإن عليه أن ينبههم وأن يفيدهم بلغتهم التي يتخاطبون بها، فيبلغهم ويبين لهم أن هذا منكر لا يجوز، وأن الواجب هو كذا وكذا، فالإنسان يحرص على نفع إخوانه، وأما إذا كان لا يفهم لغتهم وأمكن أن يتفاهم معهم بالإشارة فعل، وإلا رأى أحداً يفهم لغتهم وأرشده إلى أن ينبه هؤلاء الذين حصل منهم هذا الخطأ. الأمور المشروعة عند زيارة المدينة النبوية السؤال: ما هو المشروع فعله عند زيارة المدينة النبوية؟ الجواب: المدينة النبوية عندما يزورها الإنسان يشرع له خمسة أمور فقط: الأمر الأول: أن يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. الأمر الثاني: أن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما. الأمر الثالث: أن يزور أهل البقيع ويدعو لهم. الأمر الرابع: أن يزور شهداء أحد ويدعو لهم. الأمر الخامس: أن يذهب إلى مسجد قباء ويصلي فيه. هذه أمور خمسة مشروعة في هذه المدينة زيارة مسجدين: وهما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء، وزيارة ثلاثة مقابر: قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصاحبين الكريمين، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، وما سوى ذلك فإنه لا يزار، وليس في المدينة أماكن تزار شرعاً إلا هذه الأماكن الخمسة التي أشرت إليها. حكم من ترك المبيت والرمي عمداً بحجة قدرته على دفع الفدية السؤال: رجل يمتلك المال الكثير فوقف بعرفة وترك الرمي والمبيت عمداً بحجة أنه يستطيع دفع الفدية؟ الجواب: هذا من التلاعب في الحج، والإنسان عندما يأتي للحج يأتي به كما هو مطلوب منه، ومعلوم أن الحج مدته وجيزة جداً لا تبلغ أسبوعاً كاملاً، بل أقل من أسبوع؛ لأن الحج يبدأ من يوم ثمانية، ويمكن أيضاً لو بدأ حجة يوم عرفة ويوم العيد ويوم الحادي عشر والثاني عشر فتكون مدته أربعة أيام فقط، وإذا تعجل بعد الزوال من اليوم الثاني عشر فإنه يرمي ويودع ويمشي، أما كونه يقف بعرفة ثم يترك الرمي ويترك المبيت فهذا من التلاعب بالحج، والإنسان يأثم لكونه ترك هذه الواجبات تعمداً، وتجب عليه الفدية مع حصول الإثم؛ لأنه تعمد فعل الأمر الذي لا يسوغ ولا يجوز. حكم من انتقض وضوءه أثناء الطواف والسعي السؤال: ما حكم من يطوف بالبيت فانتقض وضوءه، هل إذا جدد الوضوء يبدأ من أول الطواف أو يبني على ما سبق، وكذلك لو انتقض وضوءه أثناء السعي؟ الجواب: الذي يبدو ويظهر أنه إذا حصل نقض الوضوء للطائف أنه يخرج ويتوضأ ثم يرجع ويستأنف من جديد؛ لأن الطواف مثل الصلاة، والإنسان إذا حصل له شيء في الصلاة وانتقض وضوءه فيها فإنه يتوضأ ويستأنفها، فكذلك الطواف. أما السعي فلا يشترط فيه الطهارة فيمكن أن يبني، وكذلك إذا قيمت الصلاة والإنسان يطوف أو وهو يسعى فإنه يصلي في مكانه ثم يواصل الطواف والسعي. حكم أخذ الأموال من زوار القبور السؤال: عندنا قبر يزوره الناس كثيراً، ولصاحب القبر أبناء وذرية يأخذون الأموال من زوار القبر، فما حكم هذه الأموال؟ الجواب: هذه الأموال التي يأخذونها هي من السحت المحرم، والواجب عليهم أن يتركوا ذلك، وأن يبحثوا عن مصادر رزق حلال، وهذا مصدر رزق حرام لا يجوز لهم ذلك، ولا يجوز لهم أن يدعوا الناس إلى الافتتان بالقبور؛ لأن كثيراً من البلاء الذي يحصل عند القبور إنما يحصل بسبب الذين يدعون الناس إلى أنفسهم من أجل أن يحصلوا على المال، ومن أجل أن يبتزوا أموال الناس، فهذا لا يسوغ ولا يجوز، بل عليهم أن يبحثوا عن رزق حلال يستفيدون منه في دينهم ودنياهم. الفرق بين الحكم بغير ما أنزل في القليل والكثير ومع الاستحلال وعدمه السؤال: هل استبدال الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية كفر في ذاته أم يحتاج إلى الاستحلال القلبي والاعتقاد بجواز ذلك؟ وهل هناك فرق بين الحكم مرة بغير ما أنزل الله وبين جعل القوانين تشريعاً عاماً مع اعتقاد عدم جواز ذلك؟ الجواب: يبدو أنه لا فرق بين الحكم في مسألة أو عشر أو مائة أو ألف أو أقل أو أكثر، فما دام الإنسان يعتبر نفسه أنه مخطئ وأنه فعل أمراً منكراً وأنه فعل معصية وهو خائف من الذنب فهذا كفر دون كفر، وأما مع الاستحلال ولو كان في مسألة واحدة وهو يستحل فيها الحكم بغير ما أنزل الله، ويعتبر ذلك حلالاً فإنه يكون كفراً أكبر." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [232] الحلقة (263) شرح سنن أبي داود [232] لقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم حرم مكة، وأنها أحلت له ساعة من نهار يوم الفتح حيث دخلها عنوة، ثم عادت لها حرمتها إلى يوم القيامة، وبين أنه لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، واستثنى من ذلك الإذخر، وذلك لحاجة الناس إليه. تحريم حرم مكة شرح حديث (إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تحريم حرم مكة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، فقال عباس رضي الله عنه أو قال: قال العباس : يا رسول الله! إلا الإذخر فإنه لقبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إلا الإذخر). قال أبو داود : حدثنا وزادنا فيه ابن المصفى عن الوليد : (فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: يا رسول الله! اكتبوا لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اكتبوا لأبي شاه ، قلت: للأوزاعي : ما قوله: اكتبوا لأبي شاه ؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. قوله: [ باب تحريم حرم مكة ]. هذه الترجمة فيها ذكر جملة من النصوص الدالة على تحريم مكة وأنها حرم، وقد جاء تحريم حرمين اثنين هما: مكة والمدينة، وليس هناك مكان ثالث حصل له ذلك الوصف الذي هو التحريم ووصف بأنه حرم إلا هذين المكانين مكة والمدينة، فمكة حرم والمدينة حرم وغيرهما لم يأت شيء يدل عليه، وإنما التحريم خاص بهذين البلدين المقدسين مكة والمدينة. والترجمة تتعلق بتحريم حرم مكة، وقد جاء فيه أحاديث كثيرة أورد أبو داود منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس بعد أن فتح الله عليه مكة ودخلها فاتحاً، وكانت مكة فتحت عنوة وليس صلحاً بينه وبين المشركين، وقد دخل صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه المغفر وخطب الناس وقال: (إن الله حبس عن مكة الفيل) كما جاء في سورة الفيل. قوله: (وسلط عليها رسوله والمؤمنين) يعني: مكنهم من ولايتها والتغلب على أهلها. قوله: (وإنما أحلت لي ساعة من النهار) وفي بعض الأحاديث: (وقد عادت حرمتها باليوم كما عادت حرمتها بالأمس). قوله: (ثم هي حرام إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها) يعني: أنه لا يزعج صيدها ولا يجوز شيء يزعجه وينفره ويجعله يشرد، وإنما هو آمن ومن دخله كان آمناً، وإذا كان التنفير ممنوعاً منه فإن القتل من باب أولى، فلا يقتل الصيد، مثل ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه فيما يتعلق بحرم المدينة قال: (لو وجدت الظباء ترتع لما نفرتها أو لما زجرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم)، والله عز وجل جعل الصيد إذا دخل مكة وكذلك المدينة آمناً، وجعل له من الغذاء ما يتغذى به حيث حرم قطع الشجر وقطع النبات حتى يكون ذلك الصيد عندما يدخل المكان الآمن عنده قوته وعنده الشيء الذي يرعاه، ولو قطع الشجر وصارت الأرض جرداء فإن الصيد لا يبقى، وإنما يذهب يبحث عن الرعي ويذهب عن القوت والطعام، فجاءت الشريعة بكون الصيد يكون آمناً وبكون قوته يكون موجوداً عنده. قوله: (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) أي: لمن يستمر على التعريف بها، وذلك أن اللقطة إذا فقدت في مكة فإن مكة يتردد عليها الناس للحج في كل عام، ولذلك ميزت على غيرها لقطتها لا تكون كلقطة غيرها بأن تعرف ثم يستفيد منها من عرفها، بل إنها تعرف دائماً، وذلك أن صاحبها قد يأتي في حجة أخرى أو في حجة ثانية أو ثالثة وهكذا، فلا تملك لقطتها أو لا يستفاد من لقطتها كما يستفاد منها في الأماكن الأخرى غير مكة. قوله: (قال العباس : يا رسول الله! إلا الإذخر). يعني: هذا تلقين استثناء، يريد أن يستثني من ذلك الإذخر. قوله: (فإنه لقبورنا وبيوتنا) يعني: لبيوتهم؛ لأنه نبت له رائحة طيبة ويجعلونه في البيوت بحيث يسقفونها به، وكذلك في قبورهم يجعلونه بين اللبن بحيث لا ينزل التراب والرمل على الميت في لحده، فقال عليه الصلاة والسلام: (إلا الإذخر) فدل هذا على أن الإذخر مستثنى، وأنه يجوز قطعه كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- فقال: يا رسول الله! اكتبوا لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه) ] المقصود بذلك كتابة هذه الخطبة التي سمعها، فأراد أن تكتب له حتى تكون معه، وحتى يذهب بها إلى أهله في اليمن، وهذا الحديث يدل على أن مكة حرم حرمها الله عز وجل، وقد جاءت الأحاديث في تحريم المدينة. ويدل هذا الحديث أيضاً على أن فتح مكة كان عنوة، وأنه ليس صلحاً بينه وبين الكفار، وأن هذا الحل الذي حصل له صلى الله عليه وسلم مستثنى، وأنها بعد ذلك ستعود حرمتها كما كان قبل ذلك؛ فحرمتها مستمرة إلى يوم القيامة ولا يستثنى من ذلك إلا تلك الساعة التي أحلها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. ويدل أيضاً على أن الاستثناء ليس بلازم أن يكون مقصوداً عند أول الكلام، بل إذا ذكِّر به المتكلم أو لفت النظر إليه في الحال ثم أتى به فإنه يمكن، ومثل الاستثناء اليمين، لو أن إنساناً حلف وقيل له: قل: إن شاء الله فقال: إن شاء الله، فإنه يكون مستثنياً، وإن لم يحصل ذلك منه عند بداية النطق بذلك، فإن هذا الحديث يدل على نفع الاستثناء في مثل هذه الحال. ويدل الحديث أيضاً على كتابة العلم، وقد جاء في بعض الأحاديث النهي عن كتابة الحديث في أول الأمر؛ وذلك لما كان يخشى من اختلاطه بالقرآن، ولكنه بعد ذلك رخص فيه، وهذا الحديث يدل على الترخيص، وقد قالأبو هريرة عن عبد الله بن عمرو : إنه كان يكتب ولا أكتب، ثم بعد ذلك اتفق العلماء على استحباب كتابة العلم، وأن ذلك أمر مطلوب؛ وذلك أن القرآن قد حفظ وميز عن غيره فلا يكون هناك التباس بين القرآن وبين غيره، فاتفق العلماء على استحباب كتابة العلم وعلى الاشتغال بالعلم كتابة وحفظاً. قوله: (ولا يعضد شجرها). العضد هو القطع، والشجر الذي يعضد هو الذي أنبته الله عز وجل، وأما الشيء الذي ينبته الناس لأنفسهم فإنهم يستفيدون منه ويستعملونه ولا يمنعون منه، أما الشيء الذي أنبته الله تعالى فكما أسلفنا -والله أعلم- أنه منع منه ليكون قوتاً للصيد الذي إذا دخل الحرم كان آمناً. وكون الإنسان يذهب بإبله لترعى في الحرم يبدو أنه غير سليم؛ لأن هذا يؤدي إلى إزالة النبات من الحرم، لكن إذا كانت الإبل انفلتت من نفسها وأكلت فهذا شيء آخر، وأما كون الإنسان يقصد ويتعمد الرعي في الحرم فهذا وسيلة إلى تخلية الحرم من النبات، ويكون الصيد الذي يدخل الحرم ويكون آمناً لا يجد شيئاً يقتاته ويأكله. قوله: (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) يعني: الشيء اليسير التافه مثل الريال والريالين والسكين والمقص وما إلى ذلك من الأشياء التافهة، فهذه يأخذها الإنسان ولا تحتاج إلى تعريف، وإنما الشيء الذي له شأن وله وزن في النفوس هذا هو الذي يوصف بأنه لقطة تنشد، وإذا كانت في غير الحرم فتعرف لمدة سنة ثم يستفيد منها صاحبها الذي عرفها، أما في الحرم فتعرف دائماً. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى -يعني: ابن أبي كثير - ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. معنى قوله: (فقام أبو شاه فقال: يا رسول الله اكتبوا لي...) [ قال أبو داود : وزادنا فيه ابن المصفى ]. يعني: له طريق آخر من طريق محمد بن مصفى عن الوليد وفيه: [ (فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن) ]. وفي الصحيحين هذا الحديث، وفيه قصة أبي شاه وكونه قال: [ (اكتبوا لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه) ]. قوله: [ ابن المصفى ]. هو محمد بن مصفى صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . طريق أخرى لحديث تحريم مكة وفيه (...ولا يختلى خلاها) وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه القصة قال: (ولا يختلى خلاها) ]. أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وقال: (ولا يختلى خلاها) يعني: لا يقطع نباتها لا الشجر الكبار ولا الشجر الصغار أو النبات الصغير الذي هو الحشيش الرطب. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن معتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث عائشة (...ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناءً يظلك من الشمس؟ فقال: لا...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناء يظلك من الشمس؟ فقال: لا، إنما هو مناخ من سبق إليه) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناء يظلك به من الشمس؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا، إنما هو مناخ من سبق إليه). هذا الحديث يدل على أن الحق في منى للسابق، وأن من سبق إلى مكان منها فهو أحق به من غيره. والحديث تكلم في إسناده الألباني وضعفه، وابن القيم حسنه في تهذيب السنن، ومعناه صحيح من جهة أن من سبق إلى مكان فهو أحق به، وليس لأحد أن يقيمه من مكانه الذي هو فيه؛ لأن كون الإنسان يأتي بعده ويقيمه من مكانه ويجلس فيه ليس بلائق، فمعناه صحيح من جهة أن السابق إلى المكان هو أحق به، والأشياء المباحة والأشياء التي هي للناس عموماً إذا سبق أحد إلى شيء منها فإن له ذلك، ولكن من حيث الإسناد فيه كلام من جهة إبراهيم بن مهاجر ومن جهة أم يوسف بن ماهك . والحديث يدل على عدم جواز البناء في منى. تراجم رجال إسناد حديث عائشة (.. ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناء يظلك من الشمس؟ فقال لا....) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل مر ذكره. [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن مهاجر ]. إبراهيم بن مهاجر وهو صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن يوسف بن ماهك ]. يوسف بن ماهك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أمه ]. هي مسيكة الملكية لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وواحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان أخبرني عمارة بن ثوبان حدثني موسى بن باذان قال: أتيت يعلى بن أمية رضي الله عنه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه) ]. أورد أبو داود حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه) يعني: كونه يشترى الطعام في حال قلته ثم يحتكره حتى يزيد سعره فيباع غالياً، هذا هو الاحتكار، وهو حرام في كل مكان في مكة وفي غيرها، ولكنه في مكة لا شك أنه أشد وأخطر وأسوأ، واحتكار الطعام ظلم وهو خلاف الحق، وفيه ميل من الحق إلى الباطل، ولكن هذا الحديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل واسمه الضحاك بن مخلد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن يحيى بن ثوبان ]. جعفر بن يحيى بن ثوبان وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و ابن ماجة . [ عن عمارة بن ثوبان ]. عمارة بن ثوبان وهو مستور ، والمستور هو مجهول الحال، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود و ابن ماجة . [ عن موسى بن باذان ]. موسى بن باذان وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود . [ عن يعلى بن أمية ]. يعلى بن أمية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وفي الحديث ثلاثة متكلم فيهم، فيه مجهول العين ومجهول الحال الذي هو المستور وفيه المقبول الذي لا يقبل حديثه إلا إذا اعتضد. والحديث ضعيف مرفوعاً، والصحيح أنه موقوف على عمر رضي الله عنه كما قال في الحاشية. يقول المنذري : أخرجه البخاري في التاريخ الكبير عن يعلى بن أمية : أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: (احتكار الطعام بمكة إلحاد) ويشبه أن يكون البخاري علل المسند بهذا. وذلك أن البخاري رواه أولاً مرفوعاً من طريق أبي عاصم به، ثم رواه من وجه آخر عن عمر موقوفاً، فيكون قد أشار إلى ما نبه إليه المنذري على أن الحديث ضعيف، وإذا صح الأثر عن عمر فهو كما ذكرنا أن المعنى صحيح ولا إشكال فيه ولا غبار عليه، واحتكار الطعام في أي مكان حرام، ويزداد حرمة في الحرم. درجة الحديث مرفوعاً وموقوفاً ما جاء في نبيذ السقاية شرح حديث ابن عباس (... دخل رسول الله على راحلته وخلفه أسامة بن زيد فدعا بشراب فأتي بنبيذ فشرب منه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في نبيذ السقاية. حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد عن حميد عن بكر بن عبد الله قال: (قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: ما بال أهل هذا البيت يسقون النبيذ وبنو عمهم يسقون اللبن والعسل والسويق؟ أبخل بهم أم حاجة؟ فقال ابن عباس : ما بنا من بخل ولا بنا من حاجة، ولكن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته وخلفه أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشراب، فأتي بنبيذ فشرب منه، ودفع فضله إلى أسامة بن زيد فشرب منه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أحسنتم وأجملتم كذلك فافعلوا، فنحن هكذا لا نريد أن نغير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. قوله: باب: في نبيذ السقاية يعني: النبيذ الذي يكون في سقاية الحجاج. والنبيذ: هو زبيب أو تمر ينبذ في الماء في أحواض، ويكون طعمه حلواً، ولا يبقى مدة حتى يصل إلى حد الإسكار؛ وإذا بلغ إلى حد الإسكار فإنه يكون محرماً؛ لكونه مسكراً، هذا هو النبيذ الذي يقاس على الخمر في التحريم، فقبل أن يصل إلى حد الإسكار فإنه يكون طعمه حلواً وشربه سائغاً، ولكنه إذا مكث ووصل إلى حد الإسكار يكون حراماً لا يجوز استعماله. فالنبيذ نبيذان: نبيذ محرم وهو الذي وصل إلى حد الإسكار، ونبيذ لم يصل إلى حد الإسكار فإنه يكون حلالاً ويكون مباحاً فهذا هو النبيذ، ولهذا ذكروا في قصة عمر رضي الله عنه لما طعن أنهم كانوا يسقونه النبيذ فيخرج من جوفه، فالنبيذ هو الماء الذي وضع فيه تمر ليحليه، فكان يشربه ويخرج من جوفه. قوله: [ (قال رجل لابن عباس : ما بال أهل هذا البيت يسقون النبيذ وبنو عمهم يسقون اللبن والعسل والسويق؟!]. يعني: بيت العباس الذين هم أهل السقاية. قوله: (أبخل بهم أم حاجة؟!) يعني: أبخل مع وجود المال أو حاجة حيث إن المال غير موجود، وأن هذا هو الذي يستطيعونه؟ فقال: لا هذا ولا هذا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وهو راكب على دابته وخلفه أسامة فناولوه منه فشرب منه وأعطى أسامة الفضلة فشربها، وقال: (أحسنتم وأجملتم، كذلك فافعلوا، فنحن هكذا لا نريد أن نغير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم). وبنو العباس كانوا يفعلون ذلك؛ لأن زمزم فيه شيء من الملوحة، وهم يضعون هذا ليذهبوا هذه الملوحة التي في الماء؛ لأن العرب كانت تستعذب الماء، أو أن المقصود منه زيادة الإحسان في تقديم شيء حلو. ومعلوم أن ماء زمزم وإن لم يوضع فيه شيء فهو ماء طيب وشراب مبارك، والإنسان يشرب ويتزود منه، ولو سافر به إلى بلده كان ذلك طيباً وحسناً ولا مانع منه. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (دخل رسول الله على راحلته وخلفه أسامة بن زيد فدعا بشراب فأتي بنبيذ فشرب منه...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر بن عبد الله ]. هو بكر بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. حكم الإقامة بمكة بعد الحج للمهاجرين وغيرهم شرح حديث: (للمهاجرين إقامة بعد الصدر ثلاثاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الإقامة بمكة. حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي - عن عبد الرحمن بن حميد أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد رضي الله عنه: (هل سمعت في الإقامة بمكة شيئاً؟ قال: أخبرني ابن الحضرمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: للمهاجرين إقامة بعد الصدر ثلاثاً) ]. قوله: باب: الإقامة بمكة يعني: الإقامة بمكة بعد الحج. وذكر فيه حديث العلاء الحضرمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للمهاجرين إقامة بمكة بعد الصدر ثلاثاً) يعني: أنهم إذا انتهوا من منى في اليوم الثالث عشر فلهم أن يقيموا بعد أيام منى ثلاثة أيام وهي الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، وهذا للمهاجرين؛ لأن المهاجرين تركوا مكة وهي بلدهم لله ومن أجل الله، وهاجروا منها إلى المدينة، فليس لهم أن يبقوا فيها أكثر من ثلاثة أيام، وليس لهم أن يتخذوها وطناً. وأما غير المهاجرين فلم يأت شيء يدل على التحديد لهم بعد الصدر من منى. أما من هجر بلداً وتركها لله فهل يجوز له أن يقيم بها ثلاثاً بعد أن هاجر منها؟ يبدو أن هذا الحكم يخص مكة؛ لأن الهجرة منها كانت لإظهار الإسلام وإقامة الإسلام، ولهذا (لا هجرة بعد الفتح)، وهي الهجرة التي حصل لها بها وصف المهاجرين وبالمقابل وصف الأنصار، والمهاجرون أفضل من الأنصار. إذاً: كون الإنسان إذا كان في بلد شرك وهاجر منه ثم صار ذلك البلد بلداً إسلامياً فله أن يرجع إليه؛ لأن هذا الحكم يبدو أنه خاص بالمهاجرين من مكة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا هجرة بعد الفتح)، ولأن الوصف بذلك إنما حصل لهم لكونهم تركوا مكة وخرجوا منها لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (للمهاجرين إقامة بعد الصدر ثلاثاً) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن حميد ]. هو عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ يسأل السائب بن يزيد ]. السائب بن يزيد صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي ثبت عنه أنه قال: (حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين). [ أخبرني ابن الحضرمي ]. هو العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [233] الحلقة (264) شرح سنن أبي داود [233] ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في فتح مكة، وذلك بعد أن أخرجت الأصنام والصور منها، وصلى فيها ركعتين، وبين أن الحجر من الكعبة، وبين سبب عدم إدخاله في الكعبة، ومن رحمته وشفقته على أمته ندم على دخوله الكعبة خشية أن يشق على أمته في الاقتداء به في ذلك. حكم الصلاة في الكعبة شرح حديث ابن عمر في صلاة رسول الله داخل الكعبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة في الكعبة. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحجبي وبلال رضي الله عنهم فأغلقها عليه، فمكث فيها، قال عبد الله بن عمر: فسألت بلالاً حين خرج: ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: جعل عموداً عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه -وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة- ثم صلى) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي باب: الصلاة في الكعبة. يعني: الصلاة في الكعبة جاءت السنة بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما يتعلق بالنافلة، ولم يثبت صلاة فرض فيها. واختلف العلماء في صلاة الفرض فيها، فمنهم من قال: بجوازها من باب إلحاق الفرض بالنفل، ومن العلماء من قال: بمنعها؛ لأن الذي ثبت هو النفل فقط ويقتصر عليه، وأما الفرض فإنه لا يؤتى به إلا خارج الكعبة. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: [ (أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل الكعبة ومعه أسامة بن زيد و عثمان بن طلحة و بلال فأغلقها عليه) ] يعني: أغلق عثمان بن طلحة الحجبي الباب، ولعل إغلاق الباب حتى لا يدخل الناس ويحصل الزحام فيها، فدخلوا وأغلقوا الباب. قوله: [ (فمكث فيها، قال عبد الله بن عمر : فسألت بلالاً حين خرج : ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) ]. يعني: مكث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الزمن، فابن عمر رضي الله عنهما لحرصه على معرفة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم سأل: ماذا صنع في هذه المدة التي دخل فيها الكعبة؟ فقال بلال : [ (جعل عموداً عن يساره وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه -وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة- ثم صلى) ] فهذا فيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى النافلة في البيت، فدل على أنها سائغة وأنها مشروعة. أما مكان صلاته فما يبعد أن الباب كان وراءه من جهة الجنوب، ويكون اتجه إلى جهة الشمال إلى جهة الحجر، وما دام أنه ترك عموداً عن يساره وعمودين عن يمينه فمعنى هذا أنه كان متقدماً عن الباب شيئاً قليلاً؛ لأنه جعل عموداً عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه، فيدل هذا أنه غير مستقبل الباب، وإنما كان إلى جهة أخرى، والله أعلم. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة رسول الله داخل الكعبة قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك ]. القعنبي مر ذكره، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر قد مر ذكره. شرح حديث صلاة رسول الله داخل الكعبة من طريق ثانية وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بهذا الحديث لم يذكر السواري قال: (ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن ابن عمر ولم يذكر السواري التي هي ثنتان عن اليمين وواحدة على اليسار وثلاث وراءه، وإنما قال: [ (ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع) ]. يعني: بينه وبين جدار القبلة ثلاثة أذرع، فهذا يدل على أنه كان متجهاً إلى الجدار وليس متجهاً للباب، والمقصود بالقبلة الجدار الذي أمامه. وهذا الحديث هو الذي استدل به بعض أهل العلم على أن الإنسان إذا لم يكن له سترة فإنه يترك بينه وبين الذي يمر من أمامه مقدار ثلاثة أذرع من قدمه، ويمشي بعد ذلك من ورائها؛ لأن المصلي إذا لم يكن له سترة لا يحجز الذي أمامه ولو كان المقدار طويلاً، وإنما من يريد أن يمر يترك مقدار ثلاثة أذرع ويمر، أخذاً بهذا الحديث؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بين عمودين وترك بينه وبين القبلة ثلاثة أذرع. قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي ]. عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك ]. مالك مر ذكره. شرح حديث ابن عمر: (ونسيت أن أسأله كم صلى) وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى حديث القعنبي قال: (ونسيت أن أسأله كم صلى؟) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى وفيه: [ (ونسيت أن أسأله كم صلى؟) ] يعني: أنه لم يسأله كم صلى في ذلك المكان. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره. [ حدثنا أبو أسامة ]. هو أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما. شرح حديث عمر في صلاة رسول الله ركعتين في الكعبة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دخل الكعبة؟ قال: صلى ركعتين) ]. أورد المصنف حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة صلى ركعتين، وأنه لم يطيل البقاء في الكعبة. قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد مر ذكره. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. مجاهد مر ذكره. [ عن عبد الرحمن بن صفوان ]. عبد الرحمن بن صفوان يقال: له صحبة، وقال البخاري : لا يصح، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ عن عمر ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والحديث صححه الألباني وما أدري ما وجه التصحيح هل له طرق أم ماذا؟! شرح حديث: (دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه ثم خرج ولم يصل فيه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج قال: حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، قال: فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قاتلهم الله! والله لقد علموا ما استقسما بها قط. قال: ثم دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه، ثم خرج ولم يصل فيه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة؛ لأن فيها الأصنام حتى أخرجت منها، وفيها صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام. والأزلام هي سهام مكتوب عليها: افعل، لا تفعل أو غفل، ويضعونها في وعاء، فالذي يريد أن يعمل عملاً من الأعمال إذا أراد أن يعرف هل يناسب أن يعمله أو لا يعمله يدخل يده في الوعاء ثم يأخذ منها واحداً، فإذا طلع افعل يقدم على الشيء الذي أراد أن يفعله، وإذا جاء الذي فيه لا تفعل ترك، وإن طلع الغفل أعاد الاستقسام مرة ثانية حتى يأخذ السهم الذي فيه افعل أو لا تفعل. فالنبي صلى الله عليه وسلم لما ظهرت صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان قال: [ (قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط) ] يعني: أن هذا كذب وافتراء عليهما الصلاة والسلام. قوله: [ (ثم دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه ثم خرج ولم يصل فيه)]. وهذا فيه نفي الصلاة، ولكن حديث ابن عمر فيه أنه صلى، وعمر كذلك أثبت أنه صلى، فدل على أن الصلاة ثابتة، والمثبت مقدم على النافي. ودخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة كان عام الفتح؛ لأن الأصنام كانت ما زالت داخل الكعبة. وبعض العلماء يستفاد من كلامه أن تلك الأحاديث كلها في عام الفتح، حيث جمع بين من قال: إنه صلى ومن قال: إنه لم يصل، بقوله: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة خفيفة، وبعض الصحابة رأى هذه الصلاة الخفيفة الذي هو أسامة بن زيد الذي كان عنده، والآخر كأنه لم يتنبه لهذه الصلاة الخفيفة؛ لأنه انشغل بالتكبير والذكر والدعاء في ناحية من نواحي الكعبة، هكذا قال صاحب عون المعبود في التوفيق بين هذا وهذا. تراجم رجال إسناد حديث: (دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه ثم خرج ولم يصل فيه) قوله: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ]. أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره. كلام ابن القيم في وقت دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة والصلاة فيها قال ابن القيم عن هذه المسألة في كتابه زاد المعاد في الجزء الثاني الصفحة (296): فأما المسألة الأولى: فزعم كثير من الفقهاء وغيرهم أنه دخل البيت في حجته، ويرى كثير من الناس أن دخول البيت من سنن الحج اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي تدل عليه سنته أنه لم يدخل البيت في حجته ولا في عمرته وإنما دخله عام الفتح، ففي الصحيحين عن ابن عمر قال : (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة على ناقة لأسامة حتى أناخ بفناء الكعبة، فدعا عثمان بن طلحة بالمفتاح فجاءه به، ففتح، فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسامة و بلال و عثمان بن طلحة فأجافوا عليهم الباب ملياً ثم فتحوه، قال عبد الله : فبادرت الناس فوجدت بلالاً على الباب فقلت: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: بين العمودين المقدمين، قال: ونسيت أن أسأله كم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟). وفي صحيح البخاري عن ابن عباس : (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة قال: فأمر بها فأخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قاتلهم الله أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط، قال : فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه) فقيل : كان ذلك دخولين صلى في أحدهما ولم يصل في الآخر، وهذه طريقة ضعفاء النقد، كلما رأوا اختلاف لفظ جعلوه قصة أخرى، كما جعلوا الإسراء مراراً لاختلاف ألفاظه، وجعلوا اشتراءه من جابر بعيره مراراً لاختلاف ألفاظه، وجعلوا طواف الوداع مرتين لاختلاف سياقه، ونظائر ذلك، وأما الجهابذة النقاد فيرغبون عن هذه الطريقة، ولا يجبنون عن تغليط من ليس معصوماً من الغلط ونسبته إلى الوهم. قال البخاري وغيره من الأئمة: والقول قول بلال ؛ لأنه مثبت شاهد صلاته بخلاف ابن عباس ، والمقصود أن دخوله البيت إنما كان في غزوة الفتح لا في حجه ولا عمره، وفي صحيح البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد قال: (قلت لعبد الله بن أبي أوفى : أدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عمرته البيت؟ قال: لا) . وقالت عائشة : (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس، ثم رجع إلي وهو حزين القلب، فقلت: يا رسول الله! خرجت من عندي وأنت كذا وكذا، فقال: إني دخلت الكعبة ووددت أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون قد أتعبت أمتي من بعدي) فهذا ليس فيه أنه كان في حجته، بل إذا تأملته حق التأمل أطلعك التأمل على أنه كان في غزاة الفتح، والله أعلم. (وسألته عائشة أن تدخل البيت فأمرها أن تصلي في الحجر ركعتين) ]. الأمر واضح أنه دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح، وسبق أن ذكرت أن بعض أهل العلم قال: إن أسامة مثبت، وأن ابن عباس إذا كان دخل فإنه يكون قد انشغل مع النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم في نواحي البيت بالتكبير والدعاء، ثم النبي صلى الله عليه وسلم صلى ولم يره، لاسيما والباب كان مغلقاً، وليس هناك وضوح، فالمعتمد ما جاء عن بلال أنه صلى ركعتين، وما جاء عن ابن عباس إنما يدل على حسب علمه، ويمكن أن يكون كما قال بعض أهل العلم: إنه انشغل بالذكر والدعاء والتكبير والتهليل، ولم يطلع على ما اطلع عليه غيره، والمثبت مقدم على النافي، والله تعالى أعلم. الصلاة في الحجر شرح حديث: (..صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة في الحجر. حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز عن علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي فأدخلني في الحجر، فقال: صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، وأنها كانت تريد أن تصلي في الكعبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيدها وذهب إلى الحجر وقال: [ (صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت) ]. وقد جاء في الحديث الصحيح (أنها قصرت بهم النفقة) فاقتطعوا جزءاً منه وأخرجوه وجعلوا هذا الجدار الدائري الذي حوله حتى يكون علامة على هذا الجزء المقتطع، وفي هذا دليل على أن الحجر -وليس الحجر كله وإنما جزء كبير منه-من الكعبة، وأن الصلاة فيه كالصلاة في الكعبة؛ لأنه جزء من الكعبة. تراجم رجال إسناد حديث: (..صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت...) قوله: [ حدثنا القعنبي عن عبد العزيز عن علقمة ]. القعنبي و عبد العزيز مر ذكرهما، وعلقمة هو علقمة بن أبي علقمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أمه ]. هي مرجانة مقبولة، أخرج حديثها البخاري في جزء رفع اليدين وأبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد مر ذكرها. والحديث صححه الألباني ، ولعل له طرقاً تؤيد؛ لأن فيه هذه المرأة المقبولة. ما جاء في دخول الكعبة شرح حديث: (إني دخلت الكعبة لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في دخول الكعبة. حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن إسماعيل بن عبد الملك عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من عندها وهو مسرور، ثم رجع إلي وهو كئيب، فقال: إني دخلت الكعبة لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها، إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي) ]. قوله: [ باب: في دخول مكة ]. هناك ذكر الصلاة وهنا ذكر الدخول. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو مسرور، ثم رجع إلي وهو كئيب، فقال: إني دخلت الكعبة، لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها، إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي) ]. يعني: أنهم قد يحرصون على دخولها ويحصل في ذلك مشقة عليهم، هذا هو المقصود من الحديث. والحديث ضعفه الألباني . تراجم رجال إسناد حديث: (إني دخلت الكعبة لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن إسماعيل بن عبد الملك ]. إسماعيل بن عبد الملك صدوق كثير الوهم، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن أبي مليكة ]. هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين وقد مر ذكرها. الحديث ضعفه الألباني وفيه هذا الرجل الذي هو كثير الوهم، وقد يكون التضعيف بسببه. شرح حديث: (ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح وسعيد بن منصور ومسدد قالوا: حدثنا سفيان عن منصور الحجبي حدثني خالي عن أمي صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: (سمعت الأسلمية تقول: قلت لعثمان رضي الله عنه: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعاك؟ قال: قال: إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين، فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي) قال ابن السرح : خالي مسافع بن شيبة ]. أورد أبو داود حديث عثمان بن طلحة الحجبي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين دعاه: [ (إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين، فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي) ]. والقرنان قيل: إنهما قرنان حقيقيان، ولعل المقصود أنهما صورة قرنين داخل الكعبة، والرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يغطيهما. والحديث صححه الألباني ، لكن فيه المرأة الأسلمية لا يعرف حالها. تراجم رجال إسناد حديث: (ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وسعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومسدد قالوا: حدثنا سفيان ]. مسدد مر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور الحجبي ]. منصور الحجبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن خاله ]. خاله هو مسافع بن عبد الله بن شيبة وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [ عن صفية ]. صفية بنت شيبة هي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. [ سمعت الأسلمية ]. الأسلمية لا تعرف، أخرج لها أبو داود وحده. [ قلت لعثمان ]. هو عثمان بن طلحة الحجبي صاحب رسول صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود . [ قال: ابن السرح : خالي مسافع بن شيبة ]. يعني: أحد شيوخ أبي داود صرح باسمه في إسناده، وقد يكون الصحابي وقد يكون غيره، فقد كان الصحابة يروون عن بعضهم كثيراً، ويروون عن التابعين قليلاً، لكن الغالب أن يكون من الصحابة، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الألباني يصحح الحديث. مال الكعبة شرح حديث شيبة في عدم تقسيم رسول الله لمال الكعبة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في مال الكعبة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الشيباني عن واصل الأحدب عن شقيق عن شيبة -يعني ابن عثمان - قال: (قعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقعدك الذي أنت فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة، قال: قلت: ما أنت بفاعل، قال: بلى لأفعلن، قال: قلت: ما أنت بفاعل، قال: لم؟ قلت: لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر رضي الله عنه، وهما أحوج منك إلى المال، فلم يخرجاه، فقام فخرج) ]. قوله: [ باب في مال الكعبة ]. يعني: المال الذي للكعبة، وهو ما يهدى إليها وما يوقف لها، هذا يقال له: مال الكعبة، والمقصود به المال الذي كان موجوداً فيها من قبل أن يفتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، كان فيها ذلك المال وتركه صلى الله عليه وسلم ولم يتعرض له، فأراد عمر رضي الله عنه أن يقسمه ويوزعه، فقال له شيبة بن عثمان : [ (ما أنت بفاعل، قال: لم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال فلم يخرجاه) ] يعني: كانت الحاجة موجودة ومع ذلك لم يخرجاه، فتركه عمر رضي الله عنه لما ذكر له صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وأنه تركه، وهذا يدل على فضل عمر رضي الله عنه ونبله ورجوعه إلى الحق عندما يعلمه ويعرفه. وقيل: إن مال الكعبة لا يوزع على الفقراء والمساكين؛ لأنه شيء مخصص، والأوقاف إنما يقتصر فيها على الشيء الذي وقفت له، وقيل: إن السبب في ترك ذلك أنهم كانوا حديث عهد بالجاهلية، والنبي صلى الله عليه وسلم ما فعل ذلك خشية أن يكون في نفوسهم شيء، مثلما ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم كما جاء في حديث عائشة ، وفيه ذكر كنز الكعبة ومال الكعبة، وأنه تركه صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث شيبة في عدم تقسيم رسول الله لمال الكعبة قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ]. عبد الرحمن بن محمد المحاربي لا بأس به، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ]. الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن واصل الأحدب ]. واصل الأحدب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شقيق ]. هو شقيق بن سلمة أبو وائل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شيبة يعني ابن عثمان ]. هو شيبة بن عثمان الحجبي صحابي رضي الله عنه، أخرج له البخاري و أبو داود و ابن ماجة . شرح حديث: (صيد وج وعضاهه حرام...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب. حدثنا حامد بن يحيى حدثنا عبد الله بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه عن عروة بن الزبير عن الزبير رضي الله عنه قال: (لما أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طرف القرن الأسود حذوها، فاستقبل نخباً ببصره وقال مرة: واديه، ووقف حتى اتقف الناس كلهم، ثم قال: إن صيد وج وعضاهه حرام محرم لله. وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف) ]. أورد أبو داود باباً بدون ترجمة، وهذا قليل في استعمال أبي داود رحمه الله، فقليلاً ما يذكر باباً بدون ترجمة، والبخاري يستعمله في مواضع كثيرة، والباب الذي يكون بدون ترجمة يكون من الباب الذي قبله، وله تعلق به، ولكنه يميز كما تميز الفصول التي تكون داخل الباب، فهذا هو المقصود من ذكر الباب بدون ترجمة. والباب الأول يتعلق بمال الكعبة، وأما هذا فيتعلق بتحريم وج وعدم قطع عضاهه، يعني: شجره، ووج هو واد بالطائف، والحديث غير صحيح وغير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هناك شيء محرم إلا مكة والمدينة فقط، وما سواهما فإنه ليس بمحرم، ولو صح يمكن أن يكون ذلك حمى ومنع منه في وقت معين، ولكن الحديث غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أورد المصنف حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: (لما أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لية) ]. لية مكان معين معروف عندهم. قوله: [ (حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طرف القرن الأسود حذوها) ]. القرن الأسود قيل: إنه جبل صغير، يعني: أكمة صغيرة. [ (فاستقبل نخباً ببصره) ]. نخب هو واد بالطائف. [ (وقال مرة: واديه، ووقف حتى اتقف الناس كلهم) ]. يعني: حتى وصل الناس ووقفوا معاً، واتقف هي بمعنى وقف، وقف فاتقف. قوله: [ (ثم قال: إن صيد وج وعضاهه حرام محرم لله) ]. وج واد بالطائف. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (صيد وج وعضاهه حرام...) قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ]. حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الله بن الحارث ]. عبد الله بن الحارث ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي ]. محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي لين، أخرج له أبو داود . [عن أبيه]. وهو أيضاً لين، أخرج له أبو داود . [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير ]. هو الزبير بن العوام رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة والله تعالى أعلم. الأسئلة الفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله المؤدي إلى الكفر وغير المؤدي إليه السؤال: إذا حكم المرء في مسألة واحدة بغير ما أنزل الله فهل يعد ذلك كفراً أم لابد أن يقرر القوانين الوضعية في جميع شئون الحياة؟ الجواب: لا فرق في الاستحلال بين مسألة واحدة ومسائل كثيرة، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله ولو في مسألة واحدة فإنه يكفر، وأما إذا كان غير مستحل فلا فرق بين كونه حكم بواحدة أو بألف أو بأربعة أو بعشرة وهو يعرف أنه مذنب وأنه مخطئ، فلا يكون كفراً. حكم وضع النوى مع التمر في وعاء واحد السؤال: هل هناك حديث فيه النهي عن وضع النوى مع التمر في صحن التمر؟ الجواب: ليس عندي علم في هذا، ولكن لا شك أن وضع التمر مع النوى في مكان واحد مع الشيء الذي يؤكل لا يجعل النفوس ترغبه وتشتهيه، وإنما يكون النوى على حدة والتمر يكون على حدة، ولا يجمع بين النوى والتمر في مكان واحد، لكن ما أعلم حديثاً في هذا، ولكنه كما هو معلوم ليس بجيد من ناحية الآداب، ومن ناحية كون الإنسان يقذره، وقد يجعل بعض الناس لا ترغب نفسه أن يأكل من ذلك التمر الذي وضع عليه النوى. حكم تسليم لقطة الحرم إلى مكتب المفقودات في الحرم السؤال: إذا وجد الإنسان لقطة في مكة وسلمها إلى مكتب المفقودات في الحرم المكي هل تبرأ ذمته؟ الجواب: لا شك أن ذمته تبرأ بهذا. حكم أخذ الإحرامات التي يرميها الناس بمنى السؤال: بعض الناس يأخذ الإحرامات المتبقية من منى التي يتركها الناس بعد رحيلهم؟ الجواب: إذا كانوا تركوها ورموها فيمكن أن تؤخذ؛ لأن الشيء الذي تركه أصحابه ولا يريدونه لا مانع من أخذه، هذا إذا كان متحققاً أنهم تركوه. التوفيق بين قول ابن عباس: (فأرسلت الأتان ترتع) وبين حديث: (لا يعضد شجرها) السؤال: قول ابن عباس : (فأرسلت الأتان ترتع) فيه ذكر الرعي، فكيف نوفق بين هذا وبين حديث: (لا يعضد شجرها)؟ الجواب: كون الإنسان يسرح بإبله وغنمه ويجعلها في أرض الحرم ويتردد في أرض الحرم لا شك أن هذا لا يجوز، وأما كون حيوان أو دابة ترتع ما فيه إشكال، وإنما الإشكال في كون الإنسان يتخذ من الحرم موطناً لرعي غنمه؛ لأنه بذلك يقضي على علف الحرم وعلى النبات الذي في الحرم. حكم الإجهاز على الحيوان الجريح للمحرم السؤال: إذا وجدت حيواناً مجروحاً في الحرم أو حال الإحرام بحيث إنه قد يموت قريباً، فهل يجوز أن أقتله، حتى ينتهي ألمه والموت رحمة له؟ الجواب: إذا كان الحيوان لا يؤكل ليس له أن يقتله، وإذا كان مأكول اللحم وهذا الجرح الذي فيه قد يؤدي إلى هلاكه وإلى أن يكون ميتة فيذبحه، لكن هذا لا يكون بمجرد أن فيه جرحاً يسيراً، وقد سبق أن مر بنا حديث فيما يتعلق بالهدي، وأن بعض الناس قد يقدم على ذبح الشيء الذي يؤكل لحمه، مع أن عنده قوة وعنده مناعة، والحديث مر بنا في سنن أبي داود وفي باب: الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ. عن ابن عباس قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاناً الأسلمي وبعث معه بثمان عشرة بدنة، فقال: أرأيت إن أزحف علي منها شيء؟ قال: تنحرها ثم تصبغ نعلها في دمها، ثم اضربها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك) ]. يعني: أنه إذا رخص له هو وأصحابه فيمكن إذا حصل فيها أي شيء أن يقدم على نحرها، لكن إذا كان ليس له فيها نصيب فمعناه أنه لا يذبحها إلا إذا خشي أن يحصل لها الهلاك وأن تكون ميتة. حكم إزالة الأشواك من المحرمين لأجل الجلوس في المكان الذي هي فيه السؤال: كنا ننصب خيمة بمنى في السنة الماضية فظهرت لنا أشواك في المكان الذي نريد أن ننصب فيه، فاختلفنا في إزالة هذه الأشواك من مكان الخيمة، ثم اتفقنا على إزالتها فأزلناها، فهل عملنا هذا صحيح؟ وهل يلزمنا شيء؟ الجواب: الشوك المؤذي يزال، لكن هل هو أشواك في شجر أو أنه شوك متناثر في الأرض؟ إذا كان متناثراً في الأرض فلا إشكال في إزالته، وأما إذا كان في شجر فالإنسان لا يقطع الشجر بل يتركه في مكانه. حكم قراءة القرآن للأموات السؤال: هل تجوز قراءة القرآن للأموات؟ الجواب: اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إن قراءة القرآن وإهداءها للأموات سائغة، ومنهم من قال: إن الأموات ينتفعون في حدود ما ورد، والذي ورد هو الصدقة والدعاء، وكذلك الصيام في حق من كان عليه صوم واجب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ، وأما الشيء الذي لم يرد فالأولى عدم فعله، ومن أراد أن ينفع موتاه فلينفعهم بالشيء الذي قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما الصدقة التي ينتفع بها الفقراء والمساكين، ويحصل ثوابها للأموات الذين أراد الإنسان أن يتصدق عنهم. معنى قول بعض السلف إن الله عز وجل بائن عن خلقه السؤال: ما معنى قول بعض السلف: إن الله عز وجل بائن عن خلقه؟ وما حكم هذه الكلمة؟ الجواب: (بائن من خلقه) يعني: أنه ليس حالاً في المخلوقات، ولا المخلوقات حالة فيه، هذا هو معناه، وهذا المعنى صحيح، فهذا كلام يوضح المعنى، وإضافته إلى الله عز وجل من باب الإخبار وليس من باب الصفات. إذاً: فهذه العبارة عبارة صحيحة ومعناها صحيح، وليست صفة من صفات الله، وإنما هي إخبار عن الله بأنه ليس حالاً في المخلوقات. حكم التلفظ بالنية في الصلاة السؤال: في الصلوات المكتوبة هل ينوي ويسمي الوقت ويقول: مقتدياً بهذا الإمام؟ الجواب: لا يقول شيئاً من ذلك، ولا يتلفظ بالنية، والتلفظ بالنية بدعة، وإنما ينوي بقلبه أنه يصلي الصلاة التي جاء من أجلها، فالإنسان عندما يسمع الأذان لصلاة العصر مثلاً، والمؤذن يقول: حي على الصلاة، يعني: تعالوا لصلاة العصر، فهو يتوضأ يريد بذلك الوضوء أن يصلي العصر، وكذلك يدخل المسجد ليصلي العصر، وإذا قامت الصلاة يريد صلاة العصر، فهو ينوي بقلبه أنه يصلي هذه الصلاة المكتوبة في هذا الوقت التي هي العصر، لكن لا يقول: نويت أن أصلي العصر أربعاً مقتدياً بهذا الإمام الله أكبر! هذه من الأمور المحدثة. حكم إعادة الرمي للجمرات لمن لم يتمكن من رؤية سقوط الحجر في المرمى السؤال: حججت قبل عامين وعند رميي لجمرة العقبة يوم النحر كان الزحام شديداً ولم أتمكن من رؤية سقوط الحجر في المرمى وذلك لبعد المسافة وشدة الزحام، فسألت أحد طلبة العلم فقال لي: أعد الرمي، وكان ذلك في اليوم الثاني عشر، فأعدت رمي جمرة العقبة بعد رميي ذلك اليوم، وكنت متعجلاً فانصرفت إلى مكة، فهل فعلي صحيح؟ الجواب: يصح ذلك إن شاء الله، ولكن إذا كان قد رمى ويغلب على ظنه الوقوع في المرمى فإنه يكفيه، أما إذا كان يغلب على ظنه عدم الوقوع، وإنما الوقوع على رءوس الناس فهذا هو الذي يلزمه الإعادة. وكونه تذكر أو ذكر بهذا الشيء الذي عليه فقضاه فلا يلزمه أنه يرجع ويرمي عن اليوم الحادي عشر وعن الثاني عشر، بل عليه هذا الشيء الذي فعله قضاءً، كما لو أنه نسي صلاة من الصلوات وبعد خمسة أيام تذكرها فإنه يقضيها فقط، ولا يقضي التي وراءها. حكم من يأخذ من ماء زمزم للبركة ويخلطه بغيره ويسقي به الناس السؤال: بعض الناس يأخذ من ماء زمزم إلى بلده للبركة، ويخلط فيه ماءً عادياً ويسقي الناس الذين يزورونه، فهل هذا يعتبر غشاً؟ الجواب: هذا ليس بطيب، يعني: كون الإنسان يأخذ من ماء زمزم ويضيف إليه أضعافه هذا ما يقال له: ماء زمزم، وقد يكون الغالب هو ذلك الماء الذي ليس من ماء زمزم، فيكون ماء زمزم مغموراً ليس له أثر، فعلى الإنسان أن يتزود من ماء زمزم ويصطحبه إلى بلده وأن يهديه لغيره ولا يضيف إليه شيئاً، ولا يلزم أن يسقي الكثير من الناس إذا كان لا يستطيع، بل يسقي بعضهم، ولا يلزم أن يعطي الواحد حتى يروى بل يعطيه شيئاً قليلاً. حكم من أحصر وليس معه هدي السؤال: إذا أحصر الإنسان وكان معه هدي فإنه ينحر هديه في المكان الذي أحصر فيه، لكن كيف يفعل إذا لم يكن معه هدي؟ الجواب: الإنسان الذي أحصر ويجب عليه هدي ولا يستطيعه، يصوم عشرة أيام مكان الهدي. حكم الحج عمن مات قبل أن يحج وهو قادر عليه السؤال: مات شاب وقد كان قادراً على الحج أثناء حياته، وأعطاني أهله مبلغاً من المال لأحج عنه، فهل يسقط عنه الفرض؟ وهل له أجر الحجة؟ وهل لي أنا أيضاً أجر الحج؟ وأيهما أفضل أن أحج عنه بهذا المال أم يتصدق عنه صدقة جارية؟ الجواب: إذا كان الإنسان عنده مال ولم يحج فإن الحج أو نفقة الحج واجبة في ماله، ومقدمة على الميراث؛ لأن هذا دين، فيحج عنه من ماله، وإن لم يكن له مال وتصدق عنه وحجج عنه فهذا شيء طيب لا بأس بذلك، والإنسان الذي حج عن غيره بالمال إذا كان أخذ المال من أجل أن يذهب إلى مكة ويطوف بالبيت ويقف في المشاعر، ويدعو الله عز وجل في تلك الأماكن، فهذا شيء محمود، وإن كان قادراً على المال وعنده المال فالذي ينبغي له أن يحج بماله ولا يحج بمال غيره، لكن من كان قادراً على أن يشهد الموسم وأن يحج مع الناس، ولكن أخذ المال طمعاً فيه، فهذا حج ليأخذ، فالأخذ هو غاية والحج وسيلة، فهذا يكون مذموماً؛ لأنه حج من أجل الدنيا والباعث له على الحج الدنيا، فأحدهما محمود وهو من أخذ ليحج والثاني مذموم وهو من حج ليأخذ. حكم من يحج أو يعتمر عن نفسه ويهب ثواب ذلك لغيره السؤال: هل يجوز أن أحج أو أعتمر وأهب ثواب حجتي أو عمرتي لوالديّ أو لأحد أقاربي؟ الشيخ: الإنسان له أن يحج عن غيره، أما أن يحج عن نفسه ويهب الثواب فلا، وإنما ينوي من الميقات أن الحج لفلان سواءً كان لأمه أو أبيه، فيكون الحج له وهو مأجور على كونه يحسن إلى غيره، ولكن كونه ينوي الحج عن نفسه ثم يهب الثواب لغيره فلا، وإنما عليه إذا أراد أن يحج عن غيره أن ينوي من الميقات بأن العمرة لأمه أو لأبيه أو لفلان بن فلان، فتكون له بهذه النية. عدم صحة دفن إسماعيل وأمه في الحجر السؤال: هل صحيح أن الحجر مدفون فيه إسماعيل وأمه هاجر؟ الجواب: هذا ليس بصحيح؛ لأن الحجر هو من البيت، وإسماعيل هو الذي بنى البيت هو وأبوه إبراهيم، والحجر داخل في البيت، فكيف يكون مدفوناً فيه؟! هذا غير صحيح. الرد على شبهة من أجاز الصلاة في المساجد التي فيها قبور بحجة وجود قبر الرسول في المسجد السؤال: هناك من يقول: الصلاة في المسجد الذي فيه قبر جائز، لأن المسجد النبوي فيه قبور وهي داخلة فيه فكيف يجاب عنه؟ الجواب: يمكن أن يقال: إن الإنسان لا يصلي في مكان أو في مسجد فيه قبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد، وعن بناء المساجد على القبور، وقد قال ابن القيم في زاد المعاد: إنه لا يجتمع في دين الإسلام قبر ومسجد والحكم للسابق منهما؛ فإن كان القبر موجوداً أولاً وأتي بالمسجد وبني عليه يهدم المسجد، وإن كان المسجد مبنياً أولاً وأدخل الميت في المسجد ينبش الميت ويخرج من المسجد ويبقى المسجد كما كان، ولا يجمع بين المسجد والقبر. والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته قبل أن يموت بخمس، ثبت في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) هذا قاله قبل وفاته بخمس ليال، يعني توفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وقاله يوم الأربعاء. (ولما كان في النزع عليه الصلاة والسلام، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها وقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وهذه أحاديث محكمة لا تقبل النسخ بحال من الأحوال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها ومات، ولم ينزل وحي بعدها، فهو يقول: إن القبور لا تتخذ مساجد، بل هذا من آخر ما قاله صلى الله عليه وسلم في أواخر أيامه وأواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه محكم لا يقبل النسخ بحال من الأحوال، بل هو حكم ثابت مستقر، هذا هو شأن هذه الأحاديث التي تتعلق باتخاذ القبور مساجد. إذاً كل المساجد التي بنيت على القبور، أو دفن الموتى فيها لا يجوز اتخاذها مكاناً للصلاة. نأتي إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ونقول: هل الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في المسجد؟ وهل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بني على قبر؟ كان هناك قبور المشركين ولكنها نبشت وأخرجت، وكان له عليه الصلاة والسلام بيوت متميزة في شرق المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم لما توفي تشاور الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أين يدفنونه صلى الله عليه وسلم، فروى بعضهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الأنبياء يدفنون حيث يموتون) أي: المكان الذي يموت فيه النبي يدفن فيه، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم مات في حجرة عائشة دفن في حجرة عائشة ، وكانت تلك الحجرة خارج المسجد، وكانت تحيض أم المؤمنين عائشة فيها، ويجامع أهله عليه الصلاة والسلام فيها، فهي ليست من المسجد، بل المسجد مستقل عن البيوت والبيوت مستقلة عن المسجد، فليس هذا المسجد مبنياً على قبر، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في المسجد وإنما دفن في بيته، وبقي الأمر على هذا الوضع، وبقيت الحجرات خارج المسجد في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وفي عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكذلك بقيت فترة من خلافة بني أمية، ثم إنه وسع المسجد وأدخل القبر في المسجد، فالصلاة فيه بألف صلاة، سواء دخل القبر أو لم يدخل. فلا يجوز أن تترك الأحاديث المحكمة التي لا تقبل النسخ بحال من الأحوال، بسبب عمل حصل من بني أمية بعد زمن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، حيث قاموا بإدخال القبر في المسجد، ولا يجوز أن يتخذ هذا العمل حجة في مقابل الأحاديث المحكمة، وإنما المعول عليه الأحاديث المحكمة، وأما هذا المسجد فالصلاة فيه بألف صلاة سواءً دخل القبر فيه أو لم يدخل. فهذا هو الجواب عن هذه الشبهة التي يتشبث بها بعض الناس. وينبغي على الناس أن يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما دفن في المسجد، وأن المسجد مستقل، وإنما دفن في بيته، وبعد ذلك أدخل القبر في جملة المسجد، فالمعول عليه ليس فعل بني أمية وإنما المعول عليه الأحاديث المحكمة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، والتي لا تقبل النسخ بحال من الأحوال. حكم أهل الفترة السؤال: ما هو القول الراجح في أهل الفترة؟ وما صحة حديث: (أبي وأبوك في النار) ؟ الجواب: أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالات هؤلاء أمرهم إلى الله عز وجل ويمتحنون يوم القيامة، ونتيجة الامتحان هي التي تكون النهاية مبنية عليها، إما يكون سعيداً وإما شقياً في ذلك الامتحان الذي يكون يوم القيامة، وقد ذكر العلماء الكلام على هذا في تفسير قول الله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]. وأما الذين بلغتهم الرسالة وعندهم علم عن أخبار الرسل ولم يكونوا على منهاجهم وقد عبدوا الأصنام، فإن هؤلاء كفار، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن أباه في النار وذلك في الحديث الذي فيه: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فرأى أنه تغير وتأثر، فقال: إن أبي وأباك في النار) والحديث في صحيح مسلم . وكذلك أمه ماتت كافرة، (والرسول صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له، ثم استأذن أن يزورها فأذن له) وزيارة الكفار جائزة ليس للدعاء لهم بل لتذكر الآخرة وتذكر الموت. إذاً: كون الرسول صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له يدل على أنها ماتت كافرة، وكذلك أبوه مات كافراً، وجده مات كافراً الذي هو عبد المطلب ، وكذلك أبو طالب لما عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرض موته الإسلام حيث قال: (يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، وكان عنده رجلان كافران -أحدهما أسلم والثاني مات كافراً- فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب) ومات معلناً أنه على ملة عبد المطلب يعني: مات كافراً. حكم حج من أخر طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجة أو إلى محرم السؤال: من أخر طوف الإفاضة إلى اليوم الخامس والعشرين من ذي الحجة أو إلى شهر محرم لضرورة أو لغير ضرورة، هل يصح حجه؟ الجواب: الحج يصح، لكن لا يصلح أن يؤخر الطواف وهو ركن من أركان الحج؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، والركن لا يتم الحج إلا به، فليس للإنسان أن يؤخره، وأما إذا كان هناك ضرورة أو مرض أو ما إلى ذلك أو كان في المستشفى، ثم أتي به بعد ذلك وطاف محمولاً أو ماشياً فإنه لا بأس به. وعلى كل فالطواف يصح منه في أي وقت؛ لأنه ليس له وقت مخصص، ولكن المبادرة إليه مطلوبة ولا ينبغي للإنسان أن يؤخره؛ لأنه إذا أخره أخر ركناً من أركان الحج، وقد يعرض له عارض فلا يكون قد حج. أفضلية مكة على سائر بقاع الأرض السؤال: هل صحيح أن مكة أفضل البقاع ما عدا المكان الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لم يأت عن النبي عليه الصلاة والسلام شيء يدل على هذا، وإنما جاء ما يدل على أن مكة هي أفضل البقاع، والرسول صلى الله عليه وسلم لما أخرج من مكة قال: (أما إنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا أنني أخرجت منك لما خرجت) فهذا يدل على أن مكة هي أحب البلاد إلى الله وأنها خير البقاع وأفضل البقاع، ولهذا الصلاة هناك بمائة ألف صلاة. والجواب عن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، والحديث الذي يذكر فيه فضل المدينة على مكة وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لما هاجر من مكة إلى المدينة قال: (اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني أحب البقاع إليك) فقالوا: هذا يدل على أن المدينة أفضل من مكة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أحب البقاع إلى الله). أولاً: هذا يخالف الحديث الصحيح الذي سبق: (إنك أحب بلاد الله إلى الله)، فمكة هي أحب البلاد إلى الله وليست المدينة. ثانياً: هذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً من حيث المعنى هو فاسد؛ لأن هذا يقتضي أن يكون الأحب إلى الرسول غير الأحب إلى الله، والأصل أن ما كان أحب إلى الله فهو الأحب إلى رسول الله، ولا يقال: إن الله تعالى أحب إليه شيء والرسول يخالف ما يحبه الله فيكون الأحب إليه شيئاً آخر. إذاً: الحديث الصحيح: (أما إنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا أنني أخرجت لما خرجت) والله تعالى يقول: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، ولهذا فُضِّلَ المهاجرون على الأنصار؛ لأن المهاجرين عندهم الهجرة وعندهم النصرة، ولهذا قال الله عز وجل: وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الحشر:8]، فعندهم المعنى الموجود في الأنصار وعندهم زيادة على ذلك وهي الهجرة، فكان المهاجرون رضي الله عنهم أفضل من الأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. وعلى هذا فالتفضيل من الأمور التي يتقيد فيها بالنصوص الشرعية، والنصوص الشرعية جاءت بتفضيل مكة على المدينة، وقد صحت بذلك الأحاديث ومنها ما ذكرت، وأما الحديث الذي ذكرته والذي يخالف ذلك فهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. حكم من وقف خارج حدود عرفة السؤال: رجل وقف خارج حدود عرفة جاهلاً بها أو متعمداً فماذا يلزمه؟ الجواب: إذا كان لم يدخل عرفة ولا لحظة وكان خارج الحدود سواءً كان عامداً أو جاهلاً، ثم طلع الفجر من يوم النحر ولم يكن في عرفة؛ فإنه لم يقف بعرفة، وعلى هذا ليس له حج؛ لأن الحج لابد فيه من الوقوف بعرفة، ويكون ذلك في وقت الوقوف الذي ينتهي بطلوع الفجر من ليلة النحر، ولهذا من الأمور المهمة للحجاج -وهي من أهم المهمات- أن الواحد منهم يتحقق أنه بعرفة، وأن ينظر للبنايات التي كتب عليها بمختلف اللغات تحديد أرض عرفة، فيكون في داخلها ولا يقف خارجها، والوقوف يحصل ولو بلحظة إذا كان في أرض عرفة، فهذا الذي يسأل إذا تحقق أنه لم يكن داخل الحدود ولا لحظة واحدة فإنه لا يعتبر وقف بعرفة، ولا يعتبر قد حج في ذلك العام." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [234] الحلقة (265) شرح سنن أبي داود [234] لقد رفع الله عز وجل شأن بعض الأماكن وشرفها ومنها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وذكر منها مسجد المدينة النبوية، وكذلك حرم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة كما حرم إبراهيم مكة، فلا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا يحمل فيها السلاح لقتال. حكم إتيان المدينة وشد الرحال إليها شرح حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان المدينة. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) ]. قوله: [ باب في إتيان المدينة ] أي: السفر إلى المدينة وشد الرحل لزيارة هذا المسجد الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم، وزيارة المدينة لا تلازم بينها وبين الحج؛ فإنه يمكن أن يأتي الإنسان للحج ويرجع إلى بلاده، ويمكن أن يأتي من بلاده للمدينة ويرجع إلى بلاده، ويمكن أن يأتي للحج ويزور المدينة، كل ذلك ممكن، فليس هناك ترابط وتلازم بين الحج وزيارة المدينة. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه في بيان المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [ (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) ] وهي المساجد التي بناها أنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأسست على التقوى من أول يوم. وحديث أبي هريرة يدل على أن السفر إلى بقعة من البقاع من أجل التقرب إلى الله عز وجل إنما يكون لهذه المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى. وقد قال بعض أهل العلم: إن الاستثناء ليس مقصوراً على السفر لمسجد من المساجد، وإنما المقصود البقع والأراضي، فلا تشد الرحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، فلا يذهب الإنسان إلى بقعة ولو لم يكن فيها مسجد ليتقرب إلى الله عز وجل في تلك البقعة، وهذا غير سائغ، وقد استدل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بعموم هذا الحديث على عدم السفر لأي بقعة من البقاع من أجل التقرب إلى الله عز و جل فيها، ففي رواية لهذا الحديث عند النسائي أن أبا هريرة رضي الله عنه ذهب إلى الطور، ولما رجع لقيه بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه فقال له: من أين جئت؟ قال: جئت من الطور، قال: لو علمت لم تسافر، قال: ولم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، فدل هذا على أن المقصود بذلك عموم البقع، وليس المقصود به خصوص المساجد، فالمستثنى ثلاثة مساجد من عموم البقع وعموم الأراضي؛ لأن هذا الحديث استدل به بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه على أبي هريرة فيما يتعلق بالذهاب إلى الطور، وقال: لو علمت قبل أن تذهب لم تذهب. والحديث أورده النسائي من حديث أبي هريرة عن بصرة بن أبي بصرة رضي الله عنه، وذلك في حديث طويل بسند صحيح عند النسائي برقم (1429). وهذه المساجد الثلاثة هي مساجد الأنبياء المتميزة على غيرها، وهي التي يسافر من أجلها، أما غيرها فإنه لا يسافر من أجله، ولا تشد الرحال من أجله، ولم يأت شيء يدل على خلاف ما دل عليه هذا الحديث، وهو قصر السفر للقربة على هذه المساجد الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب وهو ثقة من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. ما جاء في تحريم المدينة شرح حديث علي: (المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في تحريم المدينة. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: (ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور، فمن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف ومن والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب: تحريم المدينة ] المدينة حرام كما أن مكة حرام، ولا يوجد في الأرض أماكن محرمة توصف بهذا الوصف لا يصاد صيدها ولا يقطع شجرها إلا مكة والمدينة، وإبراهيم حرم مكة والنبي صلى الله عليه وسلم حرم المدينة، والمقصود من ذلك إظهار الحرمة، فإن إبراهيم أظهر حرمة مكة والتحريم إنما هو من الله، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أظهر حرمة المدينة والتحريم إنما هو من الله، وإضافة التحريم إلى إبراهيم لمكة؛ لأنه هو الذي أظهر حرمتها، وإضافة التحريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة؛ لأنه هو الذي أظهر حرمتها، والله هو الذي أوحى إليه بحرمتها. إذاً: مكة والمدينة هما الحرمان، وليس هناك أماكن أخرى محرمة، وما شاع على ألسنة بعض الناس من قولهم عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين لا يصح، وهذا إطلاق غير صحيح؛ لأن الحرمين ليس لهما ثالث، ومكة حرم والمدينة حرم، ومن جملة مكة المسجد الحرام، ومن جملة المدينة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: ليس هناك أماكن أخرى يقال لها: حرم إلا مكة والمدينة، فإنهما حرام وهما حرم، وقول بعض الناس: ثالث الحرمين لا يصلح ولا يستقيم، وإنما يقال: ثالث المساجد المقدسة، أي: المساجد المقدسة الثلاثة التي هي مساجد الأنبياء هو ثالثها، أما كونه ثالث الحرمين فهذا لا يستقيم؛ لأنه ليس هناك حرم ثالث، وإنما الحرم حرمان هما مكة والمدينة. والمدينة لا يقطع منها الشجر ولا يصاد الصيد، ومن دخلها يكون آمناً؛ لأنه في حرم. أورد أبو داود حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: [ (ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا القرآن وإلا ما في هذه الصحيفة) ] والصحيفة من جملة ما فيها: [ (المدينة حرام من عائر إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف ومن والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ]. هذا من الأدلة على جواز كتابة العلم، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يكتبون العلم، ومن الأدلة الدالة على ذلك كون علي رضي الله عنه كان عنده كتاب اشتمل على عدة مسائل من الحديث ومن العلم، ومما اشتملت عليه هذه الصحيفة ما جاء في هذا الحديث. والمقصود منه أن المدينة حرام من عائر إلى ثور. (عائر) هو عير، وهو ثور جبلان في المدينة، عير في جنوبها وثور جبل صغير شمال جبل أحد، هذا حد المدينة من جهة الجنوب والشمال، من الجنوب عير ومن الشمال ثور. وكونها حرماً أو حراماً أي: لا يقطع شجرها ولا يصاد صيدها، ولهذا جاءت الأحاديث في النهي عن ذلك، ومنها ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لو رأيت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها) فلا يزعج الصيد ولا ينفر، ومن باب أولى لا يقتل، وكذلك لا يقطع الشجر الذي ينبته الله، أما الشجر الذي ينبته الناس ويزرعه الناس فإنهم يحصدون زروعهم ويقطعون نباتهم الذي ينبتونه ويحتاجون إليه. قوله: [ (فمن أحدث فيها حدثاً) ] يعني: من أتى بأمر محدث لم يكن من الدين، ولذلك جاء في الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). قوله: [ (أو آوى محدثاً) ] يعني: من آوى مَنْ أتى ببدع وأحدث في دين الله ما ليس منه، فإن المحدث والمؤوي له عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قوله: [ (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) ] هذا دعاء، وفيه بيان خطورة هذا الأمر، وأنه أمر فضيع وأمر خطير وعظيم. قوله: [ (وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم) ] يعني: أنه إذا حصل الأمان من أحد من المؤمنين لشخص من الكفار، فإنه يعطى الأمان، ولو كان ذلك الذي أعطاه من أدنى الناس كالعبد، وكذلك النساء أيضاً لهن أن يؤمنَّ، كما في قصة علي بن أبي طالب مع أم هانئ في عام فتح مكة وفيها: (أن أم هاني جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنني أمنت فلاناً وإن علياً قال: إنه لا يتركه، فالنبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم قال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ). قوله: [ (فمن أخفر مسلماً) ] يعني: نقض عهده، أو حصل منه نقض العهد وعدم تمكينه من الشيء الذي التزم به. قوله: [ (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف) ] العدل قيل: هو الفريضة، والصرف: هو النافلة. قوله: [ (ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه) ] أي: إذا ادعى العبد أنه مولى لغير من أعتقه فإنه متوعد بهذا الوعيد الشديد؛ لأن الولاء إنما يكون لمن أعتق ولا يكون لغير المعتق، والولاء لا يتصرف فيه ببيع أو هبة أو ما إلى ذلك؛ لأنه شيء ثابت وشيء لازم. قوله: [ (بغير إذن مواليه) ] هذا ليس له مفهوم؛ لأن لا يصير مولى بالإذن؛ لأن الولاء لا يورث ولا يوهب ولا يباع، وليس لهم أن يأذنوا بأن الولاء يكون لفلان أو أن الولاء ليس لهم، بل هذا شيء لهم وهو كالنسب لا يباع ولا يوهب، وهو شيء ثابت ومستقر لمن وجدت منه نعمة العتق. إذاً: فالموالاة ثابتة بين العتيق والمعتق، بين المنعم والمنعم عليه، المنعم الذي هو المعتق، والمنعم عليه الذي هو العتيق، فهذا شيء ثابت ومستقر مثل ثبوت النسب واستقرار النسب، ولهذا جاء في الحديث: (الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يورث). تراجم رجال إسناد حديث علي: (المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم التيمي ]. هو إبراهيم بن يزيد التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو يزيد بن شريك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي حسان عن علي رضي الله عنه في هذه القصة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى وفيه من الزيادة قوله: [ (لا يختلى خلاها) ] يعني: لا يقطع حشيشها. قوله: [ (ولا ينفر صيدها) ] يعني: لا يزعج أو يشار إليه بأن يهرب، هذا منهي عنه، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (لو رأيت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها؛ لأن النبي صلى الله وسلم حرم ما بين لابتيها) يعني: أنه لا يتعرض لها بإيذاء ولا بتنفير، أقل شيء التنفير فكيف بما وراءه؟! كل ذلك ممنوع. قوله: [ (ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها) ] هذه الجملة تدل على أن المدينة مثل مكة فيما يتعلق باللقطة، وأنها لا تحل لمن يأخذها إلا أن ينشدها، بخلاف اللقطة في الأماكن الأخرى فإن صاحبها يعرفها حولاً كاملاً وبعد ذلك يتمولها ويتملكها، ولو جاء صاحبها فيما بعد ووصفها وصفاً يطابق وصفها، فإنه يعطيه إياها. وأما بالنسبة للقطة الحرمين مكة والمدينة فإنها تعرف دائماً، قيل: ولعل السر في ذلك أن مكة والمدينة يتردد عليها الناس في مختلف الأوقات، وقد تكون اللقطة لشخص جاء حاجاً أو زائراً وفقدت منه، وقد يأتي بعد سنتين أو ثلاث أو أربع فيحصل عليها، بخلاف الأماكن الأخرى فإنه لا يحصل عليها. قوله: [ (ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال) ]. لأن حمل السلاح للقتال بحيث لا يكون له مسوغ لا يجوز في أي مكان، وفي المدينة وفي مكة من باب أولى، ولكن إذا احتيج إلى حمل السلاح لأمر يقتضي ذلك فلا بأس بذلك. قوله: [ (ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره) ]. يعني: كونه يأخذ شيئاً لعلف البعير لا بأس، فيأخذ من ورقه ما يعلف به بعيره، وأما كونه يقطع الشجر ويقطع أصوله فهذا لا يجوز؛ لأن قطع الشجر فيه قضاء على منافعه وعلى فوائده، أما كونه يأخذ ما يعلف به بعيره من ورق الشجر الذي ينبت والذي يظهر مكانه فهذا هو الذي جاء به الإذن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها...) قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى ، الملقب الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الصمد ]. هو عبد الصمد بن عبد الوارث وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي حسان ]. هو أبو حسان الأعرج مسلم بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن علي ]. هو أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه وقد مر ذكره. وأبو حسان هو مسلم بن عبد الله مات سنة مائة وثلاثين، وعلي رضي الله عنه قتل سنة أربعين، وبين وفاتيهما تسعون سنة، فلا أدري هل أبو حسان هذا زاد عمره على مائة سنة، وإذا كان في هذا الحدود فسماعه من علي واضح، وأما إذا كان غير ذلك ففيه شيء، لكن لم أقف على تاريخ مدة عمره وتاريخ ولادته ومقدار حياته، وأما وفاته فذكروا أنها سنة مائة وثلاثين، وعلي رضي الله عنه قتل سنة أربعين، فبين وفاتيهما تسعون سنة، فإذا كان عمره مائة أو قريباً من المائة أو فوق المائة فالرواية ممكنة والإدراك ممكن، ولكن العلماء ذكروا هذا الحديث وصححوه، ومعنى هذا أنه كان معمراً والله أعلم. شرح حديث: (حمى رسول الله كل ناحية من المدينة بريداً بريداً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أن زيد بن الحباب حدثهم حدثنا سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان أخبرنا عبد الله بن أبي سفيان عن عدي بن زيد رضي الله عنه قال: (حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ناحية من المدينة بريداً بريداً، لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل) ]. أورد أبو داود حديث عدي بن زيد رضي الله عنه قال: [ (حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريداً بريداً، لا يخبط شجره ولا يعضد، إلا ما يساق به الجمل) ]. يعني: لا يقطع شجر المدينة إلا ما يعلف به الجمل، ويحتمل أن يكون المعنى من قوله: [ (إلا ما يساق به الجمل) ] أي: العصا التي يساق بها الجمل؛ لأن الجمال وغيرها تساق بالعصي، كما جاء في القرآن: وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي [طه:18] أي: بالعصا. والمقصود بالحمى هذا غير الحرم؛ لأن الحمى أوسع من الحرم، والمقصود به أن الشجر يترك لإبل الصدقة وللخيل، هذا هو المقصود منه، وقد جاء في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حول المدينة اثني عشر ميلاً حمى، والبريد هو اثنا عشر ميلاً؛ لأن البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فيكون المجموع اثني عشر ميلاً. إذاً: الحمى خارج الحرم، أما ما كان داخل الحرم فحدوده من عير إلى ثور فهذا هو الحرم الذي جاء فيه التحريم، وأما الحمى فإنه زائد، والمقصود منه تخصيص هذه الأماكن لإبل الصدقة، والحمى كان في ذلك الوقت أما الآن ما فيه إلا الحرم؛ لأنه لا يوجد إبل صدقة ولا خيل، والصيد في الحمى لا بأس به؛ لأنه خارج الحرم؛ ولأن المقصود من تركه هو من أجل إبل الصدقة ومن أجل الخيل لترعى حول المدينة. تراجم رجال إسناد حديث: (حمى رسول الله كل ناحية من المدينة بريداً بريداً...) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان ]. سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا عبد الله بن أبي سفيان ]. عبد الله بن أبي سفيان وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن عدي بن زيد ]. عدي بن زيد رضي الله عنه، أخرج له أبو داود . وهذا الحديث ضعفه الألباني ، لكن معناه جاء في الأحاديث الصحيحة التي أشرت إليها، وهو أنه جعل حول المدينة اثني عشر ميلاً، والبريد هو اثنا عشر ميلاً، وهو مطابق لها ومماثل لها. شرح حديث: ( إن رسول الله حرم هذا الحرم وقال من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو سلمة حدثنا جرير -يعني: ابن حازم - حدثني يعلى بن حكيم عن سليمان بن أبي عبد الله قال: (رأيت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أخذ رجلاً يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكلموه فيه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم هذا الحرم وقال: من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه رأى غلاماً يصيد في الحرم فأخذ ثيابه، فجاء إليه أهله يطلبون منه أن يرد إليهم ثيابه، فقال: [ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم -يعني: المدينة- وقال: ) ؟ (من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه، فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه) ] يعني: أعطيكم ثمنه، أما الشيء الذي رخص له في أخذه فإنه يبقى له، وهذا يدلنا على أن الصيد وكذلك قطع الشجر لا يجوز في المدينة، وأن الجزاء هو السلب؛ لأنه لم يأت شيء يدل على أن المدينة صيدها يقوم، وأنه يكون ذا قيمة بالمماثلة أو بغير ذلك كما جاء بالنسبة لمكة، ولكن بالنسبة للمدينة يكون الجزاء هو السلب، وهذا هو الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم سواءً فيما يتعلق بالصيد أو فيما يتعلق بقطع الشجر. وهذا الحكم مستمر، ويمكن أن يعمل به الآن، لكن إذا كان يترتب على ذلك مفسدة وضرر فلا يقدم الإنسان عليه. تراجم رجال إسناد حديث: ( إن رسول الله حرم هذا الحرم وقال من أخذ أحداً يصيد فيه فليسلبه ثيابه...) قوله: [ حدثنا أبو سلمة ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير يعني: ابن حازم ]. جرير بن حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يعلى بن حكيم ]. يعلى بن حكيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن سليمان بن أبي عبد الله ]. سليمان بن أبي عبد الله هو مقبول، أخرج له أبو داود . [ رأيت سعد بن أبي وقاص ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث: (نهى رسول الله أن يقطع من شجر المدينة...) وترجمة رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن مولى لسعد : (أن سعداً رضي الله عنه وجد عبيداً من عبيد المدينة يقطعون من شجر المدينة، فأخذ متاعهم وقال -يعني: لمواليهم-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى أن يقطع من شجر المدينة شيء، وقال: من قطع منه شيئاً فلمن أخذه سلبُه) ] . أورد أبو داود حديث سعد رضي الله عنه، وفيه: أن غلماناً كانوا يقطعون الشجر في المدينة فأخذ متاعهم، ولما جاء أولياؤهم يطالبون بها قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من قطع شيئاً فلمن أخذه سلبه) ] يعني: من وجد أحداً يفعل هذا الفعل فله سلبه ، والسلب هو أخذ ثيابه كما سبق أن مر في الحديث السابق قبل هذا. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح مولى التوأمة ] . صالح مولى التوأمة صدوق اختلط، أخرج أحاديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن مولى لسعد ]. مولى لسعد ، لم يذكر؛ لكن على كل جاء حديث في صحيح مسلم من طريق ابنه عامر بن سعد، وهو يدل على ما دل عليه هذا الحديث. [ أن سعداً ]. سعد رضي الله عنه مر ذكره. شرح حديث: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله ولكن يهش هشاً رفيقاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان حدثنا محمد بن خالد أخبرني خارجة بن الحارث الجهني أخبرني أبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يهش هشاً رفيقاً) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: [ (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يهش هشاً رفيقاً) ] هذا مثل الحديث الذي تقدم في الحمى وهو (لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل). قوله: (يعضد) يعني: يقطع. وقوله: (يخبط) يعني: كونه يضرب حتى يتساقط الورق. قوله: (ولكن يهش هشاً رفيقاً) يعني: يهش الشجر هشاً رفيقاً بحيث يتساقط الورق ولا ينقطع أغصان الشجر بسبب الخبط القوي؛ لأنه قد ينقطع الغصن بسبب الضرب الشديد، لكن إذا هش هشاً خفيفاً رفيقاً حصل المقصود الذي هو سقوط الورق، حتى تعلفه الإبل. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله ولكن يهش هشاً رفيقاً) قوله: [ حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان ]. محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان أخرج له أبو داود . [ حدثنا محمد بن خالد ]. محمد بن خالد مستور، بمعنى مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ أخبرني خارجة بن الحارث الجهني ]. خارجة بن الحارث الجهني وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود . [ أخبرني أبي ]. هو الحارث الجهني مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن رسول الله كان يأتي قباء ماشياً وراكباً ويصلي ركعتين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي قباء ماشياً وراكباً -زاد ابن نمير-: ويصلي ركعتين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء ماشياً وراكباً) ] يعني: كان أحياناً يأتي قباء راكباً وأحياناً ماشياً. قوله: (ويصلي ركعتين) هذا يدل على فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه، وأن زيارته لمن كان في المدينة ثابت من فعله صلى الله وسلم، وهذا هو فعله عليه الصلاة والسلام، وأيضاً ثابت من قوله عليه الصلاة والسلام حيث قال: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاةً كان كأجر عمرة) فهذا يدل على فضل قباء وفضل الصلاة فيه من قوله صلى الله عليه وسلم. والحديث الذي معنا يدل على ثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام. وجاء في بعض الأحاديث: (أنه كان يأتي قباء كل سبت). قوله: زاد ابن نمير : (ويصلي ركعتين) ]. يعني: جاء من طريق ابن نمير أنه كان يصلي فيه ركعتين، والحديث ثابت في الصحيحين أنه كان يزور قباء ماشياً وراكباً ويصلي فيه ركعتين. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يأتي قباء ماشياً وراكباً ويصلي ركعتين) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير ]. ابن نمير هو عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في زيارة القبور شرح حديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زيارة القبور. حدثنا محمد بن عوف حدثنا المقرئ حدثنا حيوة عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام). أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب زيارة القبور ] وهذه الترجمة لا توجد في كثير من نسخ أبي داود، وزيارة القبور تتعلق بكتاب الجنائز، وكتاب الجنائز كتاب مستقل سيأتي بعد عدة كتب، وإنما الموجود في أكثر النسخ ترجمة تحريم المدينة إلى آخر هذا الباب، وإنما المقصود من ذلك ذكر جملة من الأحاديث التي تتعلق بحرم المدينة. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) ] وهذا الحديث يدل على أن سلام المسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل إليه، ولكن ليس فيه دليل على أنه يسمع سلام المسلم، وإنما فيه دليل على أن الله يرد عليه روحه حتى يرد السلام، والسلام إنما يصل إليه عن طريق الملائكة الذين يبلغون الرسول صلى الله عليه وسلم السلام من قريب ومن بعيد، كما في الحديث: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام) ولهذا جاء عن علي بن الحسين رحمه الله: (أنه رأى رجلاً يأتي إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ألا أحدثك بحديث سمعته عن أبي عن جدي؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ثم قال: ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء. قوله: (تبلغني حيثما كنتم) يعني: بواسطة الملائكة. فالحديث ليس فيه نص على أن هذا خاص فيمن يسلم عليه عند قبره صلى الله عليه وسلم وأنه يسمعه، وإنما هو عام، والرسول صلى الله عليه وسلم يبلغه السلام بواسطة الملائكة سواء عن قرب أم بعد، سواء كان في مسجده وعند قبره أو في أي مكان من الأرض، وهذا يدخل فيه السلام والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عليه روحي حتى أرد عليه السلام) قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ]. محمد بن عوف ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي . [ حدثنا المقرئ ]. هو عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حيوة ]. هو حيوة بن شريح المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صخر حميد بن زياد ]. أبو صخر حميد بن زياد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي ، والنسائي في مسند علي وابن ماجة. [ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ]. يزيد بن عبد الله بن قسيط وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح قرأت على عبد الله بن نافع أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) ] يحتمل معنيين وكل منهما صحيح: يعني: لا يدفنون الموتى فيها؛ لأن الدفن في البيت من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (الأنبياء يدفنون حيث يموتون) فدفن في بيته صلى الله عليه وسلم، والناس ليس لهم أن يدفنوا في بيوتهم وإنما يدفنون في المقابر. المعنى الثاني: أي: لا تجعلوها شبيهة بالمقابر التي هي ليست أماكن للصلاة، حيث تخلو من الصلاة ومن قراءة القرآن، والتعبد إلى الله عز وجل فيها، بل عليكم أن تأتوا بهذه العبادات فيها، وألا تجعلوها شبيهة بالمقابر التي ليست أماكن للصلاة. قوله: [ (ولا تتخذوا قبري عيداً) ] يعني: بتكرار الترداد عليه، ولهذا جاء بعده قوله: [ (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ] يعني: ليس الأمر مقصوراً على كونكم تأتون عند قبري، بل صلوا علي من أي مكان كنتم فيه؛ فإن صلاتكم تبلغني بواسطة الملائكة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام). تراجم رجال إسناد حديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ قرأت على عبد الله بن نافع ]. عبد الله بن نافع ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ أخبرني ابن أبي ذئب ]. ابن أبي ذئب مر ذكره. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث: (خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حامد بن يحيى حدثنا محمد بن معن المدني أخبرني داود بن خالد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ربيعة -يعني: ابن الهدير - قال: ما سمعت طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً قط غير حديث واحد، قال: قلت: وما هو؟ قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد قبور الشهداء، حتى إذا أشرفنا على حرة واقم، فلما تدلينا منها وإذا قبور بمحنية، قال: قلنا: يا رسول الله! أقبور إخواننا هذه؟ قال: قبور أصحابنا، فلما جئنا قبور الشهداء قال: هذه قبور إخواننا) ]. أورد أبو داود حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبور شهداء أحد، وهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ومن معه الذين قتلوا في سبيل الله وهم يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ودفنوا هناك، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم. قوله: [ (فلما تدلينا وإذا قبور بمحنية) ]. محنية، يعني: في منعطف الوادي. قوله: [ (قال: قلنا: أقبور إخواننا هذه؟ قال: قبور أصحابنا) ] يعني: هؤلاء ليسوا هم الشهداء، ولكنهم غيرهم. قوله: [ (فلما جئنا قبور الشهداء قال: هذه قبور إخواننا) ] أي: الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله، وهم عمه حمزة رضي الله عنه ومن معه من الصحابة الذين قتلوا في سبيل الله وهم يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الحديث يدل على قصد زيارة الشهداء والذهاب إليهم والدعاء لهم. تراجم رجال إسناد حديث: (خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء...) قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ]. حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا محمد بن معن المدني ]. محمد بن معن المدني وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أخبرني داود بن خالد ]. داود بن خالد وهو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ]. ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربيعة يعني: ابن الهدير ]. ربيعة بن الهدير قيل: له رؤية، يعني: أنه صحابي، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود . [ قال: ما سمعت طلحة بن عبيد الله ]. طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن رسول الله أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها، فكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها، فكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك) ]. المقصود من ذلك أنه عند رجوعه من مكة كان ينزل بالبطحاء ويبيت بها ويصلي الفجر ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل المدينة ضحى، ولا يدخلها ليلاً ولا يطرق أهله ليلاً، وإنما يبيت في البطحاء، وهو الذي يقال له: المعرس، وسبق أن مر بنا حديث يتعلق بهذا في باب دخول مكة، وهو ليس له دخل بدخول مكة وإنما يتعلق بالمعرس, وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة عند خروجه حيث يحرم، وبعد ذلك يأتي وينزل بالمعرس، والحديث عن عبد الله بن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس). يعني: إذا خرج من المدينة إلى مكة كان يخرج من طريق الشجرة، يعني: من مسجد الشجرة، وإذا دخل، يعني: عندما يرجع إليها كان يدخل من طريق المعرس، وهو مكان في الوادي، قيل: إنه قريب من ذي الحليفة الذي هو الميقات. والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء ليلاً لا يدخل المدينة ليلاً وإنما يبيت ويصلي الفجر في البطحاء، وفي الضحى يدخل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وأحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن عبد الله بن عمر ]. نافع و ابن عمر قد مر ذكرهما. شرح أثر مالك: (لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعاً إلى المدينة...) وترجمة رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي قال: قال مالك : لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعاً إلى المدينة، حتى يصلي فيها ما بدا له؛ لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرس به ]. أورد المصنف رحمه الله أثراً عن مالك رحمة الله عليه أنه لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس؛ لأنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي إليه ويصلي به، ومعلوم كما مر في الحديث أنه كان لا يطرق أهله ليلاً بل كان يبيت ويصلي الفجر بالمعرس، وبعد ذلك يدخل إلى المدينة صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا القعنبي قال: قال مالك ]. مر ذكرهما. شرح أثر : (المعرس على ستة أميال من المدينة) وترجمة رجال إسناده [ قال: أبو داود سمعت محمد بن إسحاق المدني قال: المعرس على ستة أميال من المدينة ]. يعني: هذا أثر فيه بيان المعرس ومقدار المسافة بينه وبين المدينة وأنه على ستة أميال منها. ومحمد بن إسحاق المدني هذا هو المسيبي شيخ أبي داود وهو صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود. والمشهور بهذا الاسم هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي الذي يأتي ذكره كثيراً، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن ، ولكن المقصود بهذا المسيبي وهو شيخ أبي داود." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الحج شرح سنن أبي داود [235] الحلقة (266) شرح سنن أبي داود [235] الأسئلة حكم سفر الولد لطلب الرزق دون إذن والديه السؤال: شاب في مقتبل عمره يعمل الآن في هذه البلاد، وقد غادر بلده وأهله غير راضين عنه، فيسأل يقول: إن الأبواب كلها مغلقة في وجهي فهل صحيح يا شيخ! أن رضا الوالدين ضروري من أجل توفيقي؟ وماذا أفعل حتى يرضيا عني، وجهوني جزاكم الله خيراً؟ الجواب: الإنسان يحرص على إرضاء الوالدين؛ لأن الوالدين حقهما كبير، وقد أوصى الله تعالى بحقهما وبالإحسان إليهما، وقرن ذلك بالأمر بعبادته، فقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال عز وجل: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، فحق الوالدين عظيم، فعلى الإنسان أن يحرص على رضاهما، وعلى الإحسان إليهما والعطف عليهما، وعلى تطييب خاطرهما، لأن الوالد هو الذي جعله الله سبباً في وجود الولد، وهو الذي رباه، وهو الذي نشأه، وهو الذي أحسن إليه حتى بلغ مبلغ الرجال، فمن حقه عليه أن يكافئ الجميل بالجميل، والإحسان بالإحسان ولا يقابل الحسنة بالسيئة، وإنما يأتي بالحسنى، والله تعالى يقول: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، فمن أحسن يحسن إليه، ومن جازى بالمعروف كوفئ بالمعروف. وسفرك إذا كان من أجل أن تبحث عن الرزق، وأنك ما وجدت شيئاً في بلدك فأنت معذور، ولكن كان ينبغي عليك أن تطيب خاطر والديك باستئذانهما وإقناعهما، وبيان أنك بحاجة إلى أن تذهب وتسافر لتحصيل الرزق. كيفية التعامل مع من يسب الدين عند الخصومة السؤال: أنا في بلد يكثر فيه سب الدين نعوذ بالله، فماذا أفعل لو سُبَّ الدين أمامي؟ الجواب: ينبغي إذا وجد شيء من ذلك أن يبين خطورته، وأن الإنسان إذا حصل له غضب فلا يتجه إلى سب الدين، وإذا كان ولابد أن يسب فليتجه إلى غير الدين، فكون الإنسان يغضب من إنسان آخر ثم يسب الدين هذا سفه وقلة حياء، فالتوعية والتوجيه والنصح وبيان خطورة الأمر وما يترتب عليه هو الذي ينبغي أن يفعله الإنسان، وأما أن يعاقب أو يؤدب من يفعل ذلك فهو لا يملك هذا إلا أن يكون الذي حصل منه ذلك القول هو ممن هم تحت يده كأولاده، فله أن يؤدبهم وأن يزجرهم، لأنه صاحب يد عليهم، وأما إذا كان غير ذلك فما معه إلا النصح والتحذير من هذا الأمر. حكم ترك السلام على الجالسين في المقاهي للهو مع تركهم للصلاة السؤال: هل يترك الإنسان إلقاء السلام على الجالسين في المقاهي يشربون الدخان والشيشة ويلعبون بالورق والمؤذن ينادي؟ الجواب: إذا كان السلام معه نصح فهذا شيء طيب، فقبل أن ينصحهم يسلم ثم ينصحهم، وأما كونه يسلم عليهم ويمشي دون أن ينصح فلا، فإذا لم ينصحهم فعليه أن يعرض عنهم؛ لأنه إذا سلم عليهم ولم ينصحهم فمعنى ذلك أنهم لم يفعلوا شيئاً يستحقون أن ينبهوا عليه. حكم الإحرام بالعمرة من جدة لمن كان يعمل فيها السؤال: إذا ذهبت إلى جدة للعمل فهل يجوز لي أن أحرم منها في أي وقت؟ الجواب: إذا كان الإنسان سيسكن في جدة ويعمل فيها فحكمه كحكم أهل جدة، فيحرم من جدة كما يحرم أهل جدة. حكم الصلاة في ثوب به دم السؤال: ما حكم من صلى وبثوبه دم إنسان أو دم طير؟ الجواب: وجود النجاسة في ثوب الإنسان إذا لم يُعلم به إلا بعد فراغ الصلاة لا يؤثر، سواءٌ أكانت دماً أم بولاً أم أي شيء آخر من أنواع النجاسات، فما دام أنه لم يعلم إلا بعد الصلاة فإن صلاته تكون صحيحة ولا يلزمه أن يعيدها، فقد ثبت في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس صلاة، فجاءه جبريل وأخبره أن نعليه فيهما شيءٌ من الأذى، فخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو في الصلاة، فخلع الصحابة نعالهم، ولما فرغ قال: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك فعلت ففعلنا، فقال: إن جبريل جاءني وقال: كذا وكذا). فكونه صلى الله عليه وسلم خلع وأتم الصلاة يدل على صحة الصلاة؛ لأنه لم يعد ما مضى ولم يستأنف الصلاة من جديد بل أتم، وأزال ذلك الشيء الذي نبه عليه، فكذلك الإنسان إذا كان في الصلاة وعلم وهو في الصلاة أن هناك نجاسة في غترته أو في مشلحه أو ردائه أو في شيء يستطيع أن يتخلص منه فإنه يتخلص ويتم الصلاة، وإذا كان لا يتأتى له ذلك إلا بأن تظهر عورته فإنه يقطع الصلاة ويذهب يزيل النجاسة، أو يلبس ثوباً يستر به عورته ويصلي، فهذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد انتهاء الصلاة فإن صلاته صحيحة. حكم الاكتفاء بتطهير البول بالماء دون الصابون السؤال: من وقع على جسده شيء من البول فهل يكفيه الغسل بالماء أم لابد من الصابون؟ الجواب: يكفيه الماء ولا يلزم الناس بالصابون، ومَن ذا الذي يكون معهم الصابون في كل مكان وفي كل زمان؟! فالغسل إنما هو بالماء. حكم انتقاض الوضوء أثناء الطواف السؤال: من انتقض وضوؤه في الطواف وذهب ليتوضأ فهل يبدأ من جديد أم يبني على ما مضى من طوافه؟ الجواب: يستأنف من جديد؛ لأن الطواف مثل الصلاة، والإنسان لو انتقض وضوؤه في الصلاة فإنه يتوضأ ويستأنفها، فكذلك يستأنف الطواف. حكم تعليق الحاج صورته على صدره خشية أن يضيع السؤال: نرى بعض الحجاج يعلق صورته على صدره حتى لا يضيع، فما حكم ذلك؟ الجواب: لا يصلح هذا، وينبغي عليه أن يخفيها، وهو لو ضاع فهي موجودة معه، سواءٌ أكانت ظاهرة أم خفية، فالذي ينبغي له أن يخفيها في جيبه، وأما أن تكون بارزة فهذا لا يصلح. حكم قص الأظافر وحلق الشعر في عشر ذي الحجة للمهدي والمتمتع السؤال: من أراد أن يهدي هل يلزمه ألا يقص أظافره، ولا يحلق شعره، ولا يتطيب خلال عشر ذي الحجة؟ وهل من كان متمتعاً له نفس الحكم؟ الجواب: إن كان المقصود بمن عليه الهدي من كان متمتعاً وعليه هدي فمثل هذا لا يمتنع من شيء بعد دخول العشر، والذي يمتنع بدخول العشر هو الذي يريد أن يضحي، وأما من كان متمتعاً فإنما يمتنع عند الإحرام عن ذلك، وأما قبل الإحرام فلا مانع ولو كان في عشر ذي الحجة، ولكن الذي يريد أن يضحي هو الذي لا يأخذ شيئاً من شعره، سواءٌ أراد الحج أو لم يرده، فإذا دخلت عشر ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي. حكم من سلم قبل الإمام ناسياً ثم سلم بعده السؤال: مؤتم سلم قبل الإمام ناسياً ثم رجع مع الإمام وسلم التسليمة الثانية بعد الإمام، فما حكمه؟ الجواب: ما دام أنه أخطأ ثم رجع إلى الصواب وسلم بعد الإمام فليس عليه شيء. حكم اغتسال الحاج والمعتمر في المدينة وإحرامه عند الميقات السؤال: هل يمكن للحاج أو المعتمر أن يغتسل في المدينة ثم يحرم عند الميقات؟ الجواب: نعم يمكن له ذلك، وقد يكون هذا أستر له وأوسع وأهيأ، فالناس عندهم الماء في مساكنهم، وعندهم الاستعداد براحة وطمأنينة في مساكنهم في المدينة، فيفعلون هذا سواءٌ أكان السفر عن طريق الطائرة أو عن طريق السيارات، فيتجرد من ثيابه، ويقص شاربه، ويقلم أظفاره، ويحلق عانته، وينتف إبطيه، ولا يتعرض لراسه؛ لأنه سيحتاج إليه بالحلق أو التقصير، ولا يجوز له أن يتعرض للحية أبداً لا عند الإحرام ولا في أي زمان أو مكان؛ لأن إعفاءها واجب وحلقها حرام، وإذا استعد وتهيأ ولبس الإزار والرداء فإن كان سفره بالطائرات فإنه إذا ركب الطائرة وتحركت للإقلاع ينوي ويلبي؛ لأن الطائرة إذا طارت تتجاوز الميقات بسرعة، وإذا كان السفر بالسيارات فإنه إذا حاذى الميقات وأراد أن يواصل فإنه ينوي ويلبي عند محاذاة المسجد، وإن أراد أن ينزل إلى المسجد الذي في ذي الحليفة أو يصلي فيه ثم يحرم بعد ذلك فله ذلك. حكم قول: (أبي في الله) و ( أمي في الله) السؤال: ما حكم قولي: (أبي في الله) خاصة إذا كان له فضل علي بالإنفاق والتربية ونحو ذلك، وكذلك: (أمي في الله)، وهما ليسا كذلك في الحقيقة؟ الجواب: الأخوة في الله هي الكائنة شرعاً، وأما الأبوة أو الأمومة فليس هناك شيء يدل على هذا ويقتضيه، لكن للكبير أن يقول للصغير: (يا بني) وإن لم يكن ابنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنس بن مالك (يا بني)، وهذا من اللطف ومن المعاملة الحسنة للصغير، وكذلك للصغير أن يقول للكبير: (يا عم) وإن لم يكن عمه من النسب، كما جاء عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوم بدر أنه قال: كان عن يميني وعن شمالي شابان من الأنصار، فالتفت إلي أحدهما وقال: يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ قلت: وماذا تريد؟ قال: إنه كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فقال هنا: مخاطباً عبد الرحمن بن عوف (يا عم)، وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين، وهذان الشابان من الأنصار، فقول الصغير للكبير: (يا عم) وقول الكبير للصغير: (يا بني) سائغ. حكم من بدأ السعي بالمروة ثم أسقط شوط الابتداء بها السؤال: شخص بدأ السعي من المروة، ثم لما كان في الشوط الرابع ذكر وعلم أنه لابد من أن يبتدئ من الصفا، فأسقط الشوط الأول وأكمل سعيه ثم انتهى بالمروة، فصار سعيه ثمانية أشواط، فما حكم هذا العمل؟ الجواب: هذا هو العمل الصحيح، فما دام أنه بدأ بالمروة وأخبر بأن البدء بها لا يجوز فأسقط ذلك الشوط ولم يعتبره وألغاه، واعتبر البدء بالصفا والختم بالمروة ما دام صنع كذلك فإنه قد عمل العمل الصحيح، وليس أمامه إلا هذا. زمن ابتداء أذكار الصباح والمساء وحكم قضائها السؤال: متى يبدأ وقت أذكار الصباح والمساء، وهل تقضى هذه الأذكار؟ الجواب: الصباح -كما هو معلوم- يبدأ من طلوع الفجر، والمساء يبدأ بعد الزوال، وينبغي أن يأتي بأذكار الصباح بعد الفجر، ويأتي بأذكار المساء آخر النهار، وكذلك تجوز قراءتها بعد المغرب؛ لأنه داخل في المساء أيضاً. وأما قضاؤها فكما هو معلوم أنها سنة يفوت محلها. حكم حج المرأة مع أقاربها من غير المحارم السؤال: امرأة عجوز تريد الحج مع بعض أقاربها وهم ليسوا محارم لها، علماً أنها أتت مع زوجها فأصيب بحادث، فهل لها أن تحج؟ الجواب: إذا كانت سافرت ومعها زوجها ثم حصل له حادث فيمكن أن تكمل الحج، وأما أن تبدأ وتنشيء السفر مع أجانب فلا يجوز لها، ولا يجب عليها الحج إذا لم يوجد لها محرم. حكم الذهاب إلى الأماكن التاريخيه للعظة والعبرة السؤال: هل يجوز الذهاب إلى الأماكن التاريخية بقصد الاعتبار، وعملاً بقوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ [الأنعام:11]؟ الجواب: بعض الأماكن التي هي تاريخية ويقولون عنها: إنها تاريخية وإنها آثار لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصدها، وإذا مر بها أسرع، فعندما مر بوادي محسر أسرع، وأيضاً ديار ثمود لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصدها، ولما ذهب إلى تبوك ومر بها أسرع وقنع رأسه صلى الله عليه وسلم حتى تجاوزها، فلا ينبغي للإنسان أن يسافر من أجل أن يطلع على ديار ثمود -مثلاً- وما إلى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسافر إليها، ولم يرشد إلى السفر إليها، ولما مر بها وهو في طريقه إلى تبوك أسرع إسراعاً شديداً حتى تجاوزها صلى الله عليه وسلم. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
مضاعفة الصلاة في بيت المقدس السؤال: كم تضاعف الصلاة في بيت المقدس؟ الجواب: ورد حديث أنها بخمسمائة صلاة فيما سوى المسجد الحرام والمسجد النبوي. ما تصنعه المرأة إذا جاءها الحيض قبل الإحرام بالعمرة السؤال: جئت للحج ومعي زوجتي فأردنا أن ننطلق من المدينة إلى مكة لأداء العمرة -لأننا متمتعين- إلا أن زوجتي جاءتها الدورة، فكيف تصنع؟ الجواب: تستعد للإحرام وهي حائض، فتغتسل وتلبس الثياب وتنوي العمرة من الميقات وتلبي، وإذا وصلت مكة لا تدخل المسجد حتى تطهر، فإذا طهرت اغتسلت ثم تدخل وتطوف وتسعى وتقصر، وبذلك انتهت عمرتها، فلها أن تحرم وهي حائض ولا بأس بذلك، ولكنها لا تدخل المسجد حتى تطهر. حكم اعتبار أرض الجامعة الإسلامية وحي الفيصلية من الحرم المدني السؤال: هل الجامعة الإسلامية وحي الفيصلية من الحرم؟ الجواب: هذا ليس أمراً واضحاً، فليسا من الحل البين ولا من الحرم البين، والاحتياط للإنسان أن يعاملهما معاملة الحرم، وفي الحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيراً من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه). حكم تسمية مباني الجامعات وأراضيها بالحرم الجامعي السؤال: ما حكم تسمية الجامعة ومساكنها بالحرم الجامعي؟ الجواب: ليس بجيد أن يقال: الحرم الجامعي، إلا إذا كان المقصود به الحريم، مثل حريم البئر، فالبئر لها حريم يلحق بها إذا كانت قديمة وإذا كانت جديدة. وأما أن تكون التسمية بمعنى التحريم الذي حصل لمكة والمدينة فهذا لا يصلح. معنى المخيط الذي لا يجوز للمحرم لبسه السؤال: ما هي ضوابط المخيط الذي لا يجوز لبسه للمحرم؟ الجواب: المخيط مثل الثوب والطاقية والفنيلة والسراويل والجوارب، وسواءٌ أكانت الجوارب مخيطة أم غير مخيطة، فما دام أنها مُحيطة بالرجْل فإنها تمنع ولو لم تخط كأن تكون حيكت حياكة بدون خياطة، فإنه لا يجوز لبسها؛ لأنها محيطة بالعضو وهو الرجل، وكذلك فيما يتعلق باليدين، فلا يجوز للمحرم أن يستعمل القفازين. حكم الصلاة بين السواري السؤال: ما حكم الصلاة بين السواري؟ الجواب: الصلاة بين السواري إذا احتيج إليها بأن امتلأت الصفوف التي قبل السواري وبعدها فإنه يجوز أن يصلى بينها، لكن لا يصلي مجموعة بين الساريتين، وإذا كان المسجد لم يمتلئ فليس للإنسان أن يصلي بين السواري، بل يأتي إلى الكاملة الممتدة المتصلة التي لا تفصلها سواري ولا تقطعها فيصلي فيها. حكم الطواف مع وجود غلبة الظن بخروج الريح السؤال: كنت معتمراً في أواخر رمضان وفي أثناء الطواف غلب على ظني أنه قد خرج مني الريح، فأردت أن أخرج من المسجد للوضوء، لكن كان الزحام شديداً فمضيت في الطواف، فما حكم طوافي هذا؟ الجواب: إذا لم يتحقق المرء خروج الريح منه بأن يشم الرائحة أو يسمع صوتاً فلا يلزمه أن ينصرف، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يخيّل إليه أنه يجد شيئاً في الصلاة فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، وبما أنه لم يتحقق فالأصل الطهارة. موت العلماء من علامات الساعة السؤال: هل موت العلماء من علامات الساعة؟ الجواب: لا شك أن موت العلماء نقص كبير على المسلمين، وفقد العلماء فقد للعلم الذي معهم، وأما كون موتهم من علامات الساعة فقد ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا). وهذا لا شك دليل على أن موت العلماء من علامات الساعة، فرفع العلم -كما هو معلوم- إنما يكون بذهاب حملته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه، ولكن يقبض العلم بموت العلماء)، والحديث هذا يدل على أن موتهم من أشراط الساعة. حكم تقديم الحاج فدية عما يصدر منه من خطأ دون قصد السؤال: هل يمكن للحاج أن يقدم فدية واحدة عن كل ما يمكن أن يصدر عنه من خطأ أو تجاوز دون قصد؟ الجواب: لا يصلح هذا العمل، فالفدية إنما هي إذا وجد الخطأ الذي يستوجب الفدية، فيأتي بفدية تقابله، ولا يأت بها إذا لم تدع إليها حاجة، فإذا وجد الخطأ فإنه يأتي بالفدية التي حُدَّدت لهذا الخطأ الذي حصل منه. جزاء صيد الحرم وقطع شجره السؤال: من صاد صيداً في الحرم أو قطع شجراً فهل عليه جزاء معين أو كفارة؟ الجواب: بالنسبة للمدينة لا نعلم إلا أن الإنسان يستغفر الله عز وجل ويتوب إليه من هذا الخطأ والمعصية التي حصلت منه، وأما بالنسبة لمكة فالكفارة المثل فيما له مثل، وهناك ما ليس له مثل فبالقيمة. حكم استئجار الفنادق للرافضة السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من أوى محدثاً) هل يدخل فيه استئجار الفنادق للرافضة؟ الجواب: من كان ذا بدعة وأمور محدثة في الدين فليس للإنسان أن يُسكنه عنده. حكم إدخال الدش إلى المدينة المنورة السؤال: هل من يدخل الدش إلى المدينة المنورة يكون ممن أحدث فيها أو آوى محدثاً؟ الجواب: لا شك أن فاعل ذلك قد ارتكب أمراً خطيراً عظيماً، فإدخال الدش أمر خطر في أي مكان، وإدخاله إلى الحرمين أخطر؛ لأن الدشات تأتي بقاذورات، وأوساخ العالم كلها. حكم جعل الوكيل في الحج عمرته عن نفسه وحجه عن موكله السؤال: رجل جاء ليحج عن أبيه بعد أن حج عن أمه سابقاً، فهل يمكن أن يؤدي عمرة عن نفسه هو ويجعل الحج عن أبيه؟ الجواب: يمكن للإنسان المتمتع أن يجعل العمرة له والحج لغيره، أو العكس. حكم صيام المتمتع العاجز عن الهدي بمكة قبل الحج السؤال: شخص يريد الحج متمتعاً، فهل له أن يصوم بمكة الثلاثة الأيام قبل الحج إذا كان ليس عنده مال لشراء الهدي؟ الجواب: نعم له ذلك، ولكن يكون صيام هذه الأيام قريبة من الحج، فتكون في السادس والسابع والثامن، أي: قبل يوم عرفة. حكم تقديم سعي الحج على الطواف السؤال: هل يجوز تقديم سعي الحج على الطواف؟ الجواب: على الإنسان أنه يأتي بالطواف قبل الحج وقبل السعي، ولكن لو حصل أنه قدم السعي على الطواف لصح، لكن في الاختيار ينبغي أن يبدأ بالطواف ويختم بالسعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله سائل يوم النحر فقال: سعيت قبل أن أطوف قال: (لا حرج). حكم سعي المفرد قبل الوقوف بعرفة السؤال: رجل سيحج مفرداً، ويريد أن يسعى قبل الوقوف بعرفة، فما حكم فعله؟ الجواب: المفرد يسعى بعد طواف القدوم، فإذا وصل الإنسان مكة طاف طواف القدوم وسعى بين الصفا والمروة، ولا يسعى بعد الحج؛ لأن المفرد والقارن عليهما سعي واحد، ولسعيهما محلان: محل بعد القدوم ومحل بعد الإفاضة، فإن فعله في المحل الأول -أي: بعد القدوم- لا يفعله في المحل الثاني بعد الإفاضة، وإن لم يفعله في المحل الأول -بعد القدوم- تعين عليه أن يفعله بعد الإفاضة، لكن الأولى للإنسان أن يكون متمتعاً لا أن يكون مفرداً؛ لأنه أفضل وأكمل. حكم دفع فدية لبس المرأة القفاز لستة مساكين بعد الرجوع من الحج السؤال: هل يجوز إطعام ستة مساكين فدية لبس القفاز للمرأة بعد الرجوع من الحج؟ الجواب: الهدي والإطعام يكونان بمكة، والفدية تكون بمكة. ما يفعل عن الصغير حال الحج به السؤال: طفل عمره ثلاث سنوات ونوينا له الحج معنا، ولبس ملابس الإحرام، فهل نلبي عنه أو نقول عنه شيئاً أثناء تأدية المناسك؟ الجواب: تنوون عنه الإحرام وأنه دخل في النسك، وترمون عنه الجمار، ويكون موجوداً معكم في باقي المناسك، ففي عرفة يقف معكم، وفي مزدلفة يبيت معكم، وفي منى يكون معكم، وفي الطواف يطوف معكم، وفي السعي يسعى معكم، وفي الرمي ترمون عنه. حدود المدينة من جهة الشرق والغرب السؤال: ذكرت حدود الحرم في المدينة من الشمال إلى الجنوب، فما هي الحدود من الشرق والغرب؟ الجواب: لا نعلم ذلك بالتحديد، لكن ما بين الحرتين جاء به الحديث من جهة الشرق والغرب، وأما ما بينهما فيشك في أنه حرام. والله أعلم. كيفية تقدير زكاة عروض التجارة السؤال: لي محل أقمشة فهل تقدر زكاته من ثمن الشراء أو من ثمن البيع؟ الجواب: تقدر القيمة بالثمن وقت حلول الزكاة، فتقوم السلع بالسعر، ولا ينظر إلى ثمن الشراء، وإنما ينظر إلى قيمتها وقت حلول الزكاة. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [236] الحلقة (267) شرح سنن أبي داود [236] الزواج أمره عظيم، وقد رغب فيه الشرع وحض عليه في حق القادر عليه، ولكون المقصد الأولي منه هو النسل فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج بالولود من النساء، ولكي تدوم العشرة بين الزوجين رغب صلى الله عليه وسلم في نكاح ذات الدين وأمر بالظفر بها دون سائر النساء، كما حث على نكاح الأبكار، وليس هذا إلا عناية من الإسلام بهذا الباب العظيم. التحريض على النكاح شرح حديث (من استطاع منكم الباءة فليتزوج) قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ كتاب النكاح. باب التحريض على النكاح. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه قال: إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بمنى إذ لقيه عثمان رضي الله عنه فاستخلاه، فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة قال لي: تعال يا علقمة . فجئت فقال له عثمان : ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن! بجارية بكر لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد؟ فقال عبد الله : لئن قلت ذاك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) ]. قوله: [ كتاب النكاح ] النكاح في اللغة: هو الضم والتداخل، يقال: تناكحت الأشجار إذا تداخلت وانضم بعضها إلى بعض، وفي الاصطلاح: هو عقد بين زوجين يحل به الوطء، والوطء شرعاً لا يجوز إلا بأحد طريقين: أحدهما: الزواج، والثاني: ملك اليمين، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [ المؤمنون:5-7 ]، فالذي شرعه الله عز وجل في ذلك أمران اثنان لا ثالث لهما، وهما الزواج وملك اليمين، وما سوى ذلك فهو من العدوان، وهو من الخروج عن الحق إلى ما سواه. وعقد المصنف رحمه الله باب التحريض على النكاح، والتحريض: هو الحث عليه والترغيب فيه، وأورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). والحديث حدث به عبد الله بن مسعود بمناسبة ذكرت في الحديث، وهي أن علقمة بن قيس النخعي قال: كنت أمشي مع عبد الله بن مسعود فدعاه عثمان في منى واستخلاه، يعني: خلا به فلم يكن معهما ثالث، فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة دعا علقمة فجاء وجلس معهما، وقال عثمان رضي الله عنه لعبد الله : [ يا أبا عبد الرحمن ! ألا نزوجك بجارية بكر لعله يرجع إليى من نفسك ما كنت تعهد؟! -يعني: من النشاط- فقال: لئن قلت ذاك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) ]. وهذا الذي ذكره علقمة مما حصل بين عثمان و ابن مسعود من الخلوة والانفراد والتحدث ثم قال: [ فلما رأى أن ليس له حاجة ] جاء في بعض الشروح أنَّ معناه: أنه ليس له حاجة في النكاح، وليس هناك شيء من الروايات يدل على هذا المعنى، والذي يظهر هو خلاف ذلك، وهو أنه لما رأى أن الكلام الذي بينهما قد انتهى ولم يبق هناك حديث يكون سراً بينهما دعا علقمة ليجلس بينهما؛ لأن المقصود من الانفراد قد انتهى، فلم يكن هناك حاجة إلى أن يبقيا منفردين، فدعا علقمة فجاء وجلس معهما، وبعد جلوسه معهما قال عثمان رضي الله عنه لعبد الله بن مسعود -وهو أبو عبد الرحمن -: يا أبا عبد الرحمن ! ألا نزوجك بكراً لعله يرجع إليك ما كنت تعهد من نفسك؟ ثم إن عبد الله حدث بالحديث بهذه المناسبة. يقول العلماء في علم المصطلح: إن الحديث إذا كانت له قصة فإنها تدل على ضبط الراوي، فالراوي ضبط الحديث وضبط معه القصة التي كانت فيه، فعلقمة ضبط القصة وحدث بالمناسبة التي جرت وحصلت وعلى أثرها جاء التحديث بالحديث، فهذا من الأمور التي تدل على ضبط الراوي لما رواه. ومثله قول ابن عمر رضي الله عنه: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، فكونه يتذكر الهيئة التي حدثه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عليها -وهي وضع يده على منكبه- يدل على ضبطه للحديث. سبب توجيه الخطاب إلى الشباب في الزواج قوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب) خطاب موجه للشباب، والسبب في ذلك أنهم عندهم القوة والنشاط والدوافع التي تدفعهم إلى ذلك، فكان الخطاب موجهاً إليهم بأنَّ عليهم أن يتزوجوا متى قدروا على ذلك ومتى تمكنوا منه. قوله: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج): الباءة: هي النكاح وما يلزم له، وذلك بأن يكون عنده قدرة على أن يقضي شهوته بالزواج، فمن كان عنده قدرة على النكاح وعلى الزواج فعليه المبادرة إلى ذلك ولا يتخلف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام حث ورغب وحرض على الزواج، وبعض الناس من الشباب أو الشابات قد يتعذرون في بعض الأحوال بأن الزواج قد يؤخرهم أو يكون سبباً في التأخر في الدراسة، فيترك أحدهم الزواج حتى يفرغ من الدراسة، وهذا ليس بصحيح، بل قد يكون الزواج سبباً من أسباب القوة والنشاط في الدراسة، وذلك لأنه يصرفك عن التفكيرات التي كنت تفكر بها فيما يتعلق بالزواج، فيكون عنده الإحصان والعفة، وعنده غض البصر، فيكون ذلك من أسباب نشاطه وقوته في الدراسة، وأما بالنسبة للشابات فإنه قد يكون الأمر في حقهن أخطر فيما يتعلق بالتأخير؛ لأن الفتاة إذا كانت في سن الشباب وفي السن الذي يطلب فيه زواجها ويرغب الشباب والرجال فيها ثم تأخرت عن ذلك وردت الكفؤ لأجل أن تكمل الدراسة فإنها قد تجلب على نفسها خسارة فادحة وخسارة عظيمة، وهي أنها تنصرف الرغبة عنها؛ لأنها تقدمت بها السن، ولأنها مضى عليها وقت ولم تتزوج، والوقت الذي يرغب فيها فيه قد فوتته على نفسها، فعند ذلك تضطر إلى أن تتزوج من شخص لا يكون محل رغبة عندها؛ لأنها فوتت الفرصة على نفسها، فتصبح ضرة شريكة بعد أن كان بإمكانها أن تنفرد بزوج، فترتب على ذلك حصول أضرار لها. فالحاصل أن المبادرة إلى الزواج مطلوبة، فالشاب عليه أن يبادر إلى الزواج متى استطاع إليه سبيلاً، والفتاة إذا تقدم لها كفؤ فإن عليها المبادرة إلى الزواج وعدم التأخير. فوائد الزواج لقد بين عليه الصلاة والسلام شيئاً من الحكم والأسرار والفوائد التي تترتب على النكاح، ومن ذلك غض البصر، فالرجل المتزوج يغض بصره عن النساء، والمرأة المتزوجة تغض بصرها عن الرجال؛ لأنه قد حصل الاستغناء والاكتفاء والإعفاف، وكل قد عف الآخر وأحسن إليه، فترتب على ذلك غض البصر عن النظر إلى ما لا يحل. قوله: (وأحصن للفرج) يعني: أن الإنسان يحصل له بالزواج عفة وإحصان الفرج؛ وذلك قضاء الشهوة وقضاء الوطر، فيكون بذلك قد ظفر بمطلوبه على الوجه المشروع، وسلم من أن يتعرض لأمر محرم، سواءٌ أكان وسيلة أم غاية، فالوسيلة المحرمة هي النظر، كما في الحديث: (العين تزني وزناها النظر) والغاية المحرمة الوقوع في الفاحشة والعياذ بالله. العلاج عند عدم القدرة على الزواج لما حث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ورغب على الزواج والمبادرة إليه لمن قدر عليه أرشد بعد ذلك عليه الصلاة والسلام إلى العلاج لمن لم يقدر على ذلك، فأرشد إلى الصيام؛ لأن الصيام تضعف به القوة والنشاط والرغبة في الجماع، وأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الصيام لأن فيه عبادة وقربة، وفيه حمية من الوقوع في المحذور وحصول الضرر الذي يحصل بقوة الشهوة مع عدم القدرة عليها، فالطريق الصحيح والطريق الشرعي الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو الصيام، فقال: (ومن لم يستطع فعليه فعليه بالصوم) ]، ففيه ترغيب وحث على الصوم لمن لم يستطع الزواج؛ لأنه يحصل بذلك ضعف شهوته وضعف قوته، فتحصل الفائدة الكبيرة من وراء ذلك. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين عظم فائدة الصيام في حق الشاب الذي لا يستطيع الزواج، فقال: (فإنه له وجاء) أي: هو بمثابة الخصاء، والوجاء قيل: هو رض الخصيتين، أي: أنهما لا يستفاد منهما ولا يحصل بسببهما رغبة في النساء، فهو قاطع ومضعف للشهوة، ويكون بمثابة الخصاء الذي يجعل الإنسان لا رغبة له في النساء. فهذا هو المسلك والسبيل الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للتخلص من ذلك الضرر والبلاء الذي قد يحصل للإنسان نتيجة لقوة الشهوة من الاندفاع إلى المحذور والمحرم. مشروعية المخاطبة بالكنى في هذا الحديث أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه خاطب عبد الله بن مسعود بكنيته، وهذا يدل على أن المخاطبة بالكنى صحيحة، وهي أدب كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يخاطب أصحابه بكناهم، وكان الصحابة يكني بعضهم بعضاً في مخاطبتهم، وهو من الآداب الحسنة والأخلاق الكريمة، وهو يؤدي إلى الألفة والمودة، فكون الرجل يخاطب بكنيته هو من الأمور المألوفة التي جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليها أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه ذلك في أحاديث كثيرة، كان يخاطب أصحابه بكناهم، وأمثلته لا تحصى. تراجم رجال إسناد حديث (من استطاع منكم الباءة فيلتزوج) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم ين يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. هل وافق ابن مسعود على الزواج إن هذا الذي عرضه عثمان رضي الله عنه على عبد الله بن مسعود يبين ما يدل على الترغيب فيه، لكن لا نعلم هل وافقه ابن مسعود وافقه على ذلك، فليس هناك ما يدل عليه، وقد كان ابن مسعود من الشباب في وقت مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، والكلام بينه وبين عثمان كان في خلافة عثمان رضي الله عنه، و عثمان رضي الله عنه تولى الخلافة سنة ثلاث وعشرين، ومكث في الخلافة اثنتي عشرة سنة، حيث توفي سنة خمس وثلاثين، و ابن مسعود رضي الله عنه توفي في خلافة عثمان في سنة اثنتين وثلاثين، فمعنى ذلك أن الكلام كان في الفترة التي هي بين ثلاث وعشرين واثنتين وثلاثين. وهنا مسألة وهي: هل لفظ النكاح يطلق على الوطء أو على العقد؟ الجواب: النكاح قيل: إنه يطلق على العقد، وقيل: إنه يطلق على الوطء، وقيل: إنه مشترك بينهما. فمن العلماء من قال: إنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، ومنهم من عكس، والذين يقولون: إن اللغة ليس فيها مجاز يقولون: إنه يطلق كثيراً على كذا ويطلق قليلاً على كذا، وكله إطلاق لغوي صحيح. ومنهم من قال: إنه يطلق بالاشتراك، فهو لفظ واحد يطلق على هذا وعلى هذا، كما يطلق لفظ القرء على الطهر والحيض، وكما يطلق لفظ (عسس) على أقبل وأدبر، وهي من الألفاظ المتضادة، وكما يطلق اسم العين على العين الجارية والعين الباصرة وعلى النقد، فهذا يسمونه مشتركاً لفظياً. وقد رجح بعض أهل العلم أنه حقيقة في العقد، وقال: إنه لم يأت في القرآن إلا بمعنى بالعقد غالباً، وقد جاء بمعنى الوطء في آية، وهي قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [ البقرة:230 ]. وقالوا: إن الذي جاء في السنة من تفسير النكاح بأن المقصود به ذوق العسيلة إنما هو زيادة إيضاح وبيان على العقد، وإلا فإن العقد موجود، ولكن بينت السنة أنه لا يتم حلها للأول إلا إذا وطئها الثاني، وأن مجرد العقد لا يكفي، بل لابد من أن تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم من قال: إنه حقيقة في الوطء؛ لأنه هو الذي يكون به المقصود، وبه حصول الغاية وحصول المطلوب. وقد ترجم الإمام أبو داود للباب فقال: باب التحريض على النكاح، والتحريض هو الحث، ولم يذكر له حكماً من الأحكام التكليفية الخمسة، والعلماء على أن الزواج إنما هو من الأمور المستحبة، وبعض أهل العلم قال: إنه يجب إذا خاف العنت، وأما إذا لم يخف العنت فإنه لا يجب عليه. وكثير من أهل العلم يقولون: إنه لا يجب عليه ولو خاف العنت، ويعتبرونه مستحباً. وقول علقمة : (إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى) يمكن أن يكون في الموسم، لكن هذا يكون بعد التحلل الأخير، فبعد التحلل الأخير يحل للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام، ومعلوم أن الحاج إذا رمى في يوم العيد وحلق وطاف وسعى إذا كان عليه سعي فإنه بعد ذلك يجامع ولو كان في منى. قول علقمة في حديثه: (فاستخلاه) يقصد عثمان مع عبد الله بن مسعود ، وقد جاء النهي عن تناجي اثنين دون الثالث، ومعلوم أنهما لم يكونا جالسين وإنما كانا يمشيان فدعاه عثمان ، وهذا بخلاف ما لو كانا جالسين فيتناجى اثنان دون الثالث؛ لأن ذلك يشق عليه، لكن كانا يمشيان فإنه يختلف عن أن يكونا جالسين. ومعنى قول عثمان لعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما: (لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد) أي: النشاط الذي كان في شبابه، أي: لعله ينشط إذا رأى الشابة ورأى الجارية، فينشط ويعود إلى نشاطه الأول الذي كان يعرف، وهذا يدل على أنه قال له ذلك وهو ليس بشاب؛ لأنه قال: (ما كنت تعهد) يعني: في حال شبابك، فالكلام كان مع كبير وليس مع شاب، ولهذا قال: (لعله يرجع إليك ما كنت تعهد من نفسك). وهذا يدل على أنه لا يعاب الزواج في الكبر، فسويد بن غفلة تزوج وهو فوق المائة، ولكن يتزوج بامرأة بينه وبينها سنوات، لا أن تكون صغيرة، بل تكون امرأة قد انقطع منها النسل أو أنها تنجب لكن تكون كبيرة في العمر. الحث على الزواج بذات الدين شرح حديث (تنكح المرأة لأربع...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين. حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد - قال: حدثني عبيد الله قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تنكح النساء لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب ما يؤمر به من تزويج ذات الدين ]، أي: أن الإنسان يتزوج ذات الدين؛ لأن هذا هو المهم في الأمر، فالأمور الأخرى إذا جاءت مع عدم الدين فلا تكون فائدتها كبيرة، فالمهم هو الدين، وما جاء مع الدين فهو خير وبركة، وإذا وجد الفسق مع وجود الصفات الأخرى فإن هذا خلل كبير ونقص عظيم. وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (تنكح النساء لأربع: لجمالها، ولحسبها، ولمالها، ولدينها) ] هذا إخبار عن الأمور التي تدفع إلى الزواج؛ لأن الجمال من الدوافع، والمال من الدوافع، والحسب من الدوافع، والدين من الدوافع، ولكن المهم في الأمر هو الدين؛ لأن الدين إذا وجد وانضاف إليه أمور أخرى حسنة كان ذلك خيراً على خير، وإذا فقد الدين أو ضعف الدين وضعف الإيمان فإن تلك الأمور لا تصلح وليست لها أهمية؛ إذا يمكن عند عدم الدين الوقوع في أمور محرمة منكرة، لكن الدين هو الذي يمنع من الوقوع في المعاصي، فلهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الدوافع التي تدفع الناس إلى الزواج بالنساء، وأن منها الجمال، ومنها المال، ومنها الحسب، ومنها الدين، ثم إن المسلم أُرشِد إلى العناية والحرص على الظفر بذات الدين، قال صلى الله عليه وسلم: [ (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ]. وهذا هو محل الشاهد من قوله: [ ما يؤمر به من تزويج ذات الدين ]؛ لأن فيه (اظفر): فهو أمر بالزواج بذات الدين والظفر بها، فهذا هو الذي يطابق الترجمة. وقوله: (تربت يداك) هو من الكلمات التي تقال ولا يقصد معناها، والمقصود من ذلك أنه يجدّ ويجتهد في الوصول والظفر بذات الدين. ومعنى الحسب هنا قيل: أن تكون من أهل بيت ذوي شرف ومكانة ومنزلة وسؤدد في قومهم، فهذا من الأشياء التي ترغّب في المرأة، والمهم في الأمر هو الأخير وهو الدين، وهو مسك الختام الذي أرشد إليه وأمر به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (تنكح المرأة لأربع...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد - ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. تزويج الأبكار شرح حديث (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تزويج الأبكار. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتزوجتَ؟ قلت: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً، قال: أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك؟) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في تزويج الأبكار ] يعني: تزوّج الأبكار؛ لأن الأبكار في حال شبابهن تخلو قلوبهن من التعلق بأحد، فيكون في ذلك كمال المودة، وإذا كانت ثيباً فقد يكون هناك تعلق منها بالزوج الأول، وقد يكون هناك شيء من الوحشة بينها وبين الزوج الثاني، فتكون البكر خالية من أن تكون متعلقة بأحد، فيكون هذا زيادة في كمال المتعة واللذة بها؛ لصفاء وسلامة قلبها من أن يكون فيه تعلق بأحد. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أنه تزوج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (أتزوجت؟ قلت: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ فقلت: ثيباً، قال: أفلا بكراً -أي: أفلا تزوجت بكراً- تلاعبها وتلاعبك)، وسبب تزوج جابر رضي الله عنه ثيباً أن والده استشهد في غزوة أحد وترك بنات، فأراد أن يأتي لهن بامرأة كبيرة تحسن رعايتهن والعناية بهن، فآثر مصلحة أخواته على مصلحته رضي الله عنه وأرضاه، فلم يأتِ بواحدة مثلهن في عدم الخبرة والمعرفة والعناية بالبنات، وإنما أتى بامرأة تكبرهن في السن حتى تكون لهن بمثابة الأم، فترعاهن وتمشطهن وتحسن رعايتهن وتقوم بما يلزم من شئونهن، فاختار مصلحة أخواته على مصلحة نفسه، ومحل الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تزوج البكر فقال: [ (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) ]. تراجم رجال إسناد حديث (أفلا بكراً تلاعبها وتلاعبك...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا الأعمش ]. الأعمش مر ذكره. [ عن سالم بن أبي الجعد ]. سالم بن أبي الجعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. النهي عن تزويج من لم يلد من النساء شرح حديث (إن امرأتي لا ترد يد لامس...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء. قال أبو داود : كتب إلي حسين بن حريث المروزي قال: حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن امرأتي لا تمنع يد لامس، قال: غربها، قال: أخاف أن تتبعها نفسي، قال: فاستمتع بها) ]. أورد أبو داود باباً في النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، وهذه الترجمة المقصود بها أن الزواج إنما يكون لحصول الولد وكثرة النسل مع العفة وغض البصر الذي سبق أن مر في حديث ابن مسعود : (فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر). وهنا أيضاً بيان أنَّ من الأمور التي تترتب على الزواج حصول النسل وحصول الولد، والولد لا سبيل إلى حصوله إلا بالزواج وملك اليمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى تزوج الودود الولود، وأخبر أنه مكاثر بهذه الأمة الأمم يوم القيامة. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن امرأتي لا ترد يد لامس، قال: غربها) ] يعني: أبعدها، وذلك أن يطلقها ويتخلص منها، وفي بعض الروايات عند غير أبي داود : (طلقها)، (قال: أخشى أن تتبعها نفسي) ] يعني: أن يتعلق بها، وقد يطلبها بطريق محرم، [ (فقال: أمسكها) ]. وهذا الحديث لا تظهر دلالته على الترجمة في النهي عن تزويج من لم يلد من النساء، ويناسبه الباب الذي سيأتي فيه ذكر حكم الزواج بالزانية. تفسير قوله (لا ترد يد لامس...) قول الرجل: [ (إنها لا ترد يد لامس) ] فسر بثلاثة تفسيرات: التفسير الأول: أنها تستسلم وتنقاد لمن أراد منها الفاحشة. التفسير الثاني: أن ذلك في بذلها وإعطائها وتبذيرها، فالذي يريد منها مالاً أو غيره فإنها تخرج ما عندها. التفسير الثالث: أنها رجلة، فعندها توسع في مخاطبة الرجال والكلام معهم ولا تبتعد عن الرجال، وقد يلمسها الرجال مجرد لمس من دون أن يكون هناك فاحشة، وعلى كل كونها تتوسع في مخاطبة ومخالطة الرجال هذا أمر معيب في النساء. وقد أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يطلقها ويتخلص منها، وجاء في بعض الروايات عند غير أبي داود : (طلقها، قال: أخشى أن تتبعها نفسي، قال: أمسكها). وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أنه يجوز للإنسان -وذلك على التفسير الأول- أن يبقي المرأة الزانية عنده، ومنهم من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقره على إبقاء امرأة غير عفيفة تلوث فراشه، وإنما المقصود من ذلك أنها عندها توسع في مخالطة الرجال ولا تهتم بالابتعاد عنهم، ولعل هذا هو الأقرب؛ لأن كون الرسول يأمره بأن يمسكها وهي زانية فيه ما فيه، فالعفيف لا يتزوج الزانية وإن كان هذا ليس تزوجاً وإنما هو إبقاء على الزواج. وقال بعض أهل العلم: إن هذا فيه إبقاء، وهناك فرق بين الاستدامة وبين الابتداء، لكن لا شك في أن المرأة إذا كانت متصفة بالفاحشة وغير تائبة فليس من اللائق بالمسلم أن يمسك من تكون كذلك بحيث تلوث فراشه. فعلى هذا يحمل -والله تعالى أعلم- على أن المقصود من ذلك التفسير الثالث وهو: أنها ليست لديها صيانة لنفسها من ناحية التبذل ومخاطبة الرجال والتوسع في ذلك. التحمل بالكتابة وحكمه عند علماء الحديث قوله: [ قال أبو داود : كتب إلي حسين بن حريث المروزي ]. هذا فيه دليل على المكاتبة وأنها معتبرة، وأنها من طرق التحمل، وهي طريقة معتبرة سواء في أوائل الأسانيد بين المؤلفين وبين شيوخهم، أو في أعلى الأسانيد، وفي الذكر بعد الصلاة قال: كتب معاوية بن المغيرة بن شعبة فأملى وراد : يعني أملى المغيرة على وراد بالإجابة. فالمكاتبة معتبرة، وهي من طرق التحمل، وهذا الحديث عند أبي داود منها، قال: كتب إلي الحسين بن حريث، وقد جاء عند البخاري في موضع واحد في صحيحه: كتب إلي محمد بن بشار، وقد ذكرت هذا في ضمن الفوائد المنتقاة من فتح الباري، وهناك كتب أخرى ذكرت الموضع الذي ذكره البخاري فيه، وهو الموضع الوحيد، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ليس عنده شيء بالمكاتبة بينه وبين شيوخه إلا في هذا الموضع الذي قال فيه: (كتب إلي محمد بن بشار ). وهذا مثل قول أبي داود هنا: [ كتب إلي الحسين بن حريث ]. تراجم رجال إسناد حديث (إن امرأتي لا ترد يد لامس) قوله: [ كتب إلى الحسين بن حريث ] الحسين بن حريث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا الفضل بن موسى ]. هو الفضل بن موسى المروزي السيناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسين بن واقد ]. الحسين بن واقد ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمارة بن أبي حفصة ]. عمارة بن أبي حفصة ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، و عمارة بن أبي حفصة هذا هو والد حرمي بن عمارة بن أبي حفصة الذي سبق أن مر بنا في حديث ابن عمر : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وسبق أن أشرنا إلى الفائدة التي ذكرت في التقريب في اسمه، وكذلك ذكرها -الحافظ - في (فتح الباري)، وقال: و أبو حفصة اسمه نابت بالنون، وقيل: كالجادة. يعني: ثابت. أي أن التسمية بـ(نابت) قليلة، والتسمية بـ(ثابت) كثيرة، ويأتي التصحيف بين (نابت) و (ثابت) بأن يترك القليل ويؤتى بالكثير وهو ثابت، ولهذا صحفه بعضهم فقال: ثابت، ففي ترجمة حرمي بن عمارة قال: و أبو حفصة اسمه نابت وقيل: بل كالجادة. يعني أن اسمه (ثابت)، وفي ترجمة عمارة في (التقريب): وهو بالنون، وقيل: بالمثلثة، وهو تصحيف كما ذكر ذلك الفلاس . فالتسمية بـ(ثابت) هو الجادة، أي: الذي يكون سهلاً على الألسنة وعلى ما تألفه النفوس لكثرته، بخلاف القليل فإنه قد لا يتنبه له فيظن أنه ليس بصحيح، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث (تزوجوا الودود الولود...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مستلم بن سعيد ابن أخت منصور بن زاذان عن منصور -يعني ابن زاذان - عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا. ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم) ]. أورد أبو داود حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، وهو مطابق للترجمة: فيما جاء في النهي عن زواج من لا تلد، قال معقل بن يسار جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال) ]، هذه من الأمور التي ترغب الناس في النساء، كما مر: (تنكح المرأة لأربع: لحسبها، ولجمالها، ولمالها، ولدينها)، قال: فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعاد عليه فنهاه، ثم قال: [ (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة). فعلى المسلم إذا أراد أن يتزوج أن يبحث عن النسل ولا يتزوج امرأة لا تلد، وقد يعرف أنها لا تلد بكونها قد تزوجت عدة مرات ولم تنجب، وتزوج أزواجها غيرها وأنجبوا، فهذا مما يستدل به على عدم الإنجاب وأنها عقيم، فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تزوج الولود الودود، والولود هي كثيرة الولادة، والودود هي ذات التودد إلى الزوج، ويعرف ذلك بقياس المرأة بقريباتها كأخواتها وأمهاتها وعماتها وخالاتها، ومن يكون من بيتها، وقد يعرف ذلك منها بكونها تزوجت وأنجبت، وعرف أنها ذات مودة، ولكن الذي تزوجها تركها لأمر، أو مات عنها، أو ما إلى ذلك، فيعرف كونها ولوداً إما بحصول ذلك بالفعل، أو أن تتزوج بكراً فتقاس على أخواتها وعلى لداتها. قوله: (فإني مكاثر بكم الأمم)، أي: أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن تكون أمته أكثر الأمم يوم القيامة. تراجم رجال إسناد حديث (تزوجوا الودود الولود) قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي البغدادي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا مستلم بن سعيد ابن أخت منصور بن زاذان ]. مستلم بن سعيد صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب السنن. قال أبو داود : [ حدثنا الحسن بن علي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: رأيت مستلماً فكان يقع يمنة ويسرة. قال الحسن بن علي : لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة. قال أبو داود : مستلم بن سعيد ابن أخي وابن أخت منصور بن زاذان مكث سبعين يوماً لم يشرب الماء ]. [ عن خاله منصور بن زاذان ]. منصور بن زاذان أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، وقد ذكر في ترجمته أن أحد العلماء قال: لو قيل لمنصور بن زاذان : إن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أن يأتي بشيء جديد، ومعناه أنه مستعد للموت بعبادته واستقامته والتزامه، فلن يأتي بشيء جديد ولو كان ملك الموت بالباب. وهذا يدل على فضله وعبادته، وهذه من الكلمات الجميلة التي تأتي في أثناء التراجم، والحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) يسوق في بعض التراجم كلاماً جميلاً عن أصحاب تلك التراجم إذا كان لهم كلام جميل، فيذكر ذلك مما فيه حكم وعبر وعظات، وهي كلمات عظيمة نافعة تكتب بماء الذهب لحسنها، وهي كلمات مضيئة جميلة تدل على معنى صحيح، وقد كان شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كثيراً ما يطلب (البداية والنهاية) ويقرأ في تلك التراجم ويبكي -رحمة الله عليه- إذا سمع تلك الكلمات الجميلة المؤثرة التي فيها عبر وعظات. [ عن معاوية بن قرة ]. معاوية بن قرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معقل بن يسار ]. هو معقل بن يسار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة أهمية كتب التراجم لطالب العلم السؤال: نود الكلام على أهمية كتب التراجم لطالب العلم، وهل الأفضل في هذا الباب كتاب سير أعلام النبلاء أم البداية والنهاية؟ الجواب: لا يقال: الأفضل هذا أو هذا، وإنما كتب العلم يكمل بعضها بعضاً، وفي هذا ما ليس في هذا، فعلى الإنسان أن يحرص على أن يقرأ في هذا وفي هذا؛ ليحصل على ما عند هذا وهذا من العلم، فقد يأتي في هذا ما ليس في ذلك، فكون الإنسان يقتني (سير أعلام النبلاء) للذهبي ، أو (يقتني البداية والنهاية)، أو يقتني غيرها من كتب التراجم فهذا أمر طيب، فعلى طالب العلم أن يحرص عليه؛ لأنَّ من أهم المهمات الوقوف على تراجم الرجال وأحوالهم ومنزلتهم من حيث الثقة والضعف، ومن حيث قبول الرواية وعدمه، وليس أمام الناس في هذا إلا كتب الرجال، فكتب الرجال هذه من المهمات في معرفة الرجال، فهي التي تعنى بذلك وتهتم به، فعلى الطالب أن يقتنيها حتى يقف على ما فيها من الكنوز المدفونة في هذه التراجم. وقد يأتي في الكتاب أحياناً فوائد لا يحصلها الإنسان إلا بأن يقرأ الكتاب كاملاً فيحصلها أو يعثر عليها قدراً، وذلك في مثل كتاب (فتح الباري)، فكتاب (فتح الباري) ليس كتاب تراجم، ولكنه يشتمل على ذكر التراجم عندما يذكر الإسناد، فيعرف بالرجل بعبارات دقيقة ومختصرة، وهو مشتمل على علم جم، فالإنسان يحرص على كتب العلم، سواءٌ أكانت كتب رجال أم غيرها، وعليه أن يقرأها ويطلع على ما فيها من الحكم التي تحرك القلوب، وتؤثر في النفوس، والتي تجعل الإنسان يعرف ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الاستقامة وملازمة التقوى والعبادة، ومن الاشتغال بالعلم وبذله، فهناك كلمات عظيمة وكنوز مدفونة يجدها الإنسان في هذه الكتب، فالذي أوصي به هو اقتناء كتب الرجال، والعناية بها، ومطالعتها، والاستفادة منها؛ ففيها الخير الكثير. حكم الزواج بالمرأة العقيم السؤال: هل النهي عن تزوج من لا تلد للكراهة أم للتحريم؟ الجواب: الذي يبدو أنه للكراهة وليس للتحريم؛ لأن هذه المرأة أيضاً هي بحاجة إلى ما يحتاج إليه النساء الأخريات، وإذا كان الله عز وجل لم يحقق لها إحدى النتائج والفوائد التي تترتب على النكاح فإنها لابد لها من ذلك حتى تغض البصر وتحصن الفرج، وهذا موجود عندها، وأما أن الزواج بها محرم لا يجوز فلا، وإنما المقصود به التنزيه. حكم الصلاة خلف الحاكم المبتدع الظالم السؤال: ما حكم الصلاة خلف حاكم عنده ابتداع ومخالفة للسنة وعنده ظلم؟ وإذا اضطر الإنسان إلى الصلاة خلفه فهل يجوز له أن يصلي بنية الإنفراد؟ الجواب: الحكام وغير الحكام لا يخلون من أمرين: إما أن يكون عندهم كفر وخروج من الملة، فهؤلاء لا يجوز أن يُصَلَّى وراءهم؛ لأن الكافر لا صلاة له ولا تصح صلاته؛ فلا تصح إمامته، وأما من لم يصل إلى حد الكفر وعنده فسق أو عنده بدع غير مكفرة فتصح صلاته وصلاة من وراءه؛ لأن من صحت صلاته صحت إمامته، فيُصَلَّى وراءه ولا يُنْفَرد عنه، وأما الكافر فلا يجوز أن يصلى وراءه؛ لأن صلاته غير صحيحة فصلاة من وراءه لا تكون صحيحة. معنى قطع اليد فيما يبلغ ثمن المجن بعد حرزه في الجرين السؤال: جاء في الحديث: (ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤيه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع)، فما معنى هذا الكلام؟ الجواب: الجرين هو المكان الذي يحرز فيه الثمر بعدما يجذ، فإنه يجمع في داخل بنيان ويوضع في الشمس ويجفف، كما أن المكان الذي يوضع فيه الحب والحنطة يسمى البيدر، فهذا يسمى البيدر وذاك يسمى الجرين، وكلها أماكن لحفظ الثمر بعد حصاده، وفيها يصفى وينقى ويتميز الحب عن غيره من القشور. فإذا أُدخل في الحرز ثم جاء أحد وسرق منه قدر ثمن المجن فعليه القطع؛ لأنه سرق ما يقطع به من حرزه، فالجرين هو الحرز. وقوله: (ثمن المجن) المجن هو آلة يتترس بها في الحرب، وهي جنة ووقاية، وأصله (مجنن) من أسماء الآلة، وقوله: (ثمن المجن) يعني: ما يبلغ ثمن المجن، قيل: إن قيمته ثلاثة دراهم، وهي ربع دينار. الأخوة الإسلامية وثبوتها للمبتدعة السؤال: هل تثبت أخوة الدين للخوارج؟ الجواب: الأخوة بين المسلمين موجودة وقائمة ما دام أنهم لم يكفروا، ولهذا قال الله عز وجل: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [ الحجرات:9-10]، فالبدعة التي لم تصل إلى حد الكفر لا تمنع من الأُخوة الإسلامية، ولكنها أخوة فيها نقص ومعها بغض، ففيها محبة لما عندهم من الإيمان وبغض لما عندهم من الفسوق والعصيان. حكم اشتراط الكفاءة في النسب في الزواج السؤال: هل يؤخذ من حديث أبي هريرة في الحض على زواج ذات اليدين عدم اشتراط الكفاءة في النسب؟ الجواب: أهم شيء في الكفاءة هو الدين، فالعفيف يتزوج العفيفة، وهذا من التكافؤ في الدين، وبعض أهل العلم يقول: إن التزوج ممن يكون له سؤدد وله شرف ومنزلة هذا مما يرغب فيه، وهو من الأشياء التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها التي تدفع الناس إلى ذلك، وبعض أهل العلم يقول: إن العرب أكفاء للعرب، وإن الموالي لا يكونوا أكفاء لهم. ولكن الحديث أرشد إلى شيء وهو الدين، فالمهم هو الدين وما سواه فأمره هين، لكن إذا كان عدم التكافؤ بين الموالي وبين العرب يترتب عليه فتن وشرور وتقاطع فالباب واسع بحمد الله، فعلى الإنسان أن يقدم على شيء لا محذور فيه ولا يترتب عليه فتنة، وإذا لم يترتب على ذلك شيء فإن المهم هو الدين، وما سوى ذلك فأمره سهل. حكم الزواج بغير المستقيمة بغية إصلاحها السؤال: هل يجوز أن يتزوج الرجل بامرأة غير متدينة إذا كان يرجو أن يقومها ويحملها على الالتزام؟ الجواب: لا بأس بذلك إذا لم تكن مرتكبة للفاحشة، فالعفيف لا ينبغي له أن يتزوج فاجرة؛ لأنها قد تلوث فراشه، وقد يحصل منها أمور منكرة، لكن إذا كان هناك نقص وخلل وأراد أن يصلحها فلكل امرئٍ ما نوى، ولكن كونه يختار له امرأة دينة وسليمة لا شك أنَّه هو الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. ثم أيضاً قد تكون النتيجة عكسية، فقد تجره إلى شر ويكون كمن يريد أن يصطاد فيُصاد، ولهذا كان الزواج بالمسلمات وعدم التزوج بالكتابيات هو الأولى وإن كان التزوج بالكتابيات جائزاً، إلا أن الزواج بالمسلمة أولى من الزواج بالكتابية؛ لأن الكتابية يمكن أن يفيدها ويمكن أن تضره، وقد يكون بينهما أولاد ثم تكون فرقة، فيترتب على ذلك أضرار وأخطار. قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) شرح حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم مرثداً عن نكاح البغي عناق قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً [النور:3]. حدثنا إبراهيم بن محمد التيمي حدثنا يحيى عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها: عناق، وكانت صديقته، قال: (جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله! أنكح عناقاً ؟ قال: فسكت عني، فنزلت: وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3]، فدعاني فقرأها علي وقال: لا تنكحها) ]. قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في قوله تعالى: وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3] ]. هذه الآية الكريمة تدل على أن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وقد ذكر أبو داود هذه الترجمة وأورد هذا الحديث تحتها لبيان أن الزواج بالزانية لا يجوز؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه. حكم الزواج بالزانية وأقوال العلماء فيه وقد اختلف العلماء في حكم الزواج بالزانية: فمنهم من قال: إنه يجوز أن يتزوج العفيف بالزانية؛ لأنها من جملة إماء المسلمين وجملة الأيامى اللاتي قال الله تعالى فيهن: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32]، فيدخل في ذلك الزواني وغير الزواني. وقال بعض أهل العلم: إن العفيف لا ينكح الزانية، وإنما ينكحها زانٍ مثلها، وقد جاء في الحديث الذي بعد هذا: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله)، فمعناه إذاً أن العفيف لا يتزوج الزانية، وأن الزاني له أن يتزوج الزانية؛ لأن اشتغالهما بالحلال خير من اشتغالهما بالحرام. ومن العلماء من قال: إن هذه الآية الكريمة ليست في الزواج وإنما هي في الوطء، والمقصود بها أن الزاني لا يطأ زانية أو مشركة، أي: لا يزني إلا بزانية أو مشركة، فالمراد بالنكاح هنا الوطء؛ لأن الله قال: (( إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )) قالوا: فقد جاء ذكر المشرك، والمشرك لا يمكن بحال أن يعقد على مسلمة، فلا يجوز للمشرك أن يتزوج مسلمة ولا يجوز للمسلمة أن ينكحها مشرك، فقالوا: فالنكاح هنا يراد به الوطء، وعلى هذا فالزاني لا يطأ إلا زانية، يعني: فاجرة مثله، أو مشركة لا تعترف بحلال ولا حرام، وكذلك العكس: (( وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ )) مثلها (( أَوْ مُشْرِكٌ )) لا يفرق بين الحلال والحرام، ويستحل الزنا. قالوا: فذكر المشرك هنا يدل على أن المراد به الوطء. ولكن الحديث الذي أورده المصنف هنا في سبب نزول الآية وهو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلاها عليه وقال: [ (لا تنكحها) ] يدل على أن المقصود بذلك الزواج. وقد تكلم شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى على هذه الآية في (أضواء البيان) وقال: إن هذه من أصعب المسائل؛ لأن القرينة التي في الآية تدل على أن المراد بالنكاح الوطء، وسبب النزول يدل على أن المراد بالنكاح الزواج، قال: والتخلص -يعني: من هذا الإشكال- صعب ولا يتم إلا بنوع من التكلف والتعسف، ثم أشار إلى شيء من ذلك وقال: إن النكاح يحمل على أنه مشترك في المعنيين، فيطلق على الوطء وعلى النكاح، فيكون المراد به النكاح باعتبار والوطء باعتبار. ومعنى ذلك أنه إن قصد به الوطء في الزنا فذلك لدلالة ذكر المشرك عليه، فيكون المراد به الوطء لقرينة ذكر المشرك، والحديث الذي ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن أن يتزوجها يدل على أن المراد بذلك الزواج، فتكون الآية تفسر بالمعنيين، فتحمل على المعنيين الذين يدل عليهما اللفظ بالاشتراك، وهما: الوطء والزواج. والحاصل أن الزواج بالزانية من العفيف لا يجوز كما يدل عليه الحديث، وأما زواج الزاني بالزانية فإنه سائغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) في الحديث الآتي، وقوله: (المجلود) يعني: أنه ظهر زناه وتحقق لوجود الجلد فيه، فالزاني الذي تحقق زناه لا ينكح إلا مثله. فالذي يظهر أن العفيف لا يتزوج الفاجرة الزانية، وأما الزاني فإنه يتزوجها بدلاً من أن يشتغلا بالحرام. وأما الحديث ففيه أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة، وكان هناك بغي بمكة يقال لها: عناق، وكانت صاحبته، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في زواجها فتلا عليه الآية وقال له: [ (لا تنكحها) ] ، فيدل على أن العفيف لا يجوز له أن ينكح الزانية، وأن الزاني له أن ينكح الزانية التي تكون مثله، وأما المشرك فإنه لا يجوز له أن ينكح المسلمة مطلقاً لما جاء من نصوص الكتاب والسنة في ذلك. والمراد بكون العفيف لا يتزوج الزانية هو قبل توبتها، وأما إذا تابت فالتوبة تجب ما قبلها، والله تعالى يتوب على من تاب، وللعفيف أن يتزوجها. تراجم رجال إسناد حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم مرثداً عن نكاح البغي عناق قوله: [ حدثنا إبراهيم بن محمد التيمي ]. إبراهيم بن محمد التيمي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن الأخنس ]. عبيد الله بن الأخنس صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب ، وهو صدوق أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و(الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو جد شعيب ، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و أبو معمر قالا: حدثنا عبد الوارث عن حبيب حدثني عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله). أورد أبو داود حديث أبي هريرة : [ (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) ] وهذا يدل على أن الزاني ينكح الزانية، وذلك في حال كونهما غير تائبين، وأما إذا كانا قد تابا فإن التوبة تجب ما قبلها، فالعفيف له أن يتزوج الزانية إذا تابت، وكذلك العكس. وقوله: (المجلود) أي: الذي أقيم عليه الحد وتحقق زناه، وليس له مفهوم من ناحية أن الذي لم يجلد لا يكون كذلك بل هو مثله، فالمجلود وغير المجلود سواء، لكنه ذكر المجلود لأن به تحقق وجود الزنا، والجلد كفارة له، لكن إذا لم يتب كان كفارة عن الذنب الذي حصل منه فحسب، أما إذا أصر فلا يكفر الجلد إصراره ولا يزوج بالعفيفة، ولكن إن حصل أن زانياً عقد له على عفيفة فإنه يصلح العقد ولا يقال: إن العقد باطل، وإن كان ليس كفؤاً لها. وأما العفيف فقد أجاز له كثير من العلماء الزواج بالزانية استدلالاً بقوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ.. [النور:32]. تراجم رجال إسناد حديث (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) قوله: [ قال: حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و أبو معمر ]. هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب ]. هو حبيب المعلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري ]. عمرو بن شعيب قد مر ذكره، و سعيد المقبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. [ وقال أبو معمر : حدثني حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب ]. يعني: أن اللفظ الذي ساقه هو على لفظ الشيخ الأول وهو مسدد ، ثم أخبر عن الشيخ الثاني، فالرواية عن أبي معمر جاءت بزيادة لفظ (المعلم) إضافة إلى حبيب ، وأيضاً الأول بلفظ (عن) وهنا بلفظ التحديث. الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها شرح حديث (من أعتق جاريته ثم تزوجها كان له أجران) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يعتق أمته ثم يتزوجها. حدثنا هناد بن السري حدثنا عبثر عن مطرف عن عامر عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أعتق جاريته وتزوجها كان له أجران) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في الرجل يعتق أمته ويتزوجها ] أي: أن ذلك صحيح وفيه أجر عظيم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أبي موسى : (كان له أجران) يعني: أجر على عتقه وأجر على إحسانه إليها بالعتق والزواج، حيث تزوجها وصار لها حق القسم بعد أن كانت لا قسم لها، فأحسن إليها بأن نقلها من حالة أنه لا قسم لها إلى حالة أنها من جملة الزوجات اللاتي يقسم لهن، فيكون له أجران: أجر على إعتاقه وإحسانه إليها بالعتق، وأجر على إحسانه إليها بالزواج، وكونها صارت من جملة زوجاته اللاتي لهن حق القسمة. تراجم رجال إسناد حديث (من أعتق جاريته ثم تزوجها كان له أجران) قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبثر ]. عبثر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، فكل رجال هذا الإسناد أخرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا هناداً فلم يخرج له البخاري في الصحيح، وإنما خرج له في (خلق أفعال العباد). شرح حديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعله عتقها صداقها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن قتادة و عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية رضي الله عنها، وجعل عتقها صداقها) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج صفية وجعل عتقها صداقها، و صفية هي بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها أم المؤمنين، وقد كانت أمة فاعتقها، فالنبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقها صداقها، فدل ذلك على ما ترجم له المصنف من الإعتاق والزواج، وأنه يكون قد أحسن بذلك إحسانين، وأنه يجوز أن يجعل العتق صداقاً؛ لأنه نعمة أنعم بها عليها، وقد اختلف العلماء في ذلك هل هو خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه له ولغيره، والقول بالخصوصية يحتاج إلى دليل، فالصحيح أن ذلك سائغ وجائز، وأنه ليس من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: (أعتق صفية وجعل عتقها صداقها). يعني: أعتقها وتزوجها، وعتقها هو صداقها. تراجم رجال إسناد حديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعله عتقها صداقها قوله:[ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبد العزيز بن صهيب ]. عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، فقتادة و عبد العزيز في درجة واحدة، فهو إسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [237] الحلقة (268) شرح سنن أبي داود [237] لقد بيّن الشرع أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، وأن أحكام الرضاعة كأحكام النسب، فالمرضعة تصير أماً للرضيع، وزوجها -وهو صاحب اللبن- يصير أباً للرضيع، وأولادها يصيرون إخواناً للرضيع، وهكذا تنتشر المحرمية في الأصول والفروع. يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب شرح حديث: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) قال رحمه الله تعالى: [ باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) ]. أورد أبو داود هنا باب [يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب] يعني: أن الرضاعة -وهي سبب من الأسباب- يحصل بها التحريم مثلما يحصل بالنسب، فإذا رضع طفل من امرأة خمس رضعات فأكثر فإنه يصير ابناً لها، وأخواتها خالات له، وأولادها إخواناً له، وهكذا، بل إن صاحب اللبن الذي هو الفحل يكون أباً له من الرضاع، وجميع أولاده من زوجات متعددة يكونون -أيضاً- إخواناً لهذا الرضيع، والتي أرضعته لو كان لها أولاد من أزواج متعددين فإنهم يكونون إخواناً له ولو كانوا من أزواج متعددين، وهو أيضاً أخ لأبناء صاحب اللبن ولو كانوا من زوجات متعددات. وأوراد أبو داود هنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها [ (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولاة) ]. تراجم رجال إسناد حديث: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذان الاثنان من فقهاء السبعة، وهنا يروي أحدهما عن الآخر. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث عرض أم حبيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج بأختها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها (أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! هل لك في أختي؟ قال: فأفعل ماذا؟ قالت: فتنكحها، قال: أختك؟! قالت: نعم، قال: أوتحبين ذاك؟! قالت: لست بمخلية بك، وأَحبُّ من شركني في خير أختي، قال: فإنها لا تحل لي، قالت: فوالله! لقد أُخبرتُ أنك تخطب درة أو ذرة -شك زهير - بنت أبي سلمة ، قال: بنت أم سلمة ؟! قالت: نعم، قال: أما والله! لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتنني وأباها ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة أم حبيبة بنة أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وكل منهما من أمهات المؤمنين، و أم سلمة هي هند بنت أبي أمية ، و أم حبيبة هي رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عن الجميع، قالت أم حبيبة للرسول صلى الله عليه وسلم: [ (هل لك في أختي؟) ] أي: تعرض عليه أختها، قال: [ (فأفعل ماذا؟) ] يعني: هذا العرض ما هو المقصود منه؟ [ (قالت: فتنكحها، قال: أختك؟! قالت: نعم، قال: أو تحبين ذلك) ] يعني: أن تكون ضرة لك، [ (قالت: لست بمخلية بك) ] أي: ما أنا بمنفردة بك فغيري قد شاركني فيك، وأَحبُّ من شاركني في خير أختي، فما دام أني لست منفردة بك وأن المشاركة حاصلة فأحب من شاركني في خير أختي، فهي تحب لها الخير، وهو أن تكون أماً للمؤمنين، وتكون زوجة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (فإنها لا تحل لي) ]؛ لأن الجمع بين الأختين لا يجوز، فالله تعالى يقول: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء:23] عطفاً على قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]. فلما قال لها ذلك قالت: [ (فوالله لقد أخبرت أنك تخطب درة -أو ذرة) ] تعني بنت أبي سلمة ، وهذا فيه أن الأخبار أحياناً قد تظهر وليس لها أساس ولا أصل، بل هي إشاعات فإن هذا لم يحصل ومع ذلك بلغها، وقد تكون هذه الإشاعة حصلت من المنافقين ومثل هذه الإشاعة التي ليس لها أساس ما حصل من الإشاعة بأن النبي طلق نساءه في قصة عمر المشهورة حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تأثر، فانتهر حفصة ، ثم سأل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبر عن مكانه، فذهب إليه وقال: يا رسول الله! أطلقت نساءك؟ فقال: لا، فكبر عمر ، أي: فرح لكون ذلك الخبراً ليس له أساس. وهنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بقوله: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري فإنها لا تحل لي من جهة أخرى، وهي جهة الأخوة من الرضاعة؛ لأن ثويبة مولاة أبي لهب أرضعتني وأباها، فهناك مانعان يمنعان من الزواج: أولاً: كونها ربيبة، والله تعالى يقول في ذكر المحرمات من النساء: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]، ثانياً: الرضاع، فهي ابنة أخيه من الرضاع. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجه كلاماً إليهن وإلى غيرهن فقال: [ (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)]، وهذا يتعلق بالذي حصل الإخبار والإشاعة عنه، فأم حبيبة عرضت أختها، وذكرت أنه يريد أن يخبط ربيبته، فقال: (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن). وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تعرضن علي بناتكن) يدل على أن الربيبة وبنات الربيبة لا تجوز، فبنات الربيبة ربائب لا يجوز لزوج المرأة أن يتزوجهن؛ لأنهن داخلات تحت قوله: (بناتكن)؛ لأن بنت ابن الزوج بنت للزوجة، وبنت بنت الزوجة بنت لها، فالبنوة موجودة في الجميع، فليس الأمر مقصوراً على البنت المباشرة، بل أيضاً بنات البنات وبنات الأبناء كلهن ربائب، وهن داخلات في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تعرضن علي بناتكن). وأما القيد الوارد في قوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:2] فهو قيد أغلبي؛ إذ الغالب كونها في حجر الزوج، وإلا فإن بنت الزوجة -سواء أكانت في حجر الزوج أم لم تكن- داخلة تحت الربائب المحرم الزواج بهن، وذكر الحجور إنما جاء بناءً على الغالب، فلا مفهوم له. وثويبة المذكورة في الحديث هي مولاة أبي لهب ، وقد جاء في عقب حديث في صحيح البخاري أنه يخفف عنه العذاب يوماً؛ لاعتاقه لها حين بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه أثر منقطع غير متصل. تراجم رجال إسناد حديث عرض أم حبيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزواج بأختها قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة عن زينب بنت أم سلمة ]. عروة مر ذكره، وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. لبن الفحل شرح حديث عائشة في جواز دخول عمها من الرضاعة عليها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في لبن الفحل. حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخل علي أفلح بن أبي القعيس فاستترت منه، قال: تستترين مني وأنا عمك! قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي. قالت: إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل! فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدثته فقال: (إنه عمك، فليلج عليك) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى [ باب في لبن الفحل ] يعني أنه ينشر الحرمة من جهة الرجل كما تنشر الحرمة من جهة المرأة المرضعة، فالمرضعة هي التي تحلل اللبن منها، وأما الرجل فلأنه هو السبب في وجود اللبن، لذا جاء الحكم الشرعي بأن التحريم يكون من جهة المرضعة ويكون -أيضاً- من جهة صاحب اللبن، فإذا رضع طفل من امرأة صار ابناً لها وأخاً لجميع أولادها ولو كانوا من أزواج متعددين، وأيضاً هو أخ لأولاد زوجها ولو كانوا من زوجات متعددات؛ لأن لبن الفحل معتبر. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن أفلح بن أبي القعيس -أو أخا أبي القعيس كما جاء في الصحيحين وفي غيرهما- دخل على عائشة فاستترت منه، يعني: احتجبت منه وامتنعت منه، فقال: تفعلين ذلك وأنا عمك! قالت: من أين؟ قال: إن امرأة أخي أرضعتك، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ليلج عليك) يعني: ليدخل عليك فإنه محرم من محارمك، فدل هذا على اعتبار لبن الفحل، وأن الحرمة لا تكون مقصورة على جهة المرضعة وهي الزوجة، بل كذلك الزوج الذي هو السبب في وجود اللبن فإنه معتبر، وعلى هذا تكون الأخوة من الرضاعة كالأخوة من النسب، فيكون الرضيع أخاً شقيقاً من الرضاع، وأخاً لأب من الرضاع، وأخاً لأم من الرضاع. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في جواز دخول عمها من الرضاعة عليها قوله: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة ]. قد مر ذكرهم جميعاً. شرح حديث: ( انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في رضاعة الكبير. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة . ح: وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها -المعنى واحد- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها وعندها رجل -قال حفص : فشق ذلك عليه وتغير وجهه، ثم اتفقا- قالت: يا رسول الله! إنه أخي من الرضاعة! فقال: (انظرن من إخوانكن؛ فإنما الرضاعة من المجاعة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها رجل فتغير؛ لأنه لا يعرف بالصلة والقرابة لها، فقالت: (إنه أخي من الرضاعة! فقال: انظرن من إخوانكن من الرضاعة) ] يعني: تحققن من هذه القرابة، فليس كل رضاعة تؤثر، فإنما الرضاعة من المجاعة، وهذا يدل على أن الرضاع الذي يحرم هو ما كان في الحولين، والذي يكون به تغذية الطفل وبناء جسمه، وأما إذا كان كبيراً لا يتغذى باللبن فإنه لا يحصل التحريم. فإذاً الذي يفهم من قوله: [ (فإنما الرضاعة من المجاعة) ] أن رضاع الكبير لا يعتبر، وإنما الذي يعتبر هو رضاع الصغير الذي ينفعه الرضاع ويغذيه، أما من يتغذى باللحم والتمر وبالطعام وما إلى ذلك فهذا لا يكون غذاؤه اللبن الذي يكون من المرأة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاحتياط في تحقق هذه القرابة وثبوت هذه القرابة، وأنه ليس كل قرابة تكون معتبرة، بل إنه سيأتي أنه ليس كل رضاعة معتبرة، بل لابد من وصول إلى عدد معين، وهو خمس رضعات فأكثر، وإذا نقص عن ذلك فإنه لا يحرم يعني، حتى في الحولين إذا كان الرضاع أقل من خمس فلا يعتبر، ورضاع الكبير قل أو كثر لا يعتبر، وإنما الذي يعتبر أن يكون في زمن الحولين ومن المجاعة وبرضعات خمس فأكثر. تراجم رجال إسناد حديث: ( انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة ) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن أشعث بن سليم ]. هو أشعث بن سليم بن أبي الشعثاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها. شرح حديث ابن مسعود: ( لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر أن سليمان بن المغيرة حدثهم عن أبي موسى عن أبيه عن ابن لعبد الله بن مسعود عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم. فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم ]، ومعنى (شد العظم): أي: قواه وحصلت به قوته، والمراد أن الرضاع يحصل به الغذاء، وذلك إنما يكون في الحولين، فهو مطابق لما تقدم من جهة أن الرضاعة من المجاعة، وهذا إنما يكون في الصغر، وأما في حال الكبر فالتغذي إنما يكون بغير حليب ولبن المرأة. وهذا أثر موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه، وقد جاء من طريق أخرى ذكرها المصنف بعد هذا، وهي مرفوعة ولكنها غير صحيحة؛ لأن فيها مجهولاً، وأما الطريق الأولى ففيها ما في الثانية، إلا أنه جاء من طريق أخرى عند البيهقي شاهد موقوف على ابن مسعود ، فيكون الأثر قد صح موقوفاً على عبد الله بن مسعود ولم يصح مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ الألباني ذكر الطريق الثانية وبين أنها ضعيفة من جهة أنها مرفوعة، وأثبت الطريق الأولى، وقد ذكر ذلك وأوضحه في (إرواء الغليل)، فقد ذكر الطريق التي تشهد للطريق الموقوفة. تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: ( لا رضاع إلا ما شد العظم، وأنبت اللحم ) قوله: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر ]. عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أن سليمان بن المغيرة ]. سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو الهلالي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. ذكروا أنه مجهول وأن ابنه مجهول، وكذلك ابن عبد الله بن مسعود الذي يروي عنه أيضاً مجهول؛ لأنه غير مسمى وغير معروف. [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود ، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ فقال أبو موسى : لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. أبو موسى ليس الذي في الإسناد، وهو أبو موسى الأشعري. وهذا والحديث فيه اختصار، وأصله -كما ذكر الشيخ الألباني في بعض الطرق- أن رجلاً كان عنده طفل لم يرضع، فمص أبوه من ثدي الأم ليرضعه فوجد طعمه في حلقه، فجاء إلى أبي موسى الأشعري فقال: حرمت عليك، ثم ذهب إلى ابن مسعود فقال: [ لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم ]، فقال أبو موسى : [ لا تسألونا وهذا الحبر فيكم ]. فالأثر هنا فيه اختصار مخل؛ لأنه يوهم أن أبا موسى الأشعري هو الذي في الإسناد، مع أن أبا موسى الذي في الإسناد متأخر؛ فيكون الإسناد على هذا ثلاثياً؛ لأنه هو الثالث في الإسناد. شرح حديث ابن مسعود من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سليمان بن المغيرة عن أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، وقال: (أنشز العظم) ]. أورد أبو داود الأثر من طريق أخرى، ولكنه هنا مرفوع، وقال بدل قوله: (شد العظم) قال: (أنشز العظم)، وهو بمعناه. قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن المغيرة عن أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود ]. وقد مر ذكرهم. من رأى التحريم برضاع الكبير شرح حديث رضاع سالم مولى أبي حذيفة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من حرم به. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثني يونس عن ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أم سلمة رضي الله عنها أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنى سالماً رضي الله عنهما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيداً ، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ إلى قوله: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]، فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولىً وأخاً في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت: يا رسول الله! إنا كنا نرى سالماً ولداً، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلى، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أرضعيه)، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة : والله! ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسالم دون الناس ]. أورد أبو داود [باب من حرم به] يعني: برضاع الكبير؛ لأن الضمير يرجع إلى ما جاء في الترجمة السابقة: [باب في رضاعة الكبير]، ثم قال بعد ذلك: [باب من حرم به] أي: برضاع الكبير، فرضاعة الكبير عنده يحصل بها التحريم إذا كانت بخمس رضعات فأكثر. وأورد أبو داود حديث عائشة و أم سلمة في ذلك، وهو أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالماً، وهو مولى لامرأة من الأنصار، وكان يقال له: مولى أبي حذيفة لا لأنه أعتقه، ولكن لكونه تبناه وكان يسكن معه، فقيل له: مولاه، وكان قبل ذلك ينسب إليه، وزوجه ابنة أخيه، ولما نزلت الآيات فيما يتعلق بمن يتبنون، وأن الأمر قد اختلف عما كان عليه من قبل، ونسخ ما كانوا يحصل من التبني ونسبة الرجل إلى من تبناه، وكذلك كونه يحصل توارث، وجاء الحكم بنسخ ذلك قالت سهلة بنت سهيل بن عمرو -وهي زوجة أبي حذيفة - كنا نرى سالماً ولداً لنا، وإنه كان يأوي معي ومع أبي حذيفة ، وإنه يراني فضلى فماذا ترى؟ قال: [ (أرضعيه) ]، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاع؛ لأنه رضع منها خمس رضعات، فكانت عائشة رضي الله عنها ترى أن الحكم عام، وأنه لا يختص بقصة سالم ، وكانت تأمر من تريد أن يدخل عليها أن يرضع من قريباتها ولو كان كبيراً، فتكون خالته من الرضاع إذا رضع من أخواتها، أو من أحد من أقربائها بحيث تكون هي من محارمه بسبب تلك الرضاعة، وأبى ذلك سائر أمهات المؤمنين، وقلن: إن هذا خاص بسالم مولى أبي حذيفة، وأبين أن يدخلن عليهن أحد بمثل هذه الرضاعة. وأما عائشة رضي الله تعالى عنها فقد روت هذا الحديث وروت الحديث السابق في كون الرضاعة من المجاعة، ولكنها أخذت بأحد الحديثين دون الآخر. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة -أي: في رضاع الكبير- فمنهم من أجازه استناداً إلى ما جاء في هذه المسألة، ومنهم من منعه استناداً إلى ما جاء في الأحاديث السابقة: (إنما الرضاعة من المجاعة)، ومن العلماء من قال: من كانت حاله كحالة سالم مولى أبي حذيفة فإنه يرضع، ويحصل التحريم بذلك، ومن ليس كذلك فالأمر على ما هو عليه من أنّ التحريم إنما يكون في زمن الحولين الذي فيه المجاعة والاستفادة. والذي يظهر -والله أعلم- أن رضاع الكبير لا يعتبر ولا يعول عليه، وأنّ الرضاع إنما يكون في الصغر، وما حصل في قصة سالم فإنه يكون قصة عين خاصة به لا تتعداه إلى غيره. ثم إن القول برضاع الكبير وكونه يسوغ ويكون عاماً يترتب عليه مفاسد وأمور خطيرة، وذلك لأن المرأة إذا أرادت التخلص من زوجها فإنها تحلب من ثديها في كأس وتسقيه عدة مرات، وبعد ذلك تقول: أنت ابني من الرضاع وتتخلص منه، فرضاع الكبير لا يعتبر. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
كيفية الرضعات المحرمات وعلى القول برضاع الكبير فلا تلزم المباشرة في الرضاعة، بل يمكن أن يحلب له في إناء ويشربه عدة شربات أو في عدة مرات. وأما كيفية حساب الرضعة الواحدة من الخمس فالرضعة فإنها تحسب بكونه يمسك الثدي ويرضع ثم يطلقه، فهذه رضعة، فقد تكون الخمس الرضعات في جلسة واحدة، وقد تكون في مجالس متعددة. وأما كونهن مشبعات فما أعلم شيئاً يدل على أنها مشبعة، فالمهم أن تكون خمس رضعات، والمهم هو وصول اللبن، سواء كان عن طريق المص أم عن طريق الشرب من إناء. وقوله: (كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً ، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث ميراثه حتى أنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5]، أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد تبنى زيد بن حارثة ، فكان يقال له: زيد بن محمد ، ولما أنزل الله عز وجل الآية: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5] ردوا إلى آبائهم في النسبة، فمن لم يعلم له أب كان مولىً وأخاً في الدين، كما قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ . قوله سهلة: (ويراني فضلى) أي: أنها في ثياب المهنة التي تكون في البيت. قوله: (فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت أن يراها ويدخل عليها) أي: استناداً إلى هذا كانت عائشة ترى أن رضاع الكبير يحرم. تراجم رجال إسناد حديث رضاع سالم مولى أبي حذيفة قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في (الشمائل). [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد الأيلي ، وهو وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة عن عائشة و أم سلمة ]. عروة و عائشة و أم سلمة قد مر ذكرهم. الأسئلة حكم إرضاع الكبير الأجنبي ليحل له دخول البيت السؤال: طالبا علم لهما مكتبة واحدة في بيت أحدهما، فوجدا الحرج في دخول كل منهما بيت صاحبه عند عدم وجوده، فأفتيا أنفسهما برضاعة كل منهما من زوجة الآخر، ليدخل متى شاء بيت صاحبه، وحين أنكر عليهما احتجا بحديث رضاعة سالم، فما الحكم في هذا؟ الجواب: هذا ليس بصحيح، فرضاع الكبير لا ينفع، والمكتبة إما أن يخرجاها إلى مكان خارج البيتين، أو أن الذي هي عنده يتفق مع الآخر على أوقات معينة بحيث يأتي ويستفيد منها، وأما أن يرضعا من الزوجتين من أجل أن يصيرا محارم لزوجتيهما فهذا ليس بصحيح. ما يفعله الأب تجاه ابنه التارك للصلاة السؤال: ماذا يفعل الأب إذا وجد ابنه تاركاً للصلاة تكاسلاً وقد بلغ سن الزواج؟ الجواب: يجتهد في نصحه وتوجيهه ودعوته وأمره بالصلاة، ويسوقه إلى المسجد، ويدعوه ويرشده ويخوفه ويحذره من مغبة ذلك ومن العقوبة على ذلك. حكم سؤال الناس لأجل الزواج السؤال: هل تحل المسألة لمن له راتب يكفيه في الطعام والملبس دون الزواج؟ الجواب: إذا كان مضطراً إلى الزواج ويجد نفسه في مشقة فله أن يسأل. حكم تساقط بعض شعر اللحية بسبب العبث بها السؤال: بعض الإخوة يعبث بلحيته فيؤدي ذلك إلى تساقط بعض الشعر، فهل هو آثم على هذا الفعل؟ الجواب: إذا كان يقصد تساقط الشعر فإنه يأثم، وأما إذا كان لا يقصد هذا ولكنه حصل منه شيء من غير قصد ومن غير إرادة فلا يأثم. ما يفعله القريب مع قريبته الزانية السؤال: أختي رفضت الزواج، والآن لها ولدان من الزنا، فماذا أفعل، هل أبعدها عني؟ الجواب: اجتهد في حثها على الزواج، ولتبحث عن أحد يتزوجها ويعفها ويبعدها عن الوقوع في المحرم. وجه ترك النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على البغي عناق السؤال: لماذا لم يقم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الحد على عناق ؛ فإنه يفهم من الحديث أنها كانت مسلمة؛ إذ ليس للمسلم أن يتزوج الكافرة؟ الجواب: مجيء مرثد الذي كان يأتي بالأسارى يبدو أنه كان قبل الفتح، ومعنى ذلك أنها كانت في مكة ولم تكن تحت سلطته وولايته. حكم الدعاء بقوله: ( اللهم كن معي حيّاً وميتاً ) السؤال: هل يجوز أن أقول في الدعاء: اللهم! كن معي حياً وميتاً؟ الجواب: على المرء أن يدعو بالأدعية المأثورة ويحرص على الأدعية التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والأدعية التي يأتي بها الناس من عند أنفسهم وتكون سليمة ليس فيها بأس، وعلى الداعي أن يحرص على أن يكون دعاؤه بالشيء المأثور، أو بشيء ليس فيه إشكال. حكم زواج الزاني بمن زنى بها السؤال: رجل زنى بامرأة وحملت منه، وأراد ذلك الزاني أن يتزوجها، فهل ذلك جائز؟ الجواب: يجوز، ولكن بعد الولادة، ولا يتزوجها وفي بطنها حمل؛ لأن هذا الحمل زنا وليس بنكاح، وإنما يتزوجها بعدما تضع. الأفضل في توبة الزاني حين لا يُعلم بفعله السؤال: إذا زنى الشخص ولم يعلم أحد، ولم تكن هناك سلطة شرعية تقيم الحدود، فهل من الأحسن أن يتوب فيما بينه وبين ربه، أو يعلن؟ الجوب: يتوب ويحرص على أن يبتعد عن هذا العمل القبيح، ويندم على ما قد حصل، ويعزم على ألا يعود إليه، والله تعالى قد ستره فعليه أن يستتر وأن يتوب إلى الله عز وجل، فالتوبة تجب ما قبلها، ولا يفضح نفسه. حكم تحريض المرأة على زوجها حتى يطلقها ثم الزواج بها السؤال: رجل حرض امرأة على زوجها فطلقت منه، ثم تزوجها هذا الرجل، فما حكم هذا الزواج؟ الجواب: هذا العمل منكر، وأما الزواج فلا أعلم دليلاً يمنعه، لكن العمل هذا منكر ومحرم. حكم إيقاع الطلقة الأخرى على الرجعية المعتدة السؤال: رجل طلق زوجته طلقة رجعية، وفي أثناء العدة طلقها طلقة ثانية، فهل يقع الطلاق؟ الجواب: نعم يقع. حكم نكاح المسلم البوذية السؤال: ما حكم نكاح المسلم للمرأة البوذية؟ الجواب: المرأة البوذية كافرة ومشركة، فليس لمسلم أن يتزوج مشركة، قال تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]. حكم جعل المهر من غير المنافع المالية السؤال: هل يجوز أن يجعل غير العتق وغير المال صداقاً للمرأة؟ الجواب: يجوز، مثل التعليم الذي جاء في حديث: (أنكحتها بما معك من القرآن) في قصة الواهبة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرد زواجها، فقال رجل: زوجنيها، وليس معه شيء، فقال له: ابحث، فبحث فلم يجد شيئاً، فسأله عما يحفظ من القرآن فزوجه على أن يعلمها شيئاً من القرآن. إدخال الزوجة أشياء بيت زوجها بغير إذنه السؤال: هل للمرأة أن تحضر بعض الأشياء البسيطة من بيت أهلها إلى بيت زوجها من غير إذنه؟ الجواب: لا بأس بذلك. التفضيل بين الذكر وحضور حلقة العلم بعد عصر الجمعة السؤال: هل الأفضل للإنسان أن يصلي عصر الجمعة ويبقى في مصلاه حتى المغرب أو أن يحضر مجلس علم؟ الجواب: كل ذلك خير، فمجلس العلم فيه خير، وإذا جلس في مصلاه يذكر الله عز وجل فذلك خير أيضاً. المقصود بقول المعلق على سنن أبي داود: قال الشيخ السؤال: نرى المعلق على سنن أبي داود عزت عبيد الدعاس يقول في بعض الأحيان: قال الشيخ. فمن يريد؟ الجواب: يقصد الخطابي . هل يحرم ما دون خمس رضعات شرح حديث: ( كان فيما أنزل الله عز وجل من القرآن عشر رضعات يحرمن ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب هل يحرم ما دون خمس رضعات. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل الله عز وجل من القرآن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهن مما يقرأ من القرآن ]. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب هل يحرم ما دون خمس رضعات ، وقد اختلف العلماء في الرضاع المحرم على ثلاثة أقوال: القول الأول: هو ما بلغ خمس رضعات فأكثر، والدليل على ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان فيما أنزل الله عز وجل من القرآن عشر رضعات يحرمن فنسخن بخمس معلومات يحرمن فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن ]. واحتجوا أيضاً بالحديث الذي سبق أن مر في رضاع الكبير حيث قال فيه: (أرضعيه خمس رضعات)، وهو حديث صحيح، ولكنه -كما عرف- خاص بسالم مولى أبي حذيفة ، وقد جاء فيه ذكر الخمس، فهو دليل على أن المعتبر في الرضاع هو ما بلغ الخمس رضعات. القول الثاني: أن المحرم هي ثلاث رضعات فأكثر، ويستدل على ذلك بالحديث الذي سيأتي، وهو قوله: (لا تحرم المصة ولا المصتان) ، قالوا: فمفهومه يدل على أنه إذا زاد على ذلك فإنه يحرم. القول الثالث: أن الرضاع قليله وكثيره يحرم؛ لأنه جاء مطلقاً في بعض النصوص، كقوله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، فجاء مطلقاً، قالوا: فيحرم القليل والكثير. والقول الصحيح والراجح من هذه الأقوال هو القول بأن المحرم هي خمس رضعات؛ لأنه قد جاء ما يدل عليه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث الذي أورده أبو داود، والحديث الذي سبق أن تقدم في رضاع الكبير. وأورد أبو داود هنا حديث عائشة [ كان فيما أنزل الله عز وجل من القرآن عشر رضعات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات يحرمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن ]. قوله: (وهن) أي: الخمس؛ لأن الإشارة إلى الخمس، وليس في القرآن خمس رضعات يحرمن، لكن هذا فيه إشارة إلى قرب التحريم من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن بعض الناس الذين لم يبلغهم النسخ استمروا على القراءة حتى بلغهم النسخ، وذلك لقربه من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالنسخ جاء متأخراً. أنواع النسخ في القرآن الكريم هذا الحديث دليل على أن التحريم إنما يكون بخمس رضعات، وهو أيضاً دليل لنوعين من أنواع النسخ في القرآن الكريم؛ لأن النسخ بالنسبة للتلاوة والحكم ثلاثة أقسام: الأول: نسخ التلاوة والحكم جميعاً. الثاني: نسخ الحكم مع بقاء التلاوة. الثالث: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم. وهذا الحديث فيه مثال لقسمين هما: نسخ التلاوة والحكم في مسألة عشر رضعات معلومات يحرمن؛ لأنه نسخ الحكم والتلاوة، فالحكم منسوخ والتلاوة منسوخة. وخمس رضعات يحرمن نسخت فيها التلاوة وبقي الحكم. ومثال القسم الثالث -نسخ الحكم مع بقاء التلاوة- آية اعتداد المتوفى عنها بسنة كاملة، وهي قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] فهذه منسوخة الحكم باقية التلاوة، والذي نسخها هو الآية التي قبلها، وهي تربص أربعة أشهر وعشراً، فعلى هذا تكون أقسام النسخ بالنسبة للتلاوة والحكم ثلاثة: نسخ تلاوة وحكم، ونسخ تلاوة مع بقاء الحكم، والحديث الذي معنا شاهد للاثنين. والقسم الثالث: نسخ الحكم مع بقاء التلاوة آية. تراجم رجال إسناد حديث: ( كان فيما أنزل الله عز وجل من القرآن عشر رضعات يحرمن ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ]. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( لا تحرم المصة ولا المصتان ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا إسماعيل عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم المصة ولا المصتان) يعني الرضعة والرضعتين، وهذا منصوص عليه هنا، ولكن قولها: (فنسخن بخمس معلومات يحرمن) دل على أن ما دونها لا يحرم، سواءٌ الواحدة أو الثنتان المنصوصتان عليهما في هذا الحديث، أو الثالثة والرابعة اللتان لم ينص عليهما في الحديث، ولكنها دون الخمس التي جاء في الحديث أنها تحرم. تراجم رجال إسناد حديث: ( لا تحرم المصة ولا المصتان ) قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي مليكة ]. هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الزبير ]. هو عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله علية وسلم، وهم: عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. [ عن عائشة ]. قد مر ذكرها. الرضخ عند الفصال شرح حديث بيان إذهاب مذمة الرضاعة بالغرة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرضخ عند الفصال. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا أبو معاوية . ح: وحدثنا ابن العلاء حدثنا ابن إدريس عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله! ما يذهب عني مذمة الرضاعة؟ قال: (الغرة العبد أو الأمة). قال النفيلي : حجاج بن حجاج الأسلمي . وهذا لفظه ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب الرضخ عند الفصال ]، والرضخ هو ما تعطاه المرضعة عند تمام الإرضاع، حيث تنتهي مهمتها وتنتهي علاقتها بمن أرضعت لهم، فيعطونها أجرتها ويرضخون لها شيئاً غير متفق عليه، فمن تمام الإحسان وتمام المعاملة أنهم يكرمونها ويتحفونها بشيء غير الأجرة التي اتفقوا معها عليها، فهذا هو المقصود بالرضخ، أي أنها تعطى شيئاً غير الذي اتفق عليه على أنه أجرة لها. وقد جاء في هذا حديث حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه أنه قال: [ يا رسول الله! ما يذهب عني مذمة الرضاعة؟ ]، ومذمة الرضاع حقه وذمامه، والمقصود به الحق والمعروف الذي حصل من المرضعة، فما الذي يذهبه عني إذا فعلته؟ وهو إحسان في مقابل إحسان؟ قال: (غرة) يعني: عبداً؛ لأنه كما أنها قامت بالإحسان إلى الطفل في حال صغره وقامت بإرضاعه فإنها تعطى شيئاً يذهب ذلك الحق، ويكون الإنسان قد أدى الحق الذي عليه. فإذا كان المقصود به الطفل الذي أرضع فهذا لا يكون عند الفصال، بل لا يكون إلا متأخراً، أعني إذا أراد الرضيع أن يحسن فهو لن يحسن إلا بعد زمن متأخر، فالرضخ عند الفصال يقصد به أنه من المستأجر الذي هو والد الطفل أو أم الطفل أو عم الطفل أو قريب الطفل، وهنا كأنه يشعر بأن المقصود بذلك أن الذي أرضع يريد أن يحسن إلى أمه من الرضاعة، ويؤدي لها الحق الذي عليه، وذلك بأن يعطيها عبداً أو أمة تخدمها؛ لأنها قامت بالإحسان إليه في حال صغره، وقد بلغت من الكبر ما بلغت، فكونه يعطيها من يخدمها ويقوم بالإحسان إليها مكافأة لها على ذلك هو المقصود من الحديث. وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده حجاج بن الحجاج ، وهو مقبول لا يحتج بحديثه إلا إذا توبع، وليس له هنا متابع، فالحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث بيان إذهاب مذمة الرضاعة بالغرة قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا ابن العلاء ]. قوله: [ ح ] للتحول من إسناد إلى إسناد، و ابن العلاء هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، وهو ثقة، أخرج أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هو هشام بن عروة بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حجاج بن حجاج ]. حجاج بن حجاج مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه صحابي، أُخرج له هذا الحديث الواحد فقط، وقد أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . قوله: [ قال النفيلي : حجاج بن حجاج الأسلمي ]. النفيلي هو شيخه الأول، يعني: أنه نسبه فقال: الأسلمي ، ثم قال أبو داود : [وهذا لفظه] أي: هذا الحديث هو سياق الشيخ الأول وهو النفيلي . فيمكن أن يكون المراد بالحديث كلَّه، أو أن المقصود أنَّ هذه الزيادة هي لفظه." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [238] الحلقة (269) شرح سنن أبي داود [238] لقد منع الشرع من الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها؛ لما في ذلك من وجود الشحناء والبغضاء التي تؤدي إلى القطيعة والتدابر بين الأقارب، وهذا من حكمة الشرع في سد أبواب الفساد والشر. وقد جاء أن علياً أراد أن ينكح بنت أبي جهل، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً وبين أن فاطمة بضعة منه، وأنه يخاف عليها من ذلك أن تفتن في دينها، وهذا فيه أيضاً سد أبواب الفتن والفساد على العباد بلْهَ عن الأقارب. ما يكره أن يجمع بينهن من النساء شرح حديث: ( لا تنكح المرأة على عمتها ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا داود بن أبي هند عن عامر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى) ]. أورد أبو داود ما يكره من أن يجمع بينه من النساء، يعني: ما يحرم؛ لأن الكراهة عند المتقدمين بمعنى التحريم، كما قال تعالى: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء:38] بعد ذكر عدد من المحرمات. فقوله تعالى (مَكْرُوهًا) أي: محرماً. وأما في اصطلاح الفقهاء فإنهم يجعلون المكروه هو الذي جاء النهي عنه على وجه لا جزم فيه، وهو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، وطلب الشارع تركه طلباً غير جازم، والمحرم هو ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله، وطلب الشارع تركه طلباً جازماً، فالكراهة هنا بمعنى التحريم؛ لأن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها محرم وليس مكروهاً تنزيهاً بمعنى أنه يجوز أن يفعل مع الكراهة، وإنما هو ممنوع فلا يجوز الجمع، ولو حصل وجب التفريق، ولو أنه وجد ثم تبين أن هذه عمة أو خالة أو حصل جهل بذلك فإنه يجب التفريق بينهما، فتترك الأخيرة التي جاءت أخيراً؛ لأن العقد على الأولى صحيح، والعقد على الثانية غير صحيح، فتترك الأخيرة. والمقصود من هذه الترجمة بيان ما يحرم أن يجمع بينه من النساء، والجمع المحرم إنما هو بين النساء القريبات المحرم الجمع بينهن، كأن تكونا أختين، كما جاء في القرآن: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23] سواءٌ أكان في الزواج أم في ملك اليمين، فلا يُجمع بين الأختين في الزواج فإذا تزوج إحدى الأختين فلا تحل له أختها إلا إذا طلقها وانتهت من العدة، حتى في حال عدتها لا يجوز له أن يتزوجها؛ لأن المطلقة الرجعية زوجة، فلو تزوج أختها في حال عدتها فإنه يكون بذلك قد جمع بين الأختين، وإنما يتزوج بالثانية عندما تخرج الأولى من العدة، ومعلوم أن العدة على النساء، والرجال يعتدون في حالتين يطلق عليهما عدة على سبيل الإلغاز، فالرجل يعتد إذا كانت عنده امرأة فيريد أن يتزوج أختها، فليس له أن يتزوج أختها حتى تفرغ من العدة، فهو نفسه يتربص هذه المدة فلا يتزوج بأختها. والمسألة الثانية: إذا كان عنده أربع وأراد أن يتخلص من واحدة وينكح مكانها أخرى، فليس له أن يتزوج بدل الرابعة إلا إذا فرغت الرابعة من العدة؛ لأنه لو تزوج بدلها وهي في العدة فقد جمع بين خمس، فالرجعية زوجة، فهاتان الصورتان يلغزون بهما ويقولون: الرجل يعتد. وكذلك في ملك اليمين لا يجمع بين أختين في الوطء، وأما أن يجمع بينهما في الملك فجائز، لكن الوطء ليس له أن يجمع فيه بينهما. وقوله تعالى بعدما ذكر المحرمات من النسب ومن الرضاعة ومن المصاهرة: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] يشمل إباحة الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، فجاءت السنة واستثنت من ذلك الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها. قاعدة ما يحرم فيه الجمع بين النساء القاعدة عند العلماء فيما يحرم من الجمع هي أنه لو فرض أن إحداهما ذكر لم يكن له أن يتزوج الأخرى، فهذه القاعدة توضح من لا يجوز له الجمع بينهن من النساء، فالمرأة وعمتها لو فرض أن العمة كانت رجلاً فإنها تصير بنت أخيه، فليس له أن يتزوجها. وكذلك لو كانت بنت الأخ ابناً فليس له أن يتزوج عمته أخت أبيه؛ إذ هو ابن أخيها فليس له أن يتزوجها. فالقاعدة هي أنه إذا فرض أن إحدى المرأتين اللتين لا يصح الجمع بينهما ذكرٌ لم يكن له أن يتزوج بالمرأة الأخرى، فهذه هي ضابط ما لا يجوز. ويستثنى من ذلك الجمع بين ابنة الرجل ومطلقته غير أمها، فإن الجمع بينهما جائز، فالجمع بين امرأة وضرة أمها التي طلقها أبوها أو مات عنها جائز؛ لأنه ليس هناك قرابة نسبية بين هذه وهذه، مع أنه لو فرض أن البنت ذكراً لم يكن له أن يتزوج زوجة أبيه، فلو فرض أن إحداهما ذكر فإنه لم يكن له أن يتزوج الأخرى، فهذه مستثناة من القاعدة. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح المرأة على عمتها) يعني: إذا كانت العمة موجودة فلا تنكح ابنة أخيها عليها. قوله: (ولا العمة على بنت أخيها)، يعني: أنه إذا كان متزوجاً ببنت الأخ أولاً فليس له أن يضيف إليها العمة. قوله: [ (ولا المرأة على خالتها) ]. فإذا كانت الخالة أخت الأم عند الرجل فليس له أن يتزوج ببنت أختها، أو العكس، بأن تكون بنت الأخت موجودة عنده فليس له أن يتزوج عليها خالتها، فالأولى التي عنده لا يضيف إليها الثانية، سواءٌ أعنده الكبرى أو الصغرى، فإن كانت عنده الكبرى فلا يضف إليها الصغرى، وإن كانت عنده الصغرى فلا يضف إليها الكبرى، ثم أتى بعد ذلك بكلام يرجع إلى الاثنين، فلا الكبرى تنكح على الصغرى ولا الصغرى تنكح على الكبرى. قوله: [ (ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى) ]. فقوله: [ (لا تنكح الكبرى على الصغرى) ] سواءٌ من العمات أو الخالات، أي: من جانب الأم أو من جانب الأب، [ (ولا الصغرى على الكبرى) ] كذلك من الجانبين. تراجم رجال إسناد حديث: ( لا تنكح المرأة على عمتها ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي عن زهير ]. زهير هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني قبيصة بن ذؤيب رضي الله عنه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها، وبين المرأة وعمتها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه النهي عن أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها، والعمة هنا هي أي عمة سواءٌ أكانت عمة قريبة أم بعيدة، كأن تكون أخت الأب أو أخت الجد، أخت أبيها أو أخت جدها؛ لأن عمة أبيها عمة لها، فلا يجمع بينها وبين عمتها، ولا بينها وبين خالتها، سواءٌ أكانت أخت أمها أم أخت جدتها التي هي خالة أمها. تراجم رجال إسناد حديث: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها ) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني قبيصة بن ذؤيب ]. قبيصة بن ذؤيب له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع أبا هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. شرح حديث: ( كره أن يجمع بين العمة والخالة، وبين الخالتين والعمتين ) قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا خطاب بن القاسم عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة، وبين الخالتين والعمتين ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يجمع بين العمة والخالة، وبين العمتين والخالتين، والمقصود من الجمع -كما عرفنا- هو نسبة المرأة إلى المرأة، وعلى هذا فإن هذا الحديث مثل الذي سبق من الأحاديث، فمعناه مع ما قبله من الأحاديث أنه لا يجمع بين المرأة وعمتها أو عمتيها، ولا بينها وبين خالتها أو خالتيها. فقوله: [ (بين العمة) ] يعني: بين المرأة وعمتها، [ (والخالة) ] أي: بين المرأة وخالتها، وليس المقصود من ذلك أنه يجمع عمة امرأة وخالتها؛ لأنه قد تكون هذه أجنبية عن هذه؛ لأن أمها من قبيلة وعمتها من قبيلة، فيمكن أن يأتي رجل أجنبي ويأخذ عمتها ويأخذ خالتها؛ لأن خالة المرأة من جهة وعمتها من جهة، فالجمع بينهما لا مانع منه. فالمقصود بالنسبة إلى المرأة التي يجمع بينها وبين امرأة أخرى، أي: بين المرأة ومن هي عمة لها، وبين المرأة ومن هي خالة لها، أو بين المرأة ومن هما خالتان لها، أو المرأة ومن هما عمتان لها، والخالتان هما خالة المرأة وخالة أمها، فخالة أمها خالتها، أي: أخت أمها وأخت جدتها، فلا يجمع بين المرأة وخالتيها. وكذلك لا يجمع بين المرأة وعمتيها، سواء بين عمة واحدة أو عمتين، وهما العمة القريبة والعمة البعيدة، هذا هو الذي يظهر في معنى الحديث، وأن الجمع إنما يكون بين المرأة وبين نساء ينسبن إليها. إذاً فالحديث معناه متوافق مع القاعدة المعروفة والأحاديث التي تقدمت أنه لا يجمع بين المرأة وعمتها إذا كانت عمتها واحدة، ولا مع عمتيها حيث يكون لها عمتان: أخت أبيها وأخت جدها، ولا بين المرأة وخالتها حيث يكون لها خالة واحدة، ولا بينها وبين خالتيها حيث يكون لها خالتان: أخت أمها وأخت جدتها أم أمها. ويتضح الأمر بأن تنسب المرأة إلى المرأة، فالمرأة التي كانت عنده لا يضيف إليها واحدة قريبة لها، سواءٌ أكانت عمة أم عمتين، وخالة أم خالتين، أو عمة وخالة بأن يجمع إليها عمتها وخالتها، فكل واحدة منهما على انفرادها لا تجوز، فكذلك عند اجتماعهما من باب أولى لا يجوز ذلك؛ لأنه فعل المحرم من جهتين: من جهة العمة ومن جهة الخالة. وأما مسألة الأجنبية فليس فيها إشكال، فيجوز لأخيك من أبيك أن يتزوج أختك من أمك، وذلك في مثل امرأة تزوجها رجل وولدت له بنتاً، ثم مات عنها أو طلقها فتزوجها رجل آخر وجاءت منه بولد، فيكون أخاً لأولاد أمه من الأم وأخاً لأولا أبيه من الأب، فأخوه من أبيه يجوز أن يتزوج أخته من أمه، وأخوه من أمه يجوز أن يتزوج أخته من أبيه؛ لأنهم أجانب فيما بينهم، فأخوك من أبيك يجوز له أن يتزوج أختك من أمك، وتصير أنت عمّاً وخالاً في آن واحد، عماً من جهة الأب وخالاً من جهة الأم، أي أن الزوج أخوك من أبيك، والمرأة أختك من أمك. تراجم رجال إسناد حديث: ( كره أن يجمع بين العمة والخالة, وبين الخالتين والعمتين ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا خطاب بن القاسم ]. خطاب بن قاسم ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن خصيف ]. هو خصيف بن عبد الرحمن ، وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث ضعفه الألباني ولعله من جهة خصيف بن عبد الرحمن ، وقد عرفنا معنى الحديث والمراد به. شرح تفسير عائشة لقوله تعالى: (( وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى... )) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3] قالت: يا ابن أختي! هي اليتيمة تكون في حجر وليها فتشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثلما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة : قالت عائشة : ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله عز وجل: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127]، قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال الله سبحانه فيها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، قالت عائشة : وقول الله عز وجل في الآية الآخرة: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] هي رغبة أحدكم من يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن. قال يونس : وقال ربيعة في قول الله عز وجل: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] قال: يقول: اتركوهن إن خفتم؛ فقد أحللت لكم أربعاً ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في نزول قول الله عز وجل: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، وأنهم كانوا إذا كان الرجل عنده ابنة عم وهي ذات جمال ومال فهو لا يريد أن يزوجها غيره رغبة في مالها وأن يتزوجها، ويكون هو الذي يستفيد من مالها، ولا يعطونهن ما يستحققن من المهر، فيرغب فيها من أجل مالها ولا يعطيها حقها، فأنزل الله هذه الآية فقال: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى [النساء:3] يعني: بأن لا تعطوهن ما يستحققن من المهر فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن مثنى وثلاث ورباع، فجواب الشرط: (إن خفتم) محذوف دل عليه ما قبله، وقد جاءت الإشارة إليه في الحديث: (اتركوهن وانكحوا ما طاب لكم) أي: اتركوهن لا تتزوجوهن، وكما أنكم إذا كن قليلات المال لا ترغبون فيهن فكذلك إذا كن كثيرات المال لا تتزوجوهن إلا إذا أعطيتموهن ما يستحققن، ثم أيضاً لابد من أن ترضى به أن يتزوجها ويعطيها ما تستحق من المهر. وعلى هذا فمعنى الآية الأولى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ [النساء:3] إذا كان عند الواحد منكم امرأة هو وليها أو هو ابن عمها ولها مال وهي جميلة وأراد أن يتزوجها ولا يريد أن يتزوجها غيره فإنه إذا تزوجها وكان ذلك بموافقتها أن يعطيها المهر كاملاً ولا ينقصها، وكما أنها لو كانت غير ذات مال وغير ذات جمال يرغب عنها فكذلك إذا رغب فيها عليه أن يعطيها ما تستحق، وفي الآية الثانية: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127]، ومعناها محتمل أن يكون المراد به: (ترغبون عنهن) أو (ترغبون فيهن)، فهم يرغبون فيهن إذا كن ذات مال وجمال، ويرغبون عنهن إذا كن مقلات وغير جميلات، فكما أنكم لا ترغبون فيهن إذا كن مقلات وغير جميلات فكذلك إذا كن ذات أموال وجميلات إن تزوجتموهن فأعطوهن ما يستحققن من المهر، وإلا فاتركوهن وتزوجوا ما طاب لكم من النساء اثنتين اثنتين، أو ثلاثاً ثلاثاً، أو أربعاً أربعاً. والحديث ليس واضحاً في الدلالة على الترجمة. تراجم رجال إسناد تفسير عائشة لقوله تعالى: (( وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ...)) قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري ]. أحمد بن عمرو بن السرح المصري ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير ]. مر ذكرهم. [ أنه سأل عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها مر ذكرها. شرح خُطبته صلى الله عليه وسلم حين أراد علي نكاح بنت أبي جهل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثني أبي عن أبي الوليد بن كثير حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أن ابن شهاب حدثه أن علي بن الحسين رضي الله عنهما حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما لقيه المسور بن مخرمة رضي الله عنهما فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال: فقلت له: لا، قال: هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله! لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبداً حتى يبلغ إلى نفسي، إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل على فاطمة رضي الله عنها، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم، فقال: (إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها)، قال: ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: (حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي، وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً، ولكن والله! لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً) ]. أورد أبو داود حديث مسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما أن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما قدم المدينة بعد مقتل الحسين لقيه المسور وقال: [ هل لك إلي من حاجة؟ ] أي: أنه يعرض عليه، وهذا مثلما يعرضون اليوم فيقولون: أي خدمة، أي: هل من خدمة تريد أن أقوم بها؟ فقال المسور: هل لك من حاجة تكلها إلي؟ فقال: لا، فقال: [ هل أنت معطيَّ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ] يعني: حتى أحافظ عليه، فأنا أخشى أن يخلص إليه وأنك لا تستطيع الإبقاء عليه، فأنا أحفظه وأخفيه فلا يصل إليه أحد، ثم إنه أتى بقصة كون علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب ابنة أبي جهل ، فقال: [ إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل على فاطمة رضي الله عنها، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم فقال: (إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها) ]. فأخبر المسور أن علياً رضي الله عنه خطب ابنة أبي جهل ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وقال: (إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها)، وذلك أنها إذا تزوج عليها علي ابنة أبي جهل فقد يحصل لها الغيرة ويحصل لها شيء من الضرر، وقد يحصل لها فتنة في دينها، وهي بضعة منه يريبه ما رابها، ويسره ما سرها، وأنها لا تجتمع هي وبنت عدو الله، وعدو الله هو أبو جهل ، وهذا فيه بيان أن السوء الذي يحصل من الآباء فإنه مذمة وإن كان الابن أو البنت في حالة الاستقامة وفي حالة السلامة، إلا أن ذلك فيه ضرر، والنسبة إليه نسبة مذمومة؛ لأنه شخص مذموم، فلا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في واحد. ومعنى: [ (أن تفتن في دينها) ] أي: أن يحصل لها من الغيرة وغيرها ما يؤثر عليها في دينها ودنياها. قال: [ ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: (حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي) ]. وهذا الصهر هو أبو العاص بن الربيع زوج زينب رضي الله عنها، وهو الذي أثنى عليه، وكان من بني عبد شمس، وكان قد أسر يوم بدر وأطلق، وطلب منه النبي أن يرسل ابنته فأرسلها إليه؛ لأنه وعده وصدقه في وعده، ثم إنه جاء مسلماً وأعادها إليه بالزواج الأول، فأثنى على ذلك الصهر الذي عامله معاملة طيبة. قوله: [ (وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً) ]. يعني: أن زواج علي سائغ، ولكن فاطمة بضعة منه يريبه ما أرابها. قوله: [ (ولا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً) ]، وقد كانت بنت أبي جهل مسلمة، فخطبها وهي مسلمة. تراجم رجال إسناد خُطبته صلى الله عليه وسلم حين أراد علي نكاح بنت أبي جهل قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. أبوه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد بن كثير ]. حدثنا الوليد بن كثير صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة ]. محمد بن عمرو بن حلحلة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ أن ابن شهاب حدثه ]. ابن شهاب مر ذكره. [ أن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما حدثه ] هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والمسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. إسناد آخر لحديث خطبة علي لبنت أبي جهل، وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة، وعن أيوب عن ابن أبي مليكة بهذا الخبر، قال: فسكت علي عن ذلك النكاح ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة: [فسكت علي عن ذلك النكاح] أي: الذي كان يفكر فيه، وأعرض عن ذلك. قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهوثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عروة، وعن أيوب عن ابن أبي مليكة ]. الزهري و عروة مر ذكرهما، و أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ بهذا الخبر، قال: فسكت علي عن ذلك النكاح ]. أي: بالخبر الذي مر ذكره في السياق السابق، وفيه الزيادة: [ فسكت علي عن ذلك النكاح ] يعني: أنه أعرض عنه لما سمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. طريق أخرى لقصة خطبة علي السابقة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس و قتيبة بن سعيد المعنى، قال أحمد : حدثنا الليث حدثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي أن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر يقول: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها) والإخبار في حديث أحمد ]. أورد أبو داود حديث مسور بن مخرمة من طريق أخرى، وفيه أن مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم أن بني هشام بن المغيرة استأذنوه، وهم آل تلك المرأة التي خطبها علي ، فقد جاءوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم في أن يزوجوا علياً ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خطب وقال: [ (لا آذن، ثم لا آذان، ثم لا آذن، إلا إذا أراد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها) ]. وقول المصنف: [الإخبار في حديث أحمد ]، يعني به: قوله أحمد بن يونس : [حدثنا الليث ]، أي أنه رواه بلفظ التحديث، ومعنى هذا أن حديث قتيبة إنما هو بالعنعنة، فالإخبار موجود في رواية أحمد بن يونس، وهو شيخه الأول. قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أحمد : حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، هو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أن المسور بن مخرمة ]. قد مر ذكرهما." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [239] الحلقة (270) شرح سنن أبي داود [239] جعل الله تبارك وتعالى الزواج مودة ورحمة بين الزوجين، ولذا كان المقصود من النكاح الدوام والبقاء، ولتحقيق هذا الغرض حرم الشرع أنواعاً من الأنكحة تفضي إلى النزاع وتنتهي بالفراق غالباً، فلا تحقق المقصد الشرعي من الزواج، ومن ذلك: نكاح المتعة، ونكاح الشغار، ونكاح التحليل، وقد حث الشرع الخاطب على النظر إلى المخطوبة؛ لأن ذلك أحرى أن يؤدم بينهما. نكاح المتعة شرح حديث سبرة في تحريم متعة النساء قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في نكاح المتعة. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء، فقال له رجل يقال له: ربيع بن سبرة : أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها في حجة الوداع ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في نكاح المتعة] أي: في تحريمه، ونكاح المتعة هو النكاح إلى أجل، فإذا جاء الأجل انتهى العقد، وقد كان ذلك سائغاً ثم نسخ وصار محرماً لا يجوز فعله. والنكاح المشروع هو النكاح غير المؤقت الذي يدخل فيه على التأبيد دون أن يكون له أجل ينتهي إليه، وإنما يبقى إلى أن يحصل طلاق أو تحصل وفاة، وأما أن يكون له أجل ينتهي إليه فهذا هو نكاح المتعة الذي كان حلالاً ثم حرم. وأورد أبو داود حديث الزهري أنهم كانوا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكروا نكاح المتعة، قال: [فقال له رجل يقال له: ربيع بن سبرة : أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع]، والمعروف والمشهور أن تحريم المتعة إنما كان عام الفتح، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إن هذا شاذ، والمحفوظ أن ذلك عام الفتح؛ لأن هذا جاء من رواية إسماعيل بن أمية عن الزهري ، وقد خالفه غيره عن الزهري ، فذكرو أن ذلك كان عام الفتح وليس في عام حجة الوداع. وهذا الحديث دليل على تحريمها وأنها كانت مباحة أولاً ثم حرمت، أي: المتعة. حكم النكاح بنية الطلاق وهناك نكاح آخر هو النكاح بنية الطلاق، وهو ليس من قبيل نكاح المتعة؛ لأن نكاح المتعة يتفق فيه بين الطرفين على أن ينتهي الزواج بالأجل، وأما النكاح بنية الطلاق فهو أن الزوج قد يتزوج وهو ينوي أن يطلق، فهذا ليس من قبيل المتعة، ولكنه لا يليق ولا ينبغي، وكثيرٌ من العلماء أجازوه؛ لأنه ليس نكاح متعة، ولكن الأولى عدم فعله وعدم الإقدام عليه، فالإنسان يتزوج بنية الدوام وإذا بدا له أن يتخلص منها لأمر من الأمور فيمكنه ذلك بالطلاق. فالإنسان -كما هو معلوم- لا يرضى النكاح بنية الطلاق لبنته ولا لأخته، فعليه أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، فالإنسان إذا أراد أن يتزوج فليتزوج، لكن لا يضمر في نفسه عند الزواج أنه سيطلق، وإنما يكون في نفسه أنه يتزوج، ثم إن رأى أن الأمر يحتاج إلى الاستمرار لما وجده فيها من أمور تقتضي ذلك استمر وإلا طلق، وأما كونه عند العقد يضمر بأنه سيطلق، فهذا ليس من نكاح المتعة، ولكنه لا يليق بالرجل، وهو خلاف الأولى. تراجم رجال إسناد حديث سبرة في تحريم متعة النساء قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أمية ]. إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال له رجل يقال له: ربيع بن سبرة ]. ربيع بن سبرة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ أشهد على أبي أنه حدث ]. أبوه هو سبرة بن معبد ، وهو صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. شرح حديث سبرة في تحريم متعة النساء من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ربيع بن سبرة عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم متعة النساء ]. أورد هنا حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء، وهذا اللفظ مطلق وليس فيه تقييد بالزمن الذي حصل فيه التحريم. قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن ربيع بن سبرة عن أبيه ]. قد مر ذكر الثلاثة. الشغار شرح حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشغار قال رحمه الله تعالى: [ باب في الشغار. حدثنا القعنبي عن مالك . ح: وحدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا يحيى عن عبيد الله كلاهما عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشغار). زاد مسدد في حديثه: قلت لنافع : ما الشغار؟ قال: ينكح ابنة الرجل وينكحه ابنته بغير صداق، وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير صداق ]. أورد أبو داود [ باب في الشغار ] أي: في نكاح الشغار، وهو الذي يكون فيه التزويج بشرط التزويج، أي: لا يُزوَّج إلا إذا زَوَّج، كأن يزوج هذا بنته على أن يزوجه الآخر بنته، فهناك شرط بين الطرفين أنه لا يُزوَّج إلا إذا وافق على أن يُزوِّج، فهو مبادلة، وهذا لا يجوز، ومن العلماء من قال: إذا كان بدون صداق فهو حرام، وأما إذا كان بصداق فإنه لا بأس به. والذي يظهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت عنه ما يدل على أن ذلك مقيد بالصداق، ومجيء التقييد بالصداق هو من تفسير نافع مولى ابن عمر أحد رواة الحديث، وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فما جاء عنه في الأحاديث ما يدل على أنه مقيد بالصداق، وما جاء في الأحاديث فهو لفظ مطلق، فيشمل ما كان بصداق وما كان بدون صداق، ولو وجد الصداق فإن هذا فيه الإضرار بالنساء، وهو أن الإنسان يزوج من أجل رغبته لا رغبة موليته، ومن أجل مصلحته لا مصلحتها، فالولي ينظر إلى مصلحته لا إلى مصلحة موليته، فيضعها في محل غير مناسب من أجل مصلحته. ثم -أيضاً- قد يترتب على ذلك الخلاف في الزواج من أحد الطرفين، فيترتب على ذلك بالمقابل التخلص من الزواج الثاني بناءً على المشاكل التي حصلت في أحد الزواجين، كل ذلك يترتب على هذا الاشتراط، فكون الإنسان يزوج بدون أن يشترط، وبدون أن يكون هناك ربط زواج بزواج هو الذي يظهر جوازه، وأما تقييده بالصداق وأنه إذا وجد صداق فإنه لا بأس به فإنه ليس بصحيح؛ لأن الحديث الذي سيأتي فيه: أن معاوية رضي الله عنه أمر بالتفريق وقد جعلوا صداقاً، وهو يدل على أنه إذا كان هناك صداق فالحكم واحد فيما يبدو ويظهر. ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة في مسائل في النكاح مخالفة للشرع ومنها مسألة الشغار، وقد تكلم فيها على هذه المسألة، وبين أن الأدلة لم يأت فيها ما يدل على قصره على عدم الصداق، بل قد جاء فيها ما يدل على أنه ولو وجد الصداق فإنه يكون شغاراً، وأنه يمنع منه، وأنه يفرق بسببه الزواج وإن وجد كما جاء في حديث معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه الذي سيأتي. قوله: [ ينكح ابنة الرجل وينكحه ابنته بغير صداق، وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير صداق ]. هذه أمثلة لزواج لشغار، وسواءٌ أكانت المقابلة بين أخت وأخت، أم بين بنت وبنت، أم بين أخت وبنت، فالمهم أن يكون فيه اشتراط زواج بزواج، وأنه لا يُزوِّج إلا إذا زُوِّج. وأما إذا خطب أناس من غيرهم وأعطوهم المهر، ثم جاء أولئك وخطبوا منهم وأعطوهم المهر دون اشتراط فهذا لا بأس به. تراجم رجال إسناد حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشغار قوله: [حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا مسدد بن مسرهد ]. قوله: [ ح ] للتحول من إسناد إلى إسناد. و مسدد بن مسرهد مر ذكره. [ عن يحيى ] . هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث إبطال معاوية رضي الله تعالى عنه نكاح الشغار قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أن العباس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقاً، فكتب معاوية رضي الله عنه إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود حديث معاوية رضي الله عنه أنه لما حصل التزويج بين طرفين كل منهما قد زوج الآخر ابنته وقد جعلوا صداقاً كتب معاوية إلى مروان للتفريق بينهما، وقال: [هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم] فدل هذا على أنه ولو وجد الصداق فإن المحاذير موجودة. ثم إن الصداق قد يقل فيه، وقد تبخس النساء حقوقهن بسبب ذلك، فهو وإن وجد الصداق لكنه مربوط ومقيد بشرط وهو: أنه لا زواج إلا بزواج، فإنه لا يصح ولو وجد الصداق، وهذا الحديث يدل على ذلك. تراجم رجال إسناد حديث إبطال معاوية رضي الله تعالى عنه نكاح الشغار قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو إبراهيم بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ]. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وذكر هنا باسمه ولقبه. والصحابي راوي الحديث هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. التحليل شرح حديث: (لعن الله المحلل والمحلل له) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التحليل. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثني إسماعيل عن عامر عن الحارث عن علي رضي الله عنه -قال إسماعيل : وأراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لعن الله المحلَّل والمحلَّل له) ]. أورد أبو داود [باب في التحليل]، وهو تحليل المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول، وذلك بأن ينكحها شخص لا يريد الزواج ولكن يريد أن يرجعها أو يحللها للزوج الأول الذي طلقها ثلاثاً وحرم عليه الزواج منها حتى تنكح زوجاً غيره، فهذا هو التحليل، وقد جاءت السنة بتحريمه وأنه لا يجوز، فالزوج الثاني الذي يتزوجها لا يتزوجها للتحليل وإنما يتزوجها زواج رغبة، ثم إن بدا له أن يطلق طلق، وأما أن يتزوج من أجل التحليل -سواءٌ أكان متفقاً مع الزوج الأول أم لم يكن متفقاً معه ولكنه أراد أن يتزوج من أجل أن يحللها له - فإن هذا لا يجوز، وهو محرم، وقد جاء حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لعن الله المحلل والمحلل له)]، والمحلل والمحلل له إذا كانا متفقين على التحليل فكل منهما ملعون؛ لأن هذا أقدم على هذا العمل المحرم، وذاك سعى إلى أن يوجد هذا العمل المحرم، أعني الزوج الأول الذي اتفق مع الثاني على التحليل. وأما إذا كان الزوج الأول لا يعلم بذلك وأن النية كانت مضمرة عند الزوج الثاني فإنه لم يحصل من الزوج الأول شيء يقتضي لعنه؛ لأنه لا يعرف شيئاً، وما اتفق مع الثاني ولا طلب منه ولا أشار إليه، وإنما حصل أن شخصاً تزوج ثم طلقها وهو لا يعرف أنه قصد التحليل، فلا يكون ملعوناً، وإذا علم وعرف بأنه تزوجها من أجل التحليل فلا يتزوجها، أعني الزوج الأول. وهناك مسألة أخرى في هذا الباب وهي: إذا تزوجها الزوج الثاني ليحللها للأول ثم أعجبته فأراد أن يمسكها فإن عليه أن يعيد العقد؛ لأن عقده الأول وزواجه الأول بها محرم لا يجوز، فيعقد عليها من جديد. تراجم رجال إسناد حديث: (لعن الله المحلل والمحلل له) قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني إسماعيل ]. هو إسماعيل بن أبي خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحييل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث ]. هو الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور ، وفي حديثه ضعف، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والحديث جاء من طريق أخرى ليست من طريق الحارث. طريق أخرى لحديث: (لعن الله المحلل والمحلل له)، وتراجم رجالها قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن حصين عن عامر عن الحارث الأعور عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم -قال: فرأينا أنه علي عليه السلام- عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه ]. أورد المصنف الحديث السابق من طريق أخرى وهي بمعنى الحديث الذي قبله: (لعن الله المحلل والمحلل له). قوله: [حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [عن خالد ] هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين ]. هو حصين بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر عن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. الرجل هو علي ، ولذلك قال: [ فرأينا أنه علي ]. نكاح العبد بغير إذن مواليه شرح حديث: (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في نكاح العبد بغير إذن مواليه. حدثنا أحمد بن حنبل و عثمان بن أبي شيبة وهذا لفظ إسناده، وكلاهما عن وكيع حدثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) ]. أورد أبو داود [باب في نكاح العبد بغير إذن مواليه] يعني أن ذلك لا يجوز؛ لأن العبد ملك لسيده، ومنافعه مملوكة لسيده، فرقبته مملوكة، ومنافعه مملوكة، فليس له أن يتصرف في نفسه بزواج ولا بغيره، وإذا حصل منه الزواج بغير إذن سيده فإنه عاهر، أي: زان، فحكمه حكم الزاني، أي أن ذلك لا يجوز. تراجم رجال إسناد حديث: (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة) و ابن ماجة . [ كلاهما عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن صالح ]. هو الحسن بن صالح بن حي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن محمد بن عقيل ]. عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق في حديثه لين، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (إذا نكح العبد بغير إذن مواليه فنكاحه باطل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا أبو قتيبة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا نكح العبد بغير إذن مواليه فنكاحه باطل). قال أبو داود : هذا الحديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما ]. أورد حديث أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما رجل نكح بغير إذن مواليه فنكاحه باطل)]، وقال أبو داود : إنه ضعيف، وهو أيضاً موقوف، والضعف فيه من جهة عبد الله بن عمر العمري المكبر أخو عبيد الله ، فهو ضعيف. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا نكح العبد بغير إذن مواليه فنكاحه باطل) قوله: [حدثنا عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو قتيبة ]. هو سالم بن قتيبة الشعري ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما. كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه شرح حديث أبي هريرة: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه. حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: كراهية وهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه؛ وذلك أن يتقدم شخص لخطبة امرأة ولا يردونه، وإنما يمهلونه أو يعدونه على أن يخبروه برأيهم، فإذا علم أحد بأنه تقدم للخطبة لا يجوز له أن يتقدم حتى يعرف أنه تَرك أو أنه تُرِك، فإذا لم يكن كذلك فإنه لا يجوز؛ لأن فيه سعياً للحيلولة بينه وبين ما أقدم عليه، فهم لم يرفضوه، فيكون في ذلك إفساد لما بينهم وبين ذلك الرجل، فلا يجوز لأحد علم تقدمه بالخطبة أن يخطب تلك المرأة، وأما إذا كان لا يعلم فليس هناك محذور؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، وإنما المحذور فيما إذا كان عن علم. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه) قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا سفيان ]. هو سفيان ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره. [عن سعيد بن المسيب ] سعيد بن المسيب ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله صلى الله علي وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث ابن عمر: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه إلا بإذنه) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر قال: قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يبع على بيع أخيه إلا بإذنه)]. قوله: [ (لا يخطب على خطبة أخيه) ] عرفنا معناه سابقاً وهو محل الشاهد في الترجمة. ثم قال: (ولا يبع على بيع أخيه)] وهذا يتعلق بالبيوع، والبيع على بيع أخيه يكون فيما إذا كان هناك بيع فيه شرط خيار بينهما على أن كلاً منهما له الخيار لمدة ثلاثة أيام أو خمسة أيام وما إلى ذلك، فيأتي شخص إلى المشتري ويقول له: افسخ العقد وأنا أبيعك سلعة أخرى مثلها بأرخص منها، فهذا هو البيع على بيع الأخ، وهذا لا يجوز. قوله: [ (إلا بإذنه) ]. يعني: إذا كان البائع الذي له مدة خيار قال: أنا لا أرغب في البيع وترك البيع وأراد الآخر أن يبيع للمشتري فلا بأس بذلك، ولا يعتبر أنه قد باع على بيعه؛ لأنه قد ترك وأذن له. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه...) قوله: [حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [حدثنا عبد الله بن نمير ]. عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهما. الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد أن يتزوجها شرح حديث: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها. حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن -يعني ابن سعد بن معاذ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)، قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها]، والمقصود من ذلك أن الخاطب له أن ينظر إلى المخطوبة إلى وجهها ويديها، فوجهها يعرف منه جمالها، ويداها يعرف منهما خصوبة جسمها، وسواءٌ أكان ذلك بعلمها أم بدون علمها، فكل ذلك سائغ، وقصة جابر التي أوردها المصنف فيها أنه اختبأ لها، فصار ينظر إليها وهي لا تعلم، ولكن سواءٌ أكان بعلمها أم بدون علمها فكل ذلك جائز، فلو جاء بها وليها ودخلت ورآها الخاطب فإنه يحصل المقصود، وإذا لم يحصل هذا ولكنه نظر إليها من ثقب أو من مكان معين فإنه لا بأس بذلك؛ لأن مثل هذا العمل فيه مصلحة، ولأنه قد يكون فيها شيء يقتضي التخلص منها قبل الدخول وقبل الزواج، ولا شك أن هذا أسهل وأخف من أن يكون هناك نكاح وإعلان له ثم يحصل طلاق، فهذا أهون وأخف، والشريعة جاءت بجواز ذلك. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) ]، وقوله: [ (فإن استطاع) ] يدل على أن الأمر للإرشاد والتوجيه وليس بلازم، فليس المعنى أنه لابد من أن ينظر إليها، بل يمكن أن يتزوجها دون أن ينظر إليها قال جابر : فخطبت امرأة فكنت أختبئ لها، فرأيتها ورأيت منها ما يدعو إلى تزوجها فتزوجتها، أي أنه نفذ ما أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) قوله: [حدثنا مسدد عن عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق مر ذكره. [عن داود بن حصين ]. داود بن حصين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن واقد بن عبد الرحمن ]. هو واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ ، وقال في (تحفة الأشراف): المعروف أنه واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ . قال الحافظ : ورجاله ثقات، وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن ، وقال: المعروف واقد بن عمرو ، ورواية الحاكم فيها: واقد بن عمرو ، وكذا رواية الشافعي و عبد الرزاق . وفي (تحفة الأشراف): كذا قال، واقد بن عبد الرحمن ، والمعروف واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، ويؤيده سياق الحاكم في المستدرك، لكن المزي فرق بينهما في تهذيبه، وزاد التفرقة بينهما وأكدها الحافظ في (تهذيب التهذيب) أيضاً. قاله الشيخ الألباني . و واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما ] قد مر ذكره. الأسئلة اختباء جابر رضي الله عنه لرؤية من أراد خطبتها هل هو في زواجه الأول في الحديث أن جابراً كان يختبئ ليرى التي يريد الزواج بها، فهل هي التي سأله النبي صلى الله عليه وسلم عنها عندما قال: (تزوجت؟ قال: نعم، قال: بكراً أم ثيباً؟ قال: ثيباً يا رسول الله!)، أم أنها قصة زواج آخر لجابر ؟ الجواب: ليس هناك شيء يدل على أنها هي، فيمكن أن تكون هي أو غيرها. ما ينظر إليه من بدن المخطوبة السؤال: ما هو الذي ينظر إليه من المخطوبة؟ وهل يجوز النظر إلى غير الوجه والكفين؟ الجواب: ينظر إلى الكفين والوجه فقط ولا يزيد على ذلك، وهناك خلاف، فبعض العلماء يقول: ينظر إلى شعرها، وبعضهم يرى النظر إلى أكثر من ذلك، وهو المنقول عن ابن حزم . حكم استئذان أبناء عم المرأة عند قصد نكاحها السؤال: عند بعض القبائل أن من أراد أن يتزوج امرأة فيجب عليه أن يستأذن أبناء عمومتها، فما حكم هذا؟ الجواب: هذا من أمور الجاهلية، فأبناء عمومتها لا يملكونها، وليس لهم أن يمنعوها من الزواج ممن تريد. حكم كتابة بعض الآيات في إناء لتسقى بمائه من تعسرت ولادتها السؤال: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ويجوز أن يكتب للمصاب وغيره من المرضى شيء من كتاب الله وذكره بالمداد المباح، ويغسل ويسقى كما نص على ذلك أحمد وغيره، قال عبد الله ابن الإمام أحمد : قرأت على أبي: حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا سفيان عن محمد بن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا عسر على المرأة ولادتها فليكتب: (باسم الله، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46]، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ [الأحقاف:35]. قال أبي: حدثنا أسود بن عامر بإسناده بمعناه، وقال: يكتب في إناء نظيف فيسقى. قال أبي: وزاد فيه وكيع : فتسقى، وينضح ما دون سرتها. قال عبد الله : رأيت أبي يكتب للمرأة في إجان أو شيء نظيف... إلى آخره. نقل هذا الكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى). فعلم مما نقله أنه يكتب للمرأة في إناء نظيف فتسقى وينضح به ما دون سرتها؛ لأجل تيسير الولادة، ونقله عن أحمد، فهل يصح هذا الفعل؟ الجواب: هذا الإسناد غير صحيح عن ابن عباس ما دام أن فيه محمد بن أبي ليلى ، وأما ما جاء عن بعض السلف كما ذكر ابن تيمية وكذلك ابن القيم في كتاب (زاد المعاد) في كتابة آيات في مناسبات وفي أحوال متعددة فيبدو -والله أعلم- أن ترك ذلك هو الأولى؛ لأنه لا دليل عليه. مراد الحافظ ابن حجر باشتراطه الصحة أو الحسن فيما نقله من أمهات المسانيد والجوامع وغيرها في الفتح السؤال: قال الحافظ رحمه الله تعالى في مقدمة (هدي الساري): ثم أستخرج ثانياً ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية من تتمات وزيادات، وكشف غامض، وتصريح مدلس بسماع، ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك، منتزعاً كل ذلك من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك. اهـ. فما مراد الحافظ بقوله: بشرط الصحة أو الحسن، فهل كل ما أورده الحافظ في الفتح يحكم عليه بهذا الحكم كما هو مشتهر بين طلبة العلم أم أن الحكم مقتصر على ما فصله رحمه الله من فوائد وتتمات وزيادات متعلقة بالحديث المشروح والمتكلم عليه؟ الجواب: هذا الكلام يفهم منه أنه إذا تكلم عليه بضعف أو بصحة فقد حصل المقصود بكلامه المحدد، ولكنه إذا سكت عنه ولم يذكر شيئاً فمقتضى هذا الكلام أنه يكون صحيحاً أو حسناً على حسب كلامه رحمه الله تعالى. حكم ترك المسنون لتأليف القلوب السؤال: هل يجوز ترك المسنون لمصلحة الدعوة، ولتأليف القلوب؟ الجواب: تأليف القلوب يكون باتباع السنة والدعوة إليها، وليس بترك السنن من أجل أن يحصَّل شيئاً وقد لا يحصله، فيكون بذلك قد خسر هذا وهذا. حكم السلام على المرأة حال الحاجة إلى تكليمها السؤال: الرجل قد يضطر إلى أن يتكلم مع المرأة الشابة لأمر من الأمور من وراء حجاب، فهل يبدأ الحديث بالسلام ويختمه بالسلام؟ الجواب: بداية الكلام هو السلام، لكن الكلام مع الشابة أو مع غير الشابة إنما يكون في حدود المقصود والمطلوب، مثل أن يتصل بالهاتف فترد امرأة، فأولاً يسلم، ثم يسأل عن الشخص هل هو موجود أو غير موجود؟ وينتهي عند هذا الحد، ولا يكون هناك استرسال في الكلام أخذاً وعطاءً. توضيح القاعدة: (لا إنكار في مسائل الخلاف) السؤال: ما قولكم فيمن يقول بأنه لا إنكار في مسألة الغناء بالموسيقى، وكذلك مسألة التمثيل بحجة أن اختلاف الأمة رحمة وبالقاعدة الفقهية: لا إنكار في مسائل الخلاف؟ الجواب: ليس كل خلاف يكون معتبراً، والمعول عليه هي الأدلة، وإذا اتضح الدليل وكان موجوداً فلا تجوز مخالفته، ولا يجوز ترك الإنكار من أجل أن هناك من خالف في ذلك؛ لأن المعتبر هو ثبوت الدليل وظهور الحق ولو قال بخلافه من قال، فإنه لا يترك الحق من أجل أن فيه خلافاً، ولو كان الأمر أن كل شيء فيه خلاف لا يتكلم فيه لما كان هناك بيان للحق، بل المسائل الخلافية منها ما يكون القول الآخر ليس عليه دليل، أو هو اجتهاد في مقابل نص، أو قياس في مقابل نص واضح جلي، فلابد من الإيضاح والبيان. حكم ضرب الدف في الأعراس للرجال السؤال: هل يجوز ضرب الدفوف في حفل الزواج للرجال؟ الجواب: لا يجوز ذلك للرجال، وإنما يجوز للنساء فقط؛ لأنه ورد في حق النساء ولم يرد في حق الرجال. حكم الولائم قبل العرس السؤال: ما يفعله بعض الناس من الولائم قبل النكاح مما يسمى الشَّبْكة وغيرها هل يعتبر من الإسراف؟ الجواب: لا شك أنها من التكلف ومن الأشياء التي تثقل كاهل الزوج، وعدم فعل هذه الأشياء والاكتفاء بوليمة واحدة مع عدم المبالغة فيها هو الذي ينبغي. مدى صحة القول بدفن عيسى عليه السلام بجوار النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: يقول بعض الناس: إن عيسى عليه الصلاة والسلام يدفن بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فما مدى صحة هذا الكلام؟ الجواب: لا أعرف شيئاً عن صحته. معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (وأنا أمنة لأصحابي) السؤال: جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي) فما المقصود بقوله: (أنا أمنة لأصحابي)؟ الجواب: معناه أن وجوده بينهم أمنة لهم من الخلاف الذي حصل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، والحديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجواب عن حديث تمتع بعض الصحابة إلى عهد عمر رضي الله عنه السؤال: جاء في الحديث: (كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر )، فما الجواب عن هذا الحديث؛ إذ إنه يدل على أن المتعة تأخر النهي عنها؟ الجواب: قال ابن القيم في (زاد المعاد في هدي خير العباد رحمه الله تعالى: فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أبي بكر رضي الله عنه حتى نهى عنها عمر رضي الله عنه في شأن عمرو بن حريث ، وفيما ثبت عن عمر أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما: متعة النساء، ومتعة الحج. قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، وقد تكلم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلاً من أصول الإسلام، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به. قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود رضي الله عنه حتى يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية، وأيضاً ولو صح لم يقل عمر : إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه صلى الله عليه وآله وسلم حرمها ونهى عنها، قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقاً. والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة ، ولو لم يصح فقد صح حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم متعة النساء، فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه، فلما وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق. وهذا يوضح المقصود، وأنه يبلغهم، وبعد ذلك اشتهر وظهر في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه، ويشبه هذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن) مع أنهن منسوخة، ولكن لقرب العهد كان بعض الناس بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يقرءونها ولم يعلموا بالنسخ، فهذا من هذا القبيل كما قال ابن القيم . حكم اشتراط الولي على الزوج ترك الزواج على موليته السؤال: هل لولي المرأة أن يشترط في العقد ألا يتزوج الزوج على ابنته؟ الجواب: لا بأس بذلك؛ لأنه يريد أن بنته لا تضار ولا يحصل لها يضرها، والإنسان الذي لا يريد هذا الشيء عليه أن يبحث عن غيرها، والأمر فيه سعة، ولكن المحذور هو أن تكون المرأة موجودة ثم تأتي امرأة وتشترط طلاق الموجودة التي حصل لها رزق وخير، وأما ما ذكر في السؤال فلا بأس به. حكم منع الخاطب من النظر إلى مخطوبته السؤال: عندنا عادة وهي أننا لا نسمح للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة، وإذا طلب نمنعه، فهل علينا شيء من الإثم؟ الجواب: حصول الإثم لا أعلم به، والنظر ليس بلازم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن استطعت أن تنظر) يدل على أنه يمكن أن يكون زواج بدون نظر. كلمة توجيهية لطلبة العلم في أيام الإجازة السؤال: نظراً لانتهاء الدراسة لهذا العام وكون كل الطلبة يرجعون إلى بلدانهم نرجو توجيهكم للطلبة في الدعوة إلى الله جل وعلا؟ الجواب: إن هذه الإجازة فرصة على الإنسان أن يغتنمها ويستفيد منها، وألا تضيع عليه بدون فائدة، وذلك بأن يفعل ما يمكنه فعله مما يعود عليه بالخير ومما يعود على غيره بالخير، وذلك بالقراءة والمطالعة وقراءة بعض الكتب النافعة المفيدة، أو القيام بالدعوة إلى الله عز وجل والدعوة إلى الخير، أو تدريس بعض الناس الذين هم بحاجة إلى تدريسه، فيعلمهم أمور دينهم ويفقههم فيها، وهذا من الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن الدعوة إلى الله تكون بالتعليم وتكون بالتذكير، وتكون لأناس يعلمهم ولأناس يذكرهم، فكل ذلك من الدعوة إلى الله عز وجل، فالمهم في الأمر أن الإنسان يستفيد من الإجازة، وألا يضيع الفرصة على نفسه دون أن يستغلها فيما يعود عليه وعلى غيره بالخير. وإذا كان الإنسان ليس عنده إمكانٌ أن يقوم بالدعوة إلى الله عز وجل وأن يعلم غيره فلا أقل من أن يقرأ بعض الكتب النافعة والمفيدة مثل كتاب (إعلام الموقعين) لابن القيم ، وهو كتاب نفيس مشتمل على علم عظيم، وعلى ذكر قواعد في الشريعة، وعلى حكم الأحكام الشرعية، وهو مشتمل على أصول وعلى فروع، وكذلك أيضاً كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد)، فهو كتاب عظيم، فإذا قرأ مثل هذه الكتب وخرج من الإجازة وقد قرأ مثل هذه الكتب فإنه يكون قد خرج بربح وفائدة، وإذا لم يوطن نفسه على أن يعمل مثل هذا العمل فإن الإجازة ستنتهي ولم يربح فيها شيئاً ولم يحصَّل فيها طائلاً؛ لأنه فوت الفرصة على نفسه، ولكنه إذا عقد العزم من أول الأمر على أن يجتهد ويستفيد من العطلة فإنه سيحصل وسيستفيد دون أن تضيع عليه سدىً بلا فائدة، هذه نصيحة مختصرة أحب أن أقولها في هذه المناسبة. الموقف من كتاب الأساس في التفسير ومؤلفه السؤال: ما رأيكم في كتاب الأساس في التفسير لسعيد حوى ، وما رأيكم في مؤلفه؟ الجواب: لا أعرف الكتاب، لكن أعرف أن صاحب الكتاب مخلط، وأنه لا يصلح أن يقرأ شيء من كتبه لما فيها من التخليط، وعلى الإنسان أن يقرأ الكتب المأمونة والكتب النافعة التي يخرج منها بفائدة، مثل الكتابين اللذين أشرت إليهما: كتاب (إعلام الموقعين) و(زاد المعاد)، ومثل تفسير الشيخ ابن سعدي ، فالإنسان إذا أراد أن يقرأ تفسيراً مأموناً وتفسيراً واضحاً يمكنه أن يقرأه ويكمله وهو بعبارات واضحة، جلية فعليه بتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، فهو تفسير قيم وعظيم يصلح للعامة والخاصة؛ لأنه بعبارات واضحة يفهمها الخاص والعام، فليس فيه: (قيل كذا وقيل كذا وقيل كذا)، فهذه أشياء قد تشوش على العامة، فإن عباراته واضحة جلية، فهو يحلل الآيات ويبين معانيها بعبارات واضحة جلية مفهومة، فعلى القارئ أن يقرأ لأناس عندهم سلامة من التخليط، ويكونون أهل علم وليسوا أهل مناهج جديدة منحرفة عن الجادة. ما يصنع بعد زواج الشغار مع الجهل السؤال: إذا تزوج اثنان عن طريق الشغار مع الجهل بالحكم فهل يفرق بينهما؟ الجواب: إذا حصل التراضي والوفاق فإن العقد يجدد. وقت النظر إلى المخطوبة السؤال: هل النظر إلى المخطوبة يكون قبل الخطبة أم بعدها؟ الجواب: قال بعض أهل العلم: إنه يكون قبل الخطبة، فإذا عزم على أن يخطبها فإنه ينظر إليها قبل أن يخطبها، وقالوا: إنه لو خطبها ثم رآها بعد ذلك فقد لا يرغب فيها، وهذا لا يكون إلا عن طريق الاختباء، وأما عن طريق الطلب فلا سبيل إلى رؤيتها إلا أن يكون خاطباً." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [240] الحلقة (271) شرح سنن أبي داود [240] الزواج من أعظم الأمور التي ضبطها الإسلام، وجعلها حصناً لحفظ الأعراض والحد من انتشار الفواحش، وقد اشترط الشرع في الزواج أن يصدر من ولي المرأة، وأبطل النكاح إذا كان بغير إذن الولي. الولاية في النكاح شرح حديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الولي. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان أخبرنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات- فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الولي]. أي: الولي الذي يتولى عقد النكاح للزوج على امرأة، فإنه لابد من وجود ولي لها يتولى ذلك، ولا تتولى هي ذلك بنفسها، ولا يتولاه أجنبي عنها ليس من مواليها إلا بتوكيل من الولي، والولاية في النكاح كانت موجودة في الجاهلية، كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنهم كانوا في الجاهلية يأتي الرجل إلى الرجل فيخطب وليته منه فيزوجها إياه، فكان هذا الحكم الذي هو لزوم الولي في النكاح من الأمور التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام. الحكمة في اعتبار الولي في النكاح وأدلة اشتراطه في الكتاب والسنة ومعلوم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون بالقول والفعل والتقرير، وقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باشتراط الولي كما في الحديث الذي أورده أبو داود وغيره، وجاء ذلك في القرآن الكريم أيضاً، وجاء أيضاً التقرير لهذا الحكم الذي كان في الجاهلية، وأنه من الأحكام التي كانت موجودة وأقرها الإسلام. وهو شيء محمود؛ لأن في ذلك إبعاد المرأة عن الظهور بالاشتغال بالزواج والحياء يغلب عليهن، فكان أن جاء الكتاب والسنة باشتراط الولي في النكاح، وأنه لابد من ولي للمرأة يعقد النكاح لها على من يتزوجها، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على ذلك، وذلك في قول الله عز وجل: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232]، وهو خطاب للأولياء، فلو كانت المرأة يمكنها أن تعقد لنفسها أو يقوم بذلك أحد من غير أوليائها لما كان هناك حاجة إلى أن ينهى الأولياء عن العضل، حين يعضلونهن أن ينكحن أزواجهن، وذلك أن الآية نزلت في معقل بن يسار رضي الله عنه، وكان له أخت زوجها من قريب لها ثم طلقها، ولما انتهت عدتها جاء يخطبها، فحلف معقل أن لا يزوجها إياه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ أي: الذين طلقوهن وانتهت عدتهن. أما إذا كان طلقها وهي باقية في العدة فالأمر إلى الزوج؛ لأن له حق الرجعة، ولكنه إذا خرجت المرأة من العدة صار خاطباً من الخطاب إن شاءت أن تعود إليه فوليها لا يمنعها من ذلك، وإن شاءت أن لا تقبله ورغبت في شخص آخر سواه فإن لها ذلك. فهذه الآية الكريمة فيها نهي الأولياء عن العضل، وهو امتناعهم عن أن يزوجوا الأزواج المطلقين إذا رضيت النساء بهؤلاء الأزواج الذين طلقوهن، فيلزم الولي بأن يعقد لها على زوجها الذي طلقها وانتهت عدتها وأراد أن يتزوجها مرة أخرى، فالآية واضحة الدلالة على أن الولاية لازمة؛ لأنها لو لم تكن لازمة لما كان هناك حاجة إلى أن ينهوا، بل هي تتصرف في نفسها لو كان الأمر إليها، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء فيها من الأحاديث ما أورده أبو داود في هذا الباب، فقد أورد أحاديث تدل على أنه لابد من الولي في النكاح. فأورد أولاً حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل -ثلاث مرات-) ] أي أنه قال: باطل، باطل، باطل. كرر ذلك للتأكيد، قال: (فإن دخل بها فلها المهر بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)]. فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل)] يدل على أن الولاية شرط في النكاح، وأن العقد إذا عقد من غير ولي فإنه يكون باطلاً، وكون المرأة تعقد لنفسها أو توكل أحداً يعقد لها وهي التي تتولى ذلك بغير إذن الموالي فإنه يكون باطلاً كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على العموم، والمعنى أن أي امرأة حصل لها ذلك بغير ولي فإن النكاح يكون باطلاً، ويكون لاغياً كأنه لم يكن؛ لأنه فقد هذا الشرط الذي هو الولي في النكاح. والمقصود بقوله: [ (إذن مواليها) ] كونهم يعقدون أو يأذنون لأحد أن يعقد، أي: إما أن يعقد الولي بنفسه أو يأذن لأحد أن يعقد نيابة عنه. فالمقصود به أن النكاح لا يصح إذا لم يكن من ولي أو وكيل لولي، وليس المقصود به أن المرأة لها أن تزوج نفسها بإذن وليها؛ لأنها ليست لها الولاية في عقد الزواج لنفسها. والولي هو الذي يكون من عصبتها الأولى فالأولى، أي: الأب، ثم الجد، ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، وهكذا على حسب الترتيب، وغير العصبة لا يكونون أولياء، لا ذوو الأرحام ولا الذين يرثون بالفرض كالإخوة لأم. ولابد في الولي الذي يتولى العقد من البلوغ، ويقدم الأصول على غيرهم، ويقدم الفروع على الحواشي، ولو عقد الولي الأدنى مع وجود الأعلى صح إذا أقره، فإذا تنازل من له الحق لمن هو دونه صح العقد. إبطال العقد الخالي عن الولي ثم قال: [ (فإن دخل بها) ] يعني: إن دخل عليها بهذا العقد الذي هو غير صحيح [ (فلها المهر بما أصاب منها) ] يعني: هذا الذي دفعه لها مهراً لا يرجع إليه ما دام أنه أصابها وجامعها؛ لأن لها ذلك بما استحل من فرجها. وإذا اشتجر الأولياء -بمعنى أنهم اختلفوا أو عضلوا- فإن الولاية تنتقل إلى السلطان [ (فالسلطان ولي من لا ولي له) ]، وهذا يدلنا -أيضاً- على أن المرأة لا حق لها في عقد النكاح؛ إذ جعل الشرع الحق في ذلك للأولياء، ثم تنتقل للسلطان ولا تنتقل إليها، فالأمر يرجع إلى الأولياء، ثم إن كانوا لا يوجدون أو يوجدون ولكنهم عاضلون وممتنعون من تحقيق رغبتها وتزويجها بمن هو أهل للزواج منها فإن ذلك الأمر ينتقل إلى السلطان، لقوله: [ (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) ]. تراجم رجال إسناد حديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل) قوله: [حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن موسى ]. سليمان بن موسى صدوق، أخرج له مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة هم: عروة بن الزبير و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود و خارجة بن زيد بن ثابت و سليمان بن يسار و سعيد بن المسيب و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ؛ لأن الستة الأولين متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر . وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . فعروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة الذين اشتهروا بهذا الاصطلاح، ويأتي ذكرهم به للاختصار إذا كانوا متفقين، وذلك بدلاً من قولهم: فلان وفلان... إلخ. كما ذكروا في زكاة العروض، حيث قالوا فيها: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة. أي: قال بوجوب الزكاة في عروض التجارة الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وكلمة (الفقهاء السبعة) تطلق على هؤلاء السبعة لتغني عن سرد أسمائهم. [ عن عائشة ]. عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أنس بن مالك و أبو سعيد الخدري و جابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها ...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي حدثنا ابن لهيعة عن جعفر -يعني ابن ربيعة - عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. قال أبو داود : جعفر لم يسمع من الزهري ، كتب إليه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وقال: [ بمعناه ] يعني: بمعنى اللفظ السابق؛ لأن كلمة (بمعناه) تعني أنه موافق في المعنى وليس مطابقاً في الألفاظ، بخلاف ما إذا قيل: (مثله) أو (بمثله) فإنه مطابق في اللفظ والمعنى، فأحال إلى المتن السابق ولكن قال: [ بمعناه ]، أي: بمعنى المتن السابق وليس بألفاظه. ويعتبر هذا الإسناد مقوياً للأول ومسانداً له. تراجم رجال إسناد حديث (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها...) من طريق ثانية قوله: [حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [حدثنا ابن لهيعة ]. هو عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق، اختلط لما احترقت كتبه، ولكن ذكر العلماء أن من الرواة من سمع منه قبل الاختلاط، ومنهم العبادلة الأربعة: عبد الله بن مسلمة و عبد الله بن وهب و عبد الله بن المبارك و عبد الله بن يزيد المقرئ المكي ، هؤلاء الأربعة سماعهم منه أو روايتهم عنه صحيحة؛ لأنهم سمعوا منه قبل الاختلاط، وهنا الرواية لأحد هؤلاء الأربعة، ومن الذين صح سماعهم عنه قتيبة بن سعيد أيضاً. و ابن لهيعة صدوق اختلط لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم مقروناً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وأما النسائي فإنه لا يخرج له مستقلاً، بل ولا يسميه عندما يكون موجوداً في إسناد مقروناً بغيره، فيبهمه فيقول: (حدثنا فلان حدثنا فلان عن فلان ورجل آخر) فهو لم يخرج له مستقلاً، وإذا ذكر إسناداً فيه ابن لهيعة لا يسمي ابن لهيعة ، بل يقول: (ورجل آخر). [ عن جعفر ]. هو جعفر بن ربيعة ، وهو المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وزيادة: (يعني ابن ربيعة ) -كما هو معلوم- زادها من دون تلميذ جعفر هذا؛ لأن تلميذه الذي هو ابن لهيعة قال: (جعفر )، وما زاد، لكن الذي دونه والذي قبله -وهو عبد الله بن مسلمة أو أبو داود أو من دون أبي داود - هو الذي أتى بزيادة (يعني ابن ربيعة) لأن كلمة (يعني) فعل مضارع له فاعل وله قائل، ففاعله ضمير مستتر يرجع إلى ابن لهيعة التلميذ، وقائله من دون ابن لهيعة . وهذا من دقة المحدثين وعنايتهم واهتمامهم بالمحافظة على الألفاظ وعلى الصيغ التي تأتي؛ لأن من دون ابن لهيعة لو قال: (جعفر بن ربيعة ) لظن أن هذا كلام ابن لهيعة ، و ابن لهيعة ما قال: (جعفر بن ربيعة ) بل قال: (جعفر ) فقط، فمن دون ابن لهيعة أراد أن يوضح هذا المهمل، وهذا يسمى في علم المصطلح (المهمل) حيث يذكر اسمه ولا يذكر اسم أبيه، أو اسمه واسم أبيه ولا يذكر اسم جده، أو نسبته إذا كان ملتبساً بغيره، فهذا يسمونه (المهمل)، وهذا -كما قلت- من عناية العلماء ودقتهم، وأنهم يحافظون على الألفاظ، وإذا أراد من دون التلميذ أن يوضح ذلك الشخص المهمل فإنه يأتي بكلمة (يعني) حتى يعرف أنها ليست من التلميذ. قوله: [ عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ابن شهاب وعروة وعائشة قد مر ذكرهم جميعاً. الكتابة واعتبارها في التحمل عند علماء الحديث قوله: [ قال أبو داود : جعفر لم يسمع من الزهري ، كتب إليه ]. معلوم أن هذا الإسناد يقوي ويؤيد الإسناد الأول السابق الذي قبل هذا، وقوله: [لم يسمع من الزهري ، كتب إليه] لا يؤثر؛ لأن الكتابة معتبرة؛ لأنه وإن لم يسمع فيكفي أن يكون كتب إليه، والكتابة كانت معتبرة عند المحدثين، وقد كان ذلك موجوداً عند الصحابة، كما في حديث المغيرة بن شعبة و معاوية في قصة كاتبه وراد في الذكر بعد الصلاة، فإنه قال: (كتب إليه). وكذلك البخاري استعملها في موضع واحد عن شيخه محمد بن بشار حيث قال: (كتب إلي محمد بن بشار )، فالكتابة طريق معتمدة للرواية لكنها ليست سماعاً. فهذا الكلام ليس فيه قدح في الرواية، ولكن فيه بيان للواقع، وأن الرواية ليست عن طريق السماع وإنما هي عن طريق الكتابة. شرح حديث (لا نكاح إلا بولي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن قدامة بن أعين حدثنا أبو عبيدة الحداد عن يونس و إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي). قال أبو داود : وهو يونس عن أبي بردة ، و إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي)] يعني: لا يعتبر النكاح ولا يصح النكاح إلا بولي. وهذا نفي للصحة، وأنه لا يعتبر ولا يعتد به إلا إذا كان من ولي، وهو دليل من جملة الأدلة على اعتبار الولي، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، وهذا من أدلة السنة على اعتبار الولي في النكاح، وأنه لا يصح إلا بولي، ولا ينعقد النكاح إلا بولي للمرأة يتولى عقد نكاحها. والولاية في النكاح يعتبرها الجمهور، وبعض الفقهاء يقول بجواز تزويج المرأة نفسها، لكن هذا مخالف لهذه الأحاديث، ومخالف -أيضاً- لما جاء في القرآن في آية فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232]. تراجم رجال إسناد حديث (لا نكاح إلا بولي) قوله: [حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ]. محمد بن قدامة بن أعين ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو عبيدة الحداد ]. عبد الواحد بن واصل ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [عن يونس ]. هو يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [و إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو مشهور بكنيته، قيل: اسمه عامر . وقيل غير ذلك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو عبد الله بن قيس الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : وهو يونس عن أبي بردة ، و إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة ]. معناه أن يونس يروي عن أبي بردة من غير واسطة أبي إسحاق ، وأما إسرائيل فهو يروي عن أبي إسحاق عن أبي بردة ، وهذا لا يؤثر، فقد قالوا: إن يونس سمع من أبي بردة . ومعنى هذا أنه متصل، فالطريق الأولى فيها علو والطريق الثانية فيها نزول، والطريق النازلة أقوى من الطريق العالية؛ لأن إسرائيل في روايته عن جده أبي إسحاق مقدم على أبيه، إذ إنه ثقة وأبوه صدوق يهم قليلاً. شرح حديث تزويج النجاشي أم حبيبة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها كانت عند ابن جحش فهلك عنها، وكان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي عندهم ]. أورد أبو داود حديث أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما: أن النجاشي زوجها للرسول صلى الله عليه وسلم وكانت عندهم بأرض الحبشة. ومحل الشاهد من إيراد الحديث في باب الولي قوله: [ وزوجها النجاشي ] يعني أنه كان هو ملك الحبشة وكان هو السلطان، وليس لها ولي، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل عمرو بن أمية الضمري ، وهو الذي وكله في قبول الزواج عنه صلى الله عليه وسلم، فيكون النجاشي هو الولي، ويكون الذي قبل الزواج للرسول صلى الله عليه وسلم هو عمرو بن أمية الضمري ، فمحل الشاهد منه قوله: [فزوجها النجاشي ] وهذا يدل على اعتبار الولي، وأيضاً هو مثل ما تقدم (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له). وقوله: [ عن أم حبيبة أنها كانت عند ابن جحش فهلك عنها ]. يعني: كانت مع عبيد الله بن جحش ، وكان مسلماً كما كانت هي مسلمة، و هاجر إلى أرض الحبشة، ثم تنصر زوجها وهلك نصرانياً -والعياذ بالله- بعد أن ارتد عن الإسلام، وبقيت هناك، فزوجها النجاشي للنبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث تزويج النجاشي أم حبيبة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عروة ]. مر ذكرهما. [عن أم حبيبة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، واسمها رملة بنت أبي سفيان ، حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. بيان وتوضيح لحديث طلب أبي سفيان زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته أم حبيبة وقد جاء حديث في صحيح مسلم فيه أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، قال: تؤمرني أن أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، وتجعل معاوية كاتباً بين يديك، وتتزوج أم حبيبة . وهذا يخالف ما جاء في الحديث الذي بين أيدينا. فإن النجاشي زوجها برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أبا سفيان كان مشركاً، وليس له حق الولاية، والكافر ليس له حق الولاية على المسلمة، فالمرأة إذا كان أبوها كافراً فليس له أن يعقد النكاح لابنته المسلمة، فولاية المسلمة هي للمسلم، ولا يليها كافر ويعقد نكاحها وهو كافر. وهذا الحديث الذي ذكر فيه قول أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم تكلم فيه العلماء، وأوضح الكلام فيه ابن القيم وقال: إن هذا خطأ، وإن الرواية فيها غلط؛ لأن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها وأرضاها تزوجت إما سنة ست وإما سنة سبع، و أبو سفيان لم يسلم إلا عام الفتح في السنة الثامنة، فهو غير مستقيم، ولهذا اعتبروه من الأحاديث التي هي خطأ في صحيح مسلم . والصحيح أن الذي زوجها النجاشي ، وأنها تزوجت قبل أن يسلم أبوها، وتكلم العلماء كلاماً كثيراً ذكره ابن القيم ورده، وقال: إن هذا ليس بصحيح، وإنما الذي يظهر أنه يقال: الأقرب فيه أنه خطأ. وذكر أوجهاً لتأويله وقال: إنها بعيدة جداً لا تصح، وقد ذكر ذلك ابن القيم في كتابه (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام)؛ لأنه ذكر عند ذكر الآل في قوله: (اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد) تراجم مختصرة لأمهات المؤمنين؛ لأنهن من جملة الآل، وعند كلامه على أم حبيبة وترجمته لها ذكر هذا الحديث الذي في صحيح مسلم ، وذكر كلام العلماء فيه، وكذلك -أيضاً- ذكره في تهذيب السنن. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
العضل شرح حديث معقل بن يسار في قصة عضله أخته قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في العضل. حدثنا محمد بن المثنى حدثني أبو عامر حدثنا عباد بن راشد عن الحسن حدثني معقل بن يسار رضي الله عنه قال: كانت لي أخت تخطب إلي، فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه، ثم طلقها طلاقاً له رجعة، ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها فقلت: لا والله لا أنكحها أبداً. قال: ففي نزلت هذه الآية: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] الآية. قال: فكفرت عن يميني فأنكحتها إياه ]. أورد أبو داود باب العضل، يعني عضل الأولياء، وعضل الأولياء هو منع الأولياء مولياتهم من الزواج، حين يتقدم لهن كفؤ فيمتنع لأي غرض من الأغراض، إما لأنه يريد أن يضارها، أو يريد أن يحصل مالاً، أو يريد أن يختارها لمن يريد خلاف رغبتها وخلاف رأيها، هذا هو العضل، فهو منع الولي المرأة من الزواج، وهو يكون من الأولياء كما هو معلوم. وقد أورد أبو داود فيه حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أنه كان له أخت، وكانت تخطب، فخطبها ابن عم لها فزوجها إياه، ثم إنه طلقها ابن عمها طلاقاً رجعياً فتركها حتى خرجت من العدة، ولما خرجت من عدتها تقدم من تقدم لخطبتها، وكان من جملة الخطاب زوجها الأول ابن عمها فحلف أن لا يزوجها إياه، كأنه غضب عليه لكونه يزوجها إياه ثم يطلقها ثم يرجع إليها، فأراد أن لا يزوجها إياه، فنزلت الآية في ذلك: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232]. فقوله تعالى: (( فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ )) يعني: خرجن من العدة، لأنه إذا كانت المطلقة في العدة فمن حق الزوج أن يراجعها، ولكنها تخرج من عصمته إلى أن يكون أمرها بيدها إذا خرجت من العدة. وقوله تعالى: (( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ )) يعني: إذا رغبن أن يعدن إلى أزواجهن إذا خطبوهن. وقوله: (( أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ )) هو باعتبار ما كان، أي: أزاوجهن الذين طلقوهن. فكفر معقل بن يسار عن يمينه التي حلف أن لا يزوجها ابن عمها هذا وزوجها إياه، وانتهى عن هذا الذي كان مصراً عليه وحالفاً عليه. وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستسلام والانقياد لحكم الله، وأنه إذا جاءهم النص وجاءتهم السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعدونها ولا يتجاوزونها، ولو كانت تخالف ما يرغبون وما يشتهون؛ لأن هذا الذي جاء به القرآن مخالف لرغبته التي حلف عليها، وهي أن لا يزوجها؛ لأنه غضب على ذلك القريب لها، ولكنه لما جاء النص وجاء الحكم الشرعي استسلم وانقاد لحكم الله، فهذا دال على فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبلهم رضي الله عنهم وأرضاهم. وقد ذكر بعض أهل العلم أن أوضح دليل على اشتراط الولي، أو من أوضح الأدلة على اشتراط الولي هذه الآية؛ لأنه لو كان الأمر بيدها وهي ترغب في الزواج وأخوها يمنعها لما احتاجت إلى أخيها، بل ستزوج نفسها أو تعمل عملاً يوصلها إلى زوجها، ولكن المسألة صارت مرتبطة بهذا الولي، ولا سبيل إلى الوصول إلا عن طريق الولي، فنزل القرآن في نهي الأولياء عن العضل. ومن عضل الأولياء مولياتهم ما يفعله بعض الآباء اليوم من المغالاة في المهور فيرجع الخطاب بسبب هذه المغالاة، وإذا لم تجد المرأة استجابة لرغبتها في زواجها من قبل وليها جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ليصبح هو وليها وتنتقل الولاية من أبيها، وللحاكم أن يزوجها. تراجم رجال إسناد حديث معقل بن يسار في قصة عضله أخته قوله: [حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن البصري العنزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [حدثني أبو عامر ]. هو أبو عامر العقدي ، وهو عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا عباد بن راشد ]. عباد بن راشد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثني معقل بن يسار ]. هو معقل بن يسار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. إنكاح الوليين شرح حديث (أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما) قال رحمه الله تعالى: [ باب إذا أنكح الوليان. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام . ح: وحدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام . ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -المعنى- عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما، وأيما رجل باع بيعاً من رجلين فهو للأول منهما) ]. أورد أبو داود [باب إذا أنكح الوليان]. أي: إذا أنكح وليان فما الحكم؟ هل يفسخ النكاح مطلقاً أو يبطل نكاح أحدهما دون الآخر؟ هذا هو المقصود من الترجمة. وأورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: [ (أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما) ] لأنه ما دام حصل العقد عليها فإنها صارت زوجة بذلك، فإذا حصل عقد آخر بعد ذلك فمعناه أنه جاء في غير محله، فتكون للأول منهما، لكن إذا حصل التزويج ولم يكن فيه متقدم ولا متأخر فإنه يكون لاغياً، ولكن حيث يكون أحدهما متقدماً والآخر متأخراً فإن الحكم يكون للمتقدم والآخر يكون عقده لاغياً. والحديث في إسناده الحسن عن سمرة ، ورواية الحسن عن سمرة فيها خلاف بين أهل العلم، والصحيح فيها أن حديث العقيقة ثابت سماعه منه، وأما غير ذلك فهو غير ثابت. فالشيخ الألباني رحمه الله ضعف الحديث بسبب هذا، ولكن معناه صحيح، قال الترمذي : لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بخلاف ذلك. أي أنه متفق عليه، وهو كون العقد للأول. وقوله: [ (وأيما رجل باع بيعاً من رجلين فهو للأول منهما) ]. معناه أنه إذا كان عند إنسان سلعة فباعها لرجل ثم باعها للثاني فهي للأول؛ لأن بيعها للثاني لم يكن في محله، فهي لم تعد في ملك البائع، وحينها باع ما لا يملك؛ فهي للأول منهما، لأن العقد تم فاستحقه الأول، والثاني جاء والعقد في غير محله. ومعنى قوله: [ (من رجلين) ] أي: على رجلين. تراجم رجال إسناد حديث (أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما) قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا محمد بن كثير ]. [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد. و محمد بن كثير العبدي ثقة، مر ذكره. [أخبرنا همام ]. هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ؛ لأن حماداً إذا جاء موسى بن إسماعيل يروي عنه فالمراد به حماد بن سلمة ، وهذا الذي يسمونه (المهمل) في علم المصطلح، يذكر الشخص باسمه ولا يذكر معه اسم أبيه فيلتبس بغيره. ويطلق اسم حماد على حماد بن زيد و حماد بن سلمة ، وهما في زمن واحد وفي بلد واحد، ومتماثلان في الشيوخ والتلاميذ، ولكن حيث جاء موسى بن إسماعيل يروي عن حماد فإنه يحمل على حماد بن سلمة وليس على حماد بن زيد . و حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وقوله: [المعنى] معناه أن هؤلاء الرواة ليسوا متفقين في الألفاظ، وإنما روايتهم متفقة في المعنى؛ لأنها ثلاث طرق، وهذه الطرق الثلاث متفقة في المعنى. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، مر ذكره. [ عن سمرة ]. هو سمرة بن جندب رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله تعالى: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن) شرح حديث تفسير ابن عباس لآية إرث النساء كرهاً وعضلهن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ [النساء:19]. حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أسباط بن محمد حدثنا الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما -قال الشيباني : وذكره عطاء أبو الحسن السوائي ، ولا أظنه إلا عن ابن عباس - في هذه الآية: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ قال: كان الرجل إذا مات كان أولياؤه أحق بامرأته من ولي نفسها، إن شاء بعضهم زوجها أو زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فنزلت هذه الآية في ذلك ]. أورد أبو داود [ باب قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ] والمقصود من ذلك بيان تفسير هذه الآية وبيان سبب نزولها، وأنه كان من عادات الجاهلية أن من تزوج امرأة ثم مات عنها فإن ورثته أحق بها من نفسها، وكانوا يمسكونها فيتزوجها من أراد منهم أو يزوجونها، فجاء الإسلام وأبطل ذلك، فإذا مات زوجها رجع الأمر إلى وليها، فيرجع الأمر إلى ما كان عليه قبل الزواج الأول، لا أن تنتقل الولاية إلى أهل الزوج فيرثون بضعها بأن يتزوجها أحدهم أو يزوجها، وإنما يرجع إلى أوليائها وإليها هي حيث تختار من ترضاه فيزوجها وليها. فهذا من عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام، والجاهلية كان فيها أمور أقرها الإسلام، ومنها أن الولي كان معتبراً في الجاهلية وجاء الإسلام واعتبره، كما جاء في حديث عائشة في صحيح البخاري . وفي هذا الحديث يذكر بعض الأمور التي كانت في الجاهلية في مسألة الولاية فألغاها الإسلام وأبطلها، حيث حرم عليهم أن يرثوا بضعها ويرثوا الولاية عليها، بل عندما يموت زوجها يرجع الأمر إلى ما كان عليه قبل الزواج، حيث تكون الولاية لوليها، وليس لأولياء الزوج تسلط عليها. قوله: [ كان الرجل إذا مات كان أولياؤه أحق بامرأته من ولي نفسها ]. ولي نفسها هو أبوها أو أخوها أو الذي يزوجها. قوله: [ إن شاء بعضهم زوجها أو زوجوها ]. أي: إن شاء بعضهم زوجها غيره أو تزوجها هو، أو هم يتولون تزويجها. فمعناه أن الأمر يرجع إلى ورثته، وهم الذين يتولون التصرف فيها إما بتزوجها وإما بتزويجها من يشاءون ويأخذون مهرها. وقوله: [ وإن شاءوا لم يزوجوها ]. أي: إن شاءوا عضلوها ومنعوها من الزواج. تراجم رجال إسناد حديث تفسير ابن عباس لآية إرث النساء كرهاً وعضلهن قوله: [حدثنا أحمد بن منيع ]. أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أسباط بن محمد ]. هو أسباط بن محمد القرشي ، ثقة ضعف في الثوري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الشيباني ]. هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال الشيباني : وذكره عطاء أبو الحسن السوائي ]. هذه طريق أخرى، عطاء أبو الحسن السوائي مقبول أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . شرح حديث ابن عباس في تفسير آية إرث النساء كرهاً وعضلهن من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء:19] وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله عن ذلك ونهى عن ذلك ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن ابن عباس ، وفيه أنه كان في الجاهلية يرث الرجل امرأة قريبه، فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه المهر، ومعناه أنهم كانوا يتصرفون فيها وأمرها إليهم وليس إلى ولي نفسها. قوله: [ فأحكم الله عن ذلك ونهى عن ذلك ]. معناه أنه أحكم هذا الأمر وأنزل الشيء الذي فيه القضاء عليه والنهي عنه، وأن الأمر يرجع إلى ما كان عليه قبل التزويج، حيث ترجع الولاية إلى الذين لهم حق تزويجها شرعاً. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في تفسير آية إرث النساء كرهاً وعضلهن من طريق ثانية قوله: [حدثنا أحمد بن ثابت المروزي ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، وهو ابن شبويه الذي سيأتي في الإسناد الذي بعد هذا، وهو ثقة أخرج له أبو داود . [حدثني علي بن حسين بن واقد ]. علي بن حسين بن واقد صدوق، يهم أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [عن أبيه]. أبوه ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهما. شرح حديث ابن عباس في تفسير آية إرث النساء من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن شبويه المروزي حدثنا عبد الله بن عثمان عن عيسى بن عبيد عن عبيد الله مولى عمر عن الضحاك بمعناه، قال: فوعظ الله ذلك ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه قال: [فوعظ الله ذلك] أي: وعظ في ذلك، يعني: أنزل شيئاً فيه وعظ الناس وتذكيرهم وإخبارهم بما يجب عليهم أن يسلكوه، حيث قال تعالى: (( لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا )) هذا هو المقصود بقوله: [فوعظ الله ذلك] أي: وعظ في ذلك. وقد تكون كلمة (وعظ) قد ضمنت معنى (منع). تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في تفسير آية إرث النساء من طريق ثالثة قوله: [حدثنا أحمد بن شبويه المروزي ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي الذي مر في الإسناد السابق، وهو منسوب إلى جده ثابت في الإسناد الأول؛ لأنه قال: أحمد بن ثابت وهو: [أحمد بن محمد بن ثابت ]. وإذا رجع المتأمل إلى التقريب للبحث عن أحمد بن ثابت لا يجد أحداً روى له أبو داود بهذا الاسم، وإنما يجد شخصاً واحداً روى له ابن ماجة هو أحمد بن ثابت . فالشخص قد يكون منسوباً إلى جده كما حصل هنا، لأنه منسوب إلى جده، فإذا بحث عنه وحصل اسم أبيه فإنه يجد الترجمة عند ذكر اسم أبيه. ويقال له: أحمد بن شبويه كما جاء في الإسناد الثاني؛ لأن أحمد بن ثابت هو أحمد بن شبويه فهو شخص واحد عبر عنه في الإسناد بأحمد بن ثابت منسوباً إلى جده وعبر عنه بابن شبويه بهذا الذي اشتهر به، وهو ثقة أخرج له أبو داود . [حدثنا عبد الله بن عثمان ]. هو عبد الله بن عثمان المروزي ، ولقبه عبدان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عيسى بن عبيد ]. عيسى بن عبيد صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبيد الله مولى عمر ]. هو عبيد الله مولى عمر بن مسلم الباهلي ، وهو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن الضحاك بن مزاحم ]. الضحاك بن مزاحم صدوق كثير الإرسال، أخرج له أصحاب السنن. ولكن هذه الطريق هي بمعنى الطرق السابقة، فكونها فيها مجهول أو فيها صدوق كثير الإرسال لا يؤثر فيها؛ لأن معناها مطابق لما جاء في الروايات السابقة، فالذي فيها موجود في الروايات السابقة الثابتة. الأسئلة الإذن في الوكالة عن الولي في الزواج السؤال: هل يلزم الوكيل عن الولي أن يحصل على الإذن من الولي في التوكيل؟ الجواب: الوكيل لا يكون وكيلاً إلا بإذن من الولي، والوكالة العامة هنا لا تكفي، فتولي العقد للمرأة يحتاج إلى توكيل خاص. حكم الدخول بالمعقود عليها دون ولي السؤال: إذا أصاب رجل امرأة قد عقد عليها بدون ولي فهل يفسخ العقد ويعيده مرة أخرى مع وجود الولي، أو إن رضي الولي كفى العقد الأول؟ الجواب: لا يكفي العقد الأول، بل لو تزوجت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل، فهي لو زوجت نفسها فلا يصح لها ذلك؛ لأن هذا مخالف لما جاءت به السنة ولما جاء في القرآن الكريم، ولكنه يكون -كما هو معلوم- نكاح شبهة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (فإن دخل بها فلها المهر بما أصاب منها). حكم ولاية الابن لأمه في الزواج السؤال: هل الابن يكون ولياً لأمه؟ الجواب: نعم يكون ولياً إذا كان بالغاً؛ لأنه من عصبتها. استواء الولاية على البكر والولاية على الثيب السؤال: هل يفرق في الولاية بين البكر والثيب؟ الجواب: ولي البكر هو ولي الثيب، والولاية على الثيب والولاية على البكر واحدة. حكم ولاية تارك الصلاة السؤال: إذا كان أبو المرأة تاركاً للصلاة فهل يكون ولياً؟ الجواب: لا يكون ولياً إذا كان تاركاً للصلاة، بل تنتقل الولاية إلى غيره. حكم عقد الرجل النكاح لأخت زوجته وما يصنع فيه السؤال: لي عمة في جِدَّة لم يعقد لها وليها، وإنما عقد لها زوج أختها، وهو أجنبي عنها، ولها الآن بنت عمرها ثمان سنوات، وإخوانها خارج المملكة، وقد مات أبوها ولا ابن لها، فمن يعقد لها؟ وهل يجوز لي أن أعقد لها؟ الجواب: يرجع الأمر في هذا إلى المحكمة، وهي التي تتخذ ما تراه حول الزواج السابق وحول الذي حصل وحول ما يستقبل. حكم تزويج القاضي المرأة لرجل رفضه وليها السؤال: تزوج رجل من امرأة بغير إذن وليها، وكان القاضي هو وليها، والسبب أن وليها رفض الزواج بسبب التزامه وأنه ذو لحية، فهل يصح هذا النكاح؟ الجواب: إذا كان القاضي قد زوجها فالزواج صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فالسلطان ولي من لا ولي له) وإذا كان العضل قد حصل من الأب لأشياء معينة في الزوج فليراجع في ذلك القاضي، وإذا كان هناك اعتراض على هذا فليراجع من فوق القاضي. الترتيب في ولاية الأولياء السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما)، أليس فيه اعتبار الترتيب بين الأولياء كالأب والأخ مثلاً؟ الجواب: الأصل هو اعتبار الترتيب، فليس لأحد أن يتعدى، لكن من حيث العموم فالأخ يعتبر ولياً، ولكن ولايته متأخرة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [241] الحلقة (272) شرح سنن أبي داود [241] حفظ الإسلام حق المرأة في اختيار الزوج والرضا به، فلا يجوز إجبارها على أن تنكح رجلاً لا ترضاه، بل يجب على الولي أن يستأذنها في أمر نكاحها، ويكفي للدلالة على رضا البكر سكوتها. استئمار الثيب والبكر في النكاح شرح حديث (لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر إلا بإذنها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستئمار. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر إلا بإذنها. قالوا: يا رسول الله! وما إذنها؟ قال: أن تسكت) ]. يقول الإمام أبو داود رحمه الله: [باب في الاستئمار]. والاستئمار هو طلب الأمر من المرأة حين يعرض عليها الأزواج بأن توافق أو ترفض. والاستئمار غالباً يأتي مع الثيبات؛ لأنهن اللاتي لابد لهن من أن ينطقن وأن يتكلمن بما يردنه من الرغبة فيمن يعرض عليهن أو الرفض، وأما الأبكار فقد جاء كثيراً التعبير في حقهن بالاستئذان، وجاء في بعض الأحاديث الاستئمار، لكن لا يلزم في حق البكر أنها تنطق كما هو مطلوب من الثيب، وإنما يكفي أن تصمت وأن تسكت؛ لأن الأبكار يغلب عليهن الحياء؛ لأن هذا شيء جديد عليهن، بخلاف الثيبات، فقد سبق لهن أن عاشرن الأزواج واتصلن بالأزواج فصارت الثيب يعبر عن طلب رأيها بالاستئمار، وأنه لابد من نطقها بما تريد، وأما الأبكار فيعبر في حقهن بالاستئذان، ويعبر بالاستئمار، لكنه لا يلزمها ما يلزم الثيب من النطق، بل إن نطقت فقد تبين مرادها بنطقها، وإن لم تنطق ولكنها سكتت لما يغلب عليها من الحياء فإن ذلك يكون كافياً، كما جاء بيان ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر إلا بإذنها. قالوا: يا رسول الله! وما أذنها؟ قال: أن تسكت)، فهذا الحديث فيه الحكم المتعلق بالثيبات والحكم المتعلق بالأبكار، وفيه التفريق بين الثيبات والأبكار؛ لأن الثيبات مطلوب نطقهن وإفصاحهن بما يردن من الرغبة أو الامتناع، وأما الأبكار فإن حصل منهن النطق فقد اتضح مرادهن بنطقهن، وإن لم يحصل منهن وسكتن فسكوتهن يعتبر دليلاً على رضاهن. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن إذنها أن تصمت، وأنه لا يلزم أن تنطق كما يلزم في حق الثيب، وعلى هذا فالحديث واضح في التفريق بين الثيبات والأبكار؛ لأن الثيبات لابد لهن من النطق، ولهذا يأتي التعبير بالاستئمار أو بالأمر بأنها تستأمر، وأما الأبكار فإنه يأتي التعبير في حقهن بالإذن والتعبير بالاستئمار أو بالأمر، ولكن نطقهن ليس بلازم، بل يكفي السكوت والصمت، فهو دليل على موافقتها وعدم امتناعها، وأما إن رفضت وتكلمت وقالت: إنها لا تريد فإنها لا تجبر ولا تلزم. تراجم رجال إسناد حديث (لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر إلا بإذنها) قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو مدني ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث (تستأمر اليتيمة في نفسها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد -يعني ابن زريع -. ح: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -المعنى- حدثني محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها) والإخبار في حديث يزيد ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (تستأمر اليتيمة في نفسها)]، والمقصود باليتيمة التي مات أبوها ووليها غيره، فإنه يستأمرها، يعني: يطلب منها أن تخبر بالرغبة فيمن يعرض عليها من الأزواج أو الرفض، والمقصود باليتيمة باعتبار ما كان؛ لأنها لا تستأذن وهي في حال يتمها، ولكنه باعتبار ما كان لها من اليتم، وإنما يكون ذلك بعد البلوغ، فبعد بلوغها تستأمر وتستأذن، ولا يلزم أن تنطق، بل يكفي أن تصمت، وعبر عنها باليتم باعتبار ما كان، وهو ما قبل البلوغ؛ لأن هذا الوصف كان معها، فعوملت بعد بلوغها معاملة ما كان قبل البلوغ من إطلاق اليتم عليها. وهذا نظير قول الله عز وجل: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، ومعلوم أن اليتيم لا يعطى ماله إلا بعد أن يبلغ ويرشد، ولهذا يقول الله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، ومعناه أنه بعد البلوغ، ولكنه أطلق اليتم باعتبار ما كان لا باعتبار الحال، أي أنه كان يتيماً فيما مضى فاستعمل معه هذا الوصف بعد البلوغ. قوله: [ (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها) ]. هذا يدل على أن سكوت الأبكار إذن منهن، وأنه لا يلزم النطق، وهذا فيه -كما أشرت- أن الاستئمار يطلق أيضاً في حق من لا يلزمه النطق. قوله: [ (وإن أبت فلا جواز عليها) ]. يعني: لا تجبر على الزواج، فما دام أنها رفضت وأنها لم توافق وامتنعت عن الزواج بمن عرض عليها فإنه لا جواز عليها، فلا يجوز أن تجبر على تزويجها. تراجم رجال إسناد حديث (تستأمر اليتيمة في نفسها) قوله: [حدثنا أبو كامل ]. هو فضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن يزيد -يعني ابن زريع - ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. قوله: [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد. و موسى بن إسماعيل هو التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و حماد هنا مهمل غير منسوب، والشخص إذا ذكر باسمه دون اسم أبيه يقال له: (مهمل) أو ذكر باسمه واسم أبيه ولكنه لم يؤت بما يزيد توضيحه فإنه -كذلك- يقال له: (مهمل)، أي أنه أهمل من أن يتميز عن غيره ممن يشابهه ويماثله. و موسى بن إسماعيل إذا جاء يروي عن حماد وهو غير منسوب فالمراد به حماد بن سلمة وليس حماد بن زيد . والمزي في تحفة الأشراف لما ذكر ترجمة حماد بن سلمة بعد ترجمة حماد بن زيد وهما متجاورتان في تهذيب الكمال ذكر فصلاً في تمييز هذا من هذا، وذلك بمعرفة الرواة الذين يروون عنه، فإذا روى فلان وفلان عن فلان فهو حماد بن زيد ، وإذا روى فلان وفلان وفلان عن حماد غير منسوب فهو حماد بن سلمة . قوله: [المعنى ]. أي: المعنى واحد. يعني: الطريق التي فيها أبو كامل عن يزيد بن زريع والطريق الثانية التي فيها موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة المعنى فيهما واحد، فهاتان طريقان متفقتان في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ. [حدثني محمد بن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا. شرح قوله (والإخبار في حديث يزيد) قوله: [والإخبار في حديث يزيد ]. يعني أن لفظ الإخبار -وهو قوله: حدثني محمد بن عمرو - جاء في الطريق الأولى طريق يزيد بن زريع الذي هو شيخ شيخ أبي داود في الإسناد الأول. والطريق الثانية التي لم يسق لفظها هي بالعنعنة، والعنعنة -كما هو معلوم- لا تؤثر في رواية الأشخاص الذين لا يعرفون بالتدليس. ولكن هذا من دقة المحدثين وعنايتهم ببيان كون راو قال: (حدثني) أو (أخبرني) وآخر قال: (عن)، والمقصود من ذلك بيان الواقع والحقيقة. ولهذا نجد في بعض الأحاديث أنه إذا كان الفرق بين الراويين بأن قال أحدهما: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) والثاني قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم) فإنهم يميزون بين هذا وهذا، وهذا كله من العناية بالضبط والتحديث بما سمعوه، وأنهم يتقيدون بالألفاظ حتى في التفريق بين كون هذا عبر بالرسول وهذا عبر بالنبي، مع أن التعبير بالنبي والتعبير بالرسول واحد، فيستوي قوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا)، وقوله: (قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا)، ولا فرق، لكن هذا من العناية والدقة منهم رحمة الله عليهم. شرح حديث استئمار اليتيمة من طريق ثانية وتراجم رجاله [ قال أبو داود : وكذلك رواه أبو خالد سليمان بن حيان و معاذ بن معاذ عن محمد بن عمرو ]. أبو خالد سليمان بن حيان هو أبو خالد الأحمر ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و معاذ بن معاذ ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو ]. مر ذكره . شرح حديث استئمار اليتيمة من طريق ثالثة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس عن محمد بن عمرو بهذا الحديث بإسناده، زاد فيه قال: (فإن بكت أو سكتت)، زاد (بكت). قال أبو داود : وليس (بكت) بمحفوظ، وهو وهم في الحديث، والوهم من ابن إدريس أو من محمد بن العلاء ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر البكاء، حيث قال: [ (فإن بكت) ]، وهذا لم يرد في الروايات الأخرى، ولهذا قال أبو داود : إنه غير محفوظ. والمحفوظ ذكر الصمت والسكوت، وأما البكاء فلم يأت إلا في هذه الرواية، وقال: إنه وهم. وقال: إن الوهم من محمد بن العلاء أو من شيخه عبد الله بن إدريس . قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عمرو بهذا الحديث بإسناده ]. محمد بن عمرو مر ذكره. شرح حديث (سكاتها إقرارها) [ قال أبو داود : ورواه أبو عمرو ذكوان عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! إن البكر تستحيي أن تتكلم! قال: (سكاتها إقرارها) ]. هذا موافق لما تقدم من أن البكر إذنها صماتها كما سبق أن مر في الحديث الأول، حيث قالوا: وما إذنها؟ قال: (أن تسكت)، وأنه لا يلزم نطقها. تراجم رجال إسناد حديث (سكاتها إقرارها) قوله: [ورواه أبو عمرو ذكوان ]. أبو عمرو ذكوان هو مولى عائشة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناد هذا الحديث معلق. شرح حديث (آمروا النساء في بناتهن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن إسماعيل بن أمية حدثني الثقة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (آمروا النساء في بناتهن) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آمروا النساء في بناتهن)]. أي: أمهات البنات اللاتي يراد تزويجهن يرجع إلى أمهاتهن ويؤخذ رأيهن في المتقدمين للخطبة وهل يوافقن أو لا يوافقن. هذا هو المقصود من الحديث، والحديث غير ثابت؛ لأن فيه هذا المبهم الذي قال عنه إسماعيل بن أمية : [حدثني الثقة]. وما ذكر في الحديث من أخذ رأي الأمهات هو من حسن العشرة ومن تطييب النفس، فهذا لا بأس به، لكن ليس بلازم مثل لزومه في حق البنات حيث يستأمرن ويستأذنَّ ويطلب منهن الموافقة. فلا يلزم أن توافق الأمهات، ولكن كونهن يستشرن وكونهن يذكر لهن ذلك ويؤخذ رأيهن لا بأس به، فإن وافقت الأم فذاك، وإن كانت المصلحة في التزويج فإنه لا يلزم لو امتنعت أن يحصل الامتناع عن التزويج بسبب امتناعها، لكنه من تطييب الخاطر والمعاملة الطيبة فهذا أمر مطلوب، ولكن لا يكون متعيناً ولازماً بحيث لو رفضت لا يكون زواج ولا يَتِمُّ، وأن الأمر معها كالأمر مع البنت في أنها تستأمر. والحديث -كما عرفنا- فيه مبهم، والرواية ولو كانت بلفظ التوثيق في المبهم فإنها لا تعتبر؛ لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره، ولو ذكره وبينه فإنه قد يعرف أنه غير ثقة، فالتوثيق مع الإبهام غير معتبر، والسر في ذلك أنه قد يكون ثقة عنده ومجروحاً عند غيره. تراجم رجال إسناد حديث (آمروا النساء في بناتهن) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي ، وأخرج له النسائي في (عمل اليوم والليلة). [حدثنا معاوية بن هشام ]. معاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سفيان ]. هو الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أمية ]. إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الثقة عن ابن عمر ]. ابن عمر هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمرو بن العاص وهو -أيضاً- أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها شرح حديث تخيير النبي صلى الله عليه وسلم للجارية التي زوجها أبوها كرهاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها] يعني: ما حكمه؟ هل ذلك سائغ أو غير سائغ؟ ومطابقته للترجمة من جهة أن الأب زوجها دون أن يستأمرها، ولكن خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن الأمر يحتاج إلى استئمار حتى من الأب، فإنه يستأذنها، وإن زوجها من غير استئمار ورفعت الأمر إلى القاضي فإن لها الخيار كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم) ]، فجعل الأمر إليها، أي: إن أرادت أن تبقى على نكاحها بقيت، وإن أرادت أن تتخلص منه فإنه لها التخلص منه. وهذا يدلنا على أن الأبكار يستأذن ولو كان الولي هو الأب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير هذه الجارية في البقاء من عدمه، فدل على أنه يحتاج إلى استئمار حتى لا يحتاج إلى التخلص بهذه الطريقة التي هي تخييرها فيما بعد. والتقييد بالبكر لا يعني أن الثيب تزوج بغير رضاها، بل الثيب لابد في حقها من الاستئمار، وعرفنا فيما مضى أنه لابد من أن تنطق أيضاً، ولا يكفي أن تسكت. وإنما المقصود أن البكر هي التي قد يكون أمرها مختلفاً باعتبار أنها تستحي وأنه قد يتساهل في أمرها ويتهاون في أمرها، بخلاف الثيب فإنه لابد من استئذانها ولابد من نطقها أيضاً، ولكن هنا لبيان أن البكر التي يغلب عليها الحياء والتي يكفي في حقها أن تصمت لابد من استئذانها، وأنها لو زوجت من غير موافقتها فإنها مخيرة فيما بعد. تراجم رجال إسناد حديث تخيير النبي صلى الله عليه وسلم للجارية التي زوجها أبوها كرهاً قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن حسين بن محمد ]. حسين بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. إسناد آخر لحديث تخيير النبي صلى الله عليه وسلم للجارية التي زوجها أبوها كرهاً وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث. قال أبو داود : لم يذكر ابن عباس ، وكذلك رواه الناس مرسلاً معروف ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى مرسلاً ليس فيه ذكر ابن عباس ، وقال: إن جميع الروايات من غير هذه الطريق إنما هي بالإرسال. ولكن قد علم أنه إذا تعارض الوصل والإرسال فإن الوصل يكون زيادة من ثقة، فتكون مقبولة ويقدم الوصل على الإرسال، فيكون الحديث ثابتاً ولا يؤثر كونه جاء من طرق أخرى مرسلاً. وكلام أبي داود رحمه الله فيه إشارة إلى تضعيفه؛ لأنه قال: [ وكذلك رواه الناس مرسلاً معروف ]. لكن الحديث رجاله ثقات. قوله: [حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن عكرمة ]. وقد مر ذكرهما. استئمار الثيب في النكاح شرح حديث (الأيم أحق بنفسها من وليها) قال رحمه الله تعالى: [ باب في الثيب. حدثنا أحمد بن يونس و عبد الله بن مسلمة قالا: أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها) وهذا لفظ القعنبي ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [ باب في الثيب ]. يعني أنها تستأمر، وأنها أحق بنفسها من جهة أنه لابد من إذنها، ويفهم منه أن البكر ليست كذلك، لكن هذه دلالة مفهوم، وقد جاءت الأحاديث الأخرى دالة على استئذانها وعلى استئمارها، فلا يترك المنطوق من أجل المفهوم، ولكن نص على الثيب بأنها أحق بنفسها لأنها قد حصل لها المعرفة وحصل لها العشرة مع الأزواج، فيكون استئذانها متعيناً. لكن هذا لا ينفي أن تستأذن البكر التي يكفي في حقها أن تصمت، وأما الثيب فإنها تستأمر ولابد من النطق، وتلك تستأمر ولكن إن نطقت فذاك وإن لم تنطق فيكفي السكوت، والأيم هنا يراد بها الثيب؛ لأنها قوبلت بالبكر، مع أن (الأيم) يأتي لغير مزوجة مطلقاً، فكل من كانت غير مزوجة يقال لها: أيم. لكن هنا يراد به خصوص الثيب. قوله: [ (الأيم أحق بنفسها من وليها) ] يعني أنه لابد من استئذانها ولابد من أمرها وإذنها بذلك، وهذا يدل على أنه لابد من استئذانها كما جاء في الأحاديث الأخرى أنه لابد من نطقها، ولا دلالة فيه على أن البكر بخلاف ذلك؛ لأنها دلالة مفهوم، والمنطوق يُخالفه، ولا يعول على المفهوم وإنما يعول على المنطوق. ثم -أيضاً- لا دلالة فيه على أن المرأة تتولى تزويج نفسها وأنها أحق من وليها بأن تزوج نفسها؛ لأن هذا مخالف للأحاديث الأخرى التي فيها أنه لابد من الولي وأنه الولي مشترط. تراجم رجال إسناد حديث (الأيم أحق بنفسها من وليها) قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قالا: أخبرنا مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الفضل ]. عبد الله بن الفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع بن جبير ]. هو نافع بن جبير بن مطعم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره. قوله: [وهذا لفظ القعنبي ]. يعني أن هذا لفظ الشيخ الثاني؛ لأنه ساقه على لفظ الشيخ الثاني الذي هو عبد الله بن مسلمة القعنبي . شرح حديث (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل بإسناده ومعناه، قال: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأمرها أبوها). قال أبو داود : (أبوها) ليس بمحفوظ ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه التعبير بالثيب بدل الأيم، حيث قال: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأمرها أبوها)]. وهذا فيه أن البكر يأتي معها الاستئمار ولكن لا يلزم في حقها ما يلزم في حق الثيب؛ فليس في حقها لازماً النطق بل يمكن أن تنطق ويمكن أن تسكت، وسكوتها كاف في إذنها. ولفظ (أبوها) قال عنه أبو داود : [ليس بمحفوظ]. لكن جاء في صحيح مسلم (يستأمرها أبوها) وهذا يدل على ثبوته، وهو لا ينافي ما جاء في الروايات بأنها تستأذن؛ لأن كل الأولياء يستأذنونها، سواءٌ الأب أو غير الأب، حتى الأب يستأذنها، ولعل التنصيص على الأب على اعتبار أنه إذا كان يستأذنها فغيره من باب أولى. فالرواية ثابتة وهي لا تنافي ما يأتي من الإطلاق في أنها تستأمر؛ لأن كلمة (تستأمر) لفظ عام يشمل الأب وغير الأب. فمجيء استئمار البكر بدون أن يُنصَ على ذكر الأب لا ينافي رواية ذكر الأب؛ لأن الأب هو من جملة المستأمرين، فهو فرد من الأولياء، وكلمة (تستأمر) تدل على أن جميع الأولياء يستأمرون، وكلمة (أبوها) التي جاءت في بعض الروايات تدل على أن الاستئذان لازم، وأنه إذا كان أبوها يستأمرها فإن غيره من باب أولى. فإذاً: لا تنافي بين رواية (تستأمر) وبين رواية (يستأمرها أبوها) ولا تعارض بينهما؛ لأنه في حال عدم ذكر الأب فالأولياء كلهم يستأمرون وفيهم الأب، وفي حالة ذكر الأب تكون الإشارة إلى أن الأب إذا كان يستأمر مع أنه أقرب الأولياء وأولى الأولياء فإن غيره يكون من باب أولى. تراجم رجال إسناد حديث (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها) قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن سعد ]. زياد بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الفضل بإسناده ومعناه ]. أي: بإسناده ومعناه الذي تقدم. شرح حديث (ليس للولي مع الثيب أمرٌ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ليس للولي مع الثيب أمر). يعني أن الأمر إنما هو إلى الثيب، وذلك لأنه لابد من أن تستأمر ولابد من نطقها. قال: [ (واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها) ]. وهو مثل ما تقدم. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث (ليس للولي مع الثيب أمر) قوله: [الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح بن كيسان ]. صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع بن جبير ]. نافع بن جبير وابن عباس مر ذكرهما. شرح حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم نكاح من زوجها أبوها ثيباً كارهة قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن و مجمع ابني يزيد الأنصاريين عن خنساء بنت خذام الأنصارية رضي الله عنها: (أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فرد نكاحها) ]. أورد أبو داود حديث خنساء بنت خذام رضي الله عنها أن أباها زوجها وهي ثيب، وقد جاء في بعض الروايات: (وهي بكر) ولكن الرواية الثابتة في البخاري ألها ثيب، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها. أي: أن الثيب لابد في حقها من الاستئمار، وأنه لو حصل تزويجها بغير إذنها فإن الأمر إليها، فإن أرادت أن تمضيه وأن يبقى العقد على حاله ووافقت فلا بأس بذلك، وإن رفضت فإن نكاحها يرد. والحكم كذلك في حق البكر. تراجم رجال إسناد حديث رد النبي صلى الله عليه وسلم نكاح من زوجها أبوها ثيباً كارهة قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك ]. قد مر ذكرهما. [عن عبد الرحمن بن القاسم ]. عبد الرحمن بن القاسم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن و مجمع ابني يزيد الأنصاريين ]. الأول هو عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري ، قيل: ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من ثقات التابعين، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. وأخوه هو مجمع بن يزيد الأنصاري ، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . و خنساء بنت خذام هي صحابية، أخرج حديثها البخاري و أبو داود و النسائي . الأسئلة حكم المدخول بها بعد عقد ليس فيه ولي السؤال: إذا تزوجت امرأة بغير ولي ثم أنجبت أولاداً فما الحكم؟ الجواب: هو نكاح شبهة، ولا يقال إنه زنا. وإنما هو نكاح شبهة، ولكن لابد من تجديد العقد عن طريق الولي بحضور شاهدين. ولاية السلطان على من ولدت من زنا السؤال: المرأة التي ولدت من زنا هل السلطان يكون ولياً لها وما معنى السلطان هنا؟ الجواب: في الحديث (السلطان ولي من لا ولي له)، فالمرأة التي ولدت من زنا يكون وليها السلطان. والسلطان هو ولي الأمر ومن ينوب عنه، مثل القضاة فإنهم هم الذين يرجع إليهم في ذلك. والدول الكافرة إذا كان فيها مسلمون لهم مرجع يرجعون إليه فإنه يعتبر بمثابة السلطان؛ لأن الكفار لا ولاية لهم على المسلمين. التعبير في النصوص الشرعية باعتبار ما كان وما سيكون السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها) عبر فيه باليتم باعتبار ما كان، فهل يأتي في النصوص الشرعية التعبير باعتبار ما سيكون؟ الجواب: نعم يأتي ذلك في النصوص الشرعية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)، فإنه أطلق أنه مات لأنه على وشك الموت، فأعطي معنى ما يقاربه أو ما يتصل به. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (المغرب وتر النهار)، مع أن صلاة المغرب في الليل وليست في النهار، ولكن لقربها من النهار ولاتصالها بالنهار قيل لها وتر النهار، وإلا فهي ليست في النهار، بل هي من صلوات الليل، ولذلك فهي من الصلوات الجهرية. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (شهرا عيد لا ينقصان)، مع أن العيد ليس في رمضان، وإنما هو في شوال، وأطلق الشهر وأضيف إليه وهو ليس منه؛ لأنه من شهر شوال، فهذا من جنس ما ذكر. حكم تزويج الأب ابنته غير البالغة دون استئذانها السؤال: وردت الأحاديث في استئذان البكر إذا كانت بالغة، فإن كانت دون البلوغ فهل لأبيها أن يزوجها دون استئذانها؟ الجواب: بعض أهل العلم يقول بهذا إذا كان قد تقدم لها الكفؤ وخشي فواته، لكن ليس هناك شيء يدل على هذا إلا تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها، فإنه تزوجها وهي صغيرة دون البلوغ، ومعلوم أن تزويج أبي بكر للرسول صلى الله عليه وسلم غنيمة لا يماثلها غنيمة. فبعض أهل العلم قال: إذا رأى الأب المصلحة في الزواج وعدم تفويت ذلك الكفؤ الذي تقدم لها فإنه يزوجها وهي صغيرة دون البلوغ. لكن الذي يبدو ويظهر من النصوص أن الأبكار لا يزوجن إلا باستئذان. وعلى كل حال فإنه إن زوجها فالتزويج صحيح، ولكن إذا اعترضت على ذلك فلها حق التخلص من الزوج. حكم استئمار الثيبات السؤال: هل استئمار الثيبات شرط في صحة العقد؟ الجواب: ليس بشرط في صحة العقد، ولكنه أمر واجب ولازم، ولو حصل فإن الأمر يرجع إليهن، ولا يقال: إن العقد يبطل. بل إذا وافقن وأقررن الذي قد حصل فإنه لا بأس بذلك، والذي يفعل التزويج من غير استئذان لاشك في أنه آثم؛ لأنه مخالف لهذه الأوامر. أثر طلاق المرأة بعد الخلوة بها دون جماع السؤال: هل تعتبر المرأة ثيباً إذا طلقها زوجها قبل أن يدخل بها؟ وما حكم المرأة التي دخل بها زوجها ولم يجامعها وإنما أرخى الستر، فهل تعامل معاملة الثيب أم البكر؟ الجواب: المرأة إذا خلا بها زوجها وتمكن منها فإنها تستحق المهر كما هو معلوم، وتعامل معاملة الثيبات من ناحية الاستئذان وإن لم يجامعها، ولكنه حصل الاستمتاع والاتصال بالرجل، وقد يكون استمتع بها بغير الجماع. فمثل هذه لا يقال لها بكر، بل تستأذن ولابد من نطقها. حكم تزويج البكر بدون استئذانها السؤال: إذا زوجت البكر بدون استئذانها فهل يصح العقد؟ الجواب: يصح العقد، ولكنها إذا اعترضت فلها الخيار في أن تمضي العقد أو تبطله. حكم تزويج البنت بغير رضاها تعللاً برضاها بطول العشرة السؤال: هناك من يزوج ابنته وهي غير راضية بالزوج، ويقول: سترضى مع مرور الزمن والمعاشرة. فهل هذا الكلام صحيح؟ الجواب: ليس بصحيح، وليس له أن يزوجها إلا برضاها. حكم إرغام البنت على الزواج بمن فيه خير وصلاح السؤال: إذا كان الأب يرى أن الرجل فيه خير وصلاح فأراد أن لا يفوت الخير على ابنته، فأرغمها على الزواج به لمعرفته بصلاحه وتقواه، فهل له ذلك؟ الجواب: الأصل أن التزويج يكون لمن كان كفؤاً ومرضياً، أما غير المرضي فلا يصلح أن يختار، ولكن لابد من أخذ رضاها. حكم الدعوة إلى الطعام عند حصول النعم السؤال: رجل أنعم الله جلا وعلا عليه بنعمة فأراد أن يدعو إخوانه وزملاءه إلى الطعام شكراً لله، فهل يجوز هذا؟ الجواب: لا مانع من ذلك. حكم زواج الرجل دون إذن أبيه السؤال: أريد أن أتزوج، ولكن والدي يريد أن يؤخر زواجي، فهل يجوز لي الزواج من غير استئذان والدي؟ الجواب: لك أن تتزوج، ولكن الأولى لك أن تجمع بين الأمرين: بأن تسترضيه وأن تقنعه، وإذا كنت قادراً على الزواج ومتمكناً من الزواج فلك أن تتزوج وإن لم يرض أبوك؛ لأنك صاحب الحق، وأنت الذي تحتاج إلى أن تعف نفسك وأن تبتعد عن الشيء الذي فيه مضرة لك، ولكن من الأولى والأفضل أن الإنسان يسعى لاسترضاء أبيه وإقناعه، ببيان المخاطر التي تترتب على عدم الزواج، وأن هذا يترتب عليه مفاسد، وأنه يعرض نفسه للحرام. حكم الحديث المتصل السند مع وجود صدوق له أوهام في رجاله السؤال: ما حكم السند المتصل الذي فيه صدوق له أوهام وباقي رجاله ثقات؟ الجواب: يعتبر الحديث ثابتاً إذا كان الحديث ليس من أوهامه التي عدت عليه أنه أخطأ فيها. معنى (لا بأس به) عند الحافظ ابن حجر السؤال: ما حكم السند الذي فيه صدوق أو قال عنه الحافظ : لا بأس به؟ الجواب: (لا بأس به) هي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر بلا فرق، وبعض العلماء يجعل (لا بأس به) تعادل (ثقة) وهذا مشهور عن يحيى بن معين ؛ لأن (لا بأس به) عند يحيى بن معين توثيق، وهذا اصطلاح للإمام يحيى بن معين رحمة الله عليه. السن الذي تزوج فيه الفتاة السؤال: هل هناك سن محدد شرعاً في زواج الفتاة؟ الجواب: ليس هناك سن محدد، وإنما إذا بلغت تزوج. الرد على القول بتخصيص حديث (الأيم أحق بنفسها) لعموم أحاديث اشتراط الولي السؤال: لو قال قائل: إن الأحاديث التي ورد فيها اشتراط الولي عامة، وحديث (الأيم أحق بنفسها) خاص، فما الجواب؟ الجواب: الجواب أنه جاء في حق الأبكار نصوص خاصة وجاء في حق الثيبات -أيضاً- نصوص خاصة، فحديث الأيم الدلالة فيه دلالة مفهوم، والأحاديث الأخرى فيها دلالة منطوق، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم. السن الذي تحجب فيه الفتاة عن الرجال السؤال: ما هو السن الذي تحجب فيه الفتاة؟ الجواب: إذا صارت محلاً للشهوة ومحلاً للفتنة، والنساء في ذلك يتفاوتن. الحديث المسلسل بقراءة سورة الصف السؤال: يقول شيخ الإسلام : إن صح مسلسل في الدنيا فهو المسلسل بقراءة سورة الصف. فما هو الحديث المسلسل بقراءة سورة الصف، وأين يمكن أن نجده؟ الجواب: يمكن أن يرجع إلى تفسير ابن كثير في تفسير سورة الصف، أو إلى تفسير ابن جرير فإذا كان هناك شيء خاص بسورة الصف وبقراءتها فيرجع إلى كتب التفسير التي تعنى بالآثار، مثل تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير عند تفسير سورة الصف. محل رفع المصلي يديه عند قيامه من التشهد الأول السؤال: رفع اليدين بعد التشهد الأول هل يفعله المصلي إذا كبر وهو جالس أم إذا اعتدل قائماً؟ الجواب: التكبير -كما هو معلوم- هو بين الركنين، بين الجلوس وبين القيام، فهو يكبر في حال كونه بين جلوسه وقيامه، ويكون ذلك عند نهايته في حال قيامه. المراد بسفيان الراوي عن معاوية بن هشام السؤال: هل إذا روى معاوية بن هشام عن سفيان فهو الثوري ؟ الجواب: هذا يعرف بمعرفة الشيوخ، فإذا كان معاوية بن هشام قد وجد في ترجمته أنه لا يروي عن سفيان بن عيينة فمعناه أنه إذا جاء يروي عن سفيان فالمقصود به الثوري . وإذا كان يروي عن الاثنين يكون سفيان محتملاً، لكن الغالب أنه إذا كان متقدماً فهو الثوري فسفيان الثوري متقدم على سفيان بن عيينة ، وإن كان سفيان بن عيينة -أيضاً- أدرك المتقدمين؛ لأنه عُمّر، وهو يروي عن الزهري ، بل هو المشهور بالرواية عن الزهري ، و سفيان الثوري لا يعرف بالرواية عن الزهري ، مع أن الزهري متقدم وهو من صغار التابعين، ومع ذلك أدركه سفيان بن عيينة ، وكانت وفاة سفيان بن عيينة بعد مائة وتسعين. تعليل تأخير مسلم زيادة (أبوها) في حديث استئمار البكر السؤال: ذكر أبو داود في حديث استئذان البكر أن زيادة (أبوها) ليست محفوظة، والإمام مسلم قد ذكرها، فما رأيكم فيمن يقول: إن مسلماً أخر زيادة (أبوها) إلى آخر الباب يريد إعلالها؟ الجواب: القول بأنه أخرها إلى آخر الباب يريد إعلالها ليس بصحيح، بل هل ثابتة. ثم إن إثباتها ليس فيه إشكال؛ لأن لفظة (تستأمر) يدخل فيها الأب وغير الأب، وذكر الأب للإشارة إلى أن الاستئمار لابد منه، فإذا كان الأب يستأمر فغيره من باب أولى، فلا تنافي بين هذه وهذه. وقد أوضح هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري. ترجمة خطبة الجمعة ومتى تكون السؤال: إذا كان هناك ترجمة لخطبة الجمعة فمتى تكون؟ هل تكون قبل الصلاة أم بعدها؟ الجواب: تكون بعدها، ولا تكون قبل الصلاة، فالخطبة معروف أنها قبل الصلاة. وإذا كان الخطيب قد أعد الخطبة وأعطاها أحداً يترجمها إذا فرغ من الصلاة فلا بأس بذلك. وإذا كان الخطيب متمكناً فيمكن أن يأتي بالترجمة بالعربية أولاً ثم يأتي بها بالترجمة أخيراً. أما إذا كان الخطيب لا يعرف إلا العربية فالطريقة أنه يعطيها لشخص يترجمها وبعدما تنتهي الصلاة يأتي بالترجمة. وإذا كان الخطيب يتكلم بجملة من الكلام ثم يسكت ليترجم المترجم بعده فهذا لا بأس به؛ لأن فيه تحقيقاً للمصلحة؛ لأنه إذا كان العجم يحضرون ثم يؤتى بكلام عربي لا يفهمونه فالمقصود من الجمعة لم يحصل. ولا شك في أن الإتيان -في هذه الحالة- بالعربية وغير العربية هو الذي ينبغي وهو المطلوب، ولا يؤتى بها كلها بغير العربية. إلا إذا كانوا كلهم عجماً ليس فيهم أحدٌ يفهم العربية فلا بأس؛ لأن المقصود من الخطبة الفهم، لكن إذا كان فيهم عرب وعجم فلابد من أن يستفيد هذا وهذا، ويبدأ بالأصل الذي هو العربية ويؤتى بعد ذلك بالترجمة. حكم الزواج بالمتوفى عنها زوجها قبل إتمام العدة السؤال: مات رجل وترك زوجته فتزوجها أخوه الصغير قبل إتمام العدة ودخل بها، فماذا عليهما؟ وهل العقد باطل؟ الجواب: العقد لا يصح، وإذا كانا فعلاه على علم بالحكم فإنهما يؤدبان، وإذا كان عن جهل فإنه لابد من تجديد العقد، وكذلك لابد من تجديده إذا حصل مع علمهما بالحكم؛ لأن المرأة في حال عدتها لا يجوز عقد الزواج عليها، بل ولا يجوز التصريح بخطبتها، وأما التعريض فلا بأس به كما جاء في القرآن. وضوء من به سلس دائم السؤال: من كان به سلسل دائم، هل يتوضأ إذا أحدث، أم عند دخول الوقت؟ الجواب: الذي عنده مرض دائم كسلس بول أو ريح فإنه يتوضأ عند دخول الوقت، فإذا دخل الوقت وأراد أن يذهب للصلاة فإنه يتوضأ، ولا يتوضأ قبل دخول الوقت. حكم وعد الأب غيره بتزويجه ابنته الصغيرة السؤال: ما حكم وعد الأب للرجل بأن يزوجه ابنته الصغيرة؟ الجواب: هذه مواعيد، ولكن في المستقبل لابد من رضاها إذا بقوا على ذلك، ولابد أن يكون -أيضاً- كفؤاً لها. فالأمر يتضح وقت طلب الزواج، فإذا كان أهلاً ورضيت به فلا بأس، وقد ينصرف عنها ويرغب عنها هو، وقد ترغب عنه هي فلا تريده. وكون الأب قد وعد لا يصح اعتباره تزويجاً، وإنما هو وعد،وهذا يحصل من كثير من الناس ويلتزمون به ولو كان وعداً، وهذا لا يصح ولا يجوز إلا إذا كان برضاها وكان الزوج كفؤاً لها. وبعض الجهال في البادية يحجر على ابنة عمه ويقول: لن يتزوجها إلا أنا، ومن تزوجها غيري سأفعل به وأفعل به، فهذه من العادات الجاهلية. وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه له من قديم الزمان رسالة باسم تحريم الشغار وغيره، وذكر فيها مسألة الشغار، وذكر فيها هذا التحجير الذي يكون في بعض الأعراف، حيث يحجر الرجل على بنت عمه فيقول: ابنة عمي هذه لا أحد يأخذها والذي سيأخذها سأقتله، وبين أن هذا من العادات السيئة الخبيثة التي لا يجوز إقرارها. حكم النكاح بغير تسمية المهر السؤال: هل يجوز النكاح بغير أن يسمي شيئاً؟ الجواب: نعم يجوز، ولكن لا بد من أن يعين المهر، فلا يجوز النكاح بشرط أن لا صداق، ولكن كونه يعقد دون أن يسمي صداقاً يجوز، ثم يرجع في ذلك إلى مهر المثل. الجمع بين اختلاف الحديثين في طلب طارق بن المرقع ما جعله مهراً لابنته السؤال: أخرج أبو داود في حديث أن طارق بن المرقع طلب رمحاً، وفي حديث آخر أنه طلب نعلين، فهل هما قضيتان أم أن هذا من الاضطراب؟ الجواب: يمكن أن يكون قد طلب الأمرين. والحديث أن طارق بن المرقع جعل مهر ابنته التي ستولد رمحاً أو نعلين، فقد يقال: إن هذا يدل على أن المرأة كانت زهيدة عندهم. والجواب أن الحديث غير ثابت، فوجوده مثل عدمه، ولكن يمكن أن يقال: إن ذلك ترغيب وحث ليحقق رغبته. توضيح لمبالغة الإمام البخاري في ثمن القلم حين انكسر قلمه السؤال: يذكرون أن البخاري رحمه الله كان في مجلس علم فانكسر قلمه فقال: من يعطيني قلماً بكذا درهماً؟ فتناثرت عليه الأقلام، فما هو تفسير هذا؟ الجواب: هذا إذا ثبت فيمكن أن يكون المقصود منه اهتمامه بالوقت واشتغاله بالكتابة وأن لا يضيع عليه شيء من الوقت بدون كتابة؛ لأن الكتابة عندهم والعناية بالحديث كانت غالية الثمن، وليست رخيصة ولا سهلة، فالجلسة الواحدة عنده تساوي شيئاً كثيراً، فما أراد أن يفوت عليه العلم بسبب القلم الذي انكسر." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [242] الحلقة (273) شرح سنن أبي داود [242] الكفاءة في الدين معتبرة في النكاح، وكذلك الكفاءة في الحرية، وأما الكفاءة في النسب والحرفة ونحو ذلك ففيها خلاف، والأحاديث تدل على أنها غير معتبرة. الكفاءة في الزواج شرح حديث (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأكفاء. حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا حماد حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا هند رضي الله عنه حجم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه)، وقال: (وإن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الأكفاء ]. أي: الأكفاء في النكاح، يعني كون الزوج يكون كفؤاً للزوجة وكذلك الزوجة، فالكفاءة هي كون كل من الزوجين كفؤاً للآخر، بحيث يكون هناك تكافؤ وتماثل بين الأزواج. والكفؤ: هو المثيل والنظير، وجمعه: أكفاء، كما بوب المصنف، وبعض الناس قد يخطئ فيجمعه على (أَكِفَّاء) وهو خطأ؛ لأن أَكِفَّاء جمع كفيف، وإنما جمع كفؤ أكْفَاء. فالكفؤ هو: المثيل والنظير والشبيه، ولهذا فقول الله عز وجل في سورة الإخلاص: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] يعني: ليس له مثيل وليس له نظير؛ لأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] فالسورة الكريمة فيها إثبات الأحدية والصمدية، وتنزيه الله عز وجل عن الأصول والفروع والنظراء والأمثال، فتنزيهه عن الفروع في قوله تعالى: لَمْ يَلِدْ [الإخلاص:3] وتنزيهه عن الأصول في قوله تعالى: وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3]، فلم يكن متفرعاً عن أحد ولم يكن أحد متفرعاً عنه، فهو منزه عن الأصول والفروع والنظراء والأمثال. الكفاءة المعتبرة شرعاً فالكفؤ هو المثيل والشبيه أو المثيل والنظير. والكفاءة في الدين لا شك أنها معتبرة، وقد اتفق عليها. والحرية لا شك في أنها معتبرة كذلك، وقد جاء ما يدل على اعتبارها من جهة أن الحر لا يتزوج الأمة إلا إذا كان مضطراً، فيجوز الزواج بها اضطراراً ولا يجوز اختياراً؛ لقول الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:25]، أي: فليتزوج أمة؛ لكن هذا مقيد بعدم القدرة على تزوج الحرة، فالحرية معتبرة. ولهذا جاء أن الزوج والزوجة إذا كانا من الأرقاء ثم عتقت الزوجة وبقي الزوج على رقه فإن الزوجة مخيرة، كما حصل لبريرة مع مغيث ، فإنها لما عتقت خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأشار عليها أن تبقى معه، وذلك لشدة تعلق مغيث بها. فالمكافأة في الحرية جاء ما يدل عليها، وتتجاوز للحاجة وللضرورة كما جاء في سورة النساء في الآية الكريمة. الكفاءة في النسب وحكم اعتبارها في الزواج ومن العلماء من أضاف الكفاءة في النسب، فالعربي يتزوج العربية، والأعجمي يتزوج الأعجمية، والمولى يتزوج المولاة، ولكن ليس هناك شيء يدل على ذلك، ولكن أكثر العلماء على اعتبار الكفاءة في الدين والحرية والنسب، وكذلك الصناعة كما سيأتي. ولا أعلم دليلاً يدل على منع تزوج العربي بالأعجمية، ولكنه إذا كان هناك مفاسد وأضرار يمكن أن تنشأ عن هذا، بأن يحصل من القبيلة شيء من المخاوف التي تخشى فإنه لا يفعل ذلك؛ لأن دفع الضرر الأكبر مطلوب، فترك زواج شخص من امرأة أهون من حصول فتنة، وحين لا يخشى شيء من ذلك فإنه ليس هناك مانع يمنع، وقد جاء ما يدل على ذلك، أي: على أن ذلك سائغ. ولكن -كما قلت- إذا كان هناك أضرار تترتب على ذلك فإنه يترك ذلك التزويج. ومما ذكروه التكافؤ والتماثل في الصناعة، وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذه الأمور الأربعة التي هي الدين، والحرية، والنسب، والصناعة معتبرة. والصناعة شأنها شأن النسب، فإذا لم يترتب على الزواج مع اختلاف الحرفة مضرة فإنه لا مانع يمنع من الزواج. ولكن إذا كان سيترتب على ذلك مضرة من القبيلة التي لا يوجد فيها تلك الحرفة، كأن يكون هناك من يعمل في الفحم -مثلاً- ثم أتى ليتزوج من أناس يكرهون هذا وخشي حصول فتنة، فإنه لا يصار إلى ذلك؛ لأن هذا شيء فيه مضرة، ومعلوم أن حصول الضرر الأشد ينبغي أن يتخلص من الوصول إليه بارتكاب ما هو دونه، وذلك إذا كان سيؤدي إلى ما هو أشد وإلى ما هو أخطر كما هو الحال في النسب كما أشرت إليه آنفاً. متى تتجاوز الكفاءة في الحرية وعلى هذا فإن الذي جاءت به النصوص هو الكفاءة في الدين، وكذلك الكفاءة في الحرية جاء ما يدل عليها، ولكن يجوز تجاوزها عند الاضطرار وعند الحاجة كما عرفنا في كون الحر يتزوج الأمة إذا لم يقدر على الحرة. ويدل عليه كذلك أن الأمة إذا عتقت وزوجها باق على الرق فإنها تكون مخيرة. والرقيق لا يتزوج الحرة ابتداءً، ولكن تمكن الاستدامة، وهذا من قبيل ما يجوز في الاستدامة ولا يجوز في الابتداء. لكن كونه أعلى منها -أي أنه حر- فله أن يتزوج ابتداءً عند الضرورة حين لا يستطيع الزواج بالحرة التي هي مكافئة ومماثلة له. حكم تزويج أصحاب المهن الرديئة وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ)، واليافوخ هو الذي يكون فيه مجتمع ملتقى مقدم الرأس مع مؤخره، ويكون رقيقاً حال الأشهر الأولى من الولادة، فإذا كبر المولود ضخم واشتد حتى يصير مثل بقية الرأس، ولكنه في حال الصغر عندما يولد المولود إذا لمسه الإنسان يجد شيئاً رقيقاً ليس مثل بقية الرأس، فهذا يقال له: اليافوخ. فأبو هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [ (يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه) ]. يعني: زوجوه وتزوجوا منه. وهذا محل الشاهد للترجمة؛ لأنه حجام، وهي مهنة ليست بشريفة، فليست من المهن الشريفة، بل هي من المهن الدنيئة، وذلك لأن لها علاقة بالدم، وكانوا فيما مضى يعتبرون الحجامة فيها شيء من عدم النظافة؛ لأنه يمص المحاجم، وقد يدخل الدم السيئ الفاسد إلى حلقه بسبب هذا المص، ولهذا جاء في الحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)؛ لأن الحاجم قد يفطر بسبب المص الذي قد يصل إلى حلقه. ثم بعد ذلك استخدمت الآلات التي يحجم بها بدون مص، وعلى هذا يفطر المحجوم دون الحاجم. فلما كانت الحجامة فيها مص وقد ينتقل إليه شيء من الدم الفاسد اعتبرت مهنته مهنة سيئة ومهنة رديئة. لهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كسب الحجام خبيث) يعني: رديء، وليس معناه أنه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم واعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه، ولكن وصفه بأنه خبيث معناه أنه ليس من المكاسب الشريفة، بل من المكاسب الرديئة، كما قال الله عز وجل: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] يعني الرديء، فقوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة:267] يعني: رديء الطعام ورديء الأشياء. فالخبث لا يطلق على المحرم فقط، بل قد يطلق على الشيء الرديء من الشيء المباح الذي لا حرمة فيه، ومنه قوله: (كسب الحجام خبيث)، ولا يلزم من ذلك أنه محرم؛ يقول ابن عباس : ولو كان حراماً لم يعطه. إذاً قوله: (خبيث) أي: رديء. وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند) ] معناه أنه ليس من أنفسهم، وكأنه مولىً لهم؛ لأنه إذا كان مولى يقال له: مولاهم، وإذا كان منهم قيل: من أنفسهم. مثلما قالوا في ترجمة البخاري و مسلم ، حيث يقولون في مسلم : مسلم بن الحجاج القشيري ، ثم يقولون بعد القشيري: (من أنفسهم) أي أنه منهم، فنسبته إليهم نسبة أصل. ولهذا يميز بين نسبة الأصل بأن يقال: (من أنفسهم) ونسبة الولاء بأن يقال: (مولاهم). وفي ترجمة البخاري يقال: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري الجعفي ، مولاهم. أي: مولى الجعفيين، فنسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء وليست نسبة أصل، وأما نسبة مسلم إلى القشيريين فهي نسبة أصل. التداوي بالحجامة وحكمه ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (وإن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة) ]. يعني أن الحجامة هي من العلاج الذي تكون فيه فائدة وتترتب عليه مصلحة، وذلك لأن فيها إخراج دم فاسد، فيترتب على ذلك شفاء بإذن الله، وقد جاء في الحديث ما يتعلق بالعسل والحجامة، وكذلك الكي، وأنه يكون فيها شفاء بإذن الله عز وجل، فهذا فيه إرشاد إلى الحجامة لمن احتاج إليها علاجاً، ولكن لا يقال: إنها سنة وإن الإنسان يحتجم ولو لم يكن بحاجة إلى الحجامة. فهذا علاج وتداوٍ، والتداوي يصار إليه عند الحاجة، ولا يتداوى من غير حاجة، فالذي يحتاج إلى الحجامة يحتجم، والذي لا حاجة له إلى الحجامة فليحمد الله على العافية. وقوله: [ (وإن كان في شيء) ] ليس معنى ذلك التردد، وإنما هو إثبات؛ لأن هذا التعبير يكون في الإثبات كما يكون في التردد، ومعلوم أن كثيراً من الأدوية فيها شفاء، كما في الحديث: (ما أنزل الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله)، ولكن هذا فيه بيان عظم نفعها وعظم الفائدة من ورائها، وذلك لما فيها من استخراج الدم الفاسد وحصول العلاج بذلك وحصول النفع بذلك. تراجم رجال إسناد حديث (يا بني بياضة أنكحوا أبا هند) قوله: [ حدثنا عبد الواحد بن غياث ]. عبد الواحد بن غياث صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وقولهم: (حماد) هو من قبيل المهمل في علم المصطلح، حيث يذكر اسم الراوي ولا يذكر اسم أبيه فيلتبس بغيره، والالتباس يكون بين حماد بن زيد و حماد بن سلمة ، وذلك يعرف بالشيوخ والتلاميذ، و المزي في تهذيب الكمال ذكر بعد ترجمة حماد بن سلمة فصلاً في ضوابط المراد بحماد إذا كان مهملاً هل هو ابن زيد أو ابن سلمة ، وذلك بالتنصيص على بعض التلاميذ الذين إذا ذكروا كان حماد هو ابن زيد أو إذا ذكر آخرون كان حماد هو ابن سلمة ، وهنا جاء مهملاً. و عبد الواحد بن غياث روى عن الحمادين، روى عن حماد بن زيد و حماد بن سلمة ، لكن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص هذا روى عنه حماد بن سلمة دون حماد بن زيد ، فيكون المراد حماد بن سلمة. [ حدثنا محمد بن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. أسباب إكثار أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من رواية الحديث ومعلوم أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر، وذلك في السنة السابعة، ومع ذلك فهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، وما روي عن أحد من الصحابة مثلما روي عنه، وهو متأخر الإسلام؛ لأنه لم يسلم إلا عام خيبر في السنة السابعة، ويرجع إكثاره من الحديث إلى أمور: منها: أنه كان مقيماً في المدينة والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كثيرٌ منهم تفرقوا في البلدان، وانتقالهم إنما هو للدعوة إلى الله عز وجل وبيان شرائع الإسلام للناس وتعليم الناس، وليس خروجهم من المدينة رغبة عنها، وإنما كان لمصلحة رأوها، وهي كونهم يبذلون النفع، ولو تجمعوا في المدينة وبقوا فيها لما حصلت الفائدة للآخرين الذين هم في البلاد الأخرى، فكونهم ينتقلون إلى بلاد مختلفة هذا إلى البصرة وهذا إلى الكوفة وهذا إلى مصر وهذا إلى الشام وهذا إلى كذا فيه فائدة عظيمة، وهي نشر الإسلام، ونشر تعاليم الدين، وتبصير الناس بالحق والهدى. فكان من أسباب إكثار أبي هريرة أنه كان مقيماً في المدينة، فكان يكثر الواردون إليها فيأخذون منه ويأخذ منهم، وإذا جاء أحد من الصحابة إلى المدينة أخذ منه، وإذا جاء إلى المدينة أناس من التابعين أو من الصحابة أخذوا عنه، فهذا من أسباب إكثاره. ومن أسباب إكثاره أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالحفظ، فكان يحفظ الحديث. ومن أسبابه أنه من حين أسلم كان ملازماً للنبي صلى الله عليه وسلم، يأكل من طعامه، ويسير معه حيث سار، ويجلس معه حيث جلس، ويشاركه في طعامه، فكان ملازماً له، وكثير من الصحابة يذهبون للبيع والشراء ولمزارعهم وبساتينهم ولأشغالهم، وأما هو فاختار ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه الملازمة سبباً في كثرة التحمل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحدث بالحديث وهو حاضر، وقد دعا له بأن يحفظ، والناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاضر، فكان هذا من أسباب إكثاره رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فلا غرابة في أن يكون أكثر الصحابة حديثاً مع تأخر إسلامه؛ لأن هذه الأسباب واضحة الدلالة على حصول إكثاره، وأنه لا يعاب بذلك، ولا يوصف بأمر يقدح فيه لكونه متأخراً وكون المهاجرين الأولين السابقين للإسلام روي عنهم من الحديث أقل مما روي عنه بكثير. تزويج من لم يولد شرح حديث ميمونة بنت كردم في تزويج من لم تولد قال رحمه الله تعالى: [ باب في تزويج من لم يولد حدثنا الحسن بن علي و محمد بن المثنى المعنى قالا: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي من أهل الطائف حدثتني سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم رضي الله عنها قالت: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له، فوقف له واستمع منه، ومعه درة كدرة الكتاب، فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون: الطبطبية، الطبطبية، الطبطبية. فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقر له ووقف عليه واستمع منه، فقال: إني حضرت جيش عثران -قال ابن المثنى : جيش غثران- فقال طارق بن المرقع : من يعطيني رمحاً بثوابه؟ قلت: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تكون لي. فأعطيته رمحي ثم غبت عنه حتى علمت أنه قد ولد له جارية وبلغت، ثم جئته فقلت له: أهلي جهزهن إلي، فحلف أن لا يفعل حتى أصدقه صداقاً جديداً غير الذي كان بيني وبينه، وحلفت لا أصدق غير الذي أعطيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وِبقَرْنِ أيِّ النساء هي اليوم؟ قال: قد رأت القتير! قال: أرى أن تتركها، قال: فراعني ذلك، ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رأى ذلك مني قال: لا تأثم ولا يأثم صاحبك) ]. قال أبو داود : والقتير: الشيب. أورد أبو داود هذه الترجمه، وهي في تزويج من لم يولد، أي: تزويج من يكون عند التزويج غير مولود، أي: تزويج المعدوم الذي لم يوجد، وهذا -كما هو معلوم- غير جائز ولا يصح، وهو من جنس بيع المعدوم، فكل ذلك لا يجوز، فتزويج المعدوم غير جائز وبيع المعدوم غير جائز. والحديث الذي أورده أبو داود في هذا ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه من هو مجهول، فلا يعتد به ولا يحتج به فلا حجة فيه، فهو غير ثابت، وأيضاً من حيث المعنى فيه تزويج لمعدوم، وتزويج المعدوم لا يصح فهو مثل بيع المعدوم. وأورد أبو داود حديث ميمونة بنت كردم أنها قالت: [ خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له، فوقف له واستمع منه ومعه درة كدرة الكتاب ]. تخبر ميمونة بنت كردم أنها حجت مع الرسول صلى الله عليه وسلم هي وأبوها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه أبوها ودنا منه ومعه درة -والدرة هي السوط- كدرة الكتاب، أي: كالسوط أو العصا الذي يكون مع معلم الصبيان. قالت: [ فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون: الطبطبية، الطبطبية، الطبطبية ]. فسر هذا بأن الطبطبية يراد بها صوت المشي والحركة، وفسر بأنه صوت الدرة التي إذا حركت صار لها صوت. قالت: [ فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقر له ووقف عليه واستمع منه ]. أي: أقر له بما أخبر به وبما دعا إليه وبما بينه صلى الله عليه وسلم. قالت: [ فقال: إني حضرت جيش عثران -قال ابن المثنى : جيش غثران- ]. معنى هذا أن أبا داود له شيخان: أحدهما الحسن بن علي الحلواني قال: (عثران) بالعين المهملة، والثاني ابن المثنى قال: (غثران) بالغين المعجمة، فلما ساقه على لفظ الشيخ الأول الذي هو الحسن بن علي الحلواني وكان محمد بن المثنى لا يتفق معه في هذه اللفظة لأنها بالعين وإنما يرويها بالغين نبه على ذلك وقال: [ وقال ابن المثنى : غثران ]. قوله: [ فقال طارق بن المرقع : من يعطيني رمحاً بثوابه؟ قلت: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تكون لي ]. يعني أنهم كانوا في ذلك الجيش، فقال: من يعطيني رمحاً بثوابه؟ فقال: وما ثوابه؟ قال: أزوجه أول بنت تولد لي. فأعطاه رمحه. وكان هذا الجيش في الجاهلية قبل الإسلام. قوله: [ فأعطيته رمحي ثم غبت عنه حتى علمت أنه قد ولد له جارية وبلغت، ثم جئته فقلت له: أهلي جهزهن ] يعني: غاب عنه مدة طويلة وجاءه بعد خمس عشرة سنة أو أكثر وقال: جهز لي أهلي؛ لأنه كان قد تزوجها قبل أن تولد. فقال طارق : والله لا أفعل حتى تصدقني. أي: صداقاً غير الرمح الذي أخذته في ذلك الوقت. فحلف كردم أن لا يعطيه شيئاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [ (وبقرن أي النساء هي اليوم؟) ]. أي: كم سنها اليوم؟ لأن القرن هم الذين يكونون متقاربين في السن. قال: [ قد بلغت القتير ] يعني: الشيب، أي: تقدمت بها السن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (أرى أن تتركها) ]. يقوله لهذا الذي يطالب بها ويريد أن تجهز له. قوله: [ قال: فراعني ذلك ]. يعني: ظهر عليه التألم والتأثر لكون النبي صلى الله عليه وسلم أشار عليه بالترك فقال له: [ (أرى أن تتركها) ]. قوله: [ ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى ذلك مني قال: (لا تأثم ولا يأثم صاحبك) ]. يعني أن الترك هو لئلا تأثم ولا يأثم صاحبك، لكون الزواج كان بمعدوم، وأيضاً حتى لا يترتب على ذلك مفاسد ومشاكل وأضرار وسوء اختلاف. فكونه يتخلص من هذا الذي فيه ما فيه لا شك أن فيه السلامة. وليس المراد بقوله: [ (لا تأثم ولا يأثم صاحبك) ] الحنث في اليمين؛ إذ اليمين أمرها يسهل بالتكفير، والذي يظهر أنه يقصد غير الحنث في اليمين وهو ما أشرنا إليه. والحديث -كما هو معلوم- ضعيف، ومثل ذلك الزواج لا يصح ولا يجوز، وقد عرفنا فيما مضى أن المرأة لابد من أن تستأذن، ولابد من أن تأذن، إن كانت ثيباً فلابد من أن تنطق، وإن كانت بكراً فيكفي أن تصمت، وليس القضية قضية تزويج دون أن يكون للمرأة رأي فيها. تراجم رجال إسناد حديث ميمونة بنت كردم في تزويج من لم تولد قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي . [ و محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي ، الملقب بالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة بدون واسطة. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي ]. هو عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثتني سارة بنت مقسم ]. سارة بنت مقسم مجهولة، أخرج لها أبو داود . [ سمعت ميمونة بنت كردم ]. ميمونة بنت كردم صحابية، أخرج حديثها أبو داود و ابن ماجة . شرح حديث ميمونة بنت كردم من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة أن خالته أخبرته عن امرأة -قالت: هي مصدقة امرأة صدق- قالت: بينا أبي في غزاة في الجاهلية إذ رمضوا، فقال رجل: من يعطيني نعليه وأنكحه أول بنت تولد لي؟ فخلع أبي نعليه فألقاهما إليه، فولدت له جارية فبلغت. وذكر نحوه لم يذكر قصة القتير ]. أورد الحديث من طريق أخرى، ولكنه هنا أبهم المرأة التي تحكي القصة، وقال من روى عنها: [ هي مصدقة امرأة صدق ] أي: ذات صدق، فهي مبهمة ولكن وصفت بأنها مصدقة وذات صدق، وهي ميمونة بنت كردم التي مرت في الحديث السابق. والحديث هنا يبين أن الغزاة إنما كانت في الجاهلية. وفيه أن الشيء الذي حصل به الوعد غير الرمح، حيث ذكر أنهم رمضوا فقال: من يعطيني نعلين وأزوجه أول بنت تولد لي؟ فأعطاه نعليه. فالذي ليس له نعلان تضره الرمضاء لشدة حرارتها، فقولها: [ رمضوا ] معناه: أصابهم شدة حرارة الرمضاء، ولهذا جاء في الحديث: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) يعني: حين تصيبها حرارة الشمس، والفصال هي أولاد الإبل، ومعناه شدة الضحى، يعني أن خير أوقات صلاة الضحى وأفضل أوقاتها في وقت شدة الحرارة وشدة الرمضاء، ومعلوم أن وقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال، ولكن أولاه وأفضله هو هذا الوقت، ومنه قول الشاعر: المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار تراجم رجال إسناد حديث ميمونة بنت كردم من طريق ثانية قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جرير المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني إبراهيم بن ميسرة ]. إبراهيم بن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن خالته أخبرته ]. خالته هذه لا تعرف، فهي مجهولة، أخرج لها أبو داود ، وهي مثل سارة التي مرت في الإسناد السابق. فكل إسناد من الإسنادين به مجهول. [ عن امرأة قالت: هي مصدقة، امرأة صدق ]. القائلة هي خالة إبراهيم بن ميسرة ، يعني أنها تروي عن امرأة ذات صدق ولم تسمها، وقال الحافظ ابن حجر : هي ميمونة بنت كردم ." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [243] الحلقة (274) شرح سنن أبي داود [243] من الأمور التي تجب بالنكاح أن تعطى المرأة صداقها، وخير المهور أيسرها، ولم يرد في الشرع تحديد أقل المهر ولا أكثره؛ لكن جاء ما يدل على الإرشاد إلى التقليل منه، وأنه يجوز أن يكون عملاً يقوم به الزوج للمرأة كتعليم القرآن ونحوه. الصداق شرح حديث عائشة رضي الله عنها في إصداق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصداق. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة أنه قال: (سألت عائشة رضي الله عنها عن صداق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قالت: ثنتا عشرة أوقية ونش. فقلت: وما نش؟ قالت: نصف أوقية) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب الصداق ] يعني أن الصداق هو من الأمور التي لابد منها في الزواج، فلا يكون الزواج بدون صداق، وإنما يكون بصداق ولو كان قليلاً، مثل ما جاء في الحديث الذي سيأتي: (التمس ولو خاتماً من حديد). ثم لم يجد ولا خاتماً من حديد، فزوجه إياها في مقابل عمل يعمله لها، وهو أن يعلمها شيئاً من القرآن فيكون صداقها؛ لأن تعليمها شيئاً من القرآن له مقابل، وكونه يؤدي لها عملاً له مقابل، فيكون ذلك صداقاً يقوم مقام النقود، إذ لا تحصل النقود إلا بالعمل. فالصداق من الأمور التي لابد منها في الزواج وإن قل أو كثر، وإن لم يسم فإنه يرجع إلى مهر المثل، فإذا حصل الزواج بدون تعيين الصداق يصح العقد ولكن يرجع فيه إلى مهر المثل، وليس معناه أنه يصح بدون صداق، بل لا بد من صداق، فإن سمي في العقد وعند الاتفاق فهو الصداق المسمى، وإن لم يسم شيء فإنه يتعين صداق المثل. والأصدقة المشروع فيها التسامح والتساهل وعدم المبالغة، وعدم تعريض الخاطبين للترك والرغبة عن المرأة، وتعريض البنات لأن يبقين بدون أزواج بسبب قصد الحصول على مبلغ كبير وعلى مال كثير، فإن الكفؤ إذا جاء وهو أهل لأن يزوج فلا يوقف التزويج على حصول صداق كثير أو مال كثير، فإن الكفؤ يعتبر غنيمة، ولا يرد الكفؤ من أجل المال ومن أجل كثرة المال؛ لأن الإعفاف وحصول الزوج الكفؤ هو المهم في الأمر. وقد يترتب على صد الخطاب أن تبقى المرأة بدون زوج فتكبر وتتقدم بها السن ولا يتقدم لها من ترغب أن يتقدم لها، وتضطر إلى أن تتزوج بمن لا ترغبه، وتكون الفرصة قد فاتتها بسبب رغبة وليها في كثرة الصداق، أو رغبتها هي في كثرة المال، وما إلى ذلك. فالصداق التيسير فيه والتسهيل وعدم المبالغة من الأمور المطلوبة؛ لأن فيه تسهيل أمر الزواج، وإعفاف الشباب والشابات لحصول استغناء بعضهم ببعض، حتى لا يتعرضوا للحرام ولا للأمور التي لا تسوغ. وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: [ (ثنتا عشرة أوقية ونش) ]. والأوقية أربعون درهماً، فتكون الثنتا عشرة منها أربعمائة وثمانين درهماً، والنش نصف أوقية، فيكون عشرين درهماً، والنش اسم لنصف الأوقية، وهو عشرون درهماً، فيكون مجموع الاثنتي عشرة أوقية والنش معها خمسمائة درهم، هذا هو صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخبرت به عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهو دال على التيسير وعدم المبالغة. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إصداق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن الهاد ]. يزيد بن الهاد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وقد مر ذكره. [ سألت عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث عمر في قدر صداق نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته قال المصنف رجمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي العجفاء السلمي قال: خطبنا عمر رحمه الله ورضي الله عنه فقال: (ألا لا تغالوا بصدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية) ]. أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه أنه خطب الناس وقال: لا تغالوا في مهور النساء، فلو كانت مكرمة أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية. والاثنتا عشرة أوقية أربعمائة وثمانون درهماً، والذي مر في حديث عائشة اثنتا عشر أوقية ونش، فهذا لا يدل على التعارض، إذ يمكن أن يكون ذكر الشيء التام بدون ذكر الكسر، فلا يقال: إن هذا مخالف لهذا؛ لأن عائشة تقول: خمسمائة، وهو يقول: أربعمائة وثمانون؛ فإنه قد يحذف الكسر، حيث يذكر الشيء التام الذي لا كسر فيه، فيكون هذا هو وجه التوفيق بين ما جاء عن عمر في هذا الحديث وما جاء عن عائشة في الحديث المتقدم، ومعلوم أن عائشة ذات خبرة، و عمر صاحب خبرة؛ لأن عائشة هي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، و عمر هو والد زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو والد حفصة ، فكل منهما صاحب خبرة. والحديث يدل على عدم المغالاة في المهور، كما نهى عن ذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه فقال: لا تغلوا في مهور النساء، ولو كانت مكرمة عند الله أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق واحدة من نسائه ولا أصدقت واحدة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية. تراجم رجال إسناد حديث عمر في قدر صداق نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو محمد بن سيرين ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العجفاء السلمي ]. هو هرم بن مسيك ، وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن. [ خطبنا عمر ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، ثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث وإن كان فيه من هو مقبول إلا أنه يتفق مع ما جاء في حديث عائشة ، والفرق بينهما الكسر. شرح حديث إصداق النجاشي أم حبيبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب الثقفي حدثنا معلى بن منصور حدثنا ابن المبارك حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة رضي عنها أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع شرحبيل بن حسنة . قال أبو داود : حسنة هي أمه ]. أورد أبو داود حديث أم حبيبة رضي الله عنها -وهي رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين- أن النجاشي زوج الرسول صلى الله عليه وسلم إياها وأمهرها أربعة آلاف، أي: أربعة آلاف درهم، وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة. قال أبو داود : [ و حسنة هي أمه ] يعني أن هذا الرجل منسوب إلى أمه، يعني: ليس اسم أبيه حسنة، وإنما هو اسم لأمه، ومعلوم أن كثيراً نسبوا إلى أمهاتهم لأنهم اشتهروا بذلك، مثل ابن علية ، وكذلك ابن أم مكتوم ، وكذلك أبي بن سلول ، وعدد غيرهم. قوله: [ عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة ]. أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش ، وكان هاجر معها إلى الحبشة، فتنصر ومات نصرانياً - والعياذ بالله- وبقيت هناك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل يخطبها، فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصدقها -أي: النجاشي - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم. وهذا لا يعارض ما تقدم؛ لأن هذا إنما حصل من النجاشي إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يعارض ما جاء من أنه ما أصدق واحدة من نسائه فوق خمسمائة درهم، فالنجاشي دفع ذلك إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينافي ما جاء عن عمر رضي الله عنه مما تقدم؛ لأن هذا لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من النجاشي إكراماً للنبي صلى الله عليه وسلم. وفيه دليل على أن الصداق يمكن أن يدفعه غير الزوج، وأنه يمكن أن يتحمله غير الزوج، فليس بلازم أن يكون الزوج هو الذي يدفع الصداق، فيمكن أن يدفعه غيره لهذا الحديث الذي فيه أن النجاشي أصدقها أربعة آلاف درهم. وفيه دليل على جواز الصداق ولو كان كثيراً، لكنه خلاف الأولى، فالتسامح فيه والتساهل أولى، وإذا دفع شيئاً كثيراً فإنه لا مانع منه ولا بأس به. قوله: [ وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة ]. شرحبيل لم يكن محرماً لها، لكن بعث بها معه ضرورة. تراجم رجال إسناد حديث إصداق النجاشي أم حبيبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم قوله: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب الثقفي ]. هو حجاج بن أبي يعقوب الثقفي ، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا معلى بن منصور ]. معلى بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أم حبيبة ]. هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث إصداق النجاشي أم حبيبة أربعة آلاف درهم من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن المبارك عن يونس عن الزهري ( أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صداق أربعة آلاف درهم، وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبل) ]. أورد الحديث من طريق أخرى مرسلاً في قصة زاوج أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم. قال: [ وكتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقبل ]. أي: كتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقبل فيما يتعلق بالأربعة الآلاف، وهي موجودة في الرواية السابقة المتصلة، وهذه الرواية فيها زيادة: [ فكتب بذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقبل ]. يعني: كأن القبول حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن كتب له بذلك، ولكن قيل: إنه صلى الله عليه وسلم أرسل عمرو بن أمية الضمري وكيلاً عنه في قبول الزواج، فكان النجاشي هو الذي زوجها، والذي قبل الزواج لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو عمرو بن أمية الضمري . تراجم رجال إسناد حديث إصداق النجاشي أم حبيبة أربعة آلاف درهم من طريق ثانية قوله: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع ]. محمد بن حاتم بن بزيع ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ]. علي بن الحسن بن شقيق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المبارك ]. هذا سقط، والصواب: ابن المبارك ، وقد مر ذكره. [ عن يونس ] هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. مر ذكره. والحديث مرسل؛ لأن الزهري من صغار التابعين، والمرسل هو الذي يذكر فيه التابعي شيئاً مضافاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى عهد النبوة، فإنه يكون فيه انقطاع، ولكن فيما يتعلق بالصداق ومقدار الصداق قد جاء في الرواية السابقة المتصلة الصحيحة. قلة المهر شرح حديث إصداق عبد الرحمن بن عوف امرأته وزن نواه من ذهب قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قلة المهر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني و حميد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وعليه ردع زعفران، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مهيم؟ فقال: يا رسول الله! تزوجت امرأة. قال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب. قال: أولم ولو بشاة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب قلة المهر ]. والمقصود من هذه الترجمة أن المهر سواءٌ أكان قليلاً أم كثيراً من أي شيء يتمول فإنه يكون معتبراً، ولا حد لأقله ولا حد لأكثره، والمغالاة في المهور غير سائغة؛ لما يترتب عليها من العراقيل التي تؤخر الزواج وتعرض الشباب والشابات للفتن بسبب عدم حصول الزواج. والتيسير في الزواج وتسهيل أموره، وعدم المغالاة، وتزويج الكفؤ إذا جاء ولو لم يكن عنده مهر كبير هو المطلوب وهو الذي ينبغي، ولا حد لأقل المهر ولا حد لأكثره، ولكن المغالاة والإتيان بالأشياء التي تكون سبباً في تأخير الزواج لا تنبغي ولا تصلح. وسبق أن مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق أحداً من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من خمسمائة درهم، وسبق -أيضاً- أن النجاشي أصدق أم حبيبة أربعة آلاف درهم، وعرفنا فيما مضى أن هذا إنما هو من النجاشي إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود هنا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردعاً من زعفران فقال: [ (مهيم؟) ] يعني: ما هذا؟ فقال: تزوجت امرأة. فقال: [ (ماذا أصدقتها؟) ] قال: وزن نواة من ذهب. قال عليه الصلاة والسلام: [ (أولم ولو بشاة) ]. ومحل الشاهد قوله: [ وزن نواة من ذهب ]. والمقصود بالنواة مقدار قليل من الذهب، قيل: إنه يعادل خمسة دراهم. فهذا فيه الإشارة إلى قلة المهر وأنه قليل وليس بكثير، وأن المهر يصح بكل ما يتمول ولو كان شيئاً يسيراً. المراد بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (مهيم) وقوله: [ وعليه ردع من زعفران ] يعني: أثراً من زعفران. والسؤال من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون المراد به السؤال عن حاله وعن الشيء الجديد الذي حصل له، حيث قال: (مهيم؟) يعني: ما هذا؟ ومعنى هذا أن شيئاً جديداً حصل، وهو الزواج. ومعلوم أن المهاجرين رضي الله عنهم وأرضاهم لما هاجروا إلى المدينة كانوا قد تركوا أموالهم وبلادهم، وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل عن المهاجرين: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، فهم خرجوا لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فهم مهاجرون وأنصار؛ لأنهم جمعوا بين الهجرة والنصرة، فكانوا أفضل من الأنصار؛ لأن الأنصار ليس عندهم إلا النصرة فقط، وأما المهاجرون فعندهم الهجرة والنصرة، فكانوا مقدمين على الأنصار في الفضل، والنبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صاحب تجارة، وكان له معرفة بالتجارة فسأل عن السوق، فدل عليه فصار يبيع ويشتري حتى جمع مالاً وتزوج. وقيل: إن قوله: [ (مهيم؟) ] إنكار لكون الزعفران عليه؛ لأنه جاء النهي عن تزعفر الرجال. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [ (مهيم) ] إنكاراً عليه، فقال: إني تزوجت امرأة. يعني: وهذا من طيبها علق بي ولست الذي فعله، وإنما هو من طيب المرأة الذي تتطيب به وهو سائغ في حقها فعلق بالرجل، فكان هذا فيه بيان أنه لم يكن حصل منه التزعفر أو الوقوع في الشيء الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما حصل علق به ذلك من امرأته. وفي الحديث دليل على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من تفقد أصحابه، ومعرفة أحوالهم، وسؤالهم عما يجد وعما يحصل لهم، وقوله عليه الصلاة والسلام: [ (أولم ولو بشاة) ] فيه دليل على مشروعية الوليمة، وهي الطعام الذي يصنع بمناسبة الزواج، ولا يصلح فيه التكلف والمغالاة كما يحصل في هذا الزمان من المغالاة في ذلك؛ ولأن هذا من الأمور التي تُعيق الزواج؛ لأن ذلك في الغالب على حساب الزوج، وعلى كاهل الزوج، وقد يكون لا يستطيع؛ لأن المهر يكون كثيراً، والوليمة أيضاً يغالى بها، فيكون ذلك من العراقيل. فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الوليمة وقال: (أولم ولو بشاة)، وقوله: (ولو بشاة) المقصود: أن هذا هو الحد الأدنى، ولكن هذا لا يعني أن ذلك متعين، وأنه لا يجزئ إلا شاة، فإنه يمكن أن تكون الوليمة بدون ذلك وبأقل من ذلك كما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زواجه من صفية ، فإنه أولم بخبز وطعام ليس فيه لحم، فدل ذلك على أن التخفيف والتسهيل في ذلك مطلوب، وأن ذبح بهيمة الأنعام ليس من الأمور المتعينة. وقوله: (أولم ولو بشاة) يعني: أن هذا هو المقدار الأدنى، فلو زاد الإنسان على ذلك شيئاً للحاجة من غير مغالاة ومن غير إضرار بالزوج وتحميله ما لا يتحمل فإنه لا بأس بذلك، ولكن المحذور هو المغالاة، والإكثار من الذبائح، وصنع الطعام ثم لا يؤكل، ثم بعض الناس قد يكون تصرفه فيه حسناً بأن يعطيه لمن هو محتاج إليه، ومن الناس من يلقيه في أماكن لا يستفيد منه فيها أحد، وقد يلقى في أماكن لا يصلح أن يلقى فيها، وفي ذلك عدم احترام النعمة، وعدم الاهتمام بها، وعدم الاكتراث لها. والذبح في الوليمة لاشك أنه من الأمور المطلوبة والأمور المستحبة، وأما قضية أن يكون واجباً، وأنه لو حصل زواج بدون وليمة أنه يأثم، فلا أدري. تراجم رجال إسناد حديث إصداق عبد الرحمن بن عوف امرأته وزن نواه من ذهب قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت البناني ]. ثابت بن أسلم البناني البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. حميد بن أبي حميد الطويل البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رجاله كلهم بصريون: موسى بن إسماعيل التبوذكي بصري و حماد بن زيد بصري و ثابت و حميد بصريان و أنس بن مالك بصري، فهو مسلسل بالرواة البصريين. الفرق بين المهر والصداق ولا فرق بين المهر والصداق، بل المهر هو الصداق. وقت الوليمة والوليمة تكون عند النكاح، وسواء تقدمت عليه بيوم أو تأخرت عليه فلا محذور في ذلك. شرح حديث (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن جبرائيل البغدادي أخبرنا يزيد أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: [ (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل) ] أي: استحل النكاح واستحل البضع بهذا الصداق. والمقصود منه تقليل الصداق؛ لأن الترجمة هي قلة الصداق. وقد عرفنا أن الصداق يكون بكل ما يتمول ولو كان قليلاً، وأنه لا حد لأقله، فليس أقله سبعة دراهم ولا عشرة ولا خمسة ولا أربعين ولا خمسين ولا أقل ولا أكثر؛ لأنه ليس هناك تحديد، وقد جاء ما يدل على أنه قد يكون قليلاً، مثل: (التمس ولو خاتماً من حديد)، وسؤاله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف عن صداق امرأته فأخبره بأنه وزن نواة من ذهب، فكل ذلك شيء قليل ويدل على القلة، لكن التحديد الذي لا يجزئ ما دونه ليس عليه دليل. وعلى هذا فالأمر في ذلك واسع، ولا تحديد ولا تقييد لأقله ولا لأكثره، مع أن المشروع هو عدم المغالاة وتيسير الزواج وتسهيله، وعدم وضع العراقيل التي تعوق وتحول دون حصوله. ثم إن المهر لابد منه، ولكنه ليس شرطاً في العقد، فيمكن أن يحصل الزواج بدونه، وحينئذ يتعين مهر المثل، والمهم أن المرأة لابد لها من شيء تعطاه في مقابل استحلال فرجها. وهنا يروي جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل) ]. والسويق هو الدقيق، وقوله: [ (فقد استحل) ] أي: استحل البضع وحصل المهر بذلك، وملء الكفين ربع الصاع تقريباً، أي: مد. تراجم رجال إسناد حديث (من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل) قوله: [ حدثنا إسحاق بن جبرائيل البغدادي ]. إسحاق بن جبرائيل البغدادي صدوق، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا يزيد ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان ]. الصحيح: صالح بن مسلم بن رومان ، فقد قال الحافظ ابن حجر : صوابه: صالح بن مسلم بن رومان . فمعنى هذا أن قوله: [ موسى بن مسلم ] خطأ، والصواب أن اسمه صالح ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود . [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده الرجل الضعيف الذي هو صالح بن مسلم بن رومان ، فهو غير ثابت، ولكن من حيث مشروعية قلة الصداق فالأحاديث الأخرى دالة على ما دل عليه. إيراد حديث (من أعطى في صداق امرأة) موقوفاً على جابر وتراجم رجاله [ قال أبو داود : رواه عبد الرحمن بن مهدي عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه موقوفاً ]. أورد المصنف طريقاً أخرى معلقة، حيث قال: [ رواه عبد الرحمن بن مهدي عن صالح بن رومان ] وهنا ذكره على الصواب، وهو صالح بن مسلم بن رومان ، وهو الضعيف الذي مر. والذي روى عنه هو عبد الرحمن بن مهدي ، و عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر موقوفاً ]. معناه: أنه ليس بمرفوع، بل هو موقوف على جابر رضي الله تعالى عنه. شرح حديث (كنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة) ]. أشار هنا إلى طريق أخرى عن جابر رضي الله عنه قال فيها: إنا كنا نستمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبضة من الطعام. وهو مقدار قليل، أي: مثل الأكلة من الطعام. وقوله: [ على معنى المتعة ] يعني متعة النساء التي كانت مباحة ثم حرمت، وهي التي تكون لمدة مؤقتة؛ لأن زواج المتعة هو الزواج المؤقت المتفق على مقداره وضرب أجل له، كيومين أو ثلاثة أو أسبوع أو شهر، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج. وهذا كان مباحاً في الإسلام، ثم إنه حرم ومنع منه، والحديث هذا جاء في صحيح مسلم ، وفيه زيادة (وفي عهد أبي بكر ) وقوله: (في عهد أبي بكر ) يفهم منه أن بعض الصحابة ما كان يعلم التحريم، وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى عرفوا التحريم جميعاً، وهو مثل ما جاء في حديث (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن) مع أنه لا يوجد في القرآن، ولكن بعض الناس الذين ما عرفوا نسخ هذه التلاوة توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يقرءون هذا حتى عرفوا بأنه قد نسخ. وكذلك الذين كانوا يستمتعون في عهد أبي بكر ما علموا الناسخ أو ما بلغهم الناسخ. تراجم رجال إسناد حديث (كنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام) قوله: [ ورواه أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر ]. مر ذكرهم جميعاً. [ قال أبو داود : رواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ على معنى أبي عاصم ]. أي: على معنى حديث أبي عاصم الذي تقدم، وهو [ كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة ]. والحديث قد رواه صالح بن موسى مرة موقوفاً ومرة مرفوعاً، ولا يحكم على الحديث بالاضطراب لذلك؛ إذ إن صالح بن موسى ضعيف، فما أتى عن طريقه فهو ضعيف ولو لم يحصل منه اضطراب، إلا أن الحديث ثابت من الطريق الأخرى وهي طريق ابن جريج ، وهي في صحيح مسلم . |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
التزويج على العمل يعمل شرح حديث قصة الواهبة نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التزويج على العمل يعمل. حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله! إني قد وهبت نفسي لك. فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك، فالتمس شيئاً. قال: لا أجد شيئاً. قال: فالتمس ولو خاتماً من حديد. فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فهل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في التزويج على العمل يعمل ] فقد ذكر فيما مضى التزويج على المهر الذي هو مال يدفع للمرأة، وهنا في هذه الترجمة ترجم بحصول العمل الذي يعتبر في مقابلة مال؛ لأنه قد يكون الرجل ليس عنده مال ولكن عنده قدرة على أن يعمل عملاً. فيكون عمله هذا صداقاً لها مقابل الأجرة التي كان سيعطاها. وقد جاء في القرآن في قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع الرجل الصالح أنه قال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص:27] فهو عقد على عمل. وهنا في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج هذا الرجل على أن يعلمها شيئاً من القرآن، أي: على عمل يقدمه لها وهو تعليمها شيئاً من القرآن، فدل هذا على أن المهر يمكن أن يكون عملاً وأن يكون منفعة بدلاً من كونه عيناً أو نقوداً. فحديث سهل بن سعد موافق للترجمة من جهة أنه زوجه على عمل يعمله لها. معنى الباء في قوله: (زوجتكها بما معك من القرآن) قوله: [ (زوجتكها بما معك) ] الباء هنا للمعاوضة وليست للسببية، أي: في مقابل ما معك من القرآن تعلمها إياه. وليست الباء للسببية بمعنى أنه زوجه إكراماً له بغير صداق بسبب ما معه من القرآن؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لما كان هناك حاجة إلى أن يسأله التماس القليل قائلاً: [ (وهل معك شيء من القرآن؟) ]. فالمقصود أن هذه المنفعة يمكن أن تكون مهراً حيث لا يوجد المهر، فالذي يبدو هو أنه لا يصار إلى اتخاذ العمل مهراً إلا عند الحاجة، لأن المال هو المقدم فإذا كان الرجل معدماً فإنه يصار إلى العمل. وفي الحديث دليل على تسهيل أمر الزواج وتسهيل الوصول إليه بأي طريق، فلو كان الرجل معدماً وليس عنده مال ولكنه عمل عملاً للزوجة فإنه يستحل به فرجها ولا تدفع له أجرة في مقابل عمله، بل هذا العمل في مقابل زواجه بها، فالباء في الحديث هي للمعاوضة، والمعنى أنه يعلمها شيئاً من القرآن عوضاً عن زواجه بها، وليست للسببية كما قال بعض أهل العلم: إنه زوجه إكراماً له. يعني: بسبب ما معه من القرآن أكرمه فزوجه. فالصداق لابد منه. الزواج بالهبة من الخصائص النبوية قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله! إني قد وهبت نفسي لك) ]. معناه: وهبت نفسها له ليتزوجها، والزواج بالهبة من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في القرآن: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فدل على أن ذلك من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على ما كان عليه نساء الصحابة من الرغبة الشديدة والحرص على الاتصال بالرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن زواج الرسول بالمرأة شرف عظيم لها؛ لأنها تكون بذلك أماً للمؤمنين، وتحصل شرفاً لاتصالها بالنبي عليه الصلاة والسلام وكونها من أزواجه، وهذا هو الذي دعاها إلى أن تعمل هذا العمل وأن تقدم هذه الرغبة وأن تظهر هذه الرغبة وتعرض نفسها على الرسول صلى الله عليه وسلم واهبة نفسها له. فالزواج بالهبة لا يكون إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، وغيره ليس له أن يتزوج إلا بصداق. جواز عرض المرأة على الرجل الصالح ليتزوجها وقلة المهر ثم إن في الحديث جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها، ولكن بمهر لا هبة، وكذلك يجوز عرض الرجل بنته على الرجل الصالح، كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه حيث عرض حفصة على أبي بكر و عثمان ، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ فقامت قياماً طويلاً ]. أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما رد عليها بشيء، بل سكت، ولما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً قال رجل من الحاضرين: [ يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة ] وهذا من الأدب؛ لأنه قال: [ إن لم تكن لك بها حاجة ]. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: [ (هل عندك من شيء تصدقها إياه؟) ] فقال: ما عندي إلا إزاري. قال: [ (إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك) ]، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من قلة ذات اليد وعدم الجدة، وأن الواحد منهم لا يجد الشيء اليسير. ثم قال له: [ التمس شيئاً فقال: لا أجد شيئاً، فقال له: [ التمس ولو خاتماً من حديد ]، يعني: ولو كان الملتمس خاتماً من حديد، أي: ولو كان شيئاً قليلاً. فذهب الرجل فلم يجد شيئاً حتى خاتم الحديد، وهذا كله يدلنا على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من قلة ذات اليد، فكثير منهم لم يكونوا من أهل اليسار، وإنما كانوا من ذوي القلة. حكم التحلي بالحديد وقد جاء ما يدل على أن الحديد لا يتحلى به، وأنه حلية أهل النار، فلعل قوله: [ (التمس ولو خاتماً من حديد) ] كان قبل التحريم، أو أنه بعد التحريم، ولكنه يمكن أن يحول إلى شيء آخر، ولا يستعمل حلية للرجال ولا للنساء. وليس منه لبس الساعة في اليد، فالساعة فيها حديد، لكن ليس المقصود منها الزينة فحسب، بل يراد بها معرفة الوقت. قوله: [ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فهل معك من القرآن شيء؟) قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا. لسور سماها ]. أي: سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن كونه معه شيء من القرآن فأخبره بأن معه سوراً، وعد تلك السور، فقال صلى الله عليه وسلم: [ (قد زوجتكها بما معك من القرآن) ] والباء -كما عرفنا- للمعاوضة، فجعل ما معه من القرآن على أن يعلمها إياه صداقاً لها، وليست للسببية بأن يكون الزواج بدون المهر إكراماً له لحفظه شيئاً من القرآن الكريم. تراجم رجال إسناد حديث قصة الواهبة نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم بن دينار ]. هو سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد ]. هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو العباس ، ويقال: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس سوى اثنين: أحدهما هذا، والثاني: عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فكل منهما يقال له: أبو العباس. وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد . فهو من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند الإمام أبي داود ؛ لأن أعلى إسناد عنده هو الرباعيات، وليس عنده ثلاثي، فالثلاثيات هي عند البخاري ، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً ليس بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إلا ثلاثة أشخاص، وعند الترمذي حديث واحد ثلاثي، وعند ابن ماجة خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد وهو ضعيف. وبقية الأئمة -الذين هم: مسلم و أبو داود و النسائي - أعلى ما عندهم الرباعيات، فبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أشخاص، وهذا الذي معنا في هذا الإسناد هو من أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث الواهبة نفسها من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج الباهلي عن عسل عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو هذه القصة -لم يذكر الإزار والخاتم- فقال: [ (ما تحفظ من القرآن؟ قال: سورة البقرة أو التي تليها. قال: فقم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها أنه سأله عما يحفظه فقال: سورة البقرة أو التي تليها. يعني آل عمران فقال له: [ (قم فعملها عشرين آية وهي امرأتك) ]. وهذا فيه تسمية السورة المحفوظة، وفيه تحديد المقدار الذي يعلم من أجل الزواج، ولكن هذا الحديث الذي فيه التحديد غير ثابت؛ لأن في إسناده عسلاً وهو ضعيف. تراجم رجال إسناد حديث الواهبة نفسها من طريق ثانية قوله: [ حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ]. أحمد بن حفص بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي حفص بن عبد الله ]. حفص بن عبد الله صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج بن الحجاج الباهلي ]. الحجاج بن الحجاج الباهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عسل ]. هو عسل بن سفيان التميمي أبو قرة البصري ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن عطاء بن أبي رباح ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث الواهبة نفسها من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ثنا أبي ثنا محمد بن راشد عن مكحول . نحو خبر سهل. قال: وكان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن مكحول وقال: [ نحو حديث سهل ] يعني المتقدم قبل حديث أبي هريرة ، وفيه [ كان مكحول يقول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. فإذا كان المقصود به هبة المرأة نفسها فإنه -كما قال- ليس ذلك لأحد بعد رسول الله. وأما إذا كان المراد التزوج على العمل فإن ذلك ليس خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في تزويجه الرجل بما معه من القرآن، بل يصح الزواج بالعمل حيث لا يمكن الحصول على المال، فكلام مكحول الذي ذكره هنا أنه ليس ذلك لأحد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل: فإن كان يراد به الهبة فهذا صحيح، وإن كان يراد به الزواج على العمل فهذا ليس بصحيح. تراجم رجال إسناد حديث الواهبة نفسها من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ ثنا أبي ]. أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ ثنا محمد بن راشد ]. محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن مكحول ]. هو مكحول الشامي ، وهو ثقة كثير الإرسال، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. من تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات شرح حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات. حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه (في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق فقال: لها الصداق كاملاً وعليها العدة ولها الميراث. فقال معقل بن سنان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى به في بروع بنت واشق) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب فيمن تزوج ولم يسم صداقاً حتى مات ]. والزواج بغير تسمية الصداق يصح، ولكنه يرجع في ذلك إلى مهر المثل، وإذا كان الشخص قد تزوج ومات ولم يفرض صداقاً فإن الحكم أنه يكون لها صداق المثل وعليها العدة ولها الميراث. ومعنى مهر المثل أن ينظر إلى مهر قريباتها كأخواتها ونحوهن ممن تزوج في زمنها فتعطى مثلهن، ولا ينظر إلى مهر أمها وجدتها، لأن وقت زواجهما بعيد. وأورد أبو داود حديثاً ذُكر فيه أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سئل عن رجل تزوج ومات ولم يكن فرض لزوجته صداقاً ولم يدخل بها، فاجتهد ابن مسعود في المسألة وأفتى فقال: عليها العدة ولها الميراث ولها الصداق كاملاً. قال ذلك باجتهاده. وسيأتي في رواية بعد هذه أنهم اختلفوا عليه شهراً أو مرات، أي ترددوا عليه يريدون الحكم، ولم يكن يعمل نصاً حتى يحكم به ويبني عليه، ولكنه بعد أن كثر الترداد والقضية واقعة وهم بحاجة إلى حل وبحاجة إلى فتوى اجتهد. فهذا يدل على الاجتهاد، لكن الاجتهاد حيث لا نص، وأما إذا كان النص موجوداً فإنه لا اجتهاد مع النص، وإنما الاجتهاد يكون مع عدم النص أو عدم معرفة المجتهد الذي استفتي بالنص. فلما اجتهد عبد الله رضي الله تعالى عنه وأفتى قام معقل بن سنان وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بما قضيت به. يعني: بمثل ما قضيت به، فهذا الذي قضيت به هو الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعناه أن اجتهاد ابن مسعود رضي الله عنه وقع موافقاً للصواب، حيث وافق قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدل هذا على أن المرأة إذا تزوجها إنسان ثم مات عنها ولم يدخل بها فإنه يكون عليها العدة -أي: عدة الوفاة- ولها الميراث ولها صداق المثل. والحديث هنا هو حديث معقل بن سنان يروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي ، وقد أخرج له النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن فراس ]. هو فراس بن يحيى ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث قضاء رسول الله في بروع بنت واشق من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون و ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه، وساق عثمان مثله ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، حيث قال: [ مثله ] يعني أنه مطابق له في اللفظ والمعنى. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون و ابن مهدي عن سفيان ]. هؤلاء جميعاً مر ذكرهم. [ عن منصور ]. هو ابن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود ، وقد مر ذكره. شرح حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس و أبي حسان عن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أتي في رجل -بهذا الخبر-، قال: فاختلفوا إليه شهراً -أو قال: مرات- قال: فإني أقول فيها: إن لها صداقاً كصداق نسائها لا وكس ولا شطط، وإن لها الميراث وعليها العدة، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان. فقام ناس من أشجع فيهم الجراح و أبو سنان فقالوا: يا ابن مسعود ! نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق -وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي - كما قضيت. قال: ففرح عبد الله بن مسعود فرحاً شديداً حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود من طريق أخرى وفيه التفصيل في القصة، حيث ذكر فيه أن ابن مسعود رضي الله عنه كانوا يختلفون عليه شهراً، يترددون عليه وهو يؤخرهم حتى يجتهد ويبحث لعله يجد نصاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فلما رأى المدة طالت وهم بحاجة إلى أن ينفذوا الشيء الذي لابد من تنفيذه اجتهد وقال بعد اجتهاده: أقول فيها كذا، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يك خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان من ذلك. فقام جماعة من أشجع فيهم الجراح و أبو سنان فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بمثل ما قضيت في بروع بنت واشق . ففرح فرحاً شديداً لموافقة قضائه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومثل هذه القصة ما حصل لعمر رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام وكان وقع فيها الطاعون، فلقيه أمراء الأجناد وفيهم أبو عبيدة بن الجراح ، فاختلف الصحابة رضي الله عنهم في المشورة عليه، فبعضهم أشار عليه بأن يدخل وبعضهم أشار عليه بأن يرجع، فالذين أشاروا عليه بالدخول قالوا: لقد جئت لغرض فامض إليه، ولا تفر من قدر الله. والذين أشاروا عليه بالرجوع قالوا: لا تعرض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للموت. أي: بسبب الطاعون. فاستشار عمر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار فاختلفوا كذلك، فبعد ذلك استقر رأيه على أن يرجع، فقال: إني مصبح على ظهر. فقال له أبو عبيدة : تفر من قدر الله؟! قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نفر من قدر الله إلى قدر الله. وكان عبد الرحمن بن عوف معهم ولكنه ما كان حاضراً وقت المشاورة، فلما علم بهذا الذي حصل قال: عندي علم فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض لستم فيها فلا تدخلوها) ففرح عمر رضي الله عنه بموافقة اجتهاده ما جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ]. هو عبيد الله بن عمر القواريري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خلاس ]. هو خلاس بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبي حسان ]. هو أبو حسان الأعرج ، وهو مسلم بن عبد الله ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عتبة بن مسعود ]. عبد الله بن عتبة بن مسعود ، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي وغيره، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ أن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود قد مر ذكره. شرح حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بامرأة دون تسمية الصداق قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ]. محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ و محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ و عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب السحبستاني القشيري ، صدوق، أخرج له أبو داود وحده. [ قال محمد : حدثني أبو الأصبغ الجزري عبد العزيز بن يحيى ]. محمد هو ابن المثنى ، و أبو الأصبغ الجزري هو عبد العزيز بن يحيى ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني الباهلي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد ]. هو خالد بن أبي يزيد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن زيد بن أبي أنيسة ]. هو زيد بن أبي أنيسة الجزري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مرثد بن عبد الله ]. مرثد بن عبد الله هو أبو الخير اليزني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد بلغ عدد رجاله ثمانية، وهو إسناد طويل. زيادة (خير النكاح أيسره) في حديث التزويج دون تسمية صداق [ قال أبو داود : وزاد عمر بن الخطاب -وحديثه أتم- في أول هذا الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير النكاح أيسره) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل ثم ساق الحديث ]. ذكر هنا أن في أول الحديث عن عمر بن الخطاب الذي هو الشيخ الثالث لأبي داود [ (خير النكاح أيسره) ] يعني: ما كان بيسر وسهولة، بأن يكون بدون مغالاة وبدون حصول أمور تترتب على الزواج فيها مشقة وفيها تحميل الزوج ما لا يطيقه. تضعيف أبي داود لحديث التزويج دون تسمية صداق [ قال أبو داود : يخاف أن يكون هذا الحديث ملزقاً؛ لأن الأمر على غير هذا ]. أي: يخاف أن يكون هذا الحديث ملحقاً؛ لأن الأمر كان على غير هذا، أي: فيما يتعلق بتصرف المريض بأن يخرج من ماله ويخص به بعض الورثة؛ فالأمر على غير ذلك. وهذا -كما هو معلوم- عمل صحابي ليس مضافاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتصرف المريض ليس مطلقاً بحيث يتصرف في ماله عند الموت بأن يعطي أحداً ويحرم غيره، أو يعطي المال لبعض الورثة ويترك بعضهم ويحرمهم من الميراث؛ إذ إن الأمر على غير هذا. الأسئلة حكم تحديد المهور من قبل الولاة والحكام السؤال: هل لولي أمر المسلمين أن يحدد المهر؟ الجواب: التحديد ما أعلم فيه شيئاً يدل عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما حدد، والخلفاء الراشدون ما حددوا، وما نعلم فيه تحديداً، ولكن الناس إذا اتفقوا على شيء ورأوا المصلحة في ذلك فلهم ذلك، أما أن يفرض عليهم وأن يلزموا بمقدار معين ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه شيء، فالذي يظهر أنه لا يصح ذلك. حكم طلب الرجل من زوجته إعفاءه من المهر بعد الدخول السؤال: هل يجوز للرجل أن يطلب من امرأته إعفاءه من المهر بعد الدخول عليها؟ الجواب: إذا طابت بذلك نفساً فلا بأس، كما قال الله عز وجل: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4]، أما إذا لم يكن هناك طيب نفس ولم يكن هناك اطمئنان إلى ذلك فلا يصح. حكم التضمخ بالزعفران السؤال: هل النهي عن الزعفران في حق الرجال دون النساء أم نهي عنه الرجال والنساء جميعاً؟ الجواب: النهي للرجال فقط، والتزعفر هو كون الإنسان يتضمخ بالزعفران." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [244] الحلقة (275) شرح سنن أبي داود [244] الزواج أحد الجوانب التي تناولها التشريع الإسلامي، وقد جعل الله عز وجل له من المكانة شيئاً عظيماً، فسن أن يبدأ فيه بخطبة الحاجة، وأوجب للمرأة الصداق عند الزواج، تكرمة لها ونحلة، إلا أنه قد يعقد الرجل الزواج بالمرأة دون تسمية الصداق، وقد بين الشرع أحكامه في مثل هذه الحالة، وإذا تزوج الرجل امرأة جديدة على امرأة عنده فعليه أن يبيت عندها ثلاثاً إذا كانت ثيباً وسبعاً إذا كانت بكراً. خطبة النكاح شرح حديث خطبة الحاجة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خطبة النكاح. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره. ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص و أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبة الحاجة: (إن الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:71]). لم يقل محمد بن سليمان : إن ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في خطبة النكاح ] أي: بين يديه وبين يدي عقده والمقصود بها هذا الذي جاء في الحديث من حمد الله عز وجل والاستعانة به واستغفاره والثناء عليه والتعوذ من شرور النفس، وأن من هدى الله فهو المهتدي، ومن يضلل فإنه لا هادي له. وهذه الخطبة هي من الأمور المستحبة، فلو حصل النكاح بدونها فإنه يصح، ولكن الأولى أن يؤتى بها؛ لأن فيها ذكراً لله عز وجل وثناءً عليه، وتقديم العقد بحمد الله وبالثناء عليه لاشك في أنه من الأمور المهمة والأمور المفيدة، ولكنه ليس بفرض ولا واجب، ولكنه من الأمور المستحبة، ولو وجد العقد بدونه فإنه يصح، ولا يكون الإنسان بتركه قد ترك أمراً واجباً. وقد وردت هذه الخطبة في الأحاديث بألفاظ مختلفة، منها ما هو أقل ومنها ما فيه زيادة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في خطبة الحاجة في النكاح وغيره بألفاظ قد جاء في بعض الروايات زيادات عليها، يعني مثل زيادة (نحمده) وكذلك زيادة (ومن سيئات أعمالنا) وهي ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذه الرواية التي جاءت عند أبي داود ليس فيها ذلك الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كاملاً، وينبغي أن يؤتى به كاملاً، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم يؤتى بالآيات: آية في أول سورة النساء، وآية في وسط سورة آل عمران، وآية في آخر سورة الأحزاب. ثم إن ما جاء في بعض الروايات من خطبة الحاجة في النكاح وغيره لا يعني أن كل خطبة من الخطب يستحب أن تبدأ بهذا اللفظ وحده وأن لا تبدأ بألفاظ أخرى، ولكن هذا يحمل على الغالب، وإلا فإنه قد جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البدء بغير ذلك، كما سبق أن مر بنا في كتاب الاستسقاء، فقد ورد فيه ذكر البدء (بالحمد لله رب العالمين)، وليس فيه ذكر هذا الذي جاء في هذا الحديث. وعلى هذا فيكون الإكثار منه بناءً على الغالب، فهو الذي ينبغي قوله غالباً، ولكن لا يقال: إنه لا يؤتى بشيء سواه، وإنه اللفظ الذي يؤتى به فحسب. وفي الحديث جاءت الأفعال المضارعة بنون الجمع في أولها إلا قوله: [ (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ] وذلك لأن الشهادة لا تصح إلا من قائلها ذاته، فلا يصح قولها عن الغير، أما العون المغفرة والعياذ بالله فيصح طلبها للنفس وللغير فلذلك أتى فيها بنون الجمع في أول المضارع. تراجم رجال إسناد حديث خطبة الحاجة قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيدة ]. هو أبو عبيدة عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ولكن لم يصح سماعه من أبيه. [ عن عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري المعنى ]. قوله: [ ح ] هي للتحول من إسناد إلى إسناد. و محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . وقوله: [ المعنى ]. يعني أن المعنى واحد وإن كانت الألفاظ مختلفة فيما جاء في الطريقين. [ ثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق قد مر ذكره. [ عن أبي الأحوص ]. هو عوف بن مالك الجشمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ و أبي عبيدة عن عبد الله ]. أبو عبيدة وعبد الله قد مر ذكرهما في الإسناد السابق. قوله: [ قال: لم يقل محمد بن سليمان : إن ]. أي: لم يقل محمد بن سليمان : (إن الحمد لله) وإنما قال: (الحمد لله نحمده ونستعينه...). شرح حديث تعليم خطبة الحاجة من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ثنا أبو عاصم ثنا عمران عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تشهد.. ذكر نحوه، وقال بعد قوله: ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها نحو الرواية السابقة، وفيها بعد قوله: (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) زيادة [ (أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً) ] وهذه زيادة جاءت من هذه الطريق، وقد ضعفها الألباني ، ولعل السبب في ذلك هو أحد الرواة الذين جاءوا في الإسناد، وهو عمران بن داود القطان ، فإن فيه كلاماً كما قال المنذري . وقوله: [ (ومن يعصمها) ] فيه الإتيان بالضمير (هما) العائد على الله جل جلاله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثله في الحديث (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وقد جاء في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لخطيب قوم (بئس خطيب القوم أنت) حين جمع بينهما، وحمل على أن الخطب الأصل فيها التفصيل لا الإجمال، فلذلك زجره. تراجم رجال إسناد حديث تعليم خطبة الحاجة من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. هو محمد بن بشار المقلب ببندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ ثنا أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل ، وهو الضحاك بن مخلد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ثنا عمران ]. هو عمران بن داود القطان ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد ربه ]. هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري ، أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عياض ]. هو عمرو بن الأسود ، حمصي سكن داريا، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره. شرح حديث جواز ترك خطبة الحاجة في النكاح قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار ثنا بدل بن المحبر -وكنيته أبو المغير - ثنا شعبة عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي عن إسماعيل بن إبراهيم عن رجل من بني سليم قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فأنكحني من غير أن يتشهد ]. أورد أبو داود حديث رجل من بني سليم مبهم أنه خطب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت عبد المطلب -يعني عمة النبي صلى الله عليه وسلم- فأنكحه ولم يتشهد. ومعناه أنه ما ذكر الخطبة التي جاءت في حديث ابن مسعود ، فيستدل به على أنه ليس بلازم أن يؤتى بالخطبة بين يدي عقد النكاح؛ لأنه هنا قال: ولم يتشهد. لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو مجهول ومن هو مقبول. ثم إنه قد اختلف في المرأة، وذكر الاختلاف البخاري في التاريخ الكبير، ففي بعض الروايات [ خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عمته فأنكحني... ] وفي بعضها (ألا أنكحك أمامة بنت ربيعة بن الحارث؟). وعلى كل حال فالحديث ضعيف وغير ثابت؛ لأن في إسناده من هو مجهول. تراجم رجال إسناد حديث جواز ترك خطبة الحاجة في النكاح قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار مر ذكره. [ ثنا بدل بن المحبر ]. بدل بن المحبر ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ ثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء ابن أخي شعيب الرازي ]. العلاء ابن أخي شعيب الرازي مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم مجهول، أخرج له أبو داود أيضاً. [ عن رجل من بني سليم ]. هذا رجل مبهم، وهو من الصحابة، والإبهام في الصحابة لا يؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، وإنما الجهالة تؤثر في غيرهم، فالإبهام في غيرهم يؤثر والإبهام في الصحابة لا يؤثر، بل يكفي أن يعرف أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يسم. وقد سماه الحافظ ابن حجر في المبهمات فقال: عباد بن شيبان السلمي . تزويج الصغار شرح حديث عائشة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت ست قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تزويج الصغار. حدثنا سليمان بن حرب و أبو كامل قالا: ثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا بنت سبع سنين -قال سليمان : أو ست- ودخل بي وأنا بنت تسع) ]. أورد أبو داود [ باب في تزويج الصغار ] يعني اللاتي لم يبلغن، وسبق أن مر أن الاستئذان يكون للبكر ويكون للثيب، وأن الثيب تنطق بما تريد والبكر يكفي أن تسكت وأن تصمت، ولا يلزم في حقها ما يلزم في حق الثيب من النطق، وهنا ذكر هذه الترجمة، وهي (تزويج الصغار) يعني اللاتي لم يبلغن. وقد ذكر بعض أهل العلم أن للولي -سواء أكان أباً أم غيره، ومن العلماء من يخص ذلك بالأب والجد- أن له إذا جاء كفؤ وخشي فواته عليها ورأى في تزويجها مصلحة لها أن يزوجها بدون استئذان؛ لأن الصغيرة ليست لها معرفة بالقبول والرد، ومن يصلح ومن لا يصلح. ثم اختلفوا، فمنهم من قال: إن لها إذا بلغت أن تفسخ إذا لم ترد. ومنهم من قال: ليس لها ذلك. والذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا حصل كفؤ وهي لم تبلغ وخيف فواته وكان في تزويجها به مصلحة لها فإن ذلك سائغ، لكن يبدو أنها إذا بلغت ولم تطب نفسها ولم ترض به فإن لها الخيار، ولكن التجويز لمراعاة حظها ولمراعاة مصلحتها في كونها لا تميز ولا تعرف من يصلح ومن لا يصلح، ووليها يرى أن هذا فيه مصلحة لها وأنه غنيمة لها. وأورد أبو داود حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست أو سبع ودخل بها وهي ابنة تسع، وبعض العلماء قال: إن هذا السن -الذي هو التسع- يكون معه الإدراك ويكون معه البلوغ، فبعض النساء تدرك وتبلغ في هذا السن. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن الشافعي رأى جدة عمرها إحدى وعشرون سنة، أي: أنها حملت لتسع وولدت لعشر، ثم حصل لبنتها مثل ما حصل لها، فلما ولدت بنتها صارت جدة وعمرها إحدى وعشرون. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت ست قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو كامل ]. هو أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ ثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. المقام عند البكر شرح حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة بعد زواجه بها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المقام عند البكر. حدثنا زهير بن حرب ثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً ثم قال: (ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [ باب في المقام عند البكر ]. فالرجل قد يتزوج ثيباً أو بكراً، فالثيب يقيم عندها ثلاثة أيام أو ثلاث ليالٍ، والبكر يقيم عندها سبعاً، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يقيم عند الثيب ثلاثاً ثم يقسم، وإذا كان تزوج بكراً يقيم عندها سبعاً ثم يبدأ بالقسمة بين الزوجات. وجاء التفريق بين الثيبات والأبكار لأن البكر زواجها شيء جديد عليها، فهي بحاجة إلى زيادة مدة يكون بها الاستئناس والاطمئنان، بخلاف الثيب، فإنها قد تعودت وسبق لها الزواج، فجاءت الشريعة بتقليل المدة في حقها. وقد أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها مكث عندها ثلاثاً وقال: [ (إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) ] ومعناه أن حقها ثلاث، وأنه إذا تركها بعد الثلاث فإنه يقسم ويأتي إليها بعدما ينتهي دور الزوجات السابقات. فإذا زاد على الثلاث وأتى بالسبع لها فإنه يسبع لسائر نسائه. ولا شك أن الحظ والأولى لها أن يقيم عندها ثلاثاً ثم يرجع إليها بعد فترة قريبة، بخلاف ما إذا سبع لها، فإنه لا يأتيها إلا بعد مدة طويلة، فإذا كان عنده زوجتان فسيأتيها بعد أسبوعين، وإذا كان عنده ثلاث فسيأتيها بعد ثلاثة أسابيع، فكونه يقيم عندها ثلاثاً ثم يقسم لا شك أن هذا أولى لها من أن يسبع لها ثم تطول عليها المدة، فلا يرجع إليها إلا بعد مدة طويلة. فهذا الحديث يدل على أن الثيب يقام عندها ثلاث، وفيه إشارة إلى أن البكر يقام عندها سبع، وأنه إن أعطى الثيب المدة التي حددت لها فإنه يقسم لنسائه بعدها، وإن زادها على الثلاث إلى السبع فإنه يسبع لنسائه ويرجع إليها بعد مدة طويلة. وقوله: [ (ليس بك على أهلك هوان) ]. يعني: أنت عزيزة، أي: ليست هينة عند أهلها ولا عنده صلى الله عليه وسلم، ولكن الحكم هو هكذا، فإن أرادت أن تقف عند الثلاث فإنه يبدأ بالقسمة ويرجع إليها، ولكنه لا يقسم لهن ثلاثاً، فبعد أن يجلس عندها ثلاثاً يبدأ بالقسمة يوماً يوماً، لكنه إذا تجاوز الثلاث إلى السبع فإنه يسبع للنساء بالقسمة. تراجم رجال إسناد حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة بعد زواجه بها قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ ثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد البصري القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن أبي بكر ]. هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن أبي بكر ]. هو عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، فقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي ذكره ابن القيم مع بقية الفقهاء السبعة في أول كتاب (إعلام الموقعين عن رب العالمين) وليس (أعلام الموقعين)؛ لأن (أعلام) جمع علم، والكتاب ليس كتاب تراجم حتى يكون عنوانه (أعلام الموقعين) وإنما هو إعلام وإخبار للمفتين والمخبرين عن الشرع والمفتين بأحكام الشريعة، أي: الذين يفتون ويكتبون الفتاوى في بيان أحكام الشريعة. ففي أول الكتاب ذكر الفقهاء في الأقطار، فذكر أن المدينة فيها كذا وكذا، ومكة فيها كذا وكذا، من الصحابة كذا ومن التابعين كذا، ولما جاء عند ذكر المدينة ذكر جماعة من الفقهاء في عصر التابعين وذكر الفقهاء السبعة، وجعل السابع أبا بكر هذا الذي معنا، وذكر بيتين من الشعر يشمل الثاني منهما السبعة، حيث قال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه فهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، و عروة بن الزبير و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و سعيد بن المسيب و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و سليمان بن يسار ، و خارجة بن زيد . [ عن أم سلمة ]. هي أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. والإسناد فيه راويان قد يظن أنهما أخوان؛ لأن الأول محمد بن أبي بكر والثاني عبد الملك بن أبي بكر وقد يظن أن هذا يروي عن أخيه، بينما في الحقيقة الأول هو محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم والثاني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . التسبيع عند البكر ليس عذراً في ترك الجماعة وهنا نشير إلى أن إقامة الزوج عند البكر سبعاً ليس فيه رخصة له بترك صلاة الجماعة كما هو مشتهر عند البعض، حيث يقيم عندها كالمحبوس فلا يخرج من باب الدار، وإنما المقصود من إعطائه هذا الحق أنه إذا كان متزوجاً لا يأتي إلى نسائه إلا بعد سبع، وكذلك حتى لو لم يكن عنده نساء فهذه المدة وهذا الأسبوع يجلس فيه عندها قبل أن يسافر أو يفارقها إلى مكان بعيد. شرح حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً عند صفية بعد زواجه بها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية و عثمان بن أبي شيبة عن هشيم عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفية رضي الله عنها أقام عندها ثلاثا. زاد عثمان : وكانت ثيبا). وقال: حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد قال: أخبرنا أنس ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله تعالى عنها -وكانت من سبي خيبر، وقد كان أعتقها وجعل عتقها صداقها صلى الله عليه وسلم - أقام عندها ثلاثاً، وهذا يدل على أن الثيب يقام عندها ثلاثاً، مثلما تقدم في حديث أم سلمة . وهذا الحديث غير مطابق للترجمة، فليس فيه ذكر السبع ولا ذكر الأبكار، وإنما فيه ذكر المقام عند الثيب وأنه ثلاث، وهو موافق لما جاء في حديث أم سلمة من جهة التثليث في حق الثيب، وليس فيه ذكر التسبيع. والحديث ذكره أبو داود من طريقين: الطريق الأولى بالعنعنة، والطريق الثانية بالتصريح بالتحديث، فهشيم من المدلسين، وفي الطريق الثانية التي هي طريق عثمان بن أبي شيبة صرح بالتحديث، حيث قال: [ أخبرنا حميد ]. قوله: [ زاد عثمان : (وكانت ثيباً) وقال: حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد قال: أخبرنا أنس ]. يعني: قال عثمان بن أبي شيبة الذي هو شيخ أبي داود في الإسناد الثاني: [ حدثني هشيم قال: أخبرنا حميد ]. فهشيم مدلس، وهنا صرح بالتحديث، وأما رواية وهب بن بقية السابقة فهشيم يروي فيها بالعنعنة، فالطريق الثانية فيها زوال احتمال التدليس الذي يكون من هشيم ؛ لأنه صرح بالتحديث في طريق عثمان بن أبي شيبة ، و هشيم من المدلسين، ولهذا مثل به العراقي في الألفية حيث قال: وفي الصحيح عدة كالأعمش وكهشيم بعده وفتش فهذا هشيم بن بشير الواسطي هو من المدلسين وهو من رجال الصحيح، بل من رجال الكتب الستة. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث إقامة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً عند صفية بعد زواجه بها قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ و عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي ، وقد أخرج له النسائي في عمل يوم والليلة. [ عن هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أنس في مقام الرجل عند البكر والثيب بعد الزواج قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم و إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً. ولو قلت: إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه [ (إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً) ] يعني: يقيم عند البكر سبعاً ثم يبدأ بالقسمة [ (وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً) ثم يبدأ بالقسمة. وهذا الحديث هو الذي يطابق الترجمة [ باب المقام عند الأبكار ] يعني أنه سبع، وفيه التفصيل بين الثيبات والأبكار بأن الثيب يقيم عندها ثلاثاً والبكر يقيم عندها سبعاً، ومعنى ذلك أنه يقيم عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً ولا يذهب إلى غيرها من زوجاته في أيامها ليلاً أو نهارا ًإلا لزيارة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل. وإذا تزوج بكراً على بكر في ليلة واحدة فإنه يقسم بينهما من الليلة الأولى. قوله: [ ولو قلت: إنه رفعه لصدقت ]. يعني: لو قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصدقت، ولكنه لم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: [ السنة كذلك ] ومعلوم أن هذا من قبيل المرفوع حكماً مثل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وبعض الروايات جاء فيها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا فيه المحافظة على الألفاظ مع بيان أن قوله: [ السنة كذلك ] يساوي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأنه لا فرق بين المرفوع حكماً الذي هو (من السنة كذا) والمرفوع تصريحاً الذي هو (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا). والقائل: [ ولو قلت: إنه رفعه لصدقت، ولكنه قال: السنة كذلك ] هو أبو قلابة ، وهذا يبين لنا أن قول الصحابي: (من السنة) حكمه حكم الرفع. تراجم رجال إسناد حديث أنس في مقام الرجل عند البكر والثيب بعد الزواج قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا هشيم و إسماعيل بن علية ]. ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم ابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره. الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً شرح حديث زواج علي بفاطمة رضي الله تعالى عنهما قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً. حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني قال: حدثنا عبدة قال: حدثنا سعيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها شيئاً. قال: ما عندي شيء. قال: أين درعك الحطمية؟) ]. أورد أبو داود: [ باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً ] يعني: قبل أن ينقدها شيئاً من المهر. وقد عرفنا أنه لا يلزم في العقد ذكر الصداق، وأنه يصح العقد بدون ذكر الصداق، ويمكن الدخول دون أن يدفع الصداق كله أو بعضه، ولا بأس بذلك، فإذا لم يكن هناك شيء مسمى تعين مهر المثل، فللإنسان أن يدخل بامرأته دون أن يكون المهر قد سلم، ولا بأس بذلك، ولكن كونه يدفع لها المهر كله أو بعضه لا شك أنه هو الأولى، وأما من حيث الصحة فإنه يصح أن يعقد عليها دون أن يسمى الصداق ويرجع في ذلك إلى مهر المثل، ويمكن أن يدخل بها قبل أن يحصل تسليمها الصداق. وأورد حديث ابن عباس أنه قال: [ (لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها شيئاً. قال: ما عندي شيء. قال: أين درعك الحطمية؟) ]. أي: أعطها أياها. ويحتمل أن يكون معنى قوله: [ لما تزوج علي فاطمة ] أنه عقد عليها ودخل بها، ويحتمل أن يكون معناه أنه عقد ولم يدخل بها. ثم إن المهر واجب لابد منه في النكاح، لكن لا يلزم قبل النكاح وإن كان مستحباً إعطاؤها شيئاً منه أو كله قبل الدخول. وقوله: [ (ما عندي شيء) ] يحتمل أن يكون المراد به أنه ليس عنده شيء أبداً، ويحتمل أنه لم يكن عنده شيء يذكر، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم له عن درعه الحطمية بعد قوله: [ (ما عندي شيء) ] محمول على أن علياً ظن أن مثل الدرع لا يعطى مهراً، والدرع الحطمية ذات قيمة، فإذا ملكتها كانت مهراً لها. تراجم رجال إسناد حديث زواج علي بفاطمة رضي الله تعالى عنهما قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ]. إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبدة ]. هو عبدة بن سليمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث منع النبي صلى الله عليه وسلم علياً من الدخول بفاطمة قبل إصداقها درعه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا كثير بن عبيد الحمصي قال: حدثنا أبو حيوة عن شعيب -يعني ابن أبي حمزة - قال: حدثنا غيلان بن أنس قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أن علياً رضي الله عنه لما تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعطيها شيئاً، فقال: يا رسول الله! ليس لي شيء. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعطها درعك. فأعطاها درعه ثم دخل بها) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في قصة علي وزواجه من فاطمة رضي الله تعالى عنهما، وأنه لما أراد علي أن يدخل بها منعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئاً، [ (فقال: يا رسول الله! ليس لي شيء. فقال له: أعطها درعك) ]. وهذا مثل الذي قبله، إلا أن هذا فيه ذكر المنع، وأنه منعه من أن يدخل بها إلا بعد أن يعطيها شيئاً. والإسناد فيه غيلان بن أنس ، وهو مقبول، وحديث المقبول لا يقبل إلا بالمتابعة. تراجم رجال إسناد حديث منع النبي صلى الله عليه وسلم علياً من الدخول بفاطمة قبل إصداقها درعه قوله: [ حدثنا كثير بن عبيد الحمصي ]. كثير بن عبيد الحمصي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو حيوة ]. هو شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن شعيب -يعني ابن أبي حمزة ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا غيلان بن أنس ]. هو غيلان بن أنس أبو يزيد الدمشقي ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ]. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث في أول إسناده أربعة شاميون ثلاثة منهم حمصيون والرابع دمشقي. إسناد آخر لحديث منع علي من الدخول بفاطمة قبل الصداق وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا كثير -يعني ابن عبيد - قال: حدثنا أبو حيوة عن شعيب عن غيلان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله ]. في هذا الإسناد ذكر عكرمة و ابن عباس ، وقد مر ذكر تراجم رجاله جميعاً. شرح حديث عائشة في إدخال امرأة على زوجها قبل أن يصدقها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا شريك عن منصور عن طلحة عن خيثمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً) قال أبو داود : و خيثمة لم يسمع من عائشة ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً، ومعناه أنه ما قدم لها شيئاً من صداقها، وهذا فيه دليل على أنه يمكَّن من الدخول بدون أن يعطيها شيئاً، لكن الحديث غير صحيح؛ لأن فيه انقطاعاً بين خيثمة و عائشة . تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إدخال امرأة على زوجها قبل أن يصدقها قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق، اختلط لما ولي القضاء، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طلحة ]. هو طلحة بن مصرف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خيثمة ]. هو خيثمة بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها. الأسئلة حكم ترك تسمية المهر اكتفاءً بطلب الولي من الزوج تجهيز البيت وبذل الذهب السؤال: في بلادنا عندما يخطب الرجل المرأة أول ما يتكلم معه فيه أهل المرأة هو الذهب والبيت، ولا يتكلمون في المهر أو الصداق، بل إن المهر يكتب في عقد الزواج فقط ولا تقبضه الزوجة ولا أهلها، فهل الذهب الذي يشتريه الزوج للزوجة يقوم مقام المهر؟ الجواب: إذا كان اتفق على أن ذلك هو المهر فهو المهر، فما يعطي الرجل المرأة من الذهب عند الزواج هو من جملة صداقها، سواء كان معه شيء أم لمن يكن معه شيء، فإذا كان هناك شيء يكتب عند العقد فهو صداق، وكل ما أعطيته من أجل الزواج فهو صداق. حكم مراجعة المطلقة الرجعية بعد مضي خمسة أشهر السؤال: رجل طلق زوجته الطلقة الثانية وافترقا لمدة خمسة أشهر، ثم راجعها بدون عقد جديد، فهل هذا عمل صحيح؟ الجواب: هذا لا يجوز أبداً، إلا إذا روجعت في العدة، وهي ثلاث حيض، وبعض النساء قد تطول المدة عندها بين الحيضتين وقد تبلغ هذا المقدار، فالمرأة التي تحيض عدتها ثلاث حيض، فإذا كانت المراجعة في حدود الثلاث الحيض فإنها مراجعة صحيحة، وأما إذا انتهت الثلاث الحيض وخرجت من العدة فإنها تعتبر أجنبية عنه ويكون خاطباً من الخطاب يتقدم لخطبتها. وأما إذا كانت المراجعة في العدة فهي زوجته، ولهذا لو مات أحدهما عن الآخر ورثه صاحبه ما دامت المرأة في العدة، وإذا خرجت من العدة صارت أجنبية، فإن أراد أن يرجع إليها يكون خاطباً من الخطاب. وذلك مثل ما حصل في قصة معقل بن يسار الذي نزل فيه قوله تعالى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوف [البقرة:232] فإن زوج أخته طلقها ثم تركها حتى خرجت من العدة، فجاء يخطبها فأقسم أخوها على أن لا يزوجها إياه فنزلت الآية. فإذا كانت المراجعة في داخل العدة فهي صحيحة، وإن كانت بعد العدة فإنه لا بد من عقد زواج. فإذا صح أنه راجعها بعد انتهاء عدتها في تلك الخمسة الأشهر فإن نكاحهما نكاح شبهة وحينئذٍ يجب تجديد العقد. تابع الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً شرح حديث (أيما امرأت نكحت على صداق أو حباء أو عدة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن معمر قال: حدثنا محمد بن بكر البرساني قال: أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذا الحديث تحت ترجمة [ باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئاً ] وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته) ]. والحديث يدل على أن ما كان قبل العقد وقبل الزواج أعطيته المرأة أو أعطي من أجلها، سواء أكان صداقاً أم حباءً -وهو المنحة أو العطية أو الهبة- أم عدة فإنه يكون لها، وما كان بعد عصمة النكاح فإنه يكون لمن أعطيه ولمن جعل له. ومقتضى هذا الحديث أن كل ما دفع من أجل الزواج فإنه يكون لها ولو أعطي لغيرها أو خصص لغيرها، وما كان بعد ذلك -أي: بعد الزواج وبعد العقد- فإنه لمن جعل له، سواء أبوها أو أخوها أو أمها أو أي أحد من قرابتها؛ لأن ما حصل بعد ذلك فإنه يكون من الإكرام ومن الإحسان وليس مرتبطاً بالزواج لأنه حصل بعد الزواج، وما كان قبل الزواج فإنه يكون لها، سواء خصص لها أو لغيرها، فإنه يكون كله لها وليس لأحد منه شيء، هذا هو مقتضى هذا الحديث. والحديث فيه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وهو مدلس، وقد جاء من طريقه بالعنعنة، فضعفه الشيخ الألباني رحمه الله من أجل تدليس ابن جريج ومن أجل عنعنته. ويبقى المعنى أنه إذا اشترط الولي شيئاً لنفسه فإنه لا يجوز ذلك؛ لأنه يؤدي إلى العضل وإلى تفويت الزواج عليها بسبب العراقيل التي تكون في الطريق إليها من قبل ذلك الولي الذي يشترط لنفسه شيئاً. أما إذا أعطي من غير اشتراط بل كان إكراماً فإنه لا بأس بذلك، سواء أكان قبل العقد أم بعده. وأما الاشتراط فإنه لا يليق ولا يسوغ، واللائق بالرجل أن يحرص على تزويج موليته وتسهيل الزواج لها، وأن يحذر من وضع العراقيل التي تحول دون ذلك أو التي تبعد الخطاب وتبعد من يرغب في الزواج عن التقدم للمرأة إذا عرف منه الجشع والطمع، فيئول الأمر إلى أن تفوت الفرصة على موليته، وهذا ليس من النصح للمولية، بل النصح لها يكون بتمكينها من الزواج من الكفء الذي يتقدم لها ولا يسعى لتحصيل شيء منه، وإنما المهم في الأمر أن يسعى في إسعادها وفي راحتها وفي إعفافها وفي تمكينها من الزواج. فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنه إذا أعطي وإذا أكرم بشيء فإن له ذلك، وإذا كان ذلك بشرط فإنه لا يسوغ له مثل هذا العمل، وهو لا يليق بذوي الأخلاق الكريمة والشيم والمروءة. وإذا اشترط شيئاً فأعطيه فالذي يظهر أنه يكون للمرأة وأما ما يحصل من بعض الناس، حيث يدفع المهر في الظاهر للبنت ثم بعد ذلك يأخذه الأب أو الأخ فهذا غير صحيح، والواجب على الولي أن يدفع تلك الأمانة إلى المرأة ولا يبخس منها شيئاً، بل الذي ينبغي أن يزيد لها من ماله ويساعدها، لا أن يدفعه الجشع إلى أخذ حقها، وإن أخذ شيئاً منه فقد قال بعض أهل العلم بجواز ذلك لحديث (أنت ومالك لأبيك) قالوا: ويد الأب مبسوطة على مال ولده. إلا أنه مع ذلك يكون اللائق به أن لا يأخذ من مال ابنته شيئاً. تراجم رجال إسناد حديث (أيما امرأت نكحت على صداق أو حباء أو عدة...) قوله: [ حدثنا محمد بن معمر ]. هو محمد بن معمر البحراني ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن بكر البرساني ]. محمد بن بكر البرساني صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة مدلس، وهو علة هذا الإسناد، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام. والإسناد إذا استقام إلى عمرو بن شعيب فإنه يكون حسناً؛ لأن عمراً صدوق وأبوه صدوق، ومن يكون بهذا الوصف يكون حديثه حسناً، فإذا استقام الحديث إلى عمرو بن شعيب ولم يبق إلا الراوية عن أبيه عن جده فإنه يكون من قبيل الحسن، وأما إذا كان هناك علة قبل ذلك فإن المعتبر تلك العلة، والعلة هنا تدليس ابن جريج الذي يروي عن عمرو بن شعيب ، و شعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو ولا يروي عن أبيه محمد بن عبد الله ؛ لأنه لو كانت الرواية عن محمد بن عبد الله لكان الحديث مرسلاً؛ لأن محمداً ليس بصحابي، ولكن ذكر الحافظ أنه صح سماع شعيب من جده عبد الله. ولهذا يأتي في بعض الأحاديث وبعض الأسانيد (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ) فيحصل النص على الجد وأنه عبد الله ، فيكون عبد الله بن عمرو هو جد أبي عمرو بن شعيب ؛ لأنه جد شعيب و شعيب أبوه محمد ، فعمرو يروي عن أبيه، وأما شعيب فإنه يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص ، وليست روايته عن أبيه محمد ." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [245] الحلقة (276) شرح سنن أبي داود [245] من الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج التهنئة للمتزوج، وذلك باللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن من أحكامه ما يتعلق بالزواج بالحبلى من الزنى وما يترتب على ذلك، ومن أحكامه المهمة كذلك القسم بين الزوجات في حق من كان له أكثر من زوجة، فيقسم لهن في المبيت ويراعي حقوقهن في سفر وحضر، وليتق الله تعالى في ذلك. ما يقال للمتزوج شرح حديث الدعاء للمتزوج عند الزواج قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب ما يقال للمتزوج: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب ما يقال للمتزوج ] يعني: ما يفاتح به عند اللقاء به من الدعاء له عند الزواج، فإنه يدعى له بهذا الدعاء الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقوله: [ (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) ] هذا هو الذي يقال للمتزوج، وفي الجاهلية كانوا يقولون: بالرفاء والبنين. فهذه تهنئة أهل الجاهلية، وهذا هو الدعاء الذي كان في الجاهلية، ومعناه أن تحصل السعادة ويحصل الوئام والوفاق والسكون والهدوء، وكذلك يحصل البنون، ولكن جاء الإسلام بترك هذه التهنئة والإتيان بما هو خير منها، وهو [ (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير) ]، فيدعي له بالبركة وأن يحصل الوئام والوفاق والجمع بينهما على خير، وهذا هو الذي يريده المتزوج؛ لأن كل خير يحصل بذلك يدخل في هذا العموم، سواء أكان بالبنين أم بغير البنين، فهو دعاء جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه الخير وفيه البركة. وقوله: [ (رفأ) ] يعني: هنأه ودعا له، والرفء قيل: إن المقصود به السكون، أي: سكون روعه وحصول هدوئه، وأنه يحصل السكن بهذا الزواج. والله تعالى قد امتن على العباد بالزواج ليسكن الأزواج إلى الزوجات فقال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]. وقيل: إنه من الوئام والوفاق، مأخوذ من رفأ الثوب إذ لمَّ أطرافه، وإذا كان خرق فإنه يرفأ، بمعنى أنه يضم بعضه إلى بعض، فيكون فيه بدل التمزق رفؤه ووصل بعضه ببعض، فالزواج يراد به أن يكون فيه الوئام ويكون فيه الاجتماع على ما هو خير. وينبغي أن يلتزم بهذا الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما التهنئة بحصول المال والأولاد ونحو ذلك فهي شبيهة بتهنئة أهل الجاهلية. وهذه التهنئة تقال للرجل عند العقد وبعد العقد وبعد الزواج. تراجم رجال إسناد حديث الدعاء للمتزوج عند الزواج قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل ]. هو سهيل بن أبي صالح ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويروي البخاري عنه مقروناً بغيره. [ عن أبيه ]. هو أبو صالح السمان ، واسمه ذكوان ، ولقبه السمان ، ويقال: الزيات ؛ لأنه كان يجلب السمن والزيت، فقيل له: السمان ، وقيل له: الزيات ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى شرح حديث بصرة في زواجه بامرأة وجدها حبلى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى. حدثنا مخلد بن خالد و الحسن بن علي و محمد بن أبي السري المعنى، قالوا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار -قال ابن أبي السري : من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يقل من الأنصار: ثم اتفقوا- يقال له: بصرة رضي الله عنه قال: (تزوجت امرأة بكراً في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فإذا ولدت -قال الحسن - فاجلدها. وقال ابن أبي السري : فاجلدوها. أو قال: فحدوها) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى ] أي: ما الحكم؟ ومعلوم أن المرأة إذا كانت حبلى لا يجوز العقد عليها ولا يجوز وطؤها ما دام في بطنها حمل، فليس للإنسان أن يسقي ماءه زرع غيره، ولا يجوز له ذلك. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث رجل اسمه بصرة قال: [ (تزوجت امرأة بكراً في سترها) ]. ومعناه أنه تزوجها على أنها بكر لم تتزوج من قبل وما دخل عليها زوج، فوجدها حبلى، ومعلوم أن حمل البكر التي لم يسبق لها زواج هو من سفاح، ووطؤها مع وجود الحمل لا يجوز؛ لأنه سقي لزرع غيره ولو كان ذلك الحمل إنما حصل عن طريق الحرام، فإنه لا يجوز له، ولو عقد عليها وحصل منه الجماع فإنه يكون قد استحل فرجها فيكون لها الصداق بما استباح من فرجها. وقد جاء في الحديث أيضاً أن الولد يكون عبداً له، ومعلوم أن ولد الزنا لا يكون عبداً لأحد، وإنما هو حر وليس عليه عبودية لأحد، ولكن إذا صح الحديث فيحمل على أنه يحسن إليه ويربيه ويتولى خدمته، فيكون بمثابة العبد، وأما كونه يكون مملوكاً رقيقاً له فإن ذلك لا يصح، والعلماء قد اتفقوا على أن ابن الزنا حر وليس عبداً لأحد. قوله: [ (فإذا ولدت قال الحسن : فاجلدها) ]. كونه يجلدها ويتولى جلدها غير مستقيم؛ لأن الذي يتولى الجلد هو السلطان، والحدود يقيمها الولاة، فالحديث غير صحيح، وهو ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن ما جاء فيه لا يعول عليه، أما مسألة الصداق بكونه استحل فرجها فإن ذلك لا بأس به. تراجم رجال إسناد حديث بصرة في زواجه بامرأة وجدها حبلى [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ و الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و محمد بن أبي السري ]. هو محمد بن المتوكل ، وهو صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ المعنى ]. أي أن رواية هؤلاء الثلاثة متفقة في المعنى مع اختلاف الألفاظ. [ قالوا: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وهو ثقة مدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن صفوان بن سليم ]. صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب تابعي ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بصرة ]. بصرة صحابي، وقد أخرج حديثه أبو داود وحده. والإسناد فيه ابن جريج ، وهو مدلس، وقد جاء أنه رواه عن شخص آخر ضعيف بينه وبين صفوان ، فالحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل تدليس ابن جريج . طرق مرسلة لحديث بصرة وتراجم رجالها [ قال أبو داود : روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد عن ابن المسيب. ورواه يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن سعيد بن المسيب ، و عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب ، أرسلوه كلهم، وفي حديث يحيى بن أبي كثير أن بصرة بن أكثم نكح امرأة. وكلهم قال في حديثه: جعل الولد عبداً له ]. هنا ذكر طرقاً أخرى كلها مرسلة، والمتصلة هي الطريق الأولى، ولكنها ضعيفة كما عرفنا، والإرسال علة أخرى، فالحديث ضعيف لا تقوم به الحجة. قوله: [ روى هذا الحديث قتادة]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن يزيد ]. سعيد بن يزيد قال عنه أبو حاتم : شيخ لم يرو عنه إلا قتادة . أخرج له النسائي . [ ورواه يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن نعيم ]. يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ و عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب ]. عطاء الخرساني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. الحكم على حديث بصرة وبيان وجه مخالفته للإجماع قوله: [ أرسلوه كلهم ]. أي: ما رفعوه. والإرسال في الحديث علة، والإسناد الأول المتصل فيه ضعف، فالحديث ضعيف من الجهتين: من جهة الإرسال ومن جهة التدليس، وفيه ضعيف في الطريق الأولى بين ابن جريج وبين شيخه صفوان بن سليم ، والطرق الأخرى مرسلة، ومعلوم أن المرسل ليس بحجة، وإضافة التابعي شيئاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل. قوله: [ وفي حديث يحيى بن أبي كثير أن بصرة بن أكثم نكح امرأة. وكلهم قال في حديثه: جعل الولد عبداً له ]. أي: كلهم متفقون على هذه الرواية التي فيها جعل الولد عبداً له، ومعلوم أن هذا خلاف ما أُجمع عليه من أن ولد الزنا يكون حراً وليس هو بعبد لأحد. شرح حديث بصرة في نكاح الحبلى من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا علي -يعني ابن المبارك - عن يحيى عن يزيد بن نعيم عن سعيد بن المسيب أن رجلاً يقال له بصرة بن أكثم رضي الله عنه نكح امرأة. فذكر معناه، زاد: وفرق بينهما. وحديث ابن جريج أتم ]. ثم أورد الحديث من طريق أخرى مرسلة؛ لأن سعيد بن المسيب يخبر أن رجلاً فعل كذا وكذا، وهو من قبيل المرسل كالطرق السابقة التي قبله. قوله: [ زاد: وفرق بينهما ]. يعني أنه أبطل هذا النكاح وفرق بينهما، ومعلوم أن العقد على الحبلى لا يصح. قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا علي -يعني ابن المبارك - ]. علي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير ، وقد مر ذكره. [ عن يزيد بن نعيم ], يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . الأسئلة حكم زواج الزاني بمن زنى بها بعد حملها السؤال: رجل زنى بامرأة -نسأل الله العافية- وعندما علم أنها حبلى تزوج بها، فما حكم النكاح؟ الجواب: لا يصح ذلك، فلا يعقد على حامل، ولو كان العاقد عليها هو الزاني نفسه؛ ولو كان لأنه إذا تزوجها فمعناه أنه سينسب الولد إليه، ومعلوم أن الولد جاء من سفاح وما جاء من نكاح، فلا يجوز العقد عليها ولا يجوز التزوج بها وهي حامل، لكن يمكن أن يتزوج بها إذا وضعت، فيمكن للزاني أن يتزوج بالزانية، فبدلاً من أن يفعلوا ذلك بالحرام يفعلونه بالحلال، ويعف أحدهما الآخر. نسب ولد لزنا السؤال: لمن ينسب ولد الزنا؟ الجواب: أولاد الزنا لا ينسبون لأحد، وإنما يذكر لهم نسب يناسب، بأن يقال -مثلاً: فلان ابن عبد الله أو ابن عبد الرحمن؛ إذ كل الخلق عباد الله تعالى. فيذكر له نسب يتميز به، ولا ينسب إلى الزاني ولا إلى غير الزاني، فالزاني لا ينسب إليه الولد ولا يحصل على ولد بالزنا، وليس له إلا الحجر كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. حكم من وجد امرأته حبلى بعد الزواج فأراد سترها السؤال: إذا وجد الرجل المرأة حبلى فأراد أن يسترها فهل له أن يمسكها؟ الجواب: لا يمسكها زوجها إذا وجدها حبلى؛ إذ لا يصح العقد على من كان في بطنها ولد، وليس للمرء أن يسقي ماءه زرع غيره، لكن لو كانت غير حامل بأن وجدها ثيباً بعد أن تزوجها فإن العقد يصح وله أن يجامعها؛ لأن هذا يختلف عن الذي قبله في كونه يسقي ماءه زرع غيره. القسم بين النساء شرح حديث (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في القسم بين النساء. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل). أورد أبو داود رحمه الله [ باب القسم بين النساء ] أي: بين الزوجات، وذلك بأن يعدل بينهن في المبيت والنفقة والعشرة، وأما ما يكون في القلب فهذا لا يملكه الإنسان، وهو إلى الله عز وجل، لكن ليس له أن يميل إلى من يحبها ومن يودها، وإنما عليه أن يعدل في المبيت وفي النفقة في كل شيء يملكه أو يقدر عليه، أما ما يقوم في القلوب فإنه لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، ولكن على الإنسان أن لا يميل إلى واحدة عن واحدة، وإنما يعطي كل ذات حق حقها دون أن يسيء إلى واحدة من زوجاته. فالقسم بين النساء يكون فيما يملكه الإنسان، وإذا كان في القلب ميل إلى إحداهما أو إلى إحداهن فإن الإنسان عليه أن يتقي الله عز وجل حتى لا يترتب على ذلك الميل أن يجحف في حق الباقيات وأن ينقصهن حقوقهن وأن يبخس شيئاً مما يقدر عليه في حقهن، بل عليه العدل بينهن والتسوية بينهن. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) ] لأن الجزاء من جنس العمل، فهو يأتي يوم القيامة وشقه مائل لأنه مال في الدنيا إلى واحدة دون الثانية، وهذا في الشيء الذي يقدر عليه الإنسان فتصرف فيه تصرفاً لا يسوغ له، فإنه يأتي وشقه مائل. تراجم رجال إسناد حديث (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن النضر بن أنس ]. قتادة مر ذكره، و النضر بن أنس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشير بن نهيك ]. بشير بن نهيك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره رضي الله عنه. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل ويقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) قال أبو داود : يعني القلب ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين النساء فيعدل بينهن ويقول: [ (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) ]. وقوله: [ قال أبو داود : يعني القلب ] يعني: ما يكون في القلب من زيادة المودة لإحدى الزوجات على غيرها من الزوجات، فإن هذا لا يملكه إلا الله عز وجل، وهذا وإن كان موجوداً في قلوب الرجال إلا أن الواجب عليهم مع ذلك العدل، وأن يحذروا من أن يقعوا في الميل الذي يؤدي إلى بخس الحقوق وإلى الجور وعدم القسط والعدل. والحديث أورده أبو داود بهذا الإسناد وهو إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، والشيخ الألباني رحمه الله جود إسناده في التعليق على المشكاة، وفي الإرواء ضعفه وقال: إنه من رواية حماد بن سلمة ، وقد جاء من رواية حماد بن زيد و إسماعيل بن علية من طريق مرسلة، قال: وهذان مقدمان على حماد بن سلمة . فيكون الحديث مرسلاً. لكن القاعدة أنه إذا تعارض الوصل والإرسال وكان من وصل ثقةً، فإن الوصل زيادة من الثقة وهي مقبولة. فالذي يظهر صحة الحديث وثبوته، ولا يؤثر كون بعض الرواة أرسلوه؛ لأنه ما دام قد جاء من طريق صحيحة مستقيمة مسنداً ومتصلاً فإنه يعتبر صحيحاً، وعلى القاعدة المشهورة عند المحدثين أنه إذا تعارض الوصل والإرسال فإن الوصل من الثقة مقدم؛ لأن مع الواصل زيادة ليست مع المرسل، وتكون مقبولة، وهي زيادة من ثقة. وقد ذكر الحافظ في البلوغ أن ابن حبان و الحاكم صححاه، وذكر أن الترمذي صحح إرساله، والحديث مستقيم لا إشكال فيه ولا خفاء في معناه. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن يزيد الخطمي ]. عبد الله بن يزيد الخطمي صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد - عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (يا ابن أختي! كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة رضي الله عنها حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله! يومي لعائشة : فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها. قالت: نقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها -أراه قال- وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا [النساء:128]). أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة بن الزبير يا ابن أختي. و عروة بن الزبير بن العوام هو أخو عبد الله بن الزبير ، وهي خالتهما. قالت: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم) ] أي: في القسم بين النساء في المبيت والمكث، كان يسوي بينهن، فالواحدة لها يومها وليلتها، وكان في اليوم الذي يكون عند واحدة يطوف على نسائه، فيدنو منهن ويتحدث إليهن من غير مسيس، أي: من غير أن يحصل جماع أو استمتاع، وإنما كان يؤنسهن ويدخل السرور عليهن ويتفقد أحوالهن، فكان نساؤه لا يفقدنه، بل يرينه في كل يوم، حتى يأتي إلى صاحبة النوبة فيستقر عندها ويعطيها ما تستحق في نوبتها صلى الله عليه وسلم. فعائشة رضي الله عنها وأرضاها بينت أنه كان يقسم بين نسائه، وأنه لم يكن يفضل بعضهن على بعض. ولما أسنت سودة بنت زمعة رضي الله عنها -وكان النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل الهجرة بعدما ماتت خديجة وهاجرت معه- فلما أسنت وفرقت -أي: خشيت- أن النبي صلى الله عليه وسلم يفارقها، أرادت أن تبقى في عصمته وأن تظفر بهذا الشرف والفضل الذي هو كونها أماً للمؤمنين وزوجة من زوجات سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أهب نوبتي لعائشة . فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن المرأة إذا تنازلت عن حقها في القسم لواحدة من الزوجات فإن ذلك يصح، ولكن بشرط أن يقبل الزوج، وليس معنى ذلك أنها تهب نوبتها لمن لا يرتضيها الزوج ولا يريد أن يكون لها ذلك الحق الذي هو المبيت عندها ليلتين، وإنما يكون ذلك بالاتفاق، فهي تهب وهو يقبل. فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقسم لعائشة ليلتين. فسودة بنت زمعة رضي الله عنها تنازلت عن حقها في مبيته عندها وقسمه صلى الله عليه وسلم، ولكنها بقيت في عصمته، وكان يؤنسها ويدخل عليها كما يدخل على سائر نسائه، ولكن الليلة التي تنازلت عنها لعائشة كان يعطيها لعائشة ، فكان يقسم لعائشة ليلتين ولكل واحدة من زوجاته الباقيات ليلة واحدة صلى الله عليه وسلم. قوله: [قالت نقول: في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها -أراه قال- وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا [النساء:128] ]. أي: أن هذه الآية نزلت في مثل هذه الحال، وهي قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [النساء:128]. والمقصود من ذلك أن المرأة إذا خافت النشوز من زوجها وأرادت أن تبقى في عصمته وأن لا يطلقها فإنه يمكن أن تتفق معه على أن تتنازل عن حقها لغيرها وأن تبقى في عصمته. ومعلوم أن هذه مصلحة وفائدة قد تختارها المرأة وتقدمها على أن تكون مطلقة، أو تكون ذات أولاد ثم يطلقها فتتزوج وتتشتت وتبتعد عن أولادها، فتتنازل عن حقها وترضى بأن تبقى في عصمته ولا يكون لها نصيب في القسم، ولا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد - ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين و محمد بن عيسى المعنى، قالا: حدثنا عباد بن عباد عن عاصم عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا بعدما نزلت تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51] قالت معاذة : فقلت لها: ما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إلي لم أؤثر أحداً على نفسي) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه بعدما نزل قول الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51] كان يستأذنهن إذا كان في يوم الواحدة منهن، فقالت لها معاذة : ما كنت تقولين إذا استأذنك؟ قالت: كنت أقول: (إن كان ذلك إلي لم أؤثر أحداً على نفسي) ]. أي أنها لا تؤثر برسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً على نفسها رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ولم يكن القسم واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يقسم بينهن إحساناً منه وإكراماً لهن، والآية تدل على ذلك. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا...) قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى أبو جعفر ، وهو ابن الطباع ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا عباد بن عباد ]. عباد بن عباد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذة ]. هي معاذة العدوية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها. شرح حديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه في مكثه عند عائشة في مرضه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار قال: حدثني أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى النساء -تعني في مرضه- فاجتمعن، فقال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإن رأيتن أن تأذنّ لي فأكون عند عائشة فعلتن. فأذنَّ له) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصابه المرض ولم يتمكن من الطواف على نسائه في بيوتهن والقسم بينهن استأذنهن في أن يبقى في بيت عائشة فأذنَّ له بذلك صلى الله عليه وسلم. وكان من حقه صلى الله عليه وسلم أن يكون عند من يريد، ولكن هذا من كرمه ومن حسن عشرته لنسائه وإحسانه إليهن وتطييب نفوسهن رضي الله عنهن وأرضاهن، فأذنَّ له، فكان في بيت عائشة حتى توفي صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في بيتها. تراجم رجال إسناد حديث استئذان النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه في مكثه عند عائشة في مرضه قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار ]. مرحوم بن عبد العزيز العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو عمران الجوني ]. هو عبد الملك بن حبيب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن بابنوس ]. يزيد بن بابنوس مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي . [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها رضي الله تعالى عنها. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها وهبت يومها لعائشة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فالتي تخرج لها القرعة يسافر بها معه، وهذا يدل على مشروعية القرعة وأنها سائغة، ويدلنا على أن الإنسان إذا أراد سفراً لا يختار واحدة من نسائه ويسافر بها، وإنما يقرع بين نسائه، والتي تخرج لها القرعة يسافر بها، وإذا سافر بها معه فإنه لا يحسب تلك المدة التي في السفر للنساء الباقيات، بل إذا جاء يقسم بينهن، فكل واحدة يبيت عندها ليلة، ولا يحسب المدة التي كان فيها في السفر ثم يعطي كل واحدة مقدار هذه المدة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [246] الحلقة (278) شرح سنن أبي داود [246] للزواج في الإسلام حرمة عظيمة، وقد عظم الله حق الزوج على زوجته، كما عظم حق الزوجة على زوجها، وأوجب عليه نفقتها وكسوتها، فيجب على كل من الزوجين أن يحفظ حق الآخر كما أمره الله تعالى. حق الزوج على المرأة شرح حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حق الزوج على المرأة. حدثنا عمرو بن عون أخبرنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن حصين عن الشعبي عن قيس بن سعد قال: (أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت -يا رسول الله- أحق أن نسجد لك. قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا. قال: فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) ]. أورد الإمام أبو داود هنا [ باب في حق الزوج على المرأة ] يعني حق الزوج على زوجته، ثم ذكر بعد ذلك العكس، أي: حق الزوجة على زوجها. وكل من الزوجين له على الآخر حقوق، وقد جاءت السنة ببيان ذلك، وقد بدأ المصنف رحمه الله بحق الزوج على امرأته، وهذا الحق هو أنها تسمع له وتطيع فيما هو له في غير معصية، وتقوم بشئون بيته وتربية أولاده في بيته والقرار في بيته وعدم الخروج إلا بإذنه، وغير ذلك من الأمور التي هي مطلوبة من النساء للرجال. وقد بدأ أبو داود رحمه الله بحديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما الذي فيه بيان عظيم حق الزوج على زوجته، وأن الأمر عظيم؛ إذ بين صلى الله عليه وسلم أنه لو كان آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها، وذلك لعظيم حقه عليها، وهذا يدلنا على عظم حق الزوج على الزوجة، وأن على الزوجة أن تحرص على تأدية ذلك الحق العظيم الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم عظيم شأنه بأنه لو كان آمراً أحداً من البشر أن يسجد لأحد من البشر لأمر الزوجات أن يسجدن لأزواجهن، والسجود لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ولكن هذا فيه بيان عظيم شأن حق الزوج على زوجته. فقيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما ذكر أنه جاء الحيرة -وهي بلدة من بلاد فارس- فرآهم يسجدون لمرزبان لهم، والمرزبان هو الزعيم والكبير والقائد والمرجع، فلما رأى أن هذا يكون من المخلوقين للمخلوق قال: أحق من يفعل ذلك معه من المخلوقين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بهذا الذي شاهده وبهذا الذي رآه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)] قال: قلت: لا. قال: [ (فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق) ]. يعني: للرجال على النساء وللأزواج على الزوجات من الحق، أي: من عظيم الحق. فذلك الحق عظيم، يدل على عظمه هذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر لا يكون؛ أنه لو كان سائغاً لكان الأولى والأحق به الزوج. والحديث فيه هذه الجملة التي فيها [ (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟) ] ولم تأت من غير هذا الطريق، وهذا الطريق فيه شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، فهي مما تفرد به ولم يتابع عليه، فتكون غير صحيحة. وأما باقي الحديث فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه. وأما ما يفعله بعض الناس الجهلة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى المحبة والتعظيم فهو غير صحيح وغير جائز. والمحبة تكون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه واتباع سنته وعدم الخروج عليها وعدم مخالفتها، والنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه شيء يدل على ذلك، فتعظيمه يكون بمحبته واتباعه والسير على منهاجه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره، وأن لا يعبد الله إلا وفقاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي يجب ويتعين، ولا يجوز تجاوز الحد بأن يصرف للرسول صلى الله عليه وسلم شيء لا يجوز صرفه له، مثل الركوع أو السجود أو الصلاة إلى قبره وما إلى ذلك، فكل ذلك غير سائغ وغير جائز. تراجم رجال إسناد حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسحاق بن يوسف ]. هو إسحاق بن يوسف الأزرق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حصين ]. هو حصين بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن سعد ]. هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما يذكر عن قيس هذا رضي الله عنه أنه كان من أطول الرجال، وذكر الحافظ في الفتح أن رجلاً من الروم قال: إنه طويل وإنه يريد أن يطاول غيره، فقالوا لقيس رضي الله تعالى عنه في ذلك فأعطاهم سراويله ليلبسه ذلك الرومي، فلما لبسه صار أسفله في الأرض وأعلاه على أنفه. شرح حديث (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه بيان وجوب إجابة المرأة لزوجها إذا دعاها لحاجته إليها، وأن عليها أن تستجيب ولو كانت مشتغلة بعمل من الأعمال المهمة، فإن لم تجبه وبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، وهذا يدلنا على عظم هذا الذنب؛ لأنه يلعن عليه، فدل ذلك على عظمه وعلى خطورته، وأن من حق الزوج على الزوجة أن تجيبه إذا دعاها لحاجته إليها، ولو كانت في حاجة مهمة فإنها تستجيب له وتلبي طلبه، وهذا يدلنا على عظم شأن حق الزوج على زوجته. قوله: [ (فلم تأته) ] يعني: لم تجبه إلى طلبه [ (فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة) ] أي أن هذه الزوجة الممتنعة التي لم تلب الطلب لزوجها فبات وهو غضبان عليها فإن الملائكة تلعنها حتى تصبح. وقوله: [ (فبات غضبان) ] قيد اللعن بهذا، أي: أما إذا لم يغضب عليها وإنما عذرها وتركها على ما هي عليه وما وجد منه غضب فإنها لا تستحق اللعن. وإذا كانت المرأة حائضاً وكان بحاجة إلى الاستمتاع بها في غير الفرج فإن عليها أن تجيبه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه...) قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي ]. محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم ]. هو سلمان الأشجعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. حق المرأة على زوجها شرح حديث (ما حق زوجة أحدنا عليه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حق المرأة على زوجها. حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد أخبرنا أبو قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت). قال أبو داود : ولا تقبح: أن تقول: قبحك الله ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في حق المرأة على زوجها ] وهي عكس الترجمة السابقة في حق الزوج على المرأة، فهنا حق المرأة على الزوج. وحق المرأة على الزوج أنه يطعمها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف، هذا هو حق الزوجة على زوجها. وأورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: [ ما حق زوجة أحدنا عليه ]. وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحرص على معرفة الأحكام والواجبات عليهم حتى يقوموا بتأديتها وحتى يقوموا بما هو مطلوب منهم فيها؛ لأنه سأل عما يجب للزوجات على الأزواج، حتى يقوم الأزواج بتأدية ذلك الحق الذي عليهم. وهذا يدل على ما كانوا عليه من الحرص على معرفة ما هو واجب عليهم وما هو مطلوب منهم حتى يؤدوه ويقوموا بإيصاله إلى من يستحقه. فبين له عليه الصلاة والسلام فقال: [ (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه) ] يعني: إذا ضرب الضرب السائغ الذي هو مأذون له فيه فإنه لا يضرب الوجه، وذلك لأن الوجه فيه العينان وفيه الأنف وفيه الأذنان وفيه الفم واللسان، فيترتب على ذلك تعطيل شيء من هذه المنافع إذا حصل التعدي على المرأة بالضرب في وجهها. ثم إن الوجه لا يضرب في جميع الأحوال، وذلك في حق الرجال وحق النساء، والحديث هو في معاملة الرجال للنساء، ولكنه يشمل غير النساء، كما في تأديب الأولاد ونحو ذلك، فيتقى الوجه لما يخشى أن يترتب على ضربه من تعطيل المنافع التي فيه. وعليه فإنه يقال للاعبي الملاكمة: لا تضربوا الوجوه، فالنهي عام يشمل كل الأحوال، ومنها الأمور الرياضية. وقد جاء في الحديث تعليل ذلك بأن الله تعالى خلق آدم على صورته، وهذا الحديث اختلف في تفسيره على أقوال، منها أن الضمير يرجع إلى الله، وأن المقصود منه أنه متكلم سميع بصير، وإن كان ما يضاف إلى الله عز وجل يختلف عما يضاف إلى المخلوقين. وقيل: إن الضمير يرجع إلى آدم، وهو أنه خلق أول ما خلق على هيئته التي هو عليها طوله ستون ذراعاً، ولم يكن خلق على هيئة صغيرة وكبر شيئاً فشيئاً كما تنمو ذريته، وإنما خلق أول ما خلق وطوله ستون ذراعاً، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمشهور عند علماء أهل السنة وعند أهل الحديث أن الضمير يرجع إلى الله، وأن الله عز وجل يوصف بأن له صورة، ولكن تلك الصورة هي على الوجه اللائق بكماله وجلاله، والله تعالى لا يشابه المخلوقين في صفاتهم، والمخلوقون لا يشابهون الله عز وجل في صفاته، بل صفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم، والصورة هي الصفة. [ ولا تقبح ] أي: بأن يخاطبها بما هو قبيح وبما هو غير لائق، ومن ذلك أن يقول: قبحك الله. فإن التقبيح يدخل فيه (قبحك الله) ويدخل فيه كل وصف لا يليق ولو كان غير لفظ التقبيح. قوله: [ (ولا تهجر إلا في البيت) ]. يعني: عندما يهجر الإنسان امرأته الهجر المشروع الذي يسوغ له فإنه لا يهجر إلا في البيت، وليس معنى ذلك أنه يهجر البيت فلا يأتي إليها في البيت، وإنما المعنى أنه يكون معها ولكنه يهجرها في المضجع، فلا يجامعها تأديباً لها إذا كان الأمر يقتضي ذلك. وقوله: [ (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت) ] ليس معناه أنه لا يطعمها إلا إذا طعم، ولا يلبسها إلا إذا لبس هو، بل المراد أنه كما يطعم نفسه ويلبس نفسه فإنه يطعمها ويكسوها، وليس بلازم أنه لا يكون ذلك إلا عندما يفعله هو، وإنما يقدم لها الشيء المطلوب منه الواجب لها عليه. ومعلوم أنه غالباً ما يأكل أهل البيت في وقت واحد، فليس المعنى أنه لابد من أن يكون هذا مع هذا. فالمهم أن يحصل لها الطعام وتقدم لها النفقة وتقدم لها الكسوة، أو تعطى النقود التي تشتري بها ما تحتاج إليه من الكسوة، فالمهم أن يكسوها ويطعمها. وحد ذلك هو المعروف، فالنفقة بالمعروف، وكل بحسبه، كما قال الله عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]. والنفقة حق واجب على الزوج لزوجته حضر أو غاب، فإذا لم يجد الزوج في وقت فأنفقت المرأة على نفسها أو اقترضت لتنفق على نفسها فإن الزوج يلزم بدفع ما اقترضته أو ما أنفقته على نفسها. تراجم رجال إسناد حديث (ما حق زوجة أحدنا عليه) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا أبو قزعة الباهلي ]. هو سويد بن حجير ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن حكيم بن معاوية ]. حكيم بن معاوية صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو معاوية بن حيدة ، صحابي أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. شرح حديث (نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا بهز بن حكيم حدثني أبي عن جدي رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! نساؤنا! ما نأتي منهن وما نذر؟ قال: ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب) قال أبو داود : روى شعبة (تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت) ]. أورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر ] يعني: كيف يكون الاستمتاع بهن؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الاستمتاع يكون في محل الحرث، وهو الفرج على أي حال وفي أي اتجاه، سواء كان من أمامها أم من ورائها، فالمهم أن يكون في محل الحرث، كما قال الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] فبين صلى الله عليه وسلم أن الاستمتاع والانتفاع إنما يكون في محله، ولكنه ليس مقيداً بجهة معينة، بل على أي جهة وعلى أي حال ما دام أنه في الفرج. قوله: [ (وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا كتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب) ]. هذا مثل الذي قبله، فليس للرجل أن يضرب امرأته، وإذا احتاج إلى الضرب فإنه يضربها ضرباً غير مبرح، وذلك هو الذي جاء فيه الإذن بقوله تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]. وقوله: [ قال أبو داود : روى شعبة (تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت) ]. هذه طريق ثانية للحديث، وفيها مثل ما في قبلها. تراجم رجال إسناد حديث (نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر) قوله: [ حدثنا ابن بشار ]. هو محمد بن بشار ، الملقب ببندار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بهز بن حكيم ]. بهز بن حكيم صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ حدثني أبي عن جدي ]. أبوه وجده قد مر ذكرهما، والحديث من رواية من روى عن أبيه عن جده. شرح حديث (أطعموهن مما تأكلون) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرني أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين حدثنا سفيان بن حسين عن داود الوراق عن سعيد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية القشيري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فقلت: (ما تقول في نسائنا؟ قال: أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن، ولا تقبحوهن) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله فيه ذكر الكسوة والإطعام والنهي عن الضرب وعن التقبيح. ولكن -كما عرفنا- جاء في القرآن ما يدل على جواز الضرب، ولكن هذا الضرب إنما يكون على وجه لا يلحق ضرراً بالمرأة المضروبة، وإنما يحصل به المقصود ولا يحصل معه ضرر يعود عليها في جسمها بالعيب أو بالضرر. تراجم رجال إسناد حديث (أطعموهن مما تأكلون) قوله: [ أخبرني أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري ]. أحمد بن يوسف المهلبي النيسابوري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عمر بن عبد الله بن رزين ]. عمر بن عبد الله بن رزين صدوق له غرائب، أخرج له مسلم و أبو داود. [ حدثنا سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن داود الوراق ]. داود الوراق مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سعيد ]. هو سعيد بن حكيم ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . والرواية هنا فيها ثلاثة أوجه كما ذكر في عون المعبود، وجه أن سعيداً يروي عن أبيه عن جده، ووجه أنه يروي عن أخيه بهز عن أبيه عن جده، ووجه أن الرواية إنما هي عن بهز مباشرة عن أبيه عن جده. وهذه الرواية هي مثل رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وكلتا الروايتين أصحابهما صدوقون، وعليه فإذا صح السند إلى بهز و عمرو فإن الحديث يكون حسناً. على أن المنذري قد ذكر أن نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مختلف فيها. ضرب النساء شرح حديث (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ضرب النساء. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي عن عمه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) قال حماد : يعني: النكاح ]. أورد أبو داود : [ باب في ضرب النساء ] وضرب النساء جاء به القرآن، ولكنه على وجه لا يكون مؤثراً ولا يكون مبرحاً، وإنما يحصل به التأديب من غير مضرة، ولو أمكن أن يصار في التأديب إلى غير الضرب وأن تحصل معالجة الأمر بدونه فلا شك في أن ذلك أولى، ولكن إذا احتيج إليه فليكن على وجه لا يؤثر ولا يلحق ضرراً بالمرأة المضروبة. وأورد أبو داود حديث أبي حرة عن عمه رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) ]. وقوله: [ قال حماد : يعني النكاح ]. أي أن الهجر في المضجع هو أن لا يجامعها، فينام معها في الفراش لكن لا يجامعها، والحديث يتعلق بالهجر ولا يتعلق بالضرب، ولكن سيأتي ما يتعلق بالضرب. تراجم رجال إسناد حديث (فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن علي بن زيد ]. موسى بن إسماعيل و حماد مر ذكرهما و علي بن زيد هو ابن جدعان ، وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي حرة الرقاشي ]. قيل: اسمه حنيفة . وقيل: حكيم . ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عمه ]. قيل: اسمه حذيم بن حنيفة . وقيل: عمر بن حمزة . وهو صحابي له حديث واحد. شرح حديث (لا تضربوا إماء الله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي خلف و أحمد بن عمرو بن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله -قال ابن السرح : عبيد الله بن عبد الله - عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تضربوا إماء الله. فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن. فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم) ]. أورد أبو داود حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تضربوا إماء الله) ] فهذا نهي عن الضرب، فجاء عمر رضي الله عنه وقال: [ (ذئرن النساء على أزواجهن) ] ومعناه أنهن تجرأن عليهم وحصل منهن تطاول يحتجن معه إلى التأديب. (فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في ضربهن) وهذا يدل على أن الترخيص جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في القرآن وَاضْرِبُوهُنَّ . وفي قوله: [ ذأرن النساء ] جمع بين الضمير والاسم الظاهر، وهي اللغة التي يسمونها (لغة أكلوني البراغيث) وقد جاء بها القرآن والحديث، وذلك في قول الله عز وجل: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواَ [الأنبياء:3] وفي الحديث (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) فهي لغة من اللغات. قوله: [ فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ]. معناه أنه بعد ما حصل الترخيص حصل الضرب، فجاء النساء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون أزواجهن لحصول الضرب منهم، فقال صلى الله عليه وسلم في حق ضاربي زوجاتهم: [ (ليس أولئك بخياركم) ] يعني الذين يضربون النساء. فالضرب وإن كان مرخصاً فيه إلا أنه لا ينبغي أن يصار إليه إلا للضرورة، وليس المعنى أنه حين وجدت الرخصة يتهاون بالضرب ويحصل إيذاؤهن بالضرب، وإنما يصار إلى الضرب عند الضرورة إليه، كالكي بالنسبة للعلاج لا يصار إليه إلا عند الضرورة وعند الحاجة. تراجم رجال إسناد حديث (لا تضربوا إماء الله) قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي خلف و أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبد الله ]. هو عبد الله بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال ابن السرح : عبيد الله بن عبد الله ]. عبيد الله هو أخو عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب ]. إياس بن عبد الله بن أبي ذباب مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . شرح حديث (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأودي عن عبد الرحمن المسلي عن الأشعث بن قيس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته) ]. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته) ] يعني أن له هذا الحق وأنه لا يعترض عليه، وقد يكون المعنى أنه لا يسأل عن الأسباب، إذ قد يكون الإفصاح عنها فيه حرج عليه. ولكن الحديث غير ثابت؛ لأن فيه عبد الله المسلي ، وهو مقبول، فالحديث غير صحيح، والضرب لا يصار إليه إلا عند الضرورة ومع حصوله يكون خفيفاً وسهلاً وغير مبرح. تراجم رجال إسناد حديث (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن داود بن عبد الله الأودي ]. داود بن عبد الله الأودي ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن المسلي ]. عبد الرحمن المسلي مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الأشعث بن قيس ]. الأشعث بن قيس رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن الخطاب ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [247] الحلقة (279) شرح سنن أبي داود [247] من الأحكام الشرعية المتعلقة بتصرفات المكلف ما يتعلق بنظره إلى الأجنبية؛ إذ قد حرم الشرع النظر إليها واعتبره زناً مكتوباً على ابن آدم، ولما كان المرء قد ينظر إلى الأجنبية فجأة دون قصد جعل الشرع الإثم مرفوعاً عنه فيها وحرم عليها ما سوى نظرة الفجأة، ومن الأحكام الشرعية في تصرفات المكلف تجاه المرأة ما يتعلق بالسبية حين تصير في يد من صارت نصيبه، وحيئذٍ فقد أباح الشرع له أن يملكها وأن يطأها بعد أن يستبرئها بحيضة، وبعد أن تضع إن كانت حاملاً ولا يجوز له وطؤها قبل ذلك. ما يؤمر به من غض البصر شرح حديث جرير رضي الله تعالى عنه في نظر الفجأة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به من غض البصر. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة عن جرير رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك). أورد أبو داود [ باب ما يؤمر به من غض البصر ]. وغض الأبصار مطلوب من الرجال والنساء، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ثم قال في الآية التي بعدها: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] فغض البصر مطلوب، فالرجال يغضون الأبصار عن النساء، والنساء يغضضن الأبصار عن الرجال. وأورد أبو داود حديث جرير رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: (اصرف بصرك)، ومعناه أن الإنسان إذا وقع بصره على امرأة فجأة من غير اختيار فإنه لا يواصل ويستمر، وإنما عليه أن يصرف بصره ذلك الذي حصل اتفاقاً من غير قصد، وهو معذور فيه، وأما إذا أمعن النظر وداوم واستمر فإن هذا يكون مؤاخذاً عليه ومنهياً عنه. وذكر النظر في كتاب النكاح لعله لكون النظر منه ما هو مشروع، وهو النظر إلى المخطوبة ومنه ما هو غير مشروع. تراجم رجال إسناد حديث جرير رضي الله تعالى عنه في نظر الفجأة قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سعيد ]. هو عمرو بن سعيد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي زرعة ]. هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا تتبع النظرة النظرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري أخبرنا شريك عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وهو يوضح قوله: (اصرف بصرك). ومعنى الحديث أن النظرة الأولى التي حصلت من غير قصد ومن غير اختيار هو معذور فيها، ولا يواصل ويتبع النظرة النظرة؛ لأن الأولى حصلت وهو معذور فيها، وليست له التي تليها؛ لأنها تكون بقصد وذلك لا يسوغ، فالحديث الثاني يوضح الحديث الأول. تراجم رجال إسناد حديث (لا تتبع النظرة النظرة) قوله: [ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ]. إسماعيل بن موسى الفزاري صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ أخبرنا شريك ]. شريك مر ذكره. [ عن أبي ربيعة الإيادي ]. قيل: اسمه عمر بن ربيعة ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن ابن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها) ] والمباشرة هي المس واتصال الجسم بالجسم، بمعنى أنها تلمسها أو تضع يدها على جسمها لتدرك مدى نعومتها، فهذا هو المقصود من المباشرة؛ وذلك لأن هناك نظراً وهناك مباشرة، فالنظر يكون بإطلاق البصر إليها، وأما المباشرة فتكون بوضع اليد على جسمها لتعرف المرأة بالملامسة مدى نعومة الجسم، فليس للمرأة أن تفعل ذلك من أجل أن تصفها لزوجها أو تصفها لأحد من الناس كأنه ينظر إليها. لكن إذا أرسل الرجل إحدى محارمه لتنظر إلى امرأة وتصفها له ليخطبها فذلك لا بأس به لأنه قد تعلق به غرض صحيح مشروع. تراجم رجال إسناد حديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها كأنما ينظر إليها) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. قد مر ذكره. [ عن الأعمش ]. الأعمش مر ذكره. [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة الكوفي ، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث إتيان الرجل زوجته إن رأى امرأة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش رضي الله عنها فقضى حاجته منها، ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله؛ فإنه يضمر ما في نفسه) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب أم المؤمنين فقضى حاجته منها ثم قال لأصحابه: [ (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله؛ فإن ذلك يضمر ما في نفسه) ]. ومعناه أن ذلك الذي معها هو موجود مع أهله، فيقضي حاجته مما أحل الله ولا يطلق بصره وينظر إلى ما حرم الله. فإذا وجدت منه الشهوة ووجدت منه الرغبة لكونه رأى شيئاً -سواء بقصد أو بغير قصد- فالمشروع في حقه أن يقضي حاجته من أهله؛ لأنه بذلك يضمر ما في نفسه، أي أنه يحصل إضعاف الشهوة وإضعاف القوة التي فيه، هذا هو المقصود بالإضمار، فهو من الضمور الذي هو ضد القوة والنشاط. تراجم رجال إسناد حديث إتيان الرجل زوجته إن رأى امرأة قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث من رباعيات أبي داود ؛ لأن بين أبي داود فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص. شرح حديث (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر أخبرنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تُمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه) ]. قول ابن عباس [ ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ] المقصود باللمم صغائر الذنوب، يشير بذلك إلى قول الله عز وجل: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] يعني الذنوب التي هي صغائر، ومعلوم أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، فابن عباس رضي الله تعالى عنه يبين أن اللمم الذي جاء ذكره في القرآن الكريم يفسر بما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [ (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة) ]. قال صلى الله عليه وسلم: [ (فزنا العينين النظر) ]، فسمى مقدمة الزنا زنا وأطلق على المقدمة اسم النهاية، وذلك لأن النظر ومداومة إطلاق النظر قد يتبعه وقد يترتب عليه حصول الزنا. قال: [ (وزنا اللسان المنطق) ] يعني الكلام، وذلك بأن يأتي بكلام فيه تعريض أو فيه تصريح أو ما إلى ذلك، فهو مقدمة ووسيلة إلى الزنا. قال: [ (والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) ]، فما يكون من الفرج هو النهاية، فإذا حصل الزنا -والعياذ بالله- فإنه يكون قد حصل التصديق لهذه المقدمات ولهذه الوسائل ولهذه البدايات، فصارت النهاية وقوع الجريمة ووقوع الضرر الكبير ووقوع الجرم العظيم الذي هو الزنا. وقوله: [ (أو يكذبه) ] يعني: فلا يحصل شيء، وإنما تنتهي المسألة عند الصغائر، لكن الصغائر قد تلتحق بالكبائر، وذلك بكون الإنسان يداوم ويصر عليها، فإنها تضخم وتعظم حتى تلتحق بالكبائر، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. فالكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتضمحل وتتلاشى، والصغيرة مع الإصرار تضخم وتعظم؛ لأن صاحبها ليس عنده اكتراث وليس عنده خوف من الله عز وجل، فهو مصر عليها ومداوم عليها، فقد تلتحق بالكبائر. والصغائر يكفرها اجتناب الكبائر، كما في جاء في الحديث (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر). وقوله: [ (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا) ] الكتابة هنا كتابة قدرية؛ لأن الكتابة تكون شرعية وتكون قدرية كونية، والكتابة القدرية الكونية هي التي في اللوح المحفوظ، فما كتب الله في اللوح المحفوظ فإنه يقع، وما قدر الله أن يكون فإنه لابد من أن يكون، أما الكتابة الشرعية فمثل قول الله عز وجل: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45] يعني: فرضنا وأوجبنا وحكمنا بأن النفس بالنفس، ولكن الكتابة المذكورة في الحديث كتابة قدرية. والمقصود بقوله: [ (ابن آدم) ] فيه أقوال، والذي يظهر أن المقصود بذلك من كان كتب عليه ذلك، ولا يعني أن كل بني آدم كتب عليهم ذلك، فإن من عباد الله ومن خلق الله ومن أولياء الله من يعصمه الله عز وجل من ذلك، فالكتابة ليست على كل أحد، والعموم فيها ليس بمراد على الإطلاق؛ لأن من بني آدم رسل الله، ومنهم الصديقون، ومنهم أولياء الله عز وجل الذين يبتعدون ويحرصون على الابتعاد عن الصغائر فضلاً عن الكبائر، وعلى هذا فيكون المراد بابن آدم من حصل منه ذلك، أما من عصمه الله ومن وفقه الله فلم يكن من أهل الزنا فإنه لا يحصل منه ذلك، وليس مكتوباً عليه؛ لأن المكتوب لابد من أن يقع، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وقد يقال: إذا كانت هذه الأمور مكتوبة على ابن آدم لا محالة فهل يحاسب على فعله؟ والجواب: نعم يحاسب على فعله؛ لأن كل شيء مكتوب على ابن آدم، فالكفر مكتوب على ابن آدم، والإسلام مكتوب على ابن آدم، وكل ما يقع ويحصل في الوجود لبني آدم مكتوب على ابن آدم، لكن لا يحصل ذلك الذي كتب عليه من غير اختياره ومن غير إرادته، وليس هو مجبوراً على ذلك، فالله كتب والعبد اكتسب، ولهذا يمدح ويذم، ولو كان الإنسان ليس له إرادة ولا مشيئة فكيف يمدح وكيف يذم وكيف يعاقب ويجازى على الإحسان إحساناً وعلى الإساءة عقوبة؟! ذلك لأن الإنسان له اكتساب في هذا من ناحية أنه مختار وعنده إرادة وعنده مشيئة، وأما كون الإنسان مجبوراً على أفعاله فهذا ليس بصحيح، فمذهب الجبرية باطل، ومذهب القدرية الذين يقولون: إن العباد يخلقون أفعالهم والله ما قدرها عليهم كذلك باطل، والحق وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فالله تعالى قدر، وهو خالق كل شيء، وما قدره الله لابد له من أن يوجد، والعبد له إرادة ومشيئة واختيار، ولهذا يفرق بين الشيء الذي يكون من إرادة الإنسان والذي ليس من إرادة الإنسان، ولهذا يعرفون الفاعل في علم النحو فيقولون: اسم مرفوع يدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث. فالإنسان إذا قيل عنه: أكل وشرب فالأكل فعل للإنسان مضاف إليه، لكن الأكل والشرب الذي يحصل للإنسان قد قدره الله تعالى وكتبه، وما شاء الله كان، وكل شيء وقع ووجد عرفنا أنه مقدر؛ لأنه ما شاء الله كان، لكن هل يقع والإنسان مجبور عليه وليس له إرادة وليس له اختيار؟! لا، بل له إرادة وله اختيار وله مشيئة تدل على من حصل منه الحدث أو قام به الحدث، وقيام الحدث به ليس من فعله، كأن يقال: مرض فلان ومات فلان. فالمرض ليس فعلاً له، بل هو شيء خارج عن إرادة الإنسان، وقولنا: (مات فلان) فلان فيه فاعل، وهو ما فعل الموت، ولكن قام به الموت، والله تعالى هو الذي خلقه فيه وأوجده. ففرق بين (أكل وشرب) وبين (مرض) وفرق بين الذي يتصرف بأعضائه وبين من ترتعش يده، فالذي ترتعش يده ليس ذلك من فعله، وضربه وأكله وشربه من فعله، ففعله يستحق عليه العقوبة إذا كان سيئاً، وأما الشيء الذي ليس من فعله فلا يعاقب عليه الإنسان. فإذا كان إنسان يضرب الناس ويؤذيهم فأتى إليه أحد ليؤاخذه على هذا فإنه إذا ضربه من أجل أن يمتنع لأنه قادر على ذلك فضربه عمل صحيح، لكن لا يؤتى إلى شخص ترتعش يده فيضرب ويقال له: أوقف حركة يدك. لأن هذا ليس من فعل الإنسان، ولكن يوصف الإنسان بأنه مرتعش أو أن فيه وصف كذا وكذا. فالشيء الذي ليس فيه للإنسان إرادة من مثل هذا القبيل. فالجبرية يقولون: إن الإنسان ليس له إرادة، وإنه مثل الأشجار التي تحركها الرياح ومثل الريشة التي تطير في الهواء، فحركاته ليست باختياره. وهذا جانب. ويقابله جانب المعتزلة القائلين بخلق أفعال العباد، والذين يقولون: إن الله ما قدر أفعال العباد، وإن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم. ولهذا قيل: إنهم مجوس هذه الأمة. والحق وسط، فالله تعالى خالق ومريد، وإذا أراد الشيء كان، والعبد مختار ومكتسب، فيمدح ويذم على ما يحصل منه من الكسب، ويثاب ويعاقب على ما يحصل منه من الكسب، ولكن لا تخرج مشيئته وإرادته عن مشيئة الله وإرادته، كما قال الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله بعض أصحابه عن العمل هل هو فيما يستقبل أو في أمر قد فرغ منه أخبرهم أنه في أمر قد فرغ منه، قالوا: ففيم العمل؟! فقال: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، فأهل السعادة ييسرون لعمل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة). تراجم رجال إسناد حديث (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن ثور ]. هو محمد بن ثور الصنعاني ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن طاوس ]. هو عبد الله بن طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ مما قال أبو هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، والحديث من رواية صحابي عن صحابي. شرح حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا) قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لكل ابن آدم حظه من الزنا -بهذه القصة- قال: واليدان تزنيان، فزناهما البطش، والرجلان تزنيان فزناهما المشي، والفم يزني فزناه القبل) ]. أورد أبو داود حديثاً بالمعنى الذي سبق في حديث أبي هريرة وفيه: [(واليدان تزنيان فزناهما البطش)] يعني التناول والمس وما إلى ذلك. قال: [ (والرجلان تزنيان، فزناهما المشي) ]. يعني المشي إلى المعصية وإلى الفاحشة وإلى البحث عنها والسعي للوصول إليها. فالعين تنظر، واليد تلمس وتمد، والرجل تمشي، واللسان يتكلم، وكل ذلك فيما يتعلق بالفاحشة، والنهاية الفرج، فإن وجد منه تصديق ذلك انتهت تلك إلى غاية سيئة، وإن لم تحصل تلك الغاية فإن الفرج يتخلف عن الوقوع في الفاحشة. وتلك المقدمات إذا لم يصر الإنسان عليها ولم يسع إلى الفاحشة ولم يجتهد في الوصول إليها فإنها تكفر، وأما إذا كان الإنسان مصراً ينتهز الفرص التي تؤدي إلى الفاحشة ويتحينها حتى يقع فيها ولم يتركها إلا بسبب العجز عن الوصول إليها فإن تلك الأفعال التي يفعلها من كلام أو لمس أو مشي فإنه يؤاخذ بها؛ لأن هذه أعمال وحركات مقصودة ومتعمدة. تراجم رجال إسناد حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و البخاري روى له مقروناً. [ عن أبيه ]. هو أبو صالح السمان ، اسمه ذكوان ولقبه السمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح حديث (لكل ابن آدم حظه من الزنا) من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه القصة، قال: (والأذن زناها الاستماع) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه زيادة أن الأذن زناها الاستماع، أي: الاستماع إلى ما يتعلق بالفاحشة. قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن القعقاع بن حكيم ]. القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي صالح عن أبي هريرة ]. قد مر ذكرهما. وطء السبايا شرح حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في وطء السبايا. حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث يوم حنين بعثاً إلى أوطاس، فلقوا عدوهم فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحرجوا من غشيانهم من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله تعالى في ذلك وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] أي: فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي وطأ السبايا، أي: المرأة المسبية، والمراد الكلام في وطئها وجماعها لمن تكون نصيبه من السبي ولمن تكون له، فإنه يطؤها بعد استبرائها، فإن كانت حاملاً فبوضع حملها، وإن كانت تحيض فبحيضة، وإن كانت لا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر، وقد جاءت الأحاديث في ذكر الحيض وفي ذكر الحمل، وجاء ذكر الوطء بعد انقضاء عدتها التي هي وضع الحمل أو حصول حيضة واحدة، وإذا كانت غير حامل ولا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر. وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه لما كان يوم حنين وحصل الانتصار على الأعداء وطفروا بالسبايا كأن بعض الصحابة تحرجوا من وطئهن من أجل أنهن ذوات أزواج، ومن المعلوم أن ذوات الأزواج أبضاعهن لأزواجهن، ليس لأحد أن يطأهن، فهن محرمات، وقد حرم الله عز وجل نكاح المحصنة، والمحصنة تأتي بمعنى المتزوجة، كما أنها تأتي بمعنى العفيفة. فلما تحرجوا أنزل الله عز وجل هذه الآية وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] أي أن ذوات الأزواج هن حرام عليكم، ويستثنى من ذلك ملك اليمين؛ لأن المرأة إذا سبيت وهي ذات زوج انفصل الزواج وانقطع، ولم يكن لزوجها حق فيها بعد أن سبيت، فبعد ذلك تعتد، فإذا كانت حاملاً فبالوضع، وإذا كانت تحيض فبحيضة حتى يتحقق من أنها سليمة من الحمل. فقول الله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24] معناه: المتزوجات. فالله تعالى قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ... [النساء:23] ثم قال في الآية بعدها: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] فالمحصنة ذات الزوج التي سبيت تنتهي علاقتها بزوجها ويكون لمن صارت نصيبه من السبي. فملك اليمين مستثنى من تحريم ذوات الأزواج في قوله تعالى: (( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ )) لأن المحرمات ذكرهن الله عز وجل في قوله: (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ... )) الآية وختم ذلك بقوله تعالى: (( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ )) واستثني من ذلك ملك اليمين، فإنها توطأ وإن كانت ذات زوج؛ لأن علاقتها بزوجها انتهت بسبيها. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ،ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. هو يزيد بن زريع ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح أبي الخليل ]. صالح أبو الخليل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي علقمة الهاشمي ]. أبو علقمة الهاشمي ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث همه صلى الله عليه وسلم بلعن واطئ سبية حامل قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا مسكين حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في غزوة فرأى امرأة مجحا، فقال: لعل صاحبها ألم بها. قالوا: نعم. فقال: لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟!) ]. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى امرأة مجحاً، وهي الحامل التي قربت ولادتها، فقال: [ (لعله ألم بها) ] أي: لعل صاحبها ألم بها، يعني الذي هي نصيبه من السبي، قالوا: نعم. أي أنه وطئها. فقال صلى الله عليه وسلم: [ (لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟!) ] والمقصود من ذلك أن المسبية إذا كانت حاملاً لا توطأ حتى تلد، وإذا كانت حائلاً لا توطأ حتى تحيض حيضة فقال: (كيف يورثه وهو لا يحل له؟! وكيف يستخدمه وهو لا يحل له؟) وذلك إذا وطئها ومضى على الوطء أكثر من ستة أشهر -وهي أقل مدة الحمل- فقد يكون ذلك الحمل منه هو، وعلى ذلك كيف يكون ولده عبداً له فيستخدمه وهو لا يحل له؟! وإن كان ليس منه فكيف يورثه ويصير ولداً له؟! وقوله: [ (لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره) ] معناه أنه يدوم لعنه ويستمر لعنه ويستمر معه حتى يصل إلى قبره، وفيه دلالة على أن ذلك الفعل من الكبائر. تراجم رجال إسناد حديث هم النبي صلى الله عليه وسلم بلعن واطئ سبية حامل قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا مسكين ]. هو مسكين بن بكير الحواني ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له صحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن خمير ]. يزيد ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ]. عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو جبير بن نفير ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الدرداء ]. واسمه عويمر رضي الله عنه، أخرج له صحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا توطأ حامل حتى تضع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -ورفعه- أنه قال في سبايا أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال في سبايا أوطاس: [ (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة) أي أن الذي تكون هي نصيبه من السبي لا يطؤها حتى تضع حملها، وإذا كانت غير ذات حمل وهي تحيض فلا توطأ حتى تحيض حيضة، وليس المقصود من ذلك أن لزوجها الأول حقاً وأن العدة من أجل زوجها، بل المقصود من ذلك الاطمئنان إلى براءة رحمها بأن ليس فيه حمل. وأما الاستمتاع بالمسبية فيما دون الفرج قبل انقضاء المدة فالذي يبدو أنه لا بأس بذلك؛ لأن المحذور هو أن يحصل منه سقي زرع غيره، وكذلك يخشى أن يكون هناك حمل فيطؤها قبل أن تعتد أو قبل أن تحيض حيضة، فيكون هناك اشتباه في أنه منه أو من الأول، فمعنى ذلك أنه يطمئن إلى أن الحمل للأول فتترك حتى تلد، أو يعلم أنها ليست بذات حمل من الأول فتوطأ بعد استبراء، فالذي يبدو أن الاستمتاع بما دون الفرج دون أن يصل إلى فرجها شيء لا بأس به؛ لأن المنع هو من الوطء، وعلى كل فالحائض -كما هو معلوم- يجوز الاستمتاع بها دون الفرج. تراجم رجال إسناد حديث (لا توطأ حامل حتى تضع) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، ساء حفظه لأنه ولي القضاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قيس بن وهب ]. قيس بن وهب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي الوداك ]. هو جبر بن نوف ، صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا البخاري . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قد مر ذكره. وقوله: [ ورفعه ] يعني أنه أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أو: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ لأن كلمة (رفعه) تعني أنه أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ المرفوع ما أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام. شرح حديث النهي عن وطء الحامل من غير مالكها ووطء السبية قبل استبرائها وبيع المغنم قبل القسمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: قام فينا خطيباً قال: أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم حنين، قال: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني إتيان الحبالى-، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم) ]. أورد أبو داود حديث رويفع بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: لا أقول إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره) ]. والمقصود من ذلك إتيان النساء الحبالى، وسواء أكان ذلك الحمل عن طريق زواج، كما يكون في المسبيات، أو كان عن طريق الزنا، فليس لأحد أن يطأ ذات حمل، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، والمراد أن يطأ المرأة؛ لأن الولد الذي في بطنها لغيره، فماؤه الذي يضعه في فرجها هو بمثابة الماء الذي يسقى به الزرع. وبعض أهل العلم قال: إن هذا يدل على أن الولد ينفعه الماء الذي يحصل للمرأة الموطوءة وفي بطنها حمل. ومنهم من يقول: إن المقصود من ذلك كون مائه يقع على شيء ليس له، وليس بلازم أن يستفيد منه الجنين الذي في البطن بسبب الجماع الذي يحصل لأمه، فالمقصود من ذلك منع وطء ذات الحمل، ويكون ذلك بمثابة سقي زرع غيره، سواء انتفع الجنين بهذا الوطء أو لم ينتفع، فإنه يصدق عليه أنه سقى ماءه زرع غيره. وقوله: [ (يؤمن بالله واليوم الآخر) ] ذكر الإيمان بالله وذكر الإيمان باليوم الآخر، وهما من أصول الإيمان الستة التي هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وذكر الإيمان بالله لأنه أساس الإيمان، وكل ما يؤمن به بعد الإيمان بالله تابع للإيمان بالله، ولهذا قال في ذكر أركان الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) فما بعد الله عز وجل مضاف إليه، والذي لا يؤمن بالله لا يؤمن بالكتب ولا بالرسل، وذكر اليوم الآخر مع الإيمان بالله تذكيراً بالمعاد وتذكيراً بالثواب والعقاب، فإذا كان في أمر محمود فإنه يصير من باب الترغيب في العمل الصالح من أجل أن يحصل ثوابه، وإذا كان في أمر محرم فإنه يكون ترهيباً من ذلك العمل لئلا يحصل الجزاء عليه عذاباً وعقاباً، وهنا من باب التحذير، فمعناه أنه لا يجوز، وهنا تذكير له باليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء، وأن الإنسان يعاقب على ما يحصل منه في الدار الآخرة. قوله: [ (ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها) ]. هذا من الأمور التي يجيء فيها التحذير؛ فلا يحل للمرء أن يقع على سبية حتى يستبرئها، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت غير حامل فبكونها تحيض حيضة. وقوله: [ (ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم) ] أي: يقسم على الغانمين، وعند ذلك يبيع الشيء الذي يكون له. وقوله: [ قام فينا خطيباً ] فاعل (قام) هو رويفع ، والقائل هو حنش الصنعاني . تراجم رجال إسناد حديث النهي عن وطء الحامل من غير مالكها ووطء السبية قبل استبرائها وبيع المغنم قبل القسمة قوله: [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي قد مر ذكره. هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مرزوق ]. هو أبو مرزوق المصري التجيبي ، واسمه حبيب بن الشهيد ، ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن حنش الصنعاني ]. حنش الصنعاني أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن رويفع بن ثابت ]. هو رويفع بن ثابت رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . شرح حديث استبراء المسبية وذكر الزيادات فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية عن ابن إسحاق بهذا الحديث قال: (حتى يستبرئها بحيضة) زاد فيه: (بحيضة) وهو وهم من أبي معاوية ، وهو صحيح في حديث أبي سعيد رضي الله عنه، زاد: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه) قال أبو داود : الحيضة ليست بمحفوظة، وهو وهم من أبي معاوية ]. قوله: [ بهذا الحديث ]. أي: بهذا الحديث الذي تقدم. وقوله: [ (يستبرئها) ] يدخل فيه ما إذا كانت حاملاً وما إذا كانت حائلاً، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت حائلاً فبكونها تحيض حيضة. وهنا زاد [ بحيضة ] وعلى هذا تخرج ذات الحمل، ويتعلق الأمر بغير الحامل، وهي الحائل، فهي التي تستبرأ إذاً بحيضة. وذكر أبو داود هنا أن هذا غير محفوظ، وأن الوهم فيه من أبي معاوية الذي قال: [ بحيضة ]، وغيره قالوا: [ (حتى يتسبرئها) فيشمل من كانت حاملاً ومن كانت حائلاً، وتقييده بحيضة يخرج منه من كانت ذات حمل، ويخرج كذلك التي لا تحيض إما لكبر السن أو لصغرها. وقوله: [ وهو صحيح في حديث أبي سعيد ]. أي: صحيح ثابت كونها تستبرأ بحيضة، ولكن في حق غير الحامل. وقوله: [ زاد: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه) ]. يعني: إذا صارت هزيلة بسبب استخدامها وبسبب ركوبها ردها فيه، وهذا فيما إذا كان غير مضطر إليها، أما إذا كان مضطراً إلى ركوبها فإنه يجوز له ذلك. قوله: [ (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه) ]. الذي قبله يتعلق الركوب، فكذلك اللبس، أي: أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا بلي رده، وإذا كان مضطراً إلى ذلك فله ذلك، وإنما المنع فيما إذا كان غير مضطر. تراجم رجال إسناد حديث استبراء المسبية [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق بهذا الحديث ]. ابن إسحاق مر ذكره. الأسئلة حكم نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي السؤال: ما حكم نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي بغير شهوة؟ الجواب: لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل سواء بشهوة أو بغير شهوة، وأما ما ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد فإن نظرها ذلك كان عن بعد ليس فيه تمييز، أي إنما هو سواد وحركات ليس فيها تمييز الأشخاص، بخلاف النظر إلى شخص ورؤية صفاته وما إلى ذلك. وقد يحصل أنه يدخل على النساء رجل كفيف البصر ليعلمهن، كما قد يحصل ذلك في بعض الجامعات، وحينئذٍ يستفدن منه بدون النظر إليه؛ إذ ليس من لازم الاستفادة أن تنظر الطالبة إليه، بل تغض بصرها عنه وتسمع كلامه. ضابط الفرق بين المعصية الكبيرة والصغيرة السؤال: ما الضابط الذي نفرق به بين الكبائر والصغائر؟ الجواب: الكبائر والصغائر ذكر في الفرق بينها أقوال، ولكن أقربها وأشهرها أن الكبيرة ما توعد عليها بلعنة أو غضب أو نار أو حبوط عمل أو نحو ذلك، وما لم يكن كذلك فإنه يكون من الصغائر. مرتبة جرم النظر إلى الأجنبية السؤال: هل النظر إلى الأجنبية يعد من الصغائر؟ الجواب: نعم يعد من الصغائر، ويكفر باجتناب الزنا إذا تركه الإنسان خوفاً من الله عز وجل، وأما إذا ترك الزنا عجزاً ولعدم القدرة مع كونه يبذل الوسع ويتحين الفرص للوقوع في الجريمة، فإن عمله لا يكفره عدم فعل الزنا." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [248] الحلقة (280) شرح سنن أبي داود [248] العشرة الزوجية يكتنفها كثير من الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاشرة والجماع، فإن الشرع قد جعل لهذا الأمر آداباً قويمة، فشرع للرجل أن يدعو عند إرادة جماع زوجته بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد جماعها فله أن يقضي حاجته من أي جهة منها مادام الوطء في الفرج، وحرم على الرجل أن يقضي حاجته منها في الفرج في زمن الحيض، فإن فعل فعليه أن يتصدق بدينار أو نصفه كفارة عن ذنبه. جامع النكاح شرح حديث ما يدعو به من تزوج امرأة أو اشترى خادماً أو بعيراً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في جامع النكاح. حدثنا عثمان بن أبي شيبة و عبد الله بن سعيد قالا: حدثنا أبو خالد -يعني سليمان بن حيان - عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهم! إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه. وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك). قال أبو داود : زاد أبو سعيد : (ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة في المرأة والخادم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [ باب في جامع النكاح]. ويقصد بهذه الترجمة أموراً متفرقة في النكاح، لأن ما سيورده ليس في موضوع واحد أو في مسألة واحدة، وإنما هو في مسائل متفرقة وفي أمور متفرقة يجمعها أنها في النكاح. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ]، فهذا دعاء يدعى به في أول الزواج وعند شراء الدابة وعند شراء شراء خادم، أي: عبد مملوك، سواء أكان ذكراً أم أنثى، فإنه يدعو بهذا الدعاء، وقد جاء في رواية أحد شيخي أبو داود في هذا الإسناد -وهو أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد - أنه يأخذ بناصية الزوجة والخادم أو الخادمة ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه). فيكون الإنسان من البداية قد سأل الله من الشر، يسأله من خير هذه الزوجة أو خير هذه الأمة أو العبد وخير ما جبل عليه -أي: ما طبع عليه وجعل فيه من الصفات ومن الأخلاق- وتعوذ به من شر ما يتصف به وما جبل عليه من الأخلاق السيئة ومن الأمور المنكرة. قال: [ (وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك) ]. يعني: مثل الدعاء الذي دعا به بالنسبة للزوجة والعبد. قوله: [ زاد أبو سعيد : (ثم ليأخذ بناصيتها وليدعو بالبركة) ]. هذا زيادة على ما تقدم، فقد تقدم أنه يدعو بالخير ويستعيذ من الشر، وهنا شيئان زيادة على ما تقدم، فزيادة أبي سعيد فيها وضع اليد على الناصية بالنسبة للزوجة والخادم أو العبد أو الأمة، وفيها -أيضاً- أن يدعو بالبركة. وكذلك السيارة والسائق ونحوهما يدعى بالبركة فيهم ويسأل الله تعالى خيرهم ويستعاذ به من شرهم. تراجم رجال إسناد حديث ما يدعو به من تزوج امرأة أو اشترى خادماً أو بعيراً قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فإنه أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ و عبد الله بن سعيد ]. هو عبد الله بن سعيد الأشج أبو سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو خالد -يعني سليمان بن حيان - ]. هو سليمان حيان الأحمر ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، ويقال في ترجمة ابن عجلان : إن أمه حملت به أربع سنين. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق أيضا، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ما يدعو به المرء عند الجماع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو أن أحدكم إذا أرد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا وجنب الشيطان ما رزقتنا. ثم قدر أن يكون بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً)]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. ثم قدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً) وهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء وعظيم شأنه، وأن الإنسان يدعو بهذا الدعاء ليظهر ما جاء فيه من سلامة الولد من الشيطان ومن أن يكون من أولياء الشياطين. فالحديث يدل على مشروعية هذا الدعاء عند الجماع. وقوله: [ (لم يضره شيطان أبداً) ] ليس المقصود به أنه لا سبيل للشيطان عليه، وأنه يكون معصوماً؛ فإن العصمة ليست لأحد بعد رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام، وإنما المراد أنه يسلم من تسلطه عليه وكونه يصير من أوليائه، وإلا فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يسلم منه في الجملة، أما أن يصير معصوماً؛ فإن هذا لا يكون لأحد بعد رسل الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم. تراجم رجال إسناد حديث ما يدعو به المرء عند الجماع قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن أبي الجعد ]. سالم بن أبي الجعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (ملعون من أتى امرأة في دبرها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن وكيع عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ملعون من أتى امرأته في دبرها) ] وهذا يدلنا على تحريم وطء النساء في أدبارهن، وعلى أنه من الكبائر؛ لأنه جاء اللعن عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أحسن ما قيل في ضابط الكبيرة أنها ما كان عليه حد في الدنيا، أو توعد عليه بلعنة، أو غضب، أو نار، أو إحباط عمل، وما إلى ذلك من الأوصاف التي تدل على عظم الذنب وعلى شدة جرم ذلك الذنب. فالحديث يدل على تحريم وطء النساء في أدبارهن وأنه من الكبائر؛ حيث ورد اللعن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده رجل مجهول، وهو الحارث بن مخلد ، ولكن الحديث جاء من طريق أخرى عن عقبة بن عامر بإسناد حسن، فيكون هذا من شواهد الحديث، وعلى هذا فيكون الحديث ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (ملعون من أتى امرأة في دبرها) قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري أبو السري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. و هناد ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه ابن السري وكنيته أبو السري ، فوافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، فمن المهم في علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه إذا ذكر بكنيته وهو مشهور بنسبته فقد يظن أن هذا شخص آخر، فيظن أن فيه تصحيفاً، مثل هناد بن السري ، فإذا قيل: هناد أبو السري فالذي لا يعرف أن كنيته أبو السري وهو يعرف أنه هناد بن السري يظن أن (ابن) صحفت إلى (أبو)، مع أن هذا صحيح وهذا صحيح، فإن قيل: هناد بن السري فصحيح، وإن قيل: هناد أبو السري فصحيح. وقد يذكر الشخص -مثلاً- باسمه واسم أبيه، وقد يذكر بكنيته، فلا يتنبه لكون صاحب الكنية هو صاحب الاسم، وذلك مثل قولهم: عبد الله بن سعيد ثم يقولون: أبو سعيد . فالذي لا يعرف يقول: ابن سعيد؛ لأنه عبد الله بن سعيد وهو أبو سعيد ، وافقت كنيته اسم أبيه. [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و البخاري إنما أخرج له مقروناً. [ عن الحارث بن مخلد ]. الحارث بن مخلد مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث الإنكار على اليهود في زعمهم أن الجماع في الفرج من الوراء يجعل الولد أحول قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر أنه قال سمعت جابراً رضي الله عنه يقول: (إن اليهود يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول. فأنزل الله سبحانه وتعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن اليهود يقولون: إن الرجل إذا جامع امرأته في فرجها من ورائها فإن الولد يكون أحول. فأنزل الله عز وجل الآية. والحول هو أن يكون السواد في طرف العين لا في وسطها، فيكون إلى جهة اليمين أو جهة الشمال، جهة الأنف أو جهة الأذن، هذا هو الحول، فهم يقولون: إنه إذا أتاها في فرجها من ورائها فإن الولد يكون أحول. فأنزل الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] يعني: من جميع الجهات، وذلك سائغ ومشروع، وما يزعمونه من أن الولد يكون أحول ليس بصحيح. تراجم رجال إسناد حديث الإنكار على اليهود في زعمهم أن الجماع في الفرج من الوراء يجعل الولد أحول قوله: [ حدثنا ابن بشار ]. هو محمد بن بشار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن ]. هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان الثوري ، وقد مر ذكره. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث سبب نزول قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن ابن عمر رضي الله عنهما -والله يغفر له- أوهم، إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني. حتى شري أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]) أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات. يعني بذلك موضع الولد ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن ابن عمر رضي الله عنه أوهم -والله تعالى يغفر له-، إنما كان هذا الحي من الأنصار، وكانوا مع اليهود في المدينة، وكانوا يعتقدون أن عندهم علماً لأنهم أهل كتاب، وكان اليهود يأتون النساء على حرف، أي: جنوبهن، فكانوا يفعلون مثلهم، ولما قدم المهاجرون وكانوا يأتون النساء في القبل من جميع الجهات، سواء أكن على جنوبهن أم مستلقيات أم على هيئة غير ذلك، ثم إنه تزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار، ولما أراد أن يجامعها على تلك الهيئة التي كانوا قد اعتادوها أنكرت عليه ذلك وأخبرته بالذي هم معتادون عليه، فأنزل الله عز وجل نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] يعني أنهم يأتونهن من جميع الجهات مقبلات ومدبرات ومستلقيات، بشرط أن يكون ذلك في الفرج، أي: في موضع الحرث الذي هو موضع زرع الولد، والذي يطلب منه الولد، فجاءت الآية مبينة ومقررة لما كان عليه المهاجرون من النكاح على جميع الأوجه ما دام أنه في الفرج وليس في الدبر. وقوله: [ أوهم ابن عمر ] رضي الله عنهما لم يذكر فيه الشيء الذي حصل فيه الوهم، ولعله جاء عنه شيء على خلاف ما كان يعتقده ويعرفه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ولا يصح عنه أنه كان يقول بجواز وطء النساء في الأدبار. وقوله: [ حتى شري أمرهما ] معناه: ذاع وانتشر. تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم...) قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ ]. عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن محمد -يعني ابن سلمة - ]. هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. يروي أبي داود ؛ لأن أبا داود رحمه الله عن شيخين كل منهما يقال له: محمد بن سلمة، وأحدهما من شيوخه والثاني من شيوخ شيوخه، فالذي من شيوخه محمد بن سلمة المرادي المصري ، فإذا جاء محمد بن سلمة غير منسوب وهو من شيوخ أبي داود فالمراد به المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة غير منسوب وهو من شيوخ شيوخ أبي داود فالمراد به الحراني الباهلي ؛ لأنه لا يروي عنه أبو داود مباشرة، بل يروي عنه بواسطة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبان بن صالح ]. أبان بن صالح ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله عنهما قد مر ذكره. حكم إتيان الحائض ومباشرتها شرح حديث ما يباح من التعامل مع الحائض قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان الحائض ومباشرتها: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فأنزل الله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح. فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرج فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبعث في آثارهما فظننا أنه لم يجد عليهما) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب في إتيان الحيض ومباشرتها ] يعني جماعها، وذلك حرام لا يجوز، ومباشرتها في غير الفرج جائزة على قول بعض أهل العلم، وبعضهم يجعل المباشرة جائزة فيما فوق الإزار. والحديث الذي أورده أبو داود هنا يدل على أن المباشرة تكون مطلقاً، سواء من فوق الإزار أو دونه، بشرط أن لا يكون هناك جماع في الفرج الذي هو محل الحيض ومحل الدم. فالمقصود من الترجمة أن إتيان النساء وجماعهن لا يجوز في الحيض، وأما أن يستمتع بها فيما دون فرجها فذلك سائغ وجائز. وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن اليهود كان عندهم تشدد وتعنت وغلو، وذلك أن المرأة فيهم كانت إذا حاضت أبعدوها عنهم، فلم يساكنوها ولم يجالسوها ولم يؤاكلوها، ولا تكون معهم حتى تطهر من الحيض، وهذا غلو. ويقابل هذا فعل النصارى ، فإنهم يجامعون الحائض، فاليهود في طرف والنصارى في طرف، فالنصارى يخالطونها، بل يجامعونها ولا يتركون شيئاً، ولا يفرقون بين كونها حائضاً أو غير حائض، واليهود يبتعدون عنها ولا يساكنونها ولا يجالسونها ولا يجامعونها، أي: لا يجتمعون بها أو يساكنونها، فالمقصود بالمجامعة هنا الاجتماع، وليس الجماع الذي هو الوطء. فجاء الإسلام وسطاً بين هؤلاء وأولئك، وذلك أن الحائض تبقى مع الناس في البيوت فيؤاكلونها ويشاربونها، ويبيتون معها، ويستمتع بها الزوج في غير الفرج، فليس عندهم إفراط هؤلاء ولا تفريط أولئك، وإنما عندهم التوسط، وهذا من أمثلة وسطية هذه الأمة بين اليهود و النصارى . وقوله: [ (فأنزل الله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ )[البقرة:222] إلى آخر الآية ]. يعني أن الدم الذي يكون في فروج النساء بسبب الحيض هو أذى نجس وقذر ومنتن، والأذى موجود فيه من وجوه متعددة، ولذلك قال تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] يعني: في حال حيضهن اعتزلوا محل الحيض. وليس المقصود بالاعتزال اعتزالهن مطلقاً كما تفعله اليهود، حيث إنهم يخرجونها من البيت ولا يساكنونها ولا يكونون معها. وقوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح) ]. أي: ساكنوهن وكونوا معهن في البيوت. وقوله: (واصنعوا معهن كل شيء إلا النكاح)، أي أن الحائض تؤاكل وتشارب وتضاجع وتباشر، ولكن في غير الفرج، فيستمتع الزوج بها ويقضي حاجته منها في غير الفرج الذي هو محل النجاسة الموجودة بسبب الحيض. قوله: (فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه). يشيرون بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وصفوه بالرسالة؛ لأنهم لا يؤمنون به صلى الله عليه وسلم، وهم -بلا شك- كافرون به وبعيسى وبموسى وبكل الرسل؛ لأن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء، كما جاء في القرآن، فقد قال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105] وهم إنما كذبوا رسولهم نوحاً، فبتكذيبهم الواحد صاروا مكذبين لجميع الرسل، ومن كذب رسولاً واحداً كذب جميع الرسل، وإذا كانوا يقولون إنهم أتباع موسى فموسى هو الذي أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم مكذبون لموسى عليه الصلاة والسلام. فمن كذب نبياً من الأنبياء فهو كاليهود الذين لا يؤمنون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو يقولون: هو نبي إلى العرب خاصة. وهذا كذب وتكذيب؛ لأنه رسول للناس كافة، فهو تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت هو تكذيب لموسى ولعيسى ولسائر الأنبياء. قوله: (فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا. أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما). أي: جاء عباد بن بشر و أسيد بن حضير رضي الله عنهما فكلماه عن اليهود وقالا: أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: غضب. فلما تمعر وجهه ظنوا أنه وجد عليهما وغضب وأن في نفسه عليهما شيئاً. فخرج فاستقبلتهما هدية لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى الهدية جاءت بعث في أثرهما يطلبهما حتى يأخذا نصيبهما من هذه الهدية، فعند ذلك اعتقد الصحابة الذين كانوا عنده أنه ما وجد عليهما. فقولهم أولاً: (ظننا) معناه: حسبنا. وقولهم (ظننا) في المرة الثانية معناه اليقين، فالظن يأتي بمعنى الحسبان ويأتي بمعنى اليقين، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:46] يعني: يعتقدون ويجزمون. والمعنى أنه لما دعاهما وأراد أن يشاركاه في هذه الهدية وسقاهما من ذلك اللبن عرف الصحابة وتحققوا أنه لم يجد عليهما عليه الصلاة والسلام. و عباد بن بشر و أسيد بن حضير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما اللذان حصلت لهما الكرامة التي جاءت في الحديث الصحيح أنهما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فكان معهما نور أمامهما يضيء لهما الطريق، ولما افترقا وذهب كل منهما إلى بيته انقسم ذلك النور إلى قسمين، فصار كل واحد منهما معه جزء من ذلك النور، وهذا ثابت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من كرامات الأولياء التي يثبتها أهل السنة والجماعة، فإنهم يصدقون بكرامات الأولياء ويثبتونها إذا وقعت لأولياء الله حقاً وإذا حصلت من وجه يصح، أما الأشياء التي تضاف إلى من تدعى لهم الولاية ويزعم بأنهم أولياء ويؤتى بأكاذيب ويؤتى بترهات وسخافات تضاف إليهم ويقال عنها إنها كرامات، فهذه من الأمور المنكرة. وأهل السنة والجماعة يصدقون بكل ما ثبت من الكرامات لأولياء الله، مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان على منهاجهم وعلى منوالهم، ولكنهم ينكرون الأشياء التي ليس لها أساس، والأشياء التي لا تليق ولا تصلح وهي مخالفة لدين الإسلام، بل قد يكون بعضها شركاً بالله عز وجل، ويعتقد أنها كرامة من الكرامات، كمن يزعم أن فلاناً ولي يستغاث به في حال شدة وفي حال كربة، ثم بعد ذلك يقول: إنه جاء إلى ذلك الولي، وإنه خلصه من هذه الشدة. فهذا شرك بالله عز وجل، حيث يستغيث بغير الله، وهذا لا يعتبر كرامة، بل يعتبر ابتلاءً وامتحاناً. |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث ما يباح من التعامل مع الحائض قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث من رباعيات أبي داود ؛ فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، حيث يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهم هنا موسى بن إسماعيل و حماد بن سلمة و ثابت البناني و أنس بن مالك. حكم إتيان الحائض بعد الطهر قبل الاغتسال السؤال: هل يجوز إتيان المرأة الحائض بعد الطهر وقبل الاغتسال؟ الجواب: الذي يظهر أنه لا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] يعني يطهرن من الحيض فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ [البقرة:222] يعني: إذا اغتسلن. وذلك لأن بقية الأذى موجودة حتى يحصل الاغتسال فتزول آثار الأذى، ولذلك قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] أي: يطهرن من الحيض، (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) بعد طهرهن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] . شرح حديث عائشة (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً الهجري قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده، وإن أصاب -تعني ثوبه- منه شيء غسل مكانه ولم يعده، وصلى فيه) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [ (كنت أبيت أنا ورسول الله في الشعار الواحد) ] أي: في ثوب واحد أو في غطاء واحد يغطي جسديهما فيتصل جسده بجسدها، والشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار هو الثوب الذي وراءه، كما جاء ذكرهما في حق الأنصار في يوم حنين لما قالوا ما قالوا في كون الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى الغنائم للذين أسلموا قريباً ولم يعطهم شيئاً، فجمعهم الرسول صلى الله عليه وسلم وتكلم معهم بالكلام الذي أرضاهم وصار خيراً لهم مما فاتهم، وقال لهم: (الأنصار شعار والناس دثار) فالشعار هو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار هو الذي يكون وراءه أو فوقه. وهذا فيه بيان المخالفة لما كان عليه اليهود الذين لا يجامعونها -أي: يجتمعون معها في البيوت- ولا يضاجعونها، بل الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكون وإياها في شعار واحد، وربما وقع على جسده عليه الصلاة والسلام شيء من الدم الذي يكون منها، وربما حصل لثوبه كذلك، وكان إذا حصل شيء من ذلك فإنه يغسل مكان الدم من جسده صلى الله عليه وسلم أو من ثوبه ثم يصلي فيه، وهذا يدلنا على أن الثوب إذا وقعت عليه النجاسة وكان محلها معلوماً فإنه يغسل الجزء الذي فيه النجاسة وحده ويكفي ذلك، ولهذا قالت عائشة : [ غسل مكانه -تعني الثوب- ولم يعده ] أي: ما تجاوز إلى غسل الباقي، ثم يصلي فيه. فالنجاسة إذا كانت معلومة من الثوب فإنه يغسل ذلك الجزء الذي فيه النجاسة، لكن إذا تحقق أن في الثوب نجساً وجهل مكان النجاسة فعند ذلك يجب غسله كله؛ لأنه لن يحصل التحقق حينئذٍ من الطهارة إلا بغسله كله؛ لأنه لو غسل جزءاً منه فيمكن أن تكون النجاسة في جزء ثان، لكن حيث تحقق مكان النجاسة فإنه يكفي غسل مكان النجاسة، كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها. وقولها: [ وأنا حائض طامث ] الطامث هي الحائض، فهو تأكيد. تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن صبح ]. جابر بن صبح صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سمعت خلاساً الهجري ]. هو خلاس بن عمرو الهجري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عائشة رضي الله عنها ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء و مسدد قالا: حدثنا حفص عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عن خالته ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر ثم يباشرها) ]. أورد أبو داود حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها، وهو الذي استدل به بعض أهل العلم على أن المباشرة للحائض إنما تكون فوق الإزار وليست فيما تحت الإزار؛ وقد قال جماعة كثيرون من أهل العلم بمقتضى هذا الحديث، وبعضهم أخذ بمقتضى حديث أنس المتقدم في أنه يصنع كل شيء إلا النكاح. ومن العلماء من رأى أن المباشرة تكون في جميع جسد المرأة غير محل الحرث، أي: يباشرها ويقضي حاجته منها بالمباشرة في غير محل الحرث؛ لأن قوله: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) معناه أنهم يباشرونهن ولا يمتنعون إلا من النكاح. تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ قالا: حدثنا حفص ]. حفص هو ابن غياث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ]. الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شداد ]. عبد الله بن شداد ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعده العجلي من كبار التابعين الثقات، أخرج له صحاب الكتب الستة. [ عن خالته ميمونة ]. هي خالته ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. كفارة من أتى حائضاً شرح حديث: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كفارة من أتى حائضاً. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة غيره عن سعيد حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) ]. أورد أبو داود [ باب في كفارة من أتى حائضاً ]. يعني: ما هي الكفارة التي تجب عليه لتلافي ذلك الذنب الذي وقع فيه؟ فإتيان النساء في الحيض في فروجهن لا يجوز، ولهذا قال تعالى: (( قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ))[البقرة:222] يعني: اجتنبوا جماعهن في حال حيضهن، وذلك في الفروج. فبعد أن أورد المصنف ما يدل على تحريم نكاح المرأة وهي حائض وأنه يفعل كل شيء إلا النكاح ذكر أن من عصى وحصل منه ذلك الأمر المحرم فإن عليه كفارة، وهذه الكفارة جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: [ (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) ] فهذه كفارة إتيان الحائض. وقيل: إن التفاوت بين الدينار ونصفه هو أنه إذا كان في حال إقبال الدم وشدته وكثرته فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان في حال إدباره وقلته فإنه يتصدق بنصف دينار. وقيل: إن هذا لعله يكون في حال اليسار وعدم اليسار، وأنه إذا كان موسراً فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان بخلاف ذلك يتصدق بنصفه، والحاصل أنه ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكفارة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يجامع امرأته في حال حيضها في فرجها، وإنما يستمتع بها في غير الفرج، وإذا حصل منه الجماع فإن عليه هذه الكفارة التي هي التصدق بدينار أو بنصف دينار. تراجم رجال إسناد حديث (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة ]. مسدد و يحيى مر ذكرهما، و شعبة هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ غيره عن سعيد ]. قوله: [ غيره ] معناه أن يحيى حدثه عن غير شعبة عن سعيد، فمعناه أن عنده طريقين: طريقاً فيه شعبة وطريقاً فيه سعيد. وسعيد يحتمل أنه ابن مرزبان وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و الترمذي و ابن ماجة ، ويحتمل أنه سعيد بن عامر الضبعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعلى كل فالإسناد ثابت، لأنه جاء من طريق شعبة عن الحكم . [ حدثني الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ]. عبد الحميد بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. هو مقسم مولى ابن عباس ، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره. شرح حديث: (إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان - عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس ، وفيه التفصيل، فإذا أصابها في الدم ففيه دينار، وإذا أصابها في انقطاعه ففيه نصف دينار، فالتفاوت هو في حال شدته وحال انتهائه، وبعض أهل العلم قال بهذا التفريق، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه صحيح موقوفاً. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار) قوله: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر ]. عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان - ]. جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن علي بن الحكم البناني ]. علي بن الحكم البناني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي الحسن الجزري ]. أبو الحسن الجزري مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن مقسم عن ابن عباس ]. مقسم و ابن عباس قد مر ذكرهما. والإسناد فيه هذا المجهول، ولا أعرف وجه تصحيح الألباني له. فالشيخ الألباني رحمه الله يصحح الموقوف والمرفوع، إلا أنه قال: إن هذا صحيح موقوفاً. لكن فيه أبو الحسن الجزري ، وهو مجهول. وقد أعل المنذري الحديث المرفوع بالاضطراب، ولكن مجيئه موقوفاً ومجيئه مرفوعاً لا يؤثر، والموقوف هنا وجدنا أنه غير مستقيم من حيث الإسناد، وأما المرفوع فهو مستقيم الإسناد. الأسئلة دلالة الكرامات الجارية لأهل البدع السؤال: هل ما يحصل من الأمور الخارجة عن العادة لمن يأتي بالبدع الفعلية أو العقدية كالأشاعرة يكون لهم ذلك كرامات أم أنه استدراج؟ الجواب: إذا وقع ذلك لأحد فيه استقامة ولكن عنده شيء من الخطأ فيمكن أن يكون كرامة من الله عز وجل له، ولكن قد يروج لأهل البدع بسبب هذه الكرامات، بل قد تكون مختلقة وليس لها أساس من الصحة، فمثل هذه لا تعتبر كرامة، وإنما هي ابتلاء وامتحان، وقد تكون زوراً وكذباً. حكم من أنكر حصول الكرامات مطلقاً السؤال: عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالكرامات وحصولها لمن كان ولياً حقاً، فما حكم من أنكرها مطلقاً؟ الجواب: الذي ينكر الكرامات مطلقاً ماذا سيقول في الأحاديث الكثيرة التي جاءت بإثباتها، فالمعتزلة ينكرون الكرامات، ولكن الكرامات الثابتة التي جاءت بأسانيد صحيحة كيف تنكر؟! فهي في الأصل ثابتة بلا شك، والمعروف أن الذين أنكروها منهم المعتزلة. دعاء الجماع يكون من الزوجين السؤال: ذكر الدعاء عند الجماع هل يكون من الرجل والمرأة أو من الرجل فقط؟ الجواب: الذي يبدو أنه يكون منهما جميعاً، فكل منهما يدعو. ابتداء عدة من تأخر عنها خبر وفاة زوجها السؤال: إذا مات رجل عن زوجته ولم تعلم الزوجة بخبر وفاته إلا بعد شهر فمن متى تبدأ العدة؟ الجواب: العدة تبدأ من الوفاة، ولا تبدأ من العلم، بل قد تخرج من العدة ولا تعلم إلا بعد خروجها منها، فتكون قد خرجت من العدة؛ لأن المقصود بالعدة هو المدة التي تكون من وفاته إلى انتهاء العدة، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت غير حامل فبأربعة أشهر وعشر، فقد لا يبلغها خبر وفاته إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشر، وبذلك تكون قد خرجت من العدة، فالعدة لا تبدأ من العلم، إنما تبدأ من الوفاة. حكم الرقية في الماء ليشربه المريض السؤال: ما حكم الرقية في الماء ليشربه المريض؟ الجواب: لا بأس بذلك، فالرقية في الماء أو في الأشياء الرطبة التي يعلق فيها الريق لا بأس بها. وجه الاستدلال على جواز السلم بمنع مباشرة المرأة المرأة لتنعتها لزوجها السؤال: ورد في الحديث (لا تباشر المرأة المرأة لتنعتها لزوجها) قال الخطابي : فيه دلالة على أن الحيوان قد يضبط بالصفة ضبط حصر وإحاطة، واستدلوا به على جواز السلم في الحيوان. فما معنى هذا الكلام؟ وأين موضع الاستشهاد من الحديث؟ الجواب: أي أن الحديث (لا تباشر المرأة لتنعتها لزوجها كأنما يراها) معناه وصف الحيوان، فقد يوصف الحيوان وصفاً دقيقاً يجعل الإنسان كأنه يراه ويشاهده. الموقف تجاه تساهل العامة في النظر المحرم السؤال: إذا سمع العامة من الناس أن النظر إلى النساء من الصغائر أدى ذلك إلى تساهلهم واستخفافهم، فهل لنا أن نقول: إن هذا ذنب كبير وعظيم درءاً لهذه المفسدة؟ الجواب: نقول: هذا ذنب من الذنوب. ولكن لا نقول: إنه كبير وعظيم. بل نقول: هذا ذنب من الذنوب التي على الإنسان أن يحذرها وأن يبتعد عنها؛ لأنه وسيلة إلى أمر خطير وإلى أمر عظيم. حكم معرفة براءة الرحم بواسطة الأجهزة الطبية السؤال: هل معرفة براءة الرحم بواسطة الطب الحديث معتبرة شرعاً؟ الجواب: المعتبر ما جاء في الشرع، وهو وجود الحيضة، ولا تسلك مسالك أخرى غير ما جاء به الشرع، فالطريق المعتبر هو الاستبراء الذي جاء به الشرع، أما القيام بعمل التحاليل الطبية لمعرفة كونها حاملاً أو لا فغير صحيح، بل المعتبر هو ما جاء به الشرع. حكم وطء الإماء في هذا الزمن إن وجدن السؤال: انتشر عند الكثير أن هناك إماء في بعض البلدان مثل موريتانيا، فهل يجوز الآن وطؤهن؟ الجواب: إذا كان أولئك الإماء تناسلهن متسلسل فوطؤهن مشروع، وأما إن كان تسلسل رقهن غير معلوم فالاحتياط عدم الاسترقاق في مثل هذا، لكن كون الإنسان عليه رقبة ويوجد مثل هذه العبودية ويسعى إلى تخليص صاحبها فإنه يحصل بذلك الكفارة؛ لأنه سعى في تخليصها، سواء أكان التخليص من رق شرعي أم من رق غير شرعي؛ لأنه قد يكون هناك رق غير شرعي، بأن يكون المرء منهوباً أو أخذ وغذي ثم استعبدوه. معنى زواج المسيار السؤال: ما معنى زواج المسيار؟ الجواب: زواج المسيار هو أن الإنسان قد يكون عنده زوجة ويريد أن يتزوج امرأة أخرى سراً ولا يقسم لها في المبيت، بل يزورها زيارة في النهار ويخفي ذلك عن زوجته حتى لا تدري بأنه متزوج بأخرى، فيبيت عند زوجته كل ليلة ويتفق مع هذه أن يتزوجها على أن يأتي إليها في النهار ساعة أو ساعتين، والزواج -كما هو معلوم- مطلوب فيه أن يعلن وأن يشهر وألا يخفى." |
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [249] الحلقة (281) شرح سنن أبي داود [249] من الأحكام الشرعية المتعلقة بالعشرة الزوجية: أحكام العزل عن المرأة حال الجماع، فقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة أن يعزلوا حين رغبوا في وطء الإماء، وكرهوا حصول الولد الذي يفوت به بيع الأمة، وكذب اليهود في زعمهم أن العزل موءودة صغرى، إذ إن ما قدره الله تعالى لابد من أن يكون، ولكن لا يجوز للرجل فعله مع زوجته الحرة إلا بإذنها، ولا مع زوجته الأمة إلا بإذن مواليها، ويجوز له فعله مع أمته بغير إذنها. ومما يتعلق بالمعاشرة النهي عن تحدث الرجل أو المرأة بما جرى بينهما حال الجماع، فإن تلك الأمور أسرار لا يجوز إفشاؤها. ما جاء في العزل شرح حديث أبي سعيد في العزل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في العزل. حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن قزعة عن أبي سعيد رضي الله عنه، ذكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم -يعني العزل- قال: (فلم يفعل أحدكم؟ -ولم يقل: فلا يفعل أحدكم- فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) قال أبو داود : قزعة مولى زياد ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [ باب ما جاء في العزل ] والعزل هو العزل عن النساء، بحيث يجامع الإنسان المرأة، فإذا جاء وقت خروج المني ينزع ويفرغ خارج الفرج، فهذا هو العزل، وكانوا إذا حصلوا على السبي واشتهوا الوقاع يخافون أن تحمل الأمة بسبب الوقاع فتكون أم ولد، وحينئذ لا يتمكنون من بيعها، فكانوا يعزلون حتى لا يحصل الحمل الذي تصير به الأمة أم ولد تعتق بعد الموت. والعزل جاء في السنة ما يدل على أنه سائغ وأنه لا بأس به، فقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن). والعزل من الأمة لا بأس به، وأما من الحرة فإنه لا بد فيه من إذنها؛ لأن لها حق الجماع ولها الحق في تحصيل الولد، وكذلك الأمة المزوجة لا يعزل عنها إلا بإذن مواليها؛ لأن لهم الحق في ذلك، ولأن الولد يكون تابعاً للأم في الرق، فإذنهم معتبر في ذلك، وعلى هذا فأمة الرجل له أن يعزل عنها، والأمة المزوجة ليس لزوجها أن يعزل عنها إلا بإذن مواليها، لأن الولد منه يكون رقيقاً لهم، فلهم حق في الولد، وحينئذ فلا يعزل إلا بإذنهم، إلا إذا اشترط أن يكون الولد ليس لهم فله ما اشترط. وأورد أبو داود هنا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم العزل فقال: [ (فلم يفعل أحدكم؟) ] ولم يقل: لا يفعل أحدكم ذلك. ثم قال: [ (فإنه ليست من نفس مخلوقة إلا الله خالقها) ]، يعني: ما من نفس كتب الله عز وجل وقدر وقضى أنها توجد إلا ولا بد من أن توجد، فالشيء الذي قدره الله لا بد من أن يوجد، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وفي الحديث: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العزل يراد من ورائه عدم الحمل، وإذا كان الله قدر أن يوجد الحمل فإنه يوجد ولو وجد العزل، وذلك بأن تنطلق قطرة مع حرصه على أن لا يخرج شيء فيكون منها الحمل، ولهذا جاء في صحيح مسلم (ليس من كل الماء يكون الولد) ومعناه أن الحمل لا يأتي من جميع المني، وإنما قطرة واحدة من المني ونقطة يسيرة يكون بها الحمل. فإذاً: هذا الذي يعزل إذا كان الله أراد أن يوجد له الولد فإنه قد تنطلق منه قطرة يكون منها الولد ولو حصل منه العزل. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في العزل قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ]. إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قزعة ]. هو قزعة مولى زياد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بنسبته وكنيته، فكنيته أبو سعيد ونسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث تكذيب اليهود في أن العزل وأد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثه أن رفاعة حدثه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل موءودة الصغرى. قال: كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي جارية، وإني أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل. أي أنه يعزل عنها لئلا تحمل، فيخشى أن تحمل؛ لأنها إذا حملت صارت أم ولد، فيفوت عليه بيعها أو التصرف فيها بالبيع، قال: وإن اليهود يقولون: إنها الموءودة الصغرى. فقال صلى الله عليه وسلم: (كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) ]. يعني: إذا كان الله عز وجل أراد أن يخلقه فلا يستطيع أحد أن يصرف ما قدره الله عز وجل وأراده؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال الشاعر: فما شئتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن فالشيء الذي قدر وكتب لا سبيل إلى رده، ولا يستطيع الإنسان أن يصرفه. وقولهم: إنها الموءودة الصغرى معناه أنهم يقصدون بذلك أنه لما انعقد السبب -وهو الجماع الذي هو سبب وجود الولد- ثم إنه عزل من أجل عدم حصول الولد فإنه يكون كأنه قضى عليه بعد أن انعقد سببه، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأنه قد يوجد السبب ولا يوجد المسبب، والوأد إنما هو وأد البنت الحية، بأن يدفنها وهي حية ويتخلص منها، فهذه هي الموءودة التي كانوا يئدونها في الجاهلية، وذكرها القرآن في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9] فالرسول صلى الله عليه وسلم كذبهم، وقال: إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق الولد فإنه لا أحد يستطيع أن يصرف وأن يمنع وأن يحول بين وجود ذلك الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء شاءه الله لا بد من وجوده، وكل شيء لم يشأه الله لا سبيل إلى وجوده. وقوله: [ (وأنا أريد ما يريد الرجال) ] أي: من الوقاع والاستمتاع، ولا يريد الولد خشية أن تصير أم ولد فلا يتمكن من بيعها، وكذلك -أيضاً- يريد ما يريد الرجال من الاستفادة منها في بيعها إذا أراد، فهو يريدها من ناحية الاستمتاع ولا يريد ولداً يمنعه من البيع. تراجم رجال إسناد حديث تكذيب اليهود في أن العزل وأد قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. أبان هو ابن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ]. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثه أن رفاعة ]. رفاعة مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قد مر ذكره. وكون رفاعة مقبولاً لا يؤثر، لأن الحديث بمعنى الأحاديث الأخرى. شرح حديث السؤال عن العزل في غزوة بني المصطلق قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فجلست إليه فسألته عن العزل، فقال أبو سعيد : (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبياً من سبي العرب، فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة، وأحببنا الفداء، فأردنا أن نعزل، ثم قلنا: نعزل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله عن ذلك! فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله في كونهم كانوا يعزلون من أجل أن لا تحمل المرأة، وهذا الفعل الذي فعلوه -وهو العزل- لا يكون صاداً وراداً لما قدر الله تعالى أن يكون؛ لأن الحمل قد يوجد مع العزل -كما ذكرنا- بانطلاق قطرة يسيرة يكون بها الحمل مع حرص الرجل أن لا تنطلق هذه القطرة منه ثم يخرج ما يخرج خارج الفرج، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس من كل الماء يكون الولد)، أي: فهذا الذي لا تريدونه إذا كان الله عز وجل قدره فإنه لا سبيل إلى صده ولا سبيل إلى رده. قوله: [ (فأصبنا سبياً من سبي العرب) ] هذا يدل على أن العرب يسبون كما يسبى غيرهم. قوله: [ (فاشتهينا النساء) ]، يعني الاستمتاع بهن [ (واشتد علينا العزبة) ] وهي عدم التمكن من الاستمتاع بالأهل، وذلك لأنهم مسافرون، ولكنهم حصلوا هذا السبي وقد اشتهوا. قوله: [ (وأحببنا الفداء) ] يقصد بذلك أنهم أحبوا أن يأخذوا قيمة السبي إذا احتاجوا إلى ذلك، واستمتاعهم بهن يفضي إلى أن يحملن، وإذا حملن لا يتمكنون من البيع، فلا يحصلون القيمة التي تكون في مقابل بيعهن. قوله: [ (فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا) ]. يعني: فعلكم هذا الذي تفعلون من أجل أنه لا يحصل حمل لا يرد الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه إذا قدر الله أن يكون فإنه لا بد من أن يكون. تراجم رجال إسناد حديث السؤال عن العزل في غزوة بني المصطلق قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الفقيه المحدث الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ]. ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن محيريز ]. هو عبد الله بن محيريز ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. قد مر ذكره رضي الله تعالى عنه. شرح حديث (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إن لي جارية أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل. فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها. قال: فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت. قال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار كان له جارية، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد الاستمتاع بها، وإني أخشى أن تحمل -وإذا حملت صارت أم ولد- فقال: [ (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) ] يعني: إن كان الله كتب أنه يوجد ولد فسيكون. فما لبث إلا فترة من الزمان ثم جاء وقال: إنها حملت. فقال له صلى الله عليه وسلم: إني قد أخبرتك أن ما قدره الله لا بد من أن يكون. فهو دال على أن العزل جائز، وأن العزل لا يمنع حصول الولد، فقد يوجد الولد مع العزل، والشيء الذي قدر الله تعالى أن يكون لا بد من وجوده ولا بد من حصوله، وهو دليل على جواز العزل. وكذلك يجوز للمرأة إذا كانت مضطرة إلى أن تعمل على تأخير الحمل لأمر يقتضي ذلك كأن تكون مريضة ويشق عليها الحمل، أو أن الحمل يتتابع عليها ولا تستطيع أن تقوم بتربية أبنائها، فإنها إذا كانت تلد في كل سنة فإنها تحتاج إلى أن تحمل هذا وتحمل هذا، فقد تلد مولوداً والذي قبله لا يستطيع المشي، فلا تستطيع أن تحملهم؛ فكونها تتخذ الشيء الذي يؤخر الحمل زمناً يسيراً ولا يقطعه حتى تتمكن من تربيتهم، أو أن تتابع الحمل يضرها في جسمها وفي صحتها؛ فلا بأس بذلك. أقول: لا مانع من اتخاذ شيء يؤخر الحمل، والذي لا يجوز هو تحديده أو قطعه، وذلك بأن يقول: أنا أريد كذا وكذا ولداً وبعد ذلك لا أريد شيئاً، فيقطع النسل أو يعمل على قطعه، فهذا هو الذي لا يجوز، كما أنه لا يجوز منع الحمل باتخاذ الحبوب ونحوه خشية النفقة على الأولاد؛ لأن الله تعالى هو الذي يرزق، وقد يكون وجودهم سبباً في تحصيل الرزق من الله تعالى. تراجم رجال إسناد حديث (اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا الفضل بن دكين ]. الفضل بن دكين هو أبو نعيم ، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بكنيته أحياناً فيقال: أبو نعيم . وأحياناً يأتي باسمه كما هنا، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله شرح حديث أبي هريرة في النهي عن التحدث بما يكون بين الرجل وأهله قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله. حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثنا الجريري . ح: وحدثنا مؤمل حدثنا إسماعيل. ح: وحدثنا موسى حدثنا حماد كلهم عن الجريري عن أبي نضرة قال: حدثني شيخ من طفاوة قال: تثويت أبا هريرة رضي الله عنه بالمدينة، فلم أر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصاً أو نوى وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه، فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: قلت: بلى. قال: (بينا أنا أوعك في المسجد إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى دخل المسجد، فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ -ثلاث مرات- فقال رجل: يا رسول الله! هو ذا يوعك في جانب المسجد. فأقبل يمشي حتى انتهى إلي، فوضع يده علي فقال لي معروفاً، فنهضت فانطلقت، فانطلق يمشي حتى أتى مقامه الذي يصلي فيه، فأقبل عليهم ومعه صفان من رجال وصف من نساء -أو صفان من نساء وصف من رجال- فقال: إن نسَّاني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء. قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينس من صلاته شيئاً، فقال: مجالسكم مجالسكم -زاد موسى ها هنا: ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد. ثم اتفقوا- ثم أقبل على الرجال فقال: هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول فعلت كذا فعلت كذا! قال: فسكتوا. قال: فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث؟ فسكتن، فجثت فتاة -قال مؤمل في حديثه: فتاة كعاب -على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليراها ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله! إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثن. فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ فقال: إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه. ألا وإن طيب الرجال ما ظهر ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه. قال أبو داود : ومن ها هنا حفظته عن مؤمل و موسى ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد) وذكر ثالثة فأنسيتها، وهو في حديث مسدد ، ولكني لم أتقنه كما أحب، وقال موسى : حدثنا حماد عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب ما يكره من ذكر الرجل ما يكون من إصابته أهله ]. يعني كونه يتحدث بما يجري بينه وبين أهله عند الجماع. هذا هو المقصود من الترجمة، فالإنسان لا يتحدث بما يجري بينه وبين أهله، ولا يخبر بما يرى منها ولا تخبر بما ترى منه، وإنما الواجب هو الإمساك عن ذلك وعدم التعرض له بأي حال من الأحوال. وأورد أبو داود في هذه الترجمة حديثاً ضعيفاً فيه رجل مجهول، وهو الطفاوي ، والحديث لا يحتج به، ولكن فيه بعض الأشياء جاءت في بعض الأحاديث الصحيحة، مثل مسألة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ومسألة طيب النساء وطيب الرجال، فقد جاء ما يدل عليها، ولكن الحديث نفسه فيه هذا الرجل المجهول، فالشيء الذي لم يكن ثابتاً من وجوه أخرى غير هذا الحديث فإنه لا يعول عليه ولا يحتج به لحصول الجهالة في أحد رواته. قوله: [ تثويت أبا هريرة ] أي: صرت ضيفاً عنده. قوله: [ فلم أر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه ]. هذا إخبار عن المشاهدة والمعاينة لما صار ضيفاً عنده، فكان يراه مشمراً في العبادة وقائماً على إكرام الضيف وخدمته والسعي للإحسان إليه. قوله: [ فبينا أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصاً أو نوى، وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها، حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه ]. معناه أنه كان على سرير ومعه كيس فيه حصا، وكان يأخذ من هذا الكيس ويسبح ويرمي الحصا، ثم بعد ذلك رمى بالكيس إلى الجارية فجمعت الحصا وجعلته في الكيس وأعادته إليه ليسبح فيما بعد. وكما هو معلوم فإنه ما ثبت شيء في السنة في التسبيح بالحصا أو التسبيح بالنوى أو ما إلى ذلك، وهذا الحديث -كما هو معلوم- ضعيف؛ لأنه ما جاء إلا بهذا الإسناد الضعيف، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على التسبيح بالحصا لا من فعله ولا من إقراره صلى الله عليه وسلم، فهذا الذي جاء في الحديث لا يحتج به؛ لأن الحديث ضعيف. وأما السبحة فإنّ التسبيح بها مثل التسبيح بالحصا، وما جاء شيء يدل عليه، فمن أهل العلم من يقول: إنها بدعة. وأقل أحوالها أن يقال: إنها خلاف الأولى. فلا ينبغي للإنسان أن يستعملها، وإنما يسبح بأصابعه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح بأصابعه. ثم إن في استعمال السبحة محذوراً من جهة أخرى، وهو أن الإنسان تكون في يده السبحة، فقد يحركها ساهياً لاهياً، فمن يراه يظن أنه يسبح، فيكون محموداً بما لم يفعل، فاللائق بالمسلم أن لا يستعمل ذلك، وإنما يسبح بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسبح به. ومن الآثار التي وردت في التسبيح بالحصا أثر عبد الله بن مسعود الذي فيه أنه دخل المسجد يوماً من الأيام ووجد أناساً متحلقين وفي أيديهم حصا، وفيهم رجل يقول: سبحوا مائة، هللوا مائة، كبروا مائة. فيسبحون ويهللون، فوقف على رءوسهم وقال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة. فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير. أي إن قصدنا في هذا العمل طيب، فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه! فهذا أثر ثابت عن عبد الله بن مسعود ، أنكر عليهم هذا الفعل، وهو كونهم يسبحون تسبيحاً جماعياً بالحصا، وكل ذلك خلاف السنة، وقال: إن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، فإما أنكم أحسن منهم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة. وقد فهموا أنه لا يمكن أن يكونوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة، فعند ذلك قالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير. فقال: وكم من مريد للخير لم يصبه. ثم قال: عدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. وكون الإنسان يفعل هذا الفعل ليحصي ذكره بهذه الطريقة ليس بصحيح، فالله عز وجل يحصي ولا تخفى عليه خافية، والإنسان إذا سبح بدون حصا وبدون أن يعد بشيء لا يشرع لا يضيع أجره عند الله عز وجل، فليسبح ما شاء بدون أن يعد، والله تعالى يأجره على تسبيحه وتهليله وذكره لله سبحانه وتعالى. قوله: [ (فقال: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟! قال: قلت: بلى. قال: بينا أنا أوعك في المسجد إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل المسجد، فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ ثلاث مرات، فقال رجل: يا رسول الله! هو ذا يوعك في جانب المسجد. فأقبل يمشي حتى انتهى إلي، فوضع يده علي فقال لي معروفا، فنهضت، فانطلق يمشي حتى أتى مقامه الذي يصلي فيه) ]. أي أن أبا هريرة رضي الله عنه قال لضيفه الطفاوي الذي هو مجهول: ألا أحدثك حديثاً بما كان عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بلى. فقال: إني كنت في المسجد أوعك، أي: كان فيه ألم ومرض، فكان يوعك بسبب هذا المرض، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ يعني أبا هريرة ، فهو يسأل عنه، وكان المسجد فيه جماعة، فقال له رجل: هو ذاك يوعك. فقصده النبي صلى الله عليه وسلم وذهب إليه حتى جاء إليه فوضع يده عليه وقال معروفاً، أي: قال له قولاً معروفاً، ثم إنه انطلق ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى مقامه الذي يصلي فيه. قوله: [ فأقبل عليهم ومعه صفان من رجال وصف من نساء، أو صفان من نساء وصف من رجال ]. معناه أن معه رجالاً ونساء، صفان من رجال وصف من نساء أو العكس، شك من الراوي. قوله: [ (فقال: إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح القوم وليصفق النساء) ]. وهنا قابل بين القوم وبين النساء، فيكون المقصود بالقوم الرجال، وهذا كما جاء في القرآن في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11] فمقابلة القوم بالنساء تدل على أن المقصود بهم الرجال، وهنا في الحديث ذكر القوم في مقابلة النساء، فإذاً: يكون المقصود بهم الرجال. فـ(القوم) قد يراد بهم الرجال دون النساء إذا قوبلوا بالنساء، ويأتي ذكر القوم ويراد بهم مجموع الرجال والنساء، وهذا كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ [البقرة:54]، وقومه الرجال والنساء. قوله: [ (فليسبح القوم وليصفق النساء) ]. التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى، وإنما كان التسبيح للرجال والتصفيق للنساء لئلا يحصل الافتتان بأصواتهن، فيكون شأنهن عند التنبيه التصفيق، والرجال يسبحون فيقولون: سبحان الله. وهذا من الأحكام التي يفرق بها بين الرجال والنساء، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاءت نصوص تميز بين الرجال والنساء بأن الرحال يفعلون كذا وال تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في النهي عن التحدث بما يكون بين الرجل وأهله قوله: [ وقال موسى : حدثنا حماد عن الجريري عن أبي نضرة عن الطفاوي ]. يعني أن الإسناد الذي فيه موسى بن إسماعيل -وهو الطريق الثالث من الطرق الثلاث- ما قال فيه: شيخ من طفاوة. وإنما قال: الطفاوي فهذا هو الفرق بين الإسنادين؛ لأن الشيخين الأولين قالا: شيخ من طفاوة. وأما موسى بن إسماعيل فإنه قال: الطفاوي . نسبة إلى طفاوة. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا بشر ]. هو بشر بن المفضل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا مؤمل ]. هو مؤمل بن هشام اليشكري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا موسى ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وقد مر ذكره. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ كلهم عن الجريري عن أبي نضرة ]. الجريري هو سعيد بن إياس ، وأبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني شيخ من طفاوة ]. هذا الطفاوي مجهول لا يعرف الأسئلة حكم تطيب الرجل من طيب امرأته السؤال: هل يجوز للرجل أن يتطيب من طيب امرأته؟ الجواب: يجوز، ولا يعد تشبهاً بالنساء، ولا شك أن طيب الرجال هو الذي ينبغي للرجل أن يستعمله. حكم الائتمام بالمسبوق السؤال: هل تصح إمامة المسبوق؟ الجواب: يصح ذلك، فما دام أنه وجد المسبوق يصلي ودخل معه ووافق على أن يكون إماماً له وما رده، فلا بأس بذلك. حكم استعمال الحناء للنساء والرجال السؤال: هل يدخل في طيب النساء الحناء، فإن النساء يفعلنه في بلادنا في أرجلهن وأيديهن، فهل هو مما ظهر لونه وخفي ريحه؟ الجواب: الحناء ليس من الطيب، بل يتجمل به في الأيدي والأرجل، وتستعمله النساء فقط ولا يستعمله الرجال، وهو لا يستعمل للطيب، وإنما يستعمل للتجمل من ناحية اللون، والرجال يمكن لهم أن يستعملوه إذا كان يحتاجونه علاجاً. وقد يقال: إذا كان الحناء من أمور النساء فكيف يجوز للرجال أن يغيروا الشيب به؟! والجواب: أن النساء يستعملنه من أجل التجمل به في أيديهن وأرجلهن، وأما كونه يغير الشيب بالحناء والكتم فهذا لا بأس به، لأنه ليس كالتجمل الذي هو من خصائص النساء. حكم التنفل عند الإقامة السؤال: إذا كنت أصلي تحية المسجد فأقيمت الصلاة وأنا أصلي السنة، فمتى يجب علي قطعها ومتى لا يجب؟ الجواب: إذا كان المرء في أول صلاته النافلة فإنه يقطعها، وإذا كان في آخرها فإنه يتمها، والذي يبدو أن الركعة هي الحد الفاصل، فإذا جاوز الركعة الأولى فإنه يكون في آخرها، وأما إذا كان في الركعة الأولى فيقطعها. حكم وطء سبايا جهاد الدفع في هذا العصر السؤال: المجاهدون في الشيشان إذا حصلوا على غنائم وكان من ضمن تلك الغنائم النساء، فهل يعتبرن سبايا فيجوز وطؤهن إذا استبرئن بحيضة؟ الجواب: لا جهاد فيه سبي في هذا الزمان؛ لأن الجهاد الذي فيه السبي هو في وقت كون المسلمين أقوياء يذهبون إلى الكفار ليدعوهم إلى الدخول في الدين، وإذا لم يدخلوا فإنهم يأخذون منهم الجزية، وإذا لم يدفعوا الجزية قاتلوهم وسبوا نساءهم. وأما في هذا الزمان فالقوة للكفار على المسلمين، فالكفار أقوى من المسلمين، فهم الذين يستطيعون أن يأخذوا من شاءوا من المسلمات، فالضرر على المسلمين لا على الكفار. حكم من ينوي القصر مؤتماً بمقيم السؤال: رجل صلى مأموماً ونوى القصر ولكن الإمام أتم، فما حكمه؟ الجواب: ما دام أنه مسافر صلى خلف إمام أتم فإنه يجب عليه أن يتم، ولا يجوز له أن يقصر ولو كان قد نوى القصر، وتغيير النية هنا لا يؤثر." |
| الساعة الآن : 08:31 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour