ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=194124)

ابوالوليد المسلم 13-04-2020 05:07 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (400)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة القصصhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(30) الى الأية(37)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة القصص



" فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين "(30)
" فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " فأخبر بألوهيته, وربوبيته.
ويلزم من ذلك, أن يأمره بعبادته, وتألهه, كما صرح به في الآية الأخرى " فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي " .

" وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين " (31)
" وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ " فألقاها " فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ " تسعى سعيا شديدا, ولها سورة مُهِيلة " كَأَنَّهَا جَانٌّ " ذَكَرُ الحيات العظيم.
" وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ " أي: يرجع, لاستيلاء الروع على قلبه.
فقال اللّه له: " يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ " وهذا أبلغ ما يكون في التأمين, وعدم الخوف.
قإن قوله: " أَقْبِلْ " يقتضي الأمر بإقباله, ويجب عليه الامتثال.
ولكن قد يكون إقباله, وهو لم يزل في الأمر المخوف, فقال: " وَلَا تَخَفْ " أمر له بشيئين, إقباله, وأن لا يكون في قلبه خوف.
ولكن يبقى احتمال, وهو أنه, قد يقبل وهو غير خائف, ولكن لا تحصل له الوقاية والأمن من المكروه, فلذلك قال: " إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ " فحينئذ اندفع المحذور من جميع الوجوه.
فأقبل موسى عليه السلام, غير خائف, ولا مرعوب, بل مطمئنا, واثقا بخبر ربه, قد ازداد إيمانه, وتم يقينه.
فهذه آية, أراه اللّه إياها, قبل ذهابه إلى فرعون, ليكون على يقين تام, فيكون أجرا له, وأقوى وأصلب.

" اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين " (32)

ثم أراه الآية الأخرى فقال: " اسْلُكْ يَدَكَ " أي: أدخلها " فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ " فسلكها وأخرجها, كما ذكر اللّه تعالى.
" وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ " أي ضم جناحك وهو عضدك إلى جنبك ليزول عنك الرهب والخوف.
" فَذَانِكَ " أي: انقلاب العصا حية, وخروج اليد بيضاء من غير سوء.
" بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ " أي: حجتان قاطعتان من اللّه.
" إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " فلا يكفيهم مجرد الإنذار وأمر الرسول إياهم, بل لا بد من الآيات الباهرة, إن نفعت.

" قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون " (33)
" قَالَ " موسى عليه السلام, معتذرا من ربه, وسائلا له المعونة على ما حمله, وذاكرا له الموانع, التي فيه, ليزيل ربه ما يحذره منها.
" رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا " أي: " فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا ءا " أي: معاونا ومساعدا " يُصَدِّقُنِي " فإنه مع تضافر الأخبار, يقوى الحق " إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ " .

" قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " (35)
فأجابه اللّه إلى سؤاله فقال: " سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ " أي: نعاونك به ونقويك.
ثم أزال عنه محذور القتل, فقال: " وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا " أي: تسلطا, وتمكنا من الدعوة, بالحجة, والهيبة الإلهية من عدوهما " فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا " .
وذلك بسبب آياتنا, وما دلت عليه من الحق, وما أزعجت به من باشرها ونظر إليها.
فهي التي بها حصل لكما السلطان, واندفع بها عنكم, كيد عدوكم, وصارت لكم أبلغ من الجنود, أولي الْعَدَدِ والْعُدَدِ.
" أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ " وهذا وعد لموسى في ذلك الوقت, وهو وحده فريد, وقد رجع إلى بلده, بعد ما كان شريدا.
فلم تزل الأحوال تتطور, والأمور تنتقل, حتى أنجز له موعوده, ومكنه من العباد والبلاد, وصار له ولأتباعه, الغلبة والظهور.

" فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين " (36)
فذهب موسى برسالة ربه " فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ " واضحات الدلالة على ما قال لهم, ليس فيها قصور, ولا خفاء.
" قَالُوا " على وجه الظلم, والعلو, والعناد " مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى " كما قال فرعون في تلك الحال, التي ظهر فيها الحق, واستعلى على الباطل, واضمحل الباطل, وخضع له الرؤساء العارفون حقائق الأمور " إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ " (هذا, وهو الذكي غير الزكي الذي بلغ من المكر والخداع والكيد, ما قصه اللّه علينا وقد علم " مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " ولكن الشقاء غالب.
" وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ " وقد كذبوا في ذلك, فإن اللّه أرسل يوسف, قبل موسى كما قال تعالى " وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ " .

" وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون " (37)
" وَقَالَ مُوسَى " حين زعموا أن الذي جاءهم به سحر وضلال, وأن ما هم عليه هو الهدى: " رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ " .
أي: إذا لم تفد المقابلة معكم, وتبيين الآيات البينات, وأبيتم إلا التمادي في غيكم, واللجاج على كفركم, فاللّه تعالى العالم بالمهتدي وغيره, ومن تكون له عاقبة الدار, نحن أم أنتم " إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " .
فصار عاقبة الدار لموسى وأتباعه, والفلاح, والفوز.
وصار لأولئك, الخسار, وسوء العاقبة والهلاك.

ابوالوليد المسلم 13-04-2020 05:07 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (401)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة القصصhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(38) الى الأية(45)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة القصص



" وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين " (38)
" وَقَالَ فِرْعَوْنُ " متجرئا على ربه, ومموها على قومه السفهاء, ضعفاء العقول: " يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي " أي: أنا وحدي, إلهكم ومعبودكم.
ولو كان ثَمَّ إله غيري, لعلمته.
فانظر إلى هذا الورع التام من فرعون, حيث لم يقل " ما لكم من إله غيري " .
وهذا, لأنه عندهم, العالم الفاضل, الذي مهما قال, فهو الحق, ومهما أمر, أطاعوه.
فلما قال هذه المقالة, التي قد تحتمل أن ثَمَّ إلها غيره, أراد أن يحقق النفي, الذي جعل فيه ذلك الاحتمال, فقال لـ " هامان " : " فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ " ليجعل له لبنا من فخار.
" فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا " أي: بناء عاليا " لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ " .
ولكن سنحقق هذا الظن, ونريكم كذب موسى.
فانظر هذه الجراءة العظيمة, على اللّه, التي ما بلغها آدمي.
كذب موسى, وادَّعى أنه اللّه, ونفى أن يكون له علم بالإله الحق, وفعل الأسباب, ليتوصل إلى إله موسى, وكل هذا ترويج.
ولكن العجب من هؤلاء الملأ, الذين يزعمون أنهم كبار المملكة, المدبرون لشئونها, كيف لعب هذا الرجل بعقولهم, واستخف أحلامهم, وهذا لفسقهم, الذي صار صفة راسخة فيهم.
فسد دينهم, ثم تبع ذلك, فساد عقولهم, فنسألك اللهم, الثبات على الإيمان, وأن لا تزيغ قلوبنا, بعد إذ هديتنا, وأن تهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

" واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون " (39)
قال تعالى: " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ " استكبروا على عباد اللّه, وساموهم سوء العذاب, واستكبروا على رسل اللّه, وما جاءوهم به من الآيات.
فكذبوها, وزعموا أن ما هم عليه, أعلى منها وأفضل.
" وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ " فلذلك تجرأوا.
وإلا فلو علموا, وظنوا أنهم يرجعون إلى اللّه, لما كان منهم ما كان.


" فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين " (40)
" فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ " عندما استمر عنادهم وبغيهم " فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ " كانت شر العواقب وأخسرها عاقبة, أعقبتها العقوبة الدنيوية المستمرة, المتصلة بالعقوبة الأخروية.
" وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون " (41)
" وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ " أي جعلنا فرعون وملأه, من الأئمة, الذين يقتدي بهم, ويمشي خلفهم إلى دار الخزي والشقاء.
" وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ " من عذاب اللّه, فهم أضعف شيء, عن دفعه عن أنفسهم, وليس لهم من دون اللّه, من ولي ولا نصير.

" وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين " (42)

" وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً " أي: وأتبعناهم, زيادة في عقوبتهم وخزيهم, في الدنيا لعنة, يلعنون, ولهم عقد الخلق, الثناء القبيح, والمقت والذم.
وهذا أمر مشاهد, فهم أئمة الملعونين في الدنيا, ومقدمتهم.
" وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ " المبعدين, المستقذرة أفعالهم.
الذين اجتمع عليهم مقت اللّه, ومقت خلقه, ومقت أنفسهم.

" ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون " (43)
" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ " وهو التوراة " مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى " الذين كان خاتمتهم, في الإهلاك العام, فرعون وجنوده.
وهذا دليل على أنه بعد نزول التوراة, انقطع الهلاك العام, وشرع جهاد الكفار بالسيف.
" بَصَائِرَ لِلنَّاسِ " أي: كتاب اللّه, الذي أنزله على موسى, فيه بصائر للناس, أي: أمور يبصرون بها, ما ينفعهم, وما يضرهم, فتقوم الحجة على العاصي, وينتفع بها المؤمن, فتكون رحمة في حقه, وهداية إلى الصراط المستقيم, ولهذا قال: " وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " .
ولما قص اللّه على رسوله, ما قص من هذه الأخبار الغيبية, نبه العباد, على أن هذا خبر إلهي محض, ليس للرسول, طريق إلى علمه, إلا من جهة الوحي, ولهذا قال:

" وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "(44)
" وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ " أي: بجانب الطور الغربي " إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ " على ذلك, حتى يقال: إنه وصل إليك من هذا الطريق.
" ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "(45)
" وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ " فاندرس العلم, ونسيت آياته.
فبعثناك في وقت اشتدت الحاجة إليك, وإلى ما علمناك, وأوحينا إليك.
" وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا " أي: مقيما " فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا " أي: تعلمهم, وتتعلم منهم, حتى أخبرت بما أخبرت, من شأن موسى في مدين.
" وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ " أي: ولكن ذلك الخبر, الذي جئت به عن موسى, أثر من آثار إرسالنا إياك, وَوَحْيٌ لا سبيل لك إلى علمه, بدون إرسالنا.




ابوالوليد المسلم 13-04-2020 05:08 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (402)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة القصصhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(46) الى الأية(51)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة القصص



" وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون " (46)
" وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا " موسى, وَأمرناه أن يأتي القوم الظالمين, ويبلغهم رسالتنا, ويريهم من آياتنا وعجائبنا, ما قصصنا عليك.
والمقصود, أن الما جريات, التي جرت لموسى, عليه الصلاة والسلام, في هذه الأماكن, فقصصتها كما هي, من غير زيادة ولا نقص, لا يخلو من أحد أمرين.
إما أن تكون حضرتها وشاهدتها, أو ذهبت إلى محالِّها, فتعلمتها من أهلها.
فحينئذ قد لا يدل ذلك, على أنك رسول اللّه, إذ الأمور التي يخبر بها عن شهادة ودراسة, من الأمور المشتركه, غير المختصة بالأنبياء.
ولكن هذا قد عُلِمَ وتُيُقِّن أنه ما كان وما صار.
فأولياؤك وأعداؤك, يعلمون عدم ذلك.
فتعين الأمر الثاني, وهو: أن هذا جاءك من قِبَلِ اللّه ووحيه وإرساله.
فثبت بالدليل القطعي, صحة رسالتك, ورحمة اللّه بك للعباد, ولهذا قال: " وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ " أي: العرب, وقريش, فإن الرسالة عندهم, لا تعرف وقت إرسال الرسول وقبله بأزمان متطاولة.
" لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " تفصيل الخير, فيفعلونه, والشر فيتركونه.
فإذا كنت بهذه المنزلة, كان الواجب عليهم, المبادرة إلى الإيمان بك, وشكر هذه النعمة, التي لا يقادر قدرها, ولا يدرك شكرها.
وإنذاره للعرب, لا ينفي, أن يكون مرسلا لغيرهم, فإنه عربي, والقرآن الذي نزل عليه, عربي, وأول من باشر بدعوته, العرب.
فكانت رسالته لهم أصلا, ولغيرهم تبعا, كما قال تعالى " أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ " " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا " .

" ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين "(47)
" وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ " من الكفر والمعاصي " فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " أي: فأرسلناك يا محمد, لدفع حجتهم, وقطع مقالتهم.

" فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون " (48)
" فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ " الذي لا شك فيه " مِنْ عِنْدِنَا " وهو القرآن, الذي أوحيناه إليك " قَالُوا " مكذبين له, ومعترضين بما ليس يعترض به: " لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى " أي أنزل عليه كتاب من السماء جملة واحدة.
أي: فأما ما دام ينزل متفرقا, فإنه ليس من عند اللّه.
وأي دليل في هذا؟ وأي شبهة أنه ليس من عند اللّه, حين نزل مفرقا؟ بل من كمال هذا القرآن, واعتناء اللّه بمن أنزل عليه, أن نزل متفرقا, ليثبت اللّه به فؤاد رسوله, ويحصل زيادة الإيمان للمؤمنين.
" وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا " .
وأيضا, فإن قياسهم على كتاب موسى, قياس قد نقضوه, فكيف يقيسونه على كتاب كفروا به, ولم يؤمنوا؟ ولهذا قال " أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا " أي: القرآن والتوراة, تعاونا في سحرهما, وإضلال الناس " وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ " .
فثبت بهذا, أن القوم يريدون إبطال الحق, بما ليس ببرهان, وينقضونه بما لا ينقض, ويقولون الأقوال المتناقضة المختلفة, وهذا شأن كل كافر.
ولهذا صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين " وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ " .
ولكن هل كفرهم بهما, كان طلبا للحق, واتباعا لأمر عندهم, خير منهما, أم مجرد هوى؟

" قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين " (49)

قال تعالى ملزما لهم بذلك: " قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا " أي من التوراة والقرآن " أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " ولا سبيل لهم, ولا لغيرهم, أن يأتوا بمثلهما, فإنه ما طرق العالم, منذ خلقه اللّه, مثل هذين الكتابين, علما, وهدى, وبيانا, ورحمة للخلق.
وهذا من كمال الإنصاف من الداعي أن قال: مقصودي, الحق والهدى والرشد.
وقد جئتكم بهذا الكتاب, المشتمل على ذلك, الموافق لكتاب موسى.
فيجب علينا جميعا الإذعان لهما, واتباعهما, من حيث كونهما هدى وحقا.
فإن جئتموني بكتاب من عند اللّه, هو أهدى منهما, اتبعته.
وإلا, فلا أترك هدى وحقا قد علمته لغير هدى وحق.

" فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين " (50)

" فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ " فلم يأتوا بكتاب أهدى منهما " فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ " أي: فاعلم أن تركهم اتباعك, ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه, ولا إلى هدى, وإنما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم.
" وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ " فهذا من أضل الناس, حيث عرض عليه الهدى, والصراط المستقيم, الموصل إلى اللّه وإلى دار كرامته, فلم يلتفت إليه, ولم يقبل عليه.
ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء, فاتبعه, وترك الهدى.
فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟!! ولكن ظلمه وعدوانه, وعدم محبته للحق, هو الذي أوجب له: أن يبقى على ضلاله ولا يهديه اللّه, فلهذا قال: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " أي: الذي صار الظلم لهم وصفا والعناد لهم نعتا, جاءهم الهدى فرفضوه, وعرض لهم الهوى, فتبعوه.
سدوا على أنفسهم أبواب الهداية وطرقها, وفتحوا عليهم أبواب الغواية وسبلها.
فهم في غيهم وظلمهم يعمهون, وفي شقائهم وهلاكهم, يترددون.
وفي قوله: " فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ " دليل على أن كل من لم يستجب للرسول, وذهب إلى قول مخالف لقول الرسول, فإنه لم يذهب إلى هدى, وإنما ذهب إلى هوى.

" ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون " (51)

" وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ " أي: تابعناه وواصلناه, وأنزلناه شيئا فشيئا, رحمة بهم ولطفا " لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " حين تتكرر عليهم آياته, وتنزل عليهم بيناته وقت الحاجة إليها.
فصار نزوله متفرقا, رحمة بهم, فلم اعترضوا على ما هو من مصالحهم؟ فصل في ذكر بعض الفوائد والعبر في هذه القصة العجيبة فمنها أن آيات اللّه وعبره, وأيامه في الأمم السابقة, إنما يستفيد بها ويستنير, المؤمنون, فعلى حسب إيمان العبد, تكون عبرته.
وإن اللّه تعالى إنما يسوق القصص, لأجلهم.
وأما غيرهم, فلا يعبأ اللّه بهم, وليس لهم منها نور وهدى.
ومنها: أن اللّه تعالى, إذا أراد أمرا, هيأ أسبابه, وأتى بها شيئا فشيئا بالتدريج, لا دفعة واحدة.
ومنها: أن الأمة المستضعفة, ولو بلغت في الضعف ما بلغت, لا ينبغي لها أن يستولى عليها الكسل, عن طلب حقها, ولا الإياس من ارتقائها إلى أعلى الأمور, خصوصا إذا كانوا مظلومين, كما استنقذ اللّه, أمة بني إسرائيل, الأمة الضعيفة, من أسر فرعون وملإه, ومكنهم في الأرض, وملكهم بلادهم.
ومنها: أن الأمة ما دامت ذليلة مقهورة, لا تأخذ حقها, ولا تتكلم به, لا يقوم لها أمر دينها ولا دنياها, ولا يكون لها إمامة فيه.
ومنها: لطف اللّه بأم موسى, وتهوينه عليها المصيبة, بالبشارة, بأن اللّه سيرد إليها ابنها, ويجعله من المرسلين.
ومنها: أن اللّه يقدر على عبده بعض المشاق, لينيله سرورا أعظم من ذلك, أو يدفع عنه شرا أكثر منه.
كما قدر على أم موسى, ذلك الحزن الشديد, والهم البليغ, الذي هو وسيلة إلى أن يصل إليها ابنها, على وجه تطمئن به نفسها, وتقربه عينها, وتزداد به غبطة وسرورا.
ومنها: أن الخوف الطبيعي من الخلق, لا ينافي الإيمان ولا يزيله, كما جرى لأم موسى, ولموسى من تلك المخاوف.
ومنها: أن الإيمان يزيد وينقص.
وأن من أعظم ما يزيد به الإيمان, ويتم به اليقين, الصبر عند المزعجات, والتثبيت من اللّه, عند المقلقات, كما قال تعالى.
" لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " أي: ليزداد إيمانها بذلك, ويطمئن قلبها.
ومنها: أن من أعظم نعم اللّه عبده, وأعظم معونة للعبد على أموره, تثبيت اللّه إياه, وربط جأشه وقلبه عند المخاوف, وعند الأمور المذهلة, فإنه بذلك, يتمكن من القول الصواب, والفعل الصواب.
بخلاف من استمر قلقه وروعه, وانزعاجه, فإنه يضيع فكره, ويذهل عقله, فلا ينتفع بنفسه في تلك الحال.
منها: أن العبد - ولو عرف أن القضاء والقدر, ووعد اللّه نافذ لا بد منه - فإنه لا يهمل فعل الأسباب, التي أمر بها, ولا يكون ذلك منافيا لإيمانه بخبر اللّه.
فإن اللّه قد وعد أم موسى, أن يرده عليها, ومع ذلك, اجتهدت في رده, وأرسلت أخته لتقصه وتطلبه.
ومنها: جواز خروج المرأة في حوائجها, وتكليمها للرجال, من غير محذور, كما جرى لأخت موسى, وابنتي صاحب مدين.
ومنها: جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع, والدلالة على من يفعل ذلك.
ومنها: أن اللّه من رحمته بعبده الضعيف, الذي يريد إكرامه, أن يريه من آياته, ويشهده من بيناته, ما يزيد به إيمانه, كما رد الله موسى إلى أمه, لتعلم أن وعد اللّه حق.
ومنها: أن قتل الكافر, الذي له عهد بعقد أو بعرف, لا يجوز.
فإن موسى عليه السلام عدَّ قتله القبطي الكافر, ذنبا, واستغفر اللّه منه.
ومنها: أن الذي يقتل النفوس بغير حق, يعد من الجبارين, الذين يفسدون في الأرض.
ومنها: أن من قتل النفوس بغير حق, وزعم أنه يريد الإصلاح في الأرض, وتهييب أهل المعاصي, فإنه كاذب في ذلك, وهو مفسد كما حكى اللّه قول القبطي " إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ " على وجه التقرير له, لا الإنكار.
ومنها: أن إخبار الرجل غيره بما قيل فيه, على وجه التحذير له, من شر, يقع, فيه, لا يكون ذلك نميمة - بل قد يكون واجبا - كما أخبر ذلك الرجل موسى, ناصحا له ومحذرا.
ومنها: أنه إذا خاف القتل والتلف في الإقامة, فإنه لا يلقي بيده إلى التهلكة, ولا يستسلم لذلك, بل يذهب عنه, كما فعل موسى.
ومنها: أنه عند تزاحم المفسدتين, إذا كان لا بد من ارتكاب إحداهما فإنه يرتكب الأخف منهما, والأسلم.
كما أن موسى, لما دار الأمر بين بقائه في مصر, ولكنه يقتل, أو يذهب إلى بعض البلدان البعيدة, التي لا يعرف الطريق إليها, وليس معه دليل يدله غير ربه, ولكن هذه الحالة أرجى للسلامة من الأول, فتبعها موسى.
ومنها: أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه, إذا لم يترجح عنده أحد القولين, فإنه يستهدي ربه, ويسأله أن يهديه الصواب من القولين, بعد أن يقصد بقلبه الحق, ويبحث عنه, فإن اللّه لا يخيب مَنْ هذه حاله.
كما خرج موسى تلقاء مدين فقال: " عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ " .
ومنها: أن الرحمة بالخلق, والإحسان على من يعرف ومن لا يعرف, من أخلاق: الأنبياء, وأن من الإحسان سقي الماشية الماء, وإعانة العاجز.
ومنها استحباب الدعاء, بتبيين الحال وشرحها, ولو كان اللّه عالما لها.
لأنه تعالى, يحب تضرع عبده وإظهار ذله ومسكنته, كما قال موسى: " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ " .
ومنها أن الحياء - خصوصا من الكرام - من الأخلاق الممدوحة.
ومنها: المكافأة على الإحسان, لم يزل دأب الأمم السابقين.
ومنها: أن العبد إذا عمل العمل للّه تعالى, ثم حصل له مكافأة عليه, من غير قصد بالقصد الأول, فإنه لا يلام على ذلك, كما قبل موسى مجازاة صاحب مدين, عن معروفه الذي لم يبتغ له, ولم يستشرف بقلبه على عوض.
ومنها مشروعية الإجارة, وأنها تجوز على رعاية الغنم ونحوها, مما لا يقدر به العمل, وإنما مرده, العرف.
ومنها أنه تجوز الإجارة بالمنفعة, ولو كانت المنفعة بضعا.
ومنها أن خطبة الرجل لابنته الذي يتخيره, لا يلام عليه.
ومنها: أن خير أجير وعامل يعمل للإنسان, أن يكون قويا أمينا.
ومنها: أن من مكارم الأخلاق, أن يُحَسِّن خلقه, لأجيره, وخادمه, ولا يشق عليه بالعمل لقوله: " وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ " .
ومنها: جواز عقد الإجارة وغيرها من العقود, من دون إشهاد لقوله: " وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ " .
ومنها: ما أجرى اللّه على يد موسى من الآيات البينات, والمعجزات الظاهرة, من الحية, وانقلاب يده بيضاء من غير سوء, ومن عصمة اللّه لموسى وهارون, من فرعون, ومن الغرق.
ومنها: أن من أعظم العقوبات أن يكون الإنسان إماما في الشر, وذلك بحسب معارضته لآيات اللّه وبيناته.
كما أن من أعظم نعمة, أنعم اللّه بها على عبده, أن يجعله إماما في الخير هاديا مهديا.
ومنها: ما فيها من الدلالة, على رسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم, حيث أخبر بذلك تفصيلا, وتأصيلا موافقا, قصه قصا, صدق به المرسلين; وأيد به الحق المبين, من غير حضور شيء من تلك الوقائع; ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع; ولا تلاوة درس فيها شيئا من هذه الأمور; ولا مجالسة أحد من أهل العلم; إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم; ووحي أنزله عليه الكريم المنان; لينذر به قوما جاهلين; وعن النذر والرسل غافلين.
فصلوات اللّه وسلامه; على من مجرد خبره ينبئ أنه رسول اللّه; ومجرد أمره ونهيه ينبه العقول النيرة; أنه من عند اللّه.
كيف وقد تطابق على صحة ما جاء به; وصدقه خبر الأولين والآخرين.
والشرع الذي جاء به من رب العالمين, وما جبل عليه من الأخلاق الفاضلة; التي لا تناسب; ولا تصلح إلا لأعلى الخلق درجة; والنصر المبين لدينه وأمته.
حتى بلغ دينه; مبلغ الليل والنهار; وفتحت أمته معظم بلدان الأمصار; بالسيف والسنان, وقلوبهم بالعلم والإيمان.
ولم تزل الأمم المعاندة; والملوك الكفرة; ترميه بقوس واحدة; وتكيد له المكايد; وتمكن لإطفائه; وإخفائه; وإخماده من الأرض وهو قد بهرها وعلاها.
لا يزداد إلا نموا, ولا آياته وبراهينه, إلا ظهورا.
وكل وقت من الأوقات, يظهر من آياته, ما هو عبرة لِلْعَالَمِينَ, وهداية لِلْعَالمِينَ, ونور وبصيرة للمتوسمين.
والحمد للّه وحده.

ابوالوليد المسلم 13-04-2020 05:08 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (403)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة القصصhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(52) الى الأية(58)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة القصص



" الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون " (52)
يذكر تعالى, عظمة القرآن, وصدقه, وحقه, وأن أهل العلم بالحقيقة, يعرفونه, ويؤمنون به, ويقرون بأنه الحق: " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ " وهم أهل التوراة, والإنجيل, الذين لم يغيروا, ولم يبدلوا " هُمْ بِهِ " أي: بهذا القرآن, ومن جاء به " يُؤْمِنُونَ " .
" وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين " (53)
" وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ " استمعوا له, وأذعنوا و " قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا " لموافقته ما جاءت به الرسل, ومطابقته لما ذكر في الكتب, واشتماله على الأخبار الصادقة, والأوامر والنواهي الموافقة, لغاية الحكمة.
وهؤلاء, الذين تفيد شهادتهم, وينفع قولهم, لأنهم لا يقولون ما يقولون, إلا عن علم وبصيرة, لأنهم أهل الخبرة, وأهل الكتب.
وغيرهم لا يدل ردهم, ومعارضتهم للحق, على شبهة, فضلا عن الحجة, لأنهم ما بين جاهل فيه أو متجاهل معاند للحق.
قال تعالي: " قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا " الآيات.
وقوله " إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ " فلذلك ثبتنا على ما مَنَّ اللّه به علينا من الإيمان والإسلام, فصدقنا بهذا القرآن, آمنا بالكتاب الأول, والكتاب الآخر.
وغيرنا ينقض تكذيبه بهذا الكتاب, إيمانه بالكتاب الأول.

" أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون "(54)
" أُولَئِكَ " الذين آمنوا بالكتابين " يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ " أجرا على الإيمان الأول, وأجرا على الإيمان الثاني.
" بِمَا صَبَرُوا " على الإيمان, وثبتوا على العمل, فلم تزعزعهم عن ذلك, شبهة, ولا ثناهم عن الإيمان, رياسة ولا شهوة.
ومن خصالهم الفاضلة, التي هي من آثار إيمانهم الصحيح, أنهم " وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ " أي: دأبهم وطريقتهم, الإحسان لكل أحد, حتى للمسيء إليهم, بالقول والفعل, يقابلونه بالقول الحميد, والفعل الجميل, لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم, وأنه لا يوفق له إلا ذو حظ عظيم.

" وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين " (55)

" وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ " من جاهل خاطبهم به, أعرضوا عنه, و " قَالُوا " مقالة عباد الرحمن أولي الألباب: " لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ " .
أي: كُلٌّ سَيُجازَى بعمله, الذي عمله وحده, ليس عليه من وزر غيره شيء.
ولزم من ذلك, أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون, من اللغو والباطل, والكلام الذي لا فائدة فيه.
" سَلَامٌ عَلَيْكُمْ " أي لا تسمعون منا إلا الخير, ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم.
فإنكم, وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم, فإننا ننزه أنفسنا عنه, ونصونها عن الخوض فيه.
" لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ " من كل وجه.

" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين " (56)
يخبر تعالى أنك يا محمد - وغيرك من باب أولى - لا تقدر على هداية أحد, ولو كان من أحب الناس إليك.
فإن هذا, أمر غير مقدور للخلق هداية للتوفيق, وخلق الإيمان في القلب, وإنما ذلك بيد اللّه تعالى, يهدي من يشاء, وهو أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه, ممن لا يصلح لها, فيبقيه على ضلاله.
وأما إثبات الهداية للرسول في قوله تعالى: " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " فتلك هداية البيان والإرشاد.
فالرسول يبين الصراط المستقيم, ويرغب فيه, ويبذل جهده في سلوك الخلق له.
وأما كونه يخلق في قلوبهم الإيمان, ويوفقهم بالفعل, فحاشا وكلا.
ولهذا لو كان قادرا عليها, لهدى من وصل إليه إحسانه, ونصره, ومنعه من قومه, عمه أبا طالب, ولكنه أوصل إليه من الإحسان بالدعوة له للدين والنصح التام, ما هو أعظم مما فعله معه عمه, ولكن الهداية بيد اللّه.

" وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون " (57)
يخبر تعالى أن المكذبين من قريش, وأهل مكة, يقولون للرسول صلى اللّه عليه وسلم: " إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا " بالقتل والأسر, ونهب الأموال.
فإن الناس قد عادوك وخالفوك, فلو تابعناك, لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم, ولم يكن لنا بهم طاقة.
وهذا الكلام منهم, يدل على سوء الظن باللّه تعالى, وأنه لا ينصر دينه, ولا يعلي كلمته.
بل يمكن الناس من أهل دينه, فيسومونهم سوء العذاب, وظنوا أن الباطل سيعلو على الحق.
قال اللّه - مبينا لهم حالة, هم بها دون الناس, وأن اللّه اختصهم بها فقال: " أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا " .
أي: أولم نجعلهم متمكنين, ممكنين في حرم, يكثر المنتابون إليه, ويقصده الزائرون, قد احترمه القريب والبعيد, فلا يهاج أهله, ولا ينتقصون بقليل ولا كثير.
والحال أن كل ما حولهم من الأماكن, قد حف بها الخوف من كل جانب, وأهلها غير آمنين ولا مطمئنين.
فَلْيَحْمَدُوا ربهم على هذا الأمن التام, الذي ليس فيه غيرهم, وعلى الرزق الكثير, الذي يجيء إليهم من كل مكان, من الثمرات, والأطعمة, والبضائع, ما به يرتزقون ويتوسعون.
ولْيَتَّبِعُوا هذا الرسول الكريم, ليتم لهم الأمن والرغد.

" وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين " (58)
وإياهم وتكذيبه, والبطر بنعمته, فيبدلوا من بعد أمنهم خوفا, وبعد عزهم ذلا, وبعد غناهم فقرا, ولهذا توعدهم بما فعل بالأمم قبلهم, فقال: " وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا " أي: فخرت بها, وألهتها, واشتغلت بها عن الإيمان بالرسل, فأهلكهم اللّه, وأزال عنهم النعمة, وأحل بهم النقمة.
" فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا " لتوالي الهلاك والتلف عليهم, وإيحاشها من بعدهم.
" وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ " للعباد, نميتهم, ثم يرجع إلينا جميع ما متعناهم به من النعم, ثم نعيدهم إلينا, فنجازيهم بأعمالهم.




ابوالوليد المسلم 13-04-2020 05:09 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (404)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة القصصhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(59) الى الأية(63)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة القصص



" وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون "(59)
ومن حكمته ورحمته, أن لا يعذب الأمم, بمجرد كفرهم, قبل إقامة الحجة عليهم, بإرسال الرسل إليهم, ولهذا قال: " وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى " أي بكفرهم وظلمهم " حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا " أي: في القرية والمدينة التي إليها يرجعون, ونحوها يترددون, وكل ما حولها ينتجعها, ولا تخفى عليهم أخبارها.
" رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا " الدالة على صحة ما جاء به, وصدق ما دعا إليه.
فيبلغ قوله قاصيهم ودانيهم.
بخلاف بعث الرسل في القرى البعيدة, والأطراف النائية, فإن ذلك, مظنة الخفاء والجفاء, والمدن الأمهات, مظنة الظهور والانتشار, وفي الغالب أنهم أقل جفاء من غيرهم.
" وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ " بالكفر والمعاصي, مستحقون للعقوبة.
والحاصل, أن اللّه لا يعذب أحدا إلا بظلمه, وإقامة الحجة عليه.


" وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون " (60)
هذا حض منه تعالى لعباده, على الزهد في الدنيا, وعدم الاغترار بها, وعلى الرغبة في الأخرى, وجعلها مقصود العبد ومطلوبه.
ويخبرهم أن جميع ما أوتيه الخلق, من الذهب, والفضة, والحيوانات والأمتعة, والنساء, والبنين, والمآكل, والمشارب, واللذات, كلها متاع الحياة الدنيا وزينتها.
أي: يتمتع به وقتا قصيرا, متاعا قاصرا, محشوا بالمنغصات, ممزوجا بالغصص.
ويتزين به زمانا يسيرا, للفخر والرياء, ثم يزول ذلك سريعا, وينقضي جميعا, ولم يستفد صاحبه منه إلا الحسرة والندم, والخيبة والحرمان.
" وَمَا عِنْدَ اللَّهِ " من النعيم المقيم, والعيش السليم " خَيْرٌ وَأَبْقَى " أي: أفضل في وصفه وكميته, وهو دائم أبدا, ومستمر سرمدا.
" أَفَلَا تَعْقِلُونَ " أي: أفلا تكون لكم عقول, بها تزنون أي الأمرين أولى بالإيثار, وأي الدارين أحق للعمل لها.
فدل ذلك أنه بحسب عقل العبد, يؤثر الأخرى على الدنيا, وأنه ما آثر أحد الدنيا, إلا لنقص في عقله.
ولهذا نبه العقول على الموازنة, بين عاقبة مؤثر الدنيا, ومؤثر الآخرة فقال:

" أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين " (61)
" أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ " أي: هل يستوي مؤمن, ساع للآخرة سعيها قد عمل على وعد ربه له, بالثواب الحسن, الذي هو الجنة, وما فيها من النعيم العظيم, فهو لاقيه, من غير شك, ولا ارتياب لأنه وعد من كريم, صادق الوعد, لا يخلف الميعاد, لعبد قام بمرضاته, وجانب سخطه.
" كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " فهو يأخذ فيها, ويعطي, ويأكل ويشرب, ويتمتع كما تتمتع البهائم.
قد اشتغل بدنياه عن آخرته, ولم يرفع بهدى الله رأسا, ولم ينقد للمرسلين.
فهو لا يزال كذلك, لا يتزود من دنياه إلا الخسار والهلاك.
" ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ " للحساب وقد علم أنه لم يقدم خيرا لنفسه, وإنما قدم جميع ما يضره, وانتقل إلى دار الأعمال.
فما ظنكم بما يصير إليه؟ وما تحسبون ما يصنع به؟.
فليختر العاقل لنفسه, ما هو أولى بالاختيار, وأحق الأمرين بالإيثار.

" ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون " (62)
هذا إخبار من اللّه تعالى, عما يسأل عنه الخلائق يوم القيامة, وأنه يسألهم عن أصول الأشياء, عن عبادة اللّه, وإجابة رسله فقال: " وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ " أي: ينادي من أشركوا به شركاء, يعبدونهم, ويرجون نفعهم, ودفع الضرر عنهم, فيناديهم, ليبين لهم عجزها, وضلالهم.
" فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ " , وليس للّه شريك, ولكن ذلك بحسب زعمهم وافترائهم.
ولهذا قال: " الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ " فأين هم, بذواتهم, وأين نفعهم وأين دفعهم؟ ومن المعلوم أنهم يتبين لهم في تلك الحال, أن الذي عبدوه, ورجوه باطل, مضمحل في ذاته, وما رجوا منه, فيقولون أي: يحكمون على أنفسهم بالضلالة والغواية.

" قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون "(63)
ولهذا " قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ " من الرؤساء والقادة, في الكفر والشر, مقرين بغوايتهم وإغوائهم: " رَبَّنَا هَؤُلَاءِ " التابعون " الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا " .
أي: كلنا قد اشترك في الغواية, وحق عليه كلمة العذاب.
" تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ " من عبادتهم, أي: نحن برآء منهم, ومن عملهم.
" مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ " وإنما كانوا يعبدون الشياطين.




ابوالوليد المسلم 22-04-2020 04:36 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (405)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة القصصhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(64) الى الأية(75)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة القصص



" وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون " (64)
" وَقِيلَ " لهم: " ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ " على ما أملتم فيهم, من النفع.
فأمروا بدعائهم في ذلك الوقت الحرج, الذي يضطر فيه العابد إلى من عبده.
" فَدَعَوْهُمْ " لينفعوهم, أو يدفعوا عنهم من عذاب اللّه من شيء.
" فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ " فعلم الذين كفروا, أنهم كانوا كاذبين, مستحقين للعقوبة.
" وَرَأَوُا الْعَذَابَ " الذي سيحل بهم عيانا, بأبصارهم بعد ما كانوا مكذبين به, منكرين له.
" لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ " أي: لما حصل عليهم ما حصل, ولهدوا إلى صراط الجنة, كما اهتدوا في الدنيا, ولكن لم يهتدوا, فلم يهتدوا.

" ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين " (65)
" وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ " , هل صدقتموهم, واتبعتموهم أم كذبتموهم وخالفتموهم؟
" فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون " (66)
" فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ " أي: لم يحيروا عن هذا السؤال جوابا, ولم يهتدوا إلى الصواب.
ومن المعلوم; أنه لا ينجى في هذا الموضع; إلا التصريح بالجواب الصحيح; المطابق لأحوالهم; من أننا أجبناهم بالإيمان; والانقياد.
ولكن لما علموا تكذيبهم لهم وعنادهم لأمرهم; لم ينطقوا بشيء.
ولا يمكن أن يتساءلوا; ويتراجعوا بينهم; فبماذا يجيبون به; ولو كان كذبا.

" فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين " (67)
لما ذكر تعالى سؤال الخلق عن معبودهم; وعن رسلهم; ذكر الطريق, الذي ينجو به العبد, من عقاب اللّه تعالى, وأنه لا نجاة إلا لمن اتصف بالتوبة عن الشرك والمعاصي, وآمن باللّه فعبده, وآمن برسله, فصدقهم, وعمل صالحا; متبعا فيه للرسل.
" فَعَسَى أَنْ يَكُونَ " من جمع هذه الخصال " مِنَ الْمُفْلِحِينَ " الناجحين بالمطلوب; الناجين من المرهوب.
فلا سبيل إلى الفلاح بدون هذه الأمور.

" وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون " (68)
هذه الآيات; فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات; ونفوذ مشيئته بجميع البريات; وانفراده باختيار من يختاره ويختصه; من الأشخاص; والأوامر والأزمان, والأماكن.
وأن أحدا; ليس له من الأمر والاختيار شيء.
وأنه تعالى; منزه عن كل ما يشركون به.
من الشريك; والظهير والعوين; والولد; والصاحبة; ونحو ذلك; مما أشرك به المشركون.
وأنه العالم بما أكنته الصدور, وما أعلنوه.
وأنه وحده, المعبود المحمود; في الدنيا والآخرة; على ماله من صفات الجلال والجمال; وعلى ما أسداه إلى خلقه من الإحسان والإفضال.
وأنه هو الحاكم في الدارين: في الدنيا; بالحكم القدري; الذي أثره جميع ما خلق وذرأ, والحكم الديني, الذي أثره جميع الشرائع, والأوامر والنواهي.
وفي الآخرة يحكم بحكمه القدري والجزائي, ولهذا قال: " وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " فيجازي كلا منكم بعمله, من خير وشر.

" قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون " (71)
هذا امتنان من اللّه على عباده, يدعوهم به إلى شكره, والقيام بعبوديته وحقه, أن جعل لهم من رحمته, النهار ليبتغوا من فضل اللّه, وينتشروا لطلب أرزاقهم ومعايشهم, في ضيائه, والليل ليهدأوا فيه ويسكنوا, وتستريح أبدانهم وأنفسهم, من تعب التصرف في النهار, قهذا من فضله ورحمته بعباده.
فهل أحد يقدر على شيء من ذلك؟ و " إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ " مواعظ اللّه وآياته, سماع فهم وقبول, وانقياد.
و " إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " مواقع العبر; ومواضع الآيات فتستنير في بصائركم, وتسلكوا الطريق المستقيم.
وقال في الليل " أَفَلَا تَسْمَعُونَ " وفي النهار " أَفَلَا تُبْصِرُونَ " .
لأن سلطان السمع في الليل, أبلغ من سلطان البصر, وعكسه النهار.
وفي هذه الآيات, تنبيه إلى أن العبد ينبغي له أن يتدبر نعم اللّه عليه, ويستبصر فيها; ويقيسها بحال عدمها.
فإنه إذا وازن بين حالة وجودها, وبين حالة عدمها; تنبه عقله لموضع المنة.
بخلاف من جرى مع العوائد, ورأى أن هذا أمر, لم يزل مستمرا, ولا يزال.
وعمى قلبه عن الثناء على اللّه, بنعمه, ورؤية افتقاره إليها في كل وقت.
فإن هذا, لا يحدث له فكرة شكر, ولا ذكر.

" ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون " (74)
أي: ويوم ينادي اللّه المشركين به, العادلين به غيره, الذين يزعمون أن له شركاء, يستحقون أن يعبدوا, وينفعون ويضرون.
فإذا كان يوم القيامة وأراد اللّه أن يظهر جراءتهم وكذبهم في زعمهم وتكذيبهم لأنفسهم " يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ " أي: بزعهم, لا بنفس الأمر كما قال: " وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ "

" ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون " (75)
فإذا حضروا, هم وإياهم, نزع اللّه " مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ " من الأمم المكذبة " شَهِيدًا " يشهد على ما جرى في الدنيا, من شركهم واعتقادهم, وهؤلاء بمنزلة المنتخبين.
أي: انتخبنا من رؤساء المكذبين, من يتصدى للخصومة عنهم, والمجادلة عن إخوانهم, وهم على طريق واحد.
فإذا برزوا للمحاكمة " فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ " أي: حجتكم ودليلكم, على صحة شرككم.
هل أمرناكم بذلك؟ هل أمرتكم رسلي؟ هل وجدتم ذلك في شيء من كتبي؟ هل فيهم أحد يستحق شيئا من الإلهية؟ هل ينفعوكم, أو يدفعون عنكم من عذاب اللّه, أو يغنون عنكم؟ فليفعلوا, إذا كان فيهم أهلية, وليروكم, إن كان لهم قدرة.
" فَعَلِمُوا " حينئذ, بطلان قولهم وفساده, و " أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ " تعالى: قد توجهت عليهم الخصومة, وانقطعت حجتهم, وأفلحت حجة اللّه.
" وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " من الكذب, والإفك, واضمحل, وتلاشى, وعدم.
وعلموا أن اللّه قد عدل فيهم, حيث لم يضع العقوبة, إلا بمن استحقها, واستأهلها




ابوالوليد المسلم 22-04-2020 04:37 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة 406)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة القصصhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(76) الى الأية(82)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة القصص



" إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " (76)
يخبر تعالى, عن حالة قارون, وما فعل, وفُعِلَ به ونُصِحَ ووُعِظَ, فقال: " إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى " أي: من بني إسرائيل, الذين فُضِّلوا على العالمين, وفاقوهم في زمانهم, وامتن اللّه عليهم بما امتن به, فكانت حالهم مناسبة للاستقامة.
ولكن قارون هذا, انحرف عن سبيل قومه " فَبَغَى عَلَيْهِمْ " وطغى, بما أوتيه من الأمور العظيمة المطغية.
" وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ " أي: كنوز الأموال شيئا كثيرا " مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ " والعصبة, من العشرة إلى التسعة إلى السبعة, ونحو ذلك.
أي: حتى أن مفاتح خزائن أمواله, تثقل الجماعة القوية عن حملها, هذه المفاتيح, فما ظنك بالخزائن؟ " إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ " ناصحين له محذرين له عن الطغيان: " لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ " أي: لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة, وتفتخر بها, وتلهيك عن الآخرة, فإن اللّه لا يحب الفرحين بها, المنكبين على محبتها.

" وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين " (77)
" وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ " أي: قد حصل عندك من وسائل الآخرة, ما ليس عند غيرك من الأموال, فابتغ بها, ما عند اللّه, وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات, وتحصيل اللذات.
" وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا " أي: لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك, وتبقى ضائعا, بل أنفق لآخرتك, واستمتع بدنياك, استمتاعا, لا يثلم دينك, ولا يضر بآخرتك.
" وَأَحْسَنُ " إلى عباد اللّه " كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ " بهذه الأموال.
" وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ " بالتكبر, والعمل بمعاصي اللّه والاشتغال بالنعم عن المنعم.
" إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " بل يعاقبهم على ذلك, أشد العقوبة.

" قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (78)

" قَالَ " قارون - رادا لنصيحتهم, كافرا بنعمة ربه -: " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي " أي: إنما أدركت هذه الأموال, بكسبي, ومعرفتي بوجوه المكاسب, وحذقي.
أو على علم من اللّه بحالي, يعلم أني أهل لذلك, فلم تنصحوني على ما أعطاني اللّه؟ قال تعالى - مبينا أن عطاءه, ليس دليلا على حسن حالة المعطي.
" أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا " فما المانع من إهلاك قرون أخرى, مع مُضِيِّ عادتنا, وسنتنا بإهلاك من هو مثله.
وأعظم منه, إذا فعل ما يوجب الهلاك؟.
" وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ " بل يعاقبهم اللّه, ويعذبهم على ما يعلمه منهم.
فهم, وإن أثبتوا لأنفسهم حالة حسنة, وشهدوا لها بالنجاة, فليس قولهم مقبولا, وليس ذلك رادا عنهم من العذاب شيئا, لأن ذنوبهم غير خفية, فإنكارهم لا محل له.
فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه, وعدم قبول نصيحة قومه, فرحا بطرا قد أعجبته نفسه, وغره ما أوتيه من الأموال.

" فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم " (79)
" فَخَرَجَ " ذات يوم " عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ " أي بحالة أرفع ما يكون من أحوال دنياه, قد كان له من الأموال ما كان, وقد استعد وتجمل بأعظم ما يمكنه.
وتلك الزينة في العادة, من مثله, تكون هائلة, جمعت زينة الدنيا وزهرتها وبهجتها وغضارتها وفخرها.
فرمقته في تلك الحالة العيون, وملأت بِزَّتُهُ القلوب, واختلبت زينته, النفوس.
فانقسم فيه الناظرون قسمين, كل تكلم بحسب ما عنده من الهمة والرغبة.
" قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا " أي: الذين تعلقت إرادتهم فيها, وصارت منتهى رغبتهم, ليس لهم إرادة في سواها.
" يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ " من الدنيا ومتاعها وزهرتها " إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ " وصدقوا إنه لذو حظ عظيم, لو كان الأمر منتهيا إلى رغباتهم, وأنه ليس وراء الدنيا, دار أخرى, فإنه قد أعطي منها, ما به غاية التنعم بنعيم الدنيا, واقتدر بذلك على جميع مطالبه, فصار هذا الحظ العظيم, بحسب همتهم, وإن همة جعلت هذا غاية مرادها, ومنتهى مطلبها لَمِنْ أدنى الهمم, وأسفلها, وأدناها, وليس لها أدنى صعود إلى المرادات العالية, والمطالب الغالية.

" وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون " (80)
" وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ " الذين عرفوا حقائق الأشياء, ونظروا إلى باطن الدنيا, حين نظر أولئك إلى ظاهرها: " وَيْلَكُمْ " متوجعين مما تمنوا لأنفسهم, راثين لحالهم, منكرين لمقالهم.
" ثَوَابُ اللَّهِ " العاجل, من لذة العبادة ومحبته, والإنابة إليه, والإقبال عليه.
والآجل من الجنة, وما فيها, مما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين " خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا " من هذا الذي تمنيتم ورغبتم فيه, فهذه حقيقة الأمر.
ولكن ما كل من يعلم ذلك يقبل عليه, فما يُلَقَّى ذلك ويوفق له " إِلَّا الصَّابِرُونَ " الذين حبسوا أنفسهم على طاعة اللّه, وعن معصيته, وعلى أقداره المؤلمة, وصبروا على جواذب الدنيا وشهواتها, أن تشغلهم عن ربهم, وأن تحول بينهم, وبين ما خلقوا له.
فهؤلاء الذين يؤثرون ثواب اللّه على الدنيا الفانية

" فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "(81)
فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر, وازَّيَّنَتْت الدنيا عنده, وكثر بها إعجابه, بغته العذاب " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ " جزاء من جنس عمله.
فكما رفع نفسه على عباد اللّه, أنزله اللّه أسفل سافلين, هو وما اغتر به, من داره, و أثاثه, ومتاعه.
" فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ " أي: جماعة, وعصبة, وخدم, وجنود " يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ " أي: جاءه العذاب, فما نصر, ولا انتصر.

" وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون "(82)
" وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ " أي: الذين يريدون الحياة الدنيا, الذين قالوا: " يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ " .
" يَقُولُونَ " متوجعين ومعتبرين, وخائفين من وقوع العذاب بهم: " وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ " أي: يضيق الرزق على من يشاء, فعلمنا حينئذ, أن بسطه لقارون, ليس دليلا على خير فيه, وأننا غالطون في قولنا: " إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ " .
و " لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا " فلم يعاقبنا على ما قلنا, فلولا فضله ومنته " لَخَسَفَ بِنَا " .
فصار هلاك قارون, عقوبة له, وعبرة وموعظة لغيره, حتى إن الذين غبطوه, سمعت كيف ندموا, وتغير فكرهم الأول.
" وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ " أي: لا في الدنيا ولا في الآخرة.




ابوالوليد المسلم 22-04-2020 04:37 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة 407)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة القصصhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(83) الى الأية(88)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة القصص


" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " (83)
لما ذكر تعالى, قارون وما أوتيه من الدنيا, وما صار إليه عاقبة أمره, وأن أهل العلم قالوا: " ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا " رغب تعالى في الدار الآخرة, وأخبر بالسبب الموصل إليها فقال: " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ " التي أخبر اللّه بها في كتبه وأخبرت بها رسله, التي جمعت كل نعيم, واندفع عنها كل مقدر ومنغص " نَجْعَلُهَا " دارا وقرارا " لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا " أي: ليس لهم إرادة فكيف العمل للعلو في الأرض, على عباد اللّه, والتكبر عليهم وعلى الحق " وَلَا فَسَادًا " وهذا شامل لجميع المعاصي.
فإذا كانوا لا إرادة لهم في العلو في الأرض, ولا الفساد, لزم من ذلك, أن تكون إرادتهم مصروفة إلى اللّه, وقصدهم الدار الآخرة, وحالهم, التواضع لعباد اللّه, والانقياد للحق والعمل الصالح.
وهؤلاء هم المتقون الذين لهم العاقبة الحسنى, ولهذا قال: " وَالْعَاقِبَةُ " أي حالة الفلاح والنجاح, التي تستقر وتستمر, لمن اتقى اللّه تعالى.
وغيرهم - وإن حصل لها بعض الظهور والراحة - فإنه لا يطول وقته, ويزول عن قريب.
وعلم من هذا الحصر في الآية الكريمة, أن الذين يريدون العلو في الأرض, أو الفساد, ليس لهم في الدار الآخرة, نصيب, ولا لهم منها, حظ.

" من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون " (84)
يخبر تعالى عن مضاعفة فضله, وتمام عدله فقال: " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ " شرط فيها أن يأتي بها العامل, لأنه قد يعملها, ولكن يقترن بها ما لا تقبل منه, أو يبطلها, فهذا لم يجئ بالحسنة.
والحسنة, اسم جنس يشمل جميع ما أمر اللّه به ورسوله, من الأقوال, والأعمال الظاهرة, والباطنة, المتعلقة بحقه تعالى, وحقوق العباد " فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا " أي: أعظم وأجل, وفي الآية الأخرى " فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا " .
هذا التضعيف للحسنة, لا بد منه, وقد يقترن بذلك من الأسباب, ما تزيد به المضاعفة كما قال تعالى: " وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " بحسب حال العامل وعمله, ونفعه, ومحله, ومكانه.
" وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ " وهي كل ما نهى الشارع عنه, نَهْيَ تحريم.
" فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " كقوله تعالى " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " :

" إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين "(85)
يقول تعالى " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ " أي: نزله, وفرض فيه الأحكام, وبين فيه الحلال والحرام, وأمرك بتبليغه للعالمين, والدعوة لأحكامه, جميع المكلفين.
لا يليق بحكمته, أن تكون هي الحياة الدنيا فقط, من غير أن يثاب العباد ويعاقبوا.
بل لا بد أن يردك إلى معاد, يجازي فيه المحسنون بإحسانهم, والمسيئون بمعصيتهم.
وقد بينت لهم الهدى, وأوضحت لهم المنهج.
فإن تبعوك, فذلك حظهم وسعادتهم.
وإن أبوا إلا عصيانك, والقدح بما جئت به من الهدى, وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق, فلم يبق للمجادلة محل, ولم يبق إلا المجازاة على الأعمال من العالم بالغيب والشهادة, والحق والمبطل.
ولهذا قال: " قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " وقد علم أن رسوله هو المهتدي الهادي, وأن أعداءه هم الضالون المضلون.

" وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين "(86)
" وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ " أي: لم تكن متحريا لنزول هذا الكتاب عليك, ولا مستعدا له, ولا متصديا.
" إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ " وبالعباد, فأرسلك بهذا الكتاب, الذي رحم به العالمين, وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون, وزكاهم, وعلمهم الكتاب والحكمة, وإن كانوا من قبل, لفي ضلال مبين.
فإذا علمت أنه أنزل إليك رحمة منه, علمت, أن جميع ما أمر به, ونهى عنه, رحمة, وفضل من اللّه.
فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه, وتظن أن مخالفه, أصلح وأنفع.
" فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ " أي: معينا لهم على ما هو, من شعب كفرهم.
ومن جملة مظاهرتهم, أن يقال في شيء منه, إنه خلاف الحكمة والمصلحة والمنفعة.

" ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين " (87)
" وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ " بل أبلغها وأنفذها, ولا تبال بمكرهم ولا يخدعنك عنها, ولا تتبع أهواءهم.
" وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ " أي اجعل الدعوة إلى ربك, منتهى قصدك وغاية عملك.
فكل ما خالف ذلك, فارفضه, من رياء, أو سمعة, أو موافقة أغراض أهل الباطل, فإن ذلك داع إلى الكون معهم, ومساعدتهم على أمرهم ولهذا قال: " وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " لا في شركهم, ولا في فروعه وشعبه, التي هي حميع المعاصي.

" ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون " (88)
" وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ " بل أخلص للّه عبادتك, فإنه " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " فلا أحد يستحق أن يؤله, ويحب, ويعبد, إلا اللّه الكامل الباقي الذي " كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ " وإذا كان كل شيء سواه هالكا مضمحلا, فعبادة الهالك الباطل باطلة, ببطلان غايتها, وفساد نهايتها.
" لَهُ الْحُكْمُ " في الدنيا والآخرة " وَإِلَيْهِ " لا إلى غيره " تُرْجَعُونَ " .
فإذا كان ما سوى اللّه, باطلا هالكا, واللّه هو الباقي, الذي لا إله إلا هو, وله الحكم في الدنيا والآخرة, وإليه مرجع الخلائق كلهم, ليجازيهم بأعمالهم, تعَّين على من له عقل, أن يعبد اللّه وحده لا شريك له, ويعمل لما يقربه ويدنيه, ويحذر من سخطه وعقابه, وأن يقدم على ربه غير تائب, ولا مقلع عن خطإه وذنوبه.
تم تفسير سورة القصص - وللّه الحمد والثناء والمجد دائما أبدا.


ابوالوليد المسلم 22-04-2020 04:37 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة 408)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة العنكبوتhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(1) الى الأية(9)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة العنكبوت



" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " (2)
يخبر تعالى, عن تمام حكمته, وأن حكمته, لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان, أن يبقوا في حالة, يسلمون فيها من الفتن والمحن, ولا يعرض لهم, ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه.
فإنهم لو كان الأمر كذلك, لم يتميز الصادق من الكاذب, والحق من المبطل, ولكن سنته تعالى وعادته في الأولين, وفي هذه الأمه, أن يبتليهم بالسراء والضراء, والعسر واليسر, والمنشط والمكره, والغنى والفقر, وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان, ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل, ونحو ذلك من الفتن, التي ترجع كلها, إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة, والشهوات المعارضة للإرادة.
فمن كان عند ورود الشبهات, يثبت إيمانه ولا يتزلزل, ويدفعها بما معه من الحق.
وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب, أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله, يعمل بمقتضى الإيمان, ويجاهد شهوته, دل ذلك على صدق إيمانه وصحته.
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه, شكا وريبا, وعند اعتراض الشهوات, تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات, دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه.
والناس في هذا المقام: درجات, لا يحصيها إلا اللّه, فمستقل ومستكثر.
فنسأل اللّه تعالى, أن يثبتنا بالقول الثابت, في الحياة الدنيا وفي الآخرة, وأن يثبت قلوبنا على دينه.
فالابتلاء والامتحان للنفوس, بمنزلة الكير, يخرج خبثها, وطيبها.

" أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون " (4)
أي: أحسب الذين همهم, فعل السيئات, وارتكاب الجنايات, أن أعمالهم ستهمل, وأن اللّه سيغفل عنهم, أو يفوتونه, فلذلك أقدموا عليها, وسهل عليهم عملها؟.
" سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " أي: ساء حكمهم, فإنه حكم جائر, لتضمنه إنكار قدرة اللّه وحكمته, وأن لديهم قدرة, يمتنعون بها من عقاب اللّه, وهم أضعف شيء وأعجزه.

" من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم " (5)
يعني: يا أيها الحب لربه المشتاق لقربه ولقائه, المسارع في مرضاته, أبشر بقرب لقاء الحبيب, فإنه آت, وكل ما هو آت, قريب.
فتزود للقائه, وسر نحوه, مستصحبا الرجاء, مؤملا الوصول إليه.
ولكن, ما كل من يَدَّعِي يُعْطَى بدعواه, ولا كل من تمنى, يعطى ما تمناه, فإن اللّه سميع للأصوات, عليم بالنيات.
فمن كان صادقا في ذلك, أناله ما يرجو, ومن كان كاذبا, لم تنفعه دعواه.
وهو العليم بمن يصلح لحبه, ومن لا يصلح.

" ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين " (6)
" وَمَنْ جَاهَدَ " نفسه وشيطانه, وعدوه الكافر, " فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ " لأن نفعه, راجع إليه, وثمرته, عائدة إليه.
و " إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " لم يأمرهم به, لينتفع به, ولا نهاهم عما نهاهم عنه, بُخْلًا منه عليهم.
وقد علم أن الأوامر والنواهي, يحتاج المكلف فيها, إلى جهاد, لأن نفسه, تتثاقل بطبعها, عن الخير, وشيطانه ينهاه عنه, وعدوه الكافر يمنعه من إقامة دينه, كما ينبغي.
وكل هذه, معارضات, تحتاج إلى مجاهدات وسعي شديد.

" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون " (7)
يعني أن الذين منَّ اللّه عليهم بالإيمان والعمل الصالح, سيكفر اللّه عنهم سيئاتهم, لأن الحسنات يذهبن السيئات.
" وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ " وهي أعمال الخير, من واجبات, ومستحبات, فهي أحسن ما يعمل العبد, لأنه يعمل المباحات أيضا, وغيرها.

" ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "(8)
أي: وأمرنا الإنسان, ووصيناه بوالديه حسنا, أي: ببرهما, الإحسان إليهما, بالقول والعمل, وأن يحافظ على ذلك, ولا يعقهما, ويسيء إليها, في قوله وعمله.
" وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ " , وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه, وهذا تعظيم لأمر الشرك.
" فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " فأجازيكم بأعمالكم.
فبروا والديكم وقدموا طاعتهما, إلا على طاعة اللّه ورسوله, فإنها مقدمة على كل شيء.

" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين " (9)
أي: من آمن باللّه, وعمل صالحا, فإن اللّه وعده, أن يدخله الجنة في جملة عباد اللّه الصالحين, مى النبيين, والصديقين, والشهداء, والصالحين, كل على حسب درجته, ومرتبته عند اللّه.
فالإيمان الصحيح, والعمل الصالح, عنوان على سعادة صاحبه, وأنه من أهل الرحمن, ومن الصالحين من عباد اللّه.



ابوالوليد المسلم 22-04-2020 04:38 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة 409)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة العنكبوتhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(10) الى الأية(16)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة العنكبوت



" ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين " (10)
لما ذكر تعالى, أنه لا بد أن يمتحن من ادَّعى الإيمان, ليظهر الصادق من الكاذب, بيَّن تعالى, أن من الناس فريقا, لا صبر لهم على المحن, ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ " بضرب, أو أخذ مال, أو تعيير, ليرتد عن دينه, وليراجع الباطل.
" جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ " أي: يجعلها صادَّة له عن الإيمان, والثبات عليه, كما أن العذاب صادٌّ عما هو سببه.
" وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ " , لأنه موافق للهوى, فهذا الصنف من الناس من الذين قال اللّه فيهم,: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " .
" أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ " حيث أخبركم بهذا الفريق, الذي حاله كما وصف لكم, فتعرفون بذلك, كمال علمه, وسعة حكمته.

" وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين "(11)
" وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ " أي: فلذلك قَدَّرَ مِحَنًا وابتلاء, ليظهر علمه فيهم, فيجازيهم بما ظهر منهم, لا بما يعلمه بمجرده, لأنهم قد يحتجون على اللّه, أنهم لو اْبتُلُوا, لَثَبتُوا.
" وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون " (12)
يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم, وفي ضمن ذلك, تحذير المؤمنين, من الاغترار بهم, والوقوع في مكرهم فقال: " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا " فاتركوا دينكم أو بعضه, واتبعونا في ديننا, فإننا نضمن لكم الأمر " وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " .
وهذا الأمر ليس بأيديهم, فلهذا قال: " وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ " لا قليل ولا كثير.
فهذا التحمل, ولو رضي به صاحبه, فإنه لا يفيد شيئا, فإن الحق للّه واللّه تعالى, لم يمكن العبد من التصرف في حقه, إلا بأمره وحكمه, وحكمه " أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " .
ولما كان قوله " وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ " قد يتوهم منه أيضا, أن الكفار الداعين إلى كفرهم - ونحوهم ممن دعا إلى باطله - ليس عليهم إلا ذنبهم, الذي ارتكبوه, دون الذنب الذي فعله غيرهم, ولو كانوا متسببين فيه, قال محترزا عن هذا الوهم: " وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ "

" وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون " (13)
" وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ " أي: أثقال ذنوبهم التي عملوها " وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ " وهي الذنوب التي حصلت بسببهم, ومن جرائهم.
فالذنب الذي فعله التابع, لكل من التابع والمتبوع, حصة منه حصلت هذا لأنه فعله وباشره.
والمتبوع, لأنه تسبب في فعله ودعا إليه.
كما أن الحسنة إذا فعلها التابع, له أجرها بالمباشرة وللداعي, أجره بالتسبب.
" وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ " من الشر وتزيينه, وقولهم " وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ " .

" ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون " (14)
يخبر تعالى, عن حكمه وحكمته, في عقوبات الأمم المكذبة, وأن اللّه أرسل عبده ورسوله, نوحا عليه السلام, إلى قومه, يدعوهم إلى التوحيد, وإفراد اللّه بالعبادة, والنهي عن الأنداد, والأصنام.
" فَلَبِثَ فِيهِمْ " نبيا داعيا " أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " , وهو لا يَنِي بدعوتهم, ولا يفتر في نصحهم, يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا, فلم يرشدوا, ولا اهتدوا.
بلى استمروا على كفرهم وطغيانهم, حتى دعا عليهم نبيهم نوح, عليه الصلاة والسلام مع شدة صبره, وحلمه, واحتماله فقال: " رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا " .
" فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ " أي: الماء الذي نزل من السماء بكثرة, ونبع من الأرض بشدة " وَهُمْ ظَالِمُونَ " مستحقون العذاب.

" فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين " (15)
" فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ " الذين ركبوا معه, أهله ومن آمن به.
" وَجَعَلْنَاهَا " أي: السفينة, أو قصة نوح " آيَةً لِلْعَالَمِينَ " يعتبرون بها, على أن من كذب الرسل, آخر أمره, الهلاك, وأن المؤمنين, سيجعل اللّه لهم, من كل هم فرجا, ومن كل ضيق, مخرجا.
وجعل اللّه أيضا السفينة, أي: جنسها آية للعالمين, يعتبرون بها رحمة ربهم, الذي قيض لهم أسبابها, ويسر لهم أمرها, وجعلها تحملهم, وتحمل متاعهم, من محل إلى محل, ومن قطر إلى قطر.

" وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "(16)
يذكر تعالى, أنه أرسل خليله, إبراهيم عليه السلام إلى قومه, يدعوهم إلى الله.
فقال لهم: " اعْبُدُوا اللَّهَ " أي: وحِّدوه, وأخلصوا له العبادة, وامتثلوا ما أمركم به.
" وَاتَّقُوهُ " أن يغضب عليكم, فيعذبكم, وذلك بترك ما يغضبه من المعاصي.
" ذَلِكُمْ " أي: عبادة الله وتقواه " خَيْرٌ لَكُمْ " من ترك ذلك.
وهذا من باب إطلاق " أفعل التفضيل " بما ليس في الطرف الآخر منه شيء.
فإن ترك عبادة الله, وترك تقواه, لا خير فيه بوجه, وإنما كانت عبادة الله وتقواه, خيرا للناس, لأنه لا سبيل إلى نيل كرامته, في الدنيا والآخرة, إلا بذلك.
وكل خير يوجد في الدنيا والآخرة, فإنه من آثار عبادة الله وتقواه.
" إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " ذلك, فاعلموا الأمور, وانظروا, ما هو أولى بالإيثار.

ابوالوليد المسلم 22-04-2020 04:38 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة 410)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة العنكبوتhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(17) الى الأية(24)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة العنكبوت


" إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون "(17)
فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه, نهاهم عن عبادة الأصنام, وبيَّن لهم نقصها, وعدم استحقاقها للعبودية فقال: " إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا " تنحتونها, وتخلقونها بأيديكم, وتخلقون لها أسماء الآلهة, وتختلقون الكذب, بالأمر بعبادتها, والتمسك بذلك.
" إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " في نقصه, وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته.
" لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا " فكأنه قيل: قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة, لا تملك نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة ولا نشورا, وأن من هذا وصفه, لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة, من العبادة والتأله.
والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه, وتسأله حوائجها.
فقال - حاثا لهم على من يستحق العبادة - " فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ " فإنه هو الميسر له, المقدر, المجيب لدعوة من دعاه لمصالح دينه ودنياه.
" وَاعْبُدُوهُ " وحده, لا شريك له, لكونه الكامل النافع, الضار, المتفرد بالتدبير.
" وَاشْكُرُوا لَهُ " وحده, لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق, من النعم, فمنه.
وجميع ما اندفع, ويندفع من النقم عنهم, فهو الدافع لها.
" إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " فيجازيكم على ما عملتم, وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم.
فاحذروا القدوم عليه, وأنتم على شرككم, وارغبوا فيما يقربكم إليه, ويثيبكم - عند القدوم - عليه.

" أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير " (19)
" أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ " يوم القيامة " إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ " .
كما قال تعالى: " وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ " .

" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير " (20)
" قُلْ " لهم, إن حصل معهم ريب وشك في الابتداء: " سِيرُوا فِي الْأَرْضِ " بأبدانكم وقلوبكم " فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ " فإنكم ستجدون أمما من الآدميين, لا تزال توجد شيئا فشيئا, وتجدون النبات والأشجار, كيف تحدث, وقتا بعد وقت, وتجدون السحاب والرياح ونحوها, مستمرة في تجددها.
بل الخلق دائما, في بدء وإعادة.
فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى - النوم - وقد هجم عليهم الليل بظلامه, فسكنت منهم الحركات, وانقطعت منهم الأصوات, وصاروا في فرشهم ومأواهم, كالميتين.
ثم إنهم لم يزالوا على ذلك, طول ليلهم, حتى تنفلق الأصباح, فانتبهوا من رقدتهم, وبعثوا من موتتهم, قائلين " الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " .
ولهذا قال: " ثُمَّ اللَّهُ " بعد الإعارة " يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ " وهي النشأة لا تقبل موتا, ولا نوما, وإنما هو الخلود والدوام, في إحدى الدارين.
" إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فقدرته تعالى, لا يعجزها شيء, وكما قدر بها على ابتداء الخلق, فقدرته على الإعادة, من باب أولى وأحرى.

" يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون " (21)
" يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ " أي: هو المنفرد بالحكم الجزائي, وهو: إثابة الطائعين, ورحمتهم, وتعذيب العاصين والتنكيل بهم.
" وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ " أي: ترجعون إلى الدار, التي بها تجري عليكم أحكام عذابه ورحمته.
فاكتسبوا في هذ الدار, ما هو من أسباب رحمته من الطاعات.
وابتعدوا عن أسباب عذابه, وهي المعاصي.

" وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير " (22)
" وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ " أي: يا هؤلاء المكذبين, المتجرئين على المعاصي, لا تحسبوا أنه مغفول عنكم, أو أنكم معجزون للّه في الأرض, ولا في السماء.
فلا تغرنكم قدرتكم, وما زينت لكم أنفسكم, وخدعتكم, من النجاة من عذاب الله فلستم بمعجزين الله, في جميع أقطار العالم.
" وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ " يتولاكم, فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم.
" وَلَا نَصِيرٍ " ينصركم, فيدفع عنكم المكاره.

" والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم " (23)
يخبر تعالى, من هم الذين زال عنهم الخير, وحصل لهم الشر.
وأنهم الذين كفروا به وبرسله, وبما جاءوهم به, وكذبوا بلقاء اللّه.
فليس عندهم, إلا الدنيا, فلذلك أقدموا, على ما أقدموا عليه, من الشرك والمعاصي, لأنه ليس في قلوبهم, ما يخوفهم من عاقبة ذلك, ولهذا قال: " أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي " أي: فلذلك لم يعلموا سببا واحدا, يحصلون به الرحمة.
وإلا, فلو طمعوا في رحمته, لعملوا لذلك أعمالا.
والإياس من رحمة اللّه, من أعظم المحاذير, وهو نوعان.
إياس الكفار منها, وتركهم كل سبب يقربهم منها.
وإياس العصاة, بسبب كثرة جناياتهم, أو حشتهم, فملكت قلوبهم, فأحدث لها الإياس.
" وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: مؤلم موجع.
وكأن هذه الآيات, معترضات, بين كلام إبراهيم لقومه, وردهم عليه, واللّه أعلم بذلك.

" فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " (24)
أي: فما كان مجاوبة قوم إبراهيم لإبراهيم, حين دعاهم إلى ربه, قبول دعوته, والاهتداء بنصحه, ورؤية نعمة اللّه عليهم بإرساله إليهم.
وإنما كان مجاوبتهم له, شر مجاوبة.
" قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ " أشنع القتلات, وهم أناس مقتدرون, لهم السلطان, فألقوه في النار " فَأَنْجَاهُ اللَّهُ " منها.
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " فيعلمون صحة ما جاءت به الرسل, وبِرَّهُمْ ونصحهم, وبطلان قول من خالفهم, وناقضهم, وأن المعارضين للرسل, كأنهم تواصوا وحث بعضهم بعضا, على التكذيب.

ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:06 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة 411)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة العنكبوتhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(25) الى الأية(37)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة العنكبوت



" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " (25)
" وَقَالَ " لهم إبراهيم في جملة ما قاله, من نصحه: " إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " .
أي: غاية ذلك, مودة في الدنيا ستنقطع وتضمحل.
" ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا " أي: يتبرأ كل من العابدين والمعبودين, من الآخر " وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " .
فكيف تتعلقون بمن يعلم أنه سيتبرأ, من عابديه, ويلعنهم؟.
وأن " وَمَأْوَاكُمُ " جميعا, العابدين والمعبودين " النَّارَ " .
وليس أحد, ينصركم من عذاب اللّه, ولا يدفع عنهم عقابه.

" فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم " (26)
أي لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام, يدعو قومه, وهم مستمرون على عنادهم.
إلا أنه آمن له بدعوته, لوط, الذي نبأءه اللّه, وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره.
" وَقَالَ " إبراهيم, حيى رأى أن دعوة قومه لا تفيدهم شيئا: " إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي " أي: هاجر أرض السوء, ومهاجر إلى الأرض المباركة, وهي الشام.
" إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ " أي: الذي له القوة, وهو يقدر على هدايتكم.
ولكنه " حَكِيمٌ " ما اقتضت حكمته ذلك.
ولما اعتزلهم وفارقهم, وهم بحالهم, لم يذكر اللّه عنهم, أنه أهلكهم بعذاب.
بل ذكر اعتزاله إياهم, وهجرته من بين أظهرهم.
فأما ما يذكر في الإسرائيليات, أن اللّه تعالى فتح على قومه باب البعوض, فشرب دماءهم, وأكل لحومهم, وأتلفهم عن آخرهم, فهذا يتوقف الجزم به, على الدليل الشرعي, ولم يوجد.
فلو كان اللّه استأصلهم بالعذاب, لذكره, كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة.
ولكن هل من أسرار ذلك, أن الخليل عليه السلام, من أرحم الخلق, وأفضلهم, وأحلمهم, وأجلهم, فلم يدع على قومه, كما دعا غيره, ولم يكن اللّه ليجري عليهم بسببه, عذابا عاما؟.
ومما يدل على ذلك, أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط, وجادلهم, ودافع عنهم, وهم ليسوا قومه, واللّه أعلم بالحال.

" ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " (27)
" وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ " أي: بعد ما هاجر إلى الشام " وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ " .
فلم يأت بعده نبي, إلا من ذريته, ولا نزل كتاب, إلا على ذريته, حتى ختموا بابنه, محمد صلى اللّه عليه وسلم, وعليهم أجمعين.
وهذا من أعظم المناقب والمفاخر, أن تكون مواد الهداية والرحمة, والسعادة, والفلاح, والفوز, في ذريَّته, وعلى أيديهم, اهتدى المهتدون, وآمن المؤمنون, وصلح الصالحون: " وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا " من الزوجة الجميلة, فائقة الجمال, والرزق الواسع, والأولاد, الذين بهم قرت عينه, ومعرفة اللّه ومحبته, والإنابة إليه.
" وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " بل وهو, ومحمد صلى اللّه عليه وسلم, أفضل الصالحين على الإطلاق, وأعلاهم منزلة, فجمع اللّه له, بين سعادة الدنيا والآخرة.

" ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين " (28)
تقدم أن لوطا عليه السلام, آمن لإبراهيم, وصار من المهتدين به.
وقد ذكروا, أنه ليس من ذرية إبراهيم, وإنما هو ابن أخي إبراهيم.
ققوله تعالى: " وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ " وإن كان عاما, فلا يناقض كون لوط, نبيا رسولا, وهو ليس من ذريته, لأن الآية, جيء بها, لسياق المدح والثناء, على الخليل, وقد أخبر أن لوطا, اهتدى على يديه, ومن اهتدى على يديه أكمل ممن اهتدى من ذريته بالنسبة إلى فضيلة الهادي, واللّه أعلم.
فأرسل اللّه لوطا إلى قومه, وكانوا مع شركهم, قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور, وقطع السبيل, وفشو المنكرات, في مجالسهم.
فنصحهم لوط, عن هذه الأمور, وبيَّن لهم, قبائحها في نفسها, وما تئول إليه من العقوبة البليغة, فلم يرعووا, ولم يذكروا.
" فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " .
فأيس منهم نبيهم, وعلم استحقاقهم العذاب, وجزع من شدة تكذيبهم له, فدعا عليهم و " قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ " فاستجاب اللّه دعاءه, فأرسل الملائكة لإهلاكهم.
فمروا بإبراهيم قبل ذلك, وبشروه بإسحق, ومن وراء إسحق يعقوب.
ثم سألهم إبراهيم أين يريدون؟ فأخبروه أنهم يريدون إهلاك قوم لوط.
فجعل يراجعهم, ويقول " إِنَّ فِيهَا لُوطًا " .
فقالوا له: " لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ " ثم مضوا حتى أتوا لوطا.
فساءه مجيئهم, وضاق بهم ذرعا, بحيث إنه لم يعرفهم, وظن أنهم من جملة الضيوف, أبناء السبيل, فخاف عليهم من قومه, فقالوا له: " لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ " وأخبروه أنهم رسل اللّه.
" إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا " أي: عذابا " مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ " فأمروه أن يسري بأهله ليلا.
فلما أصبحوا, قلب اللّه عليهم ديارهم, فجعل عاليها سافلها, وأمطر عليهم حجارة من سجيل متتابعة حتى أبادتهم وأهلكتهم, فصاروا سَمَرًا من الأسمار, وعبرة من العبر.

" ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون "(35)
" وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: تركنا من ديار قوم لوط, آثارا بينة لقوم يعقلون العبر بقلوبهم, فينتفعون بها.
كما قال تعالى: " وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " .

" وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين " (36)
أي وأرسلنا " وَإِلَى مَدْيَنَ " القبيلة المعروفة المشهورة " أَخَاهُمْ شُعَيْبًا " الذي أمرهم بعبادة اللّه وحده لا شريك له, والإيمان بالبعث ورجائه, والعمل له, ونهاهم عن الإفساد في الأرض, ببخس المكاييل والموازين, والسعي بقطع الطرق.
" فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين "(37)
" فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ " أي عذاب اللّه " فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ " .


ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:07 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة 412)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة العنكبوتhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(38) الى الأية(44)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة العنكبوت


" وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين " (38)


أي: وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود, وقد علمت قصتهم, وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم, وآثارهم, التي بانوا عنها.
وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات, المفيدة للبصيرة فكذبوهم, وجادلوهم.
" وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ " حتى ظنوا أنها أفضل, مما جاءتهم به الرسل.


" وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين " (39)


وكذلك قارون, وفرعون, وهامان, حين بعث اللّه إليهم موسى ابن عمران; بالآيات البينات; والبراهين الساطعات, فلم ينقادوا, واستكبروا في الأرض, على عباد اللّه, فأذلوهم, وعلى الحق, فردوه, فلم يقدروا على النجاء, حين نزلت بهم العقوبة.
" وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ " اللّه, ولا فائتين, بل سلموا واستسلموا.

" فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " (40)


" فَكُلَا " من هؤلاء الأمم المكذبة " أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ " على قدره, وبعقوبة مناسبة له.
" فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا " أي: عذابا يحصبهم, كقوم عاد, حين أرسل اللّه عليهم الريح العقيم, و " سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ " .
" وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ " كقوم صالح, " وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ " كقارون.
" وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا " كفرعون وهامان, وجنودهما.
" وَمَا كَانَ اللَّهُ " أي: ما ينبغي ولا يليق به " لِيَظْلِمَهُمْ " لكمال عدله, وغناه التام, عن جميع الخلق " وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " منعوها حقها, الذي هي بصدده, فإنها مخلوقة لعبادة اللّه وحده.
فهؤلاء, وضعوها في غير موضعها, وشغلوها, بالشهوات والمعاصي, فضروها غاية الضرر, من حيث ظنوا, أنهم ينفعونها.


" مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون " (41)


هذا مثل ضربه اللّه, لمن عبد معه غيره, يقصد به التعزز والتَّقَوِّي; والنفع; وأن الأمر بخلاف مقصوده; فإن مثله; كمثل العنكبوت; اتخذت بيتا, يقيها من الحر, والبرد, والآفات.
" وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ " أي: أضعفها وأوهاها " لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ " .
فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة, وبيتها, من أضعف البيوت فما ازدادت باتخاذه, إلا ضعفا.
كذلك هؤلاء, الذين يتخذون من دونه أولياء, فقراء, عاجزون, من جميع الوجوه.
وحين اتخذوا الأولياء من دونه, يتعززون بهم, ويستنصرونهم, ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم, ووهنا إلى وهنهم.
فإن اتكلوا عليهم, في كثير من مصالحهم, وألقوها عليهم, تخلوا هم عنها.
على أن أولئك سيقومون بها.
فخذلوهم, فلم يحصلوا منهم على طائل, ولا أنالوهم من معونتهم, أقل نائل.
فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم, حالهم, وحال من اتخذوهم, لم يتخذوهم, ولتبرأوا منهم, ولتولوا الرب القادر الرحيم, الذي إذا تولاه عبده وتوكل عليه, كفاه مئونة دينه ودنياه, وازداد قوة إلى قوته, في قلبه وبدنه وحاله وأعماله.
ولما بين نهاية ضعف آلهة المشركين, ارتقى من هذا, إلى ما هو أبلغ منه, وأنها ليست بشيء, بل هي مجرد أسماء سموها, وظنون اعتقدوها.
وعند التحقيق, يتبين للعاقل بطلانها وعدمها, ولهذا قال:


" إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم " (42)


" إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ " أي: إنه تعالى يعلم - وهو عالم الغيب والشهادة - أنهم ما يدعون من دون اللّه شيئا موجودا, ولا إلها له حقيقة, كقوله تعالى " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ " .
وقوله " وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ " .
" وَهُوَ الْعَزِيزُ " الذي له القوة جميعا, الذي قهر بها جميع الخلق.
" الْحَكِيمُ " الذي يضع الأشياء مواضعها, الذي أحسن كل شيء خلقه, وأتقن ما أمره.

" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " (43)


" وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ " أي: لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم لكونها من الطرق الموضحة للعلوم, لأنها تقرب الأمور المعقولة, بالأمور المحسوسة, فيتضح المعنى المطلوب بسببها, فهي مصلحة لعموم الناس.
ولكن " وَمَا يَعْقِلُهَا " بفهمها وتدبرها, وتطبيقها على ما ضربت له, وعقلها في القلب.
" إِلَّا الْعَالِمُونَ " أي: إلا أهل العلم الحقيقي, الذين وصل العلم إلى قلوبهم.
وهذا مدح للأمثال, التي يضربها, وحثٌّ على تدبرها وتعقلها, ومدح لمن يعقلها.
وأنه عنوان, على أنه من أهل العلم, فعلم أن من لم يعقلها, ليس من العالمين.
والسبب في ذلك, أن الأمثال التي يضربها اللّه في القرآن, إنما هي للأمور الكبار, والمطالب العالية, والمسائل الجليلة.
فأهل العلم, يعرفون أنها أهم من غيرها, لاعتناء اللّه بها, وحثه عباده على تعقلها, وتدبرها.
فيبذلون جهدهم في معرفتها.
وأما من لم يعقلها, مع أهميتها, فإن ذلك, دليل على أنه ليس من أهل العلم, لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة, فعدم معرفته غيرها, من باب أولى وأحرى.
ولهذا, أكثر ما يضرب اللّه الأمثال في أصول الدين, ونحوها


" خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين " (44)


أي: هو تعالى, المنفرد بخلق السماوات, على علوها وارتفاعها وسعتها وحسنها وما فيها من الشمس والقمر والكواكب والملائكة.
والأرض وما فيها من الجبال والبحار والبراري والقفار, والأشجار ونحوها.
وكل ذلك خلقه بالحق, أي لم يخلقها عبثا, ولا سدى, ولا لغير فائدة.
وإنما خلقها, ليقوم أمره وشرعه, ولتتم نعمته على عباده, وليروا من حكمته, وقهره وتدبيره, ما يدلهم على أنه وحده, معبودهم, ومحبوبهم, وإلههم.
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ " على كثير من المطالب الإيمانية, إذا تدبرها المؤمن, رأى ذلك فيها عيانا.




ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:08 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (413)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة العنكبوتhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(45) الى الأية(50)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة العنكبوت


" اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " (45)
يأمر تعالى بتلاوة وحيه, وتنزيله, وهو: هذا الكتاب العظيم.
ومعنى تلاوته, اتباعه, بامتثال ما يأمر به, واجتناب ما ينهى عنه, والاهتداء بهداه, وتصديق أخباره, وتدبر معانيه, وتلاوة ألفاظه, فصار تلاوة لفظه جزء المعنى, وبعضه.
وإذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب, عل أن إقامة الدين كلها, داخلة في تلاوة الكتاب.
فيكون قوله " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ " من باب عطف الخاص على العام, لفضل الصلاة وشرفها, وآثارها الجميلة, وهي " إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ " .
فالفحشاء, كل ما استعظم, واستفحش من المعاصي, التي تشتهيها النفوس.
والمنكر: كل معصية تنكرها العقول والفطر.
ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, أن العبد المقيم لها, المتمم لأركانها وشروطها, وخشوعها, يستنير قلبه, ويتطهر فؤاده, ويزداد إيمانه, وتقوى رغبته في الخير, وتقل أو تنعدم, رغبته في الشر.
فبالضرورة, مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه, تنهى عن الفحشاء والمنكر.
فهذا من أعظم مقاصد الصلاة, وثمراتها.
وثَمَّ في الصلاة, مقصود أعظم من هذا وأكبر, وهو: ما اشتملت عليه من ذكر اللّه, بالقلب, واللسان, والبدن.
فإن اللّه تعالى, إنما خلق العباد, لعبادته, وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة.
وفيها من عبوديات الجوارح كلها, ما ليس في غيرها, ولهذا قال: " وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " .
ويحتمل أنه لما أمر بالصلاة ومدحها, أخبر أن ذكره تعالى, خارج الصلاة, أكبر من الصلاة كما هو قول جمهور المفسرين.
لكن الأول, أولى, لأن الصلاة, أفضل من الذكر خارجها, ولأنها - كما تقدم - بنفسها من أكبر الذكر.
" وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " من خير وشر, فيجازيكم على ذلك, أكمل الجزاء, وأوفاه.
" وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ "
ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب, إذا كانت عن غير بصيرة من المجادل, أو بغير قاعدة مرضية, وأن لا يجادلوا, إلا بالتي هي أحسن, بحسن خلق ولطف ولين كلام, ودعوة إلى الحق, وتحسينه, ورد الباطل وتهجينه, بأقرب طريق موصل لذلك.
وأن لا يكون القصد منها, مجرد المجادلة والمغالبة, وحب العلو, بل يكون القصد, بيان الحق, وهداية الخلق.
" إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا " من أهل الكتاب, بأن ظهر من قصد المجادل منهم وحاله, أنه لا إرادة له في الحق, وإنما يجادل, على وجه المشاغبة والمغالبة.
فهذا, لا فائدة في جداله, لأن المقصود منها ضائع.
" وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ " أي: ولتكن مجادلتكم لأهل الكتاب مبنية على الإيمان.
بما أنزل إليكم وأنزل إليهم, وعلى الإيمان برسولكم ورسولهم, وعلى أن الإله واحد.
ولا تكن مناظرتكم إياهم, على وجه يحصل به القدح, في شيء من الكتب الإلهية, أو بأحد من الرسل, كما يفعله الجاهل عند مناظرة الخصوم, يقدح بجميع ما معهم, من حق وباطل, فهذا ظلم, وخروج عن الواجب, وآداب النظر.
فإن الواجب, أن يرد ما مع الخصم من الباطل, ويقبل ما معه من الحق.
ولا يرد الحق, لأجل قوله, ولو كان كافرا.
وأيضا فإن بناء مناظرة أهل الكتاب, على هذا الطريق, فيه إلزام لهم, بالإقرار بالقرآن, وبالرسول, الذي جاء به.
فإنه إذا تكلم في الأصول الدينية, والتي اتفقت عليها الأنبياء والكتب وتقررت عند المناظرين, وثبتت حقائقها عندهما, وكانت الكتب السابقة, والمرسلون, مع القرآن ومحمد صلى اللّه عليه وسلم, قد بينتها, ودلت, وأخبرت بها, فإنه يلزم التصديق بالكتب كلها, والرسل كلهم, وهذا من خصائص الإسلام.
فأما أن يقال: نؤمن بما دل عليه الكتاب الفلاني, دون الكتاب الفلاني, وهو الحق الذي صدق ما قبله, فهذا ظلم وهوى.
وهو يرجع إلى قومه بالتكذيب, لأنه إذا كذب القرآن الدال عليها, المصدق لما بين يديه, فإنه مكذب لما زعم أنه به مؤمن.
وأيضا فإن كل طريق تثبت بها نبوة أي نبي كان, فإن مثلها.
وأعظم منها, دالة على نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وكل شبهة يقدح بها في نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم, فإن مثلها, أو أعظم منها, يمكن توجيهها إلى نبوة غيره.
فإذا ثبت بطلانها في غيره, فثبوت بطلانها في حقه صلى اللّه عليه وسلم, أظهر وأظهر.
وقوله " وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " أي: منقادون مستسلمون لأمره.
ومن آمن به, واتخذه إلها, وآمن بجميع كتبه, ورسله, وانقاد للّه واتبع رسله, فهو السعيد.
ومن انحرف عن هذا الطريق, فهو الشقي.

" وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون " (47)
أي " وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ " يا محمد, هذا " الْكِتَابُ " الكريم, المبين كل نبأ عظيم.
الداعي إلى كل خلق فاضل, وأمر كامل, المصدق للكتب السابقة, المخبر به الأنبياء الأقدمون.
" فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ " فعرفوه حق معرفته, ولم يداخلهم حسد وهوى.
" يُؤْمِنُونَ بِهِ " لأنهم تيقنوا صدقه, بما لديهم من الموافقات, وبما عندهم من البشارات, وبما تميزوا به, من معرفة الحسن والقبيح, والصدق والكذب.
" وَمِنْ هَؤُلَاءِ " الموجودين " مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ " إيمانا عن بصيرة, لا عن رغبة ولا رهبة.
" وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ " الذين دأبهم الجحود للحق, والعناد له.
وهذا حصر لمن كفر به, أنه لا يكون من أحد, قصده متابعة الحق.
وإلا, فكل من له قصد صحيح, فإنه لا بد أن يؤمن به, لما اشتمل عليه من البينات, لكل من له عقل, أو ألقى السمع وهو شهيد.

" وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " (48)
ومما يدل على صحته, أنه جاء به هذا النبي الأمين, الذي عرف قومه صدقه, وأمانته, ومدخله ومخرجه, وسائر أحواله, وهو لا يكتب بيده خطا, بل ولا يقرأ خطا مكتوبا.
فإتيانه به في هذه الحال, من أظهر البينات القاطعة, التي لا تقبل الارتياب, أنه من عند اللّه العزيز الحميد, ولهذا قال: " وَمَا كُنْتَ تَتْلُو " أي تقرأ " مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا " لو كنت بهذه الحال " لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ " فقالوا: تعلمه من الكتب السابقة, أو استنسخه منها.
فأما وقد نزل على قلبك, كتابا جليلا, تحديت به الفصحاء البلغاء, الأعداء, الألداء أن يأتوا بمثله, أو بسورة من مثله, فعجزوا غاية العجز, بل ولا حدثتهم أنفسهم بالمعارضة, لعلمهم ببلاغته وفصاحته, وأن كلام أحد من البشر, لا يبلغ أن يكون مجاريا له أو على منواله, ولهذا قال: " بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ " إلى " الظَّالِمُونَ " .

" بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " (49)
" بَلْ هُوَ " أي: هذا القرآن " آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ " لا خفيات.
" فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ " وهم: سادة الخلق, وعقلاؤهم, وأولو الألباب منهم, والكمل منهم.
فإذا كان آيات بينات, في صدور أمثال هؤلاء, كانوا حجة على غيرهم.
وإنكار غيرهم, لا يضر, ولا يكون ذلك إلا ظلما, ولهذا قال: " وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ " لأنه لا يجحدها إلا جاهل, تكلم بغير علم: ولم يقتد بأهل العلم, ومن هو التمكن من معرفته على حقيقته, أو متجاهل, عرف أنه حق فعانده, وعرف صدقه, فخالفه.

" وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين "(50)
أي: واعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول, ولما جاء به, واقترحوا عليه, نزول آيات, عينوها كما قال اللّه عنهم: " وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا " الآيات.
فتعيين الآيات, ليس عندهم, ولا عند الرسول صلى اللّه عليه وسلم, فإن في ذلك تدابير, مع اللّه, وأنه لو كان كذا, وينبغي أن يكون كذا, وليس لأحد من الأمر شيء.
ولهذا قال: " قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ " إن شاء أنزلها, أو منعها " وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ " وليس لي مرتبة, فوق هذه المرتبة.
وإذا كان القصد بيان الحق من الباطل, فإذا حصل المقصود - بأي طريق - كان اقتراح الآيات المعينات على ذلك, ظلما وجورا, وتكبرا على اللّه, وعلى الحق.
بل لو قدر أن تنزل تلك الآيات, ويكون في قلوبهم, أنهم لا يؤمنون بالحق إلا بها كان ذلك ليس بإيمان, وإنما ذلك, شيء وافق أهواءهم, فآمنوا, لا لأنه حق, بل لتلك الآيات.
فأي فائدة حصلت, في إنزالها على التقدير الفرضي؟




ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:08 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (414)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة العنكبوتhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(51) الى الأية(59)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة العنكبوت


" أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون " (51)
ولما كان المقصود بيان الحق, ذكر تعالى طريقه فقال: " أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ " في علمهم بصدقك, وصدق ما جئت به " أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ " .
وهذا كلام مختصر, جامع فيه, من الآيات البينات, والدلالات الباهرات, شيء كثير.
فإنه كما تقدم إتيان الرسول به بمجرده, وهو أمي, من أكبر الآيات على صدقه.
ثم عجزهم عن معارضته, وتحديهم إياه, آية أخرى.
ثم ظهوره, وبروزه جهرا علانية, يتلى عليهم, ويقال: هو من عند اللّه, قد أظهره الرسول, وهو في وقت قلَّ فيه أنصاره, وكثر مخالفوه وأعداؤه, فلم يخفه, ولم يثن ذلك عزمه.
بل خرج به على رءوس الأشهاد, ونادى به, بين الحاضر والباد, بأن هذا كلام ربي.
فهل أحد يقدر على معارضته, أو ينطق بمباراته أو يستطيع مجاراته.
ثم هيمنته على الكتب المتقدمة, وتصحيحه للصحيح, ونَفْيُ ما أدخل فيها من التحريف, والتبديل.
ثم هدايته لسواء السبيل, في أمره ونهيه.
فما أمر بشيء, فقال العقل " ليته لم يأمر به " , ولا نهى عن شيء فقال العقل " ليته لم ينه عنه " .
بل هو مطابق للعدل والميزان, والحكمة المعقولة لذوي البصائر, والعقول.
ثم مسايرة إرشاداته, وهدايته, وأحكامه, لكل حال, وكل زمان, بحيث لا تصلح الأمور إلا به.
فجميع ذلك, يكفي من أراد تصديق الحق, وعمل على طلب الحق.
فلا كفى اللّه, من لم يكفه القرآن, ولا شفى اللّه, من لم يشفه الفرقان.
ومن اهتدى به واكتفى, فإنه رحمة له وخير, فلذلك قال: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " وذلك لما يحصل فيه من العلم الكثير, والخير الغزير وتزكية القلوب والأرواح, وتطهير العقائد, وتكميل الأخلاق, والفتوحات الإلهية, والأسرار الربانية.

" قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون " (52)

" قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا " فأنا قد استشهدته.
فإن كنت كاذبا, أَحَلَّ بي ما به تعتبرون.
وإن كان إنما يؤيدني, وينصرني, وييسر لي الأمور, فلتكفكم, هذه الشهادة الجليلة من اللّه.
فإن وقع في قلوبكم أن شهادته - وأنتم لم تسمعوه, ولم تروه - لا تكفي دليلا, فإنه " يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " .
ومن جملة معلوماته, حالي وحالكم, ومقالي لكم.
فلو كنت متقولا عليه, مع علمه بذلك, وقدرته على عقوبتي - لكان قدحا, في علمه, وقدرته, وحكمته كما قال تعالى " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ " .
" وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " حيث خسروا الإيمان باللّه, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وحيث فاتهم النعيم المقيم, وحيث حصل لهم في مقابلة الحق الصحيح, كل باطل قبيح, وفي مقابلة النعيم, كل عذاب أليم, فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.

" ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون " (53)
يخبر تعالى, عن جهل المكذبين للرسول, وما جاء به, وأنهم يقولون - استعجالا للعذاب, وزيادة تكذيب: " مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " ؟ يقول تعالى " وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى " مضروب لنزوله, ولم يأت بعد " لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ " بسبب تعجيزهم لنا, وتكذيبهم الحق.
فلو آخذناهم بجهلهم, لكان كلامهم, أسرع لبلائهم وعقوبتهم.
ولكن - مع ذلك - فلا يستبطئوا نزوله " وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " .
فوقع كما أخبر اللّه تعالى, لما قدموا لـ " بدر " بطرين مفاخرين, ظانين أنهم قادرون على مقصودهم.
فأذلهم اللّه, وقتل كبارهم, واستوعب جملة أشرارهم, ولم يبق فيهم بيت, إلا أصابته تلك المصيبة.
فأتاهم العذاب, من حيث لم يحتسبوا, ونزل بهم, وهم لا يشعرون.

" يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين "(54)
هذا, وإن لم ينزل عليهم العذاب الدنيوي, فإن أمامهم العذاب الأخروي, الذي لا يخلص منهم أحد منه, سواء عوجل بعذاب الدنيا, أو أمهل.
" وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ " ليس لهم عنها, معدل ولا منصرف.
قد أحاطت بهم من كل جانب, كما أحاطت بهم ذنوبهم, وسيئاتهم, وكفرهم.
وذلك العذاب, هو العذاب الشديد.

" يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون " (55)
" يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " فإن أعمالكم انقلبت عليكم عذابا, وشملكم العذاب, كما شملكم الكفر والذنوب.
" يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون "(56)
يقول تعالى: " يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا " وصدقوا رسولي " إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ " فإذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في أرض, فارتحلوا منها إلى أرض أخرى, حيث كانت العبادة للّه وحده.
فأماكن العبادة, ومواضعها, واسعة, والمعبود واحد, والموت لا بد أن ينزل بكم ثم ترجعون إلى ربكم, فيجازي من أحسن عبادته وجمع بين الإيمان والعمل الصالح بإنزاله الغرف العالية, والمنازل الأنيقة الجامعة, لما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين, وأنتم فيها خالدون.
فـ " نَعَمْ " تلك المنازل, في جنات النعيم " أَجْرُ الْعَامِلِينَ " للّه.

" الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون "(59)
" الَّذِينَ صَبَرُوا " على عبادة اللّه " وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " في ذلك.
فصبرهم على عبادة اللّه, يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك, والمحاربة العظيمة للشيطان, الذي يدعوهم إلى الإخلال بشيء من ذلك.
وتوكلهم, يقتضي شدة اعتمادهم على اللّه, وحسن ظنهم به, أن يحقق ما عزموا عليه من الأعمال, ويكملها.
ونص على التوكل, وإن كان داخلا في الصبر, لأنه يحتاج إليه في كل فعل, وترك مأمور به, ولا يتم إلا به.




ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:09 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (415)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة العنكبوتhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(60) الى الأية(69)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة العنكبوت




" وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم " (60)
أي: الباري تبارك وتعالى, قد تكفل بأرزاق الخلائق كلهم, قويهم, وعاجزهم.
فكم " مِنْ دَابَّةٍ " في الأرض, ضعيفة القوى, ضعيفة العقل.
" لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا " ولا تدخره, بل لم تزل, لا شيء معها من الرزق, ولا يزال اللّه يسخر لها الرزق, في كل وقت بوقته.
" اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ " فكلكم عيال اللّه القائم برزقكم, كما قام بخلقكم وتدبيركم.
" وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " فلا تخفى عليه خافية, ولا تهلك دابة من عدم الرزق, بسبب أنها خافية عليه.
كما قال تعالى: " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " :

" ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون "(61)
هذا استدلال على المشركين, المكذبين بتوحيد الإلهية والعبادة, وإلزام لهم, بما أثبتوه من توحيد الربوبية.
فأنت لو سألتهم من خلق السماوات والأرض, ومن نزل من السماء ماء, فأحيا به الأرض بعد موتها, ومن بيده تدبير جميع الأشياء؟ " لَيَقُولُنَّ اللَّهُ " وحده, ولَاعْتَرَفُوا بعجز الأوثان, ومن عبدوه مع اللّه, عن شيء من ذلك.
فاعجب لإفكهم, وكذبهم, وعدولهم إلى من أقروا بعجزه, وأنه لا يستحق أن يدبر شيئا.
وسَجِّلْ عليهم عدم العقل, وأنهم السفهاء, ضعفاء الأحلام.
فهل تجد أضعف عقلا, وأقل بصيرة, ممن أتى إلى حجر, أو قبر ونحوه وهو يدري أنه لا ينفع ولا يضر, ولا يخلق ولا يرزق - ثم صرف له خالص الإخلاص, وصافي العبادية, وأشركه مع الرب, الخالق الرازق, النافع الضار.
و " قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ " الذي بين الهدى من الضلال, وأوضح بطلان ما عليه المشركون, ليحذره الموفقون.
و " قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ " الذي خلق العالم العلوي والسفلي, وقام بتدبيرهم, ورزقهم, وبسط الرزق على من يشاء, وضيقه عمن يشاء, حكمة منه, ولعلمه بما يصلح عباده, وما ينبغي لهم.

" وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون "(64)
يخبر تعالى عن حالة الدنيا والآخرة, وفي ضمن ذلك, التزهيد في الدنيا والتشويق للأخرى فقال: " وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا " في الحقيقة " إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ " تلهو بها القلوب, وتلعب بها الأبدان, بسبب ما جعل اللّه فيها من الزينة واللذات, والشهوات الخالبة للقلوب المعرضة, الباهجة للعيون الغافلة, المفرحة للنفوس المبطلة الباطلة.
ثم تزول سريعا, وتنقضي جميعا, ولم يحصل منها محبها, إلا على الندم والخسران.
" وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ " أي: الحياة الكاملة, التي من لوازمها, أن تكون أبدان أهلها, في غاية القوة, وقواهم في غاية الشدة, لأنها أبدان وقوى, خلقت للحياة وأن يكون موجودا فيها, كل ما تكمل به الحياة, وتتم به اللذة, من مفرحات القلوب, وشهوات الأبدان, من المآكل, والمشارب, والمناكح; وغير ذلك, مما لا عين رأت.
ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.
" لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " لما آثروا الدنيا على الآخرة, ولو كانوا يعقلون لما رغبوا عن دار الحيوان, ورغبوا في دار اللهو واللعب.
فدل ذلك, أن الذين يعلمون, لا بد أن يؤثروا الآخرة على الدنيا, لما يعلمونه من حالة الدارين.

" فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون "(65)
ثم ألزم تعالى, المشركين بإخلاصهم للّه, في حال الشدة, عند ركوب البحر, وتلاطم أمواجه, وخوفهم الهلاك, يتركون وقتذاك, أندادهم, ويخلصون الدعاء للّه وحده لا شريك له.
فلما زالت عنهم الشدة, ونجى من أخلصوا له الدعاء إلى البر, أشركوا به, من لا نجاهم من شدة, ولا أزال عنهم مشقة.
فهلا أخلصوا للّه الدعاء, في حال الرخاء والشدة, واليسر والعسر, ليكونوا مؤمنين حقا, مستحقين ثوابه, مندفعا عنهم عقابه.

" ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون " (66)
ولكن شركهم هذا بعد نعمتنا عليهم, بالنجاة من البحر, ليكون عاقبته الكفر, بما آتيناهم, ومقابلة النعمة بالإساءة, وليكملوا تمتعهم في الدنيا, الذي هو كتمتع الأنعام, ليس لهم همٌّ إلا بطونهم وفروجهم.
" فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة, شدة الأسف, وأليم العقوبة.

" أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون " (67)
ثم امتن عليهم بحرمه الآمن, وأنهم أهله, في أمن, وسعة ورزق, والناس من حولهم, يتخطفون ويخافون.
فلا يعبدون الذي أطعمهم من جوع, وآمنهم من خوف.
" أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ " وهو ما هم عليه, من الشرك, والأقوال, والأفعال الباطلة.
" وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ " هم " يَكْفُرُونَ " فأين ذهبت عقولهم, وانسلخت أحلامهم حيث آثروا الضلال على الهدى, والباطل على الحق, والشقاء على السعادة وحيث كانوا أظلم الخلق.

" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين "(68)
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا " فنسب ما هو عليه من الضلال والباطل, إلى اللّه.
" أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ " على يد رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم.
ولكن هذا الظالم العنيد, أمامه جهنم " أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ " يؤخذ بها منهم الحق, ويخزون بها, وتكون منزلهم الدائم, الذي لا يخرجون منه.

" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " (69)
" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا " وهم الذين هاجروا في سبيل اللّه, وجاهدوا أعداءهم, وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته.
" لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا " أي: الطرق الموصلة إلينا, وذلك, لأنهم محسنون.
" وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " بالعون والنصر, والهداية.
دل هذا, على أن أحرى الناس بموافقة الصواب, أهل الجهاد.
وعلى أن من أحسن فيما أمر به, أعانه اللّه, ويسر له أسباب الهداية.
وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي, فإنه يحصل له من الهداية, والمعونة على تحصيل مطلوبه, أمور إلهية, خارجة عن مدرك اجتهاده, وتيسر له أمر العلم.
فإن طلب العلم الشرعي, من الجهاد في سبيل اللّه, بل هو أحد نَوْعَي الجهاد, الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق, وهو الجهاد بالقول, واللسان, للكفار, والمنافقين.
والجهاد على تعليم أمور الدين, وعلى رد نزاع المخالفين للحق, ولو كانوا من المسلمين.



ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:10 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (416)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الرومhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(1) الى الأية(10)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الروم


" الم " (1)


كانت الفرس والروم, في ذلك الوقت, من أقوى دول الأرض.
وكان يكون بينهما من الحروب والقتال, ما يكون بين الدول المتوازنة.
وكانت الفرس مشركين, يعبدون النار.
وكانت الروم, أهل كتاب, ينتسبون إلى التوراة والإنجيل, وهم أقرب إلى المسلمين من الفرس, فكان المسلمون يحبون غلبتهم, وظهورهم على الفرس.
وكان المشركون, لاشتراكهم والفرس في الشرك, يحبون ظهور الفرس على الروم.
فظهر الفرس على الروم, وغلبوهم غلبا لم يحط بملكهم, بل أدنى أرضهم.
ففرح بذلك مشركوا مكة, وحزن المسلمون.
فأخبرهم اللّه, ووعدهم أن الروم ستغلب الفرس.

" في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون " (4)
" فِي بِضْعِ سِنِينَ " تسع, أو ثمان, ونحو ذلك, مما لا يزيد على العشر, ولا ينقص عن الثلاث.
وأن غلبة الفرس للروم, ثم غلبة الروم للفرس, كل ذلك بمشيئته وقدره ولهذا قال: " لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ " فليس الغلبة والنصر, لمجرد وجود الأسباب.
وإنما هي, لا بد أن يقترن بها القضاء والقدر.
" وَيَوْمَئِذٍ " أي: يوم يغلب الروم الفرس, ويقهرونهم " يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ " .
أي: يفرحون بانتصارهم على الفرس, وإن كان الجميع كفارا, ولكن بعض الشر أهون من بعض, ويحزن يومئذ, المشركون.
" وَهُوَ الْعَزِيزُ " الذي له العزة, التي قهر بها الخلائق أجمعين " يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء " .
" الرَّحِيمِ " بعباده المؤمنين, حيث قيض لهم من الأسباب التي تسعدهم وتنصرهم, ما لا يدخل في الحساب

" وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (6)
وعد الله المؤمنين وعدا جازما لا يتخلف, بنصر الروم النصارى على الفرس الوثنيين, ولكن أكثر كفار (مكة) لا يعلمون أن ما وعد الله به حق,
" يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " (7)
وإنما يعلمون ظواهر الدنيا وزخرفها, وهم عن أمور الآخرة, ما ينفعهم فيها غافلون, لا يفكرون فيها.
" أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون " (8)
أو لم يتفكر هؤلاء المكذبون برسل الله ولقائه في خلق الله إياهم, وأنه خلقهم, ولم يكونوا شيئا.
ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا لاقامة العدل والثواب والعقاب, والدلالة على توحيده وقدرته, وأجل مسمى تنتهي إليه وهو يوم القيامة؟ كان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لجاحدون منكرون; جهلا منهم بأن معادهم إلى الله بعد فنائهم, وغفلة منهم عن الآخرة.

" أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " (9)
أولم يسر هؤلاء المكذبون بالله الغافلون عن الآخرة في الأرض سير تأمل واعتبار, فيشاهدوا كيف كان جزاء الأمم الذين كذبوا برسل الله كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم أجساما, وأقدر على التمتع بالحياة حيث حرثوا الأرض وزرعوها, وبنوا القصور وسكنوها, فعمروا دنياهم أكثر مما عمر أهل (مكة) دنياهم, فلم تنفعهم عمارتهم ولا طول مدتهم, وجاءتهم رسلهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة, فكذبوهم فأهلكهم الله, ولم يظلمهم الله بذلك الإهلاك, وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان.
" ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون " (10)
ثم كانت عاقبة أهل السوء من الطغاة والكفرة أسوأ العواقب وأقبحها; لتكذيبهم بالله وسخريتهم بآياته التي أنزلها على رسله.

ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:10 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (417)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الرومhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(11) الى الأية(18)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الروم




" الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون " (11)
الله وحده هو المتفرد بإنشاء المخلوقات كلها, وهو القادر وحده على إعادتها مرة أخرى, ثم إليه يرجع جميع الخلق, فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
" ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون " (12)
ويوم تقوم الساعة ييئس المجرمون من النجاة من العذاب, وتصيبهم الحيرة فتنقطع حجتهم.
" ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين " (13)
ولم يكن للمشركين في ذلك اليوم من آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله شفعاء, بل إنها تتبرأ منهم, ويترؤون منها.
فالشفاعة لله وحده, ولا تطلب من غيره.

" ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون " (14)
ويوم تقوم الساعة يفترق أهل الإيمان به وأهل الكفر,
" فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون " (15)
فأما المؤمنون بالله ورسوله, العاملون الصالحات فهم في الجنة, يكرمون ويسرون وينغمون.
" وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون " (16)
وأما الذين كفروا بالله وكذبوا بما جاءت به الرسل وأنكروا البعث بعد الموت, فأولئك في العذاب مقيمون; جزاء ما كذبوا به في الدنيا.
" فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " (17)
فيا أيها المؤمنون سبحوا الله ونزهوه عن الشريك والصاحبة والولد, وصفوه بصفات الكمال بألسنتكم, وحققوا ذلك بجوارحكم كلها حين تمسون, وحين تصبحون, ووقت العشي, ووقت الظهيرة.
" وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون " (18)
وله - سبحانه- الحمد والثناء في السموات والأرض وفي الليل والنهار.

ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:10 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (418)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الرومhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(19) الى الأية(26)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الروم




" يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون " (19)
يخرج الله الحي من الميت كالإنسان من النطفة والطير من البيضة, ويخرج الميت من الحي, كالنطفة من الإنسان والبيضة من الطير.
ويحيي الأرض بالنبات بعد يبسها وجفافها, ومثل هذا الإحياء تخرجون -أيها الناس- من قبوركم أحياء للحساب والجزاء.

" ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون " (20)
ومن آيات الله الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق آباكم آدم من تراب, ثم أنتم بئر تتناسلون منتشرين في الأرض, تبتغون من فضل الله.
" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " (21)
ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم -أيها الرجال- أزواجا; لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن, وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة, إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون, ويتدبرون.
" ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " (22)
ومن دلائل القدرة الربانية: خلق السموات وارتفاعها بغير عمد, وخلق الأرض مع اتساعها وامتدادها, واختلاف لغاتكم وتباين ألوانكم, إن في هذا لعبرة لكل ذي علم وبصيرة.
" ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون " (23)
ومن دلائل هذه القدرة أن جعل الله النوم راحة لكم في الليل أو النهار; إذ في النوم حصول الراحة وذهاب التعب, وجعل لكم النهار تنتشرون فيه لطلب الرزق, إن في ذلك لدلائل على كمال قدرة الله ونفوذ مشيئته لقوم يسمعون المواعظ سماع تأمل وتفكر واعتبار.
" ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " (24)
ومن دلائل قدرته سبحانه أن يريكم البرق, فتخافون من الصواعق, وتطمعون في الغيث, وينزل من السحاب مطرا تحيا به الأرض بعد جدبها وجفافها, إن في هذا لدليلا على كمال قدرة الله وعظيم حكمته وإحسانه لكل من لديه عقل يهتدي به.
" ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون " (25)
ومن آياته الدالة على قدرته قيام الماء والأرض واستقرارهما وثباتهما بأمره, فلم تتزلزلا, ولم تسقط السماء على الأرض, ثم إذا دعاكم الله إلى البعث يوم القيامة, إذا أنتم تخرجون من القبور مسرعين.
" وله من في السماوات والأرض كل له قانتون " (26)
ولله وحده كل من في السموات والأرض من الملائكة والإنس والجن والحيوان والنبات والجماد, كل هؤلاء منقادون لأمره خاضعون لكماله.

ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:11 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (419)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الرومhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(27) الى الأية(34)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الروم




" وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " (27)
والله وحده الذي يبدأ الخلق من العدم ثم يعيده حيا بعد الموت, وإعادة الخلق حيا بعد الموت أهون على الله من ابتداء خلقهم, وكلاهما عليه هين.
وله سبحانه الوصف الأعلى في كل ما يوصف به, ليس كمثله شيء, وهو السميع البصير.
وهو العزيز الذي لا يغالب, الحكيم في أقواله وأفعاله, وتدبير أمور خلقه.

" ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون " (28)
ضرب الله مثلا لكم -أيها المشركون -من أنفسكم: هل لكم من عبيدكم وإمائكم من يشارككم في رزقكم, وترون أنكم وإياهم متساوون فيه, تخافونهم كما تخافون الأحرار الشركاء في مقاسمة أموالكم؟ إنكم لن ترضوا بذلك, فكيف ترضون بذلك في جنب الله بأن تجعلوا له شريكا من خلقه؟ وبمثل هذا البيان نبين البراهين والحجج لأصحاب العقول السليمة الذين ينتفعون بها.
" بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين " (29)
بل اتبع المشركون أهواءهم بتقليد آبائهم بغير علم, فشاركوهم في الجهل والضلالة; ولا أحد يقدر على هداية من أضله الله بسبب تماديه في الكفر والعناد, وليس لهؤلاء من أنصار يخلصونهم من عذاب الله.
" فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (30)
فأقم -يا محمد أنت ومن اتبعك- وجهك, واستمر على الدين الذي شرعه الله لك, وهو الإسلام الذي فطر الله الناس عليه, فبقاؤكم عليه, وتمسككم به, تمسك بفطرة الله من الإيمان بالله وحده, لا تبديل لخلق الله ودينه, فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا الله رب العالمين وجنته, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الذي أمرتك به -يا محمد- هو الدين الحق دون سواه.
" منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين " (31)
وكونوا راجعين إلى الله بالتوبة وإخلاص العمل له, واتقوه بفعل الأوامر واجتناب النواهي, وأقيموا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها وشروطها, ولا تكونوا من المشركين مع الله غيره في العبادة.
" من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون " (32)
ولا تكونوا من المشركين وأهل الأهواء والبدع الذين بدلوا دينهم,, وغيروه, فأخذوا بعضه,, تركوا بعضه; تبعا لأهوائهم, فصاروا فرقا وأحزابا, يتشيعون لرؤسائهم وأحزابهم وآرائهم, يعين بعضهم بعضا على الباطل, كل حزب بما لديهم فرحون مسرورون, يحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل.
" وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون " (33)
وإذا أصاب الناس شدة وبلاء دعوا ربهم مخلصين له أن يكشف عنهم الضر, فإذا رحمهم وكشف عنهم ضرهم إذا فريق منهم يعودون إلى الشرك مرة أخرى, فيعبدون مع الله غيره.
" ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون " (34)
ليكفروا بما آتيناهم ومننا به عليهم من كشف الضر, وزوال الشدة عنهم, فتمتعوا -أيها المشركون- بالرخاء والسعة في هذه الدنيا, فسوف تعلمون ما تلقونه من العذاب والعقاب.

ابوالوليد المسلم 04-06-2020 04:11 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (420)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الرومhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(35) الى الأية(42)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الروم




" أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون " (35)
أم أنزلنا على هؤلاء المشركين برهانا ساطعا وكتابا قاطعا, ينطق بصحة شركهم وكفرهم بالله وآياته.
" وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون "(36)
وإذا أذقنا الناس منا نعمة من صحة وعافية ورخاء, فرحوا بذلك فرح بطر وأشر, لا فرح شكر, وإن يصبهم مرض وفقر وخوف وضيق بسبب ذنوبهم ومعاصيهم, إذا هم ييئسون من زوال ذلك, وهذا طبيعة أكثر الناس في الرخاء والشدة.
" أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " (37)
أو لم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء امتحانا, هل يشكر أو يكفر؟ ويضيقه على من يشاء اختبارا, هل يصبر أو يجزع؟ إن في ذلك التوسيع والتضييق لآيات لقوم يؤمنون بالله ويعرفون حكمة الله ورحمته.
" فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون " (38)
فأعط -أيها المؤمن- قريبك حقه من الصلة والصدقة وسائر أعمال البر, وأعط الفقير والمحتاج الذي انقطع به السبيل من الزكاة والصدقة, ذلك الإعطاء خير للذين يريدون بعملهم وجه الله, والذين يعملون هذه الأعمال وغيرها من أعمال الخير, أولئك هم الفائزون بثواب الله الناجون من عقابه.
" وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون " (39)
وما أعطيتم قرضا من المال بقصد الربا, وطلب زيادة ذلك القرض; ليزيد وينمو في أموال الناس, فلا يزيد عند الله, بل يمحقه ويبطله.
وما أعطيتم من زكاة وصدقة للمستحقين ابتغاء مرضاة الله وطلبا لثوابه, فهذا هو الذي يقبله الله ويضاعفه لكم أضعافا كثيرة.

" الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون " (40)
الله وحده هو الذي خلقكم -أيها الناس- ثم رزقكم في هذه الحياة, ثم يميتكم بانتهاء آجالكم, ثم يبعثكم من القبور أحياء للحساب والجزاء, هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء؟ تنره الله وتقدس عن شرك هؤلاء المشركين به.
" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون "(41)
ظهر الفساد في البر والبحر, كالجدب وقلة الأمطار وكثرة الأمراض والأوبئ;! وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر; ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا; كي توبوا إلى الله -سبحانه- ويرجعوا عن المعاصي, فتصلح أحوالهم, وتستقيم أمورهم.
" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين " (42)
قل -يا محمد- للمكذبين بما جئت به: سيروا في أنحاء الأرض سير اعتبار وتأمل, فانظروا كيف كان عاقبة الأمم السابقة المكذبة كقوم نوح, وعاد وثمود, تجدوا عاقبتهم شر العواقب ومالهم شر مال؟ فقد كان أكثرهم مشركين بالله.



ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:10 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (421)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الرومhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(43) الى الأية(51)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الروم




" فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون "(43)
فوجه وجهك -يا محمد- نحو الدين المستقيم, وهو الإسلام, منفذا أوامره مجتنبا نواهيه, واستمسك به من قبل مجيء يوم القيامة, فإذا جاء ذلك اليوم الذي لا يقدر أحد على رده تفرقت الخلائق أشتاتا متفاوتين; ليروا أعمالهم.
" من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون " (44)
من كفر فعليه عقوبة كفره, وهي خلوده في النار, ومن آمن وعمل صالحا فلأنفسهم يهيئون منازل الجنة; بسبب تمسكهم بطاعة ربهم.
" ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين "(45)
ليجزي الله الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من فضله وإحسانه.
إنه لا يحب الكافرين لسخطه وغضبه عليهم.

" ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " (46)
ومن آيات الله الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته إرسال الرياح أمام المطر مبشرات بإثارتها للسحاب, فتستبشر بذلك النفوس; وليذيقكم من رحمته بإنزاله المطر الذي تحيا به البلاد والعباد, ولتجري السفن في البحر بأمر الله ومشيئته, ولتبتغوا من فضله بالتجارة وغيرها; رجاء أن تشكروا له نعمه بتوحيده وطاعته.
" ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين "(47)
ولقد أرسلنا من قبلك -يا محمد- رسلا إلى قومهم مبشرين ومنذرين يدعونهم إلى التوحيد, ويحذرونهم من الشرك, فجاؤوهم بالمعجزات والبراهين الساطعة, فكفر أكثرهم بربهم, فانتقمنا من الذين اكتسبوا السيئات منهم, فأهلكناهم, ونصرنا المؤمنين أتباع الرسل, وكذلك نفعل بالمكذبين بك إن استمروا على تكذيبك, ولم يؤمنوا.
" الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون " (48)
الله -سبحانه- هو الذي يرسل الرياح فتثير سحابا مثقلا بالماء, فينشره الله في السماء كيف يشاء, ويجعله قطعا متفرقة, فترى المطر يخرج من بين السحاب, فإذا ساقه الله إلى عباده إذا هم يستبشرون ويفرحون بأن الله صرف ذلك إليهم.
" وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين " (49)
فإن كانوا من قبل نزول المطر لفي يأس وقنوط; بسبب احتباسه عنهم.
" فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير " (50)
فانظر -أيها المشاهد- نظر تأمل وتدبر إلى آثار المطر في النبات والزروع والشجر, كيف يحيي به الله الأرض بعد موتها, فينبتها ويعشبها؟ إن الذي قدر على إحياء هذه الأرض لمحيي الموتى, وهو على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
" ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون " (51)
ولئن أرسلنا على زروعهم ونباتهم ربحا مفسدة, فرأوا نباتهم قد فسد بتلك الريح, فصار من بعد خضرته مصفرا, لمكثوا من بعد رؤيتهم له يكفرون بالله



ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:11 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (422)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الرومhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(52) الى الأية(60)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الروم



" فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين " (52)
فإنك -يا محمد- لا تسمع من مات قلبه, أو سد أذنه عن سماع الحق, فلا تجزع ولا تحزن على عدم إيمان هؤلاء المشركين بك, فإنهم كالصم والموتى لا يسمعون, ولا يشعرون ولو كانوا حاضرين, فكيف إذا كانوا غائبين عنك مدبرين؟
" وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون " (53)
وما أنت -يا محمد- بمرشد من أعماه الله عن طريق الهدى, ما تسمع سماع انتفاع إلا من يؤمن بآياتنا, فهم خاضعون ممثلون لأمر الله.
" الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير " (54)
الله تعالى هو الذي خلقكم من ماء ضعيف مهين, وهو النطفة, ثم جعل من بعد ضعف الطفولة قوة الرجولة, ثم جعل من بعد هذه القوة ضعف الكبر والهرم, يخلق الله ما يشاء من الضعف والقوة, وهو العيم بخلقه, القادر على كل شيء.
" ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون " (55)
ويوم تجيء القيامة ويبعث الله الخلق من قبورهم يقسم المشركون ما مكثوا في الدنيا غير فترة قصيرة من الزمن, كذبوا في قسمهم, كما كانوا يكذبون في الدنيا, وينكرون الحق الذي جاءت به الرسل.
" وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون "(56)
وقال الذين أوتوا العلم والإيمان بالله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين: لقد مكثتم فيما كتب الله مما سبق في علمه من يوم خلقتم إلى أن بعثتم, فهذا يوم البعث, ولكنكم كنتم لا تعلمون, فأنكرتموه في الدنيا, وكذبتم به.
" فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون " (57)
فيوم القيامة لا ينفع الظالمين ما يقدمونه من أعذار, ولا يطلب منهم إرضاء الله تعالى بالتوبة والطاعة, بل يعاقبون بسيئاتهم ومعاصيهم.
" ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون " (58)
ولقد بينا للناس في هذا القرآن من كل مثل من أجل إقامة الحجة عليهم وإثبات وحدانية الله جل وعلا, ولئن جئتهم -يا محمد- بأي حجة تدل على صدقك ليقولن الذين كفروا بك: ما أنتم -يا محمد وأتباعك- إلا مبطلون فيما تجيئوننا به من الأمور.
" كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون "(59)
ومثل ذلك الختم يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به -يا محمد- من عند الله من هذه العبر والآيات البيات.
" فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " (60)
فاصبر -يا محمد- على ما ينالك من أذى قومك وتكذيبهم لك, إن ما وعدك الله به من نصر وتمكين وثواب حق لا شك فيه, ولا يستفزنك عن دينك الذين لا يوقنون بالميعاد, ولا يصدقون بالبعث والجزاء.



ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:11 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (423)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة لقمانhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(1) الى الأية(9)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة لقمان


" الم " (1)
سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.
" تلك آيات الكتاب الحكيم " (2)
هذه الآيات آيات القرآن ذي الحكمة البالغة.
" هدى ورحمة للمحسنين " (3)
هذه الآيات هدى ورحمة للذين أحسنوا العمل بما أنزل الله في القرآن, وما أمرهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
" الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون " (4)
الذين يؤدون الصلاة كاملة في أوقاتها ويؤتون الزكاة المفروضة عليهم, وهم بالبعث والجزاء في الآخرة يوقنون.
" أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " (5)
أولئك المتصفون بالصفات السابقة على بيان من ربهم ونور, وأولئك هم الفائزون في الدنيا, والآخرة
" ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين " (6)
ومن الناس من يشري لهو الحديث - وهو كل ما يلهي عن طاعة الله ويصد عن مرضاته- ليضل الناس عن طريق الهدى إلى طريق الهوى, وينخذ آيات الله سخرية, أولئك لهم عذاب يهينهم ويخزيهم.
" وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم " (7)
وإذا تتلى عليه أيات القرآن أعرض عن طاعة الله, وتكبر غير معتبر, كأنه لم يسمع شيئا, كان في أذنيه صما, ومن هذه حاله فبشره- يا محمد- بعذاب مؤلم موجع في النار يوم القيامة.
" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم " (8)
إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات التي أمروا بها, أولئك لهم نعيم مقيم في الجنات.
" خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم " (9)
وحياتهم في تلك الجنات حياة أبدية لا تقطع ولا تزول, وعدهم الله بذلك وعدا حقا.
وهو سبحانه لا يخلف وعده, وهو العزيز في أمره, الحكيم في تدبيره.

ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:12 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (424)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة لقمانhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(10) الى الأية(16)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة لقمان



" خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم " (10)
خلق الله السموات, ورفعها بغير عمد كما تشهدونها, وألقى في الأرض جبالا ثابتة؟ لئلا تضطرب وتتحرك فتفسد حياتكم, ونشر في الأرض مختلف أنواع الدواب, وأنزلنا من السحاب مطرا, فأنبتنا به من الأرض من كل زوح بهيح نافع حسن المنظر.
" هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين "(11)
وكل ما تشاهدونه هو خلق الله, فأروني- أيها المشركون-: ماذا خلقت آلهتكم التي تعبدونها من دون الله؟ بل المشركون في ذهاب بين عن الحق والاستقامه.
" ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد "(12)
ولقد أعطينا عبدا صالحا من عبادنا (وهو لقمان) الحكمة, وهي الفقه في الدين وسلامة العقل والإصابة في القول, وقلنا له: اشكر لله نعمه عليك, ومن يشكر لربه فإنما يعود نفع ذلك عليه, ومن جحده فإن الله غني عن شكره, غير محتاج إليه, له الحمد والثناء على كل حال
" وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم "(13)
واذكر- يا محمد- نصيحة لقمان لابنه حين قال له واعظا: يا بني لا تشرك بالله فتظلم نفسك؟ إن الشرك لأعظم الكبائر وأبشعها.
" ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير "(14)
وأمرنا الإنسان ببر والديه والإحسان إليهما, حملته أمه ضعفا على ضعف, وحمله, وفطامه عن الرضاعة في مدة عامين, وقلنا له: اشكر لله, ثم اشكر لوالديك, إلي المرجع فأجازي كلا بما يستحق.
" وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " (15)
وإن جاهدك- أيها الولد المؤمن- والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتك إياي مما ليس لك به علم, أو أمراك بمعصية من معاصي الله فلا تطعهما؟ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وصاحبهما في الدنيا بالمعروف فيما لا إثم فيه, واسلك- أيها الابن المؤمن- طريق من تاب من ذنبه, ورجع إلي وآمن برسولي محمد صلى الله عليه وسلم, ثم إلي مرجعكم, فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا, وأجازي كل عامل بعمله.
" يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير " (16)
يا بني اعلم أن السيئة أو الحنسة إن كانت قدر حبة خردل- وهي المتناهية في الصغر- في باطن جبل؟ أو في أي مكان في السموات أو في الأرض, فإن الله يأتي بها يوم القيامة, ويحاسب عليها.
إن الله لطيف بعباده خبير بأعمالهم.




ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:12 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (425)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة لقمانhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(17) الى الأية(26)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة لقمان


" يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور "(17)
يا بني أقم الصلاة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها, وأمر بالمعروف, وانه عن المنكر بلطف ولين وحكمة بحسب جهدك, وتحمل ما يصيبك من الأذى مقابل أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر, واعلم أن مذه الوصايا مما أمر الله به من الأمور التي ينبغي الحرص عليها.
" ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور "(18)
ولا تمل وجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك, احتقارا منك لهم واستكبارا عليهم, ولا تمش في الأرض بين الناس مختالا متبخترا, إن الله لا يحب كل مختال فخور متكبر في نفسه وقوله
" واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " (19)
وتواضع في مشيك, واخفض من صوتك, إن أقبح الأصوات وأبغضها لصوت الحمير.
" ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " (20)
ألم تروا- أيها الناس- أن الله ذلل لكم ما في السموات من الشمس والقمر والسحاب وغير ذلك, وما في الأرض من الدواب والشجر والماء, وغير ذلك مما لا يحصى, وعمكم بنعمه الظاهرة على الأبدان والجوارح, والباطنة في العقول والقلوب, وما ادخره لكم مما لا تعلمونه؟ ومن الناس من يجادل في توحيد الله وإخلاص العبادة له بغير حجة ولا بيان, ولا كتاب مبين يبين حقيقة دعواه
" وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير " (21)
وإذا قيل لهؤلاء المجاهدين في توحيد الله وإفراده بالعبادة: اتبعوا ما أنزل الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: بل نتبع ما كان عليه أباؤنا من الشرك وعبادة الأصنام, أيفعلون ذلك, ولو كان الشيطان يدعوهم, بتزيينه لهم سوء أعمالهم, وكفرهم بالله إلى عذاب النار المستعرة؟
" ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور "(22)
ومن يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى, وهو محسن في أقواله, متقن لأعماله, فقد أخذ بأوثق سبب موصل إلى رضوان الله وجنته وإلى الله وحده تصير كل الأمور, فيجازي المحسن على إحسانه, والمسيء على إساءته.
" ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور " (23)
ومن كفر فلا بأس عليه- يا محمد- ولا تحزن لأنك أديت ما عليك من الدعوة والبلاغ, إلينا مرجعهم, ومصيرهم يوم القيامة, فنخبرهم بأعمالهم الخبيثة التي عملوها في الدنيا, ثم نجازيهم عليها, إن الله عليم بما تكنه صدورهم من الكفر بالله وإيثار طاعة الشيطان.
" نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ "(24)
نمتعهم في هذه الدنيا الفانية مدة قليلة, ثم يوم القيامة نلجئهم ونسوقهم إلى عذاب فظيع, وهو عذاب جهنم.
" ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " (25)
ولئن سألت- يا محمد- هؤلاء المشركين بالله: من خلق السموات والأرض؟ ليقولن الله, فإذا قالوا ذلك فقل لهم: الحمد لله الذي أظهر الاستدلال عليهم من أنفسكم, بل أكثر هؤلاء المشركين لا ينظرون ولا يتدبرون من الذي له الحمد والشكر, فلذلك أشركوا معه غيره.
" لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد "(26)
لله- سبحانه- كل ما في السموات والأرض ملكا وعبيدا وإيجادا وتقديرا, فلا يستحق العبادة أحد غيره.
إن الله هو الغني عن خلقه, له الحمد والثناء على كل حال.




ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:12 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (426)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة لقمانhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(27) الى الأية(34)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة لقمان



" ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم "(27)
ولو أن أشجار الأرض كلها بريت أقلاما والبحر مداد لها, ويمد بسبعة أبحر أخرى, وكتب بتلك الأقلام وذلك المداد كلمات الله, لتكسرت تلك الأقلام, ولنفد ذلك المداد, ولم تفد كلمات الله التامة التي لا يحيط بها أحد.
إن الله عزيز في انتقامه ممن أشرك به, حكيم في تدبير خلقه.
وفي الآية إثبات صفة الكلام لله- تعالى- حقيقة كما يليق بجلاله وكماله سبحانه.

" ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير "(28)
ما خلقكم- أيها الناس- ولا بعثكم يوم القيامة في السهولة واليسر الا كخلق نفس واحدة وبعثها, إن الله سميع لأقوالكم, بصير بأعمالكم, وسيجازيكم عليها.
" ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير "(29)
ألم تر أن الله يأخذ من ساعات الليل, فيطول النهار, ويقصر الليل, ويأخذ من ساعات النهار, فيطول الليل, ويقصر النهار, وذلل لكم الشمس والقمر, يجري كل منهما في مداره إلى أجل معلوم محدد, وأن الله مطلع على كل أعمال الخلق من خير أو شر, لا يخفى عليه منها شيء؟
" ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير " (30)
ذلك كله من عظيم قدرتي ; لتعلموا وتقروا أن الله هو الحق في ذاته وصفاته, وأفعاله, وأن ما يدعون من دونه الباطل, وأن الله هو العلي بذاته فوق جميع مخلوقاته, الكبير على كل شيء, وكل ما عداه خاضع له, فهو وحده المستحق أن يعبد دون من سواه.
" ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور "(31)
ألم تر- أيها المجاهد- أن السفن تجري في البحر بأمر الله نعمة منه على خلقه؟ ليريكم من عبره وحججه عليكم ما تعتبرون به؟ إن في جري السفن في البحر لدلالات لكل صبار عن محارم الله, شكور لنعمه.
" وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور " (32)
وإذا ركب المشركون السفن وعلتهم الأمواج من حولهم كالسحب والجبال, أصابهم الخوف والزعر والغرق ففزعوا إلى الله وأخلصوا دعائهم له فلما نجاهم إلى البر فمنهم متوسط لم يقم بشكر الله على وجه الكمال, ومنهم كافر بنعمة الله جاحد لها, وما يكفر بآياتنا وحججنا الدالة على كمال قدرتنا ووحدانيتنا إلا كل غدار ناقض للعهد, جحود لنعم الله عليه.
" يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور "(33)
يا أيها الناس اتقوا ربكم, وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, واحذروا يوم القيامة الذي لا يغني فيه والد عن ولده ولا مولود عن أبيه شيئا, إن وعد الله حق لا ريب فيه, فلا تنخدعوا بالحياة الدنيا وزخرفها فتنسيكم الأخرى, ولا يخدعنكم بالله خادع من شياطين الجن والإنس.
" إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " (34)
إن الله- وحده لا غيره- يعلم متى تقوم الساعة؟ وهو الذي ينزل المطر من السحاب, لا يقدر على ذلك أحد غيره, ويعلم ما في أرحام الإناث, ويعلم ما تكسبه كل نفس في غدها, وما تعلم نفس بأي أرض تموت.
بل الله تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه.
إن الله عليم خبير محيط بالظواهر والبواطن, لا يخفى عليه شيء منها.




ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:13 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (427)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة السجدةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(1) الى الأية(7)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة السجدة


" الم "(1)

" آلم " سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.
" تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين "(2)
هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا شك أنه منزل من عند الله, رب الخلائق أجمعين.
" أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون " (3)
بل أيقول المشركون: اختلق محمد صلى الله عليه وسلم القرآن؟ كذبوا, بل هو الحق الثابت المنزل عليك -يا محمد- من ربك; لتنذر به أناسا لم يأتهم نذير من قبلك, لعلهم يهتدون, فيعرفوا الحق ويؤمنوا به ويؤثروه, ويؤمنوا بك.
" الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون "(4)
الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام لحكمة يعلمها, وهو قادر أن يخلقها بكلمة (كن) فتكون, ثم استوى سبحانه وتعالى -أي علا وارتفع- على عرشه استواء يليق بجلاله, لا يكيف, ولا يشبه باستواء المخلوقين.
ليس لكم -أيها الناس- من ولي يلي أموركم, أو شفيع يشفع لكم عند الله; لتنجوا من عذابه, أفلا تتعظون وتتفكرون -أيها الناس-, فتفردوا الله يالألوهية وتخلصوا له العبادة؟

" يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " (5)
سدبر الله تعالى أمر المخلوقات من السماء إلى الأرض, ثم يصعد ذلك الأمر والتدبير إلى الله في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا التي تعدونها.
" ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم " (6)
ذلك الخالق المدبر لشؤون العالمين, عالم بكل ما يغيب عن الأبصار, مما تكنه الصدور وتخفيه النفوس, وعالم بما شاهدته الأبصار, وهو القوي الظاهر الذي لا يغالب, الرحيم بعباده المؤمنين.
" الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين " (7)
الله الذي أحكم خلق كل شيء, وبدأ خلق الإنسان, وهو آدم عليه السلام من طين.



ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:13 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (428)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة السجدةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(8) الى الأية(15)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة السجدة

" ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " (8)
ثم جعل ذرية آدم متناسلة من نطفة ضعيفة رقيقة مهينة.
" ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون " (9)
ثم أتم خلق الإنسان وأبدعه, وأحسن خلقته, ونفخ فيه من روحه بإرسال الملك له; لينفخ فيه الروح, وجعل لكم -أيها الناس- نعمة السمع والأبصار يميز بها بين الأصوات والألوان والذرات والأشخاص, ونعمة العقل يميز بها بين الخير والشر والنافع والضار.
قليلا ما تشكرون ربكم على ما أنعم به عليكم.

" وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون "(10)
وقال المشركون بالله المكذبون بالبعث: إذا صارت لحومنا وعظامنا ترابا في الأرض أنبعث خلقا جديدا؟ يستبعدون ذلك غير طالبين الوصول إلى الحق, وإنما هو منهم ظلم وعناد; لأنهم بلقاء ربهم -يوم القيامة- كافرون.
" قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون " (11)
قل -يا محمد- لهؤلاء المشركين: يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم, فيقبض أرواحكم إذا انتهت آجالكم, ولن تتأخروا لحظة واحدة, ثم تردون إلى ربكم, فيجازيكم على جميع أعمالكم: إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
" ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " (12)
ولو ترى -أيها الخاطب- إذ المجرمون الذين أنكروا البعث قد خفضوا رؤوسهم عند ربهم من الحياء والخجل والخزي والعار قائلين: ربنا أبصرنا قبائحنا, وسمعنا منك تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنبا, وقد تبنا إليك, فارجعنا إلى الدنيا لنعمل فيها بطاعتك, إنا قد أيقنا الآن ما كنا به في الدنيا مكذبين من وحدانيتك, وأنك تبعث من في القبور.
ولو رأيت -أيها الخاطب- ذلك كله, لرأيت أمرا عظيما, وخطبا جسيما.

" ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين "(13)
ولو شئنا لآتينا هؤلاء المشركين بالله رشدهم وتوفيقهم للإيمان, ولكن حق القول مني ووجب لأملأن جهنم من أهل الكفر والمعاصي, من الجنة والناس أجمعين; وذلك لاختيارهم الضلالة على الهدى.
" فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون "(14)
يقال لهؤلاء المشركين -عند دخولهم النار-: فذوقوا العذاب; بسبب غفلتكم عن الآخرة وانغماسكم في لذائذ الدنيا, إنا تركناكم اليوم في العذاب, وذوقوا عذاب جهنم الذي لا ينقطع; بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر بالله ومعاصيه.
" إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون " (15)
إنما يصدق بآيات القرآن ويعمل بها الذين إذا وعظوا بها أو تليت عليهم سجدوا لربهم خاشعين مطيعين, وسبحوا الله في سجودهم بحمده, وهم لا يستكبرون عن السجود والتسبيح له, وعبادته وحده لا شريك له.



ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:14 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (429)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة السجدةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(16) الى الأية(22)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة السجدة


" تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون " (16)

ترتفع جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله عن فراش النوم, يتهجدون لربهم في صلاة الليل, يدعون ربهم خوفا من العذاب وطمعا في الثواب, ومما رزقناهم ينفقون في طاعه الله وفي سبيله.
" فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون "(17)
فلا تعلم نفس ما ادخر الله لهؤلاء المؤمنين مما تقربه العين, وينشرح له الصدر; جزاء لهم على أعمالهم الصالحة.
" أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون "(18)
أفمن كان مطيعا لله ورسوله مصدقا بوعده ووعيده, مثل من كفر بالله ورسله وكذب باليوم الآخر؟ لا يستوون عند الله.
" أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون "(19)
أما الذين آمنوا بالله وعملوا بما أمروا به فجزاؤهم جنات يأوون إليها, ويقيمون في نعيمها ضيافة لهم; جزاء لهم بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعته.
" وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون "(20)
وأما الذين خرجوا عن طاعة الله وعملوا بمعاصيه فمستقرهم جهنم, كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها, وقيل لهم -توبيخا وتقريعا-: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون في الدنيا.
" ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون "(21)
ولنذيقن هؤلاء الفاسقين المكذبين من العذاب الأدنى من البلاء والمحن والمصائب في الدنيا قبل العذاب الأكبر يوم القيامة, حيث يعذبون في نار جهنم; لعلهم يرجعون ويتوبون من ذنوبهم.
" ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون "(22)
ولا أحد أشد ظلما لنفسه ممن وعظ بدلائل الله, ثم أعرض عن ذلك كله, فلم يتعظ بمواعظه, ولكنه استكبر عنها, إنا من المجرمين الذين أعرضوا عن آيات الله وحججه, ولم ينتفعوا بها, منتقمون.



ابوالوليد المسلم 09-06-2020 09:14 PM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (430)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة السجدةhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(23) الى الأية(30)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة السجدة


" ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل "(23)
ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك القرآن يا محمد, فلا تكن في شك من لقاء موسى ليلة الإسراء والمعراج, وجعلنا التوراة هداية لبني إسرائيل, تدعوهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
" وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون "(24)
وجعلنا من بني إسرائيل هداة ودعاة إلى الخير, يأتم بهم الناس, ويدعونهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده وطاعته, وإنما نالوا هذه الدرجة العالية حين صبروا على أوامر الله, وترك زواجره, والدعوة إليه, وتحمل الأذى في سبيله, وكانوا بآيات الله وحججه يوقنون.
" إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " (25)
إن ربك -يا محمد- يقضي بين المؤمنين والكافرين من بني إسرائيل وغيرهم يوم القيامة بالعدل فيما اختلفوا فيه من أمور الدين, ويجازي كل إنسان بعمله بإدخال أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
" أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون " (26)
أو لم يتبين لهؤلاء المكذبين للرسول: كم أهلكنا من قبلهم من الأم السابقة يمشون في مساكنهم, فيشاهدونها عيانا كقوم هود وصالح ولوط؟ إن في ذلك لآيات وعظات يستدل بها على صدق الرسل التي جاءتهم, وبطلان ما هم عليه من الشرك, أفلا يسمع هؤلاء المكذبون بالرسل مواعظ الله وحججه, فينتفعون بها؟
" أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون " (26)
أو لم ير المكذبون بالبعث بعد الموت أننا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها, فنخرج به زرعا مختلفا ألوانه تأكل منه أنعامهم, وتتغذى به أبدانهم فيعيشون به؟ أفلا يرون هذه النعم بأعينهم, فيعلموا أن الله الذي فعل ذلك قادر على إحياء الأموات ونشرهم من قبورهم؟
" ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين " (28)
يستعجل هؤلاء المشركون بالله العذاب, فيقولون: متى هذا الحكم الذي يقضي بيننا وبينكم بتعذيبنا على زعمكم إن كنتم صادقين في دعواكم؟
" قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون "(29)
قل لهم -يا محمد-: يوم القضاء الذي يقع فيه عقابكم, وتعاينون فيه الموت لا ينفع الكفار إيمانهم, ولا هم يؤخرون للتوبة والمراجعة.
" فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون " (30)
فأعرض -يا محمد- عن هؤلاء المشركين, ولا تبال بتكذيبهم, وانتظر ما الله صانع بهم, إنهم منتظرون ومتربصون بكم دوائر السوء.



ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:17 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (431)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(1) الى الأية(8)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب




" يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما " (1)
يا أيها النبي دم على نقوى الله بالعمل بأوامره واجتناب محارمه, وليقتد بك المؤمنون; لأنهم أحوج إلى ذلك منك, ولا تطع الكافرين وأهل النفاق.
إن الله كان عليما بكل شيء, حكيما في خلقه وأمره وتدبيره.

" واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا " (2)
واتبع ما يوحى إليك من ربك من فرآن وسنة, إن الله مطلع على كل ما تعملون ومجازيكم به, لا يخفى عليه شيء من ذلك.
" وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا " (3)
واعتمد على ربك, وفوض جميع أمورك إليه, وحسبك به حافظا لمن توكل عليه وأناب إليه.
" ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل " (4)
ما جعل الله لأحد من البشر من قلبين في صدره, وما جعل زوجاتكم اللاتي تظاهرون منهن (في الحرمة) كحرمة أمهاتكم (والظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي, وقد كان هذا طلاقا في الجاهلية, فبين الله أن الزوجة لا تصير أما بحال) وما جعل الله الأولاد المتبنين أبناء في الشرع, بل إن الظهار والتبني لا حقيقة لهما في التحريم الأبدي, فلا تكون الزوجة المظاهر منها كالأم في الحرمة, ولا يثبت النسب بالتبني من قول الشخص للذعي؟ هذا ابني, فهو كلام بالفم لا حقيقة له, ولا يعتد به, والله سبحانه يقول الحق ويبين لعباده سبيله, ويرشدهم إلى طريق الرشاد.
" ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما " (5)
انسبوا أدعياءكم لآبائهم, هو أعدل وأقوم عند الله, فإن لم تعلموا آباءهم الحقيقيين فادعوهم إذأ بأخوة الدين التي تجمعكم بهم, فإنهم إخوانكم في الدين ومواليكم فيه, وليس عليكم إثم فيما وقعتم فيه من خطأ لم تتعمدوه, وإنما يؤاخذكم الله إذا تعمدتم ذلك.
وكان الله غفورا لمن أخطأ, رحيما لمن تاب من ذنبه.

" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا "(6)
النبي محمد صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين, وأقرب لهم من أنفسهم في أمور الدين والدنيا, وحرمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على أمته كحرمة أمهاتهم, فلا يجوز نكاح زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من بعده.
وذوو القرابة من المسلمين بعضهم أحق بميراث بعض في حكم الله وشرعه من الإرث بالإيمان والهجرة (وكان المسلمون في أول الإسلام يتوارثون بالهجرة والإيمان دون الرحم, ثم نسخ ذلك بآيه المواريث) إلا أن تفعلوا -أيها المسلمون- إلى غير الورثة معروفا بالنصر والبر والصلة والإحسان والوصية, كان هذا الحكم المذكور مقدرا مكتوبا في اللوح المحفوظ, فيجب عليكم العمل به.
وفي الآية وجوب كون النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلى العبد من نفسه, ووجوب كمال الانقياد له, وفيها وجوب احترام أمهات المؤمنين, زوجاته صلى الله عليه وسلم, وأن من سبهن فقد باء بالخسران.

" وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا "(7)
واذكر -يا محمد- حين أخذنا من النبيين العهد المؤكد بتبليغ الرسالة, وأخذنا الميثاق منك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم, وأخذنا منهم عهدا مؤكدا بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة, وأن يصدق بعضهم بعضا.
" ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما "(8)
(أخذ الله ذلك العهد من أولئك الرسل) ليسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم, فيجزي الله المؤمنين الجنة, وأعد للكافرين يوم القيامة عذابا شديدا في جهنم.

ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:18 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (432)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(9) الى الأية(16)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب

" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا " (9)
يا معشر المؤمنين اذكروا نعمة الله تعالى التي أنعمها عليكم في (المدينة) أيام غزوة الأحزاب -وهي غزوة الخندق-, حين اجتمع عليكم المشركون من خارج (المدينه), واليهود والمنافقون من (المدينة) وما حولها, فأحاطوا بكم, فأرسلنا على الأحزاب ريحا شدبدة اقتلعت خيامهم ورمت قدورهم, وأرسلنا ملائكة من السماء لم تروها, فوقع الرعب في قلوبهم.
وكان الله بما تعملون بصيرا, لا يخفى عليه من ذلك شيء.

" إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون " (10)
اذكروا إذ جاؤوكم من فوقكم من أعلى الوادي من جهة المشرق, ومن أسفل منكم من بطن الوادي من جهه المغرب, وإذ شخصت الأبصار من شدة الحيرة والدهشة, وبلغت القلوب الحناجر من شدة الرعب, وغلب اليأس المنافقين, وكثرت الأقاويل, وتظنون بالله الظنون السيئة أنه لا ينصر دينه, ولا يعلي كلمته.
" هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا " (11)
في ذلك الموقف العصيب اختبر إيمان المؤمنين ومحص القوم, وعرف المؤمن من المنافق, واضطربوا اضطرابا شديدا بالخوف والقلق; ليتبين إيمانهم ويزيد يقينهم.
" وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " (12)
وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم شك, وهم ضعفاء الإيمان: ما وعدنا الله ورسوله من النصر والتمكين إلا باطلا من القول وغرورا, فلا تصدقوه.
" وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا "(13)
واذكر -يا محمد- قول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين من أهل (المدينة): يا أهل (يثرب) (وهو الاسم القديم (للمدينة)) لا إقامة لكم في معركة خاسرة, فارجعوا إلى منازلكم داخل (المدينة), ويستأذن فريق آخر من المنافقين الرسول صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى منازلهم بحجة أنها غير محصنة, فيخشون عليها, والحق أنها ليست كذلك, وما قصدوا بذلك إلا الفرار من القتال.
" ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا "(14)
ولو دخل جيش الأحزاب (المدينة) من جوانبها, ثم سئل هؤلاء المنافقون الشرك بالله والرجوع عن الإسلام, لأجابوا إلى ذلك مبادرين, وما تأخروا عن الشرك إلا يسيرا.
" ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا "(15)
ولقد كان هؤلاء المنافقون عاهدوا الله على يد رسوله من قبل غزوة الخندق, لا يفرون إن شهدوا الحرب,, لا يتأخرون إذا دعوا إلى الجهاد, ولكنهم خانوا عهدهم, وسيحاسبهم الله على ذلك, ويسألهم عن ذلك العهد, وكان عهد الله مسؤولا عنه, محاسبيا عليه.
" قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا " (16)
قل -يا محمد- لهؤلاء المنافقين: لن ينفعكم الفرار من المعركة خوفا من الموت أو القتل; فإن ذلك لا يؤخر آجالكم, وإن قررتم فلن تتمتعوا في هذه الدنيا إلا بقدر أعماركم المحدودة, وهو زمن يسير جدا بالنسبة إلى الآخرة

ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:18 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (433)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(17) الى الأية(24)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب



" قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا " (17)
قل -يا محمد- لهم: من ذا الذي يمنعكم من الله, أو يجيركم من عذابه, إن أراد بكم سوءا, أو أراد بكم رحمة, فإنه المعطي المانع الضار النافع؟ ولا يجد هؤلاء المنافقون لهم من دون الله وليا يواليهم, ولا نصيرا ينصرهم.
" قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا "(18)
إن الله يعلم المثبطين عن الجهاد في سبيل الله, والقائلين لإخوانهم: تعالوا وانضموا إلينا, واتركوا محمدا, فلا تشهدوا معه قتالا; فإنا نخاف عليكم الهلاك بهلاكه, وهم مع تخذيلهم هذا لا يأتون القتال إلا نادرا, رياء وسمعة وخوف الفضيحة.
" أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا "(19)
بخلاء عليكم -أيها المؤمنون- بالمال والنفس والجهد والمودة لما في نفوسهم من العداوة والحقد; حبا في الحياة وكراهة للموت, فإذا حضر القتال خافوا الهلاك ورأيتهم ينظرون إليك, تدور أعينهم لذهاب عقولهم; خوفا من القتل وفرارا منه كدوران عين من حضره الموت, فإذا انتهت الحرب وذهب الرعب رموكم بألسنة حداد مؤذية, وتراهم عند قسمة الغنائم بخلاء وحسدة, أولئك لم يؤمنوا بقلوبهم, فأذهب الله ثواب أعمالهم, وكان ذلك على الله يسيرا.
" يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا "(20)
يظن المنافقون أن الأحزاب الذين هزمهم الله تعالى شر هزيمة لم يذهبوا, ذلك من شدة الخوف والجبن, ولو عاد الأحزاب إلى (المدينة), لتمني أولئك المنافقون أنهم كانوا غائبين عن (المدينة) بين أعراب البادية, يتجسسون أخباركم من بعيد, ولو كانوا فيكم ما قاتلوا معكم إلا قليلا; لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم.
" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا "(21)
لقد كان لكم -أيها المؤمنون- في أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها, فالزموا سنته, فإنما يسلكها ويتأسى بها من كان يرجو الله واليوم الآخر, وأكثر من ذكر الله واستغفاره, وشكره في كل حال.
" ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " (22)
ولما شاهد المؤمنون الأحزاب الذين تحزبوا حول (المدينة) وأحاطوا بها, تذكروا أن موعد النصر قد قرب, فقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله, من الابتلاء والمحنة والنصر, فأنجز الله وعده, وصدق رسوله فيما بشر به, وما زادهم النظر إلى الأحزاب إلا إيمانا بالله وتسليما لقضائه وانقيادا لأمره.
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "(23)
من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى, وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من وفى بنذره فاستشهد في سبيل الله, ومنهم من ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة, وما غيروا عهد الله, ولا نقضوه ولا بدلوه, كما غير المنافقون.
" ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما " (24)
ليثيب الله أهل الصدق بسبب صدقهم وبلائهم وهم المؤمنون, ويعذب المنافقين إن شاء تعذيبهم, بأن لا يوفقهم للتوبة النصوح قبل الموت, فيموتوا على الكفر, فيستوجبوا النار, أو يتوب عليهم بأن يوفقهم للتوبة والإنابة, إن الله كان غفورا لذنوب المسرفين على أنفسهم إذا تابوا, رحيما بهم; حيث وفقهم للتوبة النصوح.

ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:19 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (434)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(25) الى الأية(32)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب



" ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا " (25)
ورد الله أحزاب الكفر عن (المدينة) خائبين خاسرين مغتاظين, لم ينالوا خيرا في الدنيا ولا في الآخز وكفى الله المؤمنين القتال بما أيدهم به من الأسباب.
وكان الله قويا لا يغالب, عزيزا في ملكه وسلطانه.

" وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا "(26)
وأنزل الله يهود بني قريظة من حصونهم; لإعانتهم الأحزاب في قتال المسلمين, وألقى في قلوبهم الخوف فهزموا, تقتلون منهم فريقا, وتأسرون فريقا آخر.
" وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا "(27)
وملككم الله -أيها المؤمنون- أرضهم ومساكنهم وأموالهم المنقولة كالحلي والسلاح والمواشي, وغير المنقولة كالمزارع والبيوت والحصون المنيعة, وأورثكم أرضا لم تتمكنوا من وطئها من قبل; لمنعتها وعزتها عند أهلها.
وكان الله على كل شيء قديرا, لا يعجزه شيء.

" يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا "(28)
يا أيها النبي قل لأزواجك اللاتي اجتمعن عليك, يطلبن منك زيادة النفقة: إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فأقبلن أمتعكن شيئا مما عندي من الدنيا, وأفارقكن دون ضرر أو إيذاء.
" وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما " (29)
وإن كنتن تردن رضا الله ورضا رسوله وما أعد الله لكن من الدار الآخرة, فاصبرن على ما أنتن عليه, وأطعن الله ورسوله, فإن الله أعد للمحسنات منكن ثوابا عظيما.
(وقد اخترن الله ورسوله, وما أعد الله لهن في الدار الآخرة).

" يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا "(30)
يا نساء النبي من يأت منكن بمعصية ظاهرة يضاعف لها العذاب مرتين.
فلما كانت مكانتهن رفيعة ناسب أن يجعل الله الذنب الواقع منهن عقوبته مغلظة; صيانة لجنابهن وجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان ذلك العقاب على الله يسيرا.

" ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما "(31)
ومن تطع منكن الله ورسوله, وتعمل بما أمر الله به, نعطها ثواب عملها مثلي ثواب عمل غيرها من سائر النساء, وأعددنا لها رزقا كريما, وهو الجنة.
" يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا " (32)
يا نساء النبي -محمد- لستن في الفضل والمنزلة كغيركن من النساء, إن خفتن الله فلا تتحدثن مع الأجانب بصوت لين يطمع الذي في قلبه فجور وميل إلى النساء, وهذا أدب واجب على كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر, وقلن قولا بعيدا عن الريبة, لا تنكره الشريعة.

ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:19 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (435)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(33) الى الأية(40)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب





" وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (33)
والزمن بيوتكن, ولا تخرجن منها إلا لحاجة, ولا تظهرن محاسنكن, كما كان يفعل نساء الجاهلية الأولى في الأزمنة السابقة على الإسلام, وكما يفعله كثير من النساء في هذا العصر: الكاسيات العاريات, المتبرجات المتبخترات.
وادين الصلاة كاملة في أوقاتها, وأعطين الزكاة كما شرع الله, وأطعن الله ورسوله في أمرهما ونهيهما, إنما أوصاكن الله بهذا; ليزكيكن, ويبعد عنكن الأذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي -ومنهم زوجاته وذريته عليه الصلاة والسلام-, ويطهر نفوسكم غاية الطهارة.

" واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا "(34)
واذكرن ما يتلى في بيوتكن من القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم, واعملن به, واقدرنه حق قدره, فهو من نعم الله عليكن, إن الله كان لطيفا بكن; إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آيات الله والسنة, خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجا.
" إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما "(35)
إن المنقادين لأوامر الله والمنقادات, والمصدقين والمصدقات والمطيعين لله ورسوله والمطيعات, والصادقين في أقوالهم والصادقات, والصابرين عن الشهوات وعلى الطاعات وعلى المكاره والصابرات, والخائفين من الله والخائفات, والمتصدقين بالفرض رالنفل والمتصدقات, والصائمين في الفرض والنفل والصائمات, والحافظين فروجهم عن الزنى ومقدماته, وعن كشف العورات والحافظات, والذاكرين الله كثيرا بقلوبهم وألسنتهم والذاكرات, أعد الله لهؤلاء مغفرة لذنوبهم وثوابا عظيما, وهو الجنة.
" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " (36)
ولا ينبغي لمؤمن ولا مؤمنة إذا حكم الله ورسوله فيهم حكما أن يخالفوه, بأن يختاروا غير الذي قضى فيهم.
رمن يعص الله ورسوله فقد بعد عن طريق الصواب بعدا ظاهرا.

" وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا " (37)
واذ تقول -يا محمد- للذي أنعم الله عليه بالإسلام -وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبناه النبي صلى الله عليه وسلم- وأنعمت عليه بالعتق: أبق زوجك زينب بنت جحش ولا تطلقها, واتق الله يا زيد, وتخفي -يا محمد- في نفسك ما أوحى الله به إليك من طلاق زيد لزوجه وزواجك منها, والله تعالى مظهر ما أخفيت, وتخاف المنافقين أن يقولوا: تزوج محمد مطلقة متبناه, والله تعالى أحق أن تخافه, فلما قضى زيد منها حاجته, وطلقها, وانقضت عدتها, زوجناكها; لتكون أسوة في إبطال عادة تحريم الزواج بزوجة المتبنى بعد طلاقها, ولا يكون على المؤمنين إثم وذنب في أن يتزوجوا من زوجات من كانوا يتبنونهم بعد طلاقهن إذا قضوا منهن حاجتهم.
وكان أمر الله مفعولا, لا عائق له ولا مانع.

" ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا "(38)
ما كان على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من ذنب فيما أحل الله له من زواج امرأة من تبناه بعد طلاقها, كما أباحه للأنبياء قبله, سنة الله في الذين خلوا من قبل, وكان أمر الله قدرا مقدورا لا بد من وقوعه.
" الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا " (39)
الذين يبلغون رسالات الله إلى الناس, ويخافون الله وحده, ولا يخافون أحدا سواه.
وكفى بالله محاسبا عباده على جميع أعمالهم ومراقبا لها.

" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما "(40)
ما كان محمد أبا لأحد من رجالكم, ولكنه رسول الله وخاتم النبيين, فلا نبوة بعده إلى يوم القيامة.
وكان الله بكل شيء من أعمالكم عليما, لا يخفى عليه شيء.

ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:20 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (436)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(41) الى الأية(49)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب



" يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا " (41)
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله, اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذكرا كثيرا,
" وسبحوه بكرة وأصيلا " (42)
واشغلوا أوقاتكم بذكر الله تعالى عند الصباح والمساء, وأدبار الصلوات المفروضات, وعند العوارض والأسباب, فإن ذلك عبادة مشروعة, تدعو إلى محبة الله, وكف اللسان عن الآثام, وتعين على كل خير.
" هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما "(43)
هو الذي يرحمكم ويثني عليكم وتدعو لكم ملائكته; ليخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الإسلام, وكان بالمؤمنين رحيما في الدنيا والآخرة, لا يعذبهم ما داموا مطيعين مخلصين له.
" تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما " (44)
تحية هؤلاء المؤمنين من الله في الجنة يوم يلقونه سلام, وأمان لهم من عذاب الله, وقد أعد لهم ثوابا حسنا, وهو الجنة.
" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " (45)
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا على أمنك بإبلاغهم الرسالة, ومبشرا المؤمنين منهم بالرحمة والجنة, ونذيرا للعصاة والمكذبين من النار,
" وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " (46)
وداعيا إلى توحيد الله وعبادته وحده يأمره إياك, وسراجا منيرا لمن استنار بك, فأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها, لا يجحدها إلا معاند.
" وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا " (47)
وبشر -يا محمد- أهل الإيمان بأن لهم من الله ثوابا عظيما, وهو روضات الجنات.
" ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا "(48)
ولا تطع -يا محمد- قول كافر أو منافق واترك أذاهم, ولا يمنعك ذلك من تبليغ الرسالة, وثق بالله في كل أمورك واعتمد عليه; فإنه يكفيك ما أهمك من كل أمور الدنيا والآخرة.
" يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " (49)
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, إذا عقدتم على النساء ولم تدخلوا بهن ثم طلقتموهن من قبل أن تجامعوهن, فما لكم عليهن من عدة تحصونها عليهن, فأعطوهن من أموالكم متعة يتمتعن بها بحسب الوسع جبرا لخواطرهن, وخلوا سبيلهن مع الستر الجميل, دون أذى أو ضرر.

ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:20 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (437)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(50) الى الأية(54)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب



" يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما " (50)
يا أيها النبي إنا أبحنا لك أزواجك اللاتي أعطيتهن مهورهن, وأبحنا لك ما ملكت يمينك من الإماء, مما أنعم الله به عليك, وأبحنا لك الزواج من بنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك, وأبحنا لك امرأة مؤمنة منحت نفسها لك من غير مهر, إن كنت تريد الزواج منها خالصة لك, وليس لغيرك أن يتزوج امرأة بالهبة.
قد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين في أزواجهم وإمائهم بألا يتزوجوا إلا أربع نسوة, وما شاؤوا من الإماء, واشتراط الولي والمهر والشهود عليهم, ولكنا رحصنا لك في ذلك, ووسعنا عليك ما لم يوسع على غيرك; لئلا يفيق صدرك في نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف.
وكان الله غفورا لذنوب عباده المؤمنين, رحيما بالتوسعة عليهم.

" ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما "(51)
تؤخر من تشاء من نسائك في القسم في المبيت, وتضم إليك من تشاء منهن, ومن طلبت ممن أخرت قسمها, فلا إثم عليك في هذا, ذلك التخيير أقرب إلى أن يفرحن ولا يحزن, ويرضين كلهن بما قسمت لهن, والله يعلم ما في قلوب الرجال من ميلها إلى بعض النساء دون بعض.
وكان الله عليما بما في القلوب, حليما لا يعجل بالعقوبة على من عصاه.

" لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا " (52)
لا يباح لك النساء من بعد نسانك اللاتي فى عصمتك, واللاتي أبحناهن لك (وهن المذكورات في الآية السابقة رقم [50] من هذه السورة), ومن كانت في عصمتك من النساء المذكورات لا يحل لك أن تطلقها مستقبلا وتأتي بغيرها بدلا منها, ولو أعجبك جمالها, وأما الزيادة على زوجاتك من غير تطليق إحداهن فلا حرج عليك, وأما ما ملكت يمينك من الإماء, فحلال لك منهن من شئت.
وكان الله على كل شيء رقيبا, لا يغيب عنه علم شيء.

" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما "(53)
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأطاعوه لا تدخلوا بيوت النبي إلا بإذنه لتناول طعام غير منتظرين نضجه, ولكن إذا دعيتم فادخلوا, فإذا أكلتم فانصرفوا غير مستأنسين لحديث بينكم; فإن انتظاركم واستئناسكم يؤذي النبي, فيستحيي من إخراجكم من البيوت مع أن ذلك حق له, والله لا يستحيي من بيان الحق وإظهاره.
وإذا سألتم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة من أواني البيت ونحوها فاسألوهن من وراء ستر; ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء, وللنساء في أمر الرجال; فالرؤية سبب الفتنة, وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله, ولا أن تتزوجوا أزواجه من بعد موته أبدا; لأنهن أمهاتكم, ولا يحل للرجل أن يتزوج أمه, إن أذاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده إثم عظيم عند الله.
(وقد امتثلت هذه الأمة هذا الأمر, واجتنبت ما نهى الله عنه منه).

" إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما " (54)
إن تظهروا شيئا على ألسنتكم -أيها الناس- مما يؤذي رسول الله مما نهاكم الله عنه, أو تخفوه في نفوسكم, فإن الله تعالى يعلم ما في قلوبكم وما أظهرتموه, وسيجازيكم على ذلك.

ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:21 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (438)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(55) الى الأية(63)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب



" لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا " (55)
لا إثم على النساء في عدم الاحتجاب من أبائهن وأبنائهن وإخوانهن وأبناء إخوانهن وأبناء أخواتهن والنساء المؤمنات والعبيد المملوكين لهن; لشدة الحاجة اليهم في الخدمة.
وخفن الله -أيتها النساء- أن تتعدين ما حد لكن, فتبدين من زينتكن ما ليس لكن أن تبدينه, أو تتركن الحجاب أمام من يجب عليكن الاحتجاب منه.
إن الله كان على كل شيء شهيدا, يشهد أعمال العباد ظاهرها وباطنها, وسيجزيهم عليها.

" إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " (56)
إن الله تعالى يثني على النبي صلى الله عليه وسلم عند الملائكة المقربين, وملائكته يثنون على النبي ويدعون له, يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, صلوا على رسول لله, وسلموا تسليما, تحية وتعظيما له.
وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثبتت في السنة على أنواع, منها: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد, كما باركت على آل إبراهيم, إنك حميد مجيد).

" إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا "(57)
إن الذين يؤذون الله بالشرك أو غيره من المعاصي, ويؤذن رسول الله بالأقوال أو الأفعال, أبعدهم الله وطردهم من كل خير في الدنيا والآخرة, وأعد لهم في الآخرة عذابا يذلهم ويهينهم.
" والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا "(58)
والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بقول أو فعل من غير ذنب عملوه, فقد ارتكبوا أفحش الكذب والزور, وأتوا ذنبا ظاهر القبح مؤديا للعذاب في الأخرة.
" يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما " (59)
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن من أرديتهن وملاحفهن; لستر وجوههن وصدورهن ورؤوسهن; ذلك أقرب أن يميزن بالستر والصيانة, فلا يتعرض لهن بمكروه أو أذى.
وكان الله غفورا رحيما حيث غفر لكم ما سلف, ورحمكم بما أوضح لكم من الحلال والحرام.

" لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا "(60)
لئن لم يكف هذين يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان والذين في قلوبهم شك وريبة, والذين ينشرون الأخبار الكاذبة في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عن قبائحهم وشرورهم, لنسلطنك عليهم, ثم لا يسكنون معك فيها إلا زمنا قليلا.
" ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " (61)
مطرودين من رحمة الله, في أي مكان وجدوا فيه أسروا وقتلوا تقتيلا ما داموا مقيمين على النفاق ونشر الأخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد.
" سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا " (62)
سنة الله وطريقته في منافقي الأم السابقة أن يؤسروا ويقتلوا أينما كانوا, ولن تجد -يا محمد- لطريقة الله تحويلا ولا تغييرا.
" يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا " (63)
يسألك الناس -يا محمد- عن وقت القيامة استبعادا وتكذيبا, قل لهم: إنما علم الساعة عند الله, وما يدريك -يا محمد- لعل زمانها قريب؟ فكل أت قريب.

ابوالوليد المسلم 15-06-2020 05:21 AM

رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله
 
الحلقة (439)
تفسير السعدى
https://majles.alukah.net/images/smilies/start.gifسورة الاحزابhttps://majles.alukah.net/images/smilies/end.gif
من الأية(64) الى الأية(73)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الاحزاب


" إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا "(64)
إن الله طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والآخرة, وأعد لهم في الآخرة نارا موقدة شديدة الحرارة,
" خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا "(65)
ماكثين فيها أبدا, لا يجدون وليا يتولاهم ويدافع عنهم, ولا نصيرا ينصرهم, فيخرجهم من النار.
" يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول "(66)
يوم تقلب وجوه الكافرين في النار يقولون نادمين متحيرين: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا رسوله في الدنيا, فكنا من أهل الجنة.
" وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل "(67)
وقال الكافرون يوم القيامة: ربنا إنا أطعنا أئمتنا في الضلال وكبراءنا في الشرك, فأزالونا عن طريق الهدى والإيمان.
" ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " (68)
ربنا عذبهم من العذاب مثلي عذابنا الذي تعذبنا به, واطردهم من رحمتك طردا شديدا.
وفي هذا دليل على أن طاعة غير الله في مخالفة أمره وأمر رسوله, موجبة لسخط الله وعقابه, وأن التابع والمتبوع في العذاب مشتركون, فليحذر المسلم ذلك.

" يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها "(69)
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله لا تؤذوا رسول الله بقول أو فعل, ولا تكونوا أمثال الذين آذوا نبي الله موسى, فبرأه الله مما قالوا فيه من الكذب والزور,, كان عند الله عظيم القدر والجاه.
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا " (70)
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله, خافوا الله أن تعصوه, فتستحقوا بذلك العقاب, وقولوا في جميع احوالكم وشؤونكم قولا مستقيما موافقا للصواب خاليا من الكذب والباطل.
" يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " (71)
إذا اتقيتم الله وقلتم قولا سديدا أصلح الله لكم أعمالكم, وغفر ذنوبكم.
ومن يطع الله ورسوله فيما أمر ونهى فقد فاز بالكرامة العظمى في الدنيا والآخرة.

" إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " (72)
إنا عرضنا الأمانة -التي ائتمن الله عليها المكلفين من امتثال الأوامر واجتناب النواهي- على السموات والأرض والجبال, فأبين أن يحملنها, وخفن أن لا يقمن بأدائها, وحملها الإنسان والتزم بها على ضعفه, إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه.
" ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما " (73)
(وحمل الإنسان الأمانة) ليعذب الله المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويخفون الكفر, والمنافقات, والمشركين في عبادة الله غيره, والمشركات, ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات بستر ذنوبهم وترك عقابهم.
وكان الله غفورا للتائبين من عباده, رحيما بهم.


الساعة الآن : 05:05 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 1,006.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,004.57 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.17%)]