ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:54 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النحل - (6)
الحلقة (541)
تفسير سورة النحل مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 131الى صــــ 136)


تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
شرح الكلمات:
تالله: أي والله.
أرسلنا إلى أمم من قبلك: أي رسلاً.
فزين لهم الشيطان أعمالهم: فكذبوا لذلك الرسل.
فهو وليهم اليوم: أي الشيطان هو وليهم اليوم أي في الدنيا.
إن في ذلك لآية: أي دلالة واضحة على صحة عقيدة البعث الآخر.
لآية لقومٍ يسمعون: أي سماع تدبر وتفهم.
لعبرةً: أي دلالة قوية يعبر بها من الجهل إلى العلم لأن العبرة من العبور.
من بين فرثٍ: أي ثَفَل الكِرْش، أي الرَّوْث الموجود في الكرش.
لبناً خالصاً: أي ليس فيه شيء من الفرث ولا الدم، لا لونه ولا رائحته ولا طعمه.
معنى الآيات:
يقسم الله تعالى بنفسه لرسوله فيقول بالله يا رسولنا {لقد أرسلنا} رسلاً {إلى أمم من قبلك} كانوا مشركين كافرين كأمتك {فزين لهم الشيطان أعمالهم} فقاوموا رسلنا
وحاربوهم وأصروا على الشرك والكفر فتولاهم الشيطان، لذلك {فهو وليهم اليوم1} ! أي في الدنيا {ولهم} في الآخرة {عذابٌ أليم} ، والسياق الكريم في تسلية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذا قال تعالى في الآية الثانية: {وما أنزلنا علمك الكتاب} أي لإرهاقك وتعذيبك ولكن لأجل أن تبين للناس الذي اختلفوا فيه من التوحيد والشرك والهدى والضلال. كما أنزلنا الكتاب هدىً يهتدى به المؤمنون إلى سبل سعادتهم ونجاحهم، ورحمةٌ تحصل لهم بالعمل به عقيدةً وعبادةً وخلقاً وأدباً وحكماً، فيعيشون متراحمين تسودهم الأخوة والمحبة وتغشاهم الرحمة والسلام.
بعد هذه التسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاد السياق إلى الدعوة إلى التوحيد وعقيدة البعث والجزاء بعد تقرير النبوة المحمدية بقوله تعالى: {تالله لقد أرسلنا} الآية فقال تعالى: {والله أنزل من2 السماء ماء فأحيا بها الأرض بعد موتها} الماء هو ماء المطر وحياة الأرض بالنبات والزرع بعدما كانت ميتة لا نبات فيها وقوله {إن في ذلك} المذكور من إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض بعد موتها {لآية} واضحة الدلالة قاطعة على وجوده تعالى وقدرته، وعلمه ورحمته كما هو آية على البعث بعد الموت من باب أولى. وقوله تعالى: {وإن لكم في الأنعام3 لعبرةً} 4 أي حالاً تعبرون بها عن الجهل إلى العلم.. من الجهل بقدرة الله ورحمته ووجوب عبادته بذكره وشكره إلى العلم بذلك والمعرفة به فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا. وبين وجه العبرة العظيمة فقال: {نسقيكم مما في بطونه5} أي بطون المذكور من الأنعام {من6 بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين} فسبحان ذي القدرة العجيبة والعلم الواسع والحكمة التي لا يقادر قدرها.. اللبن يقع بين الفرث والدم فينتقل الدم إلى الكبد فتوزعه على العروق لبقاء حياة الحيوان، واللبن يساق إلى الضرع، والفرث يبقى أسفل الكرش، ويخرج اللبن خالصاً من شائبة الدم وشائبة الفرث فلا يرى ذلك في لون اللبن ولا يشم في رائحته ولا يوجد في طعمه بدليل أنه سائغ للشاربين، فلا يغص به شارب ولا يشرق به، حقاً! انها عبرة من أجل العبر تنقل صاحبها إلى نور العلم والمعرفة بالله في جلاله وكماله، فتورثه محبة الله وتدفعه إلى طاعته والتقرب إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان ان الله يقسم بنفسه وبما شاء من7 خلقه.
2- بيان أن الله أرسل رسلاً إلى أمم سبقت وأن الشيطان زين لها أعمالها فخذلها.
3- تقرير النبوة وتسلية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جراء ما يلقاه من المشركين.
4- بيان مهمة رسول الله وأنها بيان ما أنزل الله تعالى لعباده من وحيه في كتابه.
5- بيان كون القرآن الكريم هدىً ورحمة للمؤمنين الذين يعملون به.
6- دليل البعث والحياة الثانية إحياء الأرض بعد موتها فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأموات بعد فنائهم وبلاهم.
__________
1 الشيطان الذي ريّن للذين كفروا أعمالهم حتى ضلوا وهلكوا هو وليّ الذين كفروا اليوم يزيّن لهم أعمالهم ليضلّهم فيهلكوا كما هلك من قبلهم، وفي الآية تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 كون المسند فعلاً وهو: أنزل من السماء ماء أفاد التخصيص أي: الله وحده الذي أنزل من السماء ماء والمراد من السماء: السحاب.
3 هناك مناسبة ظاهرة بين الآيتين وهي: كما أنّ الأرض تحيى بماء السماء كذلك الإنسان يحيى بالألبان.
4 اسم جمع لكل جماعة من أحد أصناف الإبل والبقر والضأن والمعز والعبر: ما يتعظ به ويعتبر.
5 البطون: جمع بطن وهو اسم للجوف الحاوية للجهاز الهضمي كلَّه من معدة وكبد وأمعاء.
6 {من} زائدة لتوكيد التوسط أي: يفرز في حالة بين حالتي الفرث والدم وموقع: {من بين فرث ودم} موقع الصفة والموصوف: لبناً وقدّمت للاهتمام بها.
6 مفرِّطون: اسم فاعل من فرّط المضاعف إذا ضيّع الحقوق الواجبة عليه.
7 نحو: {والفجر} ، {والتين} وما إلى ذلك إلاّ أنّ بعض أهل العلم كمالك يرون أنّ المقسم به محذوف تقديره: وربّ الفجر، وربّ التين وهكذا.
****************************** *****************

يتبع

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:54 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
شرح الكلمات:
ومن ثمرات النخيل والأعناب: أي ومن بعض ثمرات النخيل والأعناب ثمرٌ تتخذون1 منه سكراً أي خمرا ورزقاً حسناً أي والتمر والزبيب والخل والدبس الرزق الحسن.
وأوحى ربك إلى النحل: أي ألهمها أن تفعل ما تفعله بإلهام منه تعالى.
ومما يعرشون: أي يبنون لها.
سبل ربك ذللاً: أي طرق ربك مذللةً فلا يعسر عليك السير فيها ولا تضلين عنها.
شراب: أي عسل.
فيه شفاء للناس: أي من الأمراض إن شرب بنية الشفاء، أش بضميمته إلى عقار آخر.
إلى أرذل العمر: أي أخَسَّه من الهرم والخرف، والخرف فساد العقل.
معنى الآيات:
مازال السياق في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لعبادته وحده والمقررة لعقيدة النبوة والبعث الآخر. قال تعالى في معرض بيان ذلك بأسلوب الامتنان المقتضي للشكر {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً} ورزقاً حسناً أي ومن بعض ثمرات النخيل والأعناب ثمرٌ تتخذون منه سكراً أي شراباً مسكراً. وهذا كان قبل تحريم2 الخمر {ورزقاً حسناً} وهو الزبيب والخل من العنب والتمر والدبس العسل من النخل وقوله {ان في ذلك لآية لقوم يعقلون} أي أن فيما ذكرنا لكم لآية أي دلالة واضحة على قدرتنا وعلمنا ورحمتنا لقومٍ يعقلون الأمور ويدركون نتائج المقدمات، فذو القدرة والعلم والرحمة هو الذي يستحق التأليه والعبادة.. وقوله: {وأوحى ربك إلى النحل ان اتخذى من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون} هذا مظهر آخر عظيم من مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته يتجلى بإعلامه حشرة
النحل كيف تلد العسل وتقدمه للإنسان فيه دواء من كل داء. فقوله {وأوحى ربك} أيها الرسول {إلى النحل3} بأن ألهمها {أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر} أيضاً بيوتاً، {ومما يعرشون4} أي ومما يعرش الناس لَكِ أي يبنون لك، اتخذي من ذلك بيوتاً لَكِ إذ النحلة تتخذ لها بيتاً داخل العريش الذي يعرش لها تبنيه بما تفرزه من الشمع وقوله تعالى: {ثم كلي من كل الثمرات} أي ألهمها أن تأكل من كل ما تحصل عليه من الثمرات من الأشجار والنباتات أي من أزهارها ونوارها وقوله لها {فاسلكي سبل ربك ذللاً} بإلهام منه تسلك ما سخر لها وذلك من الطرق فتنتقل من مكان إلى آخر تطلب غذاءها ثم تعود إلى بيوتها لا تعجز ولا تضل وذلك بتذليل الله تعالى وتسخيره لها تلك الطرق فلا تجد فيها وعورة ولا تنساها فتخطئها. وقوله تعالى {يخرج من6 بطونها} أي بطون النحل {شراب} أي عسل يشرب {مختلف7 ألوانه} ما بين أبيض وأحمر وأسود، أو أبيض مشرب بحمرة أو يضرب إلى صفرة. وقوله تعالى: {فيه شفاء للناس} أي من الأدواء، هذا التذكير في قوله شفاء دال على بعض دون بعض جائز هذا حتى يضم إليه بعض الأدوية أو العقاير الأخرى، أمّا مع النية أي أن يشرب بنية الشفاء من المؤمن فإنه شفاء لكل داء وبدون ضميمة أي شيء آخر له. وفي حديث الصحيح وخلاصته أن رجلاً شكا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استطلاق بطن أخيه أي مشْي بطنه عليه فقال له اسقه العسل، فسقاه فعاد فقال ما أراه زاده إلا استطلاقا فعاد فقالت مثل ما قال أولاً ثلاث مرات وفي الرابعة أو الثالثة قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه العسل فسقاه فقام كأنما نشط من عقال. وقوله تعالى: {إن في ذلك} أي المذكور من إلهام الله تعالى للنحل وتعليمها كيف تصنع العسل ليخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس لدلالة واضحة على علم الله وقدرته ورحمته وحكمته المقتضية عبادته وحده وتأليهه دون سواه ولكن لقوم يتفكرون في الأشياء وتكوينها وأسبابها ونتائجها فيهتدون إلى المطلوب منهم وهو أن يذكروا فيتعظوا فيتوبوا إلى خالقهم ويسلموا له بعبادته وحده دون سواه وقوله تعالى في الآية الأخرى (70) {والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئاً} هذه آية أخرى أجل وأعظم في الدلالة على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته، وهي موجبة لعبادته وحده وملزمة بالإيمان بالبعت الآخر فخلق الله تعالى لنا وحده وهو واحد ونحن لا يحصى لنا عد، ثم إماتته لنا موتاً حقيقياً بقبض أرواحنا ولا يستطيع أحد أن لا يموت ولا يتوفى أبداً ثم من مظاهر الحكمة أن يتوفانا من أجال مختلفة اقتضتها الحكمة لبقاء النوع واستمرار الحياة إلى نهايتها. فمن الناس من يموت طفلاً ومنهم من يموت شاباً، وكلها حسب حكمة الابتلاء والتربية الإلهية، وآية أخرى أن منا من يرد إلى أرذل عمره، أي أردأه وأخسَّه فيهرم ويخرف فيفقد ما كان له من قوة بدنٍ وعقل ولا يستطيع أحد أن يخلصه من ذلك إلا الله، مظهر قدرة ورحمة أرأيتم لو شاء الله أن يرد الناس كلهم إلى أرذل العمر ولو في قرنٍ أو قرنين من السنين فكيف تصبح حياة الناس يومئذ؟ وقوله: {إن الله عليم قدير} تقرير لعلمه وقدرته، إذ ما نتج وما كان ما ذكره من خلقنا ووفاتنا ورد بعضنا إلى أرذل العمر إلا بقدرة قادر وعلم عالم وهو الله العليم القدير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- بيان منة الله تعالى على العباد بذكر بعض أرزاقهم لهم ليشكروا الله على نعمه.
2- بيان آيات الله تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته في خلق شراب الإنسان وغذائه ودوائه.
3- فضيلة العقل والتعقل والفكر والتفكر.
4- تقرير عقيدة الإيمان باليوم الآخر الدال عليه القدرة والعلم الإلهيين، إذ من خلق وأماتَ لا يستنكر منه أن يخلق مرة أخرى ولا يميت.
__________

1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: السكر ما حرم من ثمرتيهما والرزق الحسن، ما أحل من ثمرتيهما، وليست الخمر مقصورة على العنب والتمر فقد خطب عمر وقال: "أيّها الناس إن الله قد حرّم الخمر وهي من خمسة، من العنب والعسل والتمر والحنطة والشعير". والإجماع على أنّ كل مسِكر حرام.
2 إن قيل: هذا خبر، والنسخ لا يكون في الأخبار؟ فالجواب: إن تضمّن الخبر حكماً شرعياً جاز نسخه، ومن أدلة ذلك هذا الخبر ونسخه.
3 قيل: سمي النحل نحلا: لأن الله تعالى نحله العسل الذي خرج منه.
4 بيوت النحل في ثلاثة، في الجبال وكواها، ومتجوّف الأشجار، وما يعرش لها من الأجباح والخلايا والحيطان، وعرش يعرش: إذا بنى عريشا من الأغصان والخشب، ومن عجيب ما ألهم الله النحل أنه يجعل بيوته مسدسة الشكل.
5 اللّفظ صالح لأن يكون لفظ ذللا المراد به النحلة نفسها وذلل جمع ذلول وهي المنقادة المطيعة المسخرة، وصالح أن يكون المراد به الطرق التي تسلكها النحلة كما في التفسير.
6 روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تحقير الدنيا: أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة وأشرف شرابه فيها رجيع نحلة.
7 بحسب تنويع الغذاء كما أن الطعم يختلف باختلاف المراعي ومن هذا المعنى قول زينب رضي الله عنها جرست نحله العرفط حين شبهت رائحته برائحة المغافير والعرفط شجر الطلح له صمغ كريه الرائحة.

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:55 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النحل - (7)
الحلقة (542)
تفسير سورة النحل مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 137الى صــــ 142)

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)
شرح الكلمات:

فضل بعضكم على بعض في الرزق: أي فمنكم الغني ومنكم الفقير، ومنكم المالك ومنكم المملوك.

برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم: أي بجاعلي ما رزقناهم شركة بينهم وبين مماليكهم من العبيد.

والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً: إذ حواء خلقت من آدم وسائر النساء من نطف الرجال.

وحفدة: أي خدماً من زوجه وولد وولد ولد وخادم وختن.

أفبالباطل يؤمنون: أي بعبادة الأصنام يؤمنون.

رزقاً من السماوات والأرض: أي بإنزال المطر من السماء، وإنبات النبات من الأرض.

معنى الآيات:

ما زال السياق العظيم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد. فقوله تعالى: { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ 1بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ } فمنكم من أغناه ومنكم من أفقره أيها الناس2، وقد يكون لأحدكم أيها الأغنياء عبيد مملوكين له، لم لا يرضى أن يشرك عبيده في أمواله حتى يكونوا فيها سواء لا فضل لأحدهما على الآخر؟ والجواب أنكم تقولون في استنكار عجيب كيف أُسوِّي مملوكي في رزقي فأصبح وإياه سواء؟ هذا لا يعقل أبداً! إذاً كيف جوزتم إشراك آلهتكم في عبادة ربكم وهي مملوكة له تعالى إذ هو خالقها وخالقكم ومالك جميعكم؟ فأين يذهب بعقولكم أيها المشركون؟ وقوله تعالى: { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }؟ حقاً إنهم جحدوا نعمة العقل أولاً فلم يعترفوا بها فلذا لم يفكروا بعقولهم، ثم جحدوا نعمة الله عليهم في خلقهم ورزقهم فلم يعبدوه بذكره وشكره وعبدوا غيره من أصنام وأوثان لا تملك ولا تضر ولا تنفع. هذا ما دلت عليه الآية الأولى [71] أما الآية الثانية فيقول تعالى فيها مقرراً إنعامه تعالى على المشركين بعد توبيخهم على إهمال عقولهم في الآية الأولى وكفرهم بنعم ربهم فيقول: { وَٱللَّهُ } أي وحده { جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ 3أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي جعل لكم من 4أنفسكم أزواجاً أي بشريَّات من جنسكم تسكنون إليهن وتتفاهمون معهن وتتعاونون بحكم الجنسية الآدمية وهي نعمة عظمى، وجعل لكم من أولئك الأزواج بنين بطريق التناسل والولادة وحفدة أيضاً والمراد من الحفدة كل من يحفد أي يسرع في خدمتك وقضاء حاجتك من زوجتك وولدك وولد ولدك وختنك أي صهرك، وخادمك إذ الكل يحفدون لك أي يسارعون في خدمتك بتسخير الله تعالى لك، وثالثاً { وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي حلال الطعام والشراب على اختلافه وتنوع مذاقه وطعمه ولذته. هذا هو الله الذي تُدعون إلى عبادته وحده فتكفرون فأصبحتم بذلك تؤمنون بالباطل وهي الأصنام وعبادتها، وتكفرون بالمنعم ونعمه ولذا استحقوا التوبيخ والتقريع فقال تعالى: { أَفَبِٱلْبَاطِل ِ 5 يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }؟ إذ عدم عبادتهم للمنعم عز وجل هو عين كفرانهم بنعمة الله تعالى. وقوله { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي أصناماً لا تملك لهم { رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } بإنزال المطر، { وَٱلأَرْضِ } بإنبات الزروع والثمار شيئاً ولو قَلَّ ولا يستطيعون شيئاً من ذلك لعجزهم القائم بهم لأنهم تماثيل منحوتة من حجر أو خشب وفي هذا من التنبيه لهم على خطأهم ما لا يقادر قدره.

وقوله تعالى: { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ6 ٱلأَمْثَالَ 7إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي ينهاهم تعالى عن ضرب الأمثال لله باتخاذ الأصنام آلهة بإطلاق لفظ إله عليها، والله لا مثل له، وباعتقاد أنها شافعة لهم عند الله وأنها تقربهم إليه تعالى، وأنها واسطة بمثابة الوزير للأمير إلى غير ذلك، فنهاهم عن ضرب هذه الأمثال لله تعالى لأنه عز وجل يعلم أن لا مثل له ولا مثال، بل هو الذي لا إله إلا هو تعالى عن الشبيه والمثيل والنظير، وهم لا يعلمون فلذا هم متحيرون متخبطون في ظلمات الشرك وأودية الضلال.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- قطع دابر الشرك في المثل الذي حوته الآية الأولى: { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ }.

2- وجوب شكر الله تعالى على نعمه وذلك بذكره وشكره وإخلاص ذلك له.

3- قبح كفر النعم وتجاهل المنعم بترك شكره عليها.

4- التنديد بمن يضربون لله الأمثال وهم لا يعلمون باتخاذ وسائط له تشبيهاً لله تعالى بعباده فهم يتوسطون بالأولياء والأنبياء بدعائهم والاستغاثة بهم بوصفهم مقربين إلى الله تعالى يستجيب لهم، ولا يستجيب لغيرهم.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ

1 هذا استدلال على قدرة الله وتدبيره وقهره لعباده إذ فضل بعضهم على بعض في الرزق تفضيلا عجيباً هذا غني، وهذا فقير، هذا موسر، وهذا معسر فقد يفتقر الذكي القوي ويستغني البليد الضعيف كما قيل:
ومن الدليل على القضاء وكونه
بؤس اللّبيب وطيب عيش الأحمق
والآية متضمنة مثلا ضربه لعبادة الأصنام، ونظير هذه المُثل في سورة الروم في قوله تعالى: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم..} الخ.
2 يريد أن أغنياءهم لا يشاطرون عبيدهم رزقهم فيستووا فيه فكيف يرضون لله مالا يرضونه لأنفسهم كما في قوله: {ويجعلون لله البنات ولهم ما يشتهون} أي: البنون.
3 أي: من نوعكم، ومِنْ للابتداء ومِنْ في قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم} للتبعيض.
4 الأزواج: جمع زوج وهو ما يُكوّن مع آخر اثنين.
5 الباطل: ضد الحق لأنّ مالا يخلق لا يعبد، فإن عُبد فقد عبد بالباطل، والجملة تحمل توبيخاً كبيراً للمشركين.
6 الأمثال: جمع مثل بفتحتين بمعنى المماثل كشبه بمعنى مشابه، ومعنى. ضربهم الأمثال لله تعالى: هو أنهم أثبتوا للأصنام صفات الإلهية وشبّهوها بالخالق عز وجل حيث عبدوها بالنذر لها وبالذبح والدعاء والإقسام بها والعكوف حولها.
7 جملة: {إنّ الله يعلم وأنتم لا تعلمون} تعليلية لنهيهم عن ضرب الأمثال لله تعالى. فنهيه تعالى لهم عن ضرب الأمثال لعلمه عزّ وجلّ أنه لا مثل له، وأن ما يضربونه له باطل، وهو تعالى منزّه عنه.



******************************
يتبع

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:55 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
شرح الكلمات:

ضرب الله مثلاً: أي هو عبداً مملوكاً الخ..

عبداً مملوكاً: أي ليس بحُرٍ بل هو عبد مملوك لغيره.

هل يستوون: أي العبيد العجزة والحُر المتصرف، والجواب: لا يستوون قطعاً.

وضرب الله مثلاً: أي هو رجلين الخ..

أبكم: أي ولد أخرس وأصم لا يسمع.

لا يقدر على شيء: أي لا يَفهَمْ ولا يُفهِمْ غيره.

ولله غيب السماوات والأرض: أي ما غاب فيهما.

وما أمر الساعة: أي أمر قيامها، وذلك بإماتة الأحياء وإحيائهم مع من مات قبل وتبديل صور الأكوان كلها.

الأفئدة: أي القلوب.

معنى الآيات:
ما زال السياق في تقريرالتوحيد والدعوة إليه وإبطال الشرك والتنفير منه وقد تقدم أن الله تعالى جهل المشركين في ضرب الأمثال له وهو لا مثل له ولا نظير، وفي هذا السياق ضرب تعالى مثلين وهو العليم الخبير.. فالأول قال فيه: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً } أي غير حر من أحرار الناس، { لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } إذ هو مملوك لا حق له في التصرف في مال سيده 1إلا بإذنه، فلذا فهو لا يقدر على إعطاء أو منع شيء، هذا طرف المثل، والثاني { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } صالحاً واسعاً { فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً } ليلاً ونهاراً لأنه حر التصرف بوصفه مالكاً { هَلْ يَسْتَوُونَ 2}؟ الجواب لا يستويان... إذاً { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ 3لاَ يَعْلَمُونَ } والمثل مضروب للمؤمن والكافر، فالكافر أسير للأصنام عبدٌ لها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، لا يعمل في سبيل الله ولا ينفق لأنه لا يؤمن بالدار الآخرة، والجزاء فيها، وأما المؤمن فهو حرٌ يعمل بطاقة الله فينفق في سبيل الله سراً وجهراً يبتغي الآخرة والمثوبة من الله، ذا علمٍ وإرادة، لا يخاف إلا الله ولا يرجو إلا هو سبحانه وتعالى. وقوله { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ } هو المثال الثاني في هذا السياق وقد حوته الآية الثانية [76] فقال تعالى فيه { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } هو { رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ4 أَبْكَمُ } ولفظ الأبكم قد يدل على الصمم فالغالب أن الأبكم لا يسمع { لاَ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ } فلا يفهم غيره لأنه أصم ولا يُفهم غيره لأنه أبكم، { وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ5 مَوْلاهُ } أي ابن عمه أو من يتولاه من أقربائه يقومون بإعاشته ورعايته لعجزه وضعفه وعدم قدرته على شيء. وقوله: { أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ } أي أينما يوجهه مولاه وابن عمه ليأتي بشيء لا يأتي بخير، وقد يأتي بشر، أمَّا النفع والخير فلا يحصل منه شيء.
وهذا مثل الأصنام التي تعبد من دون الله إذ هي لا تسمع ولا تبصر فلا تفهم ما يقال لها، ولا تُفهم عابديها شيئاً وهي محتاجة إليهم في صُنْعِها ووضعها وحملها وحمايتها.
وقوله تعالى { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو الله تعالى يأمر بالعدل أي بالتوحيد والاستقامة في كل شيء، وهو قائم على كل شيء، وهو على صراطٍ مستقيم يدعو الناس إلى سلوكه لينجوا ويسعدوا في الدارين، فالجواب، لا يستويان بحال، فكيف يرضى المشركون بعبادة وولاية الأبكم الذي لا يقدر على شيء ويتركون عبادة السميع البصير، القوي، القدير، الذي يدعوهم إلى كمالهم وسعادتهم في كلتا حياتهم، أمر يحمل على العجب، ولكن لا عجب مع أقدار الله وتدابير الحكيم العليم.
وقوله تعالى في الآية [77] { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ6 وَٱلأَرْضِ } وحده يعلم ما غاب عنا فيهما فهو يعلم من كُتبت له السعادة ومن حُكم عليه بالشقاوة، ومن يهتدي ومن لا يهتدي، والجزاء آتٍ بإتيان الساعة { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ 7} أي إتيانها { إِلاَّ كَلَمْحِ 8ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ }9إذ لا يتوقف أمرها إلا على كلمة { كُنْ } فقط فتنتهي هذه الحياة بكل ما فيها، وتأتي الحياة الأخرى وقد تبدلت صور الأشياء كلها { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ومن ذلك قيام القيامة، ومجيء الساعة. وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ 10لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً 11} حقيقة لا تُنكر، الله الذي أخرجنا من بطون أمهاتنا بعد أن صورنا في الأرحام ونمانا حتى صرنا بشراً ثم أذن بإخراجنا، فأخرجنا، وخرجنا لا نعلم شيئاً قط، هذه آية القدرة الإِلهية والعلم الإِلهي والتدبير الإِلهي، فهل للأصنام شيء من ذلك، والجواب لا، لا وثانياً جعل الله تعالى لنا الأسماع والأبصار والأفئدة نعمة أخرى، إذ لو لا ذلك ما سمعنا ولا أبصرنا ولا عقلنا وما قيمة حياتنا يومئذٍ، إذْ العدم خيرٌ منها. وقوله: { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } كشف كامل عن سر هذه النعمة وهي أنه جعلنا نسمع ونبصر ونعقل ليكلفنا فيأمرنا وينهانا فنطيعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وذلك شكره منا مع ما في ذلك الشكر من خير. إنه إعداد للسعادة في الدارين. فهل من متذكر يا عباد الله؟!
هداية الآيات
من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال وهو تشبيه حال بحال على أن يكون ضارب المثل عالماً.
2- بيان مثل المؤمن في كماله والكافر في نقصانه.
3- بيان مثل الأصنام في جمودها وتعب عَبَدتِها عليها في الحماية وعدم انتفاعهم بها. ومثل الرب تبارك وتعالى في عدله، ودعوته إلى الإسلام وقيامه على ذلك مع استجابة دعاء أوليائه، ورعايتهم، وعلمه بهم وسمعه لدعائهم ونصرتهم في حياتهم وإكرامهم والإِنعام عليهم في كلتا حياتهم. ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم.

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ

1 هذه الآية منزع الفقهاء في ملكية العبد وعدمها، فذهب مالك إلى أنّ العبد يملك بإذن سيده، وهو ناقص الملك، وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: العبد لا يملك شيئاً، وقالوا: الرّق ينافي الملك، وقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أعتق عبداً وله مال" شاهد لمن قال يملك ملكاً ناقصا.
2 لم يقل يستويان لأنّ مَنْ صالحة للواحد والجماعة.
3 لا يعلمون أن الله هو المستحق للحمد دون آلهتهم لأن الله تعالى هو المنعم بالخلق والرزق، والأصنام لا تخلق ولا ترزق فلذا الحمد له وحده.
4 هذا مثل آخر ضربه تعالى لنفسه وللمؤمن. قاله قتادة وغيره.
5 أي: ثقل على وليّه وقرابته ووبال على صاحبه وابن عمّه.
6 {ولله غيب السموات والأرض} : اللام لام الملك، والغيب مصدر بمعنى اسم الفاعل أي: الأشياء الغائبة، والغيب ما غاب عن أعين الناس.
7 الساعة: هي الوفت الذي تقوم فيه القيامة، سميت ساعة لأنها تفجأ الناس في ساعة فيموت الخلق بصيحة.
8 اللّمح: النظر بسرعة يقال لمحه لمحاً ولمحاناً.
9 ليس (أو) للشك وإنما هي بمعنى بل الانتقالية من شيء إلى آخر كقوله {فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} أي: بل يزيدون.
10 البطون: جمع بطن وهو ما بين ضلوع الصدر إلى العانة، وفيه الأمعاء والمعدة والكبد والرحم.
11 الشكر: الاعتراف بالنعمة لله وحمده عليها وصرفها فيما يرضيه تعالى.

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:56 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النحل - (8)
الحلقة (543)
تفسير سورة النحل مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 143الى صــــ 149)

أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَه َا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
شرح الكلمات:

مسخراتٍ في جو السماء: أي مذللات في الفضاء بين السماء والأرض وهو الهواء.

ما يمسكهن: أي عند قبض أجنحتها وبسطها إلا الله تعالى بقدرته وسننه في خلقه.

من بيوتكم سكناً: أي مكاناً تسكنون فيه وتخلدون للراحة.

من جلود الأنعام بيوتاً: أي خياماً وقباباً.

يوم ظعنكم: أي ارتحالكم في أسفاركم.

أثاثاً ومتاعاً إلى حين: كبُسط وأكسية تبلى وتتمزق وتُرمى.

ظلالاً ومن الجبال أكناناً: أي ما تستظلون به من حر الشمس، وما تسكنون به في غيران الجبال.

وسرابيل: أي قمصاناً تقيكم الحر والبرد.

وسرابيل تقيكم بأسكم: أي دروعاً تقيكم الضرب والطعان في الحرب.

لعلكم تسلمون: أي رجاء أن تسلموا له قلوبكم ووجوهكم فتعبدوه وحده.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والدعوة إليه وإبطال الشرك وتركه فيقول تعالى: { أَلَمْ 1يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ 2فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ3 إِلاَّ ٱللَّهُ } فإن في خلق الطير على اختلاف أنواعه وكثرة أفراده، وفي طيرانه في جو4 السماء، أي في الهواء وكيف يقبض جناحيه وكيف يبسطها ولا يقع على الأرض فمن يمسكه غير الله بما شاء من تدبيره في خلقه وأكوانه إن في ذلك المذكور لآياتٍ عدة تدل على الخالق وقدرته وعلمه وتوجب معرفته والتقرب إليه وطاعته بعبادته وحده، كما تدل على بطلان تأليه غيره وعبادة وسواه، وكون الآيات لقوم يؤمنون هو باعتبار أنهم أحياء القلوب يدركون ويفهمون بخلاف الكافرين فإنهم أموات القلوب فلا إدراك ولا فهم لهم، فلم يكن لهم في ذلك آية.. وقوله: { وَٱللَّهُ 5جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً } أي موضع سكونٍ وراحة، { وَجَعَلَ لَكُمْ6 مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ } الإِبل والبقر والغنم { بُيُوتاً } أي خياماً وقباباً { تَسْتَخِفُّونَه َا } أي تجدونها خفيفة المحمل { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } أي ارتحالكم في أسفاركم وتنقلاتكم { وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } في مكان واحد كذلك. وقوله: { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ } أي جعل لكم منه { أَثَاثاً } كالبسط الفرش والأكسية { وَمَتَاعاً } أي تتمتعون بها إلى حين بلاها وتمزقها7 وقوله: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ } من أشياء كثيرة { ظِلاَلاً } تستظلون بها من حر الشمس { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً }8 تكنون فيها أنفسكم من المطر والبرد أو الحر وهي غيران وكهوف في الجبال { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } قمصان { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } والبرد { وَسَرَابِيلَ } هي الدروع { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } في الحرب تتقون بها ضرب السيوف وطعن الرماح. أليس الذي جعل لكم هذه كلها أحق بعبادتكم وطاعتكم، وهكذا { يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } فبعث إليكم رسوله وأنزل عليكم كتابه لِيُعِدّكم للإِسلام فتسلموا. وهنا وبعد هذا البيان الواضح والتذكير البليغ يقول لرسوله { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي أعرضوا عما ذكرتهم به فلا تحزن ولا تأسف اذ ليس عليك هداهم { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } وقد بلغت وبينت.
فلا عليك بعد شيء من التبعة والمسؤولية. وقوله: { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } أي نعمة الله عليهم كما ذكَّرناهم بها { ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } فيعبدون غير المُنعم بها { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } أي الجاحدون المكذبون بنبوتك ورسالتك والإِسلام الذي جئت به.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- لا ينتفع بالآيات إلا المؤمنون لحياة قلوبهم، أما الكافرون فهم في ظلمة الكفر لا يرون شيئاً من الآيات ولا يبصرون.

2- مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته ونعمه تتجلى في هذه الآيات الأربع ومن العجب أن المشركين كالكافرين عمي لا يبصرون شيئاً منها وأكثرهم الكافرون.

3- مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست هداية القلوب وإنما هي بيان الطريق بالبلاغ المبين.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ

1 قرىء بالتاء: {ألم تروا} وقرىء بالياء وهي قراءة الأكثر.
2 {مسخرات} : أي: مذللات لأمر الله تعالى، ومذللات لمنافعكم أيضاً.
3 {ما يمسكهن} أي: في جال القبض والبسط والاصطفاف إلا الله عزّ وجلّ.
4 {جو السماء} هو الفضاء الذي بين السماء والأرض، وإضافته إلى السماء لأنه يبدو متصلا بالقبة الزرقاء فيما يخال الناظر.
5 {جعل} : بمعنى أوجد وهذا شروع في تعداد النعم التي أنعم بها الخالق عزّ وجلّ على العباد، والسكن: مصدر والمنة في كونه تعالى جعل الإنسان يسكن ويتحرك ولو شاء لجعله متحركاً دائماً كالأفلاك في السماء أو جعله كالأرض ساكناً أبداً.
6 بعد أن ذكر تعالى السكن في الدور ذكر السكن في البيوت المتنقلة وهي الخيام والقباب.
7 في الآية دليل على حليذة جلود الميتة ولكن بعد دبغها لحديث: "أيّما إهاب دبغ فقد طهر".
8 الأكنان: جمع كن وهو: ما يكن عن الحرّ والريح والبرد وهو الغار في الجبل.

****************************** *

يتبع

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:56 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
شرح الكلمات:

ويوم نبعث: أي اذكر يوم نبعث.

شهيداً: هو نبيها.

لا يؤذن للذين كفروا: أي بالاعتذار فيتعذرون.

ولا هم يستعتبون: أي لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى اعتقاد وقول وعمل ما يرضي الله عنهم.

وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم: أي الذين كانوا يعبدونهم من دون الله كالأصنام والشياطين.

فألقوا إليهم القول: أي ردوا عليهم قائلين لهم إنكم لكاذبون.

وألقوا إلى الله يومئذ السلم: أي ذلوا له وخضعوا لحكمه واستسلموا.

وضل عنهم ما كانوا يفترون: من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله وتنجيهم من عذابه، ومعنى ضل غاب.

عذاباً فوق العذاب: أنه عقارب وحيات كالنِّخل الطوال والبغال الموكفة.

ونزلنا عليك الكتاب: أي القرآن.

تبياناً لكل شيء: أي لكل ما بالأمة من حاجة إليه في معرفة الحلال والحرام والحق والباطل والثواب والعقاب.

معنى الآيات:

انحصر السياق الكريم في هذه الآيات الست في تقرير البعث والجزاء مع النبوة فقوله تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ1 } أي اذكر يا رسولنا محمد يوم نبعث { مِن كُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم { شَهِيداً } هو نبيها الذي نبئ فيها وأرسل إليها { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بالاعتذار فيعتذرون { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ 2} أي لا يطلب منهم العتبى3 أي الرجوع إلى اعتقاد وقول وعمل يرضي الله عنهم أي اذكر هذا لقومك، علهم يذكرون فيتعظون، فيتوبون، فينجون ويسعدون. وقوله في الآية الثانية [85] { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ } أي يوم 4القيامة { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي يمهلون. اذكر هذا أيضاً تذكيراً وتعليماً، واذكر لهم { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } في عرصات القيامة أو في جهنم صاحوا قائلين { رَبَّنَا } أي يا ربنا { هَـٰؤُلآءِ5 شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ } أي نعبدهم بدعائهم والإستغاثة بهم، { فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ } فوراً { إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ }. { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ } أي الإِستسلام فذلوا لحكمه { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } في الدنيا من ألوان الكذب والترهات كقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وأنهم ينجون من النار بشفاعتهم، وأنهم وسيلتهم إلى الله كل ذلك ضل أي غاب عنهم ولم يعثروا منه على شيء. وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } غيرهم بالدعوة إلى الكفر وأسبابه والحمل عليه أحياناً بالترهيب والترغيب { زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } الذي استوجبوه بكفرهم. ورد أن هذه الزيادة من العذاب أنها عقارب كالبغال الدهم، وأنها حيات كالنخل الطوال والعياذ بالله تعالى من النار وما فيها من أنواع العذاب، وقوله تعالى: { وَيَوْمَ نَبْعَثُ } أي اذكر يا رسولنا يوم نبعث { فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } أي يوم القيامة { عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ6 وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } أي على من أرسلت إليهم من أمتك.

فكيف يكون الموقف إذ تشهد على أهل الإِيمان بالإِيمان وعلى أهل الكفر بالكفر. وعلى أهل التوحيد بالتوحيد، وعلى أهل الشرك بالشرك إنه لموقف صعب تعظم فيه الحسرة وتشتد الندامة.. وقوله تعالى في خطاب رسوله مقرراً نبوته والوحي إليه { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } أي القرآن { تِبْيَاناً 7لِّكُلِّ شَيْءٍ } الأمة في حاجة إلى معرفته من الحلال والحرام والأحكام والأدلة { وَهُدًى } من كل ضلال { وَرَحْمَةً } خاصة بالذين يعملون به ويطبقونه على أنفسهم وحياتهم فيكون رحمة عامة بينهم { وَبُشْرَىٰ 8 لِلْمُسْلِمِينَ } أي المنقادين لله في أمره ونهيه بشرى لهم بالأجر العظيم والثواب الجزيل يوم القيامة، وبالنصر والفوز والكرامة في هذه الدار. وبعد إنزالنا عليك هذا الكتاب فلم يبق من عذر لمن يريد أن يعتذر يوم القيامة ولذا ستكون شهادتك على أمتك أعظم شهادة وأكثرها أثراً على نجاة الناجين وهلاك الهالكين ولا يهلك على الله إلا هالك.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- تقرير عقيدة البعث الآخر بما لا مزيد عليه لكثرة ألوان العرض لما يجرى في ذلك اليوم.

2- براءة الشياطين والأصنام الذين أشركهم الناس في عبادة الله من المشركين بهم والتبرؤ منهم وتكذيبهم.

3- زيادة العذاب لمن دعا إلى الشرك والكفر وحمل الناس على ذلك.

4- لا عذر لأحد بعد أن أنزل الله تعالى القرآن تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين.


ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ
1 نظير هذه الآية آية النساء: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد..} الآية.
2 أي: لا يكلّفون أن يرضوا ربهم لأنّ الآخرة ليست دار تكليف ولا يمكنون من الرجوع إلى الدنيا فيتوبون.
3 العتبى: الرضا، والفعل: عتب يعتب عليه إذا وجد عليه في نفسه وأعتبه: إذا أزال الموجدة ورجع إلى مسرّته وفي الحديث: " لك العتبى حتى ترضى" والعتبى: رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب وهو المراد في الحديث.
4 أي: عذاب جهنم بالدخول فيها.
5 أي: أصنامهم وأوثانهم التي عبدوها، وذلك لأنّ الله تعالى يبعث معبوديهم فيتبعونهم حتى يوردوهم النار، روى مسلم: "من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت.." الحديث، وفي الترمذي: " فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون".
6 الشهداء: هم الأنبياء والعلماء، فالنبي يشهد على أمته والعالم يشهد على من أمره ونهاه ودلّ هذا على أنه لم تخل فترة من وجود داع إلى الله تقوم به الحجة لله تعالى فقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زيد بن عمرو بن نفيل "يبعث امة وحده". ومثل زيد قس وورقة وسطيح.
7 التبيان: مصدر دال على المبالغة في المصدرية وأريد به هنا اسم الفاعل أي: المبيِّن لكل شيء.
8 خُصّ المسلمون دون غيرهم لأنّ غيرهم أعرضوا عنه فحرموا الهدى والرحمة والبشرى في الدارين.

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:57 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النحل - (9)
الحلقة (544)
تفسير سورة النحل مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 150الى صــــ 155)

إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنّ َ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)
شرح الكلمات:

العدل: الإِنصاف ومنه التوحيد.

الإحسان: أداء الفرائض وترك المحارم مع مراقبة الله تعالى.

وإيتاء ذي القربى: أي إعطاء ذي القربى حقوقهم من الصلة والبر.

عن الفحشاء: الزنا.

يعظكم: أي يأمركم وينهاكم.

تذكرون: أي تتعظون.

توكيدها: أي تغليظها.

نقضت غزلها: أي أفسدت غزلها بعد ما غزلته.

من بعد قوة: أي أحكام له وبرم.

أنكاثاً: جمع نكث وهو ما ينكث ويحل بعد الإِبرام.

كالتي نقضت غزلها: هي حمقاء مكة وتدعى رَيْطَة بنت سعد بن تيم القرشية.

دخلاً بينكم: الدخل ما يدخل في الشيء وهو ليس منه للإِفساد والخديعة.

أربى من أمة: أي أكثر منها عدداً وقوة.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ 1} أي أن الله يأمر في الكتاب الذي أنزله تبياناً لكل شيء، يأمر بالعدل وهو الإِنصاف ومن ذلك أن يعبد الله بذكره وشكره لأنه الخالق المنعم وتترك عبادة غيره لأن غيره لم يخلق ولم يرزُق ولم ينعم بشيء. ولذا فسر هذا اللفظ بلا إله إلا الله، { وَٱلإحْسَانِ 2} وهو أداء الفرائض واجتناب المحرمات مع مراقبة الله تعالى في ذلك حتى يكون الأداء على الوجه المطلوب إتقاناً وجودة والإِجتناب خوفاً من الله حياء منه، وقوله { وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي ذوي القرابات حقوقهم من البر والصلة. هذا مما أمر الله تعالى به في كتابه، ومما ينهى عنه الفحشاء وهو الزنا واللواط وكل قبيح اشتد قبحه وفحش حتى البخل { وَٱلْمُنْكَرِ } وهو كل ما أنكر الشرع وأنكرته الفطر السليمة والعقول الراجحة السديدة، وينهى عن البغي3 وهو الظلم والاعتداء ومجاوزة الحد في الأمور كلها، وقوله { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي أمر بهذا في كتابه رجاء أن تذكروا فتتعظوا فتمتثلوا الأمر وتجتنبوا النهي. وبذلك تكملون وتسعدون. ولذا ورد أن هذه الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ4 وَٱلإحْسَانِ 5} إلى { تَذَكَّرُونَ } هي أجمع آية في كتاب الله للخير والشر. وهي كذلك فما من خيرٍ إلا وأمرت به ولا من شر إلا ونهت عنه. وقوله تعالى { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ } أمر من الله تعالى لعبادة المؤمنين بالوفاء بالعهود فعلى كل مؤمن بايع إماماً أو عاهد أحداً على شيء أن يفي له بالعهد ولا ينقصه. " إذ لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له " كما في الحديث الشريف.. وقوله تعالى { وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ6 بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } الأيمان جمع يمين وهو الخلف بالله وتوكيدها تغليظها بالألفاظ الزائدة { وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } اي وكيلاً، أي أثناء حلفكم به تعالى، فقد جعلتموه وكيلاً، فهذه الآية حرمت نقض الأيمان وهو نكثها وعدم الإِلتزام بها بالحنث فيها لمصالح 7مادية. وقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ 8مَا تَفْعَلُونَ } فيه وعيد شديد لمن ينقض أيمانه بعد توكيدها.
وقوله تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا } ، وهي امرأة بمكة حمقاء 9تغزل ثم تنكث10 غزلها وتفسده بعد إبرامه وإحكامه فنهى الله تعالى المؤمنين أن ينقضوا أيمانهم بعد توكيدها فتكون حالهم كحال هذه الحمقاء. وقوله تعالى: { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } أي إفساداً وخديعة كأن تحالفوا جماعة وتعاهدوها، ثم تنقضون عهدكم وتحلون ما أبرمتم من عهد وميثاق وتعاهدون جماعة أخرى لأنها أقوى وتنتفعون بها أكثر. هذا معنى قوله تعالى { أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ } أي جماعة أكثر من جماعة رجالاً وسلاحاً أو مالاً ومنافع. وقوله تعالى: { إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ } أي يختبركم فتعرض لكم هذه الأحوال وتجدون أنفسكم تميل إليها، ثم تذكرون نهي ربكم عن نقض الأيمان والعهود فتتركوا ذلك طاعة لربكم أولاً تفعلوا إيثاراً للدنيا عن الآخرة، { وَلَيُبَيِّنَنّ َ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ثم يحكم بينكم ويجزيكم، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.. وقوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } على التوحيد والهداية لفعل.. ولكن اقتضت حكمته العالية أن يهدي من يشاء هدايته لأنه رغب فيها وطلبها، ويضل من يشاء إضلاله لأنه رغب في الضلال وطلبه وأصر عليه بعد النهي عنه. وقوله تعالى: { وَلَتُسْأَلُنَّ } 11أي سؤال توبيخ وتأنيب { عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من سوء وباطل، ولازم ذلك الجزاء العادل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسئية فلا يجزى إلا بمثلها وهم لا يظلمون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- بيان أجمع آية للخير والشر في القرآن وهي آية { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ.. } الآية [90].

2- وجوب العدل والإِحسان وإعطاء ذوي القربى حقوقهم الواجبة من البر والصلة.

3- تحريم الزنا واللواط وكل قبيح اشتد قبحه من الفواحش الظاهرة والباطنة.

4- تحريم البغي وهو الظلم بجميع صوره وأشكاله.

5- وجوب الوفاء بالعهود وحزمة نقضها.

6- حرمة نقض الأيمان بعد توكيدها وتوطين النفس عليها لتخرج لغو اليمين.

7- من بايع أميراً أو عاهد احداً يجب عليه الوفاء ولا يجوز النقض والنكث لمنافع دنيوية أبداً.
________________

1 ورد في فضل هذه الآية أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه قال: ما أسلمت ابتداء إلاّ حياءٌ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان أخاه من الرضاعة حتى نزلت هذه الآية وأنا عنده فاستقر الإيمان في قلبي فقرأتها على الوليد بن المغيرة فقال: يا ابن أخي أعِد فأعدت فقال: والله إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة وإن أصله لمورق وأعلاه لمثمر وما هو بقول بشر.
2 الإحسان مصدر أحسن إحساناً وهو متعدّ بنفسه نحو: أحسنت كذا إذا أتقنته وحسّنته وجوّدته، ومتعدّ بحرف الجرّ نحو: أحسنت إلى فلان أي أوصلت إليه ما ينفعه أو دفعت عنه ما يضرّه، وكلا المعنيين مراد في الآية وما في حديث جبريل يتناول الأول لأن من راقب الله تعالى أتقن عمله وحسنه.
3 ورد في البغي: لا ذنب أسرع عقوبة من البغي، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، والباغي مصروع وقد وعد الله من بُغي عليه بالنصر في قوله: {ومن عاقب بمثل ما عوقب ثمّ بغى عليه لينصرنه الله} .
4 قال ابن مسعود رضي الله عنه: هذه الآية: أجمع آية في القرآن لخير يمتثل ولشرّ يجتنب.
5 روي أن جماعة رفعت شكوى بعاملها إلى أبي جعفر المنصور فحاجّها العامل فغلبها حيث لم يثبتوا عليه كبير ظلم ولا جور في شيء، فقام فتى منهم وقال يا أمير المؤمنين: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وإنّه عدل ولم يحسن فعجب أبو جعفر المنصور من إصابته، وعزل العامل.
6 هذا في الإيمان المؤكد بها الحلف في الجاهلية لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث مسلم "لا حلف في الإسلام وأيّما حلف كان في الجاهلية فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة وأبطل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحلف في الإسلام، لأن الإسلام جاء بنصرة المظلوم وأخذ الحق له من الظالم كما هو مبين في شريعته.
7 أمّا إذا حلف العبد يميناً فرأى غيرها خيراً منها فإنه ينقض يمينه ويكفر كفّارة يمين لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني".
8 هذه الجملة ذكرت علّة لتحريم نقض العهد فهي تحمل وعيداً شديداً وتهديداً كبيراً لمن ينقض العهد.
9 يقال لها ريطة بنت عمر وكانت تغزل طول النهار، وفي المساء إذا غضبت لحمقها تحلّ ما أبرمته من غزلها، فنهى الله تعالى المؤمنين أن يكونوا كهذه الحمقاء فيحلون ما يبرمون من عقود وعهود.
10 النكث والجمع أنكاث: وهو النقض والحل بعد الإبرام.
11 اللام دالة على قسم محذوف نحو: {والله لتسألن} .

***************************

يتبع

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:58 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
شرح الكلمات:

دخلاً بينكم: أي لأجل الإفساد والخديعة.

وتذوقوا السوء: أي العذاب.

ما عندكم ينفد: يفنى وينتهي.

وهو مؤمن: أي والحال أنه عندما عمل صالحاً كان مؤمناً، إذ بدون إيمان لا عمل يقبل.

حياة طيبة: في الدنيا بالقناعة والرزق الحلال وفي الآخرة هي حياة الجنة.

بأحسن ما كانوا يعملون: أي يجزيهم على كل أعمالهم حسنها وأحسنها بحسب الأحسن فيها.

معنى الآيات:

ما زال السياق في تربية المؤمنين أهل القرآن الذي هو تبيان كل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. وقال تعالى { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً } أي خديعة { بَيْنَكُمْ } لتتوصلوا بالأيمان إلى غرضٍ دنيوي سافل، { فَتَزِلَّ قَدَمٌ1 بَعْدَ ثُبُوتِهَا } بأن يقع أحدكم في كبيرة من هذا النوع، يحلف بالله بقصد الخداع والتضليل فتذوقوا السوء في الدنيا بسبب صدكم عن سبيل الله من تعاهدونهم أو تبايعونهم وتعطونهم أيمانكم وعهودكم ثم تنقضوها فهؤلاء ينصرفون عن الإِسلام ويعرضون عنه بسبب ما رأوا منكم من النقض والنكث، وتتحملون وزر ذلك، ويكون لكم العذاب العظيم يوم القيامة. فإياكم والوقوع في مثل هذه الورطة، فاحذروا أن تزل قدم أحدكم عن الإِسلام بعد أن رسخت فيه. وقوله: { وَلاَ تَشْتَرُواْ 2بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } وكل ما في الدنيا قليل وقوله تعالى إنما عند الله هو خير لكم قطعاً، لأن ما عندكُمْ من مالٍ أو متاعٍ ينفد أي يفنى، { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } لانفاذ له، فاذكروا هذا ولا تبيعوا الغالي بالرخيص والباقي بالفاني، وقوله تعالى: { وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ } على عهودهم { أَجْرَهُمْ } على صبرهم { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي يضاعف لهم الأجر فيعطيهم سائر أعمالهم حسنها وأحسنها بحسب أفضلها وأكملها حتى يكون أجر النافلة، كأجر الفريضة وهذا وعد من الله تعالى لمن يصبر على إيمانه وإسلامه ولا يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، ووعدٌ ثان في قوله: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ 3حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } إلا أن أصحاب هذا الوعد هم أهل الإِيمان والعمل الصالح، الإِيمان الحق الذي يدفع إلى العمل الصالح، ولازم ذلك أنهم تخلوا عن الشرك والمعاصي، هؤلاء وعدهم ربهم بأنه يحييهم في الدنيا حياة طيبةً لا خبث فيها قناعة وطيب طعام 4وشراب ورضا، هذا في الدنيا وفي الآخرة الجنة والجزاء يكون بحسب أحسن عمل عملوه من كل نوع، من الصلاة كأفضل صلاة وفي الصدقات بأفضل صدقة وهكذا. { وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } اللهم اجعلنا منهم واحشرنا في زمرتهم وآتنا ما وعدتهم إنك برٌ رحيم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- حرمة اتخاذ الأيمان طريقاً إلى الغش والخديعة والإِفساد.

2- ما عند الله خير مما يحصل عليه الإِنسان بمعصيته الرحمن من حطام الدنيا.

3- عظم أجر الصبر على طاعة الله تعالى فعلاً وتركاً.

4- وعد الصدق لمن آمن وعمل صالحاً من ذكر وأنثى بالحياة الطبية في الدنيا والآخرة.
________________

1 هذه الجملة دلت على المبالغة في النهي اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة، إذ مَنْ وقع في ورطة يقال: زلت قدمه لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شرٌ.
2 نهى تعالى المؤمنين عن الرُّشا وأخذ الأموال على نقض العهد أي: لا تنقضوا عهودكم لعرض قليل من الدنيا. روي أن امرؤ القيس بن عابس الكندي اختصم مع ابن أسوع في أرض فأراد امرؤ القيس أن يحلف فلمّا سمع هذه الآية نكل وقرأ لخصمه بالأرض.
3 اختلف في معنى الحياة الطيبة فقال بعضهم: هي الرزق الحلال، وقيل: هي القناعة وقيل: التوفيق إلى الطاعة الموجبة لرضوان الله تعالى، وقيل: هي حلاوة الطاعة، وقيل هي المعرفة بالله وصدق المقام بين يدي الله.
4 روى مسلم قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه".


ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:59 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النحل - (10)
الحلقة (545)
تفسير سورة النحل مكية
المجلد الثالث (صـــــــ 156الى صــــ 160)

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)
شرح الكلمات:

فإذا قرأت القرآن: أي أردت أن تقرأ القرآن.

فاستعذ بالله من الشيطان: أي قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لحمايتك من وسواسه.

إنه ليس له سلطان: أي قوة وتسلط على إفساد الذين آمنوا وإضلالهم، ما داموا متوكلين على الله.

وإذا بدلنا آية مكان آية: أي بنسخها وإنزاله آية أخرى غيرها لمصلحة العباد.

قل نزله روح القدس: أي جبريل عليه السلام.

ليثبت الذين آمنوا: أي على إيمانهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في هداية المسلمين وتكميلهم، فقوله تعالى: { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ } يا محمد أنت أو أحد من المؤمنين أتباعك { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } أي إذا كنت قارئا عازماً على القراءة فقال1 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن ذلك يقيك من وسواسه الذي قد يفسد عليك تلاوتك2، وقوله: { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ } أي للشيطان { سُلْطَانٌ } يعني تسلط وغلبة وقهر { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } وهذه بشرى خير للمؤمنين { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ }3 بطاعته والعمل بتزيينه للشر والباطل4، { وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ 5مُشْرِكُونَ }. هؤلاء هم الذين يتسلط الشيطان عليهم فيغويهم ويضلهم حتى يهلكهم. وقوله تعالى: { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ } أي نسخنا حكماً بحكم آخر بآية أخرى قال المشركون المكذبون بالوحي الإِلهي { إِنَّمَآ أَنتَ } يا محمد { مُفْتَرٍ } تقول بالكذب والخرص، أي يقول اليوم شيئاً ويقول غداً خلافه. وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } فإنه ينزله لمصلحة عباده فينسخ ويثبت لأجل مصالح المؤمنين. وعلم الله تعالى رسوله كيف يرد على هذه الشبهة وقال له { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ 6مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } فلست أنت الذي تقول ما تشاء وإنما هو وحي الله وكلامه ينزل به جبريل عليه السلام من عند ربك بالحق الثابت عند الله الذي لا يتبدل ولا يتغير، وذلك لفائدة تثبيت الذين آمنوا على إيمانهم وإسلامهم. فكلما نزل قرآن ازداد المؤمنون إيماناً فهو كالغيث ينزل على الأرض كلما نزل ازدادت حياتها نضرة وبهجة فكذلك نزول القرآن تحيا به قلوب المؤمنين، وهو أي القرآن هدىً من كل ضلالة. وبشرى لكل المسلمين بفلاح الدنيا وفوز الآخرة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- استحباب الاستعاذة عند قراءة القرآن بلفظ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

2- بيان أنه لا تسلط للشيطان على المؤمنين المتوكلين على ربهم.

3- بيان أن سلطان الشيطان على أوليائه العاملين بطاعته المشركين بربهم.

4- بيان أن القرآن فيه الناسخ والمنسوخ.

5- بيان فائدة نزول القرآن بالناسخ والمنسوخ وهي تثبيت الذين آمنوا على إيمانهم وهدى من الضلالة وبشرى للمسلمين بالفوز والفلاح في الدارين.
__________________

1 هذه كآية الوضوء: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا..} أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم على غير وضوء فاغسلوا وجوهكم أي: توضؤوا.
2 لقد صحت الأحاديث الكثيرة في أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتعوّذ في صلاته قبل القراءة روي أن بعض السلف كان يتعوّذ بعد القراءة أخذاً بهذه الآية.
3 فائدة الاستعاذة قبل القراءة أن يحفظ المرء من أن يلبس عليه إبليس قراءته ويخلط عليه ويمنعه من التدبرّ.
4 قيل في قوله تعالى: {إنه ليس له سلطان} : أي أنه لا يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه.
5 الضمير في {به} عائد إلى الشيطان ويصح عوده على الله تعالى.
6 روح القدس: جبريل عليه السلام: "فقد نزل بالقرآن كله ناسخه ومنسوخه ما عدا الفاتحة فقد نزل بها ملك لم ينزل إلى الأرض قط" رواه مسلم.

****************************** **

يتبع

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 12:59 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)
شرح الكلمات:

بشر: يعنون قينا (حداداً) نصرانياً في مكة.

لسان الذي يلحدون إليه: أي يميلون إليه.

وهذا لسان عربي: أي القرآن فكيف يعلمه أعجمي.

إلا من أكره: أي على التلفظ بالكفر فتلفظ به.

ولكن من شرح بالكفر صدرا: أي فتح صدره الكفر وشرحه له فطابت نفسه له.

وأولئك هم الغافلون: أي عما يراد بهم.

لا جرم: أي حقاً.

هم الخاسرون: أي لمصيرهم 1إلى النار خالدين فيها أبدا.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الرد على المشركين الذين اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بالافتراء فقال تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ2 أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } أي يعلم محمداً بشر أي إنسان من الناس، لا أنه وحي يتلقاه من الله. قال تعالى في الرد على هذه الفرية وإبطالها { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ } أي يميلون إليه بأنه هو الذي يعلم محمد لسانه { أَعْجَمِيٌّ3 } لأنه عبدٌ رومي، { وَهَـٰذَا } أي القرآن { لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } ذو فصاحة وبلاغة وبيان فكيف يتفق هذا مع ما يقولون أنهم يكذبون لا غير، وقوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } وهي نورٌ وهدى وحججٌ قواطع، وبرهان ساطع { لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ } إلى معرفة الحق وسبيل الرشد لأنهم أعرضوا عن طريق الهداية وصدوا عن سبيل العرفان وقوله { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي جزاء كفرهم بآيات الله. وقوله { إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ4 ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } أي إنما يختلق الكذب ويكذب فعلاً الكافر بآيات الله لأنه لا يرجو ثواب الله ولا يخاف عقابه، فلذا. لا يمنعه شيء عن الكذب، أما المؤمن فإنه يرجو ثواب الصدق ويخاف عقاب الكذب فلذا هو لا يكذب أبداً، وبذا تعين أن النبي لم يفتر الكذب وإنما يفتري الكذب اولئك المكذبون بآيات الله وهم حقاً الكاذبون. وقوله تعالى: { مَن كَفَرَ 5بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ }6 على التلفظ بالكفر { وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } لا يخامره شك ولا يجد اضطراباً ولا قلقاً فقال كلمة الكفر لفظاً فقط، فهذا كعمار بن ياسر كانت قريش تكرهه على كلمة الكفر فأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في قولها بلسانه ولكن المستحق للوعيد الآتي { مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } أي رضي بالكفر وطابت نفسه وهذا وأمثاله { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي باءوا بغضب الله وسخطه ولهم في الآخرة عذاب عظيم، وعلل تعالى لهذا الجزاء العظيم بقوله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ } بكفرهم بالله وعدم إيمانهم به لما في ذلك من التحرر من العبادات، فلا طاعة ولا حلال ولا حرام، وقوله تعالى: { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } هذا وعيد منه تعالى سبق به علمه وأن القوم الكافرين يحرمهم التوفيق للهداية عقوبة لهم على اختيارهم الكفر وإصرارهم عليه.
وقوه تعالى: { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } وعلى سمعهم وأبصارهم أولئك الذين توعَّدهم الله بعدم هدايتهم هم الذين طبع على قلوبهم فهم لا يفهمون { وَسَمْعِهِمْ } فهم لا يسمعون المواعظ ودعاء الدعاة إلى الله تعالى { وأبصارهم } فهم لا يبصرون آيات الله وحججه في الكون، وما حصل لهم من هذه الحال سببه الإعراض المتعمد وإيثار الحياة الدنيا، والعناد، والمكابرة، والوقوف في وجه دعوة الحق والصد عنها. وقوله { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } أي عمَّا خلقوا له، وعما يراد لهم من نكال في الآخرة وعذابٍ أليم، وقوله تعالى { لاَ جَرَمَ } أي حقاً { أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلْخَاسِرونَ } المغبونون حيث وجدوا أنفسهم في عذاب أليم دائم لا يخرجون منه ولا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:


1- دفاع الله تعالى عن رسوله ودرء كل تهمة توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- المكذبون بآيات الله يحرمون هداية الله، لأن طريق الهداية هو الإِيمان بالقرآن. فلما كفروا به فعلى أي شيء يهتدون.

3- المؤمنون لا يكذبون لإِيمانهم بثواب الصدق وعقاب الكذب، ولكن الكافرين هم الذين يكذبون لعدم ما يمنعهم من الكذب إذ لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً.

4- الرخصة في كلمة الكفر في حال التعذيب بشرط اطمئنان القلب إلى الإِيمان وعدم انشراح الصدر بكلمة الكفر.

5- إيثار الدنيا على الآخرة طريق الكفر وسبيل الضلال والهلاك.
___________________

1 أي: لكون مصيرهم إلى النار وأيّ خسران أعظم من خسران من دخل النار فخسر نفسه وأهله قال تعالى فيه: {ألا ذلك هو الخسران المبين} .
2 اختلف في تعيين هذا الرجل فقيل: اسمه جبر ويكنى بأبي فكيهة، وقيل: اسمه عايش، وقيل: اسمه يعيش وكان روميًّا وكان صيقليا يشحذ السيوف ويحليها وكان يجلس إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحياناً فقالوا قولتهم هذه.
3 العجمة: الإخفاء وضد البيان ورجل أعجم وامرأة عجماء أي لا يفصح ولا يبين ومنه عجب الذنب لاستتاره والعجماء البهيمة والأعجمى من لا يتكلم العربية.
4هذا جواب وصفهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكذب فأعلم تعالى أنّ الذي يفتري الكذب هو الكافر بآيات الله الكاذب الذي لا يعرف الصدق أبداً.
5 قوله: {من كفر بالله بعد إيمانه} : عائد إلى قوله: {إنما يفتري الكذب الذي لا يؤمنون بآيات الله} . وقوله: {إلاّ من أكره} : نزلت في عمّار بن ياسر في قول أهل التفسير لأنه قارب أن يقول بعض ما طلبوه منه فرفع تعالى عنه الحرج وقال له الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أعطهم يا عمار" وهو تحت العذاب وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" واستثنى أهل العلم من أكره على قتل مؤمن أنه لا يقتله، وليكن المقتول ولا يقتل فلا يفد نفسه بأخيه حتى مجرد الضرب لا يضربه.
6 أهل العلم على أن المكره على الطلاق وعلى الحلف وعلى الحنث أنه لا شيء فيه.
7 وكذلك الرخصة في العتاق والطلاق والنكاح والحلف والحنث ما دام مكرهاً فلا يلزمه شيء لحديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" الحديث، وكذا من أكره على تسليم زوجته فلا شيء عليه إذ أكره إبراهيم على ذلك وعصمه الله تعالى ومن صبر على ما أكره به من الضرب والتعذيب فله ذلك فقد صبر عبد الله بن حذافة السهمي على ألوان من التعذيب والتهديد على يد ملك الروم حيث أسر مع جمع من المسلمين فعذب ما شاء الله أن يعذّب ثم أطلق الأسرى، وقبّل عمر رضي الله عنه رأسه إكراماً له واعترافاً بفضله لأنّ ملك الروم أخذ ما أكرهه عليه تقبيل رأسه فقبّله.


الساعة الآن : 06:02 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 140.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 140.39 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.35%)]