المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلمانية هدف إسلامي؟؟؟؟؟؟


ياسمينة دمشق
17-05-2009, 11:45 PM
قرأت هذا المقال فبهرني بمنطقه وأسلوبه ...وليس هذا غريبا على الكاتب الأستاذ أحمد العمري فمن قرأ كتابه (الفردوس المستعار والفردوس المستعاد )يدرك أي فكر وأي عقل يملك....!!!!
أرجو أن تستمعوا كما استمتعت ..ياسمينة دمشق



عن حديث “أنتم اعلم بامر دنياكم “(1) : العلمانية هدف إسلامي؟
العرب القطرية-
صحيفة العرب القطرية // - *-**-*فكر إسلامي (http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=74274&issueNo=431&secId=23)
رغم أن تهمة انتقاء حديث نبوي معين ومعاملته خارج سياقه وظروفه هي تهمة تلصق عادة بالإسلاميين (عن حق في بعض الأحيان!) فإنه من الواضح أن آلية التعامل هذه لم تعد تخصهم فقط بل صارت تستخدم أيضا من قِبَل أعدائهم التقليديين أيضا من العلمانيين والليبراليين الذين صاروا يستخدمون الآلية نفسها في التعامل مع نص ديني كانوا سابقا لا يحاولون أصلا الاقتراب منه، والسبب واحد في الحالتين: الوصول إلى ترسيخ حكم معين مسبق بكل وسيلة حتى لو كان عبر الانتقاء ومن ثَمَّ التعميم.
فإذا كانت بعض التيارات الإسلامية مثلا تعامل حديثا مثل «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» بطريقة مجتزأة خارجة عن منظومة النصوص المتكاملة، فإن ذلك لا يقل خطأً عن خطأ تعامل العلمانيين مع حديث «أنتم أعلم بأمور دنياكم» (وهذه الصيغة المستخدمة لم تروَ في سند صحيح ولنا عودة لهذا بالذات لاحقا).. هذا الحديث استُخدم عموما من قِبَل العلمانيين ثم استُخدم مؤخرا على نحو أكثر تحديدا من قِبَل واحد من منظري العلمانية المعروفين (جورج طرابيشي في كتابه «هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والممانعة العربية» الصادر عن دار الساقي 2006، ولقاء له مع شبكة إسلام أون لاين بتاريخ 2 يوليو 2008) الذي اعتبر الحديث بذرة للعلمنة في الإسلام ووصل إلى أن «العلمانية مطلب إسلامي» استنادا إلى هذا النص تحديدا.
وأنا هنا لا أناقش فكرة العلمانية وصوابها وخطأها على الإطلاق بل أناقش فكرة استخدام نص ديني من أجل التأصيل لها، كما هي الحال مع هذا الحديث.. فهذه الآلية تحتوي في نظري على ثلاث ثغرات كافية لقتل الفكرة المروج لها برمتها.
الثغرة الأولى: إن استخدام النص النبوي ولو من أجل تأصيل المشروع العلماني يحتوي ضمنا على الإقرار بسلطة هذا النص وقدرته على تحديد الاتجاه الدنيوي ولو بعد ألف وأربعمائة سنة من صدوره وهذا يضرب الفكرة العلمانية في عمقها الأهم: الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي.
الثغرة الثانية: وهي ناتجة بطريقة ما عن الثغرة الأولى، أن هذا الإقرار الضمني بسلطة النص الديني (ولنتنبه هنا أنه حديث نبوي ويندرج ضمن أحاديث الآحاد وليس نصا قرآنيا مثلا) يمنح هذه السلطة لأي نص ديني من مستواه ومن مستوى أعلى، لا يمكن حقا «حجر» هذه السلطة لنص ديني ننتقيه على هوانا ومن ثَمَّ نمنعها عن نصوص دينية أخرى.. بعبارة أخرى: عندما يستخدم المفكر العلماني نصا دينيا ليروِّج للعلمانية أو ليؤصل لها فإنه في الوقت نفسه ومن دون أن يشعر يروج لـ «حُجيّة السنة» أي أن تكون السنة النبوية حجة بحد ذاتها، وهذا يضعه هو ومشروعه في خانة ضيقة جدا، ذلك أن حُجيّة السنة نفسها ستفرز أحكاما أخرى بالاستناد على نصوص نبوية أخرى ولا يمكن هنا للمفكر العلماني الاعتراض على استخدام هذه الآلية «هنا» لأنه استخدمها شخصيا «هناك»، عند نص آخر.. كل ما في الأمر أنه انتقى نصاً معيناً ومن الواضح أنه انتقاه لأنه وجد فيه معنى يمكن أن ينسجم مع فكره المسبق.
الثغرة الثالثة: أن مقارنة هذا الحديث بالجملة الإنجيلية «أعط ما لقيصر لقيصر وأعط ما لله لله» واعتبارها سببا لنشوء العلمانية في الغرب –كما أصر الأستاذ طرابيشي- أمر سيحتوي على قدر كبير من الاختزال والتبسيط إن لم يكن التسطيح.. فالعلمانية كتجربة تاريخية بكل ما لها وما عليها لا يمكن أن تعود لعامل واحد منفرد، ولن يكون هذا العامل نصا دينيا بكل الأحوال.. فالعلمانية أعقد بكثير من ذلك وقد ولدت نتيجة لصراعات اجتماعية امتلكت محدداتها ومنطلقاتها داخل رحم التجربة الغربية.. وتبسيط الأمر بعزوه إلى جملة في الإنجيل أمر يجب ألا ننزلق إلى مستواه.
إن نشوء العلمانية تاريخيا ارتبط بما لا يمكن أن نتناساه بالصراع مع المؤسسة الدينية، وهو الصراع الذي انتهى إلى الفصل بين «الكنيسة» و»الدولة»، أي بين «المؤسسة الدينية» والدولة وليس بين الدين والدولة كما هو شائع.. لا يمكن تجاوز هذا الأمر إطلاقا عند الحديث عن العلمانية ونقلها إلى التجربة الإسلامية، في الوقت نفسه فإني لن أنزلق إلى فخ التبسيط الذي ينفي وجود «مؤسسة دينية» إسلامية وبالتالي ينفي الحديث عن العلمانية برمته.
لن أقول هذا لأن التجربة التاريخية الإسلامية أفرزت فعلا مؤسسات دينية، لكنها مختلفة تماما عن المؤسسة الكنسية، فهي متماهية مع المجتمع بطريقة تجعل محاولة فصلها أكثر صعوبة وتعقيدا مما حدث في التجربة الغربية (وبكل ما في هذا التماهي من نقاط قوة وضعف أيضا).. بل إن لفظ «العلمانية» نفسه قد لا يناسب التجربة الإسلامية كما ناسب التجربة المسيحية التي لا تحتوي أصلا على تشريعات دنيوية «مرتبطة بالعالم» عكس ما هو موجود في الشريعة الإسلامية التي تدخل في التجربة الدنيوية من الألف إلى الياء.
ربما كان كل ما سبق من ثغرات لم يغب عن بال من طرح الفكرة وروّج لها لكنه كان يستخدمها فقط لإيجاد منفذ إلى الناس عبر النص الديني، أي من أجل الدعوة إلى العلمانية وتقريبها إلى أذهان عامة الناس.. لكن هذا المبرر يمكن أن يكون ثغرة أخرى لأن المفكر هنا يعرف أن الدعاة على الجانب الآخر يجيدون هذه الآلية ويتقنون استخدامها شعبويا وتعبويا أكثر منه ولذا فإن الترويج لهذه الآلية يتضمن ترويجا غير مباشر لنفس الآلية عندما تنتقي نصاً آخر.
أحب أن أؤكد هنا حق العلمانيين في الإيمان بما شاؤوا، فحتى حق الكفر داخل ضمن المشيئة الإنسانية التي أطلقها القرآن الكريم.. لكن الدخول ضمن متاهة التناقضات واستخدام النص الديني من أجل الترويج للعلمانية هو ما يستحق الاعتراض حقا.. وشخصيا أعتقد أن العلمانيين سيستحقون الاحترام أكثر لو كانوا أكثر صدقا وانسجاما مع أطروحاتهم، ولو تركوا هذا التوفيق التلفيقي، الذي يمارسه بعض الإسلاميين كذلك.. بنفس القدر المتواضع من النجاح