قمم العرب حلقات كارثية متتابعة

[العربي الساهر]

قمم العرب حلقات كارثية متتابعة
بقلم : المهندس حسن الحسن

بعد أن رفضت "إسرائيل" مبادرة العرب عام 2002 رغم تضحيتهم باسم الأمة بغالب فلسطين لصالح اليهود، أصر قادة العرب مجدداً على تفعيل مبادرتهم في قمة الرياض 2007، ليعلن قادة يهود رفضها مجدداً، ولا أدري هل سيجتمعون بعد شهر أو عام أو أكثر للتوسل "لإسرائيل" مرة أخرى لتقبل بمقترحاتهم نفسها أو معدلة بعد نسف عودة اللاجئين وتقزيم موضوع القدس، علّ وعسى أن ترضى "إسرائيل" ومن خلفها عنهم!

حجة قادة العرب أنه لم يعد الانتظار مقبولاً كما لا ينبغي تأجيل الأشياء وتعليقها بأمان خائبة أو أحلامٍ زاهية أو رغباتٍ مثالية لا تمت للواقع بصلة، كما لا بد من النظر بواقعية للأشياء والتعامل معها لا التعامي عنها، لذلك لا بد من تبني مبادرة ما واتخاذ خطوات جريئة بهذا الصدد أو ذاك. ولطالما صدحت أبواقهم بهذه المعزوفة التي يتخللها منطق مفخخ بكارثة تعدُّ لهذه الأمة اليتيمة المنكوبة عند كل أزمة كبرى، ولدى الحاجة لتمرير مشاريع مشبوهة.

فعندما حرض الإنكليز العرب على الدولة العثمانية التي وُصِفت بأنها دولة احتلال وظلم وجور، بحجة أنه لا بد من أخذ زمام المبادرة ونقل الخلافة إلى العرب بمعاونة أصدقائهم الإنكليز والفرنسيين إبان الحرب العالمية الأولى، كانت النتيجة أن نفى الإنكليز قائد "الثورة العربية" الشريف حسين إلى قبرص، بعد أن أطبقوا بفكيهم على المنطقة فقسموها وهدموا خلافة العجم وقضوا على حلم العرب، وبنوا لهم جامعة عربية أشبه بكرنفال دوري يبث الفتنة والشقاق ويرسخ الفرقة والتمزق. ودارت الأنظمة العربية ونخبها في حلقات من قمم العبث السياسي والأخلاقي على كل صعيد.

فقد أقبلت أحلام النهضة الوردية لتسلخ العالم العربي عن الإسلام بحجة أنه يمثل قيماً بالية ظلامية متحجرة، وأنه لا بد من دفع عجلة التاريخ إلى الأمام والبدء بثورة الحداثة والتنوير للانطلاق نحو آفاق الحضارة لتسود الحرية ويتحقق التقدم ويزدهر المستقبل. وبعد عقود على تلك المحاولات أصبح العرب بلا هوية وبلا إرادة وبتاريخ مشوه وواقع مشؤوم ومستقبل مجهول المصير.

وسقطت عروس المدائن بين براثن اليهود، وأعلنت قيامة "إسرائيل" على أنقاض أهل فلسطين، وتوالت انقلابات العسكر رافعة راية النصر والتحرير والوحدة، ودخل العرب ثورة شعاراتٍ مجلجلة: فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، ويا جبل ما يهزك ريح. ونجحت تلك الشعارات البراقة بتكبيل الأمة بأصفادٍ من حديد وسوقها من نكسة لنكبة لفاجعة، فلا نصر تحقق ولا وحدة تمت وعوض تحرير القدس سقطت بغداد وغيرها.

وعندما اجتاح السوفيات كابول كان الصراع بين القطبين الدوليين بارزاً للعيان، وفتح حكام العرب بعد أن دبت فيهم "حمية الإسلام" أبواب الجهاد ليعينوا "إخوانهم" من أهل الكتاب على ملاحدة المطرقة والمنجل. وتحت عناوين عريضة، تقاطعت فيها مصالح البيادق مع ملوك اللعبة، دلف المجاهدون على إثرها من كل حدب وصوب إلى أفغانستان، ليندحر عنها أولئك الأعداء ويسيطر عليها حلفاء الأمس بعد أن بات المجاهد طريداً أو قتيلاً أو أسيراً في كل مكان.

السلسلة طويلة ومريرة، تختلط فيها الذرائع الهشة الواهية بمنطق مغلوط متعالٍ يجعل الواقع مصدر التفكير عوض أن يكون الواقع محل دراسة للتعامل معه بما تفرضه القيم الرفيعة والذهنية السوية التي ترى الأشياء كما هي لا كما يشتهيها المتهورون والمندفعون بغية تحصيل منفعة جزئية سريعة وتحقيق كارثة كبرى محققة بعد ذلك مباشرة.

وكما عاشت الأمة تلك الفواجع ودفعت أثماناً باهظة جراء انجرافها وراء تلك المبادرات والخطوات الجريئة! ها هم الآن قادتها وممثلوها يزفون لنا بشرى كارثة من نوعٍ جديد في قمة العرب في الرياض ، حيث يراد تسويق بيع فلسطين على أنه إنجاز العرب الكبير، بينما لا تتعدى العملية دمغ يهوديتها بإجماعٍ عربي رسمي تحت ذريعة ما كان بالإمكان أكثر مما كان. مع أن الخيرات وفيرة والجيوش كثيرة وعزيمة الأمة كبيرة، تلك التي لا بد من تجييرها لصالح الأمة بعد استعادة قرارها المرتهن وتحرير إرادتها السياسية. وأما قفز البعض من صغار اللاعبين من حضن حاكم لآخر والتمسك بأهداب الجامعة العربية ووصل ود دولها فضلاً عن التماس عطف الدول الكبرى بحجة الحنكة والكياسة، فما هو سوى عبث سياسي وسير دؤوب في تحقيق أهداف تلك الدول بغض النظر عن نوايا أصحابها وتعدد ذرائعهم التي لا تعدو بحال كونها مبررات تضلل الأمة وتتاجر بقضاياها وتبيع مقدساتها.

نائب ممثل حزب التحرير- المملكة المتحدة