المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار الطرشان في الدنمارك


الباســل
17-03-2006, 08:54 PM
عكست "التجربة الدنماركية " مع الرسومات المسيئة للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) مشكلتين أساسيتين: الأولي تتعلق بوجود نظرة استعلائية غربية دفعت السياسيين الدنماركيين إلي رفض الاعتذار، ولو بصورة شخصية، عن الإساءة لمشاعر ملايين من البشر، وينظرون إليهم باعتبارهم قوماً " متخلفين " ومشاريع إراهابيين لا يستحقون الاعتذار أو العمل الجاد من أجل مراعاة مشاعرهم.

http://www.islamudeni.net/tpllib/img.php?im=cat_127/1190.jpg&w=200&h=132

والمشكلة الثانية تتعلق بقناعة حقيقية لدي الجزء الأكبر من النخب الأوروبية بأن حرية الرأي والتعبير من " المقدسات " التي لايجب مسها، وأنها لا تتحدد بسقف ديني، واعتادت الشطط والانحراف في التهجم علي الأديان والذات الإلهية والأنبياء دون استثناء.
والحقيقة أن المجتمعات الغربية لم تضع الدين كقيمة عليا لا تمس، كما هو الحال في المجتمعات العربية، بل كثيرا ما تضمنت بعض الصحف تهكماً علي السيد المسيح وعلي السيدة مريم، وخرجت بعض الأفلام لتمسهما معاً، وتثير استهجان المؤمنيين في العالم كله، وظلت هذه القضايا في إطار الشد والجذب بين التيار العلماني المسيطر علي الإطار الثقافي في الغرب، وبين المتدينين الموجودين علي هامش النخبة السياسية والثقافية في البلاد، الذين لم يستطيعوا إصدار قوانين قاطعة من شأنها منع المس بالأديان نقدا أو تهكما ـ وليس اذدراء ـ كما هو حادث في البلدان العربية والإسلامية.
وعلي عكس مسألة تقبل المساس بالمقدس الديني في أوروبا، تم تحريم المساس " بمقدس مدني " خاص بالمحرقة اليهودية أي " الهولوكوست "، وصار من المحرمات علي أي باحث أو كاتب أن يناقش الوزن الحقيقي لتلك الجرائم طوال الحرب العالمية الثانية، وبات من يجروء علي القول بأنها جزء من جرائم شهدها العالم كله أثناء الحرب، معادياً للسامية، أما من يشكك في حدوثها فهو مجرم بحكم القانون كما حدث مؤخراً مع الباحث البريطاني الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لتشكيكه في وجود المحرقة.
وإذا كان من المؤكد أن قضية العرب ليست هي إثبات حدوث المحرقة من عدمه ولا في الدخول في هذا الجدل السقيم حول حجم الجرائم التي ارتكبها النازي بحق اليهود، فهي بالتأكيد جرائم ضد الإنسانية ومدانة، إنما في توسيع دائرة " المحرمات "، لتشمل المساس بالأديان وبالأنبياء وبالذات الإلهية، سواء بالتهكم أو الاستهزاء، وضمان عدم تكرار ما اقترفته الصحيفة الدنماركية مرة أخري.
والحقيقة، أن هذا العمل يحتاج إلي جهد قانوني وسياسي واسع المدي، ويستلزم الدخول في معركة فكرية عميقة مع بعض المفاهيم الثقافية الراسخة في الغرب والتي لا تضع أي قيود من أي نوع علي العقل وشطحاته حتي لو مست المقدسات الدينية علي عكس كثير من المجتمعات والثقافات الأخري وعلي رأسها المجتمعات الإسلامية والتي تضع قيوداً علي انطلاق العقل بالمساس بالمقدسات الدينية.
وصار من البديهي والمنطقي أن يقوم هذا الجهد علي احترام متبادل لخصوصية كل ثقافة، وعلي احترام الجانب العربي لعلمانية الغرب ولخصوصية خبرته الحضارية ومشروع نهضته، وأن يحترم الغرب بالمقابل الخصوصية الحضارية والثقافية للشرق الإسلامي والصيني والأرثوذكسي بالبحث عن القاسم الإنساني المشترك والقائم في هذه الحالة علي احترام مشاعر الشرق وثقافة الغرب، بتقنين معايير قانونية جديدة تنص علي احترام المعتقدات الدينية وعدم التهكم علي المقدسات والأنبياء.
وجاءت رحلة الداعية الشاب عمرو خالد إلي الدنمارك لتصب في عكس هذا التصور تماماً، وذلك بحكم اعتبارات كثيرة منها عدم قدرته علي فهم تعقيدات هذا الحوار، لأنه اعتاد في كثير من الأحيان الاستسهال لدرجة التسطيح ، وعكس قدرة محدودة علي فهم طبيعة المجتمعات الغربية وخصوصيتها الحضارية.
وقد طالب خالد في لقائه بممثلي الحكومة الدنماركية بثلاثة مطالب شديدة السطحية، كبناء مركز إسلامي كبير وهو أمر يخص الحكومة الدنماركية والمسلمين الدنماركيين وليس الداعاة القادمين من العالم الإسلامي، وإضافة مادة تعليم الدين الإسلامي، وهو أيضا أمر فيه من السذاجة وعدم الفهم لطبيعة هذه المجتمعات التي لا تدرس أصلا الدين المسيحي في المدارس العامة، وأخيرا دعوة رجال دين مسلمين للحضور للدنمارك لتعريف الدنماركيين بتعاليم الدين الإسلامي، دون معرفة أنه مجتمع لا يرغب معظم من فيه إلي الاستماع لنصائح رجال دين غرباء عليهم.
وجاء عدم توقيع الجانبين علي بيان مشترك ليعكس تلك الأزمة في الفهم المتبادل، فالدعاة الجدد الذين ذهبوا إلي الدنمارك تصوروا أنهم ذاهبون إلي بلد إسلامي مهمتهم هداية البشر ونصحهم بالعودة إلي تعاليم الدين، لا إلي مجتمعات علمانية سعيدة بما أنجزته ( ولو من زاوية أنه تاريخها الوطني ) ومن غير المتصور أن تنقلب علي ثقافتها وتقوم بتدريس تعاليم الدين الإسلامي في المدارس من أجل عمرو خالد وإخوانه.
لقد عكس حوار الدنمارك الفاشل أزمة عميقة في ثقافة الاستسهال التي تعيشها مجتمعاتنا، فالمؤكد أن ظاهرة الدعاة الجدد لها جمهورها الكبير وسط الشباب المصري، وهي في الحقيقة امتداد لظاهرة محمد هنيدي في السينما ولاعبي كرة القدم في الرياضة، فالذين يحضرون دروس الدعاة الجدد الدينية هم أيضا جمهور المسلسل ومباريات المنتخب ، وليس هناك غبار علي ذلك، لكن المشكلة حين يتحول بعض الدعاة الجدد مع بعض لاعبي الكرة إلي مفكرين في قضايا السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية دون أن يقرؤوا كتابا في الموضوع، أو أن يتحول بعض شباب الفنانين إلي خبراء في العولمة وفي الصراع العربي الإسرائيلي وغيرها.
وهذا ما فعله الداعية الشاب حين تصور بسطحية شديدة أنه يمكن" هداية الدنماركيين "، وحرص بأي ثمن علي أن يكون تحت دائرة الضوء، ويتحدث في قضايا لا يفهمها تتعلق بطبيعة الحوار مع الغرب، وتعامل باستهانة مع علماء أجلاء كيوسف القرضاوي وغيرهم، متصورًا أنه لا فرق بين الحوار مع الشباب المسلم في نادي الجزيرة أو الصيد، وبين الحوار مع مجتمع بني نهضته وخبرته الثقافية علي أسس علمانية.
والمؤكد أن حل هذه القضية لن يكون بالعنف الذي شهدته بعض البلدان الإسلامية، ولا بتعميم الخطأ الذي ارتكبته الصحيفة الدنماركية علي كل المواطنين الأوربيين والدنماركيين، إنما في فتح مسار جديد في مجال القانون والعلاقات الدولية يقوم علي احترام الخصوصيات الثقافية للشعوب، وبسن قواعد دولية جديدة ترفض المساس بالمقدسات الدينية، وهي رحلة الألف ميل التي لن تبدأ بخطوة عمرو خالد.

نقلا عن اللجنه الأروبيه لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم