|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
هل الكتابة في اللوح المحفوظ تتعارض مع حركة الإنسان في الحياة؟ لفضيلة الشيخ عبد الكريم تتان كتب أحد الباحثين هذه الكلمة: [إن الرزق والعمر يحدده عمل الإنسان وفلسفته وليس مكتوبا عليه ولا محكوماً (كذا) به... نحن من نكتب بأعمالنا قصة حياتنا ... ولسنا نعيد تميثل حياة كتبت لنا أو علينا]. وعلق آخر: [الكثير من الأمور التي نسميها مسلَّمات، هي ليست بمسلَّمات، بل هي أفهام البعض وضعت موضع التقديس] أجاب فضيلة الشيخ عبد الكريم تتان حفظه الله تعالى على بعض هذه المقولات الباطلة بالجواب التالي: الخطأ في المقدمة يفضي إلى نتيجة خطأ بالبداهة: - الحق أن الكتابة في اللوح ثابتة، ولا تتعارض مع حركة الإنسان في الحياة إلا في نظر من أخطأ فهمه لمعناها! الموقف السديد من مسألة الكتابة وحرية الاختيار: * الوقوف على معنى كل من الكتابة والاختيار، يطل بنا على الفهم الصائب للعلاقة بينهما، والبعد عن تحديد المعنى الصحيح لهما هو الذي يفضي إلى أن ثمة تناقضا بينهما، والخروج من التناقض – برأي هؤلاء – يمثله إلغاء معنى "الكتابة"، لأنها أمر غيبيٌّ يتعارض مع حسٍّ نعيشه باللحم والدم والمشاعر، وهنا تطرح التحليلات ليستريح هؤلاء من وطأة الإيمان بكتابة الأقدار على المعنى الذي فهموه، وأيسر هذه التحليلات أن هذا المعنى للكتابة لا يعدو طرحا من قبل علماء، طرحوه، وألبسوه لباس القدسيَّة!!! - من أخذ يبحث عن ثغرة فيما أقوله بصدد تحديد معنى الكتابة، فلن يجد سوى ما استقرَّ في ذهنه من معناها، ويأبى إلا ما استقر،علما أني سأذكر المعنى من خلال اللغة والنصوص. - متى تكون النتائح التي تفضي إليها مقدمات تبنى عليها نتائج صائبة؟ - الذي هو معلوم أن المقدِّمات السليمة التي وظفت توظيفا سليما، هي التي تثمر نتائج سليمة، وأن أيَّ خلل على الطريق سينتج خللاً في النهاية بقدره! - ما طُرِح من أفكار، وما تبناه أصحابها من نتائج، راجع إلى فهم مسألة " الكتابة " على أنها إجبار، ومن هنا وجد هؤلاء أنفسهم أمام إجبار يتناقض مع التكليف، وحرية الاختيار، والدعوة إلى عمارة الأرض، وأمام فهم الكتابة على أنها "إجبار"؛ تترك "الأسباب" فتتعطل، ويبارك المرض، ويقدس الظلم، ويسمو الكسل! - فما القول من هؤلاء إذا تبين أنهم قد أخطؤوا خطأ فاحشاً في مسألة " الكتابة " وأنها بالتحقيق لا تقتضي الإجبار؟! - والكتابة ثابتة، لكن على المعنى الصحيح الذي لا لبْس فيه. وهنا لا يُخاطب بهذا من جحد أصلا، فهو لا يقتنع، ولو أريته الحقيقة مثل طلوع الشمس من الأفق الشرقي الصافي!! - ألخص المسألة بوضوح، على أن أفصِّلها إن شاء الله فيما بعد، وقد ألفت رسالة جامعة في "التبصير بالموقف السديد في القضاء والتقدير" صفات الكمال لله تعالى: - من الثوابت الذي قررته كل الرسالات الموحى بها، ودل عليه الكون بما أقيم فيه: أن خالق الكون متصف بصفات الكمال، ومنها: العلم والإرادة والقدرة! - ومن كمال هذه الصفات: أن العلم شامل للواجبات والجائزات والمستحيلات، وأن الإرادة نافذة لا يحجر عليها شيء، ونفاذها في الجائزات التي تقبل التخصيص، وأن القدرة طليقة لا يعجز الله بها ممكن من الممكنات، لا في إيجاد، ولا في إمداد، ولا في إعدام، وتفصيل ذلك كله، والأدلة عليه مطروح في الشروح الكثيرة! - وللتذكير: إن القضاء والقدر، يرجعان إلى معرفة صفات العلم، والإرادة، والقدرة، ومن اهتزت معرفته بهذه الصفات، أو فَهِمَها على غير وجهها الصحيح، التاثت خطاه في هذا السبيل! العلم صفة كاشفة لا تأثير لها في المكشوف: - ومن البدائه المسلَّم بها عقلا، والمقررة شرعا: أن "العلم" صفة كاشفة، ولا تأثير لها في المكشوف كائنا ما كان، فقد علم الله - أزلا - أهل الجنة، وما كانوا عليه من إيمان، وسلوك، وطاعة، واستجابة لدعوة الرسل، مما أوصلهم إليها. وعلم كذلك أهل النار، وما كان منهم من جحود وعداء للحق، وشر، وفساد، ألقى بهم في مصيرهم! - ثم ظهر من كل فريق في دار التكليف ما تعلق به علم الله أزلا، وكان أبو بكر، وكان أبو جهل، فكان حسابهم بما ظهر، لا بما تعلق به العلم، وإن تطابقا!! - العلم السابق لا يتعارض مع الاختيار الذي أهَّل به الإنسان، ولما اختار الإنسان الكفر أو الجحود، اختاره بكامل وعيه، ولم ينظر عند اختياره إلى ما في علم الله فيه! - أكتفي إلى هنا بما تقدم من بيان صفة العلم لأُكمل ما يتصل بها، وأعطف على مسألة الكتابة! مراتب الكتابة: - عرفنا من مراتب الكتابة: الكتابة في اللوح المحفوظ، وفي الحياة الجنينيَّة، وسِجِلِّ الأعمال الذي يسطر بعد البلوغ، والدليل على هذه المراتب: - الكتابة في اللوح من صحيح البخاري: - عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ- رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا، عَن النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ- أي : في اللوح المحفوظ - كُلَّ شَيْءٍ". - الكتابة في الحياة الجنينيَّة، وهي ملخَّص مركَّز لما سطر في اللوح المحفوظ: - عن عبدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ!!!! - هذه النصوص وكثير غيرها تصب في المصب نفسه يبين خطأ قول من أراد أن يجعل المسألة من اختراع أناس اخترعوها وأسبغوا عليها قدسية!! وما أوهن هذا التحليل لمن له أدنى اطلاع على شؤون الاعتقاد عبر النصوص! - الكتابة في اللوح بناء على علم الله الكاشف، ففي اللوح كتب ما سيكون إلى دخول أهل الجنةِ الجنةَ، وما يقع من أحداث الحياة بكل تفاصيلها، وعليه ما كتب فيه: أنه يكون؛ لا بد أن يكون؛ لأنه عبارة عما علم الله كونه، وهو غيب عنا ما لم يظهر في ساح الوجود، وهذا لا ينفي اختيار الإنسان لما يقوله، أو يفعله، لأن الإنسان يختار بحسب ما يرى، ولا علاقة له في أثناء ذلك بما كتب عليه أو له، وإذا ما اختار قلنا عندها: هذا مكتوب في اللوح قبل ظهوره. نزل إلى السوق، فرأى سلعة أعجبته، فاشتراها دون أن يسأل، ولم يُطلب منه أن يسأل: هل هذه كتب لي أن أشتريها؟ وهذا عام في كل اختيار: أكل، وكتب، واشترى، وتزوج، وتعلم، وتداوى!! - بعد هذا لماذا يصر من أصرَّ على نفي الكتابة بناء على أنها تعارض حرية الاختيار؟؟ - أإذا علمتُ أنك ستسافر غدا، وكتبت عندي في سجلي الخاص هذه المعلومة، وسافرتَ أنت فعلا، لصحة ما علمت أنا، فكتبت، أيسوغ لك بعد أن أخفقت في سفرك، وعلمت أن هذا كان مكتوبا عليك من قبلي، أن تعترض على ما كتبت؟؟ تتبع المواطن التي ذكرت فيها الكتابة: - إن تتبُّع المواطن التي ذكرت فيها الكتابة يجلي أنها - بعد الرجوع إلى التفاسير والمعاجم – تعني: - في إطار "التكليف" الفرض، ومعلوم أن الفرائض كلها يلزم المكلف القيام بها على سبيل التخيير، ولهذا نجد من الناس من لا يلتزم بها! - وفي إطار الكتابة في اللوح والتقدير المسطور فيه لا يعدو معنى "الكتابة " المعهودة التي ترجع إلى علم الكاتب، أو الآمر بالكتابة، ومعلوم معنى السطر على وجه اللوح، وصفحة الأوراق، وهذه لا تعني الإجبار بحال على ما أبين بالتحليل! كلمة "كتب" في المعجم: - الكتاب: الفرض والحكم والقدر، والمُكْتب: الذي يعلم الكتابة، والكتيبة: الجيش. - و"كتَبتُ" القِربة و"أكتبْتُها": شددتها بالوكاء. - و"كتب" الله تعالى الشيء كِتابا: فرضه، وأيضاً جعله، وأيضاً قضاه، وأيضاً فَرِغ منه، وأيضاً أمر به، و حكم به، وقدَّره، وأحصاه. - وَكَتَبَ: حَكَمَ، وَقَضَى، وَأَوْجَبَ، وَمِنْهُ: كَتَبَ اللَّهُ الصِّيَامَ، أَيْ أَوْجَبَهُ، وَكَتَبَ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ: قَضَى. - وَكَتَّبْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ: عَلَّمْتُهُ الْكِتَابَةَ، وَالْكَتِيبَةُ: الطَّائِفَةُ مِنْ الْجَيْشِ مُجْتَمِعَةً، وَالْجَمْعُ كَتَائِبُ، والكَتيبةُ من الخيل: جماعة مستحيزة. - والكِتْبة: الاكتتاب في الفرض والرزق، واكْتَتَبَ فلان، أي: كَتَب اسمه في الفرض. والكتِبةُ: اكتتابُك كتاباً تكتبه وتنسخه. - كَتَبَ كَتْبًا وَكِتَابًا، وَالِاسْمُ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ كَالنِّجَارَةِ وَالْعِطَارَةِ، وَكَتَبْتُ السِّقَاءَ كَتْبًا: خَرَزْتُهُ. وَتُطْلَقُ الْكِتْبَةُ وَالْكِتَابُ عَلَى الْمَكْتُوبِ، وَيُطْلَقُ الْكِتَابُ عَلَى الْمُنَزَّلِ، وَعَلَى مَا يَكْتُبُهُ الشَّخْصُ وَيُرْسِلُهُ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَمَانِيًّا يَقُولُ: فُلَانٌ لَغُوبٌ جَاءَتْهُ كِتَابِي فَاحْتَقَرَهَا، فَقُلْتُ أَتَقُولُ: جَاءَتْهُ كِتَابِي؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ بِصَحِيفَةٍ؟ قُلْتُ: مَا اللَّغُوبُ؟ قَالَ: الْأَحْمَقُ - لوح: الّلوْحُ: كلّ صحيفةٍ من صفائح الخشب والكَتِفِ إذا كتب عليها سُميّ لوحا. - لو سمح هؤلاء لنا أن نسأل التعبير القرآني الفذ الدقيق عن معنى "كتب" ومواردها، لعل هذا يزيل من الرأس ما التصق به من معنى كتب القدرية، ويبصر بها على وجه الصواب! الآيات التي وردت فيها الكتْب: - وهذه آيات ورد فيها "الكتْب" منها: - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في القَتْلى} فكتب فيه: شرع، وليس أجبر، لأن هناك من لا يقيم القصاص! - {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} وهنا تشريع للوصية، وكم من مضيع لها! - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} شرع الصيام وليس أجبر، لأن هناك من لا يصوم !! {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} في التفسير: "واطلُبوا ما قدّره الله لكم وقرَّره في اللوحِ من الوَلدِ". ومن يلاحظ يجد في النص أن الولد المقدر المكتوب في اللوح غيب، وما على الزوجين إلا أن يتلمسوا ما يكون به الولد بالمباشرة التي إن كان قد قدر الولد أتاهما بالتسبُّب، وإن لم يكن فما من خسارة، فهو يمسح فكرة أن الكتابة تلغي عالم الأسباب!! - {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} أوجبه أمراً، فهل ترى في {كتب} الإجبار القدري؟ - {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} النص يؤكد نفي الجبرية في "كتب". - {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}، النص يقطع بأن الآجال مكتوبة كتابة قدرية، ومع ذلك قبل أن نعلم أن الأجل قد انتهى علينا أن نحذر من كل ما يميت، ثم إذا وقع الموت، فهنا نكون على يقين من أن ما لنا من عمر قد استنفد، وليس أمام قدر الموت إلا التسليم! فأمام الأقدار التي تظهر قد أذنت لنا الشريعة أن نفر من قدر إلى قدر، كالفرار إلى التداوي من المرض، وإلى الاستعانة بالله من العجز، وإلى التسلح لدحر الأعداء.. وهكذا... - {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ}، تعهَّد بها تفضلا أن يقيم الناس للحساب، ويقرر العدل المطلق! - {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا } قبل الوقوع هي غيب، وبعده يكون الموقف التسليم بناء على أن كل ما يصيب لصالح من سلَّم. - {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، هذه سنته في عباده، ولا تلغي هذه السنة أن يقف في وجه الطغاة، وبكل ما أوتي من إمكانيات، من أراد أن ينصره الله. - {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} الكتابة هنا سابقة في علم الله، وسابقة على وجود الإنسان؛ لأنها مسطورة في اللوح قبل وجوده، ومن بعدُ كتب في القلوب، وقد تقدمها الموقف الربَّاني من العلاقات الاجتماعية، حيث طُوِّعت كلها للصلة بالله. أي: إن هؤلاء الذين كتب الله الإيمان في قلوبهم، سبق عنهم أنهم كانوا لا يوادون من حاد الله ورسله، كائنين من كانوا، فكأنه بحسب ترتيب المعاني في النص جاءت الكتابة ثمرة لتلك القلوب التي رقَتْ في مودتها عن الجواذب الاجتماعية. (للحديث بقية).
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
هل يستطيع الإنسان أن يحدد رزقه وعمره؟ لفضيلة الشيخ عبد الكريم تتان كتب أحد الباحثين هذه الكلمة: [إن الرزق والعمر يحدده عمل الإنسان وفلسفته وليس مكتوبا عليه ولا محكوم (كذا) به... نحن من نكتب بأعمالنا قصة حياتنا ... ولسنا نعيد تمثيل حياة كتبت لنا أو علينا]. وعلق آخر: [الكثير من الأمور التي نسميها مسلَّمات، هي ليست بمسلَّمات، بل هي أفهام البعض وضعت موضع التقديس]. وقد دحض الشيخ هذه الأباطيل، وبيَّن معنى الكتابة، وأنها لا تعارض حرية الاختيار، وذكر مراتب الكتابة، واستعرض الآيات التي وردت فيها الكتابة، وأزال الكثير من الشبهات التي يتعلق بها نفاة الكتابة، ويتابع جوابه في هذه الحلقة: ** تحليل جملة سيقت في السؤال: - أبدأ بتقرير مستلّ من النصوص القطعية الكثيرة من الكتاب، والسنة، فأقول: الرزق مقدر عند الله قبل أن يخلق الخلق، وهو كله من الله في أصوله وتفريعاته، وهذا التقدير لا يلغي مسألة الضرب في الأرض، والسعي للحصول على ما قسم الله، ومن ظن أن كتابة الرزق تلغي السعي فقد خاب ظنه، ووقع في ورطة إنكار التقدير السابق على وجود الإنسان. ومن دقائق التعبير القرآني ما يذهل في هذه المسألة: - قال تعالى يبين أن السعي على الرزق مما طلب من الإنسان: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، لم يقل "فامشوا تأكلوا" فيكون تأكلوا جواب الطلب، بل قال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}، وجاء بفعل {وَكُلُوا} مصدرا بالواو العاطفة ليخلص لنا أن السعي من الاسباب، وأن الرزاق هو الله، وقال: {مِنْ رِزْقِهِ}، فقد أضاف الرزق إليه لأنه هو الخالق لأصوله، وفروعه! - وقال يكشف عن طلاقة قدرته في أن يوصل الرزق لمن يشاء دون "كد" عليه: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. - علما أن الرزق لا يحصر بالمادي، ولا بجنس منه، بل يدخل في المعنوي من فهم، وإدراك، ومعرفة، ومحبة! هل يستطيع الإنسان أن يحدد رزقه وعمره؟ - قال أحد الفلاسفة المعاصرين يحدد دور الإنسان في الرزق والعمر: [إن الرزق والعمر يحدده عمل الإنسان وفلسفته وليس مكتوبا عليه ولا محكوما به]!!! - قلبت النظر في العبارة فوجدت أنها تقرر مؤكدة "بإن" أي: إن الإنسان هو يطيل عمره، ويقصره، يطيله بالعلم طبعا كما علل القائل، ويقصره بالجهل، وأنه هو دون غيره يخلق رزقه على الصورة التي يشاء، وفرعون نفسه الذي ادعى الربوبية لم يجرؤ على مثل هذا التقرير، ولم يكن له ذلك! - وقلت: لا بد من دحض الداحض، وتقرير فحش الدعوى، على صعيد العقل المحض، والمعرفة المجتمعية، وسيرورة الحياة، وعلى صعيد النصوص الشرعية! - وقلت: لا بد لي من طرح أسئلة محددة أمام إسقاط الساقط، ومنها: - ما المقصود بكلمة "العمر"، و"الرزق"، و"يحدد"؟ - وما العمل الذي أسند إليه مهمة " التحديد "؟ - وما جوهر الفلسفة التي تقوم بذلك مساندة للعمل؟ أسأل هذه الأسئلة لأن الجواب عن كل منها سيسقط ما جاءت به العبارة! - ثم لويت عنان الأسئلة لأبدأ بسؤال يخفف من الصدمات التي ستقع على دماغ القائل، وتريحنا من الاستماع إلى لجلجات ترتكز إلى الهروب من الساحة ليبقى الطرح دون أن يعمل به فأس الحق. قلت: أيها المفكر! إذا كنت مؤمنا، فمرجعنا في نقض ما قلت الكتاب والسنة في نصوصهما الصريحة الواضحة التي لا يناور فيها أي مناور؟ ولم أطرح هذا السؤال لأشكك في إيمان الرجل! لا، بل لنقف معا على قاعدة نتفق عليها، ثم نتعرف إلى ما ينبغي أن نتعرف إليه بالنسبة لخطأ العبارة؟! - سمعت الجواب من باب التغليب، والتلمس، حيث يسند الكاتب الأمر بين الحين والآخر إلى الله! وخطرُ مثل هذا أكبر ممن ينكر النص، ويكفر به، سمعت ذلك، وطرحت بعض النصوص التي لا تخفى على باحث إن كان الكاتب باحثا، فإن كان كافيا الإيراد وحده دون شرح فالحمد لله، وإلا فلا يحق لمن لا يقف على عطاءات هذه النصوص دون أن تشرح له، أن يبحث في مثل الأمر الجلل الذي يمس الإيمان في جوهره: - {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} - {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }، فالنص يدل على أن موسى - عليه السلام – توجه إلى الله يسأله أن يسوق له ما هو بحاجة إليه من رزق، وقد استجاب له حيث دعي إلى بيت الرجل الصالح الذي أطعمه، ثم زوجه إحدى ابنتيه، ويظهر من هذا أن موسى لم يكن يدري ما دراه المفكر المعاصر الذي عصر الحقيقة في قالب منكر، ولمّا كان - برأي المفكر - جاهلا بأنه هو الذي يحدد الرزق، سأل الله أن يرزقه. الرزق من الله تعالى وحده: - {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}؟ - {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}؟ - {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}؟ - {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}. -{يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ}. - {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }. - {إنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ}. - {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }. - {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} - {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} حتى الأمم لها آجال مسطورة في كتاب. - {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} - {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} - {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} - {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}. * الأحاديث النبوية التي تؤكد هذه الحقيقة: - وأما الأحاديث فهي كثيرة تقاطرت على تأصيل حقائق الرزق والأجل، وأنهما بيد الله: - يا هذا: أأنت أعلم بهذه المسألة أم الرسول؟ عن عبد الله بن عَمرِو: أن رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- خرجَ يوم بدر في ثلاثِ مئةٍ وخمسةَ عشرَ، فقالَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم-: "اللهم إنهم حُفَاةٌ فاحْمِلْهم، اللهم إنهم عُرَاةٌ فاكْسُهُم، اللهم إنَّهُم جِياعٌ فأشْبِعْهُم". ففتح اللهُ لهُ يومَ بدرٍ، فانقلبُوا حين انقلَبُوا وما منهم رجلٌ إلا وقد رجَع بجمَل أو جملَين، واكتَسَوا، وشَبِعُوا" - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْغِنَى لَيْسَ عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ، وَإِنَّ اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يُوَفِّي عَبْدَهُ مَا كَتَبَ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعَوْا مَا حُرِّمَ". - عن سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لا أَعْلَمُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلا قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، وَلا أَعْلَمُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، إِلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، أَلا وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوْعِي أَنَّهَا لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَقْصَى رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ- عَزَّ وَجَلَّ- وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ شَيْءٍ مِنَ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِشَيْءٍ مِنَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يُدْرَكُ مَا عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ". - من أسماء الله تعالى "الْقَابِضُ الْبَاسِطُ": قال العلماء: هُوَ الَّذِي يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُقَتِّرُهُ، يَبْسُطُهُ بِجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيَقْبِضُهُ بِحِكْمَتِهِ! - خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ، قُلْتُ: مَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ". - أنا على يقين أن بعض ما ذكر كفيل بأن يوقف الإنسان المنصف على الصواب! ** فما مدى فهم هذا المفكر لهذه النصوص، وهل تراها تقرر ما أتت عبارته بخلافه، ومناكفة لها؟ وهل ترى مثل ما جاء به تعليق على كلامه من أحدهم راق له ما طرح، فاهتز طربا للوقوع على مبتغاه، فعلق: [إن هناك مجموعة من المسلمات، والحال أنها ليست من المسلمات]!؟ - هذا التعليق كلام مسموم عام عائم، ينصرف به الذهن إلى كل اتجاه... وأمثال هؤلاء قد تحطمت الحقائق في ذواتهم، وخافوا من البوح بها صراحة، ولم يبق أمامهم إلا أن يزرزبوا منها ما يمكنهم في عبوات من الكلمات سامة، ويمكن التملص من دلالاتها!.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |