|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
إضاءة: تساؤلات محيرة وأجوبة واعية د. عوض بن حمد الحسني حين تمرُّ النفس الإنسانية بحالة من الحيرة الفكرية والتصورية، بسبب بُعدها قليلًا أو كثيرًا عن مصادر التلقي السليم؛ الكتاب والسنة، فإنها - ما دام بها رمقٌ من حياة - تُثير في داخلها تساؤلات متكرِّرة، تسعى من خلالها إلى البحث عن أجوبة واعية تُسكِّن نار الشكوك، وتخفِّف ضغط الاضطرابات، في محاولة للتصالح مع الداخل عبر إيجاد إجابات تُرضي العقل والوعي والوجدان. ومن أبرز هذه التساؤلات: • من الذي قدَّر لنا أفعالنا؟ أأنفسنا هي التي اختارت، ثم ألقينا بها على القدر لنهرب من لوم الذات؟! • وهل سلوكياتنا التي نصدرها في حياتنا هي قَدَر لا فكاك منه، أم قرار نتحمَّل مسؤوليته؟! • إلى متى سنظل نعلِّق أخطاءنا على أريكة الأقدار؛ لنتجنَّب مواجهة ذواتنا وتحمل نتائج خياراتنا؟! هذه التساؤلات ليست عابرة، بل تحمل في طيَّاتها بعدين متداخلين: • بُعد اعتقادي: يتمثل في السؤال عن العلاقة بين القدر والقرار. • وبعد نفسي شعوري: يتمثل في الهروب مِن تحمُّل المسؤولية والاتكاء على القدر كدرعٍ واقٍ من جلد الذات وتصحيح المسار. وهنا تبدأ المحاولة الأولى للإجابة: إنها خُطوة على طريق التصحيح الواعي، تبدأ من إثارة السؤال ذاته، ومن مخاطبة الوعي الداخلي في محاولة لاستيقاظه من سباتٍ طويل، هذا السُّبات فُرِضَ على وعينا حين حُبس داخل قوالب ذهنية جاهزة؛ لا تسمح له أن يتفكَّر خارج حدودها، فاعتاد الركون إلى ما هو مفروض عليه حتى تعطَّل دوره الحقيقي. لكن حين يستيقظ الوعي، وتُستنهض طاقات العقل؛ ليعود إلى وضعه الفطري، تصبح الإجابة أسهل وأقرب وأدقَّ، وذلك أن القرآن الكريم والحديث النبوي لم يُخاطبا في الإنسان جسده المادي، وإنما خاطبَا عقله ووعيه؛ ليكون المدخل صحيحًا، ومن ثم يكون المخرج صائبًا وسليمًا. فالمدخل هو ما يتشكَّل فينا من تصوُّرات وأفكار ورؤى، والمخرج هو ما يصدر عنا من مشاعر وعواطف وسلوكيات. وكل ذلك يقوم على قضيتين جوهريتين! القضيتان الجوهريتان؛ هما: 1. صحة الوعي وسلامة العقل: صحة الأفكار والتصورات وسلامة الرؤى المدخلة؛ فإذا اجتمعت الصحة والسلامة كان المخرج إيجابيًّا ومتوافقًا مع المدخلات، وبالتالي سيكون هنا مُتصالحًا مع النفس، وسيكون أيضًا متصالحًا مع الغير فيما يوافق قِيَمَه وأخلاقه ومبادئه، لماذا؟! لأن وعيه حاضر، أما إذا لم يكن الوعي والعقل في وضعهما السليم لأي مؤثر، كان كما ذكرت سابقًا، فبالتالي لن يستطيع أن يقيم صحة المدخل من عدمه، وحتمًا سيكون السلوك والمشاعر والعواطف فيها تناقض مع المدخل ولو كان صحيحًا، فكيف إذا كان المدخل معتلًّا ومريضًا؟! وبناءً على ما سبق، فآمُل أن نعيد قراءة هذه الآية القصيرة بوعي وتفهُّم، على أن يكون الخطاب مباشرًا لأنفسنا وليس للغير! قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10] أمعِن القراءة الواعية، ثم أمعِن القراءة الواعية جيدًا، وتَكرارًا ستجد الإجابة واضحة عن كل التساؤلات، وكذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، وقوله تعالى: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]؛ أي: إن الله أرشد الإنسان إلى طريقي الخير والشر، أي طريق الهداية وطريق الضلال، ومنحه القدرة على اختيار أيهما يسلك. والمعنى المقصود هو أن الله تعالى، بواسطة العقل والرسل والكتب السماوية، بيَّن للإنسان بشكل واضح طريق الحق الذي يؤدي إلى السعادة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]، وطريق الباطل الذي يؤدي إلى الشقاء، وترك له حرية الاختيار بينهما، ولكن هذا بشرط سلامة العقل والوعي أولًا من لوثة الأفكار، وتخدير الوعي، أو محاولة تجاوزه إلى العقل اللاواعي، لتمرير ما يريد المدخل من ضلال وباطلٍ! 2. قضية المسؤولية والاختيار: فللإنسان مساحة من الإرادة والقرار مكَّنه الله منها، وهي مناط التكليف والثواب والعقاب؛ ليَميز الله بين الطيب المنقاد لخالقه وموالاه، وبين الخبيث المنقاد لهواه وشهواته والشيطان؛ قال تعالى: ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأنفال: 37]، وعلى ذلك يكون الاختيار للفئتين، ويكون الجزاء بالجنة والنار، ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]، وأما ما يخرج عن إرادة الإنسان الفعلية، فهو من القدر الذي لا يُلام عليه؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]، ولكن المشكلة الجوهرية هي حين نَخلط بين ما اخترناه بوعينا وإرادتنا، وبين ما جرى علينا بغير إرادتنا، فنعلِّق أخطاءنا على القدر لنتهرَّب من المسؤولية وما يترتب عليها! وعلى كل حال لتوضيح هذا الجانب - وهو ما يتعلق بالقدر - سأضرب مثالًا يسيرًا لا يحتاج إلى نقاش، إنما يحتاج إلى مجرد حضور وعي وسلامة عقلٍ، وهو، أن نتخيل أن رجلًا ما جاء إلى إنسان ما، وضربه أو صفَعه صفعة شديدة على وجهه، ثم التفت إليه وقال له بكل برود وتبرير: هذا قدر الله عليك، ماذا ستكون ردةُ الفعل لدينا؟! هل هو التسليم التام، ونقول: نعم، هذا قدر الله؟! أما سيكون أمر آخرُ؟! وسيتحمل هذا الفاعل نتيجة ما قام به من الفعل؟! وهذا مثال آخر يتعلق أيضًا بالقدر حتى نفهم القدر على حقيقته في أنفسنا قبل الآخرين؛ فلو حصل لأحد ذكرًا أو أنثى حادث مروري من شاب متهوِّر، هل يسلِّم أحد ويسامح، ويقول له: اذهَب إلى شأنك فهذا أمرٌ مقدَّر، أما أنه يطالبه ويعاقبه على فعله وترويعه، وعلى تهوُّره، ويقول له أيضًا: هذا هو القدر، وعلى هذا قِس الأمور القدرية؛ ليعود الوعي والعقل لدينا لوضعهما الصحيح؛ ليُقيِّما لنا الوضع كما ينبغي أن يكون! بهذا وبذاك يتَّضح المقال، ونحل أي إشكاليات، أو أي أسئلة فلسفية تُلقى على أنفسنا أو على الآخرين، ولكن نحتاج إلى ما ذكرت سلامة الوعي والعقل، وسلامة التصور والأفكار؛ لكي تكون المشاعر والعواطف والسلوكيات - وهي المخرجات - متوافقة مع المدخلات، وإذا حدث التصالح الداخلي مع النفس في حالة صلاح الوعي والعقل، وسلامة التصور والأفكار، حصل التصالح التام والتوافق، وإذا حدث خلاف ذلك بَقِي الإنسان في الحيرة والضياع والتخاصم مع نفسه قبل غيره، ولو فعل ما فعل من المسكنات والأوهام والتلاعب على العقل اللاواعي بها، لماذا؟! لأن العقل اللاواعي كل المدخلات لديه مقبولة، بغضِّ النظر عن صحتها أو إعلالها، ولا يباشر المهمة إلا في حالة تخدير الوعي والعقل عن دورهما، وهذا ما يعمل عليه من يريد أن يمرِّر الأفكار والرؤى المضللة، من خلال تخدير العقل والوعي عن تصفية مثل هذه الأشياء "فلترات"، وبالتالي توجيه الأسئلة المثيرة التي تحتاج إلى إجابات، وهنا يحدث الانتباه، ويبدأ الإنسان مرحلة الوعي والتمحيص! خطوات عملية لبناء وعي متزن: 1) استيقاظ الوعي: إدراك أن أول خطوة للتصحيح تبدأ من طرح السؤال بصدق، والبحث عن جواب من نور الوحي والعقل السليم. 2) تنقية التصوُّرات: مراجعة أفكارنا وقوالبنا المسبقة في ضوء الكتاب والسنة، بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية أو الذهنية الموروثة. 3) تحمُّل المسؤولية: التدرُّب على الاعتراف بالقرار الشخصي في أفعالنا، وعدم رميها على القدر، مع الاستعانة بالله في طلب التوفيق. 4) تفعيل العقل والوجدان معًا: فالقرآن يخاطب العقل للتفكُّر، والوجدان ليبقى حيًّا بالإيمان، فلا ينفصل الفكر عن الشعور. 5) التحرُّر من القوالب الجاهزة: إعطاء النفس فرصة للتفكير خارج الإطار الضيق الذي كبّلها، لتصل إلى رؤية أوسع وأكثر حكمة. وختامًا، فبهذا يُصبح السؤال بداية مسار، لا نهاية طريق، ويصبح الوعي الصحيح هو الجسر بين القدر الذي لا يد لنا فيه، والقرار الذي نُسأل عنه ونُحاسب عليه؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا ﴾ [الإسراء: 13].
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |