| 
 | |||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة | 
|  | 
|  | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع | 
| 
 
#1  
 | ||||
| 
 | ||||
|  قضايا دعوية معاصرة قضايا دعوية معاصرة (1) العذر بالجهل شريف عبدالعزيز من أهم قواعد إجراء الأحكام الشرعية وإنفاذ أثرها المادي والمعنوي هو اجتماع الشروط، وانتفاء الموانع، أما اجتماع الشروط فمعلوم من الكتاب والسنة، فالوصف لا يلحق بالعمل إلا إذا اجتمعت شروطه، أما الحكم فلا يلحق إلا إذا انتفت الموانع، ومن أهم هذه الموانع ؛ عوارض الأهلية التي تمنع لحوق الوعيد بالوصف الثابت باجتماع شروطه، ومن أهم عوارض الأهلية الجهل والتأويل والإكراه، وكل واحد منها يمثل قضية كلية من قضايا العقيدة والدعوة الإسلامية، تحتاج إلى ضبط وتحقيق، ومعرفة الثابت فيها والمتغير، وما لا يسع الخلاف فيه، وموارد الاجتهاد فيه، حتى لا يطيش الدعاة عند إجراء الأحكام بين جافي وغالي، مُفرط ومفرّط، وينتج عن ذلك كثيرا من الإحن والخلافات والصراعات التي ما كان لها أن تندلع لو انضبط الدعاة بضوابط الشرع في هذه القضية الحساسة. ثوابت عارض الجهل: أولا: المعرفة لا تكون إلا بالشرع فمعرفة الله بأسمائه وصفاته وآلائه، ومعرفة الرسل - صلى الله عليهم وسلم - وواجباتهم وحقوقهم، ومعرفة الدين بتكاليفه الشرعية من حلال وحرام وجائز ومستحب، كل ذلك لا يكون إلا على لسان الشارع الكريم، وذلك عند أهل السنة والجماعة خلافا لما ذهبت إليه المعتزلة من جعل المعرفة تجب عقلا على المكلفين، وقولهم ظاهر البطلان، إذ كيف يتعرف الإنسان على صفات الله - عز وجل -؟، في حين لا سبيل لهم لرؤيته أو إدراكه ما لم يخبرهم الوحي المعصوم، قال اللالكائي - - رحمه الله - - في شرح أصول الاعتقاد: " سياق ما يدل من كتاب الله - عز وجل -، وما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن وجوب معرفة الله تعالى وصفاته بالسمع لا بالعقل، قال الله تعالى يخاطب نبيه بلفظ خاص والمراد به العام ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) [ محمد 29 ]، وقال تبارك وتعالى ( اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ) [ الأنعام 106] وقال ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء 25 ] ". أما ما ذهب إليه المعتزلة من الاستدلال بواقعة نظر إبراهيم - عليه السلام - في آيات الله في الكون للتعرف على الله - عز وجل - فهو استدلال ناقص وفي غير موضعه، لأن الله عز وجل ختم الآيات بقوله على لسان إبراهيم عليه السلام: ( لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ) [ الأنعام 77]، فدل ذلك على أن معرفة الرسل أنفسهم بالسمع والوحي، قال الغزالي - رحمه الله - في فيصل التفرقة: " وقد ظن بعض الناس أن مأخذ التكفير من العقل لا من الشرع، وأن الجاهل بالله تعالى كافر، والعارف به مؤمن، فيقال له: الحكم بإباحة الدم والخلود في النار، حكم شرعي لا معنى له قبل ورود الشرع " وقال القرطبي - رحمه الله - في تفسير قوله عز وجل ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء 15 ]: " وفي هذا دليل على أن الأحكام لا تثبت إلا بالشرع، خلافا للمعتزلة القائلين بأن العقل يقبح ويحسن، ويبيح ويحظر " وقال ابن القيم - رحمه الله - في طريق الهجرتين: " إن الله – سبحانه - لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وهذا كثير في القرآن، يخبر أنه يعذب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة " وقال الشنقيطي في تفسير آية الإسراء: " والآيات القرآنية مصرحة بكثرة، على عدم الاكتفاء بما نصب من الأدلة، وما ركز في الفطرة، بل إن الله تعالى لا يعذب أحدا حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل، فالله عز وجل قال فيها ( حتى نبعث رسولا ). ولم يقل: حتى نخلق عقولا، وننصب أدلة، ونركز فطرة ". ثانيا: البلاغ هو أصل الاعتبار فالأصل عند اعتبار عارض الجهل، أن حكم الخطاب لا يثبت في حق المكلف إلا إذا بلغه، على الأظهر من أقوال العلماء، وذلك لقواه تعالى ( لأنذركم به من بلغ ) [ الأنعام 19 ]، وقوله ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ النساء 165]، ولهذا لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر وعمارا لما أجنبا، فلم يصل عمر وصلى عمار بعد أن تمرغ بالتراب، أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر من استمر في الصلاة إلى بيت المقدس، ولم يبلغه تحول القبلة بالقضاء حين بلغه خبر التحول، ومهاجرة الحبشة مكثوا فيها حتى العام السابع من الهجرة، وكانت خبر التكاليف تصل بعد فرضها بأسابيع، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الإعادة، والأمثلة على ذلك كثيرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " وأصل هذا أن حكم الخطاب هل يثبت في حق المكلف قبل أن يبلغه ؟ وفيه ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد، والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ، لقوله تعالى ( لأنذركم به ومن بلغ ) ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول، ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيرا مما جاء به، لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى ". قال الحافظ الذهبي - رحمه الله -: " فلا يأثم أحد إلا بعد العلم وبعد قيام الحجة عليه، وقد كان سادة الصحابة بالحبشة، وينزل الواجب والتحريم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يبلغهم إلا بعد أشهر، فهم في تلك الأمور معذورون بالجهل حتى يبلغهم النص، وكذا يعذر بالجهل من لم يعلم حتى يسمع النص " ثالثا: المقبول والمردود من العذر فإن من الجهل ما يعذر به صاحبه، ومنه ما لا يعذر فيه، وذلك لأن العلم علمان؛ أولهما: علم العامة: وهو ما لا يسع أحدا غير مغلوب على عقله جهله، مثل وجوب أركان الإسلام أو المباني الخمسة، ونحوه مما علم من الدين بالضرورة، وهذا لا عذر لأحد فيه، وثانيهما: علم الخاصة: وهو ما ينوب العباد في فروع العبادات والمعاملات والاعتقادات، مما لم يرد فيه نص قاطع أو إجماع، وهذه الدرجة من العلم لا تبلغها العامة، ولم يكلفها كل الخاصة، فهي من فروض الكفاية التي تسقط بقيام البعض بها دون البعض، وهذا العلم يعذر فيه المرء بجهله، ويقبل فيها دعواه بعدم العلم. رابعا: نسبية العذر بالجهل فقضية العذر بالجهل ليست قضية مطلقة بحيث أنها ثابتة مهما اختلفت العوامل المحيطة بها، بل هي قضية نسبية تخضع لتأثيرات البيئة وتغيرات الزمان، فما يعذر به في دار الحرب، غير ما يعذر به في دار الإسلام مثلا، فليس من نشأ في ديار الإسلام وآباؤه وأجداده مسلمون، كمن نشأ في البادية والفيافي أو كان حديث عهد بالإسلام، والعذر بالجهل في زمان رفع العلم وشيوع الفتن وكثرة الشبهات وطي أعلام السنة، ليس كالعذر بالجهل في أزمنة التمكين وتطبيق الشريعة وقمع البدع وإقامة السنن، لذلك قال أهل العلم إن العذر بالجهل مما تتغير به الفتوى، بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص ونحوه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " كثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرا مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث عهد بالإسلام، فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة، فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول، ولهذا جاء في الحديث: " يأتي على الناس زمان، لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة ولا صوما ولا حجا إلا الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، يقول: أدركنا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله " انتهى كلامه - رحمه الله -، قال الشيخ أبو زهرة من الأصوليين المعاصرين: " الجهل بالأحكام الإسلامية في غير الديار الإسلامية هو جهل قوي، إلى درجة أن جمهور الفقهاء قال: إنه تسقط عنه التكليفات الشرعية، حتى أنه لو أسلم رجل في دار الحرب، ولم يهاجر إلى الديار الإسلامية، ولم يعلم أنه عليه الصلاة والصوم والزكاة، فإنه يؤديها قضاء إذا علم، ووجهة نظر الفقهاء أن دار الحرب ليست موضع علم بالأحكام الشرعية، فلم تستفض فيها مصادر الأحكام ولم تشتهر، فكان الجهل جهلا بالدليل، والجهل بالدليل يسقط التكليف، إذا لم يتوجه الخطاب " وكذلك قال الألباني - رحمه الله - كلاما شبيها بذلك. خامسا: لا عذر في الإقرار المجمل والبراءة المجملة فثمة أصل كلي لا عذر فيه على الإطلاق، وهو ما لم يدن بدين الإسلام فهو كافر بيقين لا مجال للاعتذار أو التأويل، سواء كان عنادا أم جهلا، أما مآله في الآخرة فهو من موارد الاجتهاد، وكان الفلاسفة والمتكلمون من أمثال الجاحظ لا يرون كفر اليهود والنصارى إلا المعاند منهم، وقد رد عليهم أهل العلم ردودا قوية مثل الغزالي في المستصفى، وابن القيم في طريق الهجرتين، ومن المعاصرين أبي زهرة في الأصول، فقد قال ابن القيم - رحمه الله - في معرض حديثه عن طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم: " والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله ورسوله وإتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرا معاندا فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنه كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم من عن كونهم كفرا، فإن الكافر من حجد توحيد الله وكذب ورسوله، إما عنادا أو جهلا وتقليدا لأهل العناد" وهذه النقطة تقود إلى الكلام عما يعذر فيه من تفاصيل التوحيد بالجهل، مثل الجهل ببعض صفات الله - عز وجل -، والتحاكم إلى بعض جزئيات في الشرائع الأرضية ظنا بجواز ذلك، اعتمادا على قوله صلى الله عليه وسلم " أنتم أعلم بشئون دنياكم ". وقد وقع الإنكار لبعض صفات الله - عز وجل - من جماعة من العلماء، بل إنه وقع من الصحابة أنفسهم، كما جهلت عائشة - رضي الله عنها - أن الله عز وجل قد أحاط بكل شيء علما، فقد قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل يعلم الله - عز وجل - كل ما يكتم الناس ؟ فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نعم "، وعائشة بسؤالها هذا كانت جاهلة بعلم الله المحيط، ولم تكن بذلك الجهل كافرة، فالقول وإن كان كفرا بواحا إلا أن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه العلم والحجة الرسالية. أيضا وقع من الصحابة اختلاف في رؤية الله - تعالى - يوم القيامة، فأثبته جماعة وأنكره جماعة، ومن أنكره لم يصله قوله صلى الله عليه وسلم: " أنكم سترون ربكم يوم القيامة. . ". ومن ذلك أيضا جهل بعض الفضلاء والعلماء بأحوال بعض الزندقة من الحلوليين والقبوريين والمبتدعين، مثل جهل السيوطي والهيتمي والألوسي والقاسمي وغيرهم من فطاحل العلماء بحال ابن عربي الزنديق، وثناؤهم عليه في مصنفاتهم ومؤلفاتهم. ومن ذلك أيضا جهل عوام المنتسبين إلى الفرق الضالة مثل المعتزلة والجهمية والقدرية والجبرية ممن لا يعرفون حقائق المذهب وأسرارهم ومواطن ضلاله، ويدخل معهم بصورة أقل عوام القبوريين وأتباع سدنة المقابر وشيوخ الطرق البدعية، ولعلماء نجد من آل الشيخ المتقدمين جهد مشكور في بيان ذلك الأمر. أما الأمور الاجتهادية التي وقع فيها الاختلاف بين أهل العلم في جواز العذر به أو عدمه فكثيرة، فمن موارد الاجتهاد قضية الجهل بعموم قدرة الله عز وجل، وإنكار معاد الأبدان إذا تفرقت، وأصل الاختلاف هو الاختلاف في فهم خبر الرجل الذي لم يفعل خيرا قط، فلما حضرته الوفاة أمر بنيه أن يحرقه ويذروه في يوم شديد الرياح، ظنا منه أن الله - عز وجل - لن يقدر على جمعه، ولعلماء تأويلات ومخارج عديدة في فهم الحديث، وباختلاف الأفهام، اختلفت الأقوال بين مجيز ومانع. ومن الأمور الاجتهادية أيضا تكفير عوام الرافضة والحرورية الخوارج، ففيه قولان مشهوران عند أهل العلم. ومنها مآل من مات ولم تبلغه الدعوة فقد وقع في هذه المسألة تحديدا خلاف كبير بين أهل العلم، فمنهم من جزم بكفرهم وخلودهم في النار كما ذهب لذلك كثير من الأحناف، ومنهم من عذره وأدلته على ذلك كثيرة، ومنهم من ذهب لاختباره في عرصات يوم القيامة، ومنهم من ذهب إلى بقائه على الفطرة. قضايا دعوية معاصرة (2) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلسلة قضايا دعوية معاصرة (3) الاجتهاد والتقليد قضايا دعوية معاصرة (4) الإيمان والكفر 
__________________ 
 | 
| 
 
#2  
 | ||||
| 
 | ||||
|  رد: قضايا دعوية معاصرة قضايا دعوية معاصرة (2) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شريف عبدالعزيز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أحد أركان الدين الأساسية، بل هو قطب الدين الأعظم كما قال أهل العلم، فهو مهمة الرسل ووظيفة الدعاة، بإقامته تقوم الحجج الرسالية على من عصى رب البرية، به نالت أمة الإسلام شرف الريادة والخيرية، وبإضاعته استحق بنو إسرائيل اللعن في محكم التنزيل، فهو الجهاد الدائم المفروض على كل مسلم، لا قيام لشريعة الإسلام بدونه، ولا اعتصام بحبل الله إلا على هداه، بقيام سوقه يرتدع البغاة والمجرمون، وينتصح الغافلون، ويرعوي المفسدون، ما تركه قوم إلا هلكوا، غرقت سفينتهم وغرقوا معها، فهو الضرورة التي لا غنى للمجتمعات عنها، به تكتسب صلاحها واستقامتها. والآيات والأحاديث والآثار السلفية الدالة على فضل ومكانة وعظم وخطورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكبر من الحصر، والمقام ليس مقام بيان فضل محل إجماع، ولكن المقصود تأسيس قواعد الضبط والترشيد. ومع غلبة الأهواء والشبهات في واقعنا المعاصر، تعرضت هذه الفرضية الركينة لكثير من العبث والتغيير، وضيعت رسومها بين تارك لها بشبهات واهية وشهوات داهية، وبين مطبق لها بلا فقه ولا بصيرة، فوقع في أعظم مما سعى لإزالته، وجاء احتسابه بنقيض مراده، والحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه. لذلك كانت هذه الشعيرة الهامة في أمس الحاجة لضبط أصولها وبيان ثوابتها من متغيراتها، ومحكماتها من متشابهاتها، ليكون القائم بها على بصيرة، فتحقق غاياتها وأهدافها، وتتبوأ دورها الريادي في حفظ ضرورات الحياة والمجتمعات. ثوابت قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أولا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفائي في غالب أحواله وذلك لقوله عز وجل ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) [ آل عمران 104] فالله - عز وجل - لم يكلف الجميع في الآية، بل قال: ( لتكن منكم أمة )، وهو خطاب كفائي عند الأصوليين، وهو ما يسقط الحرج عن الجميع إن قام به البعض، واختص الفلاح بالقائمين به، وإن تقاعد الخلق أجمعون عم الحرج القادرين عليه كافة لا محالة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -- رحمه الله - -: " وهذا واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية، ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة: السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على كل إنسان حسب قدرته، قال تعالى: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) " وقال في موضع آخر: " وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يجب على كل أحد يعينه بل هو على الكفاية، كما دل القرآن، ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد أيضا كذلك، فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثم كل قادر بحسب قدرته، إذ هو واجب على كل إنسان بحسب قدرته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ". ثانيا: عدم اختصاص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ذوي الولايات وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " وقوله: " فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " أخرجه مسلم. قال النووي - رحمه الله - : " ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل جائز لآحاد المسلمين، قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية ". قال الإمام القرطبي في تفسيره: " وأجمع المسلمون فيما ذكره ابن عبد البر أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه بالتغيير إلا اللوم الذي لا يتعدى الأذى، فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره، والأحاديث في تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ولكنها مقيدة بالاستطاعة ". وقد جزم الغزالي بفساد قول من اشترط إذن الإمام أو الوالي في مباشرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لعموم الآيات والأحاديث. وقد نقل الشوكاني في السيل الجرار قول إمام الحرمين الجويني قوله: " ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله، ما لم ينته الأمر على نصب قتال وشهر سلاح، فإن انتهى الأمر إلى ذلك ربط الأمر بالسلطان ". ثالثا: لا إنكار في موارد الاجتهاد فمعظم مسائل الدين هي من موارد الاجتهاد التي اختلفت فيها الأنظار والأفهام بما لا يشذ معنا وفهما عن المعمول به في قواعد الاستنباط، ومسائل الإجماع قليلة ولم يشذ عنها إلا القليل ممن لا يعتد بخلافهم، دون ذلك فالمجال رحب والطريق مهيأ، لذلك كان الإنكار في موارد الاجتهاد من الأمور التي تورث الشحناء والبغضاء وفساد ذات البين، سئل ابن تيمية عن تقليد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد فهل ينكر عليه أو يهجر ؟ وكذلك من يعمل بأحد القولين، فأجاب: " الحمد لله، مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به، وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين "، وقال في موضع آخر: " وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا، لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة ". ولكن يبقى معرفة أن هذا الكلام كله يدور في فلك الاختلاف السائغ الذي يستمسك فيه كل طرف بدليل من الكتاب والسنة، أما الخلاف غير السائغ الذي مبناه الخطأ البين والهوى والتعصب فليس لأحد من الناس أن يعمل به، ثم يحتج بأنه من موارد الاجتهاد التي لا ينكر فيها عليه، بل يجب عندها الإنكار والتثريب على الفاعل. رابعا: الأصل حسم المنكر وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "من رأي منكم منكرا.. " فيجب حسم المنكر بما ينحسم به من الكلمة إلى القوة. قال القاضي عياض - رحمه الله - : " هذا الحديث أصل في صفة التغيير، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولا وفعلا، فيكسر أدوات الباطل، ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر من يفعله، وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها ". وقال الجصاص الحنفي: " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما حالان: حال يمكن فيها تغيير المنكر وإزالته، ففرض على من أمكنه أن يزيله بيده أن يزيله، وإزالته باليد تكون على وجوه: منها ألا يمكنه أن يزيله إلا بالسيف، وأن يأتي على نفس الفاعل المنكر فعليه أن يفعل ذلك، كمن رأى رجلا قصده أو قصد غيره بقتله أو بأخذ ماله، أو قصد الزنا بامرأة أو نحو ذلك، وعلم أنه لا ينتهي إلا إن أنكره بالقول، أو قاتله بما دون السلاح، فعليه أن يقاتله لقوله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا فليغيره.. " فإن لم يمكنه تغيره إلا بقتل المقيم على هذا المنكر، فعليه أن يقتله فرضا عليه، وإن غلب على ظنه أنه إن أنكره بيده ودفعه عنه بغير سلاح انتهى عنه، لم يجز له الإقدام على قتله ". قال الشوكاني: " إذا كان قادرا على تغييره بيده كان ذلك فرضا عليه ولو بالمقاتلة، وهو إن قتل فهو شهيد، وإن قتل فاعل المنكر فبالحق والشرع قتله، ولكنه يقدم الموعظة بالقول اللين، فإن لم يؤثر فيه ذلك جاء بالقول الخشن، فإن لم يؤثر ذلك انتقل إلى التغيير باليد، ثم المقاتلة إن لم يمكن التغيير إلا بها ". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل، مثل المفرق لجماعة المسلمين والداعي إلى البدع في الدين، وفي الصحيح " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " وقال: " من جاءكم وأمركم على رجل واحد، يريد أن يفرق جماعتكم، فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان ". خامسا: الإنكار للإزالة لا للعقوبة فالمقصود من إنكار المنكر هو إزالته لا إيقاع العقوبة على الفاعل، فالإنكار من حق أي مسلم في حين أن العقوبة من شأن السلطان ومن ينوب عنه. قال الغزالي: " فاعلم أن الزجر إنما يكون عن المستقبل والعقوبة تكون على الماضي، والدفع عن الحاضر الراهن، وليس لآحاد الرعية إلا الدفع أي إعدام المنكر، فما زاد على قدر الإعدام فهو إما عقوبة على جريمة سابقة أو زجر عن لاحق، وذلك إلى الولاة لا إلى الرعية ". سادسا: الوجوب مرتبط بالقدرة والمصلحة ارتباط الوجوب بالقدرة من الأمور المعلومة بالضرورة من التكاليف الشرعية، إذ أن القدرة شرط عام فيها كلها لقوله عز وجل ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) [ البقرة 286] وقال ( فاتقوا الله ما استطعتم ) [ التغابن 16 ] وقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ". والتدرج المذكور في حديث الإنكار من اليد إلى اللسان إلى القلب يدل على اعتبار القوة في هذه الفريضة، بحيث من الممكن أن يسقط التكليف باليد واللسان، بخلاف القلب الذي لا يسقط التكليف به لعدم تصور العجز عنه، حيث لا سلطان لأحد من الناس في حب القلب وبغضه، بحيث يمنعه أو يهدد صاحبه. والقدرة لا تنتقص بالعجز البدني والحسي فحسب، ولكنها أيضا تنتقص بالخوف من المكاره التي تلحق بالمحتسب في نفسه أو ماله أو أهله أو غيره من المعصوم دماؤهم وأموالهم وأعراضهم، ما عدا الأذى الخفيف الذي لا يسلم منه أي متعامل مع أصحاب المنكرات مثل السب والشتم والتهويش ونحو ذلك، قال ابن رجب - رحمه الله - : " من خشي الإقدام في الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه لم ينبغ التعرض لهم حينئذ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره، ومتى خاف منهم على نفسه السيف أو السوط أو الحبس أو القيد أو أخذ المال سقط أمرهم ونهيهم، وقد نص الأئمة على ذلك " ولكن ينبغي التنبيه هنا على مسألة هامة حتى لا يفهم الكلام بالخطأ ويكون مدعاة للنكول عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أن فضيلة الصبر على الأذى والتغرير بالنفس في إعزاز كلمة الدين وإجلال رب العالمين من أعظم أبواب الشهادة وأعلاها وأفضلها بنص حديثه صلى الله عليه وسلم: " سيد الشهداء حمزة، ورجل قام على سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله " وقوله: " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " وقد اتفق القائلون بسقوط الوجوب عند الخوف على بقاء الاستحباب والندب لمن قوي على تحمل المشاق، إذا كان لإنكاره تأثير في إزالة المنكر أو كسر جاه الفاسق، أو تقوية أهل الديانة، أو إحياء لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبقى أيضا أن من كان عنده قدرة واستعداد للبذل والفداء بنفسه لا يلزم غيره بذلك أو يوجبه على عموم المسلمين. أما ارتباط هذا الوجوب بالمصلحة أو غلبة الظن عليها، فالمقصود إلا يؤدي الأمر والنهي إلى مفسدة أعظم هي أسخط وأشد من مفسدة إضاعة هذا المعروف أو التلبس بهذا المنكر، فالشريعة مبناها على تحقيق أكمل المصلحتين، ودفع أعظم المفسدتين عند التعارض، وهذا مستقى من فعله صلى الله عليه وسلم عندما رفض قتل رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ونهيه عز وجل عن سب آلهة المشركين حتى لا يسبوا الله عدوا بغير علم، وامتناعه صلى الله عليه وسلم عن إعادة بناء البيت على قواعد إبراهيم عليه السلام. قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " من تأمل ما جرى في بلاد الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا ألأصل، وعدم الصبر على منكر طلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى في مكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح مكة وصارت دار الإسلام عزم على تغيير البيت ورده إلى قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه، من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام، كونهم حديثي عهد بكفر ". فإنكار المنكر له أربع درجات: الأولى: أن يزول أو يخلفه ضده الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته الثالثة: أن يتساويا الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه فالدرجة الأولى والثانية مشروعة مندوبة، والدرجة الثالثة مورد اجتهاد، أما الرابعة فهي الممنوعة المحرمة. متغيرات قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تنحصر دائرة متغيرات هذه القضية في مسألة انعدام الجدوى، بمعنى إن غلب على ظن المحتسب أن أمره ونهيه لا فائدة من ورائه، هل يؤدي ذلك لسقوط الوجوب لهذه الفريضة أم لا ؟ فمن أهل العلم من ذهب لإسقاط الوجوب في هذه الحالة، وإن كان يستحب التذكير بالأمر لرفع منار الدين وإظهار لشرائع الإسلام، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وكثير من الصحابة - رضوان الله عليهم -، وهو قول جمعة من أهل العلم منهم الأوزاعي والغزالي وابن العربي والعز بن عبد السلام وأحد الروايتين عن أحمد. واستدلوا على ذلك بما ورد في سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بل ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك أمر العامة "، وما أخرجه أبو داود في السنن من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن جلوس حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ ذكر الفتنة فقال: " إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم وكانوا كذلك، وشبك أصابعه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك، جعلني الله فداك ؟ فقال: " الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة ". ومنهم من ذهب إلى وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن لم يقبل منه ذلك، لأنه مطالب بذلك وليس مطالب بالقبول أو الرفض، وقد استدلوا على ذلك بخبر القرية التي كانت حاضرة البحر في سورة الأعراف، وخبر الذين أنكروا على المعتدين في السبت، رغم يأسهم من استجابة قومهم لهم، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم قال النووي رحمة الله: " قال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وقد قدمنا أن الذي عليه ألأمر والنهي لا القبول، كما قال الله عز وجل ( ما على الرسول إلا البلاغ ) " 
__________________ 
 | 
|  | 
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| 
 | 
 | 
 
| 
 | 
| Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |