أقنعة الزيف.. حين يصبح الخداع طبعا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طرق علاج غازات البطن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أبرز الأطعمة الغنية باليود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          مضاد حيوي طبيعي للأسنان الملتهبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أسباب غازات المهبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          انتفاخ البطن بعد الأكل: الأسباب، الأعراض وكيفية تفاديه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أنواع الحليب الخالي من اللاكتوز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          علاج ألم الأسنان بطرق متنوعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          فوائد الكركم للمعدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين انتفاخ البطن والقولون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          طرق علاج نقص المعادن في الجسم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-10-2025, 11:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي أقنعة الزيف.. حين يصبح الخداع طبعا

أقنعة الزيف... حين يصبح الخداع طبعًا

محمد الشقيري


الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديرًا، وجعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكَّر أو أراد شكورًا، نحمده حين أنزل الكتاب نورًا، وأرسل الرسول بشيرًا ونذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، كان أوفى العالمين ذمةً، وأصدقهم كلمةً، وأعظمهم أمةً؛ حذر فقال: ((من غشنا فليس منا))، فكان تحذيره للأمة دستورًا، صلى الله عليه، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب ليلٌ ونهار؛ أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله الذي إليه تحشرون، واحذروا يومًا فيه إلى الله ترجعون.

أيها الناس، في زحام الحياة وضجيج الأسواق، وفي سكون الليالي وخلوات الأعماق، هناك حرب لا تضع أوزارها، ومعركة لا تتوقف أخبارها، ليست حربَ السيوف والرماح، بل هي أشد، وليست معركة الدروع والكفاح، بل هي أجسد؛ إنها حرب الوجوه على الوجوه، ومعركة الأقنعة التي تُخفي الحقائق المُرة، ترى الوجه الضاحك، وتحته قلب باكٍ، وترى اليد المصافحة، وفيها خنجر فتَّاك، وترى اللسان المادح، وهو للعِرض سفَّاك، فما هذا الزمن الذي صار فيه الظاهر لا يشبه الباطن، وصار فيه القول لا يصدِّق الفعل؟ ما هذا الداء الذي نخر في عظام الثقة، حتى صار الأخ يخاف أخاه، والجار يتربص بجاره؟ إنه داء عضال، وخُلُق مذموم، وجرحٌ في جسد الأمة لا يلتئم؛ إنه مرض خطير، وخزيٌ كبير، إنه داء مُهلك، ما فشا في أمة من الأمم إلا كان نذيرَ دمارها وخرابها، وسبيل شقائها وعذابها، وما حلَّ في نفس إلا كان دليلًا على مهانتها، وضياع مكانتها وعزتها، وفقدان شرفها وشهامتها، إنه عار في الدنيا، ونار في الآخرة؛ إنه داء الخِداع الذي تسلل إلى مجتمعاتنا، فهدم بيوتًا، وقطع أرحامًا، وأفسد صفقات، وأوقع العداوة بين الإخوان؛ إنها ظاهرة الأقنعة الزائفة التي يرتديها البعض، ليُخفوا خلفها سوء النية، وقبح الطَّوِيَّة، وجشع النفس، وخيانة الأمانة، إنه الخلق الذي أخرج أبانا من الجنة، يومَ أن أقسم له إبليس كاذبًا: ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21]، فيا له من داء قديم، يتجدد في كل عصر وحين!

الخداع - يا عباد الله - إظهار النصح مع إبطان الفضيحة، وإبداء الأمانة مع إضمار الخيانة، والمخادع، يا له من مسكين! يظن أنه يخدع الناس، وهو في الحقيقة لا يخدع إلا نفسه، يظن أنه يربح، وهو أول الخاسرين؛ قال من لا تخفى عليه خافية: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9]، فيا لها من آية عجيبة تكشف غباء المخادع، وتُظهر حمق الماكر، إنه يحارب من يعلم السر وأخفى، ويمارس الحيل على من خلقه فسوى؛ قال أيوب السختياني، وكأنه يصف زماننا: "يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًّا، لو أتوا الأمر عيانًا كان أهون عليَّ".
يعطيك من طرف اللسان حلاوةً
ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ




فالخداع - إذًا - حرب على الله بالمجاهرة بالمعصية تحت قناع الطاعة، وحرب على الناس بتدمير أواصر الثقة والمحبة.

يا عباد الله، لو فتشنا في ميادين حياتنا، لوجدنا لهذا الداء صورًا تُبكي العيون، وتُدمي القلوب.

في محراب الدين: وهو أخطر الميادين ترى من يرتدي ثوب الصلاح، ويتكلم بلسان الدعاة، وهو أشد الناس حربًا على الدين وأهله، يُظهر الغيرة ويبطن الفتنة، يدعو للوحدة ويسعى للتفرقة، هؤلاء هم أحفاد ذي الخويصرة؛ الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))، ومنهم من يتظاهر بالنصح للدعوة والدعاة، وهو في الخفاء يرميهم بالتهم الباطلة، ويسعى للإيقاع بينهم؛ يُشبِهون من قال الله فيهم: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12].

ومن صور الخداع في سوق المعاملات: ترى البائع يقسم بالله أن سلعته أصلية، وهي مقلدة، ويُخفي العيب بطلاء برَّاق، أو كلمات معسولة، ويخلط الجيد بالرديء، ليخدع المشتري المسكين؛ قال فيهم الصادق المصدوق: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما، مُحقت بركة بيعهما))، فيا لها من بركة ممحوقة، بسبب خديعة ممقوتة!

ومن صور الخداع في ساحات القضاء:
في ميزان العدل؛ حيث تُسترجع الحقوق أو تُهدر، يا لها من ساحة، يغيب فيها الخوف من الله عند كثير من الخصوم، ترى الرَّجلين يقفان ليتحاكما، فتظن أنهما يطلبان الحق، ولكن أحدهما قد بيَّت النية على الفجور والخداع، تغيب مراقبة الله، ويحضر شيطان الخصومة، فترى الكذب الصُّراح، واليمين الفاجرة، والحُجة المزخرفة، يقدَّم الباطل في صورة الحق، ويستخدم فصاحته وقوة لسانه؛ ليأكل أموال الناس بالباطل، وهذا هو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بأشدَّ تحذير؛ فقال وهو يخاطب الأمة كلها: ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قضيتُ له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعةً من النار))؛ [متفق عليه]، الله أكبر، إنها قطعة من النار ليست قطعةَ أرض، ولا مبلغًا من المال، فيا أيها المتخاصم، اعلم أن حكم القاضي في الدنيا لا يُحل لك الحرام، ولا يُبرئ ذمتك أمام الله، فإن أخذتَ ما ليس لك بخداعك وفجورك، فإنما تأخذ جمرًا تحمله في يدك، وستَصْلَى به في آخرتك.

ويا للأسف على بعض المحامين، الذين صاروا للباطل مُعينين، يأتيه صاحب القضية، فيأخذ منه المال، ويعده بالنصر والغلَبة، سواء أكان على حقٍّ أم على باطل، فيصبح المحامي أجيرًا للباطل، يدافع عن الظالم، ويزين له فجوره، ويعلمه كيف يكذب ويخادع، فيا أيها المحامي، اتقِ الله، لا تكن عونًا للشيطان على أخيك، لا تَبِعْ آخرتك بدنيا غيرك؛ تذكر قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105]، وقوله: ﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107]، فكل درهم تأخذه لتدافع عن باطل، هو سحت وحرام، وستُسأل عنه يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون.

ومن صور الخداع في عالم الإنترنت: ترى الأقنعة الإلكترونية، حسابات بلا أصحاب، ووجوه بلا ملامح، يقذفون المحصنات، ويشوِّهون سمعة الصالحين، وينشرون الإشاعات، ثم يأوون إلى فراشهم وكأنهم لم يفعلوا شيئًا؛ وقد نسوا قول الجبار: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

ومن صور الخداع في بناء الأُسَرِ: في عش الزوجية، وأساس الذرية، ترى الخاطب أو أهله يخفون عيوبًا جوهريةً، أو أمراضًا خطيرةً، أو أخلاقًا سيئةً، يُظهرون أجمل ما فيهم، ويُخفون أقبح ما لديهم، وقد نسوا أن هذا غش وخداع؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غش فليس مني))؛ [رواه مسلم]، فإذا تم الزواج، وسقطت الأقنعة، وانكشف المستور، تحول البيت إلى جحيم، وصار الميثاق الغليظ الذي قال الله فيه: ﴿ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، حبلًا واهيًا، وكانت الخديعة معولَ هدمٍ لأساس الأسرة.

ومن صور الخداع في الصداقة والعلاقات: في دائرة الأصحاب، ومن تظنهم من الأحباب، ترى الصديق المخادع، الذي يُظهر لك المحبة ليستفيد من مالك أو جاهك:
يعطيك من طرف اللسان حلاوةً
ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ




يقابلك بوجه، ويقابل الناس بوجه آخر، وهذا هو ذو الوجهين؛ الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((تجدون من شر الناس يوم القيامة عند الله، ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه))؛ [متفق عليه]، فإذا انقضت حاجته منك، رماك وتنكر لك، وكأنه لم يعرفك يومًا؛ يقول الشاعر واصفًا حاله:
لا خير في ودِّ امرئ متملِّق
حلو اللسان وقلبه يتلهَّبُ
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ


فيا لها من صداقة زائفة، أساسها المصلحة، وعمادها الخديعة!

ومن صور الخداع في العمل والوظيفة: في ميدان العمل حيث تظهر الهمم أو الكسل، ترى الموظف يتملق لمديره، ويُظهر له الولاء والإخلاص، وهو في الخفاء يطعنه ويحرض عليه، وترى العامل يُظهر الجِدَّ أمام صاحب العمل، فإذا غاب عنه، تكاسل وأهمل وضيَّع الأمانة؛ وقد قال ربنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]، فيا لها من لقمة، نبتت من خداع وخيانة!

ومن صور الخداعِ الخداعُ باسم الهبر: وأما خداع الهبر، فيا له من خطر! يأتي المخادع فيستحل أموال الناس وأعراضهم، بحجج واهية، وأعذار باطلة، يأكل الحرام ويُسميه بغير اسمه، ويظلم ويدَّعي أنه يأخذ حقًّا له؛ وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا فقال: ((لَيأتِيَنَّ على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام))؛ [رواه البخاري]؛ وهؤلاء ينطبق عليهم قول الحق: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188].

ومن صور الخداعِ الخداعُ بالتسول: حتى في باب السؤال دخل أهل الاحتيال، ترى الرجل صحيحَ البدن، قوي الجسد، يتظاهر بالمرض أو العاهة؛ ليستجلب عطفك، ويستلب مالك بالسحت والباطل؛ وقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سأل الناس أموالهم تكثُّرًا، فإنما يسأل جمرًا، فليستقلَّ أو ليستكثر))؛ [رواه مسلم]، فهو لا يشحذ مالًا، بل يشحذ جمرًا لجهنم.

ومن صور الخداع خداع العمال والمقاولين: ويا للأسف على خداع العمال، ومكر أهل الأشغال! يأتيك المقاول بلسان معسول، ووعد مسؤول، فإذا أخذ المال، تغير الحال، يأتيك بأردأ المواد، ويعمل عمل أهل الفساد، يخلط الأسمنت بالرمل، ويضع الحديد الهزيل، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل، ومن الغش الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله، وأما العامل، فيُظهر النشاط في حضورك، ويتفنن في الكسل في غيابك؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه))؛ [صححه الألباني]، فأين الإتقان من هؤلاء؟ إنهم يأكلون السحت، ويدمِّرون الذمم، ويبنون بيوتًا من غشٍّ، مآلها إلى الخراب والهدم.

يا عباد الله، أيحسب المخادع أن قصته ستنتهي بنجاح؟ أيظن أن مكره سيمر بلا حساب؟ كلا وألف كلا؛ فإن لله سننًا لا تتبدل:
في الدنيا: جزاؤه من جنس عمله، فكما خدع الناس، سيسلط الله عليه من يخدعه، وكما مكر، سيمكر به؛ قال ربنا: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43]، وكما أذاق الناس مرارة الغدر، سيتجرعه أضعافًا مضاعفةً، وفوق ذلك، سيعيش حياة القلق والخوف، يتلفت يمينًا وشمالًا؛ خشية أن يُفضح أمره، ويُهتك ستره.

وفي الآخرة: الحساب أعظم، والخطب أجَلُّ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم فيهم حكمًا قاطعًا، فقال: ((المكر والخديعة في النار))، يا لها من كلمات قليلة، تحمل وعيدًا شديدًا! كل حيله وخططه وأقنعته تجتمع لتكون وقودًا له في نار جهنم؛ يقول ابن عبدالقوي في منظومته:
ويحرم بهت واغتياب نميمة
وإفشاء سرٍّ ثم لعن مقيد
وفحش ومكر والبذا وخديعة
وسخرية والهزو والكذب قيد


فاتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أن الصدق طمأنينة ونجاة، وأن الكذب والخداع رِيبة وهلكة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه أهل الصدق والوفا؛ أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله، وكونوا مع الصادقين؛ فإن الله قد أمركم بذلك في كتابه المبين فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

أيها المؤمنون، بعد أن كشفنا عن هذا الداء الخطير، ورأينا صوره المؤلمة، وعرفنا عواقبه الوخيمة، يبقى السؤال الأهم: أين الدواء؟ وكيف العلاج؟ وما هو سبيل النجاة من هذا الوباء؟ إن علاج داء الخداع ينبع من القلب، ويبدأ بصدق العزيمة مع الله، ويتلخص في خطوات عملية، من أخذ بها نجا، ومن أعرض عنها هلك.

فأول العلاج وأساسه: تحقيق مراقبة الله في السر والعلن؛ أن تستشعر في كل لحظة أن الله يراك، ويسمعك، ويعلم ما تخفي في صدرك، فإذا همت نفسك بخديعة؛ فتذكر قول ربك: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، فكيف تخدع من يرى خيانة عينك قبل أن ترمش؟ وكيف تمارس المكر على من يعلم ما تُخفيه في صدرك قبل أن تفكر فيه؟

وثانيًا: تربية النفس على القناعة والرضا بما قسم الله، فإن أكثر الخداع سببه الجشع والطمع، وعدم الرضا بالرزق المكتوب، فيلجأ العبد إلى الحِيَلِ المحرَّمة ليزيد رزقه، وما علم المسكين أنه بذلك يمحق البركة، فالزم القناعة، واعلم أن ما كُتب لك سيأتيك، وما لم يُكتب لك، فلن تناله ولو اجتمعت لك حِيل أهل الأرض.

وثالثًا: مجالسة الرفقة الصالحة الصادقة؛ فالمرء على دين خليلِه، والصاحب ساحب، فإذا جالستَ أهل الصدق والوفاء، اكتسبت من صدقهم، وإذا جالست أهل الخداع والمكر، سرى إليك داؤهم؛ فابحث عن الصادقين والزم غرزهم، واهرب من المخادعين هربك من الأسد.

ورابعًا: أن تعلم أن الخداع المباح محصور في أضيق الحدود، نعم، لقد أباح الشرع الخداعَ في الحرب مع أعداء الله؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحرب خدعة))، وأباح الكذب للإصلاح بين الناس، ولإرضاء الرجل زوجته، ولكن هذا الاستثناء لا يجعل الأصل مباحًا، فلا يأتي أحد فيتوسع في هذا الأمر، ويجعل حياته كلها حربًا وخداعًا مع إخوانه المسلمين.

وأخيرًا، أوجه رسالةً من قلب مشفِق، إلى كل أخٍ ابتُلي بهذا الداء، يا أخي، يا من ترتدي قناعًا غير قناعك، وتُظهر وجهًا غير وجهك إلى متى؟ إلى متى ستظل تعيش هذه الحياة المزدوجة؟ ألَا يؤلمك قلبك؟ ألَا تعذبك نفسك؟ ألَا تخاف من لحظة ينزع فيها قناعك على رؤوس الأشهاد، فتصبح مفضوحًا مهتوكَ الستر؟ تُبْ إلى الله، ارجع إلى ربك فباب التوبة مفتوح، تذكر قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حين جاءه غلامه بطعامٍ فأكل منه لقمةً، ثم أخبره الغلام أنه ثمن كهانة تكهَّنها في الجاهلية، وأنه خدع الرجل لأنه لا يُحسن الكهانة، فماذا فعل الصديق؟ أدخل إصبعه في حلقه، وتقيأ كل شيء في بطنه، حتى كادت نفسه تخرج؛ خوفًا من أن ينبت لحمه من حرام، أصله خديعة، فأين نحن من هذا الورع؟ يا أخي، كن شجاعًا ولو لمرة واحدة، اخلع قناعك بنفسك، وواجه حقيقتك، اصدق مع الله، واصدق مع الناس، والله، إن لذة الصدق وراحة الضمير، لا تعادلها كل مكاسب الدنيا التي جنيتَها بالخداع، كن واضحًا كالشمس، قُلِ الحق ولو كان مرًّا، اصدق ولو كان الصدق سيفوِّت عليك مصلحةً عاجلةً، فإن في الصدق منجاةً وبركةً وخيرًا عظيمًا في العاجل والآجِل.

الدعاء...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 85.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.97 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]