|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المزابنة والمحاقلة[1] عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان المزابنة: مفاعلةٌ من الزَّبْنِ، والزَّبْنُ: دَفْعُ الشيء عن الشيء[2]. واصطلاحًا: بيع الثَّمَرِ على رؤوس النَّخل خَرْصًَا بالتَّمر كيلًا[3]. أمَّا عن علاقة المعنى اللُّغوي بالمعنى الاصطلاحي: فقيل: سُمِّيت هذه الصورة مزابَنَةً: لِمَا يكون بعد هذا البيع من النِّزاع والمدافعة[4]. وقيل: (لأنَّ كلَّ واحدٍ من المتبايعين إذا وقفا فيه على الغبن أراد المغبون أنْ يفسخ البيع، وأراد الغابن أن يمضيه فتزابنا)[5]، وقيل: لأنَّ كلَّ واحدٍ من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقِّه لما يزداد منه[6]. والمحاقلة: مفاعلةٌ من الحَقْلِ وهو الزَّرْعُ إذا تَشَعَّبَ قبل أن يَغْلُظَ سُوقُهُ، يقال: حَقَلَ يَحْقِلُ إذا زَرَعَ، والمحاقلة مفاعلةٌ من ذلك[7]. وأما في اصطلاح الفقهاء: فهي بيع الحبِّ في سُنْبُلِهِ بجنسه[8]. أمَّا صورة المزابنة: أن يشتري الرَّجل رُطبًا على رؤوس النَّخل بمكيلٍ محدَّد من التَّمر بالخَرْصِ والتَّقدير. ومثالها: أن يكون لسليمان بستانٌ فيه نخيلٌ، فيرغب غسَّان أن يشتري منه قدر خمسمئة صاعٍ من الرُّطب التي على رؤوس النَّخل بخمسمئة صاعٍ من التَّمر مكيلةً. أمَّا المحاقلة فصورتُها: أن يشتري الرَّجل أصوعًا معروفة المقدار من البُرِّ ببُرٍّ في سنبله بالخَرْص والتَّقدير. ومثالها: أن يشتري همَّام من ثامرٍ مئة صاعٍ من البُرِّ بمئة صاعٍ من البُرِّ في سنبله يخرصونَه خرصًا. ولا خلاف بين أهل العلم أنَّ المزابنة والمحاقلة محرَّمةٌ[9]، ومستند الإجماع ما صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من النَّهي عن المزابنة والمحاقلة. وبتأمُّل هذه الصُّورة نَجِدُ أنَّ ثَمَّ وصفين طارئين في هذين النوعين أوجبا تحريمهما، فإنَّ فيهما الجهالة، وأشدُّ منها أنَّ الجهالة ها هنا تَصِلُ بهما إلى ربا البيوع، فإنَّ الجهل بالتَّساوي كالعلم بالتَّفاضل، وقد سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرُّطب بالتَّمر فقال: «أينقُصُ الرُّطب إذا يَبِس؟» فقالوا: نعم، فنهى عن ذلك[10]، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم النَّهي عن بيع المزابنة والمحاقلة[11]، وقد تقدَّم تفسيرُهُما وبيان صورتهما. وتجدُرُ الإشارة ها هنا إلى أنَّ ثمَّ مسألةً مستثناةً من حكم المزابنة، وهي صورةُ بيع العرايا: والمراد بها: شراء الرُّطب على رؤوس النَّخل بالتَّمر المكيل خرصًا فيما دون خمسة أوسقٍ[12]. ومثاله: أن يكون لسلمان بستانٌ له فيه نخيلٌ، وعندما بدا صلاح الثِّمار فيها جاء خالدٌ ليشتري منه خمسين صاعًا من هذا الرُّطب بخمسين صاعًا مكيلةً من تمرٍ بقي عنده من العام الماضي. وقد رخَّص فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري من حديث سهلِ بن أبي حثْمة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثَّمر بالتَّمر ورخَّص في العريَّة أن تباع بخرْصِها يأكُلُها أهلُها رُطَبًا[13]، وأخذ بجواز بيع العرايا على وفق الصُّورة المذكورة الشافعيَّة والحنابلة[14]، ومن شرط جوازها عندهم أن تكون فيما دون خمسة أوسق، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في بيع العرايا في خمسة أوسقٍ أو دون خمسة أوسقٍ[15]. وذهب الحنفيَّة والمالكيَّة إلى أنَّ هذه الصُّورة لا تَخرُج عن صورة المزابنة ويفسِّرون العرايا بغير ما سبق[16]. هذا ما تيسَّر إيرادُه، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] ما جاء في هذه الورقات مُستلٌّ من رسالتي في مرحلة الدكتوراه بعنوان: (أوصاف عقود المعاوضات المؤثرة في التكييف دراسة وتحليلًا). [2] ينظر: العين (7/ 374)، وتهذيب اللغة (13/ 155)، ومختار الصحاح ص(134). [3] ينظر: تبيين الحقائق (4/ 47)، والعناية شرح الهداية (6/ 415)، والمنتقى شرح الموطأ (4/ 243)، والشرح الكبير للدردير (3/ 60)، وأسنى المطالب (2/ 107)، وتحفة المحتاج (4/ 471)، وكشاف القناع (3/ 258)، والمبدع شرح المقنع (4/ 136)، وممَّا تجدر الإشارة إليه أنَّ المالكيَّة يُدخِلُونَ في معنى المزابنة بيعَ كلِّ مجهولٍ بمعلومٍ، فيجعلونه معنى ثانيًا من معاني المزابنة، نقل علِّيش في منح الجليل (5/ 42) عن بعض علماء المالكيَّة قال: (لا شكَّ أنَّ ما فَسَّر به أهل المذهب ممنوعٌ، وإنَّما الكلام هل هو المزابنة أو أعمُّ منها وهي الغرر). [4] ينظر: مقاييس اللغة (3/ 46). [5] غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 193). [6] النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 294)، والمطلع على ألفاظ المقنع ص(288). [7] ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 194)، والفائق في غريب الحديث (1/ 298)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 416)، ولسان العرب (11/ 160). [8] ينظر: تبيين الحقائق (4/ 47)، والعناية شرح الهداية (6/ 415)، والمنتقى شرح الموطأ (4/ 246)،= = والذخيرة للقرافي (5/ 392)، وأسنى المطالب (2/ 106)، وتحفة المحتاج (4/ 471)، والمبدع شرح المقنع (4/ 136)، وكشاف القناع (3/ 258)، وأدخل المالكية في معنى المحاقلة أيضًا: كراء الأرض بالحنطة ينظر: المنتقى (4/ 246). [9] الإجماع لابن المنذر ص(104)، والإقناع في مسائل الإجماع (2/ 230). [10] أخرجه مالك في موطئه، كتاب البيوع، باب ما يكره من بيع التمر برقم (22) (2/ 624)، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب البيوع، باب اشتراء التمر بالرطب برقم (4545) (7/ 268)، وأبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب في الثمر بالتمر برقم (3359) (5/ 246)، والترمذي في سننه، أبواب البيوع، باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة برقم (1225) (2/ 519) وقال: (هذا حديث حسن صحيح)، وابن ماجه في سننه، أبواب التجارات، باب بيع الرطب بالتمر برقم (2264) (3/ 371)، وصححه أيضًا ابن حبان في صحيحه (11/ 378)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. [11] فسره ابن عمر، ينظر: موطأ الإمام مالك (2/ 624). [12] ينظر: الحاوي الكبير (5/ 213)، وأسنى المطالب (2/ 107)، وكشاف القناع (3/ 258)، ومطالب أولي النهى (3/ 164). [13] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الثمر على رؤوس النحل بالذهب أو الفضة برقم (2191) (3/ 76). [14] وتقدم عند ذكر صورة العرايا. [15] متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الثمر على رؤوس النخل برقم (2190) (3/ 76)، ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا برقم (1541) (3/ 1171) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [16] ويفسِّرون العرايا بغير هذا، حتى ذُكر أن معنى العرايا قد اختلف فيه على سبعة أقوال أو تزيد، ينظر: شرح معاني الآثار (4/ 30)، والذخيرة للقرافي (5/ 195).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |