|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تطوّر الأرشيف في الحياة الإسلاميّة: دَوْر الأرشيف في حماية الأوقاف الإسلامية
تنبعُ أهمّيّة التدوينِ والتوثيق من كونِه الوسيلةَ التي تحتفظُ بها الحضاراتُ والثقافاتُ والدّول بتراثها وأفكارها، وصوابها وخطئِها، ونجاحاتها وإخفاقاتها على السّواء، على نحو جعل من المدرَك والمفهوم بوضوح، أنّ التطوّر البشريّ ما كان له أن يكون، لولا التوثيقُ والأرشَفَة؛ إذ لولا ذلك لكانت كلّ دورةٍ حضاريّةٍ في عمر الكائن الإنسانيّ وتاريخ وجوده على هذه الأرض، تبدأ من الصّفر، وتنتكسُ إلى البدايات الأولى؛ لانعدامِ إمكانيّة بناءِ كلّ جيلٍ على منجَزَات الجيلِ الذي سبقَه، ولتعذّر المعرفةِ التراكميّة والبناء على الخبرات. إنّ التجذير اللّغويّ المعجميّ لكلمة (أرشيف) غير ممكن؛ لأنّ الكلمة ليست عربيّة أصلاً، بل هي يونانيّة الأصل؛ فلا يبقى سوى محاولة تعريفها تعريفاً عامًّا، نظراً لعدم استقرار تعريفها الاصطلاحيّ أيضاً، وتناوُب استعمال المفردةِ في أكثر من نطاق، وقد وصلت هذه المفردةُ إلى اللّغة اللاتينيّة من اليونانيّة، ثمّ انتشرت في اللّغات الأوروبيّة الحديثة ومنها الإنجليزية (Archive)؛ «حيث أُطلقت على وثائق الدّولة التي جُمعت نظراً لقيمتها العلميّة والقانونيّة، واختُزنت في مؤسسة خاصّة تُسمّى أيضاً: الأرشيف..»، فهذا تعريف الأرشيف باعتباره الوثائقَ نفسَها، كما يُعرَّف باعتباره مكان حفظ الوثائق أو الهيئة القائمة على الحفظ، فيقال: هو «الهيئة التي تتولى مهمة حفظ الوثائق والسجلّات والقيود والمدوّنات بطريقة منظّمة». الوقف والأرشيف في العصر النبوي وعصر الخلافة الراشدة بهذا الاعتبار، وبالتعريف الذي مضى، لم يكن للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولا في حياتِه تدوينٌ معروفٌ في أيّ جانبٍ من جوانب الحياةِ الإداريّة للدّولة، فكانت الأمور على أرجح تقدير تقضى بالأوامر الشفهيّة منه - صلى الله عليه وسلم -، وربما تكون أوّل تدوينةٍ يمكن أن تُعد تدوينا رسميا في شأنٍ إداريّ جاءت بأمره المباشر - صلى الله عليه وسلم -، بإحصاء من تلفّظ بالإسلام من النّاس في أيّام صلح الحديبية، قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «اكتبوا لي من تلفّظ بالإسلام من النّاس»، فكتبنا له ألفًا وخمسَ مائة رجل، فقلنا: نخافُ ونحن ألفٌ وخمسُ مائة؟ فلقد رأيتنا ابتلينا، حتى إنّ الرجل ليصلي وحدَه وهو خائف. والمشهور عند أهل العلم أنَّ هذا الإحصاء أو الكتابة أو التّدوين، كان لغايات إحصاء المقاتِلة من الرّجال الذين يستطيعون الدّفع عن المسلمين إذا دعا داعي الجهاد أو نزلت بهم نازلة، ويشير حذيفةُ - رضي الله عنه - إلى أنَّهم بعد أنْ أُحصِيَ العدد اغترّ بعضُهُم بكثرتِه، فكأنّما عوقِبُوا على هذا الاغترار بأنْ ابتُلُوا بعد ذلك حتى صار أحدُهُم يصلّي وهو خائف، وقد اختلف أهلُ العلم في تعيينِ وقْت حصولِ ذلك والمراد به بالضّبط. فضيلةِ التدوين المبكّر هذا مع إقرارهم بفضيلةِ ذلك التدوين المبكّر، كما قال ابن المنيّر: «موضع الترجمة من الفقه ألا يُتَخَيَّلَ أنّ كتابتَه النّاسَ إحصاءٌ لعددِهم، وقد تكون ذريعة لارتفاع البركةِ منهم كما ورد في الدّعوات على الكفار: «اللهمّ أحصِهِم عدَدا» أي: ارفع البركة منهم. فإنّما خرج هذا من هذا النّحو؛ لأنَّ الكتابةَ لمصلحةٍ دينيّة، والمؤاخذةُ التي وقعت، ليست من ناحيةِ الكتابة، ولكن من إعجابهم بكثرتهم، فأُدّبوا بالخوف المذكور في الحديث...»، فهذه الرواية وأمثالُها هي التأسيسُ النبويّ لمشروعيّة ما صار يُعرَفُ بعد ذلك بـ(ديوان الجند)، على الرغم من أنَّه لم يتحقّق في شكلِه المؤسّسيّ في العصر النبويّ، بل كان هذا التأسيسُ النبويّ هو ما هيّأ للمسلمين بعد ذلك قبولَ نقْلِ الدّواوين عن السّاسانيّين في خلافة عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -. خلافةُ أبي بكر الصّدّيق - رضي الله عنه - أمّا خلافةُ أبي بكر الصّدّيق - رضي الله عنه -، فهي لِقِصَرها لم تشهد تحوُّلاً يُذكَر في موضوع التّوثيق والأرشَفَة، حتى جاءت خلافةُ عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -، فكان أوّل من دوّن الدّواوين، ويستعرِض ابن طباطبا نشأة الدّواوين في شكلِها المؤسّسيّ، مع بيانِ الحاجةِ لها على ما اقتضته المرحلةُ التأريخيّة، بعد تكاثر الفتوح وتوافُر الغنائم واتّساع الأراضي المفتوحة. نقلة نوعيّة للدواوين ولقد انتقلت الدّواوين نقلةً نوعيّةً أخرى في العصر الأموي، واستُحدثت دواوين جديدة نشأت معها مساراتٌ جديدةٌ للتّدوين وميادين جديدةٌ لتوثيق الوقائع المادّيّة؛ فصار منها ما يتعلّق بالإدارةِ العامّةِ كديوانِ الجُنْدِ، وديوان البريدِ، والرسائل، وديوان الخاتَم، ودواوين أخرى تتعلّق بالإدارةِ الماليّة كدواوين الأوقاف والصدقات والمستغَلَّات والخَراج، وفئةٌ أخرى من الدّواوين تتعلّق بالقَضاء وتوابعه الإجرائيّة مثل نظام الاحتساب ونحو ذلك، وقد كانت المسؤوليّة عن معظمها أعجميّة في أوّل الأمر ثمّ عُرّبت. تطوّر أساليب التوثيق ثمّ استمرّ ظهور الدّواوين وتطوّرت أساليب التوثيق، حتى ظهرَ في التّاريخ الإسلاميّ أدبيّاتٌ خاصَّةٌ بشؤون تدويناتِ الإدارة العامّة المختلفةِ، انتهت إلى جمعِهَا تحت تخصّصاتٍ علميّة وتلقيبها بألقابِ علومٍ خاصّة، فـ(علمُ الشّروط والسّجلّات) هو أحدُ العلوم التي ارتضاها حاجي خليفة في تقسيمِه للعلوم، وعرّفه بأنَّه: «علمٌ باحثٌ عن كيفيّة ثبت الأحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلّات، على وجه يصحُّ الاحتجاج به عند انقضاء شهود الحال». وعلى أساس هذه الوظيفة، استمرّت الدّواوين الإسلاميّة والأرشيفات ومؤسّسات ودُوْر الوثائق تنمو وتتزايد ويقتبسُ لاحقُها عن سابقها، ويستفيدُ القائمون عليها من تجارب النّاس، حتى بلغت في العصر العثمانيّ مبلغاً عظيمًا وترتيباً خاصًّا. اعداد: عيسى القدومي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |