رسول الرحمة والإنسانية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 620 - عددالزوار : 72204 )           »          من مائدة الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 5138 )           »          علة حديث: ((يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما وأذنان يسمع بهما)) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الهمزة في قراءة { ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار } بين التحقيق والتسهيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          تفسير قوله تعالى: { أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          معرفة الصحابة لمنزلة القرآن وإدراكهم لمقاصده ومراميه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          تحريم تشبيه الله تبارك وتعالى بخلقه وضرب الأمثال له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          مناظرة رائعة بين عالم مسلم وملحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          آية الكرسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          تعظيم الله وتقديره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 25-09-2025, 03:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,624
الدولة : Egypt
افتراضي رسول الرحمة والإنسانية

رسول الرحمة والإنسانية

د. عبد الرقيب الراشدي

الخطبة الأولى
الحمد لله الملك القدوس السلام، مُجري الليالي والأيام، ومجدِّد الشهور والأعوام، أحمَده تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل شهر المحرم فاتحةَ شهور العام، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته، واقتدى بهديه إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]؛ أما بعد:
عباد الله: ما أجدرنا في هذه الدقائق أن نتذكر رحمته صلى الله عليه وسلم؛ التي وصفه الله بها بقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]؛ فما من مخلوقٍ على هذه الأرض إلا وقد نال حظًّا من هذه الرحمة المهداة!

عباد الله: لقد تمثَّل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الرحمةَ في أكمل صورها، وأعظم معانيها، ومظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم قد حفلت بها سيرته، وامتلأت بها شريعته، فرحِم الصغير والكبير، والقريب والبعيد، والعدوَّ والصديق، بل شملت رحمته الحيوانَ والجماد، وما من سبيل يوصل إلى رحمة الله، إلا جلَّاه لأمته، وحضَّهم على سلوكه، وما من طريق يبعد عن رحمة الله، إلا زجرهم عنها، وحذرهم منها؛ كل ذلك رحمةً بهم وشفقة عليهم.

عباد الله: أسعد من حظيَ برحمته صلى الله عليه وسلم هي أمته؛ فقد امتلأ قلبه صلى الله عليه وسلم رحمة بها، وعطفًا عليها، ولطفًا بها، حتى شهِد له ربه بذلك؛ في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، فقد أعطاه الله دعوة مستجابة، فجعلها لأمته رحمةً بها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبيٍّ دعوة مستجابة، فتعجَّل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة - إن شاء الله - مَن مات مِن أمتي لا يشرك بالله شيئًا))؛ [متفق عليه].

وكان صلى الله عليه وسلم يبكي رحمة بأمته أن ينالها العذاب في الآخرة؛ روى مسلم في صحيحه، عن عبدالله بن عمرو بن العاص: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم عليه السلام أنه قال عن الأصنام: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36]، وتلا قول عيسى عليه السلام عن قومه: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى عليه الصلاة والسلام، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسَلْهُ: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنُرضيك في أمتك ولا نسوؤك)).

بل بلغ من عطفه ولطفه بأمته، أنه كان يغضب من المسائل التي قد يترتب عليها تشريعٌ يشق على الناس؛ قال أبو هريرة رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم، لوجبت، ولَما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم))؛ [متفق عليه].

عباد الله: ومن رحمته بأمته أنه عليه الصلاة والسلام كان يترك أحيانًا بعض السنن والمستحبات، والأعمال الصالحات، وقلبه معلق بها، ما يتركها إلا خشية أن تُفرض على أمته، فلا يُطيقونها؛ تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الخبيرة بأموره: ((إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيدعُ العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس، فيُفرض عليهم))؛ [رواه البخاري في صحيحه].

عباد الله: ومن رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالأطفال، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك، وما عرفت البشرية أحدًا أرأف بهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال عنه خادمه، والخبير بمدخله ومخرجه، أنس بن مالك رضي الله عنه: ((ما رأيت أحدًا أرحمَ بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم))، وكان عليه الصلاة والسلام كثيرًا ما يقبِّل الأطفال ويحملهم، ويلاعبهم ويواسيهم، ويمسح على رؤوسهم، رآه الأقرع بن حابس يقبِّل الحسنَ بن علي، فقال في جفاء: إن لي عشرةً من الولد، ما قبَّلت واحدًا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه من لا يَرحم لا يُرحم))؛ [متفق عليه].

وكان عليه الصلاة والسلام يدخل الصلاة وهو يريد إطالتها، فيسمع بكاء الصبي، فيتجوَّز في صلاته؛ رحمة ورأفة بأمه؛ لما يعلم من شدة وجدها عليه، وقد صلى بأصحابه يومًا، فلما سجد، جاء الحسن - أو الحسين - فامتطى ظهره، فأطال السجود جدًّا، حتى إن أحد الصحابة رفع رأسه من السجود؛ قلقًا على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، سأله الناس عن هذه السجدة الطويلة، فقال: ((إن ابني هذا ارتحلني، فكرِهت أن أعجله حتى يقضي حاجته))؛ [أخرجه أحمد، وصححه الألباني]، وصلى مرة بأصحابه وهو حامل أمامة بنت زينب، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، فرحمته بالأطفال لم تفارقه حتى وهو في عبادته؛ وجاءت أم قيس بنت محصن بابنٍ لها صغير، لم يأكل الطعام، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أجلسه في حجره، فبال الصبي على ثوبه صلى الله عليه وسلم، فلم يتذمر ولم يثرب عليه، بل دعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني].

ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيرى ابنه إبراهيم في سكرة الموت، وقد نازعته روحه، فجعلت عيناه تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف متعجبًا: وأنت يا رسول الله؟! – يعني: تبكي – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بن عوف، إنها رحمة، ثم أتبع دمعاته تلك بأخرى، وقال: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون))؛ [صححه الألباني في صحيح الجامع].

عباد الله: وكان عليه الصلاة والسلام يرحم أحوال البائسين، ويرأف بغربة المغتربين، ويكسوهم من الرفق والعطف ما لا يكسوه لغيرهم؛ قال مالك بن الحويرث: ((أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، حتى إذا ظن أنَّا قد اشتقنا إلى أهلنا، سألنا عمن تركنا من أهلنا، وكان رفيقًا رحيمًا بنا، فقال لنا: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومُروهم))؛ [متفق عليه].

عباد الله: أما رحمته ورأفته بالنساء، فله معهن شأن - وأي شأن - فأوصى أمته بالإحسان إليهن؛ فقال: ((استوصوا بالنساء خيرًا))؛ [متفق عليه]، وحرَّج على المسلمين حقهن، فقال: ((اللهم إني أحرِّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة))؛ [أخرجه ابن ماجه، وحسنه الألباني]، وكان يستمع لشكاوى النساء ويقضي حاجاتهن، وخصص لهن يومًا لأسئلتهن وحوائجهن؛ بل أبعد من ذلك أن الأَمَةَ من إماء أهل المدينة كانت تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حيث شاءت.

عباد الله: ورحمته صلى الله عليه وسلم شملت حتى العصاة والمقصِّرين ومن وقعوا في الكبائر، فكان يعالج أخطاء المذنبين بألين كلمة، وأرأف عبارة، ويُسديهم من النصائح التي مِلؤُها الرحمة والشفقة، يغضُّ الطرف عن زلَّات المخطئين وهفواتهم، حريصًا على الستر عليهم، يأتي إليه ماعز بن مالك الأسلمي، فيعترف له بالزنا، فيقول له: ((لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني]، وتأتي إليه امرأة فتقر له بالزنا، فيُعرض عنها كأن لم يسمع كلامها، وقال لأصحابه يومًا: ((اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ بشيء منها، فليستتر بستر الله، وليتُب إلى الله تعالى؛ فإنه من يبدِ لنا صفحته، نُقِم عليه كتاب الله تعالى))؛ [رواه الإمام مالك في موطئه، وصححه الحاكم].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إن ربي غفور رحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، سخر الشمس والقمر، وجعلهما آيتين على بديع صنعه، وكمال قدرته، أحمَده سبحانه، وأُثني على كمال إحسانه، والصلاة والسلام على خير من تدبَّر وتفكَّر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه؛ أما بعد عباد الله:
فقد تعدَّت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم لبني آدم حتى شمِلت البهائم والجمادات، فكان لها حظٌّ من هذه الرحمة الربانية، فمن رحمته صلى الله عليه وسلم بالبهائم: أنه نهى عن تصبيرها؛ وهو أن تُحبس وتُجعل هدفًا للرمي حتى تموت؛ إذ فيه تعذيب لها، وأمر بالإحسان إليها حتى في حال ذبحها، وقال له رجل: ((يا رسول الله، إني لَأرحم الشاة أن أذبحها، فقال: والشاة إن رحمتها، رحمك الله))؛ [رواه الإمام أحمد، وهو حديث صحيح].

ومرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ببعيرٍ قد لحِق ظهره ببطنه من الجوع، فقال: ((اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحةً، وكلوها صالحةً))؛ [رواه ابن خزيمة، وإسناده صحيح]، بل إن الرحمة المهداة كان يتأثر من لهف البهيمة، ويرأف بحزنها وجزعها، وكان له تحنُّنٌ إليها، وعطف عليها، رأى الصحابة حُمَّرة معها فَرخان، والحمرة نوع من العصافير أحمر اللون، فأخذ الصحابة فرخَيها، فجعلت الحمرة تفرش جناحيها وترفرف، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبصرها، رقَّ لحالها وقال: ((من فجع هذه بولدها؟! ردُّوا ولدها إليها))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني].

بل أعجب من ذلك؛ أن هذه الجمادات الساكنة كان لها نصيب من رحمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يخطب بأصحابه أول أمره على جذع نخلة، ثم بنى له الصحابة بعد ذلك منبرًا، فلما صعِد عليه النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة، حنَّ الجذع وبكى، حتى سمع الصحابة رضي الله عنهم صياحه، فنزل الرؤوف الرحيم من منبره وقطع خطبته، فضم الجذع إليه، وجعل يهدِّئه كما يهدَّأ الصبي، حتى سكن، وقال: ((لولا أني اعتنقتُه، لحنَّ إلى يوم القيامة))؛ [رواه البخاري].

إخوة الإيمان: لقد كانت حياة نبي الهدى تشعُّ رحمة ورأفة بالبشرية جميعًا، فكانت تلك الرحمة ماثلة في حياته جميعًا؛ في وقت الضعف والقوة، وإبان المَنشط والمَكره، ولجميع فئات الناس، فكان بذلك رحمة من الرحمن يرحم الله بها عباده.

عباد الله: هذه الرحمة العالية، قد وسِعت الكافر على كفره وعناده، فها هو رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة يقابل أعداءه الذين طردوه وحاربوه، واتهموه في عقله، يقابلهم بالرحمة العظيمة التي مُلئ بها قلبه، فيقول: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))؛ [ذكره ابن هشام في سيرته وإسناده معضل]، وسمَّى ذلك اليوم بيوم المرحمة.

بل إن صاحب هذا القلب الرحيم، والنفس المشفقة كان يستوصي بالمشركين إذا وقعوا أُسارى بيد المسلمين؛ ها هو أبو عزيز بن عمير - أخو مصعب بن عمير - يحدثنا عما رآه، فيقول: كنت في الأسرى يوم بدر، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: ((استوصوا بالأسارى خيرًا))؛ [رواه الطبراني وفي إسناده ضعف]، قال: وكنت في رهط من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم، خصوني بالخبز، وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا.

وحينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسرى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت الشمس، قال: ((لا تجمعوا عليهم حرَّ هذا اليوم وحرَّ السلاح، قِيلوهم حتى يبردوا)).

وقال لحبيبه أسامةَ بن زيد حينما قتل رجلًا من المشركين متأوِّلًا: ((أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟!)).

عباد الله: ومع هذه الرحمة العظيمة، والرأفة المتناهية التي تحلى بها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يضع هذه الرحمة في موضعها اللائق بها؛ لئلا تتحول تلكم الرحمة إلى عجز وضعف، فمع لينه ولطفه، كان يعاتب بقسوة أصحابه على بعض الأخطاء، فقال لمعاذ بن جبل حينما أطال الصلاة جدًّا: ((أفتَّان أنت يا معاذ؟!))؛ [متفق عليه].

وقاتل بهذه الرحمة من استحق القتال من اليهود والمشركين، وضرب بسيفه في سبيل الله، وأمر بقتل جماعة من المشركين وإن تعلقوا بأستار الكعبة، ولم تأخذه رأفة في دين الله، فرجم وجلد الزناة، وقطع يد السارق، وقتل المحاربين المرتدين، بعد أن قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأمر برضخ رأس يهودية؛ معاملةً لها بمثل صنيعها، وقتل اليهود وسبى ذراريَهم، وأخذ أموالهم، حينما نقضوا العهود والمواثيق، فعُلم من ذلك أن الجهاد في سبيل الله، وإقامة الحدود لا ينافي الرحمة، بل هي من الرحمة، فديننا دين سلام ورحمة وإنسانية، ولكنه أيضًا دين جهاد، وذبٍّ عن الدين والعِرض، والمال والأرض، ودين إقامة حدود؛ من قتل ورجمٍ، وقطع وجَلد؛ لينقطع بذلك دابر المجرمين، وتنحسر جرائم المفسدين.

فاتقوا الله - أيها المسلمون - وعظِّموا شريعة ربكم، وخذوا بدينه كافة، واقتفوا آثار نبي الرحمة في حياته كلها، تكونوا من المهتدين المفلحين الفائزين في الدنيا والآخرة.
الدعاء...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.89 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]