تبديد الخوف من المستقبل المجهول - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4955 - عددالزوار : 2058587 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4531 - عددالزوار : 1327056 )           »          How can we prepare for the arrival of Ramadaan? (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الأسباب المعينـــــــة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حكم بيع جوزة الطيب واستعمالها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          تريد لبس الحجاب وأهلها يرفضون فهل تطيعهم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ما هي سنن الصوم ؟ . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          هل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين الذين لم يروه ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حكم قول بحق جاه النبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ليلة النصف من شعبان ..... الواجب والممنوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-06-2025, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي تبديد الخوف من المستقبل المجهول

تبديد الخوف من المستقبل المجهول

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْأَكْرَمِ؛ ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [الْعَلَقِ: 4-5]، نَحْمَدُهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى جَزِيلِ عَطَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ الْمُتَفَرِّدُ بِالْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، الْمُنَزَّهُ عَنِ النُّظَرَاءِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، الْمُتَعَالِي بِكِبْرِيَائِهِ وَعِزَّتِهِ، الْمُسْتَوِي عَلَى عَرْشِهِ، الْمُطَّلِعُ عَلَى خَلْقِهِ؛ فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ هَدَى اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْعِبَادَ؛ فَرَفَعَ بِالْعِلْمِ جَهْلَهُمْ، وَأَزَالَ بِالْإِيمَانِ خَوْفَهُمْ وَحُزْنَهُمْ، وَهَذَّبَ بِالْقُرْآنِ أَخْلَاقَهُمْ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَخْلِصُوا لَهُ فِي أَعْمَالِكُمْ، وَثِقُوا بِهِ فِي نَوَائِبِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ فِي شَدَائِدِكُمْ، وَسَلُوهُ قَضَاءَ حَاجَاتِكُمْ، وَلُوذُوا بِهِ فِيمَا يُخِيفُكُمْ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْمُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا يَخِيبُ مَنْ رَجَاهُ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَاهُ، وَلَا يَذِلُّ مَنْ وَالَاهُ؛ ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 18].

أَيُّهَا النَّاسُ: مَعَ تَوَغُّلِ الْفِكْرِ الْمَادِّيِّ، وَسَيْطَرَتِهِ عَلَى عُقُولِ النَّاسِ، وَاللُّهَاثِ خَلْفَ زِيَادَةِ الْكَسْبِ، وَالتَّبَاهِي بِالْإِنْفَاقِ، وَالسَّرَفِ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ يَنْتَشِرُ الْخَوْفُ وَالْقَلَقُ وَالِاكْتِئَابُ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ؛ فَالْغَنِيُّ يَخْشَى عَلَى مَالِهِ وَتِجَارَتِهِ، وَمُتَوَسِّطُ الدَّخْلِ وَقَلِيلُهُ يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ فَوْقَهُمَا، وَيَزْدَادُ اللُّهَاثُ عَلَى الدُّنْيَا يَوْمًا بَعْدَ، وَيَتَوَلَّدُ عَنْ ذَلِكَ خَوْفٌ شَدِيدٌ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ الْمَجْهُولِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ اتِّسَاعِ الْحُرُوبِ، وَاضْطِرَابِ الِاقْتِصَادِ، وَالْمُؤْمِنُ يَهْتَدِي بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي تَثْبِيتِ قَلْبِهِ، وَتَبْدِيدِ خَوْفِهِ، وَإِزَالَةِ قَلَقِهِ، وَالْعَيْشِ بِرَاحَةٍ وَسَكِينَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ؛ وَذَلِكَ عَبْرَ تَدَابِيرَ شَرْعِيَّةٍ عِدَّةٍ؛ مِنْهَا:
اسْتِحْضَارُ مَعِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَهُ فَلَنْ يَخِيبَ وَلَنْ يَضِيعَ، فَيَتَبَدَّدُ خَوْفُهُ وَقَلَقُهُ؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 128]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْأَنْفَالِ:19]، وَمَا عَلَى الْمُؤْمِنِ إِلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي إِيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ وَإِحْسَانِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ لِيُحَصِّنَ نَفْسَهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالْقَلَقِ.

وَمِمَّا يُبَدِّدُ الْخَوْفَ وَالْقَلَقَ: حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى؛ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُهُ وَيُعَافِيهِ، وَيُجْلِي هُمُومَهُ، وَيُنَفِّسُ كُرُوبَهُ؛ نَالَ ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَبْطِئُ رِزْقَ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرَجَهُ مَهْمَا طَالَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «أَنَا ‌عِنْدَ ‌ظَنِّ ‌عَبْدِي بِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلَمَّا وَضَعَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّنَا هَاجَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي وَادِي مَكَّةَ، وَلَيْسَ فِيهِ طَعَامٌ وَلَا مَاءٌ وَلَا أَنِيسٌ، وَوَلَّى عَنْهَا إِلَى الشَّامِ تَبِعَتْهُ فَقَالَتْ: «آللَّهُ أَمَرَكَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ فَأَعْقَبَهَا حُسْنُ ظَنِّهَا بِرَبِّهَا سُبْحَانَهُ أَنْ فَجَّرَ لَهَا عَيْنَ زَمْزَمَ تَنْبُعُ، وَمَلَّكَهَا وَابْنَهَا أَقْدَسَ بُقْعَةٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَجَعَلَ ابْنَهَا رَسُولًا، وَجَعَلَ مِنْ نَسْلِهَا خَاتَمَ الرُّسُلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ السَّعْيَ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ تَخْلِيدًا لِذِكْرَاهَا لَمَّا كَانَتْ تَسْعَى بَحْثًا عَنِ الْمَاءِ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ مُسْلِمٌ حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ لَا يَعْرِفُ قِصَّتَهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَوَّنَةٌ فِي كُتُبِ الْمَنَاسِكِ.

وَمِمَّا يُبَدِّدُ الْخَوْفَ وَالْقَلَقَ: الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ الْأُمُورِ، وَتَدَبُّرُ مَا يَقْرَؤُهُ الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الْفَاتِحَةِ: 5]؛ أَيْ: لَا نَعْبُدُ غَيْرَكَ، وَلَا نَسْتَعِينُ إِلَّا بِكَ، وَلَنْ يَقْلَقَ عَبْدٌ أَوْ يَخَافَ اسْتَعَانَ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي أُمُورِهِ، وَلَجَأَ إِلَيْهِ فِي كُرُوبِهِ وَهُمُومِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، ‌وَاسْتَعِنْ ‌بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا اسْتَعَنْتَ ‌فَاسْتَعِنْ ‌بِاللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَمِمَّا يُبَدِّدُ الْخَوْفَ وَالْقَلَقَ: اسْتِحْضَارُ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُعَامِلُهُمْ بِمَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ، وَلَا يُعَامِلُهُمْ بِمَا هُمْ أَهْلٌ لَهُ، وَإِلَّا لَأَهْلَكَهُمْ؛ فَالْمَلَاحِدَةُ يُنْكِرُونَ وُجُودَهُ، وَالْكُفَّارُ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَالنَّصَارَى يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ جَمِيعًا وَيُعَافِيهِمْ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ لَهُ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ ‌عَلَى ‌أَذًى ‌سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا عَطَاءَهُ لِلْكَافِرِينَ بِهِ، فَكَيْفَ عَطَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَكَيْفَ يَخَافُ الْمُؤْمِنُ أَوْ يَقْلَقُ وَهُوَ يَعْبُدُ رَبًّا كَرِيمًا رَحِيمًا؟!

وَمِمَّا يُبَدِّدُ الْخَوْفَ وَالْقَلَقَ: الدَّيْمُومَةُ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ النَّوَافِلِ، وَالِاجْتِهَادُ فِي الْخُشُوعِ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ صِلَةُ الْعَبْدِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَلَنْ يَخَافَ عَبْدٌ كَثِيرُ التَّوَاصُلِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَا يَنُوبُ الْإِنْسَانَ: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 45]، وَالْأَصْلُ فِي الْإِنْسَانِ الْجَزَعُ وَالْهَلَعُ وَالْخَوْفُ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَاوِمُونَ عَلَى الصَّلَاةِ: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [الْمَعَارِجِ: 19-23].

وَمِمَّا يُبَدِّدُ الْخَوْفَ وَالْقَلَقَ: الْعِلْمُ بِأَنَّ تَخْوِيفَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ، فَلَا يَسْتَسْلِمْ لِوَسَاوِسِهِ وَنَزَغَاتِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ كَيْدَهُ ضَعِيفٌ: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النِّسَاءِ: 76]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 175]، وَلْيَدْحَرْ كَيْدَ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسَهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 98-99].

وَمِمَّا يُبَدِّدُ الْخَوْفَ وَالْقَلَقَ: الْيَقِينُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَجِّي الْمُؤْمِنِينَ فِي الشَّدَائِدِ وَالْكُرُوبِ؛ فَإِمَّا رَفَعَهَا سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ وَأَزَالَ أَثَرَهَا، وَإِمَّا رَزَقَهُمُ الصَّبْرَ عَلَيْهَا، وَالتَّعَايُشَ مَعَهَا، وَالثَّبَاتَ فِيهَا، فَيَعِيشُ الْمُؤْمِنُ فِي رَاحَةٍ وَسَكِينَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ مَهْمَا أَصَابَهُ، وَالنَّعِيمُ نَعِيمُ الْقَلْبِ، كَمَا أَنَّ الْعَذَابَ عَذَابُ الْقَلْبِ، بَلْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ نَجَاةَ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْكُرُوبِ حَقًّا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ؛ لِعَظِيمِ مَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يُونُسَ: 103]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 87-88].

وَمِمَّا يُبَدِّدُ الْخَوْفَ وَالْقَلَقَ: اسْتِحْضَارُ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ لَا يَنْفَعُونَ وَلَا يَضُرُّونَ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لَهُ سُبْحَانَهُ، فَلَا يَرْهَبُ مَخْلُوقًا مَهْمَا كَانَتْ قُوَّتُهُ وَشَرَاسَتُهُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَخْلُوقٍ وَإِنْ عَلَتْ مَكَانَتُهُ وَعَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ، بَلْ يُعَلِّقُ قَلْبَهُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُدَبِّرُ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَشْرَحَ صُدُورَنَا، وَيُزِيلَ هُمُومَنَا، وَيُوَفِّقَنَا لِمَا يُرْضِيهِ، وَيُجَنِّبَنَا مَا يُسْخِطُهُ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: دَارُ الدُّنْيَا دَارُ كَدٍّ وَكَدْحٍ وَكَبَدٍ، يَفْرَحُ الْعَبْدُ فِيهَا وَيَحْزَنُ، وَيَسْتَبْشِرُ وَيُبْلِسُ، وَيَرْجُو وَيَيْأَسُ، وَيَأْمَنُ وَيَخَافُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا دَارُ عَمَلٍ، وَلَيْسَتْ دَارَ جَزَاءٍ. وَالْخَوْفُ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ يَجِبُ أَلَّا يُسَاوِرَ الْمُؤْمِنَ؛ لِأَنَّ دَارَ الدُّنْيَا لَيْسَتْ دَارَهُ، وَيَنْتَظِرُ دَارًا أُخْرَى هِيَ قَرَارُهُ؛ فَلْيَعْمَلْ لَهَا مَا يَلِيقُ بِهَا، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ عَبَثًا، وَلَا تَنْفَعُهُ طَاعَتُهُمْ، وَلَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَتُهُمْ، وَلَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي تَعْذِيبِهِمْ وَلَا إِفْقَارِهِمْ وَلَا إِنْزَالِ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُ يُقَدِّرُ ذَلِكَ عَلَى عِبَادِهِ؛ لِيُعَاقِبَ الْعَاصِينَ، وَيَبْتَلِيَ الطَّائِعِينَ. وَالْعِبَادَةُ حَالَ الْمُصِيبَةِ وَالْكَرْبِ وَالْغَمِّ: الصَّبْرُ وَالرِّضَا وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِرْجَاعُ: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 155-157]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التَّغَابُنِ: 11].

وَإِذَا طَلَبَ الْعَبْدُ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فَفَاتَهُ أَوْ حُجِبَ عَنْهُ؛ فَلْيُوقِنْ أَنَّ اخْتِيَارَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَحْسَنُ مِنَ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا صَرَفَهُ عَمَّا يُرِيدُ إِلَّا رَحْمَةً بِهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنْ أَغْلَقَ بَابًا مِنَ الدُّنْيَا عَنْ عَبْدِهِ فَتَحَ لَهُ أَبْوَابًا أُخْرَى أَكْثَرَ نَفْعًا لَهُ، وَأَقَلَّ ضَرَرًا عَلَيْهِ؛ فَلْيَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَلْيُوقِنْ بِهِ. وَإِذَا رَأَى الْعَبْدُ الْمَنَايَا تَتَخَطَّفُ النَّاسَ فِي حُرُوبٍ أَوْ أَوْبِئَةٍ، وَأَنَّ الشَّدَائِدَ تُحِيطُ بِهِمْ جَرَّاءَ ذَلِكَ؛ فَلَا يَخَفْ وَلَا يَجْزَعْ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا وَحِكْمَةً، وَمَا قَدَّرُهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا لِخَيْرٍ يُرِيدُهُ بِهِمْ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَجْهَلُونَ.

وَلْيَطْمَئِنَّ الْمُؤْمِنُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْقَدَرُ بِيَدِ الْخَلْقِ لَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِلْإِنْسَانِ الظَّلُومِ الْجَهُولِ، وَلْيَتَذَكَّرْ أَنَّ الْآجَالَ مَضْرُوبَةٌ، وَأَنَّ الْأَرْزَاقَ مَقْسُومَةٌ، قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الْبَشَرُ؛ فَلَا يَجْزَعْ مِنْ رِزْقِهِ، وَلَا يَشْغَلْ فِكْرَهُ فِي أَجَلِهِ؛ فَذَلِكَ كُلُّهُ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي إِلَيْهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ؛ فَلْيَعْمَلْ فِي دُنْيَاهُ مَا يَجْلِبُ لَهُ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ فِي آخِرَتِهِ، وَمَنِ اجْتَهَدَ فِي تَقْوِيَةِ إِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ نَعِمَ بِسَعَادَةِ الْقَلْبِ وَرَاحَتِهِ مَهْمَا أَصَابَهُ: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 82].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.58 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]