فضل العلم ومنزلة العلماء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1184 - عددالزوار : 133280 )           »          سبل تقوية الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إقراض الذهب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          حكم المصلي إذا عطس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          فقه الاحتراز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          سُنّة: عدم التجسس وتتبع عثرات الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          القراءة في فجر الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الصلاة قرة عيون المؤمنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          إلى القابضين على جمر الأخلاق في زمن الشح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الأخوة في الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-05-2025, 08:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,887
الدولة : Egypt
افتراضي فضل العلم ومنزلة العلماء

فضل العلم ومنزلة العلماء

خميس النقيب

الحمد لله الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، العليم الذي لا ينسى من ذكره، والكريم الذي لا ينقص من شكره، والمجيب الذي لا يُخيب من دعاه، والمُعطي الذي لا يقطع من رجاه، والهادي الذي لا يضل من هداه.

الحمد لله الرحمن، علَّم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، الحمد لله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأمدَّه بالفهم وأحاطه بالتكريم، سبحانه، رفع شأن العلم فأقسم بالقلم: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ [القلم: 1]، وامتنَّ على الإنسان فعلَّمه ما لم يكن يعلم: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113].

سبحانه القاهر فوق عباده فلا يُمانع، والظاهر على خلقه فلا يُدافع، الآمِر بما يشاء فلا يُراجع

سبحانه ما ذُكِر اسمه في قليل إلا كثَّره، ولا في همٍّ إلا فرَّجه، ولا في كرب إلا كشفه، تُكشف به الكربات، وتُستنزل به البركات، وتُقبل به القُربات، وتُغفر به الذنوب والسيئات؛ ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 135]، سبحانه! به أُنزلت الكتب، وبه أُرسلت الرسل، فسبحان الله ما أحكمه! سبحان الله ما أعدله! سبحان الله ما أعظمه! سبحان الله ما أعلمه! وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ندَّ له، ولا مِثل له، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علِم سرَّه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه؛ ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء: 227].

ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدُالله ورسوله، اعتزَّ بالله فأعزَّه، وانتصر بالله فنصره، وتوكَّل على الله فكفاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وِزْرَه، ويسَّر له أمره، ورفع له ذكره، وذلَّل له رقاب عدوه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليك يا رسول الله، وعلى أهلك وصحبك، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قدر المعلم العالم:
فضل العلم:
أيها المسلمون: العلم نور يضيء للإنسان طريقه، ويهديه صوابه، ويبلغه رشده، ومن ثَم يتعرف على كيفية التعامل اجتماعيًّا ودينيًّا، واقتصاديًّا وسياسيًّا، والعلم يُعد أساسًا لتطور البلاد، وتثقيف العباد، ورقي الأمم، وبلوغ القمم، فيه تخرج الأمم من الظلام إلى النور، ومن الترح إلى الفرح، ومن العسر إلى اليسر، ومن الضيق إلى الفرَج، ومن التخلف إلى التقدم، تُرفع راياتها، وتبلغ غايتها، وتحقق أهدافها.

إن أول كلمة نزلت في القرآن: ﴿اقْرَأْ [العلق: 1]، وآخر ما نزل من القرآن: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة: 281]، وبينهما ثلاث وعشرون سنة، إذًا العلم النافع يؤدي إلى التقوى، وأي علم لا يؤدي إلى التقوى فهو علم فاسد، علم خاسر، كما أن التقوى تقود إلى العلم النافع، كيف؟ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 282].

العلم مطلوب ومرغوب؛ قيل: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد.

عباد الله: بيت يتشرف به كل فضل، وتتزين به كل مدرسة، ويتعطر به كل محراب، وتتقلد به كل جامعة، ويفخر به كل معلم:
قم للمعلم وفِه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا

بيت من الشعر، لم يأتِ من فراغ، فقد كان الرسول الكريم والنبي العظيم هو المعلِّم الأول من البشر: كيف؟ عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لم يبعثني معنِّتًا ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلِّمًا ميسرًا))؛ [رواه مسلم]، وقال ربنا: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة: 2]، لكن الذي علَّم الأنبياء والملائكة هو الله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة: 31].

العلم النافع، كيف يتحقق؟
أيها المسلمون: عندما تسوء الأخلاق، وتضيق الأرزاق، وتضيع الأذواق، وتضل الأسواق، فالأمة في حاجة ماسَّة إلى معلم من الطراز الرفيع، وإلى علم نافع، يعيد للمجتمع الأخلاقَ الحسنةَ، والآداب الرفيعة، والقِيَمَ العالية، ولن يتحقق ذلك إلا بأمرين مهمين:

أولا: النبع الصافي، والدواء الشافي، والعلم الكافي، كيف؟
﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [آل عمران: 164].

ثانيًا: المنهج القويم، والدستور الحكيم، والصراط المستقيم: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزمر: 23].

يعمل العلم على تربية النفس الإنسانية، وتنقيتها، وتطهيرها، وتخليصها من الأخلاق والصفات الرذيلة، ويقوِّم سلوكها، ويعدل عقيدتها، فتعرف خالقها، تتبع أوامره، وتجتنب نواهيه، فتصبح لبِنة صالحة في خير أمة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110].

بين العلم والجهل:
عباد الله: ديننا الحنيف جعَل العلماء ورثة الأنبياء، وجعل فضلَ العالم يفوق فضل العابد بقدر المسافة بين الأرض والسماء.

قال لقمان الحكيم: "يا بُنيَّ، من جالس العلماء علِم، ومن قلَّ كلامه دامت عافيته".

وقال أبو زيد المقرئ الإدريسي: "القراءة أُمة، والأمة هرم، قاعدته القارئون، ووسطه المثقفون، وأعلاه العلماء والمخترعون".

لذلك فإن رأس مالِك هو علمك، ونور عقلك هو علمك، وضياء روحك هو علمك، وعدوَّك هو جهلك، والجهل يحتاج إلى إفاقة وصحوة وموعظة، كيف؟ ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود: 46].

والغافلون عطَّلوا نِعَمَ الله تعالى، فجهلوا العلم حتى غفلوا عن أسماء الله الحسنى التي تُمِدُّ الإنسان بالإيمان والطاعة، والثقة واليقين، كيف؟ ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 179، 180].
والعلم بحره واسع، كلما شربت منه شعرت بالظمأ!

العلم ميدان تنافسٍ، العلم النافع والعمل الصالح، جناحا المؤمن يطير بهما حيث يشاء، ولا سعادة له إلا بهما، فمن رزقهما فقد تمتع بالنجاح والفلاح، ومن حُرمهما فقد حاز الخيبة والخسران.

وما قامت السماوات والأرض إلا بالعلم، وما أُرسلت الرسل، وما أُنزلت الكتب، وما فُرضت الفرائض إلا من أجل العلم، وما فُضِّل الإسلام على غيره، وما عُبد الله ولا عُرف الإيمان من الكفر، إلا به.

بالعلم تُبنى الحضارات، وتُرفع المنارات، ويتحقق الإبداع؛ لذلك كانت أهمية العلم وفضل العلماء.
تعلَّم فليس المرء يُولَد عالمًا
وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ
لا تحسبن العلم ينفع وحده
ما لم يُتوَّج ربُّه بخلَاقِ
فإذا رُزقت خليقة محمودة
فقد اصطفاك مُقسِّمُ الأرزاقِ


خَيريَّةُ الأُمَّةِ:
أيها المسلمون عباد الله: إن الخيرية فيمن علم القرآن (المنهج)، وفيمن تعلم القرآن، كيف؟ ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه))؛ [رواه عثمان بن عفان في الصحيحين].

لماذا القرآن؟ فيه الفَلَاح والنجاح، وهو تبيانٌ لكل شيء، القرآن يعِزُّ ويعظم من يتعامل معه، ليلة القدر نزل فيها القرآن، فكانت خيرَ ليلةٍ، وشهر رمضان أنزل فيه القرآن، فكان خير شهر، جبريل عليه السلام نزل بالقرآن، فكان خير الملائكة، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن، فكان خير الأنبياء، أمة محمد نزل لها القرآن، فكانت خير أمة، كيف؟ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110].

التحرك والتبليغ مهم: ((بلغوا عني ولو آيةً))؛ [رواه البخاري].
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [الأحزاب: 39].

العلماء كالنجوم في السماء:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن مَثَلَ العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء؛ يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضِلَّ الهُداة))؛ [رواه أحمد].

قال أبو مسلم الخولاني: "إنما الناس مع العلماء مثل النجوم في جو السماء، إذا ظهرت لهم اهتدَوا، وإذا خفِيت عليهم تحيَّروا".

وقيل: "من صاحب العلماء وُقِّر، ومن جالس السفهاء حُقِّر"، وقيل: "جالِسِ العلماء فإن أصبتَ حمدوك، وإن أخطأت علَّموك، وإن جهِلت لم يعنِّفوك، ولا تجالس الجهَّال، فإن أصبتَ لم يحمَدوك، وإن أخطأت لم يعلموك، وإن جهلت عنَّفوك، وإن شهدوا لك لم ينفعوك".

اللعنة تطارد الجهل والجاهلين:
عباد الله: العزوف عن العلم يوجب اللعنة، كيف؟ ((الدنيا ملعونة، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالمًا، أو متعلمًا))؛ [ابن ماجه، والترمذي، وحسنه].

وكما قيل: كن عالمًا أو متعلمًا ولا تكن الثالث؛ فتهِلك.

العلم هو المصباح الذي ينير دروب الحياة، ويُخرج الإنسان من حصون الجهل والظلام إلى شموس النور والضياء، وما نهضت أمة إلا بالعلم، وما تقدمت أمة إلا بإخلاص معلميها، وتفاني علمائها.

إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك، فقُل: بئس الملوك، وبئس العلماء، وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء، فقل: نعم الملوك، ونعم العلماء.

لقد شرَّف الله العلم وأهله، وجعل العلماء منارةً يُهتدى بهم، وأكرمهم بالسمو والتمكين، كيف؟ ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9].

الأنبياء والعلم:
أيها المسلمون: فضل العلم كبير، وقدر العلماء كبير، كيف لا، وقد طلب سيدنا موسى عليه السلام من العبد الصالح صحبته لغرض التعلم؟ قال ربنا: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [الكهف: 65، 66].

كان تابعًا متواضعًا عليه السلام؛ لذا فقد أُوتِيَ نور العلم: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [القصص: 14].

كيف لا، وقد زيَّن الله تعالى بالعلم نبيه الكريم ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب عليهما السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 22]؟

كيف لا، وقد قال تعالى عن سيدنا داود وولده سليمان عليهما السلام: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل: 15]؟

كيف لا، وقد تفضَّل الله تعالى على نبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113]؟

كيف لا، ولم يؤمَر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بطلب الزيادة في شيء كالعلم؟ قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114].

كيف لا، ولمجالس العلم شرف عظيم؟ ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السَّكِينة، وغشِيَتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))؛ [مسلم].

كيف لا، وللذين يبتغون العلم فضل واسع عميم؟ ((من سلك طريقا يبتغي فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لَتضع أجنحتها لطالب العلم؛ رضًا بما يصنع، وإن العالم لَيستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضلُ العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر))؛ [أبو داود، والترمذي، وابن حبان في صحيحه بسند حسن].

أهل العلم هم أهل الشرف والرفعة:
أيها المسلمون، أهل العلم حازوا الشرف العظيم، واستحقوا المنزلة الرفيعة، كيف لا وقد قال ربنا: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]؟

قال سفيان الثوري: "أرفع الناس منزلة من كان بينه وبين الناس عبادة؛ وهم الأنبياء والعلماء".

كيف لا، وأهل العلم هم أهل الصراط المستقيم؟ قال سيدنا إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا [مريم: 43].

كيف لا، وأهل العلم هم أهل البصائر يرَون ما لا يراه الناس؟ وقد قال أهل العلم في زمن قارون: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص: 80].

كيف لا، وأهل العلم هم أهل الخشية من الله تعالى؟ تتحقق خشية الله عندما يتبع الإنسان طريق العلم، فكلما زادت المعرفة عند الإنسان، زادت خشيته من الله، كيف؟ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28].

كيف لا، وأهل العلم هم أهل الشهادة مع مولاهم والملائكة الكرام؟ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18].

كيف لا وأهل العلم هم أهل الإيمان؟ ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7].

أصناف العلماء:
عباد الله: كان العلماء الربانيون يصدحون بالحق، لا يقولون إلا حقًّا، ولا يعملون إلا حقًّا، ولا تأخذهم في الحق لومة لائم، فحفِظوا للعلم هيبته وسلطانه، وحفِظوا للدين نضارته وسريانه، وحفظوا للوطن كرامته ولمعانه، وإذا استشارهم الحاكم العادل شاوروه، وإذا طلب نصحًا بذلوه، وإذا توعَّدهم الظالم، ثبتوا على الحق، وجهروا به، ومن ثَم عارضوه.

علموا أن الله خصَّهم دون سواهم بعلمٍ علمه إياهم، وحملهم أمانة، فحفظوا عهد الله ببيان ما ولاهم إياه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187].

وهناك صنف آخر يكتمون العلم يستحقون اللعنات، كيف؟ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159].

صنف ثالث: على العكس من ذلك آتاهم الله علمًا، لكنهم يداهنون به السلطانَ الجائر، ويُجاملون به الحاكم المستبدَّ، وينافقون به المسؤول الظالم، يتملَّقونه من أجل مكانة أو منزلة، يوافقون هوى السلطان، ومراد الحاكم، ورغبة المسؤول، مثل هؤلاء كانوا سببًا في سقوط هيبة العلم والعلماء، وخراب الأرض، وغضب السماء، فلا يستوي أبدًا من كان معتزًّا بدينه، رافعًا به هامته، يدافع عنه في كل محفِل ومجمَع، ومن نكَّسه وتذلَّل به، واشترى به لُعاعة من الدنيا، هذه الفئة ما برحت تُعين على الباطل وتروِّج له، بالصد عن سبيل الله وتحريف الكلم عن مواضعه، وقطع الطريق التي تصل الناس برب الناس، التي جعلها حكَّام السوء في كل زمان مَطِيَّةً لتزيين الشهوات وتبرير المنكرات، يبغونها عوجًا: ﴿لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [آل عمران: 99].

قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((من طلب العلم ليُجاري به العلماء، أو ليُماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار))؛ [رواه الترمذي، وابن ماجه]، وفي رواية لابن ماجه: ((لا تعلموا العلم لتُباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيَّروا به المجالس، فمن فعل ذلك، فالنارَ النارَ)).

وقال عليٌّ رضي الله عنه: "يا حمَلةَ العلم، اعملوا به؛ فإن العالم من عمِل بما علِم، فوافق عمله علمه، وسيكون أقوام يتعلمون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقًا، فيباهي بعضهم بعضًا، حتى إن الرجل لَيغضب على جليسه إذا جلس إلى غيره وتركه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله عز وجل".

مَثَلٌ لهؤلاء الأصناف الثلاثة:
ولقد ضرب المصطفى صلى الله عليه وسلم مثلًا لطلاب العلم، وأحوالهم في الاستفادة مما تعلموا؛ فقال: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا؛ فكان منها نقية قبِلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادبُ أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس؛ فشربوا وسَقَوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان، لا تُمسِك ماءً، ولا تنبت كلأً؛ فذلك مثلُ من فقِه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به))؛ [متفق عليه].

العلم في فلسطين:
أيها المسلمون: غزة كانت وستظل أكبر من مدينة، أكبر من مدرسة، أكبر من جامعة، إنها أستاذة العالم، والكل يطوي ركبتيه في حضرتها ليتعلم منها.

أكثر من مئات الأطفال والفتيان حفظوا كتاب الله وهم تحت القصف، يصنعون ترسانة بدائية أوقفت العالم على قدميه، كانت مدارس غزة قبل العدوان الأخير غايةً في التألق والإبداع، رغم ضعف الإمكانات وبساطة الأدوات، يعرفون فضل العلم ومنزلة العلماء؛ لذلك علَّمت الدنيا أنَّ من يرِد يستطِع، وأن الإرادة أقوى من العتاد، وأن العزيمة أمضى من التكنولوجيا، وأن الأمر لا يتعلق بالإمكانيات، وإنما بالإرادة والعزيمة، فإذا وُجِدا تحققت على إثرهما المعجزات، وأصبح المستحيل متاحًا، والسراب موجودًا، علَّمتِ العالم أن الشدة تربي، وأن الصعوبة تصقل، وأن الأطفال يكبرون قبل أوانهم.

جامعات غزة علَّمت الدنيا أن النساء بالعزيمة والإرادة، والشجاعة والإيمان العميق يمكن أن يصبحن خنساوات يُشْبِهْنَ الصحابيات صبرًا وفداءً، شجاعة وإقدامًا، تفانيًا لله، والرجال حين تطحنهم الأيام يصبحون جبالًا من الصبر والإيمان، بل تطيش الجبال ولا يطيشون.

اللهم انصرهم على أعدائك وأعدائهم، اللهم أغننا بالعلم وزينا بالحِلْم، وأكرمنا بالتقوى وجمِّلنا بالعافية.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 98.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 96.78 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]