الشوق العميق للبيت العتيق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 371 - عددالزوار : 155213 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كيفية حذف صفحة Word فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          خطوات.. كيفية إعادة ترتيب الأزرار وتغيير حجمها في مركز التحكم بـiOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          يوتيوب يقدم الآن رموز qr لمشاركة القنوات.. كيف تحصل عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          تعملها إزاى؟.. كيفية إضافة صفحات متعددة إلى مركز التحكم بأيفون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيف تضاعف المسافة فى صفحة Word فى 4 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          اختصار جديد بواتساب يضع علامة على الكل كـ"مقروء" لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-05-2025, 08:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,549
الدولة : Egypt
افتراضي الشوق العميق للبيت العتيق

الشوق العميق للبيت العتيق

الشيخ عبدالله محمد الطوالة

الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الذي أنزلَ برحمته آياتِ الكتابِ، وأجرى بعظمته شتاتَ السحابِ، وهزمَ بقوته جموعَ الأحزابِ، ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد:41].. وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، الكريمُ التواب، العظيم الوهّاب، ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة:269].. وأشهد أن محمدًّا عبدهُ ورسولُه الْمُنيبُ الأواهُ الأوّاب.. صلى الله وسلم وبارك عليه وعـلى جميـعِ الآلِ والأهـلِ والأصـحـابِ، والتابعين وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم المآبِ، وسلَّم تسليماً كثيراً..

أمَّا بعدُ: فأوصيكم أيُّها النَّاسُ ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ، واغتنموا السّاعات، وسارعوا في الخيرات والمكرمات، واحذروا الغفلاتِ فإنَّها دركاتٌ.. الأيامُ قوافِلٌ، والحياةُ مراحِل، وجميعُنا عن هذه الدنيا راحِلٌ وابن راحِل، فأينَ المتبصِّرُ وأين العاقلُ: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيل ﴾ [يونس:108]..

معاشر المؤمنين الكرام: الحجُّ إلى بيت اللهِ الحرام، رِحلةٌ إيمانيةٌ فريدة، ينطلقُ فيها المؤمنُ بروحه ومشاعره، وبقلبهِ وقالبهِ، شوقاً إلى الله، وتلبيةً لنداء خالقهِ ومولاه، وسعياً لنيل محبتهِ ورضاه، وتعظيماً لشعائر الله، فما أروعَها من رحلة، وما أعظمَها من شعائر، وما أصدقها من مشاعر.. رحلةٌ جمعت بين شرفِ الزمان، وشرفِ المكان، وشرفِ الأعمالِ، فيا لجلال الموقف، ويا لروعة الحال..

وأعظم ما في تلك المشاعر المقدسة، زيارة بيت الله العتيق، كعبته المشرفة.. أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴿ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران:97].. قبلةُ المُسلمين، وأولُ بيتٍ تُشدُّ الرِّحالُ إليه من كل فجٍّ عميق.. صلاةٌ فيه تعدِلُ مائة ألف صلاةٍ فيما سواه، بنَاهُ إبراهيمُ عليه السلام تلبيةً لأمرِ الله، ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:127]..

فتأمَّل أخيَّ الكريم: تأمل حالَ خليل الرحمن, وهو يمتثلُ أمر ربه ويبني بيته، ثم يدعُو ربَّه مُتضرِّعًا أن يتقبَّل الله منه هذا البناء؛ لتتعلَّم منه أنّ كلُّ عملٍ صالِحٍ يفتقِرُ إلى الإخلاص وحضورِ القلبِ والدعاءِ والتضرعِ أن يتقبَّلهُ الله بقبولٍ حسن..

الكعبةُ المشرفة: وِجهةُ المسلمينَ في كل أحوالهم، ومُختَلفِ عباداتهم، قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم: «البيتِ الحرامِ قبلتِكُم أحياءً وأمواتًا» والحديث حسنه الألباني.. والشوقُ إلى البِقاع الطاهرةِ مركوزٌ في قلبِ كل مسلمٍ موفق، والحَنينُ إلى الديار المقدسةِ يسوقُ النفوسَ ويشدُّها إلى البلدِ الأمين، لا يرتوون منه شوقاً، ولا يقضُون منه وطَرًا، حتى يُعاودهم الحنين إليه من جديد، فيثوبون إليه مرةً بعد أخرى.. وهذا ما ذكره الله بقوله: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة:125].. وقال تعالى في دعاء إبراهيم عليه السلام: ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم:37]..

ومن أبرز ما تتجلَّى فيه وحدةُ الأمة: وحدةُ مناسِكها، حيثُ ترى الوحدةٌ في الأقوال، وفي الأفعال، وفي الشعائِر، وفي المشاعِر؛ وحيث تجتمعُ القلوبُ حول بيت اللهِ المعظم، تتقارَبُ الأجسادُ، وإن اختِلفِت الأجناس والبلدان، وتباينت الألسُن والألوان، يلبسون زيًّا واحداً، ويجأرون بنداء واحدٍ، في وقتٍ واحد، فهي وِحدةٌ في الهدف ووحدة في الأسلوب.. لتتآلَفَ الكلمة، وتزكو النفوس، وتتطهُر القلوبُ، وتتوحَّد الصفوفُ، ويجتمع الشملُ.. إنه مشهَدٌ يغرِسُ في النفسِ مفهومَ الأمةٍ الواحدة والجسَد الواحِد ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون ﴾ [الأنبياء:92]..

والكعبةُ إخوةُ الإسلام.. مركزُ الأرض، قال تعالى: ﴿ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [الشورى:7].. فهي المركز وبقيةُ البلدان من حَولَها؛ فهي مطافُ الحياةِ كلِّها، ومنها (شرَّفها الله): يُستلْهَمُ ثباتُ المنهجِ، ورُسوخَ المبدأ، وصفاءُ العقيدة، ووضوح الهدفِ، وليصطحبَ المسلم معه هذه المعانِي السامية، خلال أدائهِ لهذا المنسك العظيم, والاجتماع الكبير؛ بل وفي كل صلاةٍ يصليها مع إخوانه المسلمين.. فما أروع هذه الشعائر، وما أعظمَ ما تبنيه في نفوس المؤمنين من شعورٍ ومشاعر..

فالحجُّ أيها الكرام: ليس مجردَ انتقالٍ من مكانٍ إلى مكان، بل هو انتقالٌ من حالٍ إلى حال، ومن حياةٍ إلى حياة، ومن غفلةٍ إلى يقظة، ومن شتاتٍ إلى صفاء، ومن قيد الهوى إلى حرية الطاعة..

الحجُّ مدرسةٌ إيمانيةٌ كبرى، تُعلِّمُ المسلمَ الانقيادَ والطاعة، وتغرسُ فيه كريمَ الاخلاقِ والفضائل، كالصبر والعَفوِ والتسامح، وبذلِ المعروف، والتواضعِ والشعورِ بالمساواة.. وغيرها من الصفات الجميلة، والأخلاق الكريمة، ﴿ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ... ﴾ [البقرة:197]..

وكلُّ هذا مما يجعلُ للأمة إنفراداً وخُصوصيَّةً وتميزاً، وشخصيةً مستقلة، يُكسِبُها بفضل الله العزَّةَ والكرامةَ وعلوَّ الشأن.. فهي أمةٌ مميزة، تسودُ وتقود، ولها شخصيتها المستقلة، ولها مُعتقَداتها وقيمها ومبادِئُها الخاصة، ولها منهَجُها الفريد، قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة:48].. ولذلك فهي حين تتّابع غيرها تنسلخُ من هذه الشخصية الخاصة، وتفقِدُ هويَّتها الربانية، فتعيشُ تابعةً لا متبوعةً، مقودةً لا قائِدة.. والكعبةُ شرَّفها الله: موطِنٌ باركَ الله فيه بنص كتابه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا ﴾ [آل عمران:96].. ومن بركته: ﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [القصص:57].. ومن بركته: دوامُ العبادة فيه على مدار الساعة وعدم توقفِها، ومن بركته: مغفرةُ الذنوب، ومضاعفةُ الأجور، وكثرةُ الخير، في صحيح البخاري: "مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ".. وسمّى الله هذا البيتُ بالعتيق؛ لأنه سبحانه أعتقَهُ من تسلُّط الجبابِرة والكفَّار, فلا يصِلُون إليه إلى قيام الساعة بإذن الله..

وبعدُ: فهذا بيت الله، وتلك مكّةُ المكرَّمة: أحبُّ البقاع إلى الله، مهبِطُ الوحي ومهوى الأفئده، مِن هناكَ شعّ نورُ الهدى، وانطلَقَت رسالةُ التوحيدِ.. حتى عمَّت أرجاءَ الدنيا، وغيّرتِ معالم العالم، وأرسَت أعظم وأعدلَ وأفضلَ حضارةٍ عرَفها التاريخ، فهي مركَز العالم, ورَمز وحدةِ المسلمين, ومَصدَرُ النور للعالمين، بها ولد أشرفُ الخلق صلى الله عليه وسلم.. وعلى رُباها نشأ وترعرع، المصطفى الأمين، وفي بقاعها نزل جبريل عليه السلام بالوحي والهدى المبين، ومن على جبلِ الصّفا صدَع المصطفى.. ليُسمِعَ الدنيا رسالة السماء..

مكةُ المكرمة.. حيث وقف النبيّ صلى الله عليه وسلم أمامَ الكعبةِ المشرفة ليقرّرَ مبادئ الدّين العظمى، وليرسُم نهجَ الإنسانية الأرقى، وليعطي الإنسانَ حقوقاً عجزَت عن تحقيقِها كلُّ حضارات الدنا..

مكةُ المكرمة.. كم اشتاقت لبَطحاها النفوس، وهفت لرُباها القلوب، وتاقت للقياها الأرواح، وهوت لبيتها المعظم الأفئدة، كم من متأوهٍ متحسِّرٍ، يتمنَّى رؤيةَ وادي محسِّر، وكم من حالمٍ بالمنى، يهوى الوقوف بعرفة والمبيتَ بمِنى..

فهنيئًا لكل من نوى زيارةَ بيت اللهِ المعظّمِ ومشعرهِ الحرام، وبقيةَ البقاعِ المقدسة، هنيئًا له شرفُ الزمان وشرف المكان، وشرفُ الأعمالِ، هنيئاً له ضيفاً كريماً على الرحمن، وزائراً عزيزاً بين أهله وإخوانهِ من سائر الأوطان، فيسّر الله مسيره.. وسهل الله سبيله، وجعل حجهُ حجّاً مبرورًا, وسعيَهُ سعيا مشكورًا, وذنبهُ ذنباً مغفوراً، وحفِظهُ من كلِّ مكروه، وردهُ إلى أهله سالماً غانماً مسروراً مأجورا..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج:27]..

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده اللذين اصطفى..

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب..

معاشر المؤمنين الكرام: تمر السنون، وتتوالى القرون، ووفود الرحمن يتزايدون, في لقاءٍ إيمانيٍ مهيب، واجتماع سنويٍ عجيب، يقدمون من أماكنَ بعيدة، وبلدانٍ نائية، ومن كل فجٍّ عميق، وبأعدادٍ هائلة.. استجابةً لله تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج:27].. فيأتون مُلبين للدعوة: (لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك).. والعجبُ يا عباد الله: أنهم يأتونَ من أقاصي الدنيا وأطرافها النائية، تاركينَ بلادهم ذات الطبيعةِ الخلابة، والمناظر الجميلة، والجو العليل، يقطعون مسافاتٍ هائلة، ويتكبدون مشاقَ كثيرة، ويبذلونَ الغالي والنفيس، تتقطَّعُ نفوسُهم شوقاً ورغبةً إلى بلادٍ ذات طبيعةٍ قاسية، وحرارةٍ مُرتفعة، جبالٌ سوداء، وأرضٌ قاحلةٌ جرداء، وأوديةٌ مُقفرة، لا زرعَ فيها ولا ماء.. فإذا بدأوا في أداء المناسك، رأيتهُم في قمّة السعادةِ والرضا، يترقبونَ بكل شوقٍ ولهفة, متى ينتقلون من شعيرةٍ إلى أخرى، ومن مكانٍ لآخر، وحين يُسألونَ عن مشاعرهم، ترى عبراتِهم تُسابقُ عِباراتهم.. وتراهُم يستعذبونَ المشقةَ والتعب، ولا يبالون بحرٍّ ولا نصب.. إنهُ يا عباد الله: سرٌّ من أسرار الحجِّ.. يقولُ علامة الهند الإمام الدهلوي: "ربما يشتاقُ الإنسانُ إلى ربه أشدَّ الشوقِ, فيحتاجُ إلى شيءٍ يُترجِمُ به شوقهُ فلا يجدُ إلا الحجّ".. فيا من تيسرت له السبل، وانفتح أمامه الطرق، هذا ربك يستزيرك فحيّ على زيارته، ولا تتردد فتحرم يومَ يربحُ المجدّون، وتندمُ يومَ يكرّمُ الفائزون، فإذا رأيت مقامهم غدًا قلت: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا.. في الحديث الصحيح: أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم قال: قال اللهُ: (إنَّ عبدًا أصحَّحْتُ له جسمَه، ووسَّعْتُ عليه في المعيشةِ، يمضي عليه خمسةُ أعوامٍ لا يفِدُ إليَّ لَمحرومٌ).. وفي الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: "تابِعوا بين الحجِّ والعمرةِ, فإنهما يَنفيانِ الفقرَ والذنوبَ, كما ينفي الكيرُ خبَثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ, وليس للحجَّةِ المبرورةِ ثوابٌ إلَّا الجنةُ" وفي حديثٍ حسن، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أراد الحجَّ فلْيَتَعَجَّلْ، فإِنَّهُ قد يَمْرَضُ المريضُ، وتَضِلُّ الضالَّةُ، وتعرِضُ الحاجَةُ"..

فاتقوا الله عباد الله, وبادروا بالأعمال الصالحة في هذه الإيام المباركة، واستبقوا الخيرات وتعرضوا للنفحات، فلعل نظرة من الرحيم الرحمان توجب لكم المغفرة والرضوان، وترفع منازلكم في أعالي الجنان..

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَاب ﴾ [البقرة:197]..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

اللهم صل على محمد...




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.62 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]