أخلاقيات القيادة وواجبات المسؤول - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1009 - عددالزوار : 122913 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 121 - عددالزوار : 77573 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 62 - عددالزوار : 48998 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 191 - عددالزوار : 61486 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 76 - عددالزوار : 42877 )           »          الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن الظلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          تجديد الحياة مع تجدد الأعوام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المرأة بين حضارتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          رجل يداين ويسامح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-05-2025, 11:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,564
الدولة : Egypt
افتراضي أخلاقيات القيادة وواجبات المسؤول





أخلاقيات القيادة وواجبات المسؤول

محمود الدوسري


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ التَّنَاقُضَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَامَةٌ لِسُقُوطِ الْمَسْؤُولِ، فَالرَّئِيسُ الَّذِي يَتَحَدَّثُ عَنِ الْأَمَانَةِ – وَهُوَ يَسْرِقُ، وَالَّذِي يَطْلُبُ مِنَ الْعَامِلِينَ مَعَهُ الِالْتِزَامَ بِالْعَمَلِ – وَهُوَ آخِرُ مَنْ يَحْضُرُ؛ يَمْحُو بِتَصَرُّفِهِ عَشَرَاتِ الْأَقْوَالِ الْفَاضِلَةِ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. وَقَدْ قِيلَ: مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ تَصْحِيحَ أَخْطَاءِ نَفْسِهِ، فَلَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُقَوِّمًا لِأَخْطَاءِ الْآخَرِينَ.

فَالْمَسْؤُولِيَّةُ عَظِيمَةٌ، وَالْمَنَاصِبُ أَمَانَةٌ، وَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، وَكُلُّ رَئِيسٍ سَيُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ أَمَانَتِهِ الَّتِي وُكِلَتْ إِلَيْهِ، وَعَنْ مَرْؤُوسِيهِ؛ قَالَ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْحِجْرِ: 92-93]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌كُلُّكُمْ ‌رَاعٍ ‌وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَمِنْ أَهَمِّ أَخْلاَقِيَّاتِ الْقِيَادَةِ وَوَاجِبَاتِ الْمَسْؤُولِ[1]:
1- أَدَاءُ الْأَمَانَةِ: قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [الْمَعَارِجِ: 32]. الْمَنْصِبُ أَمَانَةٌ وَمَسْئُولِيَّةٌ كُبْرَى، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمَسْؤُولِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ فِي الَّذِينَ يَعْمَلُونَ تَحْتَ رِئَاسَتِهِ؛ فَيَحْفَظَ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَلَا يُكَلِّفَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلَا يَسْتَغِلَّهُمْ لِخِدْمَتِهِ، وَيُحَافِظَ عَلَى الْأَمْوَالِ وَالْأَسْرَارِ وَالْمُمْتَلَكَاتِ الْمُؤْتَمَنِ عَلَيْهَا، وَلْيَعْلَمْ بِأَنَّ الْمَنَاصِبَ تَكْلِيفٌ لَا تَشْرِيفٌ، وَلَا تَدُومُ؛ بَلِ الْعُمْرُ يَفْنَى، وَسَيُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

2- التَّوَاضُعُ: فَالرَّئِيسُ النَّاجِحُ هُوَ مَنْ يُظْهِرُ التَّوَاضُعَ وَاللِّينَ، وَلَا يَتَكَبَّرُ عَلَى أَحَدٍ، وَيَسْتَسْلِمُ لِلْحَقِّ، وَيَتَوَاضَعُ لِلْخَلْقِ، وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا فِي رَأْسِهِ حَكَمَةٌ[2] بِيَدِ مَلَكٍ[3]؛ فَإِذَا تَوَاضَعَ[4] قِيلَ لِلْمَلَكِ: ارْفَعْ حَكَمَتَهُ[5]، وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلْمَلَكِ: ‌دَعْ ‌حَكَمَتَهُ[6]» حَسَنٌ – رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي "الْكَبِيرِ". وَالنَّاسُ تُبْغِضُ الْمُتَكَبِّرَ، فَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِلِاعْتِذَارِ – عِنْدَ الْخَطَأِ.

تَوَاضَعْ ‌تَكُنْ ‌كَالنَّجْمِ لَاحَ لِنَاظِرٍ ** عَلَى صَفَحَاتِ الْمَاءِ وَهْوَ رَفِيعُ[7]

3- الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْمَالِ، وَالتَّنَزُّهُ عَنِ الْحَرَامِ: فَلَا يُتَّخَذُ الْمَنْصِبُ مَطِيَّةً لِنَيْلِ الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ؛ بِالتَّحَايُلِ، أَوِ النَّهْبِ، أَوِ السَّلْبِ، أَوِ الْغَصْبِ، أَوِ الرِّشْوَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ[8]» (صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ). قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ سَبِيلُهَا سَبِيلَ سَائِرِ الْهَدَايَا الْمُبَاحَةِ، وَإِنَّمَا يُهْدَى إِلَيْهِ لِلْمُحَابَاةِ، وَلِيُخَفِّفَ عَنِ الْمُهْدِي، وَيُسَوِّغَ لَهُ بَعْضَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِيَانَةٌ مِنْهُ، وَبَخْسٌ لِلْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ اسْتِيفَاؤُهُ لِأَهْلِهِ)[9].

4 حُسْنُ التَّصَرُّفِ: فَالرَّئِيسُ الْكَيِّسُ لَدَيْهِ الْقُدْرَةُ عَلَى إِصْدَارِ الْقَرَارِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْلِيلِ الْمَوْقِفِ، وَالْوَعْيِ بِالْعَوَامِلِ الْمُؤَثِّرَةِ فِيهِ، وَالنَّتَائِجِ الْمُحْتَمَلَةِ مِنْ هَذَا الْقَرَارِ.

5- التَّخْطِيطُ الْجَيِّدُ، وَتَنْظِيمُ الْعَمَلِ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا جَاءَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يُوسُفَ: 47-49].

6- الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ، وَتَرْكُ الظُّلْمِ: مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ بَخْسُ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [هُودٍ: 85]. فَالرَّئِيسُ الْمُوَفَّقُ يَتَعَامَلُ بِعَدْلٍ وَإِنْصَافٍ مَعَ الْعَامِلِينَ مَعَهُ، وَفِي كِتَابَةِ تَقَارِيرِهِمْ، وَتَوْزِيعِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ عَلَيْهِمْ، وَالْأَعْمَالِ الْمُوكَلَةِ لَهُمْ بِالتَّسَاوِي، فَلَا يُرْهِقُ فُلَانًا، وَيَتْرُكُ فُلَانًا خَالِيًا مِنَ الْعَمَلِ.

7- التَّحَلِّي بِالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ: فَالْمَسْؤُولُ الْمُتَّصِفُ بِالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ يَعْظُمُ فِي النُّفُوسِ، وَتَصْدُقُ بِهِ خَطَرَاتُ الظُّنُونِ، وَيَفْرَحُ بِهِ كُلُّ عَامِلٍ، وَالْمُوَفَّقُ هُوَ مَنْ يَنْشُرُ الْأُلْفَةَ، وَيَشْكُرُ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَيَضْبِطُ انْفِعَالَاتِهِ، وَيَرْفُقُ بِمَنْ مَعَهُ.

8- الْعِفَّةُ فِي اللِّسَانِ وَالْمَالِ: وَالْعِفَّةُ: هِيَ تَرْكُ الْقَبِيحِ؛ فَيَكُفُّ لِسَانَهُ عَنْ أَعْرَاضِ مَنْ مَعَهُ، وَلَا يَأْكُلُ حَرَامًا؛ سَوَاءٌ كَانَ رِشْوَةً، أَوِ اسْتِئْثَارًا لِلْأَقْرِبَاءِ بِمَا لَا يَحِقُّ لَهُمْ، وَلَا يَسْتَغِلُّ مَنْصِبَهُ فِي سَرِقَةِ الْمَالِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ» (صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

9- الشُّورَى: فَالْمُدِيرُ الْعَاقِلُ مَنْ يُشَاوِرُ أَهْلَ الْاخْتِصَاصِ، وَيَنْتَفِعُ بِرَأْيِ أَصْحَابِ الْخِبْرَةِ، وَأَمَّا الْمُسْتَبِدُّ بِرَأْيِهِ، وَالْمُنْفَرِدُ بِقَرَارَاتِهِ؛ فَالْفَوْضَى عَلَى بَابِهِ.

شَاوِرْ سِوَاكَ إِذَا نَابَتْكَ نَائِبَـــةٌ ** يَوْمًا وَإِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الْمَشُورَاتِ
فَالْعَيْنُ تَنْظُرُ مِنْهَا مَا دَنَا وَنَأَى ** وَلَا تَرَى نَفْسَهَا إِلَّا بِمِــــــــــــــــرْآةِ[10]

10- الْقُدْوَةُ الْحَسَنَةُ: كُلَّمَا كَانَ الْمَسْؤُولُ قُدْوَةً، كَانَ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا؛ لِيَتَبَيَّنَ لِلْعَامِلِينَ مَعَهُ أَنَّ صِدْقَ أَقْوَالِهِ يَتَجَسَّدُ فِي أَفْعَالِهِ، فَيَتَأَثَّرُونَ بِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا انْضَمَّ إِلَى الْقَوْلِ؛ كَانَ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنَ الْقَوْلِ الْمُجَرَّدِ.

11- الْحَزْمُ، وَقُوَّةُ الشَّخْصِيَّةِ: فَالْقَائِدُ النَّاجِحُ هُوَ الْحَازِمُ فِي أَمْرِهِ، فَلَا يَضْعُفُ فِي مُوَاجَهَةِ الْمَوَاقِفِ، وَعِنْدَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحَكُّمِ بِإِرَادَتِهِ وَإِدَارَتِهِ، وَلَا يَعْنِي الْحَزْمُ الْعُنْفَ، وَإِصْدَارَ الْقَرَارَاتِ التَّعَسُّفِيَّةِ؛ بَلْ حَزْمٌ مَعَ الْحَقِّ، وَحِكْمَةٌ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ الرِّفْقِ.

12- عَدَمُ الِاسْتِمَاعِ لِلْوُشَاةِ: الَّذِينَ يَنْقُلُونَ كَلَامَ النَّاسِ؛ لِلْإِضْرَارِ بِهِمْ، وَإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى جِهَةِ التَّفْرِيقِ وَالْإِفْسَادِ، وَلَا سِيَّمَا الْأَقْرَانُ فِي الْعَمَلِ، فَلَا يَنْقُلُ الْعَيْبَ إِلَّا مَعِيبٌ، وَمَنْ نَمَّ لَكَ نَمَّ بِكَ، وَفَاعِلُ ذَلِكَ نَمَّامٌ، وَيُقَالُ لَهُ: قَتَّاتٌ.

‌ لَا تَقْبَلَنَّ نَمِيمَةً بُلِّغْتَهَـــــــا ** وَتَحَفَظَّنَّ مِنَ الَّذِي أَنْبَاكَهَـــــا[11]
إِنَّ الَّذِي أَهْدَى إِلَيْكَ نَمِيمَةً ** سَيَنِمُّ عَنْكَ بِمِثْلِهَا، قَدْ حَاكَهَا[12]

13- قَبُولُ النَّصِيحَةِ: فَالرَّئِيسُ الْمُوَفَّقُ- كَمَا يَنْصَحُ غَيْرَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ النَّصِيحَةَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَرْءُ مَهْمَا سَمَتْ أَخْلَاقُهُ، وَبَلَغَ مَبْلَغًا فِي الذَّكَاءِ؛ فَهُوَ بِحَاجَةٍ إِلَى النَّصِيحَةِ، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُعَامِلُونَ غَيْرَهُمْ عَلَى عَكْسِ مَا يُحِبُّونَ أَنْ يُعَامَلُوا بِهِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 1-3].

14- عَدَمُ الْبَحْثِ عَنِ الْأَخْطَاءِ وَالْمَسَاوِئِ: فَالْعَاقِلُ مَنْ يَنْصَحُ وَيُرْشِدُ، وَإِذَا وَجَدَ الْخَلَلَ سَدَّهُ، أَوْ أَبْصَرَ النَّقْصَ أَكْمَلَهُ، فَالْكَمَالُ عَزِيزٌ، وَالْعَاجِزُ مَنْ يَقْصُرُ نَظَرَهُ عَلَى الْأَخْطَاءِ وَيَقِفُ عِنْدَهَا، فَلَا تَبْحَثْ عَنِ الْأَخْطَاءِ فَقَطْ؛ بَلْ شَجِّعِ الْإِيجَابِيَّاتِ حَتَّى تَزُولَ السَّقَطَاتُ[13].

وَمِنْ أَخْلاَقِيَّاتِ الْقِيَادَةِ وَوَاجِبَاتِ الْمَسْؤُولِ:
15- تَوْزِيعُ الْأَعْمَالِ بِمَا يُنَاسِبُ الْقُدُرَاتِ: فَلَا يَسْنِدُ مَنْصِبًا، أَوْ يُوْكِلُ عَمَلًا إِلَّا لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ، وَكُفُؤٌ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَعْجِزُ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي إِسْنَادُهُ إِلَيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي. ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

16- عَدَمُ الْإِكْثَارِ مِنَ الِاجْتِمَاعَاتِ: الِاجْتِمَاعَاتُ الْكَثِيرَةُ بِلَا هَدَفٍ مُحَدَّدٍ مُمِلَّةٌ، وَتَبْعَثُ عَلَى السَّآمَةِ، وَتَقْتُلُ الْأَوْقَاتَ مِنْ غَيْرِ جَدْوَى، فَأَنْجَحُ الِاجْتِمَاعَاتِ مَا أَثْمَرَتْ فَائِدَةً فِي الْأَعْمَالِ وَالنَّتَائِجِ.

17- تَوْقِيرُ ذَوِي الْخِبْرَةِ: مُمَّنْ أَمْضَوْا سَنَوَاتِ الْعُمُرِ فِي الْعَمَلِ، وَمِنْ تَوْقِيرِهِمْ: إِسْنَادُ الْمُهِمَّاتِ لَهُمْ، وَمُشَارَكَتُهُمْ بِالرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ، وَعَدَمُ انْتِقَاصِهِمْ فِي شَيْءٍ، وَمِنَ الْجَوْرِ: تَجَاهُلُهُمْ، وَتَسْوِيدُ مَنْ دُونَهُمْ.

18- الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ: شُكْرُ النَّاسِ عَلَى الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَقُومُونَ بِهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ؛ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» (صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ). وَالشُّكْرُ أَحَدُ الْحَوَافِزِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ، فَلِلنَّاسِ أَحَاسِيسُ وَمَشَاعِرُ، وَتُؤَثِّرُ فِيهِمُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَهُمْ بِحَاجَةٍ إِلَى الثَّنَاءِ الصَّادِقِ، وَالشُّكْرِ الْفَائِقِ، فَالرَّئِيسُ الْفَطِنُ هُوَ الَّذِي يَشْكُرُ الْمُوَظَّفَ الْمُتَمَيِّزَ، وَكَمْ مِنْ عَامِلٍ تَرَكَ عَمَلَهُ – مَعَ جَوْدَةِ أَجْرِهِ؛ بِسَبَبِ تَغَافُلِ الرَّئِيسِ عَنْ إِنْجَازَاتِهِ، وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَقْتُلُ طُمُوحَ الْمُوَظَّفِ مِثْلَ التَّأْنِيبِ وَالتَّجْرِيحِ.

19- تَمْكِينُ الْعَامِلِينَ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: الْوَاجِبُ عَلَى الْمَسْؤُولِينَ تَمْكِينُ النَّاسِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ فِيمَنْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، فَالرَّئِيسُ الْمُوَفَّقُ لَا يَسُنُّ الْقَوَانِينَ وَالْقَرَارَاتِ الَّتِي تَمْنَعُ الْمُوَظَّفَ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِ دِينِهِ؛ كَالصَّلَاةِ، أَوِ الْحِجَابِ، أَوِ الْإِجْبَارِ عَلَى حَلْقِ اللِّحَى وَنَحْوِهَا مِنَ الطَّاعَاتِ، فَفَاعِلُ ذَلِكَ خَائِنٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَخَائِنٌ لِدِينِهِ، وَمُحَارِبٌ لِشَرْعِهِ، سَيَنَالُ جَزَاءَهُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا.

20- النَّصِيحَةُ بِالْحِكْمَةِ سِرًّا: فَإِنْ رَأَى تَقْصِيرًا مِنْ مَرْؤُوسِيهِ، نَصَحَهُمْ سِرًّا، وَلَمْ يَفْضَحْهُمْ، وَفَرْقٌ بَيْنَ النَّصِيحَةِ وَالتَّعْيِيرِ، وَمَنْ نَصَحَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَةً فَقَدْ شَانَهُ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادِي ** وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الْجَمَاعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَـــوْعٌ ** مِنَ التَّوْبِيخِ لَا أَرْضَى اسْتِمَاعَـهْ
فَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ أَمْرِي ** فَلَا تَغْضَبْ إِذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَــــهْ[14]


[1] انظر: موسوعة الأخلاق، (ص429).
[2] حَكَمَةٌ: هي مَا يُجْعَل ‌تَحت ‌حنك ‌الدَّابَّة يمْنَعهَا الْمُخَالفَةَ كاللجام. انظر: فيض القدير، للمناوي (5/ 466).
[3] بِيَدِ مَلَكٍ: أي: مُوكَل بِه.
[4] فَإِذَا تَوَاضَعَ: للحَقِّ والخَلْق.
[5] ارْفَعْ حَكَمَتَهُ أي: ارفَعْ قَدْرَه.
[6] ‌دَعْ ‌حَكَمَتَهُ: كِنَايَة عَن إذلاله؛ فإنَّ من صفة الذَّلِيل تنكيس رأسه، فثمرة التَّكبُّر - فِي الدُّنْيَا: الذلة بَين الْخَلْق، وَفِي الْآخِرَة: النَّار.
[7] غرر الخائص الواضحة، للوطواط (ص53).
[8] الغُلُول: الْخِيَانَةُ فِي المَغْنَم، والسَّرِقَة مِنَ الغَنِيمة قَبْلَ القِسْمة، ‌وكلُّ ‌مَنْ ‌خَانَ ‌فِي ‌شَيْءٍ ‌خُفْيَةً فَقَدْ غَلَّ. انظر: النهاية، (3/ 380).
[9] معالم السنن، (3/ 8).
[10] روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار، (ص105).
[11] أَنبَاكَها: أي أخْبَرَكَ بها.
[12] العقد الفريد، (2/ 182).
[13] انظر: أخطاؤنا في معالجة الأخطاء، (ص12).
[14] ديوان الإمام الشافعي، (ص96).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.58 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]