|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أسباب هلاك الأمم -1- هذه خطبة قديمة للمشرف على الموقع قام الأستاذ طارق عبد الحميد قباوة شكر الله له بطباعتها ، وها نحن نجدد نشرها في 3 حلقات متتاليات : الشيخ: مجد مكي منواجب الإنسان أن يكون دائم الاعتبار بالأمم الخالية، والأجيال الغابرة،يتفكَّر في أحوالهم، ويتَّعظ بما حلَّ بهم من العقاب والنكال، وليذهب فيبقاع الأرض وأصقاعها لينظر حالهم ويتَّعظ بآثارهم وبقاياهم، وقد كان فيهممن هم أظلم وأطغى وأعتى من هذه الأمَّة، كما يقول تعالى: [وَأَنَّهُأَهْلَكَ عَادًا الأُولَى(50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى(51) وَقَوْمَ نُوحٍمِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى(52) وَالمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى(53)]. {النَّجم}.. [50 ـ 54] فهو سبحانه أهلك عاداً الأولى، قومَ هودٍ بريحصرصر، وأهلك ثمود، قومَ صالح بالصَّيْحة، فما أبقى منهم أحداً، وأهلك قومنوح بالغرق من قبل إهلاكه عاداً وثمودَ؛ إنَّهم كانوا هم أعظم كفراً وأشدتمرُّداً من عاد وثمود، لطول دعوة نوح إيَّاهم، وعتوِّهم على الله بالمعصيةوالتكذيب، وقرى قوم لوط رفعها جبريل إلى السماء بأهلها المجرمين، ثم أهوىبها إلى الأرض، فنزل عليها من فوقها شيء عظيم مهولٌ سترها كلَّها، فدمّرهاتدميراً شاملاً بالحجارة المنضودة المُسوَّمة. وقد أهلك الله عزَّوجل أمماً وأقواماً وقروناً وأجيالاً كانوا أشدَّ منا قوة، وأطول أعماراً،وأكثر أموالاً، فأستأصلهم وأبادهم ولم يبقَ لهم ذكر ولا أثر: وتركوا وراءهمقُصوراً مُشيَّدة، وآباراً مُعطَّلة، و أراضي خالية، ونعمة كانوا فيهافاكهين، وأورث الله كلَّ ذلك قوماً آخرين، فما بكت عليهم السماء الأرض وماكانوا مُنظَرين. قال الله تعالى:[أَلَمْيَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِيالأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْمِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْفَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًاآَخَرِينَ]{الأنعام:6}. أي: ألم يَرَ هؤلاءالمُكذِّبون بآياتي أنا أهلكنا قَبْلهم أعداداً كثيرةً من الأمم الماضيةالمُقْتَرنة في زمنٍ واحد، أعطيْناهم في أرضهم من القوَّة والبسْطة فيالأجسام والأموال ما لم نُعطكم يا أهلَ مكة، وأرسَلنا المطر عليهم غزيراًمُتَتَابعاً كثيراً في أوقات الحاجة؛ رحمةً منا وإنعاماً، وأجرَيْنا لهمالمياه العَذْبة في الأنهار بعد إنزالها من السماء، تجري في مجاريها تحتمستوى سطح الأرض، فعاشوا في خصْب وسَعَة، ومع ذلك التمكين وهذه القوةأهلكناهم بسبب ذنوبهم وكفرهم، وأنشأنا بسُنَّة التكامل المُتدرِّج من بعدهلاكهم قوماً آخرين بدلاً منهم، أفلا يعتبر أهل مكة بذلك فلا يستمرُّوا فيكفرهم وعنادهم! وقال سبحانه:[وَكَأَيِّنْمِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَاحِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا] {الطَّلاق:8}. [8، 9 ـ] أي: وكثيرٌ من أهل مُجمَّعات سكنية عَصَوْاوطَغَوْا عن أمر ربِّهم، وأمر رسله، فحاسبناهم حساباً شديداً بالتدقيقوالاستقصاء لكلِّ ذنوبهم، فلم نغادر منه شيئاً، وعذَّبناهم عذاباً مُنكراًفظيعاً، وقال تعالى:[فَكَأَيِّنْمِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىعُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ] {الحج:45}.أي: إن عددا كثيرا من المجمَّعات السكنية، أهلكها الله تعالىبعذاب شامل ، استأصلهم جميعا، وأهلُ هذه المجمَّعات السكنية ظالمون بكفرهمومقاومتهم لدعوة الحق الربانية ، فهي فارغة لا ساكن فيها، ساقطة جدرانهاعلى سقوفها، وكم من بئر متروكة لا يستقي منها الواردون لهلاك أهلها ؟؟!! وكم من قصر رفيع طويل عالٍ أخليناه من ساكنيه بإهلاكهم ؟!! أنواع الهلاك : وعذاب الله تعالىوعقابه للأمم مُتنوِّع مختلف، فقد يكون صاعقة، أو غرقاً، أو فيضاناً، أوريحاً، أو خَسْفاً، أو قحطاً ومجاعة، أو فتناً بين الناس واختلافاً، أومطراً بالحجارة، أو رجفة. 1 ـ يقول الله سبحانه في الصاعقة: [ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ] {الذاريات:44}. أي:، فأخذت أخذا شديدا أليما قبيلة «ثمود» قوم الرسول صالحصاعقةُ العذاب المُهْلكة لهم، وهم يَرَوْن ذلك العذاب عياناً. 2 ـ ويقول تعالى في الغرق بالبحر : [فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليَمِّ] {الأعراف:136}. [فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ] {الأنبياء:77}. 3 ـ ويقول في الفيضانوالطوفان:[ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ] {العنكبوت:14}. أخذ قوم نوح الماء الكثير الذي طاف بهم وعلاهم، أَخْذَ إهلاكٍ مُسْتأصلٍ،وكان إهلاكهم غرقاً في حال أنهم ظالمون كَفَرة مجرمون 4 ـ ويقول عزوجل في الصيحة الشديدة والريح العاتية:[وَأَمَّا ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ] {الحاقَّة:6}. أهلك الله تعالى ثمودَ قومَ صالح بالصَّيحة الشديدةالمجاوزة الحد في القوة، وأمَّا عاد فأُهلكوا بريح باردةٍ شديدة الصوت،قاتلة مدمِّرة، متجاوزةٍ الحدَّ في شدَّتها، فلم يقدروا عليها مع شدَّتهموقوَّتهم، أرسلها وسلَّطها عليهم بقضائه وقدره سبعَ ليال وثمانية أيام ذاتبرد وريح شديد، متتابعة متوالية في الشرِّ والتعذيب ليس لها فتور ولاانقطاع، لحسم مادتهم واستئصالهم، فترى القوم في تلك الليالي والأيام هَلكىمقتولين مرميُّون تبدو أسافلهم قد بليتْ حتى غدت أجوافها خالية، كأنهم أصولنخل خالية الأجواف، بالية لا شيء فيها، فهل ترى لهؤلاء القوم ـ أيُّهاالباحث عنهم في أرضهم ـ من نفسٍ باقيةٍ دون هلاك؟ 5 ـ ويقول سبحانه في عذاب الخسف:[فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ] {القصص:81} . فَأَتْبعنا استعراضَ قارون الكيديَّ التَّضليليَّ، بما يمحوآثارَهُ من نفوس الجمهور الأعظم من الإسرائيليين محواً كُليّاً، فَخَسفنابقارون وبداره الأرض، فابتلعته هو وداره بما فيها من أموال وزينة، لقدغيَّبته الأرض، وغيَّبت داره وكنوزه في باطنها.. 6 ـ ويقول سبحانه في القحط والمجاعات والابتلاء بالحسنات والسيئات:[ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] {الأعراف:168}. اخْتبرالله بني إسرائيل جميعاً بالخِصب والعافية، والجدبوالشدَّة؛ رغبةً في أن يرجعوا إلى طاعة ربِّهم ويتوبوا إليه. 7 ـ ويقول سبحانه في أنواع من العذاب منها الاختلاف والتشيع الذي يؤدي إلى اختلاط الحقائق والنزاعات والحروب المدمرة :[قُلْهُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْأَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَبَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ] {الأنعام:65} .أي: قل ـ يا رسول الله ـ لقومك: إنَّ الله هو القادر على أنيَبْعثَ عليكم وسائل تعذيب لكم، تُصبُّ عليكم من فوقكم كالرَّجْموالطُّوفان، أو من تحت أرجلكم كالخَسْفِ والرَّجفة، أو يَخلِطكم فيجعلكُمفِرَقاً مختلفين، وبذلك يذوق بعضكم بأس بعض، بالتسلُّط بالحروب المُدمِّرةللأفراد والأُسر والجماعات. انظُر ـ أيها الناظر المتفكر ـ كيف نُنوِّعدلائلَنا وحُجَجنا لهؤلاء المُكذِّبين، ونكرِّرها بأساليب مختلفة؛ رغبةًمنا أن يفهموا حقائق الأمور، فيرجعوا عمَّا هم عليه من الكفر والتكذيب. 8 ـ ويقول تعالى في مسخ الصُّوَر:[فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ] {الأعراف:166}.فلمَّا تجاوز بنو إسرائيل حدودَ المعاصي مُستنكفينَ عن طاعةالله بترك ما نُهُوا عنه، من العدوان على حُرمة يوم السبت، قلنا لهم: كونوا قِرَدةً أذلاّء مَطْرودين مُبْعَدينَ عن كلِّ خير. فَمَسَخ اللهصُوَر أجسادهم، فجعلها على صور أجساد القرود. 9 ـ ويقول تعالى في المطر بالحجارة:[فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ]{الحجر:74}، وقال سبحانه: [فلمَّاجاء أمرنا جعلنا عاليَها سافلَها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضودمُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ] {هود:82-83}. فلمَّا جاء وقت تنفيذ أمْرِنا بتعذيب قوم لوط وإهلاكهم،رفعنا أرضهم التي عليها قُراهُم في الجوِّ، وقلبناها حتى صار أعلاهاأسْفَلَها، وصار أسفلُها أعلاها، وأمْطَرنا على شُذَّاذها ـ بعد قَلْبقُراهم ـ حجارةً من طين مُتَصلِّب منضمٍّ بعضه إلى بعض باتِّساق وتراصُفمُنْتَظِم. حالة كونها مُعَلَّمةً عند ربِّك بعلامةٍ معروفة، تخصُّ مُجرميقومِ لوطٍ، وما تلك الحجارة التي أمطرها الله على قوم لوط من كلِّ الظالمينالذين يستحقُّون الإهلاك بها بمكانٍ بعيد عنهم. 10 ـ ويقول تعالى في الرجفة، وهي التحرك والاضطراب:[فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ] {الأعراف:78}. أهكت قومَ ثمودالصَّيْحة المصحوبة بالزلزلة الشَّديدة من تحتهم، فأصبحوا في موضعهم موتىلا يتحرَّكون، لاصقين بالأرض على رُكبهم ووجوههم، لم يفلت منهم أحد.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أسباب هلاك الأمم -2- الشيخ: مجد مكي أسباب الهلاك : لهلاك الأمم أسباب كثيرة جَرت سنَّة الله تعالى في عباده عند وجودها أن يهلكهم بسببها وأهم هذه الأسباب، الكفر بالله عزوجل وجحود وحدانيته، وتكذيب دعوة الرسل عليهم السلام، والظلم ، والطغيان ،والإجرام ، وشيوع الفواحش . وهناك أسباب أخرى بيَّنها لنا النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أسباب الهلاك التي بينها لنا رسول الله الرؤوف الرحيم بأمته : الاختلاف في كتاب الله، والتنازع في مُشكله، وما استأثر الله بعلمه... روى مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: هجرت ـ جئت مبكراً ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال: إنما أهلك من كان قبلكم باختلافهم في هذا الكتاب. والاختلافُ المنهيُّ عنه الاختلاف في نفس القرآن أو في معنى لا يسوغ فيه الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة أو فتنة وخصومة... روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر. فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال: (بهذا أمرتم؟ أو لهذا اختلفتم ؟تضربون القرآن بعضه ببعض ؟! بهذا هلكت الأمم قبلكم). والقدر: ما كتبه الله تعالى وسبق به علمه، من خير وشر... وفي الحديث دليل على أن الاختلاف والتنازع في الدين يؤدي إلى الهلاك؛ لأنه يؤدي إلى التشكك في العقيدة، وأن ذلك من أسباب هلاك الأقدمين. روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا). ـ ومن أسباب الهلاك: كثرة السؤال للأنبياء، أو ورثتهم، مع الاختلاف عليهم وعدم اتباعهم. روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه). إنَّ الاختلاف على الأنبياء من أسباب الفتنة والهلاك:[ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {النور:63}. . فكيف إذا انضمَّ إلى مخالفتهم كثرة الأسئلة والمراجعة والمنازعة... إنَّ ذلك من أسباب هلاك الأمم السابقة: (فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم..). وهذه العلة كما هي في حق الأنبياء، كذلك تكون بالنسبة للعلماء العاملين، والدعاة المخلصين، فإن العلماء ورثة الأنبياء، فإحراجهم بكثرة الأسئلة ومخالفتهم فيما يأمرون به، وينهون عنه من أسباب الهلاك. ـ ومن أسباب الهلاك : الغلو في الدين والتنطع والتشدُّد. روى أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: هات التقط لي، فالتقطت له حصيات هي حصى الخذف، فلما وصفتهن في يده قال: (بأمثال هؤلاء وإيَّاكم والغلوَ في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين). الغلو: هو مجاوزة الحد، وهو مذموم في كل الأمور. روى أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون، ثلاثاً) والتنطع هو التعمُّق في الشيء، كالتغالي في العبادات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الاهتمام بجانب التيسير على الأمة، ورفع الحرج، وفي هذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإنَّ الله لا يملُّ حتى تملوا) رواه البخاري. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) رواه أحمد. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر ولن يشاده أحد إلا غلبه) رواه البخاري. ومن الغلو: عبادة غير الله تعالى واعتقاد شريك معه في ربوبيته وإلهيته، أو تعظيم وتقديس مخلوق فوق قدره، والتشريع والعبادة، وهذا المعنى هو الذي نهى الله تعالى عنه بني إسرائيل حيث قال: [يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ] {النساء:171}. ينادي الله سبحانه أهلَ الكتاب من اليهود والنصارى: لا تُجاوزوا الحدَّ في أمر عيسى عليه السلام، فلا تحطُّوه عن منزلته، ولا ترفعوه فوق قَدْره، ولا تقولوا مُفْترين على الله إلا القولَ الحقَّ الثابت القائم على الدليل المُقْنع، لا على الوهم البعيد. وفي الآية تحذيرٌ من الغلوِّ في الدين، وهو تَجَاوز الحدود الشرعيَّة؛ لأن الغُلوَّ يُوقع صاحبه في مخالفة الشَّرع، وهو يحسب أنه يُحسن صنعاً، وقد يوقع الغلو صاحبه في الكفر كما حصل لليهود والنصارى في عيسى عليه السلام. فاليهود تجاوزوا الحدود الشرعيّة في عيسى وأمه، فأنزلوهما دون منزلتهما التي أنزلهما الله فيها، فكذَّبوا عيسى، واتَّهموا أمه بالفاحشة، والنصارى تجاوزوا الحدود الشرعيَّة غُلوّاً منهم بعيسى، فجعلوه وأمَّه إلهَيْن مع الله عزَّ وجل. وقال تعالى :[قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ] {المائدة:77}. وقال سبحانه عن أهل الكتاب وسبب وقوعهم في التحريف : [اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ] {التوبة:31}. والمعنى : اتَّخَذَ اليهودُ والنَّصارى علماءهم وعُبَّادهم آلهةً من دون الله، حيث أطاعوهم في تحليل ما حرَّم الله، وتحريم ما أحلَّ الله، كما يُطاع الأرباب في أوامرهم ونواهيهم، واتَّخذوا المسيح ابنَ مريم إلهاً، ومنحوه من الربوبيَّة أكثر ممَّا منحوه لعلمائهم وَعُبَّادهم، وذلك لِمَا اعتقدوا فيه من البُنوَّة والحُلول، والحال أنهم ما أُمروا بأيِّ أمر في الكتب المنزَّلة على أنبيائهم إلا ليعبدوا ـ فيما أُمروا به ـ إلهاً واحداً؛ لأنَّه سبحانه وتعالى المُسْتَحقُّ للعبادة لا غيره، لا معبودَ بحقٍّ إلا هو، تعالى وتنزَّه عن أن يكون له شريك في التشريع والأحكام، وأن يكون له شريك في الإلهيَّة يستحقُّ التعظيم والإجلال. ومن أسباب الهلاك : الأشر والبطر وجحود النعم : فالأشر والبطر مظهر لجحود النعمة، وبادرة لسوء المصير، ولقد كان فيما قصَّ الله تعالى في كتابه عن قارون وقد آتاه من كنوز المال ما قابله بالأشر والبطر، وكان له سوء المصير يقول سبحانه:[إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى.......] {القصص:76}. إنَّ قارون كان من بني إسرائيل قومِ موسى ـ عليه السلام ـ فظلم قومه الإسرائيليين، وتَجَاوَزَ حدَّه عليهم في الظلم والكبْر والتجبُّر والفساد في الأرض؛ إذ جعل نفسه خادماً لمصالح فرعون وآله، في إذلال بني إسرائيل واستعبادهم، وأعطيناهُ من كنوز الأموال شيئاً عظيماً، اكتنزها في مباني حصينة، ذات أبواب تُقْفل بإحكامٍ، فلا تفتح إلا بمفاتيح خاصَّة بها، حتى إنَّ مفاتيح خزائنه ليثقل حملُها على الجماعة الأقوياء من الرجال، فإذا حملوها مالت ظهورهم من ثقلها عجزاً عن النهوض بها قائمين، وحين اغترَّ بنعمة الله عليه وكفر بها، نصحه عقلاء قومه مُوجِّهين له أربع نصائح: النصيحة الأولى: لا تَبْطَر بكثرة مالك، وتستكبر وتتعالى به على الناس، ولا يفتنك الفرح به عن شكر الله؛ إنَّ الله لا يُحب البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم، فكن على حذر من نقمة الله عليك وعقابه، فَمَنْ جعل نفسه بإرادته في زمرة من لا يحبُّهم الله، فقد جعلها عُرضةً لنقمته وعذابه الشديد. وهذا التوجيه للناس جميعا إلى الأبد، لا يخصُّ قارون وحده، فكم في أعقاب الزمن من أمثال قارون، من تبطره النعمة، ويستعملها في المعصية والإفساد في الأرض، والتعالي على الخلق، فيكون خطراً على نفسه، وعرضة لأن يناله من غضب الله. وإنها لعبرة الدهر، في قرآن يتلى، تذكر بسوء المصير لكل من طغى وبغى، وجحد نعمة المولى جل وعلا، ولقد كان في قوم قارون من انخدع بالمظاهر التي كان فيها قارون، كما ينخدع الظامئ بالسراب، فتمنوا أن لو كان لهم مثل نعيمه كما قال تعالى: [فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا] {القصص:82}. ودخل في صباح ليلة الخَسْف بقارون، المفتونون من جمهور بني إسرائيل الذين تمنَّوْا باليوم الذي كان قبل ليلة الخسف، ما رَزَقه الله من الأموال والزينة، يقول بعضهم لبعض متوجِّعين ومُتحسِّرين: اسمع ـ أيها المخاطب ـ تعجُّبي من نفسي، كيف كنتُ جاهلاً عن حقيقة أنَّ الله يُوسِّع الرزقَ لِمَنْ يشاء من عباده، ويُضيِّق الرزق على مَنْ يشاء من عباده، لحكمٍ يعلَمُها، وليس بسط الرزق تكريماً، ولا تضييقه إهانة، وإنما هو امتحان وابتلاء، لولا أنْ أنعم الله علينا النعمة العظمى بالإيمان، وأبْعَدنا عن بَسْط الرزق المُطْغي والمُوصل إلى ما وَصَل إليه قارون، لَخَسَف بنا الأرض كما فعل بقارون لأنا وددنا أن نكون مثله. [وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الكَافِرُونَ] أي: اسمع ـ أيُّها المخاطَب ـ تعجُّبي من نفسي، كيف كنتُ جاهلاً عن حقيقة أنَّ الشأن العظيم من مقادير الله في كونه، وسُننه في عباده، عدمُ ظفر الكافرين الذين يَجْحَدون نِعَمَ الله عليهم، ولا يؤمنون بما أوْجَبَ عليهم أن يؤمنوا به. وكم في دنيا الناس من ينظر إلى ما في يد الغير من نعمة، ويحسد عليها، وعلم أن الخير بالنسبة له هو ما قدره الله وجعله فيه، ولذلك قال تعالى: [وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى] {طه:131}.والمعنى : ولا تَنظُرنَّ ـ أيُّها المؤمن ـ نَظَرَ اسْتِحْسَانٍ وإعجابٍ وتَمَنٍّ إلى ما أعطينا من متاع الحياة الدنيا، أصنافاً وجماعات من الناس، حالة كون ما متَّعناهم به زهرة الحياة الدنيا، ذات المنطر الجميل، والرائحة الزكيَّة، إلا أنها قصيرة العمر، سريعة الذبول والفناء كزهر الأشجار؛ لِنَبْتَلَيَهُم ونختبر إراداتهم، وليس تشريفاً وتكريماً لهم، ورزقُ ربِّك في الحياة الدنيا المقْرون بالطمأنينة والرِّضا، والذي سَيُفيضُه عليك في جنات النعيم خيرٌ من كلِّ ما في هذه الحياة من متاع وزينة؛ وأبقى أنواعاً وأصنافاً وأفراداً؛ لأن دار النعيم هي دار البقاء، أما الحياة الدنيا فهي دار الفناء والأكدار.. وقد رسم سبحانه لعباده في نهاية قصة قارون الخطة المثلى للحياة: [تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا] {القصص:83}. أي :تلك الجنَّة البعيدة المكان والمكانة، والمرتفعة المنزلة، نجْعَلُ نعيمَها مستقبلاً للَّذين لا يريدون اسْتكباراً عن الإيمان، واستطالةً على الناس، لتحقيق حظوظ أنفسهم من الدنيا، ولا الذين يدعون إلى عبادة غير الله، وينشرون الفاحشة، ويطرحون الشبهات، ويفسدون الأخلاق والقيم والآداب. [وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] والعاقبةُ الحسنة المحمودة في جنَّات النعيم لِمَنْ اتَّقى عقابَ الله بأداءِ أوامره، واجْتناب نواهيه.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() أسباب هلاك الأمم -3- الشيخ مجد مكي ومن أسباب الهلاك : التنافس في الدنيا والرغبة فيها ،والمغالبة عليها، وحب التفاخر والتكاثر. عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: (أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين)؟ فقالوا: أجل يا رسول الله، قال: (فأبشروا وأمِّلوا ما يسرُّكم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم). رواه البخاري ومسلم، والترمذي وابن ماجه. فالتنافس على الدنيا وجمع مالها وحب الاستئثار به من أسباب الهلاك لأنه يؤدي إلى إضمار الأحقاد والأضغان ثم الحسد ثم العداوة والمدابرة. روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم ؟قال: عبد الرحمن بن عوف: كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون). روى الترمذي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دبَّ إليكم داءُ الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، حالقة الدين، لا حالقة الشعر). الهلاك بالشح: ومن أسباب الهلاك: الشحُّ بالمال، والضنُّ به، والاستبداد بكنزه، ومنع حقوق الله تعالى، وحقوق عباده، فإنَّ ذلك من أسباب هلاك الأمم، وخراب الشعوب. روى أحمد والبخاري في الأدب ومسلم عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم). وروى أبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إيَّاكم والشحَّ فإنما هَلَك من كان قبلكم بالشح أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)، والشح هو الحرص الشديد الذي يحمل صاحبه على أن يأخذ الأشياء من غير حلها، ولا يقنع بما أحل الله له، والشح أهلك من كان قبلنا حملهم على سفك دمائهم، واستحلال محارمهم، ومقاطعة أرحامهم، وكثرة فجورهم... كم من دم أُريق في سبيل الشحِّ والحرص على المال وأخذه من غير حله؟ كم من رحِم هُجرت من جرائه، وكم من محرم استبيح في الحصول عليه والاستئثار به؟!!! ظهور الربا والزنى وتعاطي الرشوة: ومن أسباب هلاك الأمم وفساد المجتمعات : ظهور الربا، وانتشار الزنى، وتعاطي الرشوة. روى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ظهر في قوم الربا والزنى إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عزَّ وجل). الربا في الأصل: الزيادة، وفي الشرع تطلق على معنيين: الأول: البيع مع الزيادة في الجنس الواحد الربوي، تسمى (ربا الفضل) وهي تدخل في البيعات الربوية التي جاء التنصيص عليها من الشارع. أما المعنى الثاني للربا: فهو الزيادة التي يأخذها صاحب الدين في مقابلة دينه، وهي (ربا النسيئة) وهذا النوع هو الجاري به العمل اليوم في البنوك في سائر أنحاء العالم، وهو الذي كان معهوداً بالجاهلية قبل الإسلام. وفي هذا النوع نزلت تلك الآيات القرآنية، وجاءت تلك القوارع الإلهية، تهدد المتعاملين به وتزجرهم، قال تعالى: [الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ] {البقرة:276}. وقال سبحانه:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ] {البقرة:279} . وجريمة الربا ليست قاصرة على مُتعاطيه، بل هي عامًّة في كل من يُشارك فيه، روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، هم فيه سواء). أما الزنى :فهو من الجرائم الخطيرة التي تُسبِّب الخراب والدمار، والواقع المشاهد المحسوس يصدق ذلك، حيث انتشرت الأمراض التي لم تكن فيما مضى كما يقول صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم). أما الرشوة: فإنها من موجبات العقاب، ومن أسباب نشر الظلم والجور وهضم حقوق الناس. روى أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنين، وما من قوم يظهر فيهم الرِّشا إلا أخذوا بالرعب )ـ والرِشا جمع رشوة ،وهي ما يعطيه الشخص للحاكم أو لغيره ليحكم له ضد خصمه بالباطل. وفي هذا المعنى يقول تعالى:[وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] {البقرة:188}.[ روى أحمد وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي ) ،وفي رواية والرائش بينهما). ومن أسباب الهلاك : البخس في الكيل والميزان، ومنع الزكاة، ونقض العهود، وعدم تنفيذ أحكام الله: [وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ بِالقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(85) ]. {هود}.و [وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ] {هود:94}. أي :لماجاء وقت تنفيذ أمرنا الذي قَضَيْناه بإهلاك قوم شُعيب بسبب ظلمهم، خلَّصنا شُعَيباً والذين آمنوا معه، بوسيلة هي من آثار رحمتنا، وقبضت الصَّيْحَةُ العظيمة المُميتة، على الذين ظلموا أنفسهم بالشِّرك والبَخْس، فدخلوا في صباح اليوم المقرَّر أن يُهلكهم الله فيه، في قراهم وأماكن تجمعهم لاصقينَ بالأرض على رُكبهم ووجوههم، مُلازمين أمكنتهم لا يتحرَّكون. وقد وعد الله المطففين بالهلاك والعذاب الشديد ، فقال :[وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ(2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(3)] {المطَّففين}. أي:هلاكٌ وعذابٌ شديد من الله للَّذين ينقصون المكيال والميزان، الذين إذا اكتالوا من الناس، استوفوا لأنفسهم الكَيْل والوزن تاماً غير ناقص، وإذا كالوا لغيرهم أو وزنوا لهم، ينقصون الكيْل والوزن، فيعطونهم عن طريق التلاعب بالكيل أو الوزن أقلَّ من حقهم. [أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ(4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ(5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ(6) ]لا يكفي أولئك البُعداء إلى جهة أسفل سافلين الذين يأخذون لأنفسهم زيادةً، ويدفعون إلى غيرهم نقصاً، أن يظنُّوا أنهم مبعوثون بعد موتهم ليومٍ عظيم الهول؟ يوم يقوم الناس من قبورهم للحضور في محكمة خالق الخلائق أجمعين ومالكهم والمتصرِّف فيهم بسلطان ربوبيَّته، لمحاسبتهم ومجازاتهم؟ كأنَّهم لا يخطر ببالهم، ولا يخمِّنون تخميناً أنهم مبعوثون ليوم القيامة، ومسؤولون فيه عن مقدار الذرَّة! فإنَّ من يظنُّ ذلك ولو ظناً ضعيفاً لا يكاد يَجْترىء على بخْس الحق!؟ فكيف وقد قامت على البعث البراهين القطعيَّة التي تفيد اليقين. وقد جاءت الأحاديث تحذر من النقص والتطفيف في الكيل والميزان، ومنع حقوق الله تعالى، وحق عباده من الزكاة، وترهب من نقض عهود الله ومواثيقه، والإعراض عن تنفيذ أحكام الله، روى ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا الكيل والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجوْر السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عزَّ وجل إلا جعل الله بأسهم بينهم). فهذه خمس خصال توجب كل واحدة منها نوعاً أو أكثر من العذاب. ظهور المعاصي وعدم تغييرها: ومن أسباب الهلاك : ظهور المعاصي وانتشارها في المجتمع الإسلامي مع سكوت الناس عن تغييرها؛ لأن المعصية إذا أعلنت دبَّ بلاؤها إلى العامَّة والخاصَّة، ولم يبقَ وبالها مُقتصراً على مُرتكبها، يقول الله تعالى: [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً] {الأنفال:25}. أي : احذروا ـ أيها المؤمنون ـ عقاباً مُؤْلماً لكم، لا يَقْتَصِرُ على إصابة الظالمين منكم فقط، بل يعُمُّ الظالمين وغيرهم، فيكون للظالمين عقاباً، ويكون لغير الظالمين امتحاناً واختباراً، أو تربية وتأديباً، واعلموا علماً جازماً أنَّ الله شديد العقاب.فاتقاء الفتنة يكون بالكفِّ عن الذنوب، والأخذ على يد المجاهرين بالمعاصي. قال تعالى :[وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا؟ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(165) ]. {الأعراف}. أي: ضع في ذاكرتك ـ أيها المُتلقِّي لبياننا ـ حين قالت جماعةٌ صالحةٌ من أهل القرية التي كانت قريبة من البحر، أَمْسكت عن الصَّيْد، وسكتت عن موعظة المعتدين، ليأسهم من استجابتهم، قالوا للمُستمرِّين في متابعة النُّصح المقرون بالترهيب من عذاب الله: لِمَ تنصحون جماعةً، اللَّهُ منزِّلٌ بهم عذاباً يُميتهم ويستأصلهم في الدنيا، أو مُعاقبهم عقاباً شديداً دون إماتة واستئصال؟ فقالت الفرقة الناهية للَّذين لامُوهم: نعظُهم لأجل أن نرفع اللوم عن أنفسنا عند ربِّنا، بأننا لم نُقصِّر بواجب النُّصح والوعظ والنَّهي عن المنكر، وجائزٌ عندنا أن ينتفعوا بالموعظة، فيتَّقُوا الله، ويتركوا ما هم فيه من الصَّيْد. ـ فلمَّا تركت الطائفة التي اعتدت يوم السَّبْت ما ذُكِّرت به، واستمرَّت على اعتدائها فيه، ولم تستجب لما وَعَظَتْها به الفرقة الناهية، أنْجَيْنا من العقاب الذين كانوا يَنْهون عن السُّوء، وهم الفريقان: الذين اجتهدوا فرأوا أنَّ القوم ميؤوس من استجابتهم، والذين اجتهدوا فرأوا أنَّ القوم لم يصلوا إلى مرحلة ميؤوس منها، وأخذنا الفرقةَ المُعتديةَ العاصيةَ بعذابٍ شديد وجيع؛ بسبب مواظبتهم المُتكرِّرة على مخالفة أوامر الله، وخروجهم عن طاعته. روى أحمد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم الله بعذاب من عنده، فقلت: يا رسول الله أما فيهم الصالحون؟ قال: بلى، قلت: فكيف يصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان). فالسكوت عن المعاصي من مُوجبات العقاب والهلاك، لأن السكوت عنها يغري أصحابها على التمادي فيها واستفحال أمرها وانتشارها، وهذا الجانب من أسباب العقاب، وكذلك فهو من موجبات عدم استجابة الدعاء. روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم). روى البخاري عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هَلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً). روى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس إنَّكم تقرؤون هذه الآية:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده). الداء والدواء : أيها المسلمون :عندما يشتدُّ الكرب، وتتتابع المحن، وتتوالى الخطوب والمصائب، يجب على المسلمين أن يبحثوا عن الداء الذي كان سَبباً في نزول البلاء بهم، وتتابع المحن عليهم، فيعالجوها، يجب أن يبحثوا عن الخطايا التي ارتكبوها فيقلعوا عنها، ويتوبوا إلى الله منها، فالخطايا سبب الرزايا، وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، ومصداق ذلك قول رب العزة:[وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ] {الشُّورى:30}.أي: وما أصابكم ـ أيُّها الناس ـ من مصيبةٍ مكروهة عامة، تشمل أمةً من الأمم أو قوماً من الأقوام، فبسبب ما كَسَبت أيديكم من الذنوب والمعاصي، جزاءً، أو تربيةً، أو تذكيراً بالجزاء الأكبر، ويمحو من سجِّل المُؤاخَذَة كثيراً من الذنوب. فالإيمان بالله تعالى بصدق وإخلاص سبب لكشف البلاء والنجاة من الهلاك ، كما قال سبحانه عن قوم يونس : [فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ] {يونس:98}.والمعنى: فَهلاَّ كانت قريةٌ من القُرى التي أُهلكت هلاكَ الاستئْصال، آمنتْ قبلَ مُعَاينة العذاب، ولم تُؤخِّر إيمانها إلى حين معاينته، فنفَعَها إيمانُها!! بأن يقبله الله منها، ويكشفَ عنها العذابَ بسببه؛ لكنَّ قومَ يونس لم يجْرُوا على سُنَّة أسلافهم، بل بادروا إلى الإيمان قبل نزول العذاب حين رأوا أماراته، فقبل الله إيمانهم، وكشف عنهم عذاب الذلِّ والهوان في الحياة الدنيا، ومتَّعهم إلى وقتِ انقضاء آجالهم. فالرجوع إلى الله تعالى بالإيمان الصادق والعمل الصالح هو الدواء، من كل بلاء، وهو العلاج الناجع لاستصلاح الفارط واستبدال النقم بالنعم.. اندفع كثير من المسلمين اليوم وراء تحقيق الشهوة المحرمة، والنزوة الطائشة،واعتمدوا مع ذلك على الأماني الكاذبة، وقد ندَّد القرآن الكريم بمن كان زاده الأماني وحفز الهمم للعمل، ووجه الأنظار للمجازاة العادلة، فقال تعالى:[لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا] {النساء:123}. أي: ليس ما وعد الله به من الثواب ودخول الجنة، والظفر بمراتبها العليَّة، ولا النجاة من النار، ومن دركاتها الدنيَّة، بالأماني الحاصلة في نفوسكم التي تريدون وقوعها ـ أيُّها المسلمون ـ، ولا بأماني أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وإنَّما الأمر بالإيمان والسَّعي والجِدِّ في فعل الصالحات، وترك السيِّئات، وبذل الطاقة ارتقاءً في مراتب الكمال، وترفُّعاً عن دَرَكات النقصان، ولكن من يرتكب معصيةً، مؤمناً كان أو كافراً، يُجازه الله بها، عاجلاً أو آجلاً، ولا يجد له من دون الله ولياً ما يرحمه، فيحميه ويُؤْويه، ولا نصيراً ينصره، فيمنع عنه نزول عذاب الله الذي يستحقُّه بالعدل. فليس المراد بالانتساب إلى الإسلام مجرد الدعوى، والتشبث بالخيال، بل لابد من عمل والتزام. إنَّ ما ينزل بنا من كوارث ليست إلا من كسب أيدينا، وإن النتائج تابعة دائماً للأعمال والأخلاق، فمن أراد أن يتجنبها فليترك الأعمال التي تأتي بنتائج وخيمة. والأعمال الصالحة ذريعة للصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، اللهمَّ لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |