|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() محبة لقاء الله تعالى بقلم: د. طه محمد فارس لا يشك مؤمن بأن أعمار العباد بيد الله تعالى، وأن آجالهم محتومة مقدرة، إلا أن الفرق بين المؤمن بلقاء الله ووعده، وبين المنكر الجاحد، أن الأول يجعل حياته كلها لله، فهو يسعى لرضاه مستعداً للقاه، وأن الآخر يعيش في دنياه من أجل شهواته ومناه، ويتمنى طول الحياة ليحقق مزيداً مما يتمناه، وهذا ما أخبرنا الله تعالى عنه بقوله: ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر) [البقرة: ٩٦]، فحال هؤلاء الأشقياء أنهم راضون بالحياة الدنيا، مطمئنون لما فيها من شهوات، غافلون عن يوم المعاد إلى رب العباد، قال تعالى: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون) [يونس: ٧]. قال الحسن البصري رحمه الله: والله ما زينوها ولا رفعوها، حتى رضوا بها وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها، والشرعية فلا يأتمرون بها، بأن مأواهم يوم معادهم النار، جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا والإجرام، مع ما هم فيه من الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر. [تفسير ابن كثير 4/249] وأما المؤمن الذي استجاب لأمر الله وسعى إلى رضاه، فتسرع إليه البشائر من أول مراحل لقائه لمولاه، فيطمئن ويتشوق للقاء، قال تعالى: ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) [فصلت: ٣٠]. قال زيد بن أسلم: تأتي الملائكة المؤمنَ إذا حضر، وتقولُ له: لا تَخَفْ مما أنتَ قادِمٌ عليه - فيذهب الله خوفه - ولا تحزن على الدنيا وأهلِها، وأبشر بالجنة، فيموتُ وقد جاءته البشرى. [انظر: تفسير ابن كثير 7/177]. وقال الحسن البصري: إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله، واطمأن الله إليه، ورضي عن الله، ورضي الله عنه، فأمر بقبض روحها وأدخله الجنة، وجعله من عباده الصالحين.[شرح السنة للبغوي 5/262] وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن محبة الله تعالى للقاء من يحب لقاء مولاه، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»[ أخرجه البخاري في الرقاق برقم 6026؛ ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم 4845]، وقال صلى الله عليه وسلم:« لا يُحِبُّ رَجُلٌ لِقَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَلا أَبْغَضَ رَجُلٌ لِقَاءَ اللَّهِ إِلَّا أَبْغَضَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».[ أخرجه أحمد في مسنده 14/229 عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير شريح بن هانيء فمن رجال مسلم.] ولكن قد يستشكل البعضُ ظاهر معنى الحديث، ويحتجون بكراهة أكثر الناس للموت، ويحتجون كذلك بحديث آخر يفهم منه كراهة تمني الموت، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم :« لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي».[ أخرجه البخاري في المرضى برقم 5347 عن أنس بن مالك؛ ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم 2680] نقول: إن هذا الإشكال وقع لإحدى أمهات المؤمنين عند سمعت الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاب عنه رسول الله r، عندما قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، فقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».[ أخرجه البخاري في الرقاق برقم 6026؛ ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم 4845.] وعندما استشكل شريح بن هانئ ما سمعه من أبي هريرة رضي الله عنه في ذلك، جاء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقال لها: لئن كان ما ذكر أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم حقا لقد هلكنا، فأجابته مزيلة إشكاله بقولها: إذا حشرج الصدر، وطمح البصر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه. [أخرجه أحمد في مسنده 2/346 بسند صحيح.] قال أبو عبيد بن سلام: هذا الحديث يحمله أكثر الناس على كراهة الموت، ولو كان الأمر هكذا لكان الأمر ضيقاً شديداً، لأنه بلغنا عن غير واحد من الأنبياء عليهم السلام أنه كرهه حين نزل به، وكذلك كثير من الصالحين; وليس وجهه عندي أن يكون يكره عَلَز (العلز: قلق وخفة وهلع يصيب الانسان. انظر: الصحاح للجوهري، مادة: علز) الموت وشدته، هذا لا يكاد يخلو منه أحد، ولكن المكروه من ذلك الإيثار للدنيا والركون إليها; والكراهة أن يصير إلى الله وإلى الدار الآخرة، ويؤثر المقام في الدنيا....، أفلا ترى أن الموت غير اللقاء لله تعالى؟.[انظر: غريب الحديث له 3/1ـ2.] قال الإمام النووي رحمه الله: الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه، وما أُعد له، ويكشف له عن ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أُعد لهم، ويحب الله لقاءهم ... فيجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم، أي: يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم . [انظر: شرح مسلم للنووي 17/10] ولعل فيما روي عن بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤكد ذلك، فقد رُوي أنه لما حضرت الوفاةُ معاذ بن جبل رضي الله عنه جعل يقول:« حبيبٌ جاء على فاقة، لا أفلح اليوم من ندم»، وكان يقول عند اشتداد السكرات:« اخْنُقْنِي خنْقَك، فوَحقِّكَ إن قلْبي ليحبّك»([1]). [انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 8/120]. اللهم ارزقنا حبك وحب لقائك، وأحسن وفادتنا إليك يا رب العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |