نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 959 - عددالزوار : 121722 )           »          الصلاة دواء الروح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          يكفي إهمالا يا أبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          فتنة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حفظ اللسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          التحذير من الغيبة والشائعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيف ننشئ أولادنا على حب كتاب الله؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قصة سيدنا موسى عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-04-2025, 12:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة : Egypt
افتراضي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

نص الخطبة:
الحمد لله رب العالمين الذي وسعت رحمته كل شيء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل نبيَّه رحمة للعالمين، فهداهم من ضلالة، وعلَّمهم من جهالة، وأخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان، وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله، شمِلت رحمته البَر والفاجر، والقريب والبعيد، والعدو والصديق، فكان رحمةً مُهداةً من الله عز وجل، فاللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، فالرحمة صفةٌ إلهية، نعَتَ الله بها نفسَه في مواضعَ من كتابه، فهو - سبحانه - رحمن رؤوف، غفور رحيم؛ بل أرحم الراحمين، وأخبر - سبحانه - عن نفسه بأنه واسع الرحمة، وأن رحمته وسعتْ كل شيء، وأنه خير الراحمين، وبالناس رؤوف رحيم، قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].

وأعظم رحمة حظيتْ بها البشريةُ من ربِّها: إرسالُ نبي الرحمة والهدى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، قال - سبحانه - مبينًا هذه النعمة، وممتنًّا على عباده بها: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، فما من مخلوقٍ على هذه الأرض إلا وقد نال حظًّا من هذه الرحمة المهداة؛ نالها المؤمن بهداية الله له، حتى الكفار رُحموا ببعثته صلى الله عليه وسلم؛ حيث أخَّر الله عقوبتهم، فلم يستأصلهم بالعذاب؛ كالخسف والمسخ والغرق كما حدث للأمم السابقة، إكرامًا له صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 33].

وحصَّلها المنافق بالأمن من القتل، وجريان أحكام الإسلام في الدنيا عليه، فجميع الخلق قد هنئوا وسعدوا برسالته صلى الله عليه وسلم.

وأسعد من حظي برحمته صلى الله عليه وسلم هم صحابته - رضي الله عنهم - فامتلأ قلبُه صلى الله عليه وسلم رحمةً بهم، وعطفًا عليهم، ولطفًا بهم، حتى شهد له ربُّه بقوله: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وبقوله: ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ﴾ [التوبة: 61]؛ بل إن الله - تعالى - قد علم من شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على صحابته ما جعله أَوْلَى بهم من أنفسهم، وحُكْمه فيهم مقدَّم على اختيارهم لأنفسهم؛ قال - تعالى -: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، وقال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

وأمَّته صلى الله عليه وسلم لم يَنسهم نبيُّ الرحمة من العطف والشفقة والرأفة، فقد كان همُّه صلى الله عليه وسلم: ((أمتي أمتي))، وكان دائمًا ما يقول: ((لولا أن أشقَّ على أمتي))، روى مسلم في صحيحه، عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيمَ - عليه السلام -: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36]، وقول عيسى - عليه السلام -: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى صلى الله عليه وسلم، فقال الله - عز وجل -: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربُّك أعلم - فسلْه: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الله - عز وجل -: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنُرضيك في أمَّتك ولا نسُوءُك.

بل إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد جعل دعوتَه المستجابةَ لأمَّته ولأجل أمته؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبيٍّ دعوةٌ مستجابة، فتعجَّل كلُّ نبي دعوتَه، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ - إن شاء الله - من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا))؛ متفق عليه.

ومن رحمته بأمته أنه صلى الله عليه وسلم كان يترك أحيانًا بعض السنن والمستحبات والأعمال الصالحات، وقلبُه معلَّقٌ بها، ما يتركها إلا خشيةَ أن تُفرَض على أمته، فلا يطيقونها، تقول أم المؤمنين عائشةُ - رضي الله عنها - الخبيرةُ بأموره: ((إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيدعُ العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس، فيُفرض عليهم))؛ رواه البخاري.

بل بلغ من رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته، أنه كان يغضب من المسائل التي قد يترتَّب عليها تشريعٌ يشق على الناس، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: خطبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج، فحُجُّوا))، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو قلتُ: نعم، لوجبتْ، ولما استطعتم))، ثم قال: ((ذروني ما تركتم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيء فائتمروا ما استطعتم)).

أمَّا رحمته صلى الله عليه وسلم وتلطُّفه مع الصغار والأولاد، فقد ضرب أروع الأمثلة لِمَن بعده، وما عرَفتِ البشرية أحدًا أرحم بهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي صلى الله عليه وسلم فيرى ابنه إبراهيمَ في سكرة الموت، وقد نازعته روحه، فجعلتْ عيناه تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف متعجبًا: وأنت يا رسول الله؟! – يعني: تبكي - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بن عوف، إنها رحمة))، ثم أتبع دمعاته تلك بأخرى، وقال: ((إن العين لَتدمعُ، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا، وإنا لفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون)).

وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقبِّل الأطفال ويحملهم، ويلاعبهم ويُواسِيهم، ويمسح على رؤوسهم، رآه الأقرع بن حابس يقبِّل الحسنَ بن علي، فقال في جفاء: إن لي عشرةً من الولد، ما قبَّلتُ واحدًا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه مَن لا يَرحم لا يُرحم)).

وجاءت أم قيس بنت محصن بابنٍ لها صغير، لم يأكل الطعام، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أجلسه في حجره، فبال الصبيُّ على ثوبه صلى الله عليه وسلم فلم يتذمر ولم يثرِّب؛ بل دعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسلْه.

ورأى محمودَ بنَ الربيع وهو ابن خمس سنين، فجعل يمازحه ويمج الماء عليه.

وأحد أطفال الصحابة لما مات طائرُه الذي يلاعبه، جعل النبي صلى الله عليه وسلم يُمازِحه ويواسيه، ويقول: ((يا أبا عمير، ما فعل النغير؟)).

بل إن رحمته بالأطفال لم تفارقه حتى وهو في عبادته؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي؛ مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه))؛ رواه البخاري، وفي رواية له: كراهية أن أشق على أمه.

وصلى بأصحابه يومًا، فلما سجد، جاء الحسن أو الحسين فامتطى ظهره، فأطال السجود جدًّا، حتى إن أحد الصحابة رفع رأسه من السجود قلقًا على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، سأله الناس عن هذه السجدة الطويلة، فقال: ((إن ابني هذا ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)).

ولما كان صلى الله عليه وسلم يخطب على منبره ذات مرة، جاءه الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: ((صدق الله: ﴿ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [الأنفال: 28] نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما)).

هذه الرحمة العالية قد وسعتِ الكافرَ على كفره وعناده، يُضرَب أكرمُ الخلق عند الله، ويُبصَق في وجهه، ويُرمَى سلا الجزور على ظهره وهو ساجد، ويُخنَق بثوب حتى ضاقتْ بذلك نفسه، ويُضرَب أصحابه، ويهانون أمام ناظريه، فعرض عليه ربُّه إهلاكَهم، فقال صلى الله عليه وسلم في رحمة ورأفة وشفقة: ((بل أرجو أن يُخرِج الله من بين أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا شريك له)).

وها هو رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم عامَ فتح مكة يُقابِل أعداءه الذين طردوه وحارَبوه واتهموه في عقله، يُقابِلهم بالرحمة العظيمة التي مُلِئ بها قلبه، فيقول: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))، وسمَّى ذلك اليوم بيوم المرحمة.

بل إن صاحب هذا القلب الرحيم، والنفس المشفقة كان يستوصي بالمشركين إذا وقعوا أُسارى بيد المسلمين، ها هو أبو عزيز بن عمير - أخو مصعب بن عمير - يحدثنا عمَّا رآه، فيقول: كنت في الأسرى يوم بدرٍ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: ((استوصوا بالأسارى خيرًا)).

وحينما رأى صلى الله عليه وسلم أسرى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت الشمس، قال: ((لا تجمعوا عليهم حرَّ هذا اليوم وحرَّ السلاح، قيلوهم حتى يبردوا)).

إخوة الإيمان، وتعدتْ رحمة النبي صلى الله عليه وسلم حتى شملتِ البهائمَ والجمادات، فكان لها حظٌّ من هذه الرحمة الربانية، فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم ((أن امرأة بغيًّا رأت كلبًا - في يوم حار - يُطيف ببئر قد أدلَع لسانَه من العطش، فنزَعت له بمُوقها - أي: استقت له بخُفِّها - فغُفِر لها))، وأخبر صلى الله عليه وسلم ((أن عُذِّبت امرأة في هرَّة؛ لم تطعمها، ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض))؛ البخاري ومسلم.

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالبهائم: أنه نهى عن تعذيب الحيوان، ولعَن المخالفين على مخالفتهم؛ أخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر أنه قال: "لعَن النبي صلى الله عليه وسلم مَن مثَّل بالحيوان".

وروى مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمار قد وُسِم في وجهه، فقال: ((لعَن الله الذي وسَمه)).

ويرحم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيوان الأعجم من أن يُجوَّع أو يُحمَّل فوق طاقته، فقال في رحمة بالغة حين مَرَّ على بعير قد لحقه الهزال: ((اتقُوا الله في هذه البهائم المُعجمة، ‏فاركَبوها صالحة، وكُلوها صالحَة))؛ أبو داود، وابن خزيمة.

ودخل حائطًا – بستانًا – لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فنزل صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه وسراته؛ فسكن، فقال: ((مَن صاحب هذا الجمل؟))، فجاء شاب من الأنصار وقال: أنا، فقال: ((أَلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها، فإنه شكاك إليَّ أنك تجيعه وتدئبه)).

بل هو صلى الله عليه وسلم يرحم الحيوان حتى في حالة ذبْحه، فيقول: ((إن الله كتَب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِد أحدكم شَفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته))؛ أخرجه مسلم.

وقال له رجل: يا رسول الله، إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((والشاة إن رحمتَها، رحمك الله))؛ رواه الإمام أحمد.

بل إنه صلى الله عليه وسلم يتجاوز البهائم إلى الطيور الصغيرة التي لا ينتفع بها الإنسان كنفعه بالبهائم، وانظر إلى رحمته بعصفور؛ رأى الصحابة حُمَّرة معها فرخان، (والحمَّرة نوع من العصافير أحمر اللون)، فأخذ الصحابة فرخَيها، فجعلت الحمرة تفرِّش جناحيها وترفرف، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبصرها، رقَّ لحالها وقال: ((من فجعَ هذه بولدها؟! ردُّوا ولدها إليها))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن قتل عصفورًا عبثًا، عجَّ إلى الله عز وجل يوم القيامة منه يقول: يا رب، إن فلانًا قتلني عبثًا، ولم يَقتلني لمنفعة))؛ أخرجه النسائي، وأحمد.

بل أعجب من ذلك: أن هذه الجمادات الساكنة كان لها نصيب من الرحمة النبوية، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بأصحابه أول أمره على جذع نخلة، ثم بنى له الصحابةُ بعد ذلك منبرًا، فلمَّا صعد عليه النبي صلى الله عليه وسلم أول مرَّة، حنَّ الجذع وبكى، حتى سمع الصحابة - رضي الله عنهم - صياحه، فنزل الرؤوف الرحيم من منبره وقطع خطبته، فضمَّ الجذع إليه، وجعل يُهَدَّى كما يُهَدَّى الصبي، حتى سكن، وقال: ((لو لم أعتنقه، لحنَّ إلى يوم القيامة)).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إن ربي غفور رحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أمَّا بعدُ:
فيا أيها المؤمنون، هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لنا، ولكل من آمن بالله واليوم الآخر بنص القرآن ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، ولن تجدوا في كتب التاريخ والسير من فجر الخليقة إلى اليوم - بل إلى قيام الساعة - رجلًا مثل رسول الله في كمال خُلقه، وعظمة شخصيته، فهو خير البرية أقصاها وأدناها، ما وُجِدَ على الأرض أنقى سيرةً وسريرةً منه، حاز رسولنا من الأخلاق أعلاها، وجمع من الصفات أكملها وأسناها، فاجتمع فيه الكمال البشري كما لم يجتمع في أحد قبله ولا بعده منذ وُلِد ونشأ على أكمل الأخلاق وأشرفها وأعظمها؛ كان ذا خلق نبيل، وأدب رفيع، حتى ما عرف بمكة أروع ولا أحسن خلقًا منه بأبي هو وأمي، صلوات الله وسلامه عليه، فلم يُحفظ عنه طول أيامه إبَّان إقامته بمكة بين بني قومه، إلا كلُّ الخير والبر والصدق والأمانة حتي لَقَّبه قومه بالصادق الأمين؛ لما رأوا من جلالة خلقه وسموِّ أدبه وكريم صفاته ونبيل عاداته، فلم يكن يُعرف بينهم إلا بهذا الوصف الشريف؛ ثم لما نزل عليه الوحي الرباني تزايدت فيه هذه الخصال العظيمة، فصار امتثال أوامر القرآن واجتناب نواهيه سجيةً له، وخلقًا ثابتًا من أخلاقه، هذا مع ما جبله الله عليه قبل ذلك من الخلق العظيم، ويكفي لبيان ذلك أن يحصر النبي مهمة بعثته وهدف رسالته في إصلاح الأخلاق وتهذيبها بقوله: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).

ولقد كانت حياة نبي الهدى تشعُّ رحمةً ورأفةً بالبشرية جميعًا، فكانت تلك الرحمة ماثِلَةً في حياته جميعًا؛ في وقت الضعف والقوَّة، وإبان المنشط والمكره، ولجميع فئات الناس، بل تعدتْ رحمة النبي صلى الله عليه وسلم حتى شملتِ البهائمَ والجمادات، وإن دعوة الإسلام للرفق والرحمة بالحيوان، هي من باب أَولى دعوة لاحترام الإنسان والرحمة به، فإذا كان الإسلام رحيمًا بالكائن الذي لا ينطق ولا يعقل، ولا يَمتلك أحاسيسَ الإنسان ومشاعره، ولا كرامته وموقعه، فما بالك بأكرم الخلق وأفضل الكائنات؟! عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض، يرحمكم من في السماء))؛ أخرجه أبو داود.

وقال الطيبي: أتى بصيغة العموم؛ ليشمل جميع أصناف الخلق، فيرحم البر والفاجر، والناطق، والبُهم، والوحوش والطير.

وعن عمرو بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خاب عبد وخسِر، لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمةً للبشر))؛ أخرجه أبو نُعيم في معرفة الصحابة.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم))، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: ((ليس رحمةُ أحدِكم نفسَه وأهلَ بيته، حتى يرحم الناسَ))؛ شُعَب الإيمان.

ألا ما أحوجَ البشرية إلى هذه المعاني الإسلامية السامية! وما أشدَّ افتقارَ الناس إلى التخلُّق بالرحمة التي تضمد جراحَ المنكوبين، وتحثُّ على القيامِ بحقوقِ الوالدين والأقربين، والتي تواسِي المستضعَفين، وتَحنو على اليتامَى والعاجِزين، وتحافِظ على حقوقِ الآخرين، وتحجز صاحبَها عن دماء المعصومين من المسلمين وغير المسلمين، وتصون أموالَهم مِن الدمار والهلاك، وتحثُّ على فِعل الخيرات ومجانبة المحرمات! ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 109] ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10] ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286] اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت، اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وعافنا وارزقنا، آمين آمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأقم الصلاة.

جمعها ورتبها: الشيخ محمد عبدالتواب سويدان خطيب بوزارة الأوقاف المصرية.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.70 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]