|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة المسجد النبوي – بعد رمضان.. عبادة وإحسان
كانت خطبة المسجد النبوي لهذا الأسبوع بتاريخ 6 شوال 1446 هـ الموافق 4 أبريل 2025 م بعنوان (بعد رمضان عبادة وإحسان)، التي ألقاها إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ/د. عبدالمحسن بن محمد القاسم -حفظه الله-، وقد تناول في بداية خطبته الوصية الربانية بتقوى الله -عز وجل- ومراقبته -سبحانه- قائلا فاتقوا الله -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، ورَاقِبُوه في السِّرِّ والنَّجْوَى. ثم شرع في خطبته.. ليس للطاعة زمن محدود صفحات الليالي تطوى وساعات العمر تنقضي، وما أسرعَ مرورَ الأيامِ والسنينَ؛ فقد مضت أيامٌ مبارَكاتٌ قَطَعَتْ بنا مرحلةً من مراحل العمر لن تعود، مَنْ أحسَن فيها فليحمدِ اللهَ وليُواصِلِ الإحسانَ، فالطاعةُ ليس لها زمن محدود، بل هي حق لله على العباد يَعمُرُون بها الأكوانَ على مر الأزمان، وعمل المؤمن ليس له أجل دون الموت، قال -سبحانه-: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(الْحِجْرِ: 99)، قال ابن كثير -رحمه الله-: «الأنبياء -عليهم السلام- كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله، وأعرَفَهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبدَ الناس وأكثرَ الناس عبادةً ومواظَبةً على فعل الخيرات إلى حين الوفاة». من عمل صالحًا فليسأل الله القبول مَنْ قصَد الهدايةَ يَهدِه اللهُ إليها، ويُثبِّتُه عليها، ويُزِدْهُ منها، قال -تعالى-: {زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}(مُحَمَّدٍ: 17)، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «المسلم الصادق إذا عبَد اللهَ بما شرَع فتَح اللهُ عليه أنوارَ الهداية في مدة قريبة»، ومن عمل صالحًا فليسأل الله قَبوله، فإمام الموحِّدين إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام- دعوا الله وهما يرفعان قواعد بيت الرحمن أن يتقبل منهما؛ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(الْبَقَرَةِ: 127). وإذا صاحَب العملَ الدعاءُ والخوفُ من الله رغبًا ورهبًا كان محلَّ ثناء من الله، قال أبو بكر -]-: «أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وتخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف -أي: الإلحاح- بالمسألة؛ فإن الله -عز وجل- أثنى على زكريا وأهل بيته، قال -سبحانه-: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ في الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(الْأَنْبِيَاءِ: 90)». الحذر من محبطات الأعمال! والمؤمن يجمع بين إحسان ومخافة، فإذا أتمَّ عملًا صالحًا فليخشَ من عدم قَبوله، حاله كما قال -سبحانه-: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}(الْمُؤْمِنَونَ: 60)، قالت عائشة -رضي الله عنها-: «يا رسول الله، هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا، يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون ألا تقبل منهم، {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ في الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}(الْمُؤْمِنَونَ: 61)»(رواه الترمذي). فلا تغترَّ بكثرة العمل، فإنكَ لا تدري أيُقبَل منكَ أم لا، قال علي - رضي الله عنه -: «كونوا لقَبول العملِ أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل»، والأعمال الصالحة إذا لم تكن خالصة عن الشوائب لم تكن عند الله نافعة، فليحذر العبد بعد رجاء قَبول عمله من إحباطه وإفساده؛ فإن السيئات قد يحبطن الأعمال الصالحات، قال ابن القيم -رحمه الله-: «ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصى، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده». العُجب مفسد للعمل من مفسدات العمل الصالح العجب به؛ لما يورثه من التقصير في العمل والاستهانة بالذنوب والأمن من مكر الله، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «الهلاك في اثنتين: القنوط والعُجْب»، ودواء العُجب بالعمل الإقرار بالذنوب والاعتراف بالتقصير، وتذكر آلاء الله، والوجل من زوال النعم، والدعاء بحفظ العمل الصالح وطلب المغفرة والرضوان، والعبد مأمور بالتقوى في السر والعلن، ولا بد أن يقع منه أحيانًا تفريط في التقوى، فأمر أن يفعل ما يمحو به هذه السيئة؛ وهو إتباعها بالحسنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (رواه أحمد). علامات القبول إذا تقبَّل الله عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، والاستقامة على طاعة الله في كل حين من صفات الموعودين بالجنة، قال -عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}(فُصِّلَتْ: 30)، فأروا الله من أنفسكم خيرًا بعد كل موسم من مواسم العبادة، واسألوه مع الهداية الثبات عليها، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «رأس الأدعية وأفضلها قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}(الْفَاتِحَةِ: 6-7)»، فهذا الدعاء أفضل الأدعية وأوجبها على الخلق، فإنَّه يجمع صلاح العبد في الدين والدنيا والآخرة، وسلوه -سبحانه- الإعانة على دوام العمل الصالح، فقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا أن يقول في دبر كل صلاة: «اللهمَّ أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (رواه أحمد). خير العمل أدومه ولو كان قليلًا وإيَّاكم والانقطاعَ والملالَ والإعراضَ، فإنَّ الله لا يملُّ حتى تملُّوا، وخيرُ العملِ وأحبُّه إلى الله ما داوم عليه العبد ولو كان قليلًا، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أحب الأعمال إلى الله -تعالى- أدومها وإن قل»(مُتفَق عليه)، وقد عاب - صلى الله عليه وسلم - من عمل طاعة ثم فرط فيها، فقال لعبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: «يا عبداللهِ، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل»(مُتفَق عليه)، قال النوويّ -رحمه الله-: «القليل الدائم خير من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق -سبحانه وتعالى-، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة». باب التوبة مفتوح لكل من وقع في تفريط أو تقصير وكلُّ وقتٍ يُخلِيه العبدُ من طاعةِ مولاه فقد خَسِرَ، وكلُّ طاعةٍ يَغفُل فيها عن ذِكْرِ اللهِ تكون عليه يومَ القيامة ندامةً وحسرةً، ومَنْ كان مُقصِّرًا أو مُفرِّطًا فلا شيءَ يَحُولُ بينَه وبينَ التوبة ما لم يُعايِنِ الموتَ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -تعالى- يقبل توبة عبده ما لم يغرغر»(رواه أحمد). أعمال الجوارح لا تنفع إلا مِنْ قلبٍ سليمٍ الليالي والأيام خزائن للأعمال يجدها العباد يوم القيامة، قال -سبحانه-: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}(آلِ عِمْرَانَ: 30)، وَقَالَ -سبحانه-: في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»(رواه مسلم). والأزمنة والأمكنة الفاضلة لا تُقدِّس أحدًا ما لم يعمل العبد صالحًا ويستقم ظاهرًا وباطنًا، وكثرة أعمال الجوارح لا تنفع إلا مِنْ قلبٍ سليمٍ، والعاقل من يعتني بصلاح قلبه على الدوام، ويتفقد سريرته وباطنه في جميع الأزمان، فاستعدوا بذخائر الأعمال لما تلقون من عظيم الأهوال، وما مرور الأعوام بعد الأعوام، وجريان الليالي والأيام إلا مذكر بتصرم الأعمار، وانتهاء الآجال، والقدوم على الكبير المتعال. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الْحَشْرِ: 18). استمرار الطاعات بعد رمضان الصيام بعد رمضان إن انقضى موسم رمضان فإن الصيام ما يزال مشروعًا في غيره من الشهور، فأتبعوا صيام رمضان بصيام ست من شوال، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر»{رواه مسلم}، وكانت كصيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها؛ فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين، وسن النبي - صلى الله عليه وسلم - صيام يومي الاثنين والخميس، وقال: «ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»(رواه أحمد)، وأوصى - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة بصيام ثلاثة أيام من كل شهر. (مُتفَق عليه)، وقال: «صوم شهر الصبر -أي: رمضان- وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر»(رواه أحمد). القيام بعد رمضان لئن انقضى قيام رمضان فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة من ليالي السنة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَنْزِلُ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ. فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟»(مُتفَق عليه). القرآن بعد رمضان القرآن الكريم كثير الخير، دائم النفع؛ {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}(الْأَنْعَامِ: 92)، وهو يتلى في أيام الدهر ولياليه، وبه الرفعة في الدارين، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين»(رواه مسلم). الدعاء والذكر والصدقة بعد رمضان الدعاءُ لا غِنى عنه في كل حين، والذكر لا حياة للقلوب إلا به، والصدقة تزكي الأموال والنفوس في جميع الأزمان، وإذا فتح باب خير فبادر إليه، فالأبواب لا تفتح على الدوام، والمغبون من انصرف عن طاعة الله، والمحروم مَنْ حُرِمَ -رحمةَ اللهِ. اعداد: المحرر الشرعي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |