حفاوة الله بعبده المقبل عليه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1204 - عددالزوار : 133847 )           »          سبل تقوية الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          إقراض الذهب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حكم المصلي إذا عطس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          فقه الاحتراز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          سُنّة: عدم التجسس وتتبع عثرات الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          القراءة في فجر الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الصلاة قرة عيون المؤمنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          إلى القابضين على جمر الأخلاق في زمن الشح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الأخوة في الدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-03-2025, 04:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,907
الدولة : Egypt
افتراضي حفاوة الله بعبده المقبل عليه

حفاوة الله بعبده المقبل عليه

الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرَضين، أرسل رسله حجةً على العالمين، ليحيى من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، البشير النذير، والسراج المنير، ترك أمته على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنَّته إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن خير دنياكم وأخراكم بتقوى الله تبارك وتعالى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3] ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

عباد الله، إن من أعظم ما يُعين على صلاح القلب التفكُّر بعظمة الرب جل جلاله، الذي إليه تتَّجِه مقاصدنا، نتطلَّب رضاه ومغفرته ورحمته، ونتطلب منه أن يمدنا بقوة من قوته، وغنى من غناه، ونصرًا من عنده؛ ولذا كانت أعظم آيات القرآن العظيم هي الآيات التي تتحدَّث عن الله جل جلاله وآلائه وصفاته، والآيات المعرفة بأفعاله، فأعظم آية في القرآن ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

وقد تضمَّنت أسماء الله وصفاته، وأعظم سورة في كتاب الله الفاتحة؛ نصفها ثناء على الله جل جلاله بما هو أهله، ونصفها تضرُّع ودعاء، وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، والحديث العظيم القدسي الذي يرويه الإمام مسلم الذي أبان فيه الله جل وعلا شيئًا من عظمته وقدرته، فيروي أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، عن نبينا صلى الله عليه وسلم، عن ربه تبارك وتعالى قال: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبـَادِي كُلُّكـُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُـهُ فَاسْتَكْسُونِـي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِــي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مـِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُــلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِـيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَد اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".

عباد الله، لم يثبت الجبل الشامخ لرؤية الله جل جلاله ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 143].

بل ما هو حالي وحالك ونحن نقرأ حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأخذ الله تبارك وتعالى سماواته وأرضه بيده ويقول: "أنا الله- ويقبض أصابعه ويبسطها- أنا الملك"، حتى نظرتُ إلى المنبر يتحرَّك من أسفل شيءٍ منه حتى إِنِّي لأقول: أساقطٌ هو برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم".

أو ما سمعت بحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ مِنَ الأحبار إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمَّد، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ عز وجل يجعل السَّمَوَاتِ على إصبع، والأرضينَ على إصبع، والشجر على إصبع، والماءَ والثَّرى على إصبع، وسائرَ الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الزمر: 67].

أو ما يفز قلبك وتخشع جوارحك وأنت تقرأ قول ربك: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3] أو ما تخشع جوارحك وأنت تسمع قول ربك جل وعلا: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، أو ما يخشع قلبك وأنت تقرأ: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [لقمان: 28].

عباد الله، هذه الآيات وغيرها كثيرة، والأحاديث الدالة على عظمة الله جل وعلا تورث في القلب تعظيمًا وخضوعًا وخشوعًا، ثم أدعوك للتفكُّر والتأمل مرة أخرى في حفاوة الله العظيم، في حفاوة الله الرب الكريم الجبار المتكبر الغفور الرحيم الذي لا خير إلا من عنده، ولا نعمة إلا من عنده، ولا اندفاع للشر إلا بأمره، هذا الإله العظيم يحب عباده المقبلين عليه، ويحتفي بهم، ويفرح بإقبالهم، ورجوعهم إليه وأوبتهم إليه؛ بل هو الذي يدعوهم إليه ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25].

هو الذي يناديهم ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، إن لم يكن الإقبال على الله في رمضان، فمتى يكون الإقبال إذًا؟

يحتفي ربنا ويفرح بإقبالنا ورجعونا إليه واسمع لهذا الحديث العظيم "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ".

أيها المقبلون على ربكم، تقبل الله منكم، وزادكم فضلًا، وزادكم هدًى وتقوى.

من حفاوة الله بعبده المقبل عليه أن الله جل وعلا يقبل عليه ويزيده هدًى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني" واقرؤوا إن شئتم ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، من ذكره الله تولَّاه ورحمه.

ومن حفاوة الله بك أيها المقبل عليه أن الله جل جلاله يباهي بك الملائكة، يا الله، ما أعظمها! وكيف نغفل عنها، فلقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه يذكرون الله، فقال: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: جلَسْنا نذكُرُ اللهَ، قال: آللهِ، ما أجلَسكم إلَّا ذلك؟ قالوا: واللهِ ما أجلَسنا إلَّا ذلكَ، قال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَج على حَلقةٍ مِن أصحابِه فقال: "ما يُجلِسُكم؟" قالوا: جلَسْنا نذكُرُ اللهَ ونحمَدُه على ما هدانا للإسلامِ ومنَّ علينا به، قال: "آللهِ، ما أجلَسكم إلَّا ذلكَ؟" قالوا: واللهِ ما أجلَسنا إلَّا ذلكَ، قال: "أمَا إنِّي لَمْ أستحلِفْكم تُهمةً لكم؛ ولكنَّ جِبريلَ أتاني فأخبَرني أنَّ اللهَ يُباهي بكم الملائكةَ"، من نحن حتى يذكرنا نحن الضعاف الفقراء المحاويج المساكين المذنبين المستغفرين إذا جلسنا نذكر الله جل جلاله يباهي العظيم بنا ملائكته، يا رب، لا تحرمنا فضلك، وارزقنا حسن الإقبال عليك.

من حفاوة الله بك أيها المقبل على ربك أن الله جل جلاله رتَّب الأجور العظيمة تحفيزًا لك وتحبيبًا، فما أكرمك على ربك سبحانه "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وللصائم دعوة لا ترد، من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، في كل ليلة عتقاء من النار.

ومن حفاوة الله بالعبد المقبل عليه أن يمده ربُّه بمدد من عنده فيُعينه على عبادته ويُحبِّب له أخواتها، قال ربي جل جلاله: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7]، فيعمل ويزداد فيكون أنسهم بطاعة ربهم وهواهم وما تشتهي أنفسهم تبعًا لما جاء به رسولهم صلى الله عليه وسلم، واقرؤوا إن شئتم ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17].

كلما ازداد العبد في الإحسان والعمل الصالح ترقَّى في مراتب ولاية الله تبارك وتعالى، ومن كان وليًّا من أولياء الله أحَبَّه ربُّه ونصره، وكان معه في عُسْره ويُسْره ومنشطه ومكرهه.

عباد الله، من حفاوة الله بك أيها العبد المصلي المستجيب لأمر الله جل وعلا تركت لذيذ النوم والفراش إقبالًا على ربك تبارك وتعالى.

من حفاوة الله بعبده المصلي أن ناداه للصلاة في بيته وما نادى عباده لبيته إلا ليكرمهم، فالكريم إذا نادى أحدًا لبيته أكرمهم، فما حال أكرم الأكرمين جَلَّ جلاله.

من حفاوة الله بعبده المصلي أن ناداه للصلاة في بيته، فمَن استجاب أكرم بالدرجات العالية، واستغفار الملائكة، وتنزل السكينة والرحمة وتكفير الخطيئة والسيئة ورفع الدرجة، ومحو الخطيئة في كل خطوة، وارتفاع الدرجة بكل سجدة، فعن ثوبان رضي الله عنهم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليك بكثرة السجود؛ فإنك لم تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئة".

من حفاوة الله بك أيها العبد المصلي أن الله قِبْلةُ وجهك في صلاتك، من حفاوة الله بك أيها المصلي أن الله يناديك: "قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ، نصفُها لي، ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قالَ اللهُ: حمِدني عبدي، وإذا قالَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قالَ اللهُ: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4] قال اللهُ عز وجل: مجَّدني عبدي، وفي روايةٍ "فوَّضَ إليَّ عبدي"، وإذا قالَ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: فهذه الآيةُ بيني وبين عبدي نصفينِ، ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال: فهؤلاءِ لعبدي ولعبدي ما سألَ".

من حفاوة الله بك أيها المتصدِّق الذي استجبت لأمر الله جل وعلا وتركت حب الدنيا من قلبك استجابة لأمر الله جل وعلا الله يحتفي بصدقتك ويربيها وينميها، فلقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن تصدَّق بعَدلِ تَمرةٍ، مِن كسْب طيِّبٍ- ولا يَقبَلُ اللهُ إلَّا الطيِّبَ- فإنَّ اللهَ يتقبَّلها بِيَمينِه، ثم يُرَبِّيها لصاحِبِها كما يُرَبِّي أحَدُكُم فَلُوَّه حتى تكونَ مِثلَ الجَبَلِ".

وأما حفاوة الله بكم أيها الصائمون، فلقد احتفى الله بشهركم ففتح أبواب الجنان، وغلق أبواب النيران، وصفد مردة الشياطين، وجعل في القلب إقبالًا على الله جل وعلا، فالناس فيه مقبلون، فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، ولنا جميعًا حاجات في الدنيا والآخرة.

من حفاوة الله بك أيها العبد الصالح أن الله جل جلاله أضاف الصوم إليه، وأخفى أجره، فهو جزاء بلا حد، وعمل تحت نظر الرب، واحتفاء بالترك لأجله سبحانه وتعالى، حديث عظيم لمن تأمَّله، يا رب اجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب.

قال عليه الصلاة والسلام، قال الله جل جلاله: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولَخُلُوفُ فَمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك".

يا الله، أرأيت عظيمًا يحتفي بوضيع؟! أم هل رأيت غنيًّا يحتفي بفقير؟! أم دار على مسامعك أن قويًّا يحتفي بضعيف؟! لكنه العبد إذا عظم أمر الله جل وعلا وأمر رسوله ارتفعت منزلته عند ربه، واقرأ قول الله إن شئتم ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد:
شهركم عظيم فاقدروا لهذا الشهر قدره، واقدروا لعطية ربكم قدرها، فأبواب الجنان مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، وأبواب الخير مشرعة، فلجوا من كل باب، غفر الله لي ولكم، ومن قصر فليتدارك، فلقد دعا جبريل عليه الصلاة والسلام وأمَّن على دعوته محمد صلى الله عليه وسلم "رغم أنف من أدركه رمضان فلم يغفر له، قل: أمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمين".

اللهم إنا نعوذ بك من الخذلان يا رب العالمين، اللهم وفقنا لإدراك هذا الشهر العظيم.

اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظمين لما نهيت عنه، منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تذل الشرك والمشركين، وأن تُدمِّر أعداء الدين، وأن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذله، وأن توالي من والاه بقوَّتك يا جبار السماوات والأرض.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبرِّ والتقوى.

اللهم من أرادنا وأراد ديننا وأمننا وشبابنا ونساءنا بسوء وفتنة اللهم اجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره دماره يا سميع الدعاء، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، وجازهم خير الجزاء، اللهم اقبل من مات منهم، واخلفهم في أهليهم يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بواسع رحمتك وجودك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرُّقًا معصومًا.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وجازهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حيًّا فأطِل عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومن سبق للآخرة فارحمه رحمةً من عندك تغنيهم عن رحمة من سواك.

اللهم ارحم المسلمين والمسلمات، اللهم اغفر لأموات المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيِّك بالرسالة، اللهم جازهم بالحسنات إحسانًا، وبالسيئات عفوًا وغفرانًا يا رب العالمين.

اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، ووفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك.

اللهم أصلحنا وأصلح ذريتنا وأزواجنا وإخواننا وأخواتنا ومن لهم حق علينا يا رب العالمين.

اللهم ثبِّتْنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم بالشام وكل مكان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الصمد، تصمد إليك الخلائق في حوائجها لكل واحد منا حاجة لا يعلمها إلا أنت، اللهم بواسِع جودك ورحمتك وعظيم عطائك اقضِ لكل واحد منا حاجته يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وجازهم عنا خير ما جزيت والدًا عن والده، اللهم من كان منهم حيًّا فأطِل عمره، وأصلح عمله، وارزقنا بره ورضاه، ومن كان منهم ميتًا فارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء وجميع أموات المسلمين يا أرحم الراحمين.

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182]، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.34 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]