|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الصيام .. أهداف ومقاصد ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (الصيام أهداف ومقاصد)، والتي تحدَّث فيها عن أهداف الصيام ومقاصِده، ومن أعظمها: تحصيلُ تقوى الله - جل وعلا -، والمُنافسة إلى فعل الخيرات، والبُعد عن المُحرَّمات، وكان مما جاء في خطبته: إنه لَيذكُرُ مع ذلك أن الصوم كسائر العبادات التي كتبَها الله على عباده فريضة ذات أهدافٍ رفيعةٍ، ومقاصِد سامِية، تستشرِفُ لبلوغها النفوسُ المؤمنة، والقلوبُ المُطمئنَّة؛ رغبةً في نوال، وتطلُّعًا لعظيم أجرٍ، وجميلِ موعودٍ وعدَ الله به الصائمين المُحسِنين. فإن المرءَ بحُكم بشريَّته وما رُكِّب فيه من دوافِع، وما جُبِلَ عليه من غرائِز، قد تنحرِفُ به عن الجادَّة، وتَحيدُ به عن سواء السبيل، وقد تكون مُثبِّطةً له، مُثقِلةً عن اللحاقِ بركبِ عباد الله المُخلَصين، وإدراكِ قوافِل الصالِحين، والأخذ بنصيبٍ وافِرٍ من التكمُّل الذاتيِّ، والسمُوِّ الرُّوحيِّ. إنه بحُكم ذلك في حاجةٍ إلى وسيلةٍ صالحةٍ تأخذُ بيدِه، وترقَى به إلى ما يُريده الله منه من صلاحٍ واستِقامةٍ، فكانت الوسيلةُ الناجِحة هي الصوم؛ إذ هو العامِلُ الأظهر والباعثُ الأقوى في إحداثِ انقلابٍ وتحوُّلٍ في النفسيَّات من السيِّئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى ما هو خيرٌ وأحسنُ منه. وهو تحوُّلٌ عامٌّ يشملُ الناسَ في دُنياهم، فيحمِلُ الأكثرَ على الاتجاه نحو حياةٍ أفضل، يتجلَّى فيها الخيرُ والصلاحُ، وسدادُ المسلَك، والاستِمساكُ بخِلال التقوى، واطِّراح الغفلة، ومُجانَبة الصَّبْوة ما استطاعَ إلى ذلك سبيلاً. فإذا ما درَجَ المرءُ على هذا التحوُّل الكريم شهرًا كاملاً، نشأَت عنده العادةُ الحميدةُ في حبِّ الخير، وتعشُّق أساليبِ الفضيلة؛ فإن العادة تنشأُ بالتكرار. ولا ريبَ أن شهرًا كاملاً يسلُكُ العبدُ فيه أقومَ المسالِك، وأرفعَ مناهِج الطُّهر، سوف يكون له أقوى تأثيرٍ وأبقاه؛ بحيث يمضِي على دربِه بعد انقِضاء شهر الصيام؛ إذ يُصبِح هذا المنهجُ الرشيدُ عادةً لازِمةً له. وتلك هي التقوى المنشودة التي يجبُ أن تكون مُصاحبةً للعبد، وخُلُقًا من أخلاقِه يُعِدُّه الصومُ لها إعدادًا خاصًّا في شهر رمضان، فيبقَى مُقيمًا على عهدِها لا يضِلُّ عنها أو ينصرِفُ إلى مدارِك الرَّذِيلة. فتهيئةُ النفوس للتقوى هدفٌ بارِزٌ من أهداف الصوم؛ بل هو العُمدةُ والمِحورُ الذي يدورُ عليه الصومُ ويتعلَّقُ به. وصومٌ لا تُلامِسُه التقوى ولا تُخالِطُ فيه نفسيَّةَ الصائم صومٌ خَواء، إنما هو لإسقاط الفريضة؛ بحيث لا يُؤمرُ بإعادتها، لكنَّه خرج عن نِطاق التقوى، ولم يُدرِك حقيقة الصوم، وإنما أتى بمظهر وجانِبِه السلبيِّ. ولذا قال - عزَّ اسمُه -: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 183). فبدأَها - سبحانه - بنداء المؤمنين، وختمَها بقولِه: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، وبين الإيمان والتقوى أوثقُ الصِّلات؛ إذ الإيمانُ أساسُ الخير، ومنبَعُ الفضائِل، والتقوى رُوحُ الإيمان وعِمادُه، وسرُّ الفلاح. وفي الجمع بين الإيمان والتقوى في مبدأ الآية وخِتامِها ما يُشعِرُ بأن المقصودَ بالصوم ما جمعَ بين منازِع الإيمان من الفضائل والتكمُّلات الذاتية والروحية، وبين دوافِع التقوى من كمال المُراقبة لله تعالى، والخوفِ منه، والتعلُّق به وحدَه، والزُّهد فيما سِواه. وبذلك يجمعُ الصائمُ بين مظهر الصوم السلبيِّ من الكفِّ عن شهوَتَي البطن والفَرْج، وبين حقيقته الإيجابية من السَّير على الفضائل، وانتِهاج أقوَم المناهِج، وأهدَى السُّبُل، فلا يصخَب، ولا يكذِب، ولا يُمارِي، ولا يُسابُّ أحدًا أو يُشاتِمُه، وذلك ما وجَّه إليه رسولُ الهُدى - صلوات الله وسلامُه عليه - بقوله: «الصيامُ جُنَّة؛ فإذا كان صومُ يوم أحدِكم فلا يرفُث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتلَه فليقُل: إني صائم.. الحديث»؛ أخرجه الشيخان في «صحيحيهما» من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وبقولِه - عليه الصلاة والسلام -: «من لم يدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه»؛ أخرجه البخاري في «صحيحه» من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وبقوله - عليه الصلاة والسلام -: «رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوعُ والعطشُ، ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامِه السهرُ»؛ أخرجه الإمام أحمد في «مسنده»، وابن ماجه، والدارمي في «سننهما» بإسنادٍ صحيحٍ. وسرُّ هذا - كما قال الحافظُ ابن رجب - رحمه الله -: «أن التقرُّب إلى الله تعالى بترك المُباحات لا يكمُلُ ولا يتمُّ إلا بعد التقرُّب إليه بترك المُحرَّمات في كل حالٍ، من الكذب، والظلم، والعدوان على الناس في مالِهم وأموالِهم وأعراضِهم؛ فمن ارتكبَ المُحرَّمات ثم تقرَّب بترك المُباحات كان بمثابة من يترُكُ الفرائِضَ ويتقرَّبُ بالنوافِل. وإن كان صومُه مُجزِئًا عند الجمهور بحيث لا يُؤمرُ بإعادته. ولذا كان الصومُ الذي أتى به الصائمُ على وفق ما أمرَ الله وما جاء به رسولُه سببًا ينالُ به الصائمُ الجزاءَ الضافِي الذي وعدَ الله به المُحسِنين، كما جاء في «الصحيحين» عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ عملِ ابن آدم له، الحسنةُ بعشر أمثالِها إلى سبعمائة ضِعف. قال الله - عز وجل -: إلا الصيام وأنا أجزِي به، إنه تركَ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجلي، للصائِم فرحَتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحةٌ عند لِقاءِ ربِّه، ولَخلُوفُ فمِ الصائمِ أطيَبُ عند الله من رِيح المِسك». واختِصاصُ الله تعالى بالصيام - يا عباد الله -؛ لأنه كما قال أهلُ العلم بالحديث: مُجرَّد ترك حُظوظ النفس وشهواتها الأصليَّة التي جُبِلَت على المَيل إليها لله - عز وجل -، فإذا اشتدَّ توَقَان النفس إلى ما تشتَهِيه مع قُدرتها عليه، ثم تركَتْه لله - عز وجل - في موضعٍ لا يطَّلِعُ عليه إلا الله كان ذلك دليلاً على صحة الإيمان. فإن الصائم يعلمُ أن له ربًّا يطَّلعُ عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عليه أن يتناولَ شهواته المجبُول على المَيل إليها في الخَلوة، فأطاعَ ربَّه وامتثلَ أمرَه، واجتنَبَ نهيَه؛ خوفًا من عقابٍِه، ورغبةً في ثوابِه، فشكرَ الله تعالى له ذلك واختصَّ لنفسِه عملَه من بين سائرِ أعمالِه». اهـ. ومن أهداف الصوم أيضًا - يا عباد الله -: أخذُ النفوس باليُسر، وترويضُها على السماحة، والنَّأْيُ بها عن العنَت والمشقَّة، وهو طابعُ الإسلام الذي اتَّسَم به وافترقَ به عن غيرِه. وقد تجلَّت مظاهرُ اليُسر في الصوم في الأمر بتعجِيلِ الفِطر بمُجرَّد غروب الشمس، وتأخير السَّحور وامتِداد وقتِه إلى أذان الفجر الصادق. وفي التجاوُز عمَّن أكلَ أو شرِبَ ناسيًا لصومِه، فلا قضاء عليه ولا كفَّارة، وفي الترخيصِ للمريض والمُسافِر في الفِطر رفعًا للحرَج عنهما، ودفعًا للعنَت. وفي إباحة الفِطر للحائض والنُّفساء مع القضاء، وفي الترخيص للحامل والمُرضِع في الفِطر مع القضاء، وفي الترخيص للرجل الكبير والمرأة الكبيرة، والمريض الذي لا يُرجَى بُرؤُه في ترك الصوم لتعذُّره في حقِّهم، والاكتِفاء بالإطعام عن كل يومٍ مسكينًا. إلى غير ذلك من مظاهر اليُسر الكثيرة المُتجلِّيَة في الصوم وغيرِه من العبادات مما تأتلِفُ فيه مصالِحُ الدين، وتتفقُ معه مطالِبُ الدنيا، بعيدًا عن رهبانيَّة المُترهِّبين، ونزَعات المادِّيين، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: 185). فيا عباد الله: إن الصوم إذ يُنبِّه في الصائم ما كمَنَ من عواطِف الخير وملَكَات التكمُّل، ويتَّجِه به نحو مسلَكٍ تقبحُ فيه نفسُه الأمَّارةُ بالسوء، وتُلجَمُ فيه خِلالُ الشرِّ، ومظاهِرُ الإثم، ودوافِع الرَّذيلة، فلا يصخَب، ولا يشتُم، ولا يُمارِي، إن هِيضَ جناحُه أو نِيلَ منه أو تُعدِّيَ عليه. أما الصبرُ وقوةُ العزيمة والتضحية في سبيل القيام بالواجِب، والشفقةُ، والعطفُ، والمُواساة، والشعورُ بحاجة المُضطر، وغيرُ ذلك من خِلال الخير وخِصال الحمد، فإنها من روافِد الصوم؛ بل هي عِمادُه ونقطةُ الارتِكاز فيه، وبمُزايَدتها ينأَى الصائمُ كثيرًا عن الهدف الأسمَى في التزكية والتطهير، ويكونُ صومُه آليًّا وعبارةً عن طقوسٍ تُؤدَّى ومظاهِر شكليَّة لا تُوصِل إلى الغاية، ولا يكون لها الأثر في التقويم والصَّقلِ. ومن ثَمَّ نُدرِك الوسيلةَ لتحقيق الفرحَتين اللتَين جاءَت بهما البِشارةُ النبوية الكريمة، من نبي الله - صلوات الله وسلامه عليه - بقوله: «للصائم فرحَتان: فرحةٌ عند فِطره، وفرحةٌ عند لقاء ربِّه»؛ إذ هما نتيجةُ الجهد والكَدح والمُصابَرة، ومُغالَبَة مُيول النفس في سبيل أداء هذه الشعيرة، وأخذ النفسِ بها، والقيام بما تفرِضُه من التِزاماتٍ وتكمُّلاتٍ، وما يجبُ أن يُجانِبَه الصومُ فيها من هنَاتٍ، وما يحذَرُه من فلَتَاتٍ وشطَحَاتٍ. فاتقوا الله - عباد الله -، فهذا رمضان قد أتاكم شهرُ بركةٍ وغُفران، وعتقٍ من النيران، يغشاكُم الله فيه؛ فيُنزِّلُ الرحمة، ويحُطُّ الخطايا، ويستجيبُ فيه الدعاء، وينظرُ الله - عز وجل - إلى تنافُسِكم فيه، ويُباهِي بكم ملائِكَتَه. فيا باغِيَ الخير أقبِل .. ويا داعِيَ الشرِّ أقصِر. فأرُوا اللهَ من أنفُسِكم خيرًا؛ فإن الشقيَّ من حُرِم فيه رحمةَ الله - عز وجل -، وليكُن لكم من صيام شهر رمضان وقِيامِه والاجتِهاد في خِصال الخير فيه، خيرَ عُدَّةٍ لبُلوغ أسمَى غاية، وأشرَف مقصودٍ من رِضوان الله. اعداد: المحرر الشرعي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |