|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المنهج التربوي القلبي الصحيح وأثره د. عبدالرزاق السيد الحمد لله العزيز الغفَّار، مقلِّب القلوب والأبصار، نِعمه تترى وفضله مدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه المصطفَين الأخيار، والتابعين ومن تبِعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار؛ أما بعد: أهمية الحديث عن منهج التربية القلبية: فيا أيها المسلمون: إن تربية القلوب من أهم عوامل التربية الحقيقية للإنسان، التي من أجلها يستطيع أن يرسُم الإنسان طريقه، ويحدد غايته وأهدافه؛ فالقلب هو المحور والمركز والقائد، وبأمره يتحرك الجسد، فإذا استقام القلب استقام الجسد، وإذا مال القلب مال الجسد. وعندما نسلُك المنهج الصحيح في تربية القلوب، فإنها تمتلئ بالإيمان، ويكون ذلك دافعًا قويًّا لفعل وممارسة أخلاق الإسلام بمحبة وتلذُّذ؛ ذلك أن الإنسان إذا رضِيَ أمرًا واستحسنه، سهُل عليه أمره ولم يشقَّ عليه شيء منه، فكذلك المؤمن، إذا دخل الإيمان قلبه واستقر فيه، سهُلت عليه الطاعات، واجتناب المحظورات، وتحلَّى بمكارم الأخلاق وتنزَّه عن مساوئها. أما إذا انعدمت التربية الصحيحة للقلوب، فإنها تكون عاملًا أساسيًّا لاستقبال الفتن بأنواعها؛ من فتن الشهوات وفتن الشبهات، وفتن الباطل والضلال والبِدع، والظلم والجهل؛ فتتحول الحياة إلى كوارثَ ونكباتٍ نفسية، وأضرار على النفس وعلى الآخرين. ولا يمكن أن يكون هناك تكامل تربوي للقلوب إلا إذا كان هناك تكامل بين أربعة مكونات؛ وهي: العقل، والقلب، والنفس، والجسد، فتخلُق لنا المسلم المتوازن في مفاهيمه وتصوراته، صاحب عقل راجح، وقلب سليم، ونفس زكية مداوِمة على لزوم الصدق، والإخلاص في القول والعمل. القرآن والسنة يحدثاننا عن التربية القلبية: أيها المسلمون: إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهَّرة تحدثنا عن التربية القلبية في غير ما آية وحديث، فالقرآن هو مصدر هداية القلب وتربيتها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ [سبأ: 50]، وهو مصدر صلاح القلب لمن طلب ذلك؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، وقال الله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الحديد: 17]؛ قال ابن كثير: "فيه إشارة إلى أنه تعالى يُلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحَيارى بعد ضلالها، ويفرِّج الكروب بعد شدتها". وقال الله تعالى: ﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17]؛ قال ابن القيم: "شبَّه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب بالماء الذي أنزله من السماء"، وحثَّنا القرآن على الإخلاص لتربية قلوبنا عليه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، والقرآن ليس تذكرة للعقول فقط، ولكنه أيضًا موعظة تُثير المشاعر والعواطف، وتُربِّي القلوب على المنهج الصحيح؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، وتوعَّد القرآن من غفلة قلوبهم عن منهج الله؛ قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]، وفي السنة النبوية المطهرة عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((... ألَا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله؛ أَلَا وهي القلب))؛ [البخاري ومسلم]. التربية القلبية الصحيحة وأثرها: أيها المسلمون: إن استقامة الإنسان أو اعوجاجه يبدأ من القلب؛ فإن كان نقيًّا سليمًا، كانت علاقته مع الله تعالى قوية، وحياته الروحية والمعنوية قوية، يصلح الإنسان بصلاح قلبه، فتأتي حركة الجوارح لتُجلِّي هذا الصلاح في صورة استشعار لحلاوة العبادات، ورضا بالقسمة، وتبصر بما يكتنف تقلبات الحياة وصروف الدهر من دروس ومآلات، وتهدئ الروع، وتخفف من ضغوط الحياة، وتُسربل نفس المسلم بالطمأنينة؛ فالتربية القلبية الصحيحة يكون أثرها عظيمًا، ومعلمها بينًا، وتمتلئ بالإيمان، واليقين، والتعظيم لرب العالمين، والخوف منه، والتوكل عليه، ومحبته والأُنس به، والانقياد والتسليم له؛ لأن القلب محل نظر الله سبحانه؛ ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))؛ [مسلم]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾ [المجادلة: 22]، ﴿ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ﴾ [المجادلة: 22]؛ أي: رسمه، وثبَّته، وغرسه غرسًا، لا يتزلزل، ولا تؤثِّر فيه الشُّبه والشكوك؛ فالقلب هو الباعث والمحرِّك الذي منه ينطلق التوجيه إلى الجوارح بالعمل، قلب محشوٌّ بالإيمان قد استنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حُجُبُ الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في قلبه إشراق، ولذلك الإشراق اتِّقادٌ، لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حُرست بالنجوم، فلو دنا منها الشيطان يتخطاها، رُجِمَ فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن؛ [ابن القيم]. إن التربية القلبية الصحيحة تغيِّر من السلوك السيئ إلى السلوك الحسن، وتُخرج الشخصية الصالحة النافعة المنتفعة، الخاشعة الوجِلة؛ من الذين قال الله فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57 - 61]، إن ما يصدر عن المرء من أعمال وأقوال ومواقفَ، وولاء وبراء، وتصرفات شرعية صحيحة؛ إنما هي انعكاسات لما في قلبه من تربية قلبية صحيحة، يجد أثرها حلاوة في قلبه؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يُقذف في النار))؛ [متفق عليه]. أيها الأحِبَّة: إننا بحاجة إلى تربية قلبية إيمانية صحيحة، يتربَّى من خلالها أبناؤنا وبناتنا وزوجاتنا، ونربي أنفسنا عليها ومَن حولنا من المسلمين، لتتطهر بذلك قلوبنا، وتزكو نفوسنا، وتسمو أرواحنا، فنقوى في الشدائد، ونواجه الأزمات مواجهةَ المؤمن القويِّ، صحيح العقيدة، سليم القلب، القريب من الله، الحريص على الآخرة، الزاهد في الدنيا. عندما تنعدم التربية القلبية وأثرها: أيها المسلمون: عندما تنعدم تربية القلب يُختم على القلب؛ فلا يتأثر بالوحي، ولا ينتفع بالموعظة؛ لأنها لا تصل إلى قلبه؛ قال الله تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7]، والمختوم على قلبه يعبد هواه من دون الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]، وبعد ختم القلب يُطبع عليه؛ لأنه قلب تربى على نقض العهود والمواثيق والكفر بالله ورسوله؛ قال الله تعالى في كفار بني إسرائيل: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 155]؛ أي: لم يؤمن منهم إلا القليل؛ كعبدالله بن سلام رضي الله عنه، وقال سبحانه في المشركين السابقين المكذبين للرسل عليهم السلام: ﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 101]، وقال الله سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يونس: 13]، والقلب المطبوع عليه لا يتأثر بالقرآن ولا بالموعظة؛ لأنه متعلق بالدنيا بعيد عن الآخرة؛ كما قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [النحل: 107، 108]، عندما تنعدم التربية من القلب يمتلئ القلب كِبرًا وعلوًّا؛ فلا يُذعن للحق؛ قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35]، وقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 16]. وحينما لا يتربى القلب التربية الصحيحة، لا ينتفع عندما يسمع الهدى؛ فعلى قلبه أغطية تحجبه، وهي الأكِنَّة التي تصيب أصحاب القلوب المريضة غير المرباة التربية الصحيحة، فلا يصل صوت الحق إليها، ولا تتأثر به ولو سمعته؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ﴾ [الأنعام: 25]، وقال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴾ [الإسراء: 46]، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 57]، عندما تنعدم تربية القلوب التربية الصالحة تقسو، فتكون أعظم من الحجارة قسوة؛ قال الله تعالى في بني إسرائيل: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74]، ومع القسوة تزيين الشيطان للأعمال السيئة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43]، بل إن القلب حينما تنعدم تربيته التربية الصحيحة النافعة، يشمئز عند ذكر الله تعالى، والدعوة إلى توحيده؛ بينما تفرح بعبادة غيره سبحانه: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45]، وعندما تنعدم تربية القلب التربية الصحيحة، تنعدم فيه أوثق عرى الإيمان؛ عقيدة الولاء والبراء كما أخبر الله تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 81]، وعندما تضعف تربية القلوب تبتعد عن الأجواء الإيمانية، فلا تخشع ولا تتبع الحق؛ يقول الله عز وجل: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]. كيف نحقق التربية القلبية الصحيحة في حياتنا؟ أيها المسلمون: إننا نحتاج لتحقيق التربية القلبية الصحيحة في حياتنا إلى أمور عدة: أولًا: الابتعاد عن الفتن: وذلك بالابتعاد عن مواطنها، مرئية كانت أو مسموعة أو مقروءة؛ ففي حديث حذيفة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تُعرَض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نُكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربدًّا كالكوز مجخِّيًا، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه))؛ [صحيح الجامع]. ثانيًا: المحافظة على وِرْدٍ من القرآن والذكر: يقرؤه كل يوم، ولو يسيرًا، ولا يتكاسل عنه، فهو ترياق يومك، وبلسم نهارك، وسكن ليلك، إنه يحول أجواء قلبك العاصفة إلى ظلالٍ وارِفة، فإن طاف بك حزنٌ واساك، وإن مسَّك قرح سلَّاك، وإن كنت حائرًا أرشدك وآواك، وإن كنت وجِلًا خائفًا بثَّ السَّكينة في صدرك وحماك؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله أهلِينَ من الناس، قال: قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته))؛ [حسن]، وأما الذكر؛ فإن الله يقول: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. ثالثًا: الإكثار من نوافل العبادات: من صلاة وصيام، وزيارة مرضى ومقابر وغيرها؛ ففي حديث عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفلا أخبركم بما يذهب وحَر الصدر؟ - أي: يزيل ما به من الغش والحقد، أو غيظه أو نفاقه، أو أشد الغضب - قالوا: بلى - أي: أخبرنا يا رسول الله - فقال صلى الله عليه وسلم: صيام ثلاثة أيام من كل شهر))؛ [صحيح النسائي]، وجاء رجل إلى أم الدرداء، فقال: إن بي داءً من أعظم الداء، فهل عندك له دواء؟ قالت: وما ذاك؟ قال: إني أجد قسوةً في القلب، فقالت: أعظم الداء داؤك، عُدِ المرضى، واتبع الجنائز، واطلع في القبور؛ لعل الله أن يلين قلبك، ففعل الرجل، فكأنه أحس من نفسه رقةً، فجاء إلى أم الدرداء يشكر لها. رابعًا: الحذر من الذنوب والمعاصي: ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكتت في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر صُقلت، فإن عاد زِيدَ فيها حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))؛ [صحيح الترغيب]. خامسًا: الدعاء: ففي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرِّفه حيث يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرِّف القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك))؛ [رواه مسلم].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |