|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [البقرة: 264] [1] عبدالله بن عبده نعمان العواضي إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد: أيها المسلمون، هل رأيتم أحدًا في هذه الدنيا استغنى بنفسه عن غيره، ولم يحتج إلى إنسان آخر في سنوات عمره؟ وهل استطاع إنسان تجاوز هذه الحياة ولم يكن هناك من أعانه على بعض مطالبها، وأوصله إلى شيء من مآربها؟ إن الإنسان ضعيفٌ بنفسه، قويٌّ بغيره، مستوحش وحده، مستأنس بسواه، ولو كان ذا مال كثير، وصاحب جاهٍ كبير، فهو محتاج إلى معين، ولو في غير ما هو فيه من أسباب العلو من الغنى والجاه؛ فالدنيا تتقلب، والأحوال تتبدَّل، والعجز يحاصر القوة البشرية. إنْ كانَ يَحرسُك الغِنى أو تَكتفِي ![]() بعلوِّ جاهكَ في الحياةِ وتَعجبُ ![]() فالمالُ غادٍ في الحياةِ ورائحٌ ![]() والجاهُ يُعطى في الزمانِ ويُسلبُ ![]() فاجعلْ لنفسِكَ في القلوبِ وسيلةً ![]() تُؤويكَ إنْ يومًا دهاكَ الغَيهبُ ![]() ولهذا فإن المرء قد يحتاج إلى معروف غيره، سواء كان معروفًا ماديًّا أم معنويًّا، غير أن النفوس بفطرتها تكره من يعدِّد عليها صنوف إحسانه وآلائه، ويعيرها بمعروفه وعطائه، وقد تعارف الناس على أن يد الإحسان لا تتم ولا يبقى مدحُها إلا بعدمِ منِّ المعطي على المعطَى وإيذائه بالتطاول عليه، وتعييبه بالفقر والحاجة، وتذكيره بالإنعام عليه لتحقيره وإيلام نفسه. ويمدحون من يحسن وينسى إحسانه، ولا يذكِّر من أعطى بما أنعم عليه، ولا يجمعون بين المعروف والمنِّ به، فقد "قالوا: "خير المعروف ما لم يتقدمه مَطل، ولم يتبعْه مَنٌّ"[2]. وقال الشاعر: وَيْسْخُو بِمَا قَدْ حَوَتْ كَفُّهُ ![]() وَلا يُتْبِعُ المَنَّ ما قَدْ وَهَبْ ![]() فَكَمْ فِضَّةٍ فَضَّها فِي سُرُو ![]() ر يَوْمٍ وَكَمْ ذَهَبٍ قَدْ ذَهَبْ[3] ![]() وقال آخر مادحًا: إذا ما أمرؤٌ أثنى بآلاءِ ميِّتٍ ![]() فلا يُبعدُ اللهُ الوليدَ بنَ أدهما ![]() فما كان مِفراحًا إذا الخيرُ مَسَّه ![]() ولا كانَ منَّانًا إذا هو أَنعما[4] ![]() أيها المؤمنون، إن المنَّ على الناس بالإحسان إليهم خلق مقيت، وسلوك رديء، يدل على لؤم في النفس، وجفاف في الطبع، وقلة في الإخلاص، وجهل بآداب القربات؛ ولهذا حرم الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام المنَّ والأذى في الإعطاء: حيث بيَّن الله تعالى في كتابه الكريم أن الأجر للمنفقين لا يكون إلا بخلو إنفاقهم من المنِّ والأذى على الآخذين، فقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 262]. وذكر الله جل وعلا أن القول المعروف للسائل خير من إعطائه صدقةً متبوعةً بإساءة مَنٍّ قوليٍّ أو عملي، فقال تبارك وتعالى: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 263]. وحكم ربنا سبحانه ببطلان ثواب صدقات أهل المن والأذى، وضرب لذلك مثالًا ما أروعَه! فقال جل وعلا: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264]. عَن الضَّحَّاك رحمه الله قَالَ: "من أنْفق نَفَقَة ثمَّ منَّ بهَا أَو آذَى الَّذِي أعطَاهُ النَّفَقَة؛ حَبط أجره، فَضرب الله مثله كَمثل صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وابل، فَلم يدع من التُّرَاب شَيْئًا، فَكَذَلِك يمحق الله أجر الَّذِي يُعْطي صدقته، ثمَّ يمنُّ بهَا كَمَا يمحق الْمَطَر ذَلِك التُّرَاب"[5]. وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن المنَّان يُعاقَب بعقوبات يوم القيامة؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا قَالَ: (الْمَنَّانُ، وَالْمُسْبِلُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ)[6]. وفي رواية مسلم: (الْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ). وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلِجُ حَائِطَ الْقُدُسِ مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَلَا الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَلَا الْمَنَّانُ عَطَاءَهُ)[7]. وقد جعل الحكماء المنَّ بالعطاء ليس من شيم الكرماء، بل من صفات اللؤماء البخلاء، قال الشاعر: وَصَاحِبٍ سَلَفَتْ مِنْهُ إلَيَّ يَدٌ ![]() أَبْطَا عَلَيْهِ مُكَافَاتِي فَعَادَانِي ![]() لَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّ البؤس حاصرني ![]() أَبْدَى النَّدَامَةَ مِمَّا كَانَ أَوْلَانِي ![]() أَفْسَدْتَ بِالْمَنِّ مَا قَدَّمْتَ مِنْ حَسَنٍ ![]() لَيْسَ الْكَرِيمُ إذَا أَعْطَى بِمَنَّانِ[8] ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |