اللسان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كلمات من وراء القبور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أملات في حُسن القيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {لقد خلقنا الإنسان في كبد} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تدريبُ النفسِ على الصبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          نيات طالب العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          قلبك هو محل نظر الله إليك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          يا من تتذبذب وتهتز عند أول محطة ابتلاء! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          "نَصرٌ مِن الله وفتحٌ قريب" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أسْعَد الناسِ بالدُنيا ، لَكِعٌ ابن لَكِعٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-11-2024, 03:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,525
الدولة : Egypt
افتراضي اللسان

اللسان

الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر المؤمنين، إن الله جل وعلا يأمُرنا بالقول السديد؛ ذلك أن أقوالنا مسجلة علينا لا يخفى على الله شيءٌ منها، إلا أن الله جل وعلا جعل من الملائكة كاتبين لها، وكفى بشهادة الله شهادةً، ولكن ابن آدم يوم القيامة لا يرضى إلا بشاهدٍ من نفسه، فكيف بشهادة الله وبشهادة ملائكة الله الذين خصَّصهم الله لذلك، إن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على عِظم القول، إن كان خيرًا فأمرٌه عظيم وأجره كثيرٌ، وإن كان شرًّا فضرره عظيم.
إن اللسان صغيرٌ جِرمُه وله
جُرم كبيرٌ كما قد قيل في المثلِ




والمراد بالمثل: اللسان صغير جِرمه، كبير جُرمه، فهو حجمه صغير، لكن أمره وشأنه عظيم عند رب العالمين؛ لذا جعل الله للعبد لسانًا واحدًا، وجعل له عينين وأذنين؛ ليكون من ذلك اعتبار واتِّعاظ، وليكون كلامه أقلَّ من نظراته وسمعه، فخطر هذا اللسان ربما أوجب لصاحبه نكسة رأس في الدنيا، أو سبَّب له قرحة في المعدة، أو جلطة في الدماغ، وربما أدخله السجن وألحق به والعياذ بالله كثيرًا من الآفات الدنيوية، ناهيك عن عذاب القبر، ناهيك عن العذاب الأخروي، كما ستسمعون شيئا من ذلك إن شاء الله، وتأملوا بجلاء قول ربنا سبحانه: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

ففي قوله: ﴿ مِن قَوْلٍ ﴾ نكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ كما يقول الأصوليون، حتى على مستوى الأنين والتوجع عند المرضى، فإنه يُحسب ذلك على ابن آدم، ويقول سبحانه: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29]، وقال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، ومعنى لا تقف؛ أي لا تتَّبع ولا تقل ما لا تعلَمه، فربما ألقيتَ بنفسك إلى الهلكة، وقال جل وعلا: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12]، فهناك ملائكة خصَّصهم الله – عز وجل – لكتابة أعمال بني آدم من الخير والشر من الحسنات والسيئات، فهي ملائكة تسير معنا، تقيل حيث قِلنا، وتبيت حيث بِتنا، وترافقنا حيث ما كنا، لذلك قال بعضهم: ألا تستحيي من الملائكة التي تستحيي من الله، هذه الملائكة الذين خلقهم الله – عز وجل – وجعل لهم وظائف عظيمة، فمن ضمن هذه الوظائف أن يقوموا بكتابة الحسنات والسيئات، فإذا ما أنكر العبد يوم القيامة، جيء بهؤلاء الشهود، بل هناك شهود آخرون يشهدون على ابن آدم، أتدرون ما هم يا عباد الله؟ هذه الأعضاء التي نحملها ونحافظ عليها من الحر والبرد ومن الجوع والعطش ومن العري، التي خدمناها أيما خدمة، إنهما تفضحنا في ذلك اليوم؛ يقول سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65]، ويقول: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت: 20].

فجسدُك يا بن آدم، أتستطيع أن تكلم جسدَك، يشهد عليك الوجه، ويشهد عليك الجنب، ويشهد عليك الذكَر، وتشهد عليك العين، وتشهد عليك الأذن، تشهد الأعضاء كلها، فإذا ما خُلِّي بينك وبين الكلام بعد أن خُتم على فِيكَ، هنالك تخاطب هذه الأعضاء، تقول: بعدًا لَكُنَّ، وسحقًا من أجْلِكُنَّ كنت أُناضل.
يا خادمَ الجسمِ كم تَسعى لخدمته
أتطلُب الربحَ مما فيه خسرانُ
أقبِل على الرُّوح فاستكمِل
فأنت بالرُّوح لا بالجسم إنسانُ


وتبسَّم النبي صلى الله عليه وسلم مرة أمام أصحابه، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ»، قَالَ: قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ، قَالَ يَقُولُ بَلَى، قَالَ فَيَقُولُ فَإِنِّي لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ فَيَقُولُ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ انْطِقِي، قَالَ فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ، قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ».

هذه شهادة وكذا شهادة الأرض، ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1 - 8]، فهذه الأرض تشهد بما فعل على ظهرها، فهي شهادات كثيرة، شهادة رب العالمين ﴿ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ﴾ [العاديات: 11].

شهادة الملائكة، شهادة الأرض: شهادة الملائكة هذه شهادات كثيرة على الأقوال، وعلى الأعمال، بل على النيات ما كان العبد قد نواه في قلبه، فإن الله عز وجل يعلم ذلك كله إذا وفد العبد على ربه في يوم مقداره خمسين ألف سنة، لذا يا عباد الله وجب علينا أن نُراقب الله سبحانه، ولا سيما فيما يتعلق بحصاد الألسن، وما يكون ناتجًا من هذا اللسان الذي نتكلم به صباحًا ومساءً، فربما جرَّ اللسان أحدنا إلى جهنم وبئس القرار؛ لذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يتبيَّن فيها، فيَزِل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)، وهذا معاذ بن جبل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ: بَخٍ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَهُوَ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا أَوَلَا أَدُلُّكَ عَلَى رَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ أَمَّا رَأْسُ الْأَمْرِ فَالْإِسْلَامُ فَمَنْ أَسْلَمَ سَلِمَ وَأَمَّا عَمُودُهُ فَالصَّلَاةُ وَأَمَّا ذُرْوَةُ سَنَامِهِ فَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ وَقِيَامُ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يُكَفِّرُ الْخَطَايَا وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16]، أَوَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْلَكِ ذَلِكَ لَكَ كُلِّهِ قَالَ فَأَقْبَلَ نَفَرٌ قَالَ فَخَشِيتُ أَنْ يَشْغَلُوا عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شُعْبَةُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلُكَ أَوَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْلَكِ ذَلِكَ لَكَ كُلِّهِ قَالَ فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى لِسَانِهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَنُؤَاخَذُ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ مُعَاذُ - أي فقدتك، وهي عبارة تطلقها العرب لا تريد معناها - وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).

ويأتي عقبة بن عامر وهو صحابي جليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: ما النجاة يا رسول الله؟ قال: (أمسِك عليك هذا، وأشار إلى لسانه، وليَسعك بيتك، وابْكِ على خطيئتك). وهذا رجل من بني إسرائيل كان ينصح أخًا له في الله، فقال له المذنب مرة: دعني وشأني، أبُعثت عليَّ رقيبًا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، هذه عبارة قالها يريد بها النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنه احتكر مغفرةَ الله وحصرها، وأباها على خلقٍ مِن خلق الله، على هذا المخلوق الضعيف العاصي، عَلَّه أن يتوب في يوم من الدهر، قال: والله لا يغفر الله لك، فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان أن يقول: (من ذا الذي يتألَّى عليَّ - أي من ذا الذي يحلف عليَّ - لقد غفرت له وأحبَطت عملك)، قال أبو هريرة: إنما قال كلمة أفسدت عليه دنياه وآخرته، هي عبارة صغيرة أطلقها وما فكر فيها، فأورَدته مهاوي الرَّدى عياذًا بالله، لذا كان القول الحسن الطيب له ارتباطٌ بالله وبصلاح القلب؛ لذا يقول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمُت)، لذا يقول علماؤنا: إذا أراد العبد أن يتكلم بالكلمة، فلابد أن يتأمل فيها، فإن كان فيها الخير تكلَّم بها، وإن كان فيها الشر وجب عليه أن يُمسك عنها، فإنها حينئذ تكون هذه الكلمة هي التي تَحبسك بعد أن كنت أنت الذي تحبسها، وهل جاءت الشرور والآثام إلا بسبب حصائد هذا اللسان، فكم أوردت أناسًا الموارد يقول عبد الله بن عباس: هذا اللسان أوردني الموارد، لهذا اهتم العلماء بما يتعلق بأمر اللسان، فألف ابن أبي الدنيا كتابًا سماه الصمت، وما كان للصمت من المنزلة الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى، لذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
يَموت الفتى مِن عَثرةٍ بلسانه
وليس يموت الفتى مِن عثرةِ
فعثرتُه من فيه تُلقي برأسه
وعثرته بالرِّجل تبرأ على مَهلِ


فربَّما انكسرت قدمِ أحدنا، والله لكان ذلك خيرًا له وأهون؛ لأن في ذلك علاجًا، أما إذا قال كلمة من سخط الله، ربما ما تاب إلى الله، وربما تغافل عنها والعياذ بالله، فكانت هذه الكلمة والعياذ بالله سيئة يوم القيامة يَلقى بها ربه تبارك وتعالى، لذا يا عباد الله ترى كثيرًا من المسلمين يتساهلون بأمر اللسان، فبعضهم تجده طعانًا ولعانًا، وبعضهم تجده كذابًا مغتابًا، وبعضهم يشهد شهادة الزور، وبعضهم يُكثر من قول الفجور، ويُكثر من الخنا، ويكثر من الكلام السيئ بهذا اللسان، ظانًّا أنها كلمة كما يقال: كلمة وأخذتها الرياح، والله إن الرياح لن تأخذها، وإنها لمسجلة عليك، هذا أحد الشعراء يقال له محمد بن هانئ دخل على رجل من الأمراء ادعى الربوبية في القرن الرابع الهجري، يقال له الحاكم بأمر الله، الذي حكم بلاد مصر ردحًا من الزمان، وكان قرمطيًّا إسماعيليًّا بهريًّا، كان من البهرة السليمانية الذين قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: هم أكفرُ من اليهود والنصارى، هذا الرجل ادَّعى الربوبية ادعى النبوة أولًا، ثم ادعى الربوبية، فكان إذا ذكر يوم الجمعة قام الناس إجلالًا لاسمه، دخل عليه هذا الشاعر الذي استعمل شعره مجاملةً ومدحًا أو قدحًا في سخط الله لا في مرضاة الله دخل عليه قائلًا:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُم فأنت الواحدُ القهَّارُ




فابتُلي هذا الرجل، ابتلاه الله جل وعلا بمرض الطاعون، فذهب جسده كله حتى كان كالفرخ على سريره، فكان يعوي كالكلب، فجاءه الأمير مرة، فقال: ما بك يا محمد بن هانئ قال:
أبعينِ مُفتقر إليك نظرتني
وأَهَنْتني وقذَفتني من حالقِ
لستَ الملومَ أنا الملومُ لأنني
علَّقت آمالي بغير الخالقِ


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 96.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 94.51 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]