عثمان بن عفان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لحماية طفلك من التحرش والابتزاز.. 4 خطوات لدعم خصوصيته على الإنترنت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كيفية الحفاظ على أمان أطفالك على الإنترنت.. نصائح مهمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تعرف على هجمات البرامج الضارة على أجهزة ماك لحماية أطفالك.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خطوات للحصول على أمان شامل للإنترنت مع أطفالك.. تعرف عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          احمى طفلك من الإنترنت .. 3 تطبيقات أكثر أمانا لاستخدام الويب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مشاركة صور أطفالك على الإنترنت .. فكر جيدًا قبل هذه الخطوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مخاطر استخدام الإنترنت للأطفال.. 4 مشكلات كبيرة أبرزها التنمر الإلكترونى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          تُسهّل لقطات شاشة البكسل البحث عن الصور في هاتفك.. ما مدى أمانها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          هل طفلك مستعد لدخول عالم السوشيال ميديا الآن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          اختر ماذا يشاهد ابنك.. الأطفال بمصر ضمن قائمة الأكثر حبا لمشاهدة يوتيوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 24-10-2024, 06:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,921
الدولة : Egypt
افتراضي عثمان بن عفان

عثمان بن عفان رضي الله عنه

د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي مَنَّ علينا بالإسلام، وأرسل إلينا محمدًا عليه أفضل الصلاة والسلام، بعثه الله بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46].

بعَثَه اللهُ رحمةً للعالمين، وقدوةً للعاملين، وحجةً على العباد أجمعين، فبلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى ترك أُمَّته على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى، وأكثروا من ذكر الموت والبِلى، وقرب المصير إلى الله جل وعلا.

أيها المؤمنون، القدوة في الإسلام شأنها عظيم، وفضلها عميم، إن كانت قدوة صالحة يُحتذى بها، كيف ونحن نقتدي بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين استناروا بنور الهدى والوحي المبين، تمسكوا بسُنَّة نبيهم فسادوا الأمم، فكان الإسلام هو منهجهم والسنة طريقتهم، فحق لنا السير على آثارهم والرواية من معينهم.

الدعاء لهم قُربة، والاقتداءُ بهم وسيلة، ومحبَّتهم من أصولِ الدين، قال الطحاويُّ رحمه الله: "ونحبُّ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا نُفرِّطُ في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأُ من أحَدٍ منهم".

أيها الأخوة المؤمنون، ولماذا سيرة هؤلاء العظماء وأخبار هؤلاء المصلحين؟

لأننا بحاجة ماسة لسيرة مثل هؤلاء الأفذاذ، وأخبار هؤلاء العظماء، في زمان لمع فيه من لا خلاق له، ولا دين.

وأُبرز من لا قدر له في الإسلام، وطمست سيرة هؤلاء الأفذاذ وتناساها الناس.

نحن أيها الأخوة بحاجة ماسة لأن نربي أنفسنا وجيلنا على أن ديننا الحنيف وشريعتنا الغراء؛ فلقد أخرجت لنا قادة دان لها الشرق والغرب، وأنبتت لنا علماء ما زالوا يؤتون أكلهم كل حين بإذن ربهم، وأيضًا ينبغي أن نجعل ميزاننا وميزان من نعلِّم ميزانًا شرعيًّا، فالمحبوب عندنا من أحَبَّه الله، والمكروه والمبغوض من أبغضه الله، وهذا نعرفه من جهة الظاهر، وأما السرائر فإلى الله.

عباد الله، حديثنا اليوم عن صحابي جليل القَدْر والمكانة، ويكفي أن أول ما شرف به هذا الصحابي أنه وُلِد على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان رابع أربعة دخلوا في الإسلام، إنه أمير البررة وقتيل الفجرة، مخذول من خذله، ومنصور من نصره، إنه صاحب الهجرتين، وزوج الابنتين ذو النُّورينِ أبو عبدالله، عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.

يجتمعُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جدِّه الثالث، وهو حفيدُ عمَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم البيضاء بنتِ عبد المطَّلب.

كان عثمان أيها المسلمون من أجمل الرجال وجهًا، وأحسنهم شكلًا، كان رضي الله عنه معتدل القامة، كبير اللحية، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس، حسن الثغر، قال عبد الله بن حزم المازني: "رأيت عثمان بن عفان، فما رأيت قط ذكرًا ولا أنثى أحسن وجهًا منه".


عباد الله،لقد جمع الله لعثمان رضي الله عنه من الفضائل والمكارم ما جعله بحقٍّ أن يكونَ في الدرجة الثالثة في الإسلام بعد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

لُقِّب عثمان رضي الله عنه بذي النورين لتزوُّجه بنتَي النبي صلى الله عليه وسلم رقيَّة ثم أم كلثوم، فقد زوَّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته رقيَّة، فلما ماتت زوَّجه أختها أم كلثوم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ مَغْمُومٌ، فَقَالَ: ((مَا شَأْنُكَ يَا عُثْمَانُ؟))، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُمِّي، هَلْ دَخَلَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مَا دَخَلَ عَلَيَّ، تُوُفِّيَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَحِمَهَا اللَّهُ، وَانْقَطَعَ الصِّهْرُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ إِلَى آخِرِ الْأَبَدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَتَقُولُ ذَلِكَ يَا عُثْمَانُ وَهَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْمُرُنِي عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أُزَوِّجَكَ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ عَلَى مِثْلِ صَدَاقِهَا وَعَلَى مِثْلِ عِدَّتِهَا))، فَزَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا.

فلمَّا ماتت تأسَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصاهرته فقال: ((لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ زَوَّجْنَاهُ)).

لم يتزوَّج رجلٌ من الأوَّلين والآخرين ابنتَيْ نبيٍّ غيره.

قال الحسن البصري رحمه الله: "إنما سُمِّي عثمان ذا النورين؛ لأنه لا نعلم أحدًا أغلق بابه على ابنتي نبيٍّ غيره".

أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس، وأمها أم حكيم؛ وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة، ثم تعينت فيه بإجماع المهاجرين والأنصار، فكان ثالث الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين.

قال عثمان رضي الله عنه: إن الله عز وجل بعث محمدًا بالحق، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله، وآمنت بما بُعِثَ به محمدٌ، ثم هاجرت الهجرتين، وكنت صهْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبايعتُ رسول الله، فوالله ما عصيتُه ولا غَشَشْتُهُ حتى توفَّاهُ الله عز وجل.

قال عبدالرحمن بن سَمُرة رضي الله عنه: تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ.

أسلَم قديمًا على يدَي أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه، فكان رابعَ أربَعةٍ في الإسلام، وبايَع عنه صلى الله عليه وسلم بِيَده في بيعةِ الرضوان وقال: ((هَذِهِ يَدِي وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ))؛ رواه أحمد.

أطولُ الخلفاء الراشِدين خلافةً، مكثَ أميرًا للمؤمنين اثنَي عشَر عامًا، كثيرُ العبادَةِ، خاشعٌ لله، لما نزَل قوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا ﴾ [الزمر: 9]، قال عمر رضي الله عنه: (هو عثمان).

بشَّره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ))، فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ))، فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: ((افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ))، فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ المُسْتَعَانُ؛ متفق عليه.

عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ، وَقَالَ: ((اسْكُنْ أُحُد - أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ - فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ))؛ رواه البخاري.

ويكفي بأنه كان من أهل الجنة وهو يمشي على الأرض، وهو الذي اشترى بئر رومة سقاء للمسلمين، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ، فَيَكُونَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدُلِيِّ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟))، قال عثمان: فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ خَالِصِ مَالِي؛ رواه أحمد.

قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري في صحيحه: ((مَن يحْفِرُ بئرَ رُومَةَ فله الجنةُ))، فحَفَرَها عثمانُ، وقالَ: ((مَن جَهَّزَ جيشَ العُسْرَةِ فلهُ الجنةُ))، فجهزَهُ عثمانُ. والمراد بجيش العسرة، غزوة تبوك، فقد أعان فيها بثلاثمائة بعير، وعشرة آلاف دينار.

وجِل من ربِّه، يتذكَّر آخرتَه، كثيرُ الزِّيارةِ للمقابِر، إذا وقَفَ على القبرِ يبكي حتى تبلَّ لحيتُه، ثابتٌ بيقينه، قدوةٌ لغيره، أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالاقتداءِ به عندَ حلولِ الفِتَن، ووصفَه بالأمِينِ، قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلافًا))، أَوْ قَالَ: اخْتِلافًا وَفِتْنَةً، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((عَلَيْكُمْ بِالأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ))، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ؛ رواه أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وصحَّحه الألباني.

توسَّعت الفتوحات الإسلامية في زمن عثمان رضي الله عنه؛ ففي السنة التي تولَّى فيها الخلافة، فُتِحت الريُّ، وفُتِح من الروم حصون كثيرة، وغزا معاوية رضي الله عنه في عهد عثمان فركب البحر بالجيوش وفُتِحت قبرص.

ومن حسناتِه العظيمة جَمْعُ الناس على قراءةٍ عظيمةٍ، وكَتْبُ المصحف على العَرْضَة الأخيرةِ التي دارَسَ فيها جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في آخِرِ حياته، فأمرَ زيدَ بن ثابتٍ رضي الله عنه أن يكتُب المصحَف كاملًا بخطِّ يدِه ويُفرِّقَه في الأمصار، وسُمِّي نوعُ خطِّ المصحَف باسمه فقيل: الرَّسْم العثمانيّ؛ نسبةً إلى أمرهِ وزمانهِ وإمارته.

نفعَه القرآن، ونفعَ الناسَ به، ولا فلاحَ لهذه الأمَّة إلا بالقرآن والعمل به؛ قال ابن كثيرٍ رحمه الله: "وفي عصر عثمان بن عفان امتدَّت الممالكُ الإسلاميَّةُ إلى أقصى مشارِقِ الأرض ومغارِبها، وذلك ببركةِ تلاوتِه ودراسَتِه وجمعه الأمَّةَ على حفظِ القرآن"، ولتعلُّقه بكتاب الله كانت خاتِمَتُه عليه.

ومن أعماله العظيمة أيضًا، توسعة المسجد الحرام، عام ست وعشرين من الهجرة. فاشترى لذلك ما حولها من الأماكن. وفي سنة تسع وعشرين قام بتوسعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبناه بالحجارة المنقوشة، وجعل أعمدته من الحجارة.

ومن أقواله رضي الله عنه: "لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ".

عفيفٌ حافظٌ لدينه، يقول: "فَوَاللَّهِ، مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ قَطُّ".

فالحياء أيها المؤمنون خُلُق سُنِّي، وُصِف به النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يبعث على ترك الأمور القبيحة، فيحول بين الإنسان وارتكاب المعاصي، أو يمنعه من التقصير في حق من له حق عليه. فالرجل ذو الحياء لا يمكن أن ينتهك حرمات الله.

يقول صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ))؛ رواه البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ولله دَرُّ القائل:

ورب قبيحة ما حال بيني
وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن
إذا ذهب الحياء فلا دواء


وإن ذُكِر الحياء ذُكر عثمان رضي الله عنه، فتروي لنا عائشة رضي الله عنها قصة عجيبة يشهد فيها رسول الله أن الملائكة تستحي من عثمان. فقد قالت رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَوَّى ثِيَابَهُ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ - فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: ((أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ))؛ رواه مسلم.

إذا قلَّ ماء الوجه قل حياؤه
فلا خير في وجه إذا قلَّ ماؤه
حياؤك فاحفظه عليك فإنما
يدل على وجه الكريم حياؤه


فإن الحياء ذروة سنام الأخلاق الإسلامية، وصدق من قال:
إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستحْي فاصنع ما تشاءُ
فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيش المرءُ ما استحيا بخيرٍ
ويبقى العودُ ما بقي اللِّحاءُ




عباد الله، أما عن علاقة آل البيت رضوان الله عليهم بعثمان فقد كانت علاقة حب وودٍّ وأخوة ونسب، فعثمان رضي الله عنه هو الذي ساعد عليًّا في زواجه من فاطمة، وأعطاه جميع النفقات كما يقر بذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنفسه حيث يقول: إني لما تقدمت إلى رسول الله طالبًا منه الزواج من فاطمة ابنته قال لي: ((انْطَلِقِ الْآنَ فَبِعْ دِرْعَكَ وَائْتِنِي بِثَمَنِهِ حَتَّى أُهَيِّئَ (لَكَ) وَلِابْنَتِي (فَاطِمَةَ) مَا يُصْلِحُكُمَا»، قَالَ عَلِيٌّ: فَانْطَلَقْتُ وَبِعْتُهُ بِأَرْبَعِمِئَةِ دِرْهَمٍ سُودٍ هِجْرِيَّةٍ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا قَبَضْتُ الدَّرَاهِمَ مِنْهُ وَقَبَضَ الدِّرْعَ مِنِّي، قَالَ: أَلَسْتُ أَوْلَى بِالدِّرْعِ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَوْلَى بِالدَّرَاهِمِ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ الدِّرْعَ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَيْكَ. فَأَخَذْتُ الدِّرْعَ وَالدَّرَاهِمَ وَأَقْبَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَرَحْتُ الدِّرْعَ وَالدَّرَاهِمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ، فَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، وَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْضَةً مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَدَعَا بِأَبِي بَكْرٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ، اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لِابْنَتِي مَا يَصْلُحُ لَهَا فِي بَيْتِهَا)) كما جاء في حلية الأولياء.

ولأجل ذلك كان ابن عم رسول الله عبدالله بن عباس رضي الله عنهما يقول: "رَحِمَ اللهُ أَبَا عَمْرٍو، كَانَ وَاللهِ أَكْرَمَ الْحَفَدَةِ، وَأَفْضَلَ الْبَرَرَةِ، وَأَصْبَرَ الْقُرَّاءِ، هَجَّادًا بِالْأَسْحَارِ، كَثِيرَ الدُّمُوعِ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ، دَائِمَ الْفِكْرِ فِيمَا يُعِينُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، نَهَّاضًا إِلَى كُلِّ مَكْرُمَةٍ، سَعَّاءً إِلَى كُلِّ مُنْجِيَةٍ، فَرَّارًا مِنْ كُلِّ مُوبِقَةٍ، وَصَاحِبَ الْجَيْشِ وَالْبِئْرِ، وَخَتَنَ الْمُصْطَفَى عَلَى ابْنَتَيْهِ".

وكان الصحابةُ رضي الله عنهم يُجِلُّونه في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبعد مماتِه، وكان مُفضَّلًا عندَهم.

قال ابن عمَر رضي الله عنهما: "كنا نعُدُّ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ وأصحابُه متوافرون: أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان"؛ رواه أحمد.

وقال عليٌّ رضي الله عنه بعد وفاةِ أبي بكرٍ وعمر: "كان عثمان خيرَنا وأحسنَنا طَهورًا".

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: "إنه لأوصلُهم للرَّحِم، وأتقاهم للرَّبِّ".


أيها المؤمنون، اللهم بارك لنا في القرآن العظيم وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد القَهَّار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مُقَلِّب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار وعلى جميع أصحابه الأبرار ومَن سار على نهجهم واهتدى بهديهم ما أظلم الليل وأضاء النهار، أما بعد:
عباد الله، فلما كان يوم مقتله رضي الله عنه رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأنهم قالوا له: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، فلما أصبح شَدَّ عليه سراويله خشية أن تبدو عورته إذا هو مات أو قتل وقال لأهله: إني صائم. ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، وأخذ يقرأ فيه حتى قُتِل رضي الله عنه من يومه، وذلك قبيل المغرب بقليل، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، فكان خبر مقتله فاجعةً على الأمة الإسلامية؛ فبَكَتْهُ النساء وبكاه الصحابة وأكثرهم حزنًا عليه علي بن أبي طالب، واغتمَّت المدينة تلك الليلة، وأصبح الناس بين مُصدِّق ومُكذِّب حتى استبانوا الأمر وتيقَّنُوا الخبر، ووجدوا دمه قد سقط على قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137]، ووجدوا صندوقًا وإذا فيه ورقة مكتوب فيها: "هذه وصية عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم، عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الله يبعث من في القبور، ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، عليها نحيا، وعليها نموت"، وعليها يبعث إن شاء الله تعالى، وحزِنَ الصحابةُ لمقتله، قال عليٌّ رضي الله عنه يوم مقتَل عثمان: أنكرتُ نفسي.

ولما بلغَ سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه خبر قتله استغفرَ له، وترحَّم له، ودعا على من قتَلَه بقوله: "اللَّهُمَّ أندمهم ثم خُذهم".

وكان سعدٌ مُجابَ الدعوة، وأقسمَ بعضُ السلف أنَّه ما ماتَ أحدٌ من قَتَلَة عثمان إلا مقتولًا.

وختامًا عباد الله فهذا هو ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، صهر رسول الله وحبيبه في الدنيا والآخرة، وحبيب أهل البيت وابن عمِّهم وعمتهم وقريبهم، يحبهم ويحبونه كصاحبيه الصِّدِّيق والفاروق، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

ألا وصلُّوا عباد الله وسلموا على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن الخلفاءِ الأربعة الرَّاشدين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين.

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

اللهم ارزقنا رزقًا حلالًا طيبًا.

اللهم إنا نسألك القصد في الفقر والغنى.

اللهم اجعل ما ننفقه على أنفسنا وأبنائنا وأهلينا مرضاة لك وذخرًا لنا يوم لقاك.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قَرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل.

اللهم إنا نعوذ بك من الربا والرشوة ومن أكل أموال الناس بالباطل.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وتولَّ أمرنا، واهدِ شبابنا.

اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغنى.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 95.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 93.70 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]