التعامل الأمثل عند الخصومة والنزاع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الرجولةُ في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          حتى لا تتَّسِعَ الأمِّيَّةُ الشرعيّةُ في صفوف أجيالنا! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          النِّعَمُ الْمَنْسيّةُ عُقوبَةٌ ربّانيّة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          بناء علاقة راسخة مع القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الرؤى والأحلام جزء من حياة الإنسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تربية النفس بين المنع والمنح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          النجاة في العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حساب الدورة الشهرية للمبتدأة والمعتادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          دُعاءِ النَّبيِّ ﷺ بعْدَ الصَّلاةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          بعض صفات النبي المصطفى ﷺ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-10-2024, 01:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,515
الدولة : Egypt
افتراضي التعامل الأمثل عند الخصومة والنزاع

التعامل الأمثل عند الخصومة والنزاع

محمود الدوسري


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَلَا يَخْلُو مُجْتَمَعٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ؛ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الثَّقَافَاتِ، أَوِ التَّبَايُنِ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ، أَوِ التَّنَافُسِ فِي الدُّنْيَا، أَوِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، أَوِ الِاسْتِجَابَةِ لِنَزَغَاتِ الشَّيَاطِينِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّنَازُعِ وَالْخُصُومَاتِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ.

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ بِمَا يُعِيدُ الْحَقَّ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَذَكَّرَهُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ أَنْ يَقْتَطِعَ أَحَدُهُمْ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، أَوْ يَتَمَادَى فِي الْبَاطِلِ، وَحَذَّرَهُمْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، وَعَصَبِيَّتَهَا الْمُنْتِنَةَ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ نِسْيَانِ الْفَضْلِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ الْخُصُومَةِ وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ، وَرَبَّاهُمْ عَلَى كُلِّ صِفَاتِ الْخَيْرِ، وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَكَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ الْمُتَخَاصِمِينَ إِلَيْهِ تَعَامُلًا حَكِيمًا عَادِلًا؛ يُنْهِي الْخِلَافَ، وَيَقْطَعُهُ، وَحَدِيثُنَا عَنِ التَّعَامُلِ الْأَمْثَلِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ:
1- السَّعْيُ لِلصُّلْحِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ؛ فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا، فَنَادَى: «يَا كَعْبُ». قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا» فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ؛ أَيِ: الشَّطْرَ. قَالَ: "لَقَدْ فَعَلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ". قَالَ: «قُمْ فَاقْضِهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلَحَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْخَصْمَيْنِ، وَشَفَعَ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ؛ بِأَنْ يَضَعَ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ، فَقُبِلَتْ شَفَاعَتُهُ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَالَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ‌سَبِيلِ ‌الْمَشُورَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ: عَلَى أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُرَاوِدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الصُّلْحِ؛ إِذَا رَأَى وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ، كَمَا يَفْصِلُ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا).

2- تَرْغِيبُ الْمُتَخَاصِمِينَ وَتَشْجِيعُهُمْ عَلَى الصُّلْحِ، وَفِعْلِ الْمَعْرُوفِ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ، عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الْآخَرَ [أَيْ: يَطْلُبُ مِنْهُ الْوَضِيعَةَ؛ وَهِيَ تَرْكُ بَعْضِ الدَّيْنِ]، وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ [أَيْ: يَطْلُبُ مِنْهُ الرِّفْقَ فِي الْمُطَالَبَةِ]، وَهْوَ يَقُولُ: "وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ!" فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ» ؟» فَقَالَ: "أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ" [أَيْ: سَأَفْعَلُ مَا يَطْلُبُهُ خَصْمِي] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. بَابُ: هَلْ يُشِيرُ الْإِمَامُ بِالصُّلْحِ؟

فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَعَ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَقُبِلَتْ شَفَاعَتُهُ فِي الْخَيْرِ؛ بِالرِّفْقِ بِالْغَرِيمِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَوَضْعِ شَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ.

3- إِذَا لَمْ يُجْدِ الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ؛ حُكِمَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ [جَمْعُ شَرْجَةٍ؛ وَهِيَ مَسِيلُ الْمَاءِ مِنَ الْحَرَّةِ إِلَى السَّهْلِ] الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا [كَانَ الْمَاءُ يَمُرُّ بِأَرْضِ الزُّبَيْرِ قَبْلَ أَرْضِ الْأَنْصَارِيِّ، فَيَحْبِسُهُ الزُّبَيْرُ؛ لِإِكْمَالِ سَقْيِ أَرْضِهِ، ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى أَرْضِ جَارِهِ؛ فَالْتَمَسَ مِنْهُ الْأَنْصَارِيُّ تَعْجِيلَ ذَلِكَ، فَامْتَنَعَ] فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِلزُّبَيْرِ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: "أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟" [أَيْ: حَكَمْتَ لَهُ بِالتَّقْدِيمِ؛ لِأَجْلِ أَنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ] فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» [أَيِ: الْحَوَاجِزِ الَّتِي تَحْبِسُ الْمَاءَ، وَالْمَعْنَى: حَتَّى تَبْلُغَ تَمَامَ الشُّرْبِ]». فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النِّسَاءِ: 65] (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِمَا فِيهِ السَّعَةُ لِلْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ مِنَ الْجَفَاءِ؛ اسْتَوْعَبَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ). وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَكَانَ الزُّبَيْرُ صَاحِبَ الْأَرْضِ الْأُولَى، فَأَدَلَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: اسْقِ شَيْئًا يَسِيرًا دُونَ قَدْرِ حَقِّكَ، ثُمَّ أَرْسِلْهُ إِلَى جَارِكَ ‌إِدْلَالًا ‌عَلَى الزُّبَيْرِ، وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَرْضَى بِذَلِكَ، وَيُؤْثِرُ الْإِحْسَانَ إِلَى جَارِهِ، فَلَمَّا قَالَ الْجَارُ مَا قَالَ؛ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ حَقِّهِ).

4- تَخْوِيفُ الْمُتَخَاصِمِينَ مِنَ الْحَلِفِ بِاللَّهِ كَذِبًا: عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي أَرْضٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: "إِنَّ هَذَا انْتَزَى [أَيِ: اسْتَوْلَى] عَلَى أَرْضِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ". قَالَ: «بَيِّنَتُكَ». قَالَ: "لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ". قَالَ: «يَمِينُهُ». قَالَ: "إِذًا يَذْهَبُ بِهَا" [أَيْ: يَأْخُذُ الْأَرْضَ إِذَا كَانَ بَقَاؤُهَا مَعَهُ مُتَوَقِّفًا عَلَى حَلِفِهِ]. فَقَالَ لَهُ: «لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَاكَ». قَالَ: فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا؛ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). فَلَا بُدَّ مِنْ وَعْظِ الْمُتَخَاصِمِينَ، وَتَخْوِيفِهِمْ مِنَ الْحَلِفِ بِاللَّهِ كَذِبًا، فَيُشَدِّدُ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بَاطِلًا، فَيَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ بِالْمَوْعِظَةِ.

5- حُكْمُ الْقَاضِي لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلَا يُبِيحُ لِلظَّالِمِ أَخْذَ حَقِّ غَيْرِهِ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ [أَيْ: أَفْصَحَ بِبَيَانِ حُجَّتِهِ] مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ. فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ؛ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا، أَوْ لِيَتْرُكْهَا» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ: وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا، وَأَنَّهُ مَتَى أَخْطَأَ فِي حُكْمِهِ فَقَضَى؛ كَانَ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ، فَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ، ‌وَفِي ‌حُكْمِ ‌الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَاضٍ).

وَمِنَ التَّعَامُلِ الْأَمْثَلِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ وَالتَّنَازُعِ:
6- تَحْذِيرُ الْمُتَخَاصِمِينَ وَتَخْوِيفُهُمْ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؛ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ [أَيْ: يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ خَصْمَهُ عَلَى حَقٍّ]؛ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ؛ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ [الرَّدْغَةُ: هِيَ ‌الْوَحْلُ، وَرَدْغَةُ الْخَبَالِ: هِيَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عَرَقُهُمْ]حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» (صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ ذَا قُدْرَةٍ عِنْدَ الْخُصُومَةِ- سَوَاءٌ كَانَتْ خُصُومَتُهُ فِي الدِّينِ، أَوْ فِي الدُّنْيَا- عَلَى أَنْ يَنْتَصِرَ لِلْبَاطِلِ، وَيُخَيِّلَ لِلسَّامِعِ أَنَّهُ حَقٌّ، وَيُوهِنَ الْحَقَّ، وَيُخْرِجَهُ فِي صُورَةِ الْبَاطِلِ؛ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمِنْ أَخْبَثِ خِصَالِ النِّفَاقِ).

7- الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ؛ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَطْيِيبِ خَوَاطِرِ الْجَمِيعِ: اخْتَصَمَ عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – فِي كَفَالَةِ ابْنَةِ حَمْزَةَ وَتَرْبِيَتِهَا؛ لِكَوْنِهَا يَتِيمَةً، فَكُلٌّ مِنْهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِهَا؛ لِيَنَالَ رِضَا اللَّهِ؛ وَيُؤْجَرَ عَلَى ذَلِكَ.

فَقَالَ عَلِيٌّ: "أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي". وَقَالَ جَعْفَرٌ: "ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي". وَقَالَ زَيْدٌ: "ابْنَةُ أَخِي". فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا. وَقَالَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» [أَيْ: تَرَجَّحَ جَانِبُ جَعْفَرٍ؛ لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمِّهَا، وَخَالَتُهَا عِنْدَهُ؛ فَاجْتَمَعَتْ قَرَابَةُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْهَا دُونَ الْآخَرَيْنِ]،وَقَالَ - لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ»، وَقَالَ – لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي»، وَقَالَ – لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا [أَيْ: فِي الْإِيمَانِ]وَمَوْلَانَا»؛ [أَيْ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ]» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَوَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْيِيبُ ‌خَوَاطِرِ ‌الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ قَضَى لِجَعْفَرٍ؛ فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ). وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَالَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ؛ مِنَ الْكَلَامِ ‌الْمُطَيِّبِ لِقُلُوبِهِمْ: مِنْ حُسْنِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ: تَعْظِيمُ صِلَةِ الرَّحِمِ؛ بِحَيْثُ تَقَعُ الْمُخَاصَمَةُ بَيْنَ الْكِبَارِ فِي التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا، وَالْحَاكِمُ يُبَيِّنُ دَلِيلَ الْحُكْمِ لِلْخَصْمِ، وَأَنَّ الْخَصْمَ يُدْلِي بِحُجَّتِهِ، وَتَنَافُسُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ.

8- الْعَدْلُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ مَهْمَا اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمْ وَعَقَائِدُهُمْ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، جَاءَ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: "يَا أَبَا الْقَاسِمِ! ضَرَبَ وَجْهِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِكَ" فَقَالَ: «مَنْ» ؟» قَالَ: "رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ". قَالَ: «ادْعُوهُ». فَقَالَ: «أَضَرَبْتَهُ» ؟» قَالَ: سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ: "وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ"، قُلْتُ: "أَيْ خَبِيثُ، عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ، ضَرَبْتُ وَجْهَهُ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ...» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 55.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.14 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]