تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين: تفسير سورة يونس (الحلقة الرابعة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حِيلة الجَاكِيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أدب المعلم مع طلبته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حكم السمر بعد العشاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          هجر المسلم لأخيه المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          في أيُّ مراتبِ الخُلق أنت؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          بناء المساجد وترميمها: أجرٌ عظيم وأثرٌ باق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          قضايا تُنسي قضايا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          (رجل) صفة مدح أم ذم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          (ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التحذير من الغفلة عن ذكر الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 17-09-2024, 12:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,200
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين: تفسير سورة يونس (الحلقة الرابعة)

تفسير السور الْمِئينَ من كتاب رب العالمين

تفسير سورة يونس (الحلقة الرابعة)

حقيقة الدنيا وحقائق الآخرة... إن عَرَفْتَ فالزَمْ

الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.


قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ * هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس: 15 - 24].

بُنِيَ الوجود البشريُّ في الأرض على سُنَّةِ الابتلاء؛ كما قال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2]، وقال: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: 3]، وبُنِيَ الابتلاء على الاختيار بين الخير الذي هو المنهج الواحد الوحيد للرسل والأنبياء عليهم السلام؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: 153]، وبين الشر الذي هو سُبُلُ الشيطان المشرَعة الْمُتْرَعة المنوَّعة: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: 6]، كما اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون لهذا الوجود زمن مُقدَّر، وعمر مُقرَّر، تتداول فيه الأجيال على الحياة جيلًا بعد جيل، إلى أن يأذَنَ الله بيوم الدين؛ قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران: 140]، هذا التداول المتوالي الْمُحْكَم لا يتعطَّل، أو يتخلَّف، أو يبطُؤ، أو يُستعجَل بإرادة غير ربه سبحانه؛ قال تعالى: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43]، هذا التداول المتوالي أيضًا هو قاعدة الاستخلاف والاصطفاء في الأرض؛ منذ قال تعالى للملائكة: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30]، يختار الله بحكمته من كلِّ جيل صُلَحاءه وشهداءه وأولياءه للجنة، ويُركِس فَسَدَتَه من الكفار والمشركين والعُصاة في النار، هذه القاعدة هي التي غابت عن مشركي مكة، إذ دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله وحده، فأبَوا إلا أوثانهم، وحذَّرهم سوء العاقبة، فاستعجلوها تعنُّتًا وتحدِّيًا، فبيَّن لهم موقعهم من سُنَّة الله في التداول على الأرض، وأنهم مجرد خَلَفٍ لمن كان قبلهم، يُبتَلون كما ابتُلوا، ويُجازَون كما جُوزُوا، وسوف يكونون سلفًا لمن يأتي بعدهم للابتلاء والجزاء؛ بقوله عز وجل لهم: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس: 14]، فما ازدادوا إلا علوًّا واستكبارًا، وعنادًا وإنكارًا، فوَصَفَ الحق تعالى حالهم هذا بقوله عز وجل: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس: 15].


وحرف الواو في مستهل الآية للعطف أو للاستئناف، و﴿ إِذَا [يونس: 15]: ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط في قوله تعالى: ﴿ تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ [يونس: 15]، بفعل مضارع مبني للمجهول هو ﴿ تُتْلَى [يونس: 15]، و﴿ آيَاتُنَا [يونس: 15] نائب الفاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، وتاليه عليهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآيات المتلوَّة من القرآن الكريم، وجواب الشرط جملة: ﴿ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا [يونس: 15]؛ أي: كلما تلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم آياتٍ من القرآن بيِّنة واضحة، قال الذين لا يؤمنون بالآخرة، ولا يرتقبون بعثًا ولا حسابًا، ولا جزاءً ولا جنةً أو نارًا: ﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا [يونس: 15].


وقوله تعالى: ﴿ ائْتِ [يونس: 15]، فعل أمر من "الإيتاء"؛ وهو الإعطاء؛ أي: أعْطِنا قرآنًا، أو جئنا بقرآن، ﴿ غَيْرِ هَذَا [يونس: 15]، غير هذا القرآن الذي تتلوه علينا، فيُسفِّه آلهتنا، ويعيب عبادتنا، ﴿ أَوْ بَدِّلْهُ [يونس: 15]، غيرَه بكلام منك لا تذكر فيه آلهتنا بسوء، وقد رُوِيَ أن هذا الرد كان متداولًا بين غالبية المشركين، وإن تولى كِبْرَ قوله ومواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم به، خمسةٌ في مكة؛ هم: عبدالله بن أمية المخزومي، والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبدالله بن أبي قيس العامري، والعاص بن عامر بن هاشم، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن كنت تريد أن نؤمن بك، ائت بقرآن غير هذا، ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة، وليس فيه عيبها، وإن لم ينزلها الله، فقل أنت من عند نفسك، أو بدِّله، فاجعل مكان آية عذاب آيةَ رحمة، أو مكان حرام حلالًا، أو مكان حلال حرامًا"، وما كان حرصهم على معاداة القرآن، والإعراض عن سماعه، إلا لِما له من التأثير فيهم، لا سيما وهم أهل معرفة بالكلام شعرًا ونثرًا، وأمثالًا وحكمة، وما كان يثيره فيهم من مشاعر الخوف أو الحسد أو التنافس الرديء، كانوا من همِّه في أمر مريج، كل فرد فيهم أو طائفة منهم تحاول التصامُمَ عن سماعه، وتَسْفِيه تاليه أو ناقله، وهو يعمل في القلوب بما لا تُطيق مقاومته، ويؤثر فيها بما ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 23]؛ عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما[1] أنه قال: "اجتمعت قريش يومًا فقالوا: انظروا أعلمَكم بالسحر والكِهانة والشِّعر، فليأتِ هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وعاب ديننا، فَلْيُكلِّمْهُ ولينظر ماذا يرد عليه، فجاءه عتبة بن ربيعة[2]، وكلمه كلامًا طويلًا، حتى إذا فرغ عتبة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فرغتَ يا أبا الوليد؟)) قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ [فصلت: 1 - 5]، واستمر النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ حتى بلغ قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت: 13]، فأمسك عتبة على فيه، وناشده الرحمَ أن يكُفَّ عنه، ثم قام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلِف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، وكان فيما قال لهم عتبة بن ربيعة: يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خَلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت نبأ، قالوا: سَحَرَك والله يا أبا الوليد بلسانه"، وقد ذكر القرآن اضطرابهم هذا في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ينزل عليه من الوحي في سورة يونس هذه، وازداد بيانًا وتفصيلًا طيلة الفترة المكية بقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم: 73]، وقوله: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحج: 72]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى [سبأ: 43]، وقوله: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الجاثية: 25]، وقوله: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأحقاف: 7].


لا شكَّ أن هذه العوائق التي اعترضت تأسيس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة الإسلام الخاتمة، كانت شاقَّة ومرهقة، ومرحلة تأسيس أي مشروع دنيوي تشقُّ على صاحبها وتُرهقه، فما بالك بمشروع رباني أبديٍّ يصل الدنيا بالآخرة، ويُعِدُّ أهل الأرض للجنة أو النار؟ لذلك كان الوحي الكريم كلما تألَّب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حلَّت به من طرفهم ضائقة مكرٍ، يتولى الحق تعالى توجيهه مباشرة، فيأمره بالثبات والصبر والتصبُّر، كما في هذا الظرف من عمر الدعوة الناشئة، إذ لقَّنه تعالى ما تقتضيه حكمة المرحلة من الرد عليهم بما لا يستفزهم، أو يثير ضغائنهم، أو يحوِّل علاقته بهم إلى صراع ذاتي للمغالبة والتحدي، على الرغم من أقوالهم البذيئة المستفزَّة؛ فقال له عز وجل أولًا وقد سألوه أن يأتي بقرآن غير ما يوحى له: ﴿ قُلْ [يونس: 15]، للمشركين يا محمد، ﴿ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي [يونس: 15]، ليس من قدري أو قدرتي أو حقي أن أبدل القرآن، وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إني أخاف الله؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحاقة: 44 - 47]، ثم قل لهم: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [يونس: 15]، إني لا أتبع في أقوالي وتبليغي لكم إلا ما يأمرني به ربي، وحيًا منه تعالى، أبلغه لكم بما عهدتموه في خُلُقيمن الأمانة والصدق، ﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي [يونس: 15]، بانتحال كلامٍ لم يُوحِ إليَّ به ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يونس: 15]، هو عذاب يوم الدين، ثم ﴿ قُلْ [يونس: 16] لهم ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ [يونس: 16]، لقد أبلغتكم القرآن، وتلوته عليكم بأمر من الله ومشيئته، ولو أراد الله ألَّا أُبلِّغكم كلامه، ما بلَّغتُه لكم، ﴿ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ [يونس: 16]، ولو شاء ألَّا تعلموه لَما عرفكم به، ﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ [يونس: 16]، لقد عشت بينكم أربعين عامًا من قبل نزول الوحي عليَّ، ولم أقل لكم شيئًا من أمر دينكم أو دنياكم، ثم أكَّد الحق تعالى جهالتهم باستفهام إنكاريٍّ، ينفي أن يوجد من هو أضعف عقلًا منهم؛ بقوله عز وجل: ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [يونس: 16]، فهلَّا كففتم عن الرُّعونة والجَهالة، وتعطيل العقول، والمسارعة بالعدوان والظلم؟! وأكَّد براءته من الكذب على الله، أو انتحال غير ما يُوحي به إليه؛ بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [يونس: 17]، ومن أشد ظلمًا منكم، وقد كذَبتم على الله، فجعلتم له شركاء؟ ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ [يونس: 17]، وكذبتم بما أُنزل من الوحي قرآنًا نديًّا، وبما رأيتموه رأي العين من الآيات والمعجزات، إسراءً إلى المسجد الأقصى وعودة منه في ليلة واحدة؛ كما قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء: 1]، وانشقاقًا للقمر؛ وقد قال تعالى عنه: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر: 1، 2]، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: ((إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُريَهم آيةً، فأراهم القمر شِقَّتين، حتى رأوا حراءً بينهما))، ومعجزات أخرى كثيرة رآها المشركون في مكة قبل الهجرة؛ مثل: تسليم الحَجَر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم، وبركة الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم، وفشل مساعيهم للإضرار به صلى الله عليه وسلم، فما زادهم ذلك إلا عتوًّا واستكبارًا، وإصرارًا على محاولة التخلص منه، وتدبير قتله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك سمَّاهم الحق تعالى مجرمين في تعقيبه على حالهم؛ بقوله عز وجل: ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس: 17]، لا يُفْلِحون حالًا، ولن يفلحوا استقبالًا، ولا يفلحون أبدًا؛ لأن الله يعصمه من الناس وقد قال له: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة: 67]، ودعوته التي بُعِثَ بها أيضًا محفوظة أبدًا؛ لأنها حُجَّة الله على خلقه إلى يوم الدين، بها يُدان الناس، وبها يُحاسَبون، وعلى أساسها يدخل فريق منهم الجنة، وفريق غيرهم النار؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله استقبل بي الشام، وولَّى ظهري اليمن، وقال لي: يا محمدُ، إني جعلت لك ما تُجاهك غنيمةً ورزقًا، وما خلف ظهرك مددًا، ولا يزال الإسلام يزيد، وينقص الشرك وأهله، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جورًا، والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغَ هذا النَّجم))[3]، وقال عليه السلام: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك))[4].


فهلَّا تبيَّن لكم أن الباطل لا يثمر خيرًا، وأن الْمُبْطِلين لا يفلحون في إبطال الحق أو تعطيله، وأن ما تقومون به من تكذيب وتنمر وعدوان مجردُ إجرامٍ، لا خير لكم فيه، ولا يتحقق مرادكم منه.


ثم بالتفات بصيغة الغيبة يُندِّد الوحي بجهالة عباداتهم، وسفاهة عقولهم، وإجرامهم في حق أنفسهم؛ بقولهتعالى:
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [يونس: 18]؛ أي: من غير الله أصنامًا وأوثانًا، وشمسًا وقمرًا، ونجومًا وطَوَاطِمَ، ﴿ مَا لَا يَضُرُّهُمْ [يونس: 18]، منها شيء إن نبذوها ولم يعبدوها، ﴿ وَلَا يَنْفَعُهُمْ [يونس: 18] منها شيء إن عبدوها، ﴿ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18]، يشفعون لنا عند الله كي يغفر ذنوبنا، ويقرِّبنا إليه ويكرمنا، ﴿ قُلْ [يونس: 18] يا محمدُ لهم ﴿ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ [يونس: 18]، هل بلغت بكم سفاهة العقول أن تُخبروا الله ﴿ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [يونس: 18]؛ أي: بأشياءَ غابت عنه تعالى، فتزعمون كذبًا عليه أن أوثانكم تقربكم وتشفع لكم؟ ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى [يونس: 18]، تنزَّه الحق وتعالى، وترفَّع وتعاظم سبحانه، ﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: 18]، عن كل معتقداتهم الشركية الضالة، وتصوراتهم الفاسدة، التي تجعلهم في جبهة واحدة، وصفٍّ واحد ضد الحق في القرآن النازل، والنبي المرسَل به عليه الصلاة والسلام، مستنصرين عليهما بحكمائهم ومُحنَّكيهم وعُرَفائهم، بعد أن فشلت ادعاءاتهم الظالمة، ودَعاوَاهم المتهافتة؛ يقول ابن هشام: "إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش فقال: إنه قد حضر الموسم، وإن وفود العرب ستقدَم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فاجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذِّب بعضُكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا، قالوا: فأنت يا أبا عبدشمس، فقل وأقِم لنا رأيًا نقول به، قال: بل أنتم، فقولوا وأسمع، قالوا: نقول: كاهن، قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكُهَّان، فما هو بِزَمْزَمَةِ الكاهن ولا سجعه، قالوا: فنقول: مجنون، قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعَرَفناه، فما هو بِخَنْقِهِ ولا تخالجه ولا وسوسته، قالوا: فنقول: شاعر، قال: ما هو بشاعر، لقد عرَفنا الشعر كله رَجَزَه وهَزَجَه وقريضه، ومقبوضَه ومبسوطَه، فما هو بالشعر، قالوا: فنقول: ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السُّحَّار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم، قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لِقولِه لَحَلاوة، وإن أصله لَعَذْقٌ، وإن فرعه لَجَنَاةٌ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عُرِف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لَأن تقولوا: ساحرٌ، جاء بقولٍ هو سحر يفرِّق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرَّقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسُبُلِ الناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره".


لقد كان هذا آخر سلاح يوظِّفه المشركون ضد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهو أنه صلى الله عليه وسلم يهدِّد وحدتهم قومًا وجماعة، وعشيرة وأُسرة، وهو السلاح الذي يلجأ إليه عادة طغاة كل عصر؛ لمواجهة صحوات الإيمان والإصلاح، من الفراعنة القدامى إلى الأباطرة والقوارين[5] المحدَثين، ولكنه سلاح واهن أبدًا؛ لأن الأصل الفطريَّ في المجتمع البشري هو الوحدة الإيمانية، وقد خُلِقَ أبو البشر آدم عليه السلام مؤمنًا مسلمًا، وعلَّمه ربه تعالى الأسماء كلها، وأنزله إلى الأرض مؤمنًا مسلمًا، ونشأت من نسله أول الأمر أمة مسلمة موحِّدة وموحَّدة، توالت على عمارة الأرض إلى أن نشأ بكيد الشيطان فيهم الشركُ والأثَرَةُ، والتنافس على الدنيا، والعدوان المؤدِّي إلى أن يقتل الأخ أخاه، كما حدث بين ابني آدم؛ قابيلَ وهابيلَ، فتوالى فيهم الرسل، ونزلت الرسالات بدءًا بنوح عليه السلام، وختامًا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكان لازمًا التنبيه إلى أن الأصل هو التوحيد والوحدة الإيمانية، وأن الشذوذ هو الشرك، والفُرقة والدعاوى العرقية والعشائرية المبنية عليه، وأن ادعاء المشركين ودعاواهم باطلة؛ ونزل بذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً [يونس: 19]؛ أي: لم يكن الناس يومَ خلق الله أباهم آدم وذريته، وأسكنهم الأرض، إلا أمة واحدة، تجمعها عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام، ﴿ فَاخْتَلَفُوا [يونس: 19]، فاجتالهم الشيطان بمكره، وأضلهم عما كانواعليه، وفرَّقهم؛ كما أخبربذلك تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: 213]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألَا إن ربي أمرني أن أُعلِّمكم ما جهِلتم، مما علمني يومي هذا: كلُّ مال نَحَلْتُه عبدًا حلالٌ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتالَتْهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحْلَلْتُ لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمَقَتَهم؛ عربَهم وعجمَهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتُك لأبتليَك وأبتليَ بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظانَ))[6].


إن الأصل الأصيل فيما خُلِقْنا عليه هو الوحدة الإيمانية، وذلك من يومِ أُخِذَ فيه الميثاق علينا؛ بقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172]، ولكن الأصل الثاني الذي أُنزِلنا له في الأرض هو البلاء والاختبار: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 123، 124].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 132.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.48 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]