أسباب شرح الصدور - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1249 - عددالزوار : 135407 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 5497 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 8168 )           »          ميزة جديدة لمتصفح كروم بنظام أندرويد 15 تتيح إخفاء البيانات الحساسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن ميزة الصورة المستطيلة بإنستجرام.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتفى iPhone 14 Plus وGoogle Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          احمِ أطفالك من الإنترنت.. احذر ألعاب الفيديو لحماية أبنائك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أبل تعمل على جهاز بشاشة تشبه شاشة الآيباد مع ذراع آلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          طفلك يستخدم تطبيقات الموبايل سرا دون علمك.. كيف تكتشف ذلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أدوات مهمة هتساعدك للحد من استخدام طفلك للإنترنت.. جربها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-09-2024, 03:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة : Egypt
افتراضي أسباب شرح الصدور

أسباب شرح الصدور (1)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والعاقبة للمتقين ولا عُدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شيءٍ قائمٌ به وكل شيءٍ خاضعٌ له، غنى كل فقير، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف من تكلم سمع نطقَه ومن سكت علم سرَّه، ومن عاش فعليه رزقُه ومن مات فإليه منقلبه. كل ملكٍ غيره مملوك، وكل قويٍ غيره ضعيف، وكل غنيٍ غيره فقير.

أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله عز وجل القائل: ﴿ ‌وَاتَّقُوا ‌يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281] اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.

اسمعوا إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول فيما روى الطبراني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملَكٌ قائم أو ملَكٌ ساجد أو ملك راكع. فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لا نشرك بك شيئا» [أخرجه الطبراني في الكبير (2/184، رقم 1751)].

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «خلق الله الملائكة لعبادته أصنافا، وإن منهم لملائكة قياماً صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة وملائكة ركوعًا خشوعًا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة وملائكة سجودًا منذ خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم تبارك وتعالى ونظروا إلى وجهه الكريم قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك» [رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم- صحيح الترغيب والترهيب/ 3626].

تُسبّح له السموات السبع والأرضين السبع، سبحان من تفرّد بالبقاء جل في علاه.

إذا ركب المسافرون وظل الحادي وارتبك الرُبّان واضطربت السفينة وهبّت الريح وجاء الموج كالجبال نادوا يا الله يا الله يا الله.

إذا وضِع السجين وراء القضبان وفارقه الأخوان والخلان والجيران نادى من وراء الحديد يا الله يا الله..

إذا ظل المسافر في الصحراء، وأدركه الظمأ وبعُد عن الأحباب والأصدقاء والأولياء نادى يا الله يا الله.

إذا حل الهم، وخيّم الغم، واشتد الكرب، وعظُم الخطب، وضاقت السبل وبارت الحيل. نادى المنادي: يا اللهُ يا الله (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) فيُفرّج الهم، ويُنفّس الكرب، ويُذلل الصعب: ﴿ ‌فَاسْتَجَبْنَا ‌لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].

إذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجفّ الضرع، وذبلت الأزهار، وذوت الأشجار، وغار الماء، وقلّ الغذاء، واشتد البلاء. خرج المستغيثون بالشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، فنادوا: يا اللهُ يا الله، فينزل المطر، وينهمر الغيث، ويذهب الظمأ، وترتوي الأرض ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ ‌هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].

إنه الله (جل جلاله).
إذا اشتد المرض بالمريض، وضعُف جسمه، وشحُب لونه، وقلّت حيلته وضعفت وسيلته، وعجز الطبيب، وحار المداوي، وجزعت النفس، ورجفت اليد، ووجف القلب، وانطرح المريض، واتجه العليل، إلى العليّ الجليل. ونادى: يا اللهُ يا الله، فزال الداء، ودب الشفاء، وسُمع الدعاء ﴿ ‌وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83-84].

إذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسُرت ولادته، وصعُبت وفادته وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات. لجأت إلى مُنفّس الكربات، وقاضي الحاجات، ونادت: يا اللهُ يا الله، فزال أنينها، وخرج جنينها.
إذا اشتملت على اليأس القلوب
وضاق بما به الصدر الرحيبٌ
وأوطنت المكاره واطمأنت
وأرْسَت في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر نفعاً
وما أجْدى بحيلته الأريب
أتاك على قَنوطٍ منك غوثٌ
يَمُنُ به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت
فموصولٌ بها فرجٌ قريب


عباد الله: من الذي يشرح الصدور؟
من الذي يسهل الأمور؟ من الذي يفك الحيل؟ من الذي يفتح السبل؟ من الذي يمد الحبال؟ من الذي ينير الطريق؟ من الذي يجيب السؤال؟ من ذي الجلال؟ من ذي الكمال؟؟ من ذي الجمال؟؟ إنه الواحد الأحد.

يقول أحد السلف: كنا مع إبراهيم بن أدهم في البحر، فهاجت ريح، واضطربت السفينة، وبكوا، فقلنا: يا أبا إسحاق! ما ترى؟

فقال: «يا حي حين لا حي، ويا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي، يا قيوم، يا محسن، يا مجمل! قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك»، فهدأت السفينة من ساعته.

نقف وإياكم مع وسائل شرح الصدور.

ما هي الوصفة النبوية القرآنية لشرح الصدور وتيسير الأمور؟
يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ ‌نَشْرَحْ ‌لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1] يقول جل وعلا لنبيه: أما ضاق صدرك؟ أما أتتك غيومٌ من الحزن وسُحُبٌ من القلق؟ أما كنت في كرب؟ أما عشت أزمة؟ أما مرت بك محنه؟ من الذي شرح صدرك؟ ((الله)) من الذي أزال همك؟ ((الله)) من الذي فتح عليك؟ ((الله)) من الذي نصرك؟؟؟ ((الله)).

نعمة شرح الصدر لا يدركها إلا من عاش المعاناة، وطاف به طائف من الكدر، وزاره الهم والغم فإذا التجأ إلى الله شرح الله صدره.

أرسل الله موسى إلى فرعون فلما اشتد كربه قال: ﴿ ‌قَالَ ‌رَبِّ ‌اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾ [طه: 25-27].

وامتن الله على أولياءه فقال: ﴿ ‌أَفَمَنْ ‌شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22]، وقال جل وعلا ﴿ ‌فَمَنْ ‌يُرِدِ ‌اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: 125].

كيف تنشرح صدورنا؟؟؟ كيف تزول همومنا؟؟ كيف تذهب غمومنا؟؟ كيف نرتاح؟؟؟ ما هي الطرق المثلى لشرح الصدور؟

إنها طرق للأولياء الصادقين عرفها الأنبياء والمرسلون، وسار عليها الزُهاد والعباد فكشف الله همهم وأزال كربهم جل في علاه.

أول ذلك التوحيد الخالص: الإيمان بالله، الثقة به، تفويض الأمر إلى الله، الاكتفاء بحسبه واطلاعه ونصرته و تأييده. حسبنا الله ونعم الوكيل هي رحيق التوحيد وسر التفويض وكلمة التوكل.

النار لا تحرق إبراهيم الخليل لأنه وهو يهوي إليها يقول: «حسبنا الله ونعم الوكيل».

الكفار لا يُدركون محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه لأنهم قالوا: «حسبنا الله ونعم الوكيل». ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ‌لَمْ ‌يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [آل عمران: 174].

فالتوحيد الخالص والتوكل على الله يشرح الصدور ويزيل الهموم والغموم.

ذكر التنوخي وغيره أنه: وضع عالماً من علماء الأمة في حبس وفي قيد في أرض المقدس في فلسطين، وضعوه النصارى ووضعوا الحديد والأغلال في يديه ورجليه، فأمسى مهموماً، وأمسى حزيناً وبات مكدراً مغموماً، فصلى ركعتين ثم نام، وفي المنام رأى محمد صلى الله عليه وسلم، هذا العالم في القرن الرابع رأى في المنام أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم فيُسلّم الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المسجون العالم الزاهد المجاهد الداعية يقول له «يا محمد حبسوك؟قال قلت نعم يا رسول الله. قال: وقيّدوك قلت: نعم يا رسول الله. وقال: وأغلقوا دونك الأبواب. قلت: نعم يا رسول الله. قال: أين أنت من دعاء الكرب الذي رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما» قال فتذكرت الحديث وقلته. يقول العالم فسقطت قيودي في لحظه وأغلالي وفُتحت لي الأبواب. فخرجت بإذن الله. والحديث حديث الكرب اسمع إليه يهز الجبال تذوب له الصخور تهتز له الحجارة تسيل له العيون ترتجف له القلوب «لا إلهَ إلاّ الله العظيم الحلِيم، لا إلهَ إلا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ العرش الكريم، لا إلهَ إلا الله الحليم الكريم» [رواه البخاري في الدعوات (6345، 6346)، ومسلم في الذكر (2730)]. هذا دعاء الكرب وهذا سؤال الكرب وهذه كلمات الكرب فنجي هذا العبد وأمثاله كثير.

يونس عليه السلام يقع في ظلمات ثلاث ولا حبيب ولا صاحب ولا مجيب ولا ناصر ولا معين إلا الله. فقال كلمة المشهورة التي صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين إنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له» [أخرجه أحمد (3/65- 66) [1462]، والترمذي في الدعوات [3505]]
.
عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله:
ثانياً مما يشرح الصدر الصبر على المقدور: أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. والعوض من الله والثواب من الله روى الإمام البخاري – رحمه الله - في صحيحه بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيه ـ فصبر، عوّضته منهما الجنة».

فكان الأولياء إذا فقدوا عيونهم قالوا: «اللهمالعوض منك» ابن عباس رضي الله عنهما يفقد عينيه، فيدخل حُسّاده يعزونه ومحبوه يهنئونه فيقول:
إن يأخذ الله من عيني نورهما
ففي فوادي وعقلي منهما نور
قلبي ذكيٌ وعقلي غيرُ ذي دخَلِ
وفي فمي صارمٌ كالسيف مشقورُ


يزيد ابن هارون العابد المحدث تذهب عيناه. قيل أين عينيك الجميلتان؟ قال أذهبهم بكاء الأسحار والعوض من الله، والشاهد العوض من الله.

في الترمذي يقول الله لملائكته وهو أعلم وأحكم وهو العدل: إذا قبضوا ولد العبد ثمرة فواده، تسكب روح ولده بين يديه. تتقاطر نفسه بين جوانحه. ثم ينظر فإذا اللوعة وحريق المصيبة بين أجنحته، فيقول: «إنا لله وان إليه راجعون الحمد لله»، قال الله لملائكته: «قبضتم ابن عبدي المؤمن؟ قالوا قبضناه» والله هو من أمرهم أن يقبضوه: ﴿ ‌وَمَا ‌كَانَ ‌لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴾ [آل عمران: 145].

لا تموت النفوس ولا تحيا، ولا ينزل القطر ولا تتحرك ورقه ولا يتم قرار ولا يقوم قائم إلا بأمر من الواحد الأحد: ﴿ ‌وَاللَّهُ ‌غَالِبٌ ‌عَلَى ‌أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].

قال: قبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا: قبضنا ثمرة فؤاده. قال: ماذا قال عبدي المؤمن؟ قالوا حمدك واسترجع يعني قال: الحمد لله إنا لله وان إليه راجعون قال تعالى: «ابنوا لعبدي بيتنا في الجنة اسمه بيت الحمد» [أخرجه أحمد (4/415)، والترمذي في: الجنائز، باب: فضل المصيبة إذا احتسب (1021)، وأبو داود الطيالسي (508) من حديث أبي موسى رضي الله عنه بنحوه. وصححه ابن حبان (7/210- 2948)، والألباني في الصحيحة برقم (1408)]. بيتٌ في الجنة وهي الأمنية الغالية. إن كان عندك أُمنيه غير بيتٍ في الجنة في جوار الرحمن فلتخسأ الأمنية. إن كان عندك أمل أو مقصد فوق مقصد أن يكون لك بيتٌ في الجنة في جوار الديان الرحمن الجبار الغفار فليخسأ المقصد والرجاء.

آسيا امرأة في بيت الظلم والجبروت والخيانة والفشل واللعنة بيت فرعون. معها الحشم والخدم والجنود والبنود والدور والقصور وتقول: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي ‌عِنْدَكَ ‌بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].

فاصبر على المقدور وافعل فعل السلف الصالح فها هو عروة بن الزبير بن العوام - وهو أحد التابعين الكبار- رحل إلى عبد الملك بن مروان، وكان في رجله مرض ودبت إلى رجله الآكلة (السرطان)، فلما وصل إلى عبد الملك بن مروان استشرى المرض في رجله، فقال الطبيب له: لا حل إلا أن نقطعها لك، قال: وكيف ذلك؟ قالوا: تشرب خمراً حتى نستطيع أن نقطعها لك فلا تتألم.

فقال: ما كنت لأستعين على دفع بلاء الله بمعصية الله، ولكن دعوني حتى إذا دخلت في الصلاة فاقطعوها - لولا أن أسانيد هذه القصة صحيحة لما كاد المرء يصدقها! - قال: فلما دخل في الصلاة قطعوها فما أحس بها، فلما صار المنشار إلى قصبة الساق وضع رأسه على الوسادة ساعة؛ فغشي عليه، ثم أفاق والعرق يتحدر من وجهه، وهو يقول: لا إله إلا الله والله أكبر، فأخذ رجله المقطوعة وجعل يقبلها في يده ثم قال: أما والذي حملني عليك إنه ليعلم -سبحانه وتعالى- أني ما مشيت بك إلى حرام، ولا إلى معصية، ولا إلى ما يسخط الله، ثم أمر بها فغُسلت وطُيّبت ولُفّت في قطيفة وبعث بها إلى مقابر المسلمين.

وبعد أيام من قطع رجله، سقط ولده من على سطح الدار فمات، وقيل ضربه خيل برجله في إسطبل الخيول فمات، - وكان عنده سبعة أولاد- فبلغ ذلك عروة فقال: اللهم لك الحمد، أخذت واحداً وأبقيت ستة، وأخذت عضواً وأبقيت ثلاثة، اللهم لئن ابتليت فلقد عافيت، ولئن أخذت فلقد أبقيت، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ لَئِنْ ‌شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

قال الإمام الأوزاعي عن عبد الله بن محمد قال خرجت إلى ساحل البحر مرابطاً وكان رابطنا يومئذ عريش مصر قال فلما انتهيت إلى الساحل فإذا أنا بخيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه وثقُل سمعه وبصره وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه. وهو يقول: «اللهم أوزعني أن أحمدك حمداً أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها على وفضلتني على كثيرٍ ممن خلقت تفضيلا». فقال عبد الله بن محمد قلت: والله لآتين هذا الرجل ولأسألنه أنى له هذا الكلام فهم أم علم أم إلهام.

فأتيت الرجل فسلمت عليه فقلت: سمعتك وأنت تقول: «اللهم أوزعني أن أحمدك حمدًا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها على وفضلتني على كثيرٍ من خلقت تفضيلا»، فأيُّ نعمةٍ من نعم الله عليك تحمده عليها وأيُّ فضيلة تفضّل بها عليك تشكره عليها؟ قال: «وما ترى ما صنع ربي والله لو أرسل السماء عليّ ناراً فأحرقتني وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فأغرقتني، وأمر الأرض فبلعتني ما ازددت لربي إلا شكرًا لما أنعم على من لساني هذا. ولكن يا عبد الله لي إليك حاجة تراني على أي حالة أنا!! أنا لست أقدر لنفسي على ضُر ولا نفع، ولقد كان معي بُني لي يتعاهدني في وقت صلاتي فيوضيني، وإذا جُعت أطعمني، وإذا عطشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام فتحسّسه لي رحمك الله. فقلت: «والله ما مشي مخلوق في حاجة مخلوق كان أعظم عند الله أجرًا ممن يمشي في حاجة مثلك».

قال: فمضيت في طلب الغلام فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه، فاسترجعت وقلت: أنى لي وجه رقيق آتى به الرجل. فبينما أنا مُقبل نحوه إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أتيته سلّمت عليه فرد على السلام فقال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى. قال: ما فعلت في حاجتي؟

فقلت أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال: بل أيوب النبي.

قلت هل علمت ما صنع به ربه أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى قلت: فكيف وجده؟ قال: وجده صابراً شاكراً حامداً. قلت لم يرض منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه. قال: نعم. قلت: فكيف وجده ربه؟ قال وجده صابراً شاكراً حامداً. قلت: فلم يرض منه بذلك حتى صيره عرضاً لمار الطريق هل علمت؟ قال نعم. قلت: فكيف وجده ربه قال صابراً شاكراً حامداً. أوجز رحمك الله قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل وقد افترسه سبع فأكل لحمه فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر.

فقال المبتلى: «الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقًا يعصيه فيُعذبه بالنار»، ثم استرجع وشهق شهقة فمات. فقلت«إنا لله وإنا إليه راجعون عظمت مصيبتي رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع وإن قعدت لم أقدر على ضر ولا نفع‌. قال: فسجّيته بشملة كانت عليه وقعدت عند رأسه باكياً.

فبينما أنا قاعد إذ دخل علىّ أربعة رجال فقالوا: يا عبد الله ما حالك وما قصتك؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته فقالوا لي: اكشف لنا عن وجهه فعسى أن نعرفه فكشفت عن وجهه، فانكب القوم عليه يقبلون عينيه مره ويديه أخرى ويقولون: «يالها من عينٍ طالما غضّت عن محارم الله ويا له من جسمٍ طالما كان ساجداً والناس نيام». فقلت من هذا يرحمكم الله؟ فقالوا هذا أبو قلابه الجرمي صاحب ابن عباس رضي الله عنهما لقد كان شديد الحب لله وللنبي - صلى الله عليه وسلم -.

فغسّلناه وكفّناه بأثواب كانت معنا وصلينا عليه ودفناه فانصرف القوم وانصرفت إلى رباطي، فلما أن جنَّ عليَّ الليل وضعت رأسي فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة وعليه حُلَّتان من حُلَل الجنة وهو يتلو الوحي: ﴿ ‌سَلَامٌ ‌عَلَيْكُمْ ‌بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]. فقلت: ألست بصاحبي؟ قال: بلى. قلت: أنى لك هذا؟ قال إن لله درجات لا تُنال إلا بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء مع خشية الله عز و جل في السر والعلانية[1].

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ‌يُصَلُّونَ ‌عَلَى ‌النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

[1] ورواها الإمام ابن أبي الدنيا في كتاب: الصبر والثواب عليه: (99)، ورواها الإمام ابن عساكر في تاريخ دمشق، ج: (51)، ص: (114) وأشار إليها الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء ،ج: (4). ص: (474).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-10-2024, 05:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب شرح الصدور

أسباب شرح الصدور (2)

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا
فإن رجعنا إلى الشاطئ عصيناه
ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ
وما سقطنا لأن الحافظ الله


وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى لتكونوا من أولياء الله الذين يقول الله فيهم: ﴿ ‌أَلَا ‌إِنَّ ‌أَوْلِيَاءَ ‌اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].

يقول الله تعالى: مخاطباً نبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ ‌أَلَمْ ‌نَشْرَحْ ‌لَكَ ‌صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1] بأبي وأمي - صلى الله عليه وسلم - كان أشرح الناس صدراً، قُتل أصحابه وكان صدره منشرحًا، أتاه الفقر والمرض وكان صدره منشرحاً، طُرد من دياره وبلده وكان صدره منشرحاً لأنه عرف الله القائل: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ ‌يَشْرَحْ ‌صَدْرَهُ ‌لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: 125].

عباد الله: إذا أراد الله بعبدٍ خيراً شرح صدره للإيمان والإسلام.

إذا أراد الله بعبدٍ خيراً شرح صدره للمسجد والقرآن.

إذا أراد الله بعبدٍ خيراً شرح صدره لمصاحبة أهل الخير والصلاح والإحسان.

اُنظر إلى منشرح الصدر يأتي إلى المسجد مرات ومرات، ويقرأ القرآن مرات ومرات ويذكر ربه ليزداد من الحسنات.

سبحانك يارب تُسعد هذا فتشرح صدره فلا تراه إلا راضياً مرضياً باسماً مبتسما.

سبحانك يارب تُعمي هذا فتُظلم صدره وقلبه فلا تراه إلا ساخطاً متسخطاً غاضباً مغضبا. اللهم اشرح صدورنا يارب العالمين.

عباد الله: ما زلنا وإياكم مع أسباب شرح الصدور.

السبب الأول: من أسباب انشراح الصدر التوحيد الذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - التوحيد الصافي العظيم. التوحيد الذي قال الله فيه: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‌وَاسْتَغْفِرْ ‌لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19]. التوحيد الذي قال الله فيه ﴿ ‌وَلَقَدْ ‌أُوحِيَ ‌إِلَيْكَ ‌وَإِلَى ‌الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65] السجود لله وحده والخضوع له والخوف منه وحده لا شريك له فهو الذي يحيي ويميت.

شعار الموحد ما قال الله في كتابه: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي ‌فَهُوَ ‌يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 78-82].

التوحيد ليس أن تقول لا اله إلا الله فقط. هناك من يقول لا الله إلا الله وهو مقاطع لبيت الله والصلوات. هناك من يقول لا الله إلا الله وهو يأكل الربا والحرام يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه وحرام وملبسه حرام ومشربه حرام فأنَّى يستجاب له. هناك من يقول لا الله إلا الله وهو عاق لوالديه. هناك من يقول لا الله إلا الله وهو ويناصر الظلم والظالمين ويحب الظلم والظالمين.

التوحيد يشرح الصدور بحسب صفاء التوحيد ونقائه يوسع الله صدر عبده حتى يكون أوسع من الدنيا وما فيها. ولا حياة ولا سعادة لملحد ومشرك ومنافق قال تعالى ﴿ ‌وَمَنْ ‌أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]. وقال تعالى: ﴿ ‌وَمَنْ ‌يُرِدْ ‌أَنْ ‌يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

التوحيد أن يعتقد العبد اعتقاداً جازماً لا شك فيه ولا ريب، أن الله عز وجل وحده الذي يجلب النفع ويدفع الضر، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه ولا مُعقب لحكمه، عدلٌ في قضائه، يُعطي من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحداً. فعلى العبد أن يحرص على عمارة قلبه بهذه الاعتقادات وما يتبعها فإنه متى كان كذلك؛ أذهب الله غمه، وأبدله من بعد خوفه أمناً.

ثانياً من أسباب شرح الصدور الصبر على قضاء الله القناعة بما رزقك الله الواحد الأحد. جاء في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أفلح من أسلم وكان رزقه كَفافاً وقنّعه الله بما آتاه».


وليس معنى ذلك أن نترك الدنيا ولكن عليك أن تجتهد قدر استطاعتك أن تكون راضياً بما قسم الله؛ فمُحال أن يشرح الله صدر ساخط عليه حاسداً لعباد الله.
أسأت على الله في حُكمه
لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني
وسد عليك وجوه الطلب


أخي الحبيب:
هي القناعة فالزمها تعش ملكًا
لو لم يكن لك إلا راحة البدن
فأين من ملك الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفن


عبد الله:
إذا ما كنتُ ذا قلبٍ قنوعٍ
فأنت ومالك الدنيا سواء




عباد الله:
من أعظم الأمور في جلب السرور الرضا بالمقدور واجتناب المحذور؛ فلا تأسف على ما قد فات فانه قد مات ولا تفكر بما هو آت فهو في علم الغيب عند رب الأرض والسماوات. ولا تهتم بكلام الُحسّاد وعليك بالأذكار فبها تُحفظ الأعمار وتُدفع الأشرار؛ وهي اُنس الأبرار، وبُهجة الأخيار.

أخي الحبيب: احمد ربك على العافية والعيشة الكافية، والساعة الصافية، فكم في الأرض من وحيدٍ وطريد وشريد وفقيد. احمد ربك فكم في الأرض من مسجون ومغبون ومفتون ومجنون. احمد ربك فكم من سقيمٍ وعقيمٍ ويتيم.
رغيفُ خبزٍ يابسٍ تأكله في عافية ‍
وكوز ماءٍ باردٍ تشربه من صافية
وغرفةٍ ضيّقة نفسك فيها راضية ‍
ومصحف تدرسه مستندًا لسارية
خيرٌ من السكنى بأبراج القصور العالية ‍
وبعد قصر شاهقٍ تُصلى بنار حامية


اللهم أجرنا من النار ومن حر النار.

عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله:
السبب الثالث من أسباب شرح الصدور الصلاة: إن أعظم ما يُزيل عنك الهم والغم أن تسجد لله الواحد الأحد. لا حيّا الله من لم يُمرغ جبينه بين يدي الكريم المتعال. لا حيّا الله من لم يحافظ على الصلاة مع الجماعة إلا لعذر. مسكين من ينام عن صلاة الفجر. مسكين محروم من لا يعرف المسجد. مسكين محروم من لا يجيب داعي الله. أي أُمّة كنا يوم كنا نصلي ونحافظ على الفجر جماعة وتكبير الإحرام.

أخي الحبيب: إذا داهمك الخوف وطوّقك الحزن وأخذ الهمّ بتلابيبك فقم حالًا إلى الصلاة، فالصلاة كفيلة بشرح الصدور وطرد الهموم. كان الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر وأهمه قال: «أرحنا بالصلاة يا بلال».


الصحابة الكرام كانوا في ساحة المعارك السيوف على أكتافهم. ساحة سقوط جماجم وسيلان دماء يتوجهون إلى الله اكبر في صلاة الخوف. تثبيتاً لأنفسهم واتصالاً برب الأرض والسماوات ناصراً لهم ومؤيدا.

أين من يعقل ويفكر؟ أين أولي الألباب والعقول؟ هذه الصلوات الخمس كل يوم كفّارة لذنوبنا رفعٌ لدرجاتنا وعلاج لمآسينا ودواءٌ لأمراضنا. أما الذين تركوا المسجد وتركوا الصلاة فمن نكد إلى نكد ومن حُزن إلى حُزن ومن شقاء إلى شقاء فتعساً لهم وأضل أعمالهم.

أيُّ أُمة كُنا يوم قدّمنا للأمة سعيد بن المسيب في سكرات الموت يعالج الموت، تبكي ابنته فيقول: «يا بنية لا تبكي إني أرجو الله أن يرحمني؛ والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام ستين سنة». والإمام الأعمش يقول: «والله ما أذّن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد».


أين الشباب عن تكبيرة الإحرام؟ أين الجيل عن صلاة الفجر؟. يا حسرتى أحفاد مصعب وعمار وبلال تخلّفوا عن الصلاة ناموا عن الصلاة: ﴿ ‌فَخَلَفَ ‌مِنْ ‌بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59]. ألا فليتجه المهمومون إلى المسجد ألا فليفتحوا المصاحف وليتوضؤوا وليُعفّروا وجوههم لخالقهم جل وعلا وسيُغيّر الله أحوالهم من عُسرٍ إلى يُسر، ومن شدة إلى رخاء. قال تعالى: ﴿ ‌وَاسْتَعِينُوا ‌بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45] وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌اسْتَعِينُوا ‌بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ‌وَسَلِّمُوا ‌تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين، وأن تغفر لنا ذنوبها كلها؛ دقها وجلها، سرها وعلانيتها، لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا كربًا إلا نفسته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا عسيرًا إلا يسرته، ولا ميتًا إلا رحمته، اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا المستضعفين، وأن تعلي كلمة الدين، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، ونعوذ بك من الوباء والغلاء والبلاء يا سميع الدعاء، اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-10-2024, 11:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب شرح الصدور


أسباب شرح الصدور (3)

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله ذي القوة المتين، عليه توكلنا، وهو رب العرش العظيم، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، هو حيٌ لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

اللهم اُحرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بعزك الذي لا يضام، واكلأنا بحمايتك في الليل والنهار يا حي يا قيوم.

ونشهد أن سيدنا وقائدنا وحبيبنا وشفيعنا محمداً عبد الله ورسوله، القائل: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، أتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له». [أخرجه الترمذي «2/76» السلسلة الصحيحة رقم «949»].

صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الغُر الميامين، ومن سار على دربهم واستن سنتهم، واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله: ما زلنا وإياكم مع أسباب شرح الصدور وتفريج الهموم.

ومن أسباب انشراح الصدر: رابعاً دوام ذكر الله عز وجل: الصالحون إذا اجتمعوا ذكروا الله عزوجل، والفاسقون إذا اجتمعوا نسوا الله وذكروا كل ما يلهيهم عنه.

أهل الإيمان والصلاح يستبشرون إذا ذكروا الرحمن وتشمأز قلوبهم إذا ذُكر الهوى والدنيا والشيطان.

أما أهل النفاق والشقاق يستبشرون إذا ذُكرت الدنيا والهوى والشيطان. قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45]. إذا سمعوا المواعظ وقال الله وقال رسوله تنفر نفوسهم وتضيق صدورهم. أما أهل القرآن والإيمان فلا راحة لهم ولا اطمئنان إلا بذكر الديان. قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

أيها الناس: انشراح الصدر موهبة لا تؤخذ بالذهب ولا تشترى بالفضة ولا تُنال بالمنصب ولا بالشهرة إن الله يهبها لأوليائه.

كل مذكور سوى الله فذكره مضمحل، كل عز سوى عز الله فان عزّه إلى اندحار وزوال. فاعتزوا بالواحد الأحد واذكروه، واعلموا أن ذكره من أوسع الأبواب لانشراح الصدر وسعادته.

اُذكر الله يذكرك في الملا الأعلى يقول الله ـ جل وعلا ـ في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» [صحيح البخاري ح (7405)، صحيح مسلم ح (2675).]

أي شيء أعظم من أن يُذكرك البارئ من فوق سبع سماوات، ووالله وتالله وأيم الله لئن ذُكرت عند ملك من ملوك الدنيا ومُدحت لعددت ذلك مكسباً ومغنماً فكيف بملك الملوك جل في علاه.

هذا صحابي من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاهد حفظ القران علّمه الناس. قام به في الليل أمر به نهى به فكان جزاءه أن آتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: « يا أبا المنذر إن الله أرسلني إليك وأمرني أن اقرأ عليك سورة البينة » قال وسماني في الملا الأعلى؟ الله سماني؟، قال: نعم سمّاك فبكى أُبي. قال أهل العلم: بكى فرحا وسروراً. وقال بعضهم بكى تحقيرًا لنفسه واعترافاً بتقصيره أمام ذكر الله له. وهنيئًا لأُبي أن يذكره الله، وبإمكانك أن يذكرك الله إذا سبّحته إذا قدّسته «لا يزال لسانك رطبا بكر الله »، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41]، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس» [صحيح مسلم: كتاب الذكر (2695).].
الله أكبر كُل همٍّ ينجلي
عن قلب كُل مهلّل ومُكبّر




من أراد القُرب فليذكر المجيب الكريم القريب جل وعلا. جعلنا الله وإياكم من الذاكرين والذاكرات.

والذكر شأنه عجيب، عبادة يسيرة بجارحة صغيرة، وأجورها وحسناتها كثيرة، أما كونها عبادة يسيرة فلأن الذكر ليس بهز الأيدي، ولا بحركات الأرجل، ولا بتحريك الرقاب والرؤوس، إذاً لانفصمت وتقطّعت، لكنه بأصغر جارحة في البدن، وهي اللسان، وما أسهل تحريك اللسان على الإنسان، هذا اللسان الذي يجد الواحد منا بأبسط الأمثلة أنه يدفع فاتورة كلامه حينما تأتيه فاتورة الجوال، وآخر الشهر يجد ضريبة حركات لسانه في القيل والقال عبر الجوال ومن الذي يحصي؟ ليسوا ملائكة مقربين، لا. الذي يحصي في هذه الفاتورة أجهزة تحسب على الإنسان كل دقيقة وثانية من كلامه. فما بالك بالسجل الآخر الذي لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة من فلتات اللسان وحركات اللسان، إن أُطلقت في خير فلا تسل عن الطيبات والحسنات والدرجات العلا، وإن أُرسلت في شر فلا تسل عن الهلكات والدركات والأمر الذي لا يسر صاحبه، فذكر الله عز وجل من أعظم أسباب انشراح الصدر، وإني لأدعو على سبيل اليقين بهذه الوصفة والعلاج الرباني فأقول: من وجد منكم في نفسه ضيقاً، أو في حاله كرباً، أو في فؤاده شيئاً من الاكتئاب والاضطراب، فأوصيه بحُسن الطهارة في ملبسه وبدنه، وأن يعمد إلى بيت من بيوت الله، أو يصلي ركعتين في بيته، فيُصلي ما كتب الله له، ثم يستقبل القبلة ويسبح الله ما استطاع، ويستغفر الله ما استطاع، ويحمد الله ما استطاع، ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل ما استطاع، ويصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما استطاع، وإني لأتحدى أن يقول: إنه قام من مجلسه كساعة جلوسه.

وإن الله أثنى على الذاكرين وعدّهم أولي الألباب، وأهل الذكاء، وأهل الحِجا والفطنة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، من هم أولو الألباب؟ ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِ ﴾ [آل عمران: 191].

ومن أسباب انشراح الصدر: خامساً سلامة الصدر من، الحقد، الغل، الكراهية: لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحرص الناس على سلامة قلبه كان يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ والْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ وأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وحُسْنَ عِبَادَتِكَ وأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا ولِسَانًا صَادِقًا، وأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ» [النسائي: 1287 عن شداد بن أوس].

وسلامة الصدر من أسباب النصر على العدو، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾ [الأنفال: 62، 63] فائتلاف قلوب المؤمنين من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله.

وسلامة الصدر سبب في قبول الأعمال، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تُعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا أمرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظِروا هذين حتى يصطلحا» [الصحيحة: 1144]. فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الأحقاد والضغائن.

وسلامة الصدر صفة من صفات أهل الجنة قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].،،وفي الحديث في وصف أول زُمرة تلج الجنة «لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد».


قال صديق لابن السمَّاك: موعدنا غداً نتعاتب، فقال له ابن السماك: بل موعدنا غداً نتغافر.

أليس التغافر وسلامة الصدر أولى وأطهر وأبرد للقلب؟ في قلبك أنك قد غفرت له تقصيره تجاهك؟ بلى والله. ولله در شاعر راح يمرح ويقول:
من اليوم تعارفنا
ونطوي ما جرى منا
فلا كان ولا صار
ولا قلتم ولا قلنا
وإن كان ولابد
من العتبى فبالحسنى


المؤمن يحمل صفاء وود، إخاء وحب، قلبٌ سليم ونفس صافية، وصدر يحتمل الزلات ويغفر الخطايا، ويمحو بالإحسان الإساءة.

عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله:
ومن أسباب انشراح الصدر: سادساً الإحسان إلى الخلق، ونفعهم بما تستطيع نفعهم به من مالك أو جاهك أو شفاعتك أو بدنك، أو بأي نوع من أنواع الإحسان. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نفّس عن مؤمنٍ كُربة من كُرَب الدنيا نفّس الله عنه كُربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على مُعسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة» [صحيح مسلم: كتاب الذكر (2699)].

فهو إن كان عاملاً لأحد أخلص في عمله، أو كان بائعًا نصح في بيعه، وإن كان مُعلمًا صار معلمًا مربيًا يحب لأبناء الناس كما يحب لأبنائه، وإن كان موظفًا حرص على إنجاز مهمات مراجعيه وتيسير أمورهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. فمن كانت هذه طريقته فهو من أشرح الناس صدرًا، «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». واخص المنفعة هنا بذل المعروف بالصدقة، قال ابن القيم رحمه الله: «إنَّ للصدقة وفعل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر».


ولم أر كالمعروف أما مذاقـه فحلوٌ وأما وجهه فجميل.

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استبعد الإنسان إحسان




أخي الحبيب: إذا هيأ الله لك، وأقدرك الله على نفع إخوانك بمالك أو بجاهك أو ببدنك أو بكلمتك أو بما تستطيعه، فلا تتردد لأمرين:
الأمر الأول: تستعبد القلوب بالإحسان فتنال حظاً من الدعاء، والذكر الحسن في الأولين والآخرين، قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84] اجعل لي ذكراً حسناً بعد الموت.

والثاني: أنك اليوم قادر وغداً عاجز، وأنت اليوم قوي وغداً ضعيف، وأنت اليوم نشيط وغداً ربما تخور القوى، فما دُمت ذا مقدرة، وما دمت على استطاعة في نفع العباد فأحسن إليهم.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-12-2024, 08:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسباب شرح الصدور

أسباب شرح الصدور (4)

د. أمير بن محمد المدري





الحمد لله الكريم الفتاح أهل الكرم والسماح المُجزل لمن عامله بالأرباح سبحانه فالق الإصباح وخالق الأرواح.

أحمده سبحانه على نعمٍ تتجدد بالغدو والرواح وأشكره على ما صرف من المكروه وأزاح، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً بها للقلب انفساح وانشراح.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أرسل بالهدى والصلاح. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ما بدا نجمٌ ولاح.

أما بعد..
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحة مباركة تبيض وجوهنا يوم نلقاه عز وجل.

﴿يَومَ لَا يَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَن أَتَى ٱللَّهَ بِقَلب سَلِيم [الشعراء: 88-89].

لا زال الحديث معكم يتدفق مع أسباب شرح الصدور وتفريج الهموم.

وقفنا مع ستة أسباب لشرح الصدور في لقاءاتٍ مضت:
أول سبب لشرح الصدور التوحيد الخالص الصافي الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التوكل على الله وتفويض الأمور إليه ﴿وَأُفَوِّضُ أَمرِي إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُ بِٱلعِبَادِ[غافر: 44].

الإيمان الخالص الصادق: ﴿مَن عَمِلَ صَٰلِحا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤمِن فَلَنُحيِيَنَّهُۥ حَيَوٰة طَيِّبَة وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُواْ يَعمَلُونَ[النحل: 97].


ثانياً:من أسباب شرح الصدور الصبر على المقدور والقناعة بما قسم الله، أن تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك.
﴿وَٱستَعِينُواْ بِٱلصَّبرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلخَٰشِعِينَ[البقرة: 45].

ثالثاً: مما يشرح الصدور الصلاة، أرحنا بها يا بلال.
الصلاة تكفير للخطايا ورفعٌ للدرجات وتفريجٌ للهموم وراحة للفؤاد.

رابعاً:مما يشرح الصدور الإحسان إلى الخلق فمن ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن سعى في قضاء حاجة أخيه، قضى الله حاجاته، ومن فرج عن أخيه كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما، ستره الله يوم القيامة.

خامساً: مما يشرح الصدور دوام ذكر الله عزوجل على كل حال.

سادساً: مما يشرح الصدور سلامتها من الغل والحسد والبغضاء. ﴿يَومَ لَا يَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَن أَتَى ٱللَّهَ بِقَلب سَلِيم [الشعراء: 88-89].

أيها الأحبة! سابعاً: من أسباب انشراح الصدر طلب العلم ومذاكرته والاجتهاد في تحصيله، يقول ابن القيم -رحمه الله- عن: طلب العلم يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يُورث الصدر الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسنهم أخلاقاً، وأطيبهم عيشاً، انتهى كلامه -رحمه الله-.

يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخشى ٱللَّهَ مِن عِبَادِهِ ٱلعُلَمَٰؤُا[فاطر: 28] فالعالم رحب الصدر، واسع البال، مطمئن النفس، منشرح الفؤاد، أن السعادة كل السعادة وانشراح الصدر في العلم النافع والعمل بمقتضاه، كذا العز الدائم والرفعة في الدنيا والآخرة كلها في طلب العلم، ومصداق ذلك قول الله عز وجل: ﴿يَرفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُم وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلعِلمَ دَرَجَٰت [المجادلة: 11].

فعليكم بالعلم ومجالسة أهل العلم وحثوا على ذلك أولادكم.

عباد الله: اصطفى الله من بين كل آيات القران أن تكون أول نزولاً على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ٱقرَأ بِٱسمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ [العلق: 1].. إنها رسالة إذا أرادت الأمة التقدم والسمو والرفعة فعليها بالعلم بنوعيه الشرعي والحياتي. وما أمر الله رسوله بالاستزادة من المال أو الجاه المنصب بل من العلم قال تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدنِي عِلما[طه: 114].

ومما يشرح الصدور ويفرج الهموم الدعاء، نعم أخي الحبيب: عليك أن تتحرى الدعاء في أوقات الإجابة ومنها: الثلث الأخير من الليل والناس نيام، فقم وتوضأ وصل ركعتين واسجد، وفي السجود ألح على الله، قدّم السؤال وقدّم ما تريد ولا تنصرف بسرعة، إلا إذا شعرت أن الله قِبَلك، وكيف تشعر؟ إذا بكيت ورق قلبك، فاطرق الباب ولا تيأس فمن أدمن قرع الباب يوشك أن يُفتح.
لا تسألن بنيّ آدم حاجة ‍
وسلِ الذي أبوابه لا تحجَب
الله يغضَب إن تركتَ سؤاله ‍
وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضب


والله غني، والغني مهما تسأله فلا يمل سؤالك، بل كلما سألته أعطاك، كما جاء في الحديث يقول الله: « يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر » [صحيح مسلم: كتاب البر (2577) عن أبي ذر -رضي الله عنه-].


عباد الله: ما بالنا نتعلق بالمخلوقين وننسى الخالق. ما بالنا عند هبوب عواصف الهموم والغموم والمصائب نلجأ إلى الضعفاء وننسى القوى جل وعلا.

فيا من ضاق صدره وتكدّر أمره، ارفع يديك إلى ربك، وبث شكواك إلى خالقك، واذرف دموع عينك، علَّ الله أن يجيب دعوتك ويزيل كربك.

ومن أسباب شرح الصدور تاسعاً: حُسن الظن بالله.
نعم حُسن الظن بالله تعالى، وذلك بأن تستشعر أن الله تعالى فارجٌ لهمك كاشفٌ لغمك، فإنه متى ما أحسن العبد ظنه بربه، فتح الله عليه من بركاته من حيث لا يحتسب، فعليك يا عبد الله بحُسن الظن بربك ترى من الله ما يسرك، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً فله، وإن ظنّ شراً فله» [رواه أحمد في المسند "2/ 391"، وابن حبان رقم "639"وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده]، فأحسن ظنك بالله، وعلِّق رجاءك به، وإياك وسوء الظن بالله، فإنه من الموبقات المهلكات، قال تعالى: ﴿وَٱلمُشرِكَٰتِ ٱلظَّانِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوءِ عَلَيهِم دَائِرَةُ ٱلسَّوءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيهِم وَلَعَنَهُم وَأَعَدَّ لَهُم جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرا[الفتح: 6].

عن أبى هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما فقال الرب عز وجل أخرجوهما. فلما أخرجا قال لهما لأي شيء اشتد صياحكما قالا فعلنا ذلك لترحمنا. قال إن رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار. فينطلقان فيلقى أحدهما نفسه فيجعلها عليه برداً وسلاماً ويقوم الآخر فلا يلقى نفسه فيقول له الرب عز وجل ما منعك أن تُلقى نفسك كما ألقى صاحبك فيقول يا رب إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني. فيقول له الرب لك رجاؤك. فيدخلان جميعا الجنة برحمة الله ». [ قال الألباني: 4 / 445: ضعيف. رواه الترمذي (2 / 99) وابن أبي الدنيا في "حسن الظن" (2 / 192 / 1)].

ومن أسباب شرح الصدور عاشراً المبادرة إلى ترك المعاصي والهروب إلى الله ومحاسبة النفس.
عباد الله: إنَّ الهمومَ والأحْزَان عقوباتٌ عاجلة ونارٌ دنيوية حاضرة، فكيف يطلب انشراح الصدر من ضيَّع صلاته ومنع زكاته؟! وكيف يَطْلب انشراح الصدر من ظلم مُسلمًا في مالٍ أو عرضٍ؟! وكيف يطلبُ انشراحَ الصَّدْرِ مَن أكل الربا وغشَّ المسلمين في بيعٍ أو شراء؟! كيف يطلب انشراح الصدر مَن عقَّ والديه وقطع أقربَ الناسِ إليه؟! بل كيف يطلب انشراح الصدر من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن منكرٍ تعيَّن إنكاره عليه؟! ألا ما أبعد طيبَ العيش عن هؤلاء وأمثالِهم، وما أضيق صدور هؤلاء، وتعسًا لحالهم.

فجاهد نفسك - يا عبد الله - في طاعة الله، وألزمها تقوى الله، ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا[الطلاق: 2]، ﴿فَأَمَّا مَن أَعطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلحُسنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِليُسرَىٰ[الليل: 5-7].

أخي الحبيب: أتريد مخرجاً لك مما أنت فيه وأنت ترتع في بعض المعاصي؟ يا عجباً لك! تسأل الله لنفسك حاجتها وتنسى جناياتها، ألم تعلم هداك الله تعالى أن الذنوب باب عظيم ترد منه المصائب على العبد: ﴿وَمَا أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُواْ عَن كَثِير [الشورى: 30]، ﴿أَوَلَمَّا أَصَٰبَتكُم مُّصِيبَة قَد أَصَبتُم مِّثلَيهَا قُلتُم أَنَّىٰ هَٰذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُمۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيء قَدِير [آل عمران: 165].

فبادر رعاك الله إلى محاسبة نفسك محاسبة صدق وإنصاف، محاسبة من يريد مرضاة ربه والخير لنفسه، فإن كنت مقصراً في صلاة أو زكاة أو غير ذلك مما أوجب الله عليك أو كنت واقعاً فيما نهاك الله عنه من السيئات، فبادر إلى إصلاح أمرك، وجاهد نفسك على ذلك، وسترى من الله ما يشرح صدرك وييسر أمرك ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمُحسِنِينَ[العنكبوت: 69]، ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا * وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَايَحتَسِبُ [الطلاق: 2-3].

فبادر هداك الله إلى تقوى الله ولن ترى من ربك إلا ما يسرك بإذنه تعالى.

عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله:
أيها المسلمون: كما أن المعاصي من أسباب ضيق الصدور فان مِن أسباب انشراح الصدر التزود من الطاعات والإقبالُ على ربِّ الأرض والسمواتِ، فالطاعة فرضُها ونفلها زادُك في الآخرة ولذتك في الدنيا، والإكثار منها سببٌ في محبَّة الله. قال الله تعالى في الحديث القدسي: «وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إلى بالنوافلِ حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يَسْمَعُ به، وبصره الذي يُبْصِرُ به، ويدَه التي يَبْطِش بها، ولئن سَألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه»[ أخرجه البخاري (6502)].

ومن أسباب شرح الصدور الحادي عشر: مجالسة الصالحين:
الاجتماع بالجلساء الصالحين والاستئناس بسماع حديثهم والاستفادة من ثمرات كلامهم وتوجيهاتهم، مرضاة للرحمن، مسخطة للشيطان، فلازم جلوسهم ومجالسهم واطلب مناصحتهم، ترى في صدرك انشراحاً وبهجة ثم إياك والوحدة، احذر أن تكون وحيداً لا جليس لك ولا أنيس، وخاصة عند اشتداد الأمور عليك، فإن الشيطان يزيد العبد وهناً وضعفاً إذا كان وحيداً، فالشيطان من الواحد أقرب ومن الاثنين أبعد وليس مع الثلاثة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

فجاهد نفسك وغالبها على الاجتماع بأهل الخير والصلاح، والذهاب إلى المحاضرات والندوات، وزيارة العلماء وطلبة العلم فذلك يدخل الأُنس عليك؛ فيزيدك إيماناً وينفعك علماً.

ومن أسباب شرح الصدور الثاني عشر:
قراءة القرآن تدبراً وتأملاً، وهذا من أعظم الأسباب في جلاء الأحزان وذهاب الهموم والغموم، فقراءة القرآن تورث العبد طمأنينة القلوب، وانشراحاً في الصدور .

فاحرص رعاك الله على الإكثار من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وسل ربك أن تكون تلاوتك له سبباً في شرح صدرك، فإن العبد متى ما أقبل على ربه بصدق؛ فتح الله عليه من عظيم بركاته ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَّوعِظَة مِّن رَّبِّكُم وَشِفَاء لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدى وَرَحمَة لِّلمُؤمِنِينَ[يونس: 57]، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلقُرءَانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحمَة لِّلمُؤمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارا[الإسراء: 82].

ومن أسباب شرح الصدور الثالث عشر والأخير:
أذكار الصباح والمساء: المداومة على الأذكار الصباحية والمسائية وأذكار النوم، وما يتبع ذلك من أذكار اليوم والليلة، فتلك الأذكار تحصن العبد المسلم بفضل الله تعالى من شر شياطين الجن والإنس، وتزيد العبد قوةً حسيّة ومعنوية إذا قالها مستشعراً لمعانيها موقناً بثمارها ونتاجها، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبدالله بن عباس ب عنهما قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم»، وكذا ما أخرجه البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من قوله: « اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال».

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل به هم أو غم قال:
«يا حي يا قيوم برحمتك أستغيثأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين » [مستدرك الحاكم 1/ 545، وصححه ووافقه الذهبي]..

أسأل الله أن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا وأن يقوي إيماننا، هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، محمد المصطفى الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 122.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 119.64 كيلو بايت... تم توفير 3.06 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]