|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة أسباب وموانع الهداية يحيى سليمان العقيلي الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الهادي البشير، والسراج المنير، أرسله الله رحمةً للعالمين، وهدايةً للناس أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، فمن اتقى ربه نجا، ومن اتبع هواه غوى؛ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]. معاشر المؤمنين: تحدثنا في خطبة سابقة عن الهداية؛ أسبابِها وبواعثها، وأنها الهداية لمنهج الله تعالى: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي كلُّكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني، أَهدِكم))؛ [رواه مسلم: 6737]. ونقيض الهداية - عباد الله – الضلالةُ؛ بأن يُحرَم المرء التوفيقَ إلى الهداية، والسير على صراط الله المستقيم، ليتخبَّط في سبل الضلالة، غافلًا عن تحذير ربنا جل وعلا: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]. عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: هذا سبيل الله، ثم خط عن يمين ذلك الخط، وعن شماله خطوطًا، فقال: هذه سُبُلٌ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها؛ ثم قرأ هذه الآية: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153]))؛ [رواه أحمد]. وكما أن لتحقيق الهداية وسائلَ وبواعثَ وأسبابًا تحدثنا عنها، فهناك موانع وصوارف، تصرف المرء عن سبيل الهداية: منها اتباع الهوى؛ فإنه يحجب عن الهداية ويصرف عنها؛ قال جل وعلا: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50]، واتخاذ المرء الهوى إلهًا هو في تقديم هواه على أمر الله وشرعه، وعلى الحق ودلائله. ومن موانع الهداية الكِبْرُ والغرور؛ لأنه يُعمي صاحبه ويصرفه عن الخير؛ قال سبحانه: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾ [الأعراف: 146]. وهذا ما ظهر جليًّا في ردِّ كفار قريش وكُبَرائهم دعوةَ النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام؛ روى الحاكم بإسناد صححه، ((أن أبا جهلٍ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّا لا نُكذبك، ولكن نكذِّب ما جئت به؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33])). ومن موانع الهداية - عباد الله - العصبية والتعصب والجمود الفكري؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23]. ومنه ما نراه اليوم من الجمود على انطباعات متسرعة، ومواقف سابقة، وعادات بالية، وعداءات فكرية وتاريخية يجمد عليها المرء، وتَحُول دون سلوك طريق الهداية والحق. قدم طلحة النميري إلى اليمامة، بعد أن ادَّعى مسيلمة الكذاب النبوةَ، فقال: أين مسيلمة؟ قالوا: مَهْ، رسول الله، فقال: لا حتى أراه، فلما جاءه، قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟ قال: رحمن، قال: أفي نور أو في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: أشهد أنك كذَّاب، وأن محمدًا صادق، ولكن كذَّاب ربيعةَ أحبُّ إلينا من صادقِ مُضَرَ. ومن موانع الهداية - عباد الله – ما نراه في واقعنا اليوم من الانهزامية النفسية أمام المدنية الغربية الزائفة، والمتمثلة في التقليد الأعمى لكل ما هو غربي، لبِست نساؤهم اللباس الضيق فلبِسَتْهُ بعض نسائنا، ولبِست فتياتهم الثيابَ الممزَّقة فلبِستها بعض فتياتنا؛ وكما قال صلى الله عليه وسلم: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الذين من قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ لاتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، اليهودَ والنصارى؟ قال: فمن؟))؛ [الشيخان]. ومن صوارف الهداية أن يربط المرء استقامته والتزامه بمنافع مادية، ومصالح ذاتية، إن تحصلت سار في ركب المهتدين تصنُّعًا، وإن لم تحصل تردَّد وتنكَّب؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال في قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾ [الحج: 11]، قال: "كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلامًا، ونُتِجَتْ خيله، قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته، ولم تُنْتَج خيله، قال: هذا دين سوء"؛ [صحيح البخاري]. هدانا الله وإياكم لما يحب ويرضى، ووفَّقنا للبر والتقوى، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية معاشر المؤمنين: من صوارف الهداية التي ظهرت في عصرنا هذا الانصرافُ عن الالتزام بشرع الله؛ بحُجَّة سوء أخلاق بعض المسلمين، فترفض المرأة الحجاب الشرعي بحجة سوء أخلاق بعض المحجبات، أو ذاك الذي يهجر المساجد بحجة سوء أخلاق بعض المصلِّين، ومنهم من يحتج لباطله بأن أغلب الناس على ما هو عليه، وكأن البشر هم الحُجَّة على الدين، وليس الدين هو حجة الله على عباده، وهذا يشبه ما قاله قوم نوح عليه السلام له: ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود: 27]. ولكل هؤلاء يأتي هذا الرد المفحم، والحجة البالغة في هذا الحديث القدسي عن رب العزة جل وعلا: ((يا عبادي، لو أن أولَكم وآخركم، وإنسكم وجنَّكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيتُ كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص الْمِخْيَطُ إذا أُدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه))؛ [مسلم].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |