{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4942 - عددالزوار : 2039893 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4516 - عددالزوار : 1310155 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 129012 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4812 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-08-2024, 02:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}

{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}

محمد بن عبد الله السحيم


الحمدُ للهِ الحقِّ المبينِ، ذي الكيدِ المتينِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ مخلصاً له الدينَ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ.

أما بعدُ، فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

أيها المؤمنون!
عقوبةُ الذَّنبِ من شؤمِ مُواقعتِه، وأخطرُ أنواعِ تلك العقوبةِ العقوبةُ الخَفِيِّةُ التي لا تُرى، ولا يَشْعُرُ بها العاصي، ولا يُبْصرُ معها آثارَ ذنبِه؛ فَيَسْدُرُ في غيِّه، ولا يَلْوِي عنه حتى يُفْضيَ به إلى هُوَّةٍ سحيقةٍ مِن الهلاكِ.
والاستدراجُ أخطرُ العقوباتِ الخفيِّةِ؛ فهو مكرٌ من اللهِ خفيٌّ بمَن تمادى في طغيانِه؛ فيُدنيه لعاقبةِ الهلاكِ التي طَوى عنه عِلْمَها إدناءَ تلطُّفٍ؛ درجةً درجةً من حيثُ لا يَتوقَّعُ ولا يَشعرُ، ويُعمي بصيرتَه عن التنبُّهِ لهذه العاقبةِ السيِّئةِ التي يَؤولُ إليها، حتى يُورِّطَه بأخذِه أخْذةَ أَسَفٍ دون إمهالٍ أو إعذارٍ. وذاك ما يُعامِلُ اللهُ به مَن قد سقطَ مِن عينِه ممَّن لجَّ في طغيانِه؛ فلم يكن له عنده قدْرٌ يَصونَه إذ كان مُتلبِّساً بسببٍ من أسبابِ الاستدراجِ؛ إما بكفرٍ يكونُ به التكذيبُ بآياتِ اللهِ، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ‌سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 182، 183]، وإما بنفاقٍ اعتقاديٍّ يُوجِبُ الخلودَ في الدَّرْكِ الأسفلِ من النَّارِ، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ‌وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15]، وإما بإمعانٍ في سقَطاتِ المظالمِ والغرقِ في مُستنقعِها الآسنِ بالعدوانِ على أعراضِ العبادِ وأموالِهم ودمائِهم دون حاجزٍ من وَرَعٍ أو توبةٍ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ ‌يُفْلِتْهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ ‌أَلِيمٌ ‌شَدِيدٌ} [هود: 102] (رواه البخاريُّ ومسلمٌ). وعقوبةُ الاستدراجِ إنما تكونُ بقدْرِ المظالمِ، والمرء يُستدرَجُ بقدْرِ بَغيه.

عبادَ اللهِ!
إنما كان خطرُ الاستدراجِ في خفائِه، وغلبةِ طولِ وقتِه، واقترانِه بحالِ رغدٍ من النِّعمِ الغامرةِ المتجدِّدةِ المتواليةِ، وتزيينِ سوءِ العملِ لصاحبِه، ومصيرِه الوخيمِ. فالاستدراجُ مكرٌ ربانيٌّ دقيقُ المَسْلكِ شديدُ الخَفاءِ؛ طالما أطارَ خوفُ خفائِه قلوبَ أهلِ الخشيةِ من العلماءِ الراسخين. لمّا حُمِلَ إلى عمرَ -رضيَ اللهُ عنه- ‌كنوزُ ‌كسرى نَظرَ إليها، فقال: اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك أنْ أكونَ مُستدرَجاً؛ فإنِّي أسمعُك تقولُ: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182]، وقال الحسنُ البصريُّ: كَمْ ‌مِنْ ‌مُسْتَدْرِجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ؟! وَكَمْ مِنْ مَفْتُونٍ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ؟! وَكَمْ مِنْ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ؟!
وقال المَرُّوذيُّ للإمامِ أحمدَ: مَا أَكْثَرَ الدَّاعِينَ لَكَ! فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنُهُ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا ‌اسْتِدْرَاجًا!، وقال ابنُ القيِّمِ: كم مِن مُستدرَجٍ بالنِّعمِ وهو لا يشعرُ، مفتونٍ بثناءِ الجُهَّالِ عليه، مغرورٍ بقضاءِ اللهِ حوائجَه وسترِه عليه! وأكثرُ الخلقِ عندهم أنَّ هذه الثلاثةَ علامةُ السعادةِ والنجاحِ؛ {ذَلِكَ ‌مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم: 30]!. ويَزيدُ من خطرِ الاستدراجِ أنه لا يكونُ إلا في حالِ نعيمٍ دنيويٍّ مما يُحبُّه العبدُ ويطلبُه ويَلتذُّ به؛ فيُعميه ذلك النعيمُ وتلك اللذةُ عن محاسبةِ النفسِ وتبصُّرِ خطرِ المآلِ؛ لِظنِّه أنَّ ذلك الحالَ علامةُ خيرٍ ومحبةٍ من اللهِ واصطفاءٍ؛ لِينغمِسَ في مُعافسةِ النِّعمِ مُنهمِكاً في غَيِّه؛ كُلَّمَا جَدَّدَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ؛ ازْدَادُ بَطَرًا وَجَدَّدَ مَعْصِيَةً، فَيَتَدَرَّجَ فِي الْمَعَاصِي بِسَبَبِ تَرَادُفِ النِّعَمِ، ظَانَّاً أَنَّ مُتَوَاتِرَةَ النِّعَمِ أَثَرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَتَقْرِيبٌ، وَإِنَّمَا هِيَ خِذْلَانٌ مِنْهُ وَتَبْعِيدٌ.
قال ابنُ القيِّمِ: وقلَّ أنْ يقعَ ‌إعطاءُ ‌الدنيا وتوسعتُها إلا استدراجًا من اللَّهِ، لا إكرامًا ومحبةً لمَن أعطاه. ويزدادُ خطرُ الاستدراجِ بطولِ زمنِه وإرخاءِ اللهِ للمستدرَجين عادةً، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي ‌لِلظَّالِمِ» (رواه البخاريُّ ومسلمٌ)؛ يُرخي لهم؛ لِتستحكِمَ غفلتُهم، ويزدادَ طغيانُهم؛ فتَعظمَ عقوبتُهم، كما قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ‌لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178].
ويزيدُ خطرَ الاستدراجِ اقترانُ تزيينِ العملِ به؛ إذ لا يَنظرُ المستدرَجُ لسيءِّ عملِه وقبيحِ طغيانِه وعيبِه إلا بمنظارِ الحُسْنِ والزَّيْنِ الذي يُلْبِسُه إياه الشيطانُ، كما قال تعالى: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43]، وهل يَرجِعُ عن غيِّه مَن يراه رُشْدَاً؟! قال الحسنُ البصريُّ: المُعجَبُ بعملِه مُستدرَجٌ، وقال السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ: مِن عَلامةِ الاستدراجِ العَمى عَن ‌عُيُوبِ ‌النَّفسِ. ومُنتهى خطورةِ الاستدراجِ مصيرُه الوخيمُ الذي تكونُ به نهايةُ النعيمِ الحقيرِ الفاني واستقبالُ نَكالِ الجحيمِ الباقي الذي يَقعُ فَجأةً دونَ إنذارٍ أو رجوعٍ، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ ‌بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

أيها المسلمون!
إنَّ علامةَ الاستدراجِ التي لا تُخْطيه أنْ يَتوالى على العبدِ تَدفُّقُ النِّعمِ ممَّا يُحِبُّه ويَطلبُه ويزدادَ مع ذلك طغيانُه وفجورُه، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ‌ «إِذَا ‌رَأَيْتَ ‌اللهَ ‌يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ»، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ ‌مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] (رواه أحمدُ وحسَّنَه العراقيُّ والسُّيوطيُّ).
وأخطرُ الاستدراجِ ما نبَّه اللهُ فيه أهلَ النِّعمِ بشيءٍ يُنَغِّصُ عليهم نعيمَهم كالمرضِ والفقرِ وفشوِّ المظالمِ، ثم لا يَرجعون إلى ربِّهم، فيَرفعُ عنهم ذلك المنغِّصَ ويَزيدُهم من النَّعيمِ؛ لِتكونَ أخْذةُ الغضبِ المفاجئةُ إِثْرَ ذلك، ويكونَ بها استئصالُ هذا الخَلْقِ الفاسدِ المتمرِّدِ على ربِّه، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ ‌بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 42 - 45].

أيها المؤمنون!
إنَّ عقوبةَ الاستدراجِ قد تقعُ على الفردِ، وقد تقعُ على المجتمعِ حين تفشو فيه المنكراتُ ولا يُظْهَرُ فيه أمرُ اللهِ ونهيُه، كما قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا ‌وَهِيَ ‌ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الحج: 48]. سُئلَ ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهما- عن الاستدراجِ، فقال: ذَلِكَ مَكْرُ اللَّهِ بِالْعِبَادِ الْمُضَيِّعِينَ. وإنِّما تكونُ عصمةُ اللهِ من شؤمِ الاستدراجِ بالشُّعورِ الإيمانيِّ المُرْهَفِ حِيالَ نِعَمِ اللهِ وما يَصْدُرُ عن العبدِ مِن عملٍ؛ حين يَتذكَّرُ نِعَمَ اللهِ، ويُقِرُّ بتفرُّدِه بإسْدائِها واستحقاقِه الشُّكرَ عليها، ويَلْهَجُ لسانُه بالثناءِ على ربِّه، ويخشى أنْ تكونَ هذه النِّعمُ حُجَّةً عليه واستدراجاً له، ويُلِحُّ بدعائه ضارِعاً كما كان رسول الله يدعو بقولِه: «وَامْكُرْ لِي وَلَا ‌تَمْكُرْ ‌عَلَيَّ» رواه الترمذيُّ وقال: حسَنٌ صحيحٌ، ويَجتهِدُ في طاعةِ ربِّه مُسْتَقِلَّاً عملَه، مُزْرِياً على نفسِه، محاسِباً لها؛ لِيكون ذلك قَيْداً يَمنعُه من الطُّغيانِ، وتنبيهاً لقلبِه من غِشاوةِ الغفلةِ، وحثَّاً له على المبادرةِ بالتوبةِ عند وقوعِ الزَّللِ؛ فيَنكسِرُ قلبُه بين يدي مولاه، ويَنطلِقُ عامِلاً بأمرِه في الناسِ، داعياً بفعلِه وقولِه وحالِه؛ فبذلك التوفيقِ الرَّبَّانيِّ تكونُ العصمةُ من الاستدراجِ، وبه يَظْهَرُ الفرْقُ بين كرامةِ النِّعَمِ والاستدراجِ بها، فـصَاحِبُ الْكَرَامَةِ لَا يَسْتَأْنِسُ بِتِلْكَ الْكَرَامَةِ، بَلْ عِنْدَ ظُهُورِ الْكَرَامَةِ يَصِيرُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَشَدَّ، وَحَذَرُهُ مِنْ قَهْرِ اللَّهِ أَقْوَى؛ فَإِنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ ‌الِاسْتِدْرَاجِ.
وَأَمَّا صَاحِبُ ‌الِاسْتِدْرَاجِ، فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِذَلِكَ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَيْهِ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ إِنَّمَا وَجَدَ تِلْكَ الْكَرَامَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهَا، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحْقِرُ غَيْرَهُ، وَيَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ، وَيَحْصُلُ لَهُ أَمْنٌ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ، وَلَا يَخَافُ سُوءَ الْعَاقِبَةِ.
فَإِذَا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ عَلَى صَاحِبِ الْكَرَامَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتِ اسْتِدْرَاجًا، لَا كَرَامَةً. قال يونسُ بنُ عُبيدٍ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، فَحَفِظَهَا، وَأَبْقَى عَلَيْهَا، ثُمَّ شَكَرَ اللَّهَ مَا أَعْطَاهُ؛ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَشْرَفَ مِنْهَا. وَإِذَا ‌ضَيَّعَ ‌الشُّكْرَ؛ اسْتَدْرَجَهُ اللَّهُ، وَكَانَ تَضْيِيعُهُ لِلشُّكْرِ اسْتِدْرَاجًا.
وما زالتِ النَّعماءُ تَستدرِجُ الفتى ** وتُملي له من حيثُ يَدري ولا يَدري
فكن مُستمسِكاً بالشُّكرِ إنِّـــــــــه ** أمانٌ من اللهِ طِيلةَ العُمْــــــــــــــــرِ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.25 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.16%)]