السنة النبوية وحي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4941 - عددالزوار : 2031716 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4515 - عددالزوار : 1307920 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1059 - عددالزوار : 126674 )           »          طريقة عمل ساندوتش دجاج سبايسى.. ينفع للأطفال وللشغل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من حب الشباب بخطوات بسيطة.. من العسل لخل التفاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          طريقة عمل لفائف الكوسة بالجبنة فى الفرن.. وجبة خفيفة وصحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          وصفات طبيعية لتقشير البشرة.. تخلصى من الجلد الميت بسهولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          هل تظل بشرتك جافة حتى بعد الترطيب؟.. اعرفى السبب وطرق العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          استعد لدخول الحضانة.. 6 نصائح يجب تنفيذها قبل إلحاق طفلك بروضة الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          سنة أولى جواز.. 5 نصائح للتفاهم وتجنب المشاكل والخلافات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 04-08-2024, 12:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي السنة النبوية وحي

السنة النبوية وحي

أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

يقول الله جل جلاله في محكم التنزيل: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 115، 116].

هؤلاء المؤمنون المذكورون في الآية الكريمة، هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قال الله جل جلاله عنهم: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

وأخرج الترمذي في "جامعه" من حديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليأتينَّ على أُمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حَذْوَ النَّعلِ بالنَّعلِ ، حتَّى إن كانَ مِنهم من أتى أُمَّهُ علانيَةً لَكانَ في أمَّتي من يصنعُ ذلِكَ، وإنَّ بَني إسرائيل تفرَّقت على ثِنتينِ وسبعينَ ملَّةً، وتفترقُ أُمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ ملَّةً ، كلُّهم في النَّارِ إلَّا ملَّةً واحِدةً، قالوا: مَن هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أَنا علَيهِ وأَصحابي)).

فيا ترى ما هي سمات هذه الفرقة الناجية؟ وما هي خصال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين مَدَحَهم الله جل جلاله في القرآن الكريم حتى نكون عليه- إن شاء الله- في الدنيا فنكون معهم- إن شاء الله - في الآخرة؟ إن أردنا التعرف على بعضٍ من هذه الخصال، فلنتأمَّل معًا ما أخرج البخاري في "صحيحه" في حديث صلح الحديبية وهو حديث طويل من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم إلى أن قالا: ((ثُمَّ إنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أصْحَابَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَيْنَيْهِ، قالَ: فَوَاللَّهِ ما تَنَخَّمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نُخَامَةً إلَّا وقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ منهمْ، فَدَلَكَ بهَا وجْهَهُ وجِلْدَهُ، وإذَا أمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ، وإذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ علَى وَضُوئِهِ، وإذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وما يُحِدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا له، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إلى أصْحَابِهِ، فَقالَ: أيْ قَوْم، واللَّهِ لقَدْ وفَدْتُ علَى المُلُوكِ، ووَفَدْتُ علَى قَيْصَرَ، وكِسْرَى، والنَّجَاشِيِّ، واللَّهِ إنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أصْحَابُهُ ما يُعَظِّمُ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحَمَّدًا، واللَّهِ إنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إلَّا وقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ منهمْ، فَدَلَكَ بهَا وجْهَهُ وجِلْدَهُ، وإذَا أمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ، وإذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ علَى وَضُوئِهِ، وإذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وما يُحِدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا له، وإنَّه قدْ عَرَضَ علَيْكُم خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا)).

هكذا كان ينظر أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا منهم ذلك الحب وذلك الاتباع والاستمساك، وعلموا يقينًا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدونه ويفدون دينه وسنته بأرواحهم وبالغالي والنفيس، تيقن المشركون أن لا منفذ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى سنته وشريعته، وبمقارنة سريعة مع حال عموم المسلمين اليوم إلا من رحم الله جل جلاله نجد الفرق واضحًا جليًّا بين ما كان عليه استمساك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حال غالب الأمة اليوم، نجد هذا واضحًا عندما تتحدث مع كثير من المسلمين فتبلغه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتجد السؤال الذي يوشك أن يصبح ثابتًا (هل ما تقوله سنة أم فرض؟) فإذا كان الجواب سنة، فكأنك لم تقل شيئًا! سبحان الله! وكأن السنة جُعلت لتُتْرك، ولم يكن هذا حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألم يقل الله جل جلاله في كتابه العزيز: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].

وقال جل جلاله: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32].

هذه الآية الكريمة التي سمَّاها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آية المحنة، أخرج الطبري في "تفسيره" عند هذه الآية أنها أُنزِلت في قومٍ قالوا على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا نُحِبُّ رَبَّنَا. فَأَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وعزَّ نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقولَ لهم: إن كُنتم صادِقين فيما تَقولون فاتَّبعوني، فإنَّ ذلك علامةُ صِدْقِكم فيما قُلْتُم مِن ذلك.

فَقَرَن الله جل جلاله طاعته بطاعة رسوله، وتأمل كيف ختم الله عز وجل الآية بقوله: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]، وما في ذلك من الوعيد الشديد، والله المستعان.

أخرج البخاري في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى)).

فتجد أقوامًا من جلدتنا يلبسون ثياب المسلمين، ويتحدثون بلسان يشبه لسانهم، لكن يأبى الله جل جلاله إلا أن يفضحهم، قال الله جل جلاله فيهم: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 30].

يريدون أن يلبسوا على المسلمين دينهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، بتهوين السنة في قلوب المسلمين، مع أن السنة النبوية وحي كالقرآن، أنزلها الله جل جلاله على نبيه صلى الله عليه وسلم كما أنزل عليه القرآن، وحفظها كما حفظ القرآن، وجعلها حجة على العباد تمامًا كالقرآن، وليس معنى أن السنة ليست معجزة في لفظها كالقرآن أو أنه ليس متعبدًا بتلاوتها أنها ليست وحيًا، فإن الوحي منه ما هو متحدًى بإعجاز لفظه، متعبد بتلاوته وهو القرآن الكريم، ومنه ما هو غير معجز بلفظه ولا متعبد بتلاوته كالسنة النبوية.

تأمل معي هذه الأدلة من القرآن والسنة على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي كالقرآن الكريم، ولسنا هنا في مقام الاستقصاء، فمع الأسف لا يتسع المقام لذلك، إنما هي ذكرى على عُجالة ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].

يقول الله جل جلاله في محكم التنزيل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ ﴾ [الأنبياء: 45].

أخرج البخاري في "صحيحه" عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا، فَقَالَ: رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَا النَّجَاءَ، فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَاجْتَاحَهُمْ)). فكل ما أنذر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من الوحي، يشمل ذلك القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرج البخاري في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا ‌مِنَ ‌الْأَنْبِيَاءِ ‌نَبِيٌّ ‌إِلَّا ‌أُعْطِيَ ‌مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ، أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).

فيا ترى ما هو هذا الوحي الذي أوتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أخرج أحمد في "مسنده" عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، ‌أَلَا ‌إِنِّي ‌أُوتِيتُ ‌الْقُرْآنَ ‌وَمِثْلَهُ ‌مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ))؛ الحديث.

فالوحي هو الكتاب ومثله معه، فيا ترى ما هو هذا الذي أوتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكتاب سوى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

أخرج البزار في "مسنده" عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا النَّاسَ، فَقَالَ: «هَلُمُّوا إِلَيَّ»، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَجَلَسُوا فَقَالَ: «هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‌جِبْرِيلُ ‌نَفَثَ ‌فِي ‌رَوْعِي أَنَّهُ لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ»، وأخرجه عبدالرزاق عن معمر من طريق آخر.
قال الإمام الشافعي: وقد قيل: ما لم يتْل قرآنًا، إنما ألقاه جبريل في رُوعه صلى الله عليه وسلم بأمر الله، فكان وحيًا إليه.


قال الله جل جلاله: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

وقال جل جلاله: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، يقول العلامة ابن القيم في إعلام الموقعين: أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكِّموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل، ولم يكتفِ في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق من قضائه وحكمه، ولم يكتفِ منهم أيضًا بذلك حتى يسلِّموا تسليمًا، وينقادوا انقيادًا.

قال الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة: هذه الآية يعني قوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ هذه الآية نزلت فيما بلغنا -والله أعلم- في رجلٍ خاصم الزبير في أرضٍ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بها للزبير، وهذا القضاء سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حكم منصوص في القرآن، والقرآن يدل والله أعلم على ما وصفت؛ لأنه لو كان قضاء بالقرآن لكان حكمًا منصوصًا في كتاب الله، وأشبه أن يكونوا إذا لم يسلموا لحكم كتاب الله نصًّا غير مشكل، الأمر أنهم ليسوا بمؤمنين إذ ردوا حكم التنزيل فلم يسلموا.

يقول الشاطبي في الموافقات في قوله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ﴾ [المائدة: 92]، قال: وسائرُ ما قرن الله فيه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بطاعته فهو دالٌّ على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن؛ إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله.

وقال الله جل جلاله: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105].

وقال الشافعي رحمه الله تعالى - في تعليقه على حديث اللعان فيما نَقل عمَّن سبقه -: فأَمْرُ الله تعالى إياه وجهان:
أحدهما: وحْيٌ ينزل، فيُتلى على الناس، والثاني: رسالةٌ تأتيه عن الله تعالى، بأن افعل كذا فيفعله.

وللعلم فلا يشترط للنبوة الكتاب؛ وإنما يشترط لها الوحي، فمن المجمع عليه أن الكتب والصحف إنما نزلت على بعض الأنبياء والرسل عليهم السلام، أما أغلب الأنبياء والرسل عليهم السلام فليس عندهم كتب ولا صحف، إنما ينزل عليهم الوحي بما يريده الله جل جلاله ولو كان يُشترط وجودُ الكتاب لصحة النبوة أو الرسالةِ لأُلغِيت نبوةُ كثيرين ورسالتهم من الرسل والأنبياء عليهم السلام؛ لعدم وجود ذلك عندهم.

قال الله جل جلاله: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 163، 164].

وقال الله جل جلاله عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

وتأمل قول الله جل جلاله في محكم التنزيل: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 1 - 4].

قال الإمامُ ابنُ حزم الظاهريُّ: لما بيَّنَّا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع؛ نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجابَ طاعة ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم (ووجدناه جل جلاله يقول فيه واصفًا لرسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ فصح لنا أن الوحْيَ ينقسم من الله جل جلاله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى قسمين: أحدهما: وحْيٌ متلُوٌّ، مؤَلَّفٌ تأليفًا، معجزُ النظام، وهو القرآن، والثاني: وحيٌ مرويٌّ، منقولٌ غيرُ مؤلَّفٍ، ولا معجز النظام، ولا متلُوٍّ، لكنه مقروء، وهو الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبيِّنُ عن الله عز وجل مرادَه منا، قال الله تعالى: ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44].

فقوله جل جلاله ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ لفظة عامة؛ تشمل جميع ما يلفظه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها سياق النفي، وقوله: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ حصر ذلك بالوحي؛ لأن معناه- والعلم عند الله تعالى - ما هو إلا وحي يوحى إليه.

وإذا كان كلُّ ما يقولُه صلى الله عليه وسلم: إنما هو وحيٌ يُوحى إليه به، دل على أن السنة النبوية هي وحي. والله تعالى أعلم.

أما في ذكر "الحكمة " في القرآن الكريم، فإنك تجد الأدلة دامغة على أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي من الله جل جلاله: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 18].

قال الله جل جلاله: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129] في أربع آيات كريمات، تكرَّرَ فيها عطفُ الحكمة على الكتاب، فالحكمة المعطوفة على الكتاب - هي السنة النبوية - وهي وحي منزل من عند الله تعالى بدلالة الآيات التاليات.

قال الله جل جلاله: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِه ﴾ [البقرة: 231].

وقال الله جل جلاله: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113].

وقال الله جل جلاله: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 39].

ولا يصح أن يقال: إن «الحكمة» هنا هي «الكتاب» بدلالة قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 34].

قال الإمام الشافعي رحمه الله: ذَكَر الله الكتابَ - وهو القرآن - وذكر الحكمةَ، فسمعتُ مَن أرضى مِن أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمةُ سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يشبه ما قال، والله تعالى أعلم.

لأن القرآن ذُكِر، وأُتبعته الحكمةُ، وذَكَر الله مَنَّه على خَلْقه: بتعليمهم الكتابَ والحكمةَ، فلم يَجُز - والله أعلم - أن يُقال الحكمة ههنا: إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد تكفَّل الله جل جلاله ببيان القرآن الكريم، وحفظ البيان لازم حفظ القرآن.

قال الله جل جلاله: ﴿ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [سورة القيامة: 16 – 19].

وقال الله جل جلاله: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64].

وقال الله جل جلاله: ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الأنعام: 50].
وقال الله جل جلاله: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي ﴾ [الأعراف: 203].

وهذا البيان هو الذي قال الله جل جلاله عنه: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].

وهذا الذكر قال الله جل جلاله فيه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

فكان من تمام حفظ القرآن الكريم أن تحفظ السنة النبوية معه، فهي أولًا من جملة الذكر الذي تكَفَّل الله جل جلاله بحفظه، وهي بيان القرآن الكريم، الذي لا يكمل حفظه إلا بحفظ بيانه.

أما الأدلة من السنة النبوية على أن السنة وحي من الله جل جلاله كثيرة جدًّا نذكر منها- إن شاء الله - على سبيل الاختصار، منها ما جاء في ألفاظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التصريح بلفظ "أوحي إلي" منه ما أخرجه البخاري في "صحيحه" عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في حديث خسوف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((‌وَإِنَّهُ ‌قَدْ ‌أُوحِيَ ‌إِلَيَّ ‌أَنَّكُمْ ‌تُفْتَنُونَ ‌فِي ‌الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ...))؛ الحديث.

ومنه ما رواه مسلم عن عياض بن حِمارٍ رضي الله عنه أنه قال: قام فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيبًا، إلى أن قال: ((وإن الله أَوْحى إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يَبْغي أحدٌ على أحد))؛ الحديث.

وأخرج البخاري في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((ما غرتُ على امرأةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما غرتُ على خديجةَ؛ لكثرة ذِكرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إياها، وثنائِه عليها، وقد أُوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبشِّرها ببيت لها في الجنة، من قَصَب)).

وأما الأحاديث التي ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسأل عن المسألة فلا يجيب حتى ينزل إليه الوحي بالجواب، فأكثر من أن نحصيها هنا، أفرد بعضها البخاري في "صحيحه" في كتاب "الاعتصام بالسنة" بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، أَوْ لَمْ يُجِبْ، حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيٍ وَلَا بِقِيَاسٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ بِمَا أَرَاكَ اللهُ ﴾ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّوحِ فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتْ.

ومنها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" أَنَّ يَعْلَى بن أمية قَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنه: أَرِنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ ‌مُتَضَمِّخٌ ‌بِطِيبٍ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَأَشَارَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ، فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ: اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ» قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَادَ الْإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ: نَعَمْ.

وأخرج البخاري في "صحيحه" عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ((خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَمَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً، لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ، أَمَا وَاللهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ، وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ)).

وأخرج البخاري في "صحيحه" عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، يُحَدِّثُ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي ‌مَا ‌يُفْتَحُ ‌عَلَيْكُمْ ‌مِنْ ‌زَهْرَةِ ‌الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ، تُكَلِّمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُكَلِّمُكَ؟ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ...))؛ الحديث، وفي رواية أخرى عند البخاري في "صحيحه" ((فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قُلْنَا: يُوحَى إِلَيْهِ وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ)).


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 129.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 127.31 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]