|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ما آثارك بعد الموت؟ (1) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى. وأشهد أن لا إله إلا الله، أخلو بها وحدي، لا إله إلا الله أذكر بها ربي، لا إله إلّا الله أدخل بها قبري، لا إله إلّا الله يُغفر بها ذنبي، لا إله إلّا الله ألقى بها ربّي، اللهم اختم لنا برضاك واسعدنا بتقواك واجعلنا نخشاك كأننا نراك، الله عافنا واعف عنا، ومن كل شرٍّ سلمنا وعلى الإيمان الكامل توفنا وأنت راضٍ عنا. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، النبي المصطفى، والخليل المجتبى، بعثه ربه بالحق والهدى، صلوا على المختار فهو شفيعكم ![]() في يوم يبعث كل طفل أشيبا ![]() صلوا على من ظللته غمامة ![]() والجذع حن له وأفصحت الضبا ![]() صلوا على من تدخلون بهديه ![]() دار السلام وتبلغون المطلبا ![]() صلوا عليه وسلموا وترحموا ![]() تردوا بها حوض الكرامة مشربا ![]() اللهم أحينا على سنته، وأدخلنا مدخله وأوردنا حوضه، وارزقنا شفاعته، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، ومن سن سنته واتبع هداه ما تعاقب الليل والنهار. أما بعد: أيها الناس: اتقوا الله، فتقوى الله هي المنجية من المهلكات، المخرجة من الظلمات، ﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 29]. عباد الله: إننا في هذه الحياة الدنيا مسافرين إلي الله تعالى، مسافرين إلى الدار الآخرة، وانَّ مدة سفرنا هي الأعمار السنين الأيام والليالي التي كتبها الله تعالى لنا، فلا نزال نطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر، ويقول الناس: مات فلان. السنة شجرة، الشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، وأنفاس العباد ثمراتها؛ فطوبى لمن كانت ثمراته طيبة. أخي الكريم أخي الحبيب: هب أنك مت الآن؟ تخيل أن هذه الليلة ستكون في عالم الآخرة من أهل البرزخ. أخبرني ما هي أثارك بعد الموت؟ ما هي الأعمال المباركة التي ستُنسب إليك بعد موتك، وستنال عليها أجرًا عظيمًا؟ ما هي آثارك الخيَّرة في هذه الحياة؟ من لا أثر له لا وجود له، من لا أثر له لا حياة له. قل لي بربك ماذا سيخسر مجتمعك بعد رحيلك؟ ماذا ستخسر عائلتك وأصدقاؤك بعد موتك؟ ما هي الكلمات التي تتوقع أن يصفك الناس بها بعد موتك؟ ما آثارك بعد موتك؟ هناك من يموت ويُغلق كتاب أعماله، وهناك من يموت ومازال له أعمالٌ صالحة وحسنات جارية. وهناك من يموت وله أعمالٌ سيئة تدر عليه سيئات إلى قبره. هل فكرت في أن تترك أثرًا طيبًا بين الناس؟.. فمن لم يجعل لنفسه أثرًا قبل مماته ينطبق عليه قول الرافعي: "إذا لم تزد شيئًا على الحياة كنت زائدًا عليها"، فالهدهد وهو مجرد طائر ترك أثرا في الحياة ومازالت تتلى علينا آياتٌ بينات حتى قيام الساعة بسبب موقفه من قوم سبأ الذين كانوا يسجدون للشمس من دون الله، فقال: ﴿ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [النمل: 24، 25] فهل ينقصك شيء عنه أو أضعف منه، أو أقل منه عقلا حتى لا تترك أثرا طيبا بين الناس سواء في حياتك أو بعد مماتك؟. وإذا لم تغر من الهدهد فغر من النملة التي ذكرها الله في قرآنه بسبب لباقتها وايجابيتها، خشيتها على قومها من أن يحطمهم جيش سليمان عليه السلام، فقالت:﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 18]. أخي أيها المبارك: اترك أثرًا جميلًا في قلوب الآخرين لأن الأثر الطيب سيبقى؟؟ جميلٌ أن يكون لك أثرٌ طيب، وذكرى طيبة، وبقايا عالقة من عطر حروفك وصدقها. رائعٌ أن تترك أثرًا حولك بطريقة كلامك، ضحكاتك، وأخلاقك. إن الأثر الطيب الذي يتركه المرء بعد وفاته هو عمْرٌ آخر، فبه يُذكر، فيثنى عليه، فيكون سببًا لعفو الله تعالى عنه، ويدعى له بسببه فيقبل الله تعالى دعوة الداعين ويكرمه بحسن المآب، ويعمل الناس بعلمه أو ما تركه من خير لوجه الله فيجري له ثواب العاملين، كأنه لم يزل يعيش ويعمل. أيها المؤمن: كُن في الدنيا كعابر سبيل، واترك وراءك كل أثر ٍجميل، فما نحن في الدنيا إلا ضيوف وما على الضيوف إلا الرحيل. دع الأماكن تذكرك بخير ولو نسيك البشر، في كل خطوة اجعلها ذكرًا لله تشهد لك، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4] أخي الحبيب: ما آثارك بعد موتك هل سألت نفسك ما هو المشروع الذي تريد أن يستمر في صحيفة عملك بعد وفاتك؟ تأمل مشوار حياتك كم مسلمًا علّمت؟ كم تائهًا عن طريق الخير هديت؟ كم كلمةً طيبة غرست؟ كم حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بلّغت؟ كم مرةٍ بين متخاصمين أصلحت؟ قد مات قوم وما ماتت مكارمُهم ![]() وعاش قوم وهم في الناس أموات ![]() ![]() ![]() يقول جل وعلا على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84-83]. يقول الطبري في تفسيرها: "واجعل لـي فـي الناس ذكرًا جميلًا، وثناءً حسنًا، بـاقـيًا فـيـمن يجيء من القرون بعدي". من الناس من يستمر ذكره بعد موته شهرا ثم يُنسى، ومنهم من يستمر ذكره وحسناته عامًا كاملا، ومنهم عشر سنوات، ومنهم من يستمر إلى ما شاء الله. قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ [يس: 12]. وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ أي في حياتهم وَآثَارَهُمْ أي ما تركوه بعد وفاتهم. ونظيره قوله: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 5]، وقوله: ﴿ يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة: 13]، ومن آثارك ما تكتب في وسائل التواصل من خير، أو شر، ومن آثارك خطواتك إلى المساجد والى حلقات العلم، ومن آثارك خطواتك إلى صلة رحم أو فعل خير، أو نصرة مظلوم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، واشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع أخوانه.وبعد،، أخي الحبيب: تأمل إلى هذه النماذج التي اصطحبت معها في قبرها آثار تتقرب به إلى ربها لتنال بها الشفاعة. سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه آخر العشرة المبشرين بالجنة موتا أوصى أن يكون شاهد إثباته جُبة صوف كان لقي فيها المشركين يوم بدر فأوصى أن يُكفّن فيها فكُفّن فيها رضى الله عنه. علي بن عبد الله الحمداني سيف الدولة جمع من نفض الغبار الذي اجتمع عليه في غزواته شيئا وعمله لبنة بمقدار الكف، وأوصى أن يوضع خده عليها في لحده فنفذت وصيته. وها هو القاسم محمد بن أبي بكر الصديق احد الفقهاء السبعة أوصى وقال: كفنوني في ثيابي التي كنت أتهجد فيها. تُرى ما حالي وحالك. ما هو العمل الذي سيكون شاهد إثباتنا عند الله؟ ما هو العمل الذي سيؤنس وحشتنا في القبور؟ ما هي آثارانا الطيبة المباركة؟ عباد الله: هل يستوي قارئ للقرآن طوال حياته وهو يشنف آذان العباد بكلام الله ومات ولا زال الناس يسمعون صوته وهو يترنم بآيات الله والأجور والحسنات تلحقه إلى قبره. هل يستوي مع مغن عاش حياته مع المعازف والأغاني ومات ولا زالت أغانيه تسلب عقول الشباب. ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: «مَنْ سَنَّ في الإِسْلام سُنةً حَسنةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وأَجْرُ منْ عَملَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ مِنْ أُجُورهِمْ شَيءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإِسْلامِ سُنَّةً سيَّئةً كَانَ عَليه وِزْرها وَوِزرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بعْده مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزارهمْ شَيْءٌ » [رواه مسلم]. عباد الله: هل يستوي من أرسل مقطعا ايمانيا تربويا نافعًا عبر وسائل التواصل في الجوالات وغيرها فله أجره ما انتقل بين الخلق في حياته وبعد مماته. هل يستوي مع من أرسل مقطعا فاضحا سيئًا، فعليه وزره ووزر من شاهده إلى قيام الساعة. قال تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25]. أيها المؤمنون: هناك أعمالٌ يبقى للعبد أجرُها بعد وفاته ورحيله من هذه الدنيا الفانية، ينبغي على كل طالب نجاةٍ أن يحرص عليها، وألا يفوِّتها، وأن يضرب فيها بسهمٍ ونصيبٍ قدرَ جهده واستطاعته. هذا ما سنعرفه في الجمعة القادمة ان شاء الله. هذا وصلوا عباد الله: على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾. اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ما آثارك بعد الموت؟ (2) د. أمير بن محمد المدري الحمدُ للهِ خَالِقِ كُلِ شَيءٍ، ورازقِ كُلِّ حَيٍّ، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. يَا مَن يُرجّى للشَدائِد كُلها ![]() يَا مَن اليهِ المُشْتَكَى والمَفزعُ ![]() يَا مَن خَزائِن رِزقه فِي قَول "كُن ![]() امنُن فَانَّ الخَير عِندك أجمعُ ![]() مَا لي سُوى قَرعي لبِابك حِيلةٌ ![]() فَلئِن طُردت فأيُ بَاب أقرَعُ ![]() اللًهم بهذه الأيام المباركة غيًر حالنا، وحال يمننا وأمتنا إلى أحسن حال. اللهم احسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، والتزود من الأعمال الصالحة؛ فأنتم في أيامٍ فضيلة مباركة. ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]. تزود للذي بد منه ![]() فان الموت ميقات العباد ![]() أترضى أن تكون رفيق قوم ![]() لهم زاد وأنت بغير زاد ![]() ما آثارك بعد الموت هذا هو اللقاء الثاني: عباد الله: إن من أعظم الأعمال الصالحة نفعاً، تلك التي يأتيك أجرها وأنت في قبرك وحيداً فريداً، ولذا حريٌ بالمسلم أن يسعى جاهداً لترك أثر قبل رحيله من هذه الدنيا ينتفع به الناس من بعده، وينتفع به هو في قبره وآخرته، وصدق الله القائل: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل:20]. ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]. وكن رجل عفيف الخُطا ![]() شريف السماع كريم النظر ![]() وخذ لك زادين من سيرة ![]() ومن عمل صالح يدخر ![]() وكن رجلاً إن أتوا بعده ![]() يقولون مر وهذا الأثر ![]() أيها الأحباب: حثنا القرآن على الحرص على ما يبقى لا على ما يفنى، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17]. ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [القصص: 60]. ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]. أيها المؤمنون: هناك أعمالٌ يبقى للعبد أجرُها بعد وفاته ورحيله من هذه الدنيا الفانية، ينبغي على كل طالب نجاةٍ أن يحرص عليها، وألا يفوِّتها، وأن يضرب فيها بسهمٍ ونصيبٍ قدرَ جهده واستطاعته. ومنها: أولاً: الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير: إن مِن أعظم الأعمال أجرًا وثوابًا بعد الموت الدعوةَ إلى طريق ربِّ العالَمين، وإرشاد الحائرين، وهداية الضالِّين، ولأجل هذا قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]. نعم هو أحسن قول وأفضل قول، هو ولي الله حبيب الله استقبل أمر الله فبلغه لخلقه، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: "والله لأَنْ يُهدَى الله بك رجل واحدٌ، خيرٌ لك مِن حُمْر النَّعَم"؛ [متفق عليه]. فأفضل الآثار الباقية وأفضل النفع للآخرين إخراجهم من ظلمات الكفر والبدع والمعاصي إلى نور التوحيد والسنة والطاعة. إنها لتجارةٌ رابحة أن تأخذَ أجرًا على ما لم تعمل يدُك، لقد كنت سببًا في هداية غيرك، بكلمة، برسالة، بنصيحة، بموقف فكلُّ ما يعمله مِن خير يُكتَب لك مِن الأجر مثلُ ما يكتب له، فهنيئًا لكم يا دعاة الهُدى والخير. لقد قصَّر كثيرٌ مِن المسلمين في دعوةِ بعضهم بعضًا إلى الخير،، وظنَّ بعضهم أن الدعوة إلى الله ونشرَ سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبُ الدعاة وطَلَبة العلم، والخطباء فقط، وهذا ليس صحيحا إن تبليغ دعوةِ الإسلام واجبُ المسلمين جميعًا، كلٌّ حسَبَ قدرته، وفي الحديث عن عبدالله بن عمرو-ب-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بلِّغوا عني ولو آية"؛ [أخرجه البخاري]. وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أموراً سبعة ً يجري ثوابها على الإنسان في قبره بعد ما يموت، وذلك فيما رواه البزار في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من عَلّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته» [حسنه الألباني / في صحيح الجامع برقم: 3596]. وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته»[حسنه الألباني / في صحيح ابن ماجه برقم 198]. علما علّمه ونشره، اسمع إلى فضل معلم الناس الخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّه وملائِكَتَهُ وأَهْلَ السَّمواتِ والأرضِ حتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وحتى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلى مُعلِّمِي النَّاسِ الخَيْرْ» [رواهُ الترمذي وقالَ: حَديثٌ حَسنٌ]. فانشُرْ علمًا نافعًا تنعَمْ في قبرك ويَزِدِ اللهُ في أجرك، وانظُرْ كم انتفع خلقٌ لا يحصيهم إلا الله تعالى بكتابٍ مثلِ صحيح البخاري، أو رياض الصالحين مئات السنين ولا زالت الأجور تحول إلى قبورهم. فيا شباب الإسلام، تعلّموا وعلّموا، فإن هذا والله جهاد عظيم، وفي هذا الباب المشاركة في طباعة كتب العلم النافعة وكذلك كفالة طلاب العلم والدعاة، ونشر العلم عبر، وسائل التواصل الاجتماعي كل هذا مما يبقى للإنسان بعد موته وهنيئا لك تموت ويظلّ أجر ما قدّمت من التعليم، وما أخرت من العلم، يأتيك إلى يوم القيامة. أيها المؤمنون: ومما يبقى للإنسان بعد الموت ثانياً ولدٌ صالح تركه: إن الولد الصالح ينفع والده نفعًا عظيمًا بعد موته، وذلك بأمور: أولها: بدعائه له، والميت أشدُّ ما يكون حاجةً إلى دعاء صالح، بل لقد صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لَيَرفعُ الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك"؛ [أخرجه أحمد، بسند حسن]. ثانيها: بما يعمله من أعمال صالحة يَهَبُ ثوابها لوالده بعد موته؛ فالولد الصالح يعمل عمرةً عن والده، ويتصدَّق عنه؛ كهذا الابن الصالح الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صومُ شهرٍ، أَفَأقضِيه عنها؟ فقال: "لو كان على أمِّك دَيْن، أكنت قاضيَه عنها؟"، قال: نعم، قال: "فدَيْنُ اللهِ أحقُّ أن يُقضَى"؛ [أخرجه مسلم]. ثالثها: أن كل ما يعمَلُه الابن مِن عمل صالح يكون في ميزانِ والده، إذا كان والده مسلمًا، والله أعلم. فاحرِصْ يا رعاك الله على تربيةِ ولدك وابنتك تربيةً صالحة، نشِّئهما على طاعة الله عز وجل. ثالثاً من الآثار مصحفٌ ورَّثّه: فمن اشترى مصحفاً ووضعه في البيت ليقرأ فيه أولاده أو وضعه في المسجد ووقفه لله تعالى، فإنه يأتيه من ثواب ذلك المصحف بعد موته ويلحق بالمصحف كتب العلم الشرعي، فإذا اشترى الرجل كتباً منها ووضعها في بيته ليقرأ فيها أولاده، أو وضعها في المسجد ووقفها لله تعالى، فإنه لا يزال يأتيه من ثواب هذه الكتب إلى يوم القيامة. رابعاً مما يبقى للعبد بعد موته ًمسجداً بناه: إن الله تعالى اتخذ في الأرض بيوتاً لعبادته: ﴿ يسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾[النور: 36، 37]. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغّب في بناء المساجد فيقول: «من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة». [رواه البخاري]. فجودوا – رحمكم الله – على بيوت الله ولا تبخلوا، فما تضعونه في بيوت الله من أموالكم يأتيكم ثوابه بعد موتكم، وتجدون بره وثوابه يوم الدين. ويلحق بالمساجد مدارس القران و ونحوها مما يعود نفعه على المسلمين. خامساً بيتٌ لابن السبيل بناه: فمن بنى بيتاً ووقفه على ابن السبيل يأوي إليه وينزل فيه في سفره فإنه يأتيه من ثواب ذلك بعد موته. ومعنى ذلك أن الإسلام يُرغِّب في بناء بيوت المسافرين – التي تُعرف بالفنادق – تطوعاً، لينزل فيها المسافرون مجاناً، لأن الغالب على المسافرين الحاجة وقلة المال، ولذا كثر في القرآن الكريم الوصية بابن السبيل. عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.عباد الله: سادسا نهرٌ أجراه: إنَّ أهمية الماء في الحياة لا تخفى على أحد، فقد جعل الله من الماء كل شيء حي. والإسلام يُرغِّب في العمل على توفير الماء للمحتاجين، وسقاء العطشى، فمن أجرى نهراً أو عمل سقاية يشرب منها الناس ويستقوا، فإن له الجنة، فمن استطاع منكم أن يُجري نهراً، أو يحفر بئراً، أو يشارك في سقاء المسلمين بأي طريقة فليفعل وله مثل ذلك في الجنة. سابعًا: مما يبقى أجره بعد الموت الصدقة: إن من أكثر الأعمال نماءً، وأعظمها أجرًا وثوابًا: الصدقةَ والإنفاق في سبيل الله تعالى، فما أربحَها والله من تجارة، تُقرِضُ الله ريالا واحدًا هو في غنى عنه عز وجل، ثم يردُّه إليك آلافًا بل ملايين، قال الله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]. ولقد كان في تاريخنا الإسلامي حتى اليوم ِّ أوقافٌ أوقفها رجال صالحون، فماتوا وبقِيَت أوقافهم ينتفع بها المسلمون أزمنة مديدة، فوالله إنَّا لَنَغْبِطُهم على ذلك، ونرجو الله أن يُوفِّقنا لمثل هذا الخير العظيم قبل وفاتنا. فيا أيها الحبيب: الشرع خوّلك من مالك الثلث ضعه لك صدقة جارية، وقفية طيبة مباركة تنفعك بعد الموت. يقول أحد القضاة: رجل مات وليس له من الورثة إلا أبناء الأخ، وهذا الرجل تقدر تركته ب (450) مليون ريال سعودي، وسيكون نصيب كل واحد منهم (150) مليون ريال يقول القاضي: فدعوتهم وهم لا يعرفون الأمر، فسألتهم هل تعرفون فلان عمكم؟ قالوا: لا نعرفه انقطعت بنا الأواصر من زمن. فقال: ولكنه مات وليس له ورثة إلا أنتم. فقالوا:كان نعم العم، وكان رجلا صالحا طيبا. فقال: ميراث كل واحد منكم (150) مليون ريال سعودي، وبعد استلام المبلغ قال لهم: هاهنا مسجد يُبنى، ومن باب البر بعمكم الذي ترك لكم كل ذلك فلو دفع كل واحد منكم مليون ريال صدقة جارية إلى نيته، فقال الأول: أما أنا فعلي ديون لا أستطيع، وقال الثاني: أما أنا فأريد تزويج أولادي، وقال الثالث: لم يهتم بعمل صالح لنفسه هو أفاهتم به أنا. أنت ماذا قدمت لنفسك؟ كم تعبت كم اشتغلت كم كسبت ماذا قدمت لنفسك؟ ان لم تكن أنت حريص على نفسك فلن يكون هناك أحد حريص عليك. أخي ان لم تهتم بنفسك أنت من سيهتم بك؟ ثامنا - غرس الغرس: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرِسُ غرسًا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سُرِق منه له صدقة، وما أكل السَّبُع منه فهو له صدقة، وما أكلتِ الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة"؛ [أخرجه مسلم]. والله إنَّا لنغبِطُ رجلًا صالخا من بلاد الحرمين على ما منَّ الله به عليه مِن الخير العظيم في هذا؛ فلقد أوقف مزرعةَ نخيلٍ، فيها مائتا ألف نخلة، يُوزَّع تمرُها على الحُجَّاج والمعتمِرين في الحرمين الشريفين، وعلى الجمعيات الخيرية، فهنيئًا له، وفي ذلك فليتنافَسِ المتنافسون. تاسعًا- الموت في الرباط في سبيل الله: وعن فَضالةَ بنِ عُبَيد رضي الله عنه قال: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ ميت يُختَم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه ينمو عملُه إلى يوم القيامة، ويأمن فتنةَ القبر"؛ [أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، بسند صحيح].وعند مسلم "ويجري عليه رزقه". أخي الحبيب: بادر الأيام بالعمل الصالح، وأملأ خزائنها بالفرائض والنوافل قبل أن تبادرك هي بموتٍ أو عجز، وقبل أن تجدها فارغة خاوية تقول: ﴿ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]. هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |