وصايا لقمان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055749 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323534 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-02-2024, 03:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي وصايا لقمان

وصايا لقمان (1)
د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله الذي يقبل توبة التائبين ويمحو بفضله وعفوه وحلمه إساءة المذنبين الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء وهو أرحم الراحمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين وعلى جميع من سار على نهجهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين وحشرنا وإياكم معهم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين.

اتقوا الله - عباد الله - فبتقوى الله تستنير البصائر، وتستريح الضمائر؛ فتفرق بين السليم والسقيم، والحق والباطل قال تعالى: ﴿ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ويُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ واللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: 29].

نعيش اليوم وإياكم مع نموذج فريد من القصص القرآنية التي يحكي فيها الله لنا قصة عبد صالح في سورة سميت باسمه؛ إعلاء لشأنه، ذكر الله فيها ما جرى له مع ابنه من حديث مؤثر في التربية والنصيحة.

إنه لقمان الحكيم:
عباد لله: كان لقمان مولى من الموالي، لكن رفع الله (عز وجل) ذكره بالتقوى، كان مملوكًا ولكن أحيا الله قلبه بالتوحيد والإيمان، كان أسود اللون غليظ الشفتين كأهل جنوب إفريقيا، لكنه مع ذلك أبيض القلب نقي السريرة، تخرج من بين شفتيه الغليظتين الحِكَم الرقيقة والمعاني الدقيقة.

وصدق رسول الله- -صلى الله عليه وسلم- حين قال: « إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم »[رواه مسلم].

لذلك حين ترى مَنْ هو أقل منك في مال، أو صحة، أو جاه، أو منظر فلا تغتر بذلك، ولا تسخر منه وانظر وتأمل ما تميزّ به عليك؛ لأن الخالق سبحانه وزَّع فضله بين عباده بالتساوي، بحيث يكون مجموع كل إنسان يساوي مجموع الآخر، ولا تفاضلَ بين الناس إلا بالتقوى،﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[الحجرات: 13]و قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: « لا فضل لعربي على أعجمي ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح »[ أخرجه أحمد «5/411» »].

قد يقول قائل: ما دام لقمان ليس نبيًا، فكيف يؤتيه الله هذا الفضل العظيم؟ الجواب: بالمدد والإلهام الذي قال الله فيه: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: 29].

وقوله جل شأنه: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ويُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ ﴾[البقرة: 282]، وقوله تعالى: ﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ واللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: 105].

عباد الله: لم يكن لقمان فاتحًا عظيما، أو قائدًا عادلا، أو حاكمًا مصلحا، ولكنه كان مربيا حكيما. نعم إنها التربية؛ لولا المربي ما خفت ربي. ولهذا سنعيش وإياكم مع وصايا لقمان الحكيم لابنه، تلك الوصايا التي جمعت أمهات الحِكم. تلك الوصايا التي ذكرها الله في كتابه لتكون أُسوة للآباء والأمهات، والمعلمين والمربين والمربيات؛ وأصولا للتربية الإيمانية والخلقية.

لقمان سأله أحدهم: ألم تكُنْ عبدًا تخدم فلانًا؟ قال: بلى، قال: فَبِمَ أوتيت الحكمة؟ قال: «باحترامي قدَر ربي، وأدائي الأمانة فيما وليت من عَمل، وصدق الحديث، وعدم تعرُّضي لما لا يعنيني».

وهذه الصفات كافية أيها المؤمنون لأنْ تكون منهجًا لكل مؤمن، اذا أراد أن يؤتيه الله الحكمة، والله لو كانت فيه صفة الصدق في الحديث لكانت كافية.

لذلك وصل لقمان إلى هذه المرتبة وهو العبد الأسود، فآتاه الله الحكمة مباشرة، وهو ليس نبيًا ولا رسولًا، وسُمِّيت إحدى سور القرآن باسمه، وهذا يدلك على أن الإنسان إذا أصلح علاقته وصلته بالله، وأخلص في طاعته فإن الله يُكرمه ويُعطيه من فيضه الواسع، فيكون له ذِكْر في مصافِّ الرسل والأنبياء.

لقمان (عليه السلام): قال له مولاه: يا لقمان! اذبح لنا شاة فذبحها ثم قال ائتني بأطيب مضغتين فيها فأتاه بالقلب واللسان.

فقال له: أما فيها أطيب من هذين؟ فقال: لا.

فلما كان ذات يوم آخر قال له: اذبح لنا شاة. فلما ذبحها قال له: ائتني بأخبث مضغتين منها، فأتاه بالقلب واللسان.

فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين منها فأتيتني بالقلب واللسان، وأمرتك أن تأتيني بأخبث مضغتين منها فأتيتي بهما؟ فقال: ليس بأطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا: القلب واللسان.

وبعد لقمان جاء سيدنا رسول الله- -صلى الله عليه وسلم- يُعلِّمنا هذا الدرس فيقول: «... ألا أن في الجسد مضغة إذا صَلُحت صلح الجسد كله، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب » [ رواه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- ].

ويقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر كما في حديث سهل بن سعد المتفق عليه: « من حفظ ما بين لحييه وما بين رِجْليه دخل الجنة ». أي اللسان والفرج.

وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم طهّر قلوبنا من النفاق وعملنا من الرياء وألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة وأعيننا من الخيانة إنّك تعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور».

عباد الله: من أهم ما تميز به لقمان:
- تركه مالا يعنيه وطول صمته وقلة كلامه.. وكلها تدور حول معنى واحد وهو حفظ اللسان..

أخي المؤمن: اعلم إن عنوان سعادتك في هذه الدنيا أن تعيش وقد سلم منك الناس وسلمت منهم.

اعلم أن راحتك أن تعيش معافى لا تهمز ولا تلمز ولا تخوض ولا تغتاب، ولا تنشر عيوب الناس وتتبع عوراتهم.

أخي الحبيب: طمأنينتك أن تعيش وأنت تُعظّم حرمات المسلمين وأعراضهم.. تعيش وأنت تحمل (هم لسانك) فإن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه.

يقول تعالى عن لقمان في سورة لقمان: ﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ [لقمان: 12].

ما هي الحكمة وما معناها، وكيف نعرفها أيها الكرام؟

الحكمة مصدرها الله سبحانه الحكيم يؤتيها من يشاء، ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ومَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269].

وهي كما قال السلف: مخافة الله، وقال بعض أهل العلم: «الحكمة هي فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي بالقدر الذي ينبغي ».

والحكمة إذا أُطلقت في القرآن فلها معنيان اثنان: إذا ذُكرت مع القرآن فمعناها السنة، قال تعالى: ﴿ واذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ والْحِكْمَةِ ﴾ [الأحزاب: 34]. ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ والْحِكْمَةَ وإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2]، وإذا ذُكرت وحدها فمعناها وضع الشيء في موضعه، و التسديد في الأمور، ولا حكمة لفاجر ولا سداد لعاصي، ومن عصى الله خذله في كلامه وأفعاله وحاله، ومن بارز الله بالخطايا نزع الله من قلبه الحكمة والنور. ﴿ ومَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾[النور: 40].

﴿ ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ [لقمان: 12] ثم فسر الله الحكمة بقوله: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ [لقمان: 12] لا إله إلا الله ما أعظمها من حكمة! ورأسها شكر الله (عز وجل)، ولم يفسرها ـ بمنصب أو بشهادة أو بمال، أو بثروة، بل جعلها شكره سبحانه على نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الطاعة والهداية والإرشاد.

﴿ أَنِ اشْكُرْ للَّهِ.. ﴾ هذه هي الحكمة الأولى في الوجود؛ إنْ تشكر الله على ما قدَّم لك قبل أنْ توجد، وعلى ما أعطاك قبل تسأل، وعلى ما هدى جوارحك لتؤدي مهمتها حتى وأنت نائم، كأنه تعالى يقول لعباده: ناموا أنتم فربكم لا تأخذه سنة ولا نوم.

قيل لأحد الصالحين: ما شُكر الله؟ قال: أما شُكر العينين فالبكاء- وشكر القلب الحياء، وشكر اللسان الثناء، وشكر الأذنين الإصغاء.

هذا هو الشكر: شُكر العينين البكاء، وعين بكت من خشية الله لا تمسها النار، و شُكر القلب الحياء من الله (عز وجل)؛ بمراقبته والخوف منه وخشيته في السر والعلانية، وأما شكر اللسان فالثناء على الله؛ التسبيح والتحميد، والذكر وتلاوة القرآن، والصلاة على محمد العدنان هذا هو شُكر اللسان، وشُكر الأذنين الإصغاء للخير والحكمة ولكلام الله (عز وجل).

اللهم اجعلنا لك شاكرين لك منيبين لك مخبتين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد..
أيها المؤمنون: الشاكرين من عباد الله قليل، قال تعالى: ﴿ وقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [النمل: 73]أكثرهم يسخطون، أكثرهم لا يُقدّرون نعم الله عندهم، أكثر الناس يشكون الخالق إلى المخلوق.

يقول أحدهم: أعمل بأحد المستشفيات وقاربت فترة دوامي على نهايتها أبلغني المشرف أن شخصيه اقتصاديه تتعامل بمئات الملايين قادم وعلي استقبال وإكمال إجراءات دخوله. انتظرت عند بوابه المستشفى راقبت من هناك سيارتي القديمة جدًا وتذكرت خسائري الكبيرة وديوني المتعددة وعندها وصل هذا المليونير ليكمل مأساتي حيث حضر بسيارة أعجز حتى في أحلام المساء أن أمتلك مثلها يقودها سائق يرتدي ملابس أغلى من ملابسي التي ارتديه دخلت في دوامة التفكير في الفارق بين حالي وحاله مستواي ومستواه ( شكلي وشكله )وقلتها بكل حرقه ومنظر سيارتي الرابضة كالبعير الأجرب يؤجج مشاعري ( هذي عيشة )واذا به ينزل من سيارته وكانت المفاجأة الأولى أنه نزل على كرسي متحرك فهو لا يستطيع المشي عموما سبقته إلى مكتبي وحضر خلفي وكان يقوده السائق على كرسي متحرك رأيت أن رجله اليمنى مبتورة من الفخذ اهتزت مشاعري وسألته!! عندك مشكله في الرجل المبتورة!! أجاب بـ لا!! قلت فلماذا حضرت يا سيدي! قال عندي موعد تنويم!! قلت ولماذا!!نظر إلي وكتم صوته من البكاء وأخفى دمعه حارة بغترته وقال( ذبحتني الغرغرينا )وموعدي هو من أجل ( بتر ) الرجل الثانية عندها أنا الذي أخفيت وجهي وبكيت بكاءً حارًا فقال أتبكي على حالي قلت لا بل على حالي وعدم رضاي عن ربي ابكي ليس على حالك فحسب بل لكفر النعمة الذي يصيب الإنسان عند أدنى نقص في حاله ينسى كل نعم المولى في لحظه يستشيط غضبًا عند اقل خسارة تحسست قدماي وصحتي فوجدتها تساوى كل أموال و كل سيارات العالم وهذا غيض من فيض من نعم الله!! ومنذ ذلك اليوم وأنا احتسب أي خسارة أو نقص عندي، أو بلاء في نفسي أو أهلي أو مالي راضيًا بحكم الله الحمد لله الذي بشكره تدوم النعم.

يقول سبحانه: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13] جمع داود (عليه السلام) آله وأولاده- فخطب فيهم وبكى وقال: « يا آل داود! إن الله أنعم عليكم بنعم ظاهرة وباطنة، أتريدون أن تبقى؟ قالوا: نعم. قال: قيّدوها بالشكر».

إذا كنت في نعمةٍ فارعها
فإن المعاصي تُزيل النعم
وحافظ عليها بتقوى الإله
فإن الإله سريع النقم


وإذا ما شكر الإنسان ربه على ما علمه وأعطاه ووهبه؛ فإن ذلك من أسباب زيادة النعم كما قال تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾[إبراهيم: 7].

ثم يقول تعالى ﴿ ومَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ [لقمان: 12] من صلَّى صلَّى لنفسه، من صام صام لنفسه، من عمل صالحا فلنفسه، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم. ﴿ ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12]، ومن كفر بهذه النعم؛ فإن الله غني حميد، أي: لا يحتاج إليهم وليس في حاجتهم، وإنما تسببوا لأنفسهم بويل وخسران.

قال تعالى: ﴿ وإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ﴾.

عباد الله: مع وصايا لقمان الحكيم لابنه. مع المنهج القرآني لتربية الأبناء قال تعالى: ﴿ ø وإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ ﴾..

هل استشعرت أخي الحبيب نعمة البيان، لو حُرمت نعمة الكلام يقول تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ *عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: 4].

أيوب (عليه السلام) روي انه قال: يارب ابتليني بما شئت، ولكن اترك لي لسانك أذكرك به وأسبحك به.
﴿ وإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ ﴾.

والمواعظ إذا خرجت من قلب صادق لاقت بإذن الله قبولا مباركا، قبل أن نعظ الآخرين لنعظْ أنفسنا أولا، ولندقق في أخطائنا..

﴿ وإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ ﴾.

هذه الجلسة الإيمانية، والحوار المباشر الخاص بين الأب وابنه، أو المربي ومن يربيه. تلك الجلسة التي يبث فيها موعظته ومشاعره والتي يعبر له فيها عن حبه، ويذكره بالعلاقة بينهما فكرر النداء بلفظ " يا بني" هذه الجلسة المفقودة في معظم بيوتنا حين يجلس الأب مع أبنائه يعظهم، ويذكّرهم حين يجلس المربي مع يعلمهم ويربيهم بهذه الوصايا.

يا بني:
كلمة يا بنيَّ ماذا يُستنبط منها؟ هذه اللفظة تفتح القلب، لفظة محبَّبة، فكأن الله -سبحانه وتعالى- من خلال وصيَّة سيدنا لقمان، يُعلِّمنا أنه عليكَ أن تفتح قلب الإنسان قبل أن تفتح عقله، القسوة لا تُجدي. قال تعالى ﴿ ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

قد كان -صلى الله عليه وسلم- يصنع هذا، وذلك مثلا لما قال لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- عندما أراد أن يوصيه أَخَذَ بِيَدِهِ وقَالَ: "يَا مُعَاذُ! واللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، واللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ... أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبَادَتِكَ" [رواه أبو داود (1522) قال النووي في "الأذكار" (ص/103): إسناده صحيح. وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (ص/96): إسناده قوي. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود].

يجب على الأب أن يستخدم ألطف والين العبارات لتربية أولاده ونصحهم.

وتأتي أول وصية وأعظم وصية ﴿ يا بُني لا تشرك بالله ﴾: سنبدأ بها جمعتنا القادمة إن شاء الله.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إن اللَّهَ ومَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-02-2024, 03:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وصايا لقمان

وصايا لقمان (2)
د. أمير بن محمد المدري
الحمد لله الربِّ الغفور، العفو الرؤوفِ الشكور، الذي وفَّق من شاء من عباده لتحصيل المكاسب والأجور، وجعل شغلهم بتحقيق الإيمان والعمل الصالح، يرجون تجارةً لن تبور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي بيده تصاريف الأمور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل آمر وأجل مأمور.

قُل لِلْحرُوفِ إِذَا سَكبَت عبِيرَهَا
مَنْ غَير أحْمد يستحِقُّ مدائِحِي
صَلَّى عَليْكَ الله مَا سَارتْ بِنَا ‍
أرْضٌ وثَارَ الشَّوْقُ بيْنَ جوانِحِي

اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور،
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وراقبوه تفوزوا برضاه، قال جل شانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ومَنْ يُطِعْ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 71].

عباد الله، ما زلنا وإياكم مع سورة لقمان، ووصايا لقمان،ذلك الأب الرحيم الذي أتاه الله الحكمة فهو ينظر إلى ابنه نظرة شفقة وعطف، حتى لا يقع في مهاوي الزيغ والضلال، ولهذا كانت وصاياه من الأهمية بمكان تلك الوصايا الإيمانية التربوية الخُلُقية، تلك الوصايا التي ترسم منهجًا للآباء والأمهات، والمربين والمربيات، ومع الوصية الأولى: يقول تعالى: ﴿ وإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

إنها العقيدة، إنه الإيمان بالله تعالى، إنها التربية الإيمانية بدايتها البراءة من الشرك والتحذير منه؛ قال ابن القيم حمه الله-: من أراد علو بنيانه في التربية، فليُحكم أساسه بالإيمان.

أول واجب على الوالدين هو غرس العقيدة الصحيحة، فهي الأساس لبناء إيمان المسلم، وأخباره بان الله أحب إليه من أمه وأبيه ونفسه، وكذلك يتربى على الخوف من الله، ومراقبته وخشيته؛ لأن كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه، أو يُمجسانه؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [صحيح البخاري (1358) صحيح مسلم (2658) عن أبي هريرة - رضي الله عنه].

قال أحد السلف: "كنت صغيرًا فقال لي خالي يومًا: ألا تذكر الله الذي خلقك، فقلت: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند قيامك وعند نومك ثلاث مرات من غير أن تحرِّك به لسانك: الله معي، الله ناظري، الله شاهدي، الله سيحاسبني، قال: فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قل في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك، قال فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد عام، قال لي خالي: احفظ ما علَّمتُك، ودُمْ عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة، ثم قال لي خالي يومًا: يا سهل، من كان الله معه وناظرًا إليه وشاهده، أيعصيه؟ إياك والمعصية، هكذا يُنشَّأ الفتيان، وتُربَّى الأجيال.

وينشا ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوّده أبوه




﴿ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان:13].

وهذا هو الظلم العظيم حقًّا، فلا أظلم ممن سوَّى المخلوق من تراب بمالك الرقاب، وسوى الذي لا يملك من الأمر شيئًا بمالك الأمر كله، وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟ روى الشيخان في صحيحيهما عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما نزلت ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82]، قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟! قال: ليس كما تقولون ﴿ ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾؛ أي: بشِرك، أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾، ومن الشرك دعاء غير الله؛ قال تعالى: ﴿ ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف:5]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأعراف:194]، ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾، ومن الشرك الذهاب للسحرة والمشعوذين، ومن الشرك التشاؤم بالأيام أو بالشهور وبالأشخاص، ومن الشرك الحلف بغير الله، والذبح لغير الله، والنذر لغير الله. ومن علّق تميمة فقد أشرك.

عبد الله، لو أردنا أن نضغط لك الدين كلَّه بكلمتين نقول لك: وحِّد واعبد، آمن بأنه لا إله إلا الله، آمن بالله خالقًا، وربًّا، ومسيرًا، إذا آمنت ووحدت، فقد بلغت قمَّة العلم، والعلم لا يصلح إلا بالعبادة، ثم تأتي الوصية الثانية يقول تعالى في سورة لقمان: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14].

أول الواجبات بعد التوحيد والإيمان بر الوالدين والشكر لهما، فالله قرن حقه بحق الوالدين: ﴿ وقَضَى رَبُّكَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ وبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]، رضا لله من رضا الوالدين....

وإذا كان حق الوالدين من الحقوق العظيمة المؤكدة، فإن حق الأم آكد وأعظم؛ يقول الله تعالى: ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلَى وهْنٍ [لقمان: 14]، فجعل حق الأم على الابن أعظم وأكبر من حق الأب؛ لأن الأم أوفر رحمة وأعظم شفقة، فهي التي تقاسي من آلام الحمل والوضع، وهي التي تشقى وتتعب في الرضاعة والحضانة والتربية، إنها تسهر ليلها ليرتاح ابنها، إنها تجوع نهارها ليشبع ابنها، كما أن الأم هي المحور والمركز الذي تلتقي حوله الأسرة، وهي مصنع الرجال ومربية الأطفال؛ لذا استحقت التكريم والرعاية والعناية، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بلزومها برًّا وخدمة وإحسانًا، فقال - صلى الله عليه وسلم - لمن أراد الجهاد معه، وأراد الهجرة معه: (الزَمها فإن الجنة تحت أقدمها)، وفي رواية: (الزَم رجلها فثَمَّ الجنة)؛ [صحيح، أخرجه أحمد (3/429) والنسائي، وابن ماجه: كتاب الجهاد - باب الرجل يغز وله أبواب، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (2908)].


وجعل رسول الله حقها آكد من حق الأب ثلاث مرات، حين سأله رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي، يا رسول الله، فقال: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ، أَدْنَاكَ»؛ [ صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ].


﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلَى وهْنٍ ﴾؛ أي: ضعفًا على ضعف، والمرأة بذاتها ضعيفة، فاجتمع لها ضعفها الذاتي مع ضعف بسبب الجنين الذي يتغذى منها، ويكبر في أحشائها يومًا بعد يوم.

لأمك حق لو علمت كبيرٌ ‍
عظيمك يا هذا لديه يسيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي ‍
لها من جواها أنَّةٌ وزفيرُ
وفي الوضع لو تدري عليك مشقةٌ ‍
فكم غُصص منها الفؤادُ يطيرُ
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها ‍
ومن ثديها شرب لديك نميرُ
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها ‍
حنوًا وإشفاقًا وأنت صغيرُ


جاء في الأدب المفرد أن رجلًا يمانيًّا حمل أمه وراء ظهره يطوف بالبيت، فرأى ابن عمر - رضي الله عنهما -فقال: إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر، الله ربي ذي الجلال الأكبر، حملت أكثر مما حملت، فهل ترى جازيتها يا بن عمر؟ قال: لا ولا بزفرة واحدة، وفي رواية ولا بطلقة واحدة من طلقات الولادة؛ لهذا كان عقوق الوالدين من أكبر الكبائر.

ثم يقول تعالى: ﴿ أَنْ اشْكُرْ لِي ولِوَالِدَيْكَ ﴾ [لقمان: 14]، اشكر لله أولًا الذي خلق لك أبيك وأمك، أنِ اشكر لله فهو الذي عافاك وأعطاك ومنحك وأمنك، أنِ اشكر لله فهو الذي يسّر لك الغذاء في بطن أمك عبر الحبل السري، أنِ اشكر لي ولوالديك فهما قضَيَا وقتًا طويلًا في رعايتك، في حملك، في تغذيتك، في تربيتك، في تنميتك، إذًا يجب أن يتَّجه شكرك لله أولًا ثمَّ لوالديك اللذين كانا سبب وجودك، واللذين كانا ممرَّ فضل الله -عز وجل - إليك.

والشكر لله وللوالدين علامة سعادة الإنسان؛ قال سفيان بن عيينة رحمه الله[1]: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما.


﴿ أَنْ اشْكُرْ لِي ولِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ نعم إلي المصير، إنها التربية على الإيمان بالآخرة، وأنه ما منا من أحدٍ إلا وسيقف بين يدي ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم يقول تعالى: ﴿ وإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بالله ما ليس لك به علم ﴾ [لقمان: 15].

ويتحقق حق الوالدين على الأولاد بطاعتهما ما داما يأمران بالخير، فإن أمرَا بمعصية الله فلا تجوز طاعتهما؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن لا يسقط حقهما في المعاملة الطيبة والصحبة الكريمة حتى لو كانا كافرين، قال تعالى: ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، أمرك أبوك أن تتعامل بالربا والحرام والكذب في تجارتك وبيعك، فلا تطعه، أمرك والداك احدهما أو كلاهما بقطع الصلاة، فلا تفعل، أمرك أبوك أن تعق أمك أن تقطع أرحامك فلا تطعه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15]، هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - لَما أسلم سعد غضبت أمه - وكانت شديدة الحب له فكادت تُجَنُّ وحلفتْ لا تأكل ولا تشرب ولا تغتسل، حتى يرجع دينه، فلما علم سعد بذلك، قال: دعوها والله لو عضَّها الجوع لأكلتْ، ولو عضَّها العطش لشربتْ، ولو أذاها القمل لاغتسلتْ، أما أنا فلن أحيد عن الدين الذي أنا عليه، فنزلت: ﴿ وإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، ولو كانا كافرين ولو كانا مؤمنين، ثم يقول تعالى: ﴿ واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ [لقمان: 15]، اتَّبِع سبيل من أناب إلى الله.

هنا يأمر الله تعالى باتباع سبيل المؤمنين، والسير على نهجهم وطريقتهم، وأولى الناس بالاتباع هم الأنبياء، وعلى رأسهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم صحابته الكرام - رضوان الله عليهم- لأن اتباع أي سبيل آخر، يؤدي إلى النار –والعياذ بالله- كما قال الله تعالى: ﴿ ومَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء:115]، ﴿ واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾، صاحب من يُذكِّرك بالله رؤيته، ويزيدك علمًا وخشية منطقُه، صاحب من يعينك على طاعة الله ويبعدك عن معصية الله، إنها رسالة في أهمية الصحبة في التربية، وحُسن اختيار الصحبة لأولادنا ولبناتنا.

﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، جاءتنا الأخبار أنَّ أحد الشباب سلك طريق الاستقامة وركب سفينة النجاة، وبدأ يحافظ على الصلاة ويحفظ القرآن، بدأ يتذكر أصحابًا له لا زالوا يغرقون في لجج المعاصي والآثام، ودَّ لو أنهم ركبوا معه في سفينة التوبة والنجاة، وانضموا إلى قوافل العائدين، زارهم وليته لم يفعل، وهذه نصيحة لكل تائب وجديد في طريق الاستقامة، لا تذهب لأصحاب الماضي وحيدًا، خذ معك من يعينك على دعوتهم؛ لأنَّ الكثرة تغلب الشجاعة، زارهم يريد لهم الهداية؛ فبدأ الهجوم عليه من كل الجهات، أتذكر يوم كذا وكذا، وعلت الأصوات، وانطلقت الضحكات، وقام من عندهم بعد أن جددوا جراحًا ماضية، وحركوا في القلب والنفس أشياءَ، وبدأ الصراع من جديد، جاءوه بعد أيام يعرضون عليه السفر إلى مكان قريب بقصد شراء سيارة، قالوا له: نريد من يذكرنا بالله ويؤمنا في الصلاة ويعلمنا الجمع والقصر، فزيَّنت له نفسه السفر وانطلق معهم، وليتَه لم يفعل، هناك حيث يُعصى الله استأجروا شقة مفروشة وتركوه فيها، وذهبوا وهم يخطِّطون كيف يعيدونه إلى شواطئ الضياع مرة ثانية، أمضوا ليلتهم في سهرة ليلية بين خمر وغناء، وهو هناك ينتظرهم، اتفقوا مع بغي زانية فاجرة على أن يدفعوا لها الثمن أضعافًا مضاعفة إن هي استطاعت أن توقع صاحبهم في الفاحشة، الله أكبر! يدفعون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، أدخلوها عليه، ومعها خمر وشريط غناء، حتى تكون الليلة حمراء، والخمر مذهب للعقل، والغناء بريد الزنا، خلت به وخلا بها «وما خلا رجل بامرأة إلاَّ كان الشيطان ثالثهما»، ولا زالت به حتى سقته كأسًا من خمر، ثم ثانية ثم ثالثة ثم وقع المحظور، وانهدم في لحظات بنيان لطالما تعب حتى بناه، نام في فراشه عاريًا مخمورًا والعياذ بالله! فلما أصبح الصباح جاء شياطين الإنس يطرقون الباب وضحكاتهم تملأ المكان، فتحت الفاجرة لهم الباب، فقالوا لها: هاتِ ما عندك، ما الخبر؟ ما البشارة؟ قالت: أبشروا أبشروا، فقد فعل كل شيء، شرب الخمر وزنا، ثم نام وهو عريان في فراشه الآن! تبًّا لهم ولأمثالهم أيفرحون ويستبشرون أن عُصي الله؟! يفرحون أنَّ صاحبهم زنا وشرب الخمر، بعد أن كان يصلي ويقرأ القرآن؟! دخلوا عليه ضاحكين شامتين وهو مغطى في فراشه، أيقظوه، فلان فلان فلم يجبهم، فكرَّروا النداء، فلان فلان فلم يجبهم، حرَّكوه وقلَّبوه في فراشه، فلم يستيقظ؛ اسمع الفاجعة، صاحبنا شرب الخمر وزنا ونام، ومات من ليلته في فراشه على أسوأ ختام، إنا لله وإنا إليه راجعون! يا ألله! أما كان صاحبهم يصلي ويصوم ويقرأ القرآن؟! أليس قد جاء معهم يريد لهم الهداية، فأرادوا له الغواية؟! لقد دفعوا أموالهم وأوقاتهم ليصدوه عن سبيل الله، فهل سينقذونه من عذاب الله، أي أصحاب هؤلاء؟! وصدق الله حين قال: ﴿ ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا ويْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 29].

فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه = فكم فاسقٍ أردى مطيعًا حين آخاه وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويلٌ لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه»؛ [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني]، ثم يقول تعالى: ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾، المرجع والمصير والمآب والمنتهى إلى الله: لماذا؟

﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، المرجع والمصير والمآل والمنتهى إلى الله: لماذا؟

إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ للحساب والعقاب، إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ، فلا بد من الوقوف بين يدي الله، ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93 - 95].

إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أنبِّئكم بحقيقة أعمالكم، وأنبِّئكم بنتائج أعمالكم، ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام:62].

عباد الله، وصايا لقمان لم تنته ولنا لقاء آخر بحول الله وقوته.

هذا وصلوا - عباد الله - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.

[1] سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي، أبو محمد: محدِّث الحرم المكي، من الموالي، وُلِدَ بالكوفة، وسكن مكة وتوفِّي بها، كان حافظًا ثقة، واسع العلم كبير القدر، قال الشافعي: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، وكان أعور، وحج سبعين سنة، قال علي بن حرب: كنت أحبُّ أنَّ لي جارية في غنج ابن عيينة إذا حدَّث، له (الجامع) في الحديث، وكتاب في (التفسير).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-02-2024, 02:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وصايا لقمان

وصايا لقمان (3)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله الذي أيقظ الغافلين، ونفَع بالتذكرة المؤمنين، فلم يشتغلوا بالدنيا وحدها، بل جمعوا بين الدنيا والدين، وعرفوا ما لربهم من الحق، فقاموا به قيام الصادقين، أحمده حمد الحامدين، وأشكره وأستعينه، فهو نعم المولى ونعم المعين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى الأمين، اللهم صلّ وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله حق تقواه لتفوزوا بنعيمه ورضاه، فإن الله خلقكم لمعرفته وعبادته، فطوبى لمن قام بحق مولاه.

عباد الله: ما زلنا وإياكم مع وصايا لقمان وسورة لقمان، ومع اللقاء الثالث مع هذه السلسلة المباركة التي نسأل الله أن ينفع بها.

وها هي وصية لُقمانية أُخرى، يقول تعالى على لسان لقمان عليه السلام: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان:16].

يقول: يا بني عظمة الله ليس لها حدود قدرة الله ليس لها حدود، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. يعلم السر وأخفى، يرى ويسمع ويرزق الدودة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.

﴿ وعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ويَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِنْ ورَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ولا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

يا بني: لو كان رزقك مثقال حبة من خردل في السماء أوفي الأرض فسيسوقها الله إليك، فلا تشغل نفسك بما قسم الله لك عما خُلقت له.

والله لو قنعت نفسٌ بما رزقت ‍
من المعيشة إلا كان يكفيها
والله والله أيمانًا مكررةً ‍
ثلاثةً من يمينٍ بعد ثانيها
لو أن في صخرةٍ صُما ململمةٍ ‍
في البحر راسيةٍ مُلسٍ نواحيها
رزقًا لعبد يراه الله لانفلقت ‍
حتى تؤدي إليه كل ما فيها
أو كان تحت طباق السلع مسلكها ‍
لسهل الله في المرقى مراقيها
حتى ينال الذي في اللوح خُط له ‍
فإن أتته وإلا سوف يأتيها


﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان:16].

لقمان الحكيم يغرس في قلب ابنه قضية أن الله يعلم الغيب، وأن الله مطلع على السرائر، وأن الله لا تخفى عليه خافية.

يقول له: يا بني! إذا تستّرت وراء الجدران فالله معك، إذا تستّرت بالحيطان فالله يراك.

وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمة
والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يراني




فيا أيها الإخوة الكرام:
نريد أن نربي أبناءنا على مراقبة علاّم الغيوب، لأن الأبناء اذا تربوا على مراقبة الأب والأم -فقط- قد يخالفون شرع الله في حال غياب الأب والأم عنهم وعند خروجهم من البيت، وها هو أحد الأساتذة الكرام يربي طلابه على مراقبة الله جل وعلا تربية عملية على أرض الواقع، فدفع لكل تلميذ من تلاميذه دجاجة أو طائر وهو يقول: فليذهب كل تلميذ وليذبح هذا الطائر في مكان لا يراه فيه أحد، فذهب كل تلميذ بطائره في مكان يغيب فيه عن أعين الناس حتى يذبح طائره ويعود به إلى أستاذه، ونظر الأستاذ فوجد تلميذًا نجيبًا جاء بطائره ولم يذبحه فقال له، لماذا لم تذبح طائرك؟! فقال: يا أستاذي لقد طلبت منا أن نبحث عن مكان لا يرانا فيه أحد، وما من مكان ذهبت إليه إلا ورأيت أن الله يراني، فأين أذبحه؟!

وصدق في ما قال، ونجح في الاختبار نجاحًا رائعًا حين أدرك أن عين الله ترقبه، وأن ظلام الليل الحالك مهما اشتدّ سواده لا يعفي من نظر الله تعالى إليه.

﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العلق:14].

ورسب أولئك الناظرون إلى أعين الآخرين حين غفلوا عن هذه الرقابة وراقبوا أعين المخلوقين.

إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل ‍
خلوتُ ولكن قلْ عليّ رقيب
ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعة ‍
ولا أن ما تُخفي عليه يغيب




راعي أغنام غلام يراه ابن عمر -رضي الله عنه- فقال له: بعنا من هذه الشياه.. فقال الراعي: أنا مؤتمن.فقال ابن عمر امتحانا له:قل للمالك أكلها الذئب.

فقال الغلام الراعي: وماذا سأقول لله يوم القيامة.

وماذا سأقول لله يوم القيامة. حين يُختم على اللسان وتتكلم اليدان، وتشهد الرجلان.

إنها المراقبة عباد الله لعلام الغيوب، فاشتراه ابن عمر واعتقه وقال له: "كلمةٌ اعتقتك في الدنيا وأرجو أن تعتقك من النار يوم القيامة".

﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان:16].

عباد الله: هذه الآية رسالة لكل إنسان أن الله سيحاسبه على مثاقيل الذر من عمله سبحانه القائل: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء:47].

..ولهذا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من محقرات الذنوب وهي التي يستصغرها الإنسان ولا يعبا بها فقال: -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه )).

وكما أن الله تعالى لا يخفى عليه مثقال حبة من خردل، حتى إن كانت في باطن صخرة، أو في السماوات، أو في الأرض، كذلك لا تخفى عليه حسنة ولا سيئة مهما دَقَّتْ، ومهما حاول صاحبها إخفاءها.

أيها الأب الكريم: إن أولادك مرآة يعكسون أخلاقك وأعمالك، إن رأوك تُعظّم الله وتخاف الله عظموا الله جل وعلا.

إن رأوا كلماتك وألفاظك طيبة كانوا كذلك.

وتستمر الوصايا اللقمانية: بدأ أولًا بالعقيدة، ﴿ يا بني لا تشـرك بالله﴾،ثم تحدث عن بر الوالدين، ﴿ ووصينا الإنسان بوالديه ﴾ ثم تكلم عن مراقبة الله وعظمة الله وشيء من قدرة الله وعلمه،﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾[لقمان:16].

بعد ذلك أتى إلى العبادات، قال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾.

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ﴾.

من أراد الفلاح يوم المزيد فعليه إقامة الصلاة في أوقاتها بأركانها وشروطها، وسننها وخشوعها.

الصلاة: إنها أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر العمل، وإن ردت رد سائر العمل.


الصلاة هي آخر ما أوصى به النبي أمته وهو على فراش الموت مناديًا: ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم))[صحيح، أخرجه أحمد (3/117)، وأبو داود:، حديث (5156)، وابن ماجه: حديث (2698)].

نتكلم عن الصلاة ونحن نرى صنف من المسلمين و هم كثير " يُقدّمون ويؤخرون " ينامون ويتكاسلون يلعبون ويلهون أن استيقض من نومه " صلى " أن انتهى من لعبه" صلى " أن انتهى من أكله وشربه "صلى " تناسوا أن الله قال: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾، تناسوا أن الله قال: ﴿ لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ ولَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ تناسوا أن لله قال: ﴿ إِنّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء:103].

بعض المسلمين لا ينطلقون إلى المساجد إلا إذ سمعوا الإقامة أو انطلقت الصلاة بعد ركعة أو ركعتين تناسوا أن الله قال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾.

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ﴾.

اين أمة المسلمين في صلاة الفجر؟ كثيرٌ منا في سُباتٍ عميق، وقلة قليلة هي التي انتصرت على فُرشها وشهواتها وانطلقت تجيب منادي الله.

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾.

هي الزاد والوقود عند الشدائد والملمات، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:153].

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ ﴾.

هي رسالة للآباء أن يحثوا أبناءهم على الصلاة في أوقاتها، ولا يُترك لهم الحبل على الغارب.

قال تعالى: ﴿ وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ﴾ [طه:132]، ﴿ واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكَاةِ وكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم:55].

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)) [صحيح، أخرجه أحمد (2/ 187)، وأبو داود: كتاب الصلاة - باب متى يُؤمر الغلام بالصلاة، حديث (495)]

نقول لكل أب وأم، وكل مربّ، لو علّمت أبنك الصلاة، فكل ركعة يركعها في ميزان حسناتك، وكذا قراءة القران وسائر الأعمال.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد: أيها المسلمون:
تستمر الوصايا المباركة يقول تعالى:
﴿ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾. فلِمَ لمْ يقل: أقم الصلاة، وآتِ الزكاة، وصم رمضان، وحج البيت، لمَ جاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد إقامة الصلاة؟

لأنك بالصلاة تصلح شأنك، وبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر تصلح غيرك، ولن تستطيع أن تصلح غيرك إلا إذا أصلحت شأنك، إذًا أقم الصلاة لإصلاح ذاتك، ثم أمر بالمعروف، وانْهَ عن المنكر لإصلاح غيرك، المؤمن عرف الله عز وجل، ذاق طعم قربه، ذاق حلاوة الإيمان، شعر بالأُنس لا يبقى ساكتًا!! لا يقول: مالي وللناس، هذا كلام إبليس،بل يجب أن يحاول أن يهدي الآخرين، أهله، زوجته، أولاده، جيرانه، أقرباءه، زملاءه في العمل، إنها رسالة أن نربي أولادنا على الإيجابية في المجتمع:
﴿ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾.

قال -صلى الله عليه وسلم- ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) [ رواه مسلم].

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. هو حصن الإسلام الحصين، والدرع الواقي من الشرور والفتن، والسياج من المعاصي والمحن، يحمي أهل الإسلام من نزوات الشياطين ودعوات المبطلين.

قال -صلى الله عليه وسلم-: « والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا (أي تلزمونه به إلزامًا) أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم، يعني بني إسرائيل»[ رواه أبو داود، والترمذي].

عباد الله:
صفحات التاريخ مليئة بمواقف وأمثلة من حياة الصالحين الأبرار وهم يقولون كلمة الحق ولا يخافون في الله لومة لائم.

روي أن معاوية -رضي الله عنه- حبس العطاء عن الناس، فقام إليه أبو مسلم الخولاني فقال له: يا معاوية إنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك. قال: فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال لهم: مكانكم! وغاب عن أعينهم ساعة ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال: إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليغتسل »[ أبو داود].، وإني دخلت فاغتسلت وصدق أبو مسلم أنه ليس من كدي ولا من كد أبي فهلموا إلى عطائكم.

وأعود بكم إلى الوصايا اللقمانية يقول تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [لقمان:17]

يقول: إذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر وأصابك في ذلك أذى وشدة فاصبر عليه.

إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر. والصبر لأجل إعلاء كلمة الله هو أعلى درجات الصبر لذا كان الأنبياء وفي مقدمتهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا أعلى الناس قدرا وأكثرهم صبرا وتحملًا في سبيل الدعوة إلى الله، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ولا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ولَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام:34].

واصبر على ما أصابك من شدائد الدنيا ومصائبها.

واصبر على طاعة الله، واصبر عن المعصية فلا خير في لذة بعدها النار.

اصبر على ما أصابك فأفضل معيشة وأحلى حياة تعيشها بالصبر فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وإن الله مع الصابرين.

وقوله: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ ﴾ أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور ثم ينتقل لقمان رحمه الله إلى السلوك والأدب والأخلاق.

هذا ما سنعيش معه في الجمعة القادمة إن شاء الله.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-02-2024, 11:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وصايا لقمان

وصايا لقمان (4)

د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله ولي من اتقاه، من توكل عليه كفاه، ومن دعاه أجابه، ومن سأله أعطاه، ومن خافه قلة خطاياه. أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحقٍ سواه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الذي اصطفاه واجتباه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه.

أخي المسلم:
عاشر بمعروفٍ فإنك راحلُ ‍
واترك قلوب الناس نحوك صافية
واذكر من الإحسان كل صغيرةٍ ‍
فاللهُ لا تخفى عليه الخافية
لا منصب يبقى ولا رُتبٍ هنا ‍
أحسِن فذكرك بالمحاسنِ كافيةْ
واكتب بخطك إن أردت عبارةً ‍
لا شيء في الدنيا يساوي العافيةْ


اللهم عافنا واعف عنا واختم لنا بالباقيات الصالحات أعمارنا يارب العالمين.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].

عباد الله:
ما زلنا وإياكم نعيش مع لقمان الحكيم ووصاياه المباركة تلك الوصايا الإيمانية التربوية.

تلك الوصايا التي ترسم لنا منهجا في التربية لأبنائنا وبناتنا.

فلا إله إلا الله ما أعظمها من وصايا! ولا إله إلا الله ما أحسنها من نصائح.

بدأ بالعقيدة ﴿ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾،وثنى ببر الوالدين ﴿ ووَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ ثم جاءت الوصية بصحبة أهل الخير والصلاح، ﴿ واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾،ثم التذكير بالآخرة والوقوف بين يدي الله، ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، ثم يغرس مراقبة الله وعظمة الله في القلوب، ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾،ثم أوصاه بالعبادة وعمودها الصلاة، ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾.ثم أوصاه بالدعوة إلى الله وإصلاح من حوله، ﴿ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾،ثم أعطاه مفتاح من مفاتيح السعادة، ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾[لقمان:17]، ثم ختم وصيته بالوصية بحُسن الخلق والآداب والسلوك.

فما قيمة العقيدة بلا عبادة، وما قيمة العبادة بلا خلق وأدب؟

قال تعالى على لسان لقمان يوصي ابنه: ﴿ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ولا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾، لا تَمِل برأسك عُجبًا وفخرًا وكبرًا لا تصعر خدك استعلاء وغطرسةً واحتقارًا للآخرين لا تصعر خدك للناس، والصعر داء يصيب الجمل في عنقه فيصبح يمشي لاويًا رأسه.

عباد الله: ينسى الإنسان في بعض الأحيان حقيقة نفسه، ينسى أنه خُلق من طين، وأن أصله من سُلالة من ماءٍ مهين، وينسى أنه وإن حسُن منظره، أنه يحمل العذرة في باطنه، وينسى أنه مهما طال جسده وعظم، فإنه لا يستطيع أن يخرق الأرض، ولن يبلغ الجبال طولًا، وأن الشوكة تدميه، والذبابة تؤذيه …يا مدعي الكبر

ينسى بعض الناس هذا كله، فيتعاظمون في أنفسهم، ويأخذهم الكبر بأجسادهم وألوانهم وامتداد قاماتهم وجمال ثيابهم وعلمهم، فإذا هم يمشون في الأرض مشية الخيلاء، وينظرون إلى الناس نظرة احتقار وازدراء، ويظنون أنفسهم خير الناس وهم أراذلهم.

ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، وجزاء المتكبر أن يحشر يوم القيامة في صورة الذر؛ يطأه الناس بأقدامهم؛ لأنه تضخم في الدنيا فصغره الله وحجمه يوم العرض الأكبر.

أحبتي الكرام: ما أخوف ما جاء في حق المتكبرين من الوعيد، كقوله تعالى: ﴿ ويَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾[الزمر:60]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" [رواه مسلم]،وقال -صلى الله عليه وسلم-: "تحاجت النار والجنة، فقالت النار: أُوثرت بالمتكبرين والمتجبرين.. " [ رواه البخاري بنحوه (أنظر صحيح الجامع الصغير 2919)].

عباد الله: من صفات المتكبر أنه لا يجود بالسلام، بل دائمًا ينتظر منك أن تسلم عليه؛ لأنه يرى نفسه في رتبة عالية. ومن صفات المتكبر: أنه غضبان دائمًا بدون سبب.

وجوههم من سواد الكبر عابسة ‍
كأنما أوردوا غصبًا إلى النار
هانوا على الله فاستاءت مناظرهم ‍
يا ويحهم من مناكيد وفجار


ومن صفات المتكبر أنه يستخدم دائمًا: أنا وفعلت وقلت وراجعت ودخلت وخرجت، ويترجم لنفسه في المجالس دائمًا، فيكون أمقت الناس عند الله (¸).

وصدق الله القائل: ﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى ﴾ [النجم:32]

﴿ ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ولا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾.

أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الكبر ليس أن يكون ثوبك جميلا، ونعلك حسنا، فالله جميل يحب الجمال؛ ولكن الكبر هو « بطر الحق وغمط الناس"، الكبر، بطر الحق أن ترد الحق، أن ترفض الحق، لأنه يخالف هواك ـ و غمط الناس أي احتقارهم والسخرية منهم، هذا هو الكبر.

ثم تأتي وصية أخرى ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ يعني: امش قصدًا إلى حاجتك وبتؤدة وسكينة ﴿ وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾.

القصد هو الاعتدال، لا تمش في الأرض، ذليلًا، خانعًا، ولا تمش مفتخرًا، مختالًا متكبرًا،﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ المعجب بنفسه الفخور على غيره.

﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ لا ترفع صوتك فوق اللازم، فهذا هو أدب القرآن، حتى في تنظيم الصوت، والمسلم عاقل رشيد في ألفاظه، ﴿ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾.

شبّه صوت المرتفع بنهيق الحمار، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا، وذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطانًا"، الاعتدال في الصوت أمرٌ ينبغي أن يتحلى به المؤمن حتى في الصلاة وفي التعبد يُعلِّمنا الحق سبحانه: ﴿ ولاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ولاَ تُخَافِتْ بِهَا وابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:110].

ونهينا عن رفع الصوت عند رسول الله وعند زيارة مسجده وقبره، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات:2] فلا إله إلا الله ما أعظمها من وصايا!

إلى هنا عباد الله نكون أنهينا وصايا لقمان في سورة لقمان؛ لكن لقمان له وصايا عجيبة مباركة متناثرة، ومبثوثة في شروح السنة النبوية، وفي كتب السلف؛ سنعيش وإياكم مع بعضها.

إنها وصايا يرسلها لقمان-عليه السلام-لابنه، وهي لنا ولا بناءنا ولكل مسلم..

قال لقمان-عليه السلام-لابنه: «يا بني إن الدنيا بحر عميق وقد غرق فيه ناسٌ كثير ».

صدق لقمان فحب الدنيا رأس كل خطيئة، ألا إنما الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، والنفس طماعة عودها القناعة، دنيا لهو ولعب كم جرى خلفها أُناس وماتوا وتركوها.

لا تركنن إلى الدنيا وما فيها ‍
فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
واعمل لدار غدًا رضوان خازنها
‍الجار أحمد والرحمن بانيها


ما النجاة يا لقمان من هذا البحر العميق؟ اسمع إليه وهو يوصي ابنه.. قال لقمان: «يا بني إن الدنيا بحر عميق وقد غرق فيه ناسٌ كثير، فلتكن سفينتك فيه تقوى الله (¸)، وحشوها الإيمان بالله تعالى، وشراعها التوكل على الله تعالى، لعلك تنجو ».

يا بني: «قد ذُقت المرارة كلها، فليس شيء أمر من الفقر»؛ نعم صدق لقمان-عليه السلام-إنه الفقر أخو الكفر استعاذ منه النبي- -صلى الله عليه وسلم- كم انتشرت المعاصي والمنكرات عند ضعاف الإيمان والسبب الفقر، بل كم باعت امرأة عرضها لفقرها وقبل ذلك لعدم خوفها من ربها.

ثم يقول لقمان يا بني: "حملت الحمل الثقيل، فليس شيء أثقل من جار السوء؛ ولو أن الكلام من فضة، لكان السكوت من ذهب".

"يا بني لا تمارين حكيمًا، ولا تجادلن لجوجًا، ولا تعاشرن ظلومًا، ولا تصاحبنّ متهمًا".

يقول لقمان: لا تمارين حكيما، والمراء هو كثرة الجدل والخصومة والرسول -صلى الله عليه وسلم-:«إن المراء لا يأتي بخير»، وقال -صلى الله عليه وسلم-«أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محِقًّا،.....» [أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2648)].

ولا تصاحبن متهما، نعم فإنه يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه، وللقلب على القلب أشياء وأشباه.

يا بني، استغن بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الثلاث: استخفاف الناس به.

يا بني لا تُذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك واعرف قدرك تنفعك معيشتك.

نعم لا تذهب ماء وجهك بالمسألة، فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر ب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم»؛ [رواه البخاري].

ولا تشف غيظك بفضيحتك أي اكظم غيظك؛ لأنك إذا غضبت أصبحت كالمجنون، واعرف قدرك تنفعك معيشتك اقنع بما أتاك الله ولا تنظر إلى ما عند الآخرين فتسخط على قضاء الله.

وعن سفيان ابن عيينة قـال: قال لقمان: خير الناس: الحيي، الغني؛ قيل: الغنى في المال؟ قال: لا، ولكن: الذي إذا اُحتيج إليه نفع، وإذا استغني عنه قنع؛ قيل: فمن شر الناس؟ قال: من لا يبالي أن يراه الناس مسيئًا.

وكان يوصي ابنه ويقول: « يا بني واصل أقرباءك وأكرم إخوانك ».

«يا بني! احذر الكذب فإنه شهي كلحم العصفور، من أكل شيئا منه لم يصبر عنه».

يا بني: إذا أخطأت خطيئة فأعط الصدقة. نعم وصدق لان الصدقة تطفي غضب الرب سبحانه.

يا بني، لا تطلب العلم لتباهي به العلماء، وتماري به السفهاء، وترائي به في المجالس، ولا تدع العلم زهادةً فيه ورغبة في الجهالة، وإذا رأيت قومًا يذكرون الله، فاجلس معهم، فإن تك عالمًا ينفعك علمك، وإن تك جاهلًا يعلموك، ولعل الله أن يطلع عليهم برحمة، فيصـيبك بها معهم؛ وإذا رأيت قومًا لا يذكرون الله، فلا تجلس معهم، فإنك: إن تك عالمًا، لا ينفعك علمك؛ وإن تك جاهلًا، يزيدوك جهلًا؛ ولعل الله أن يطلع عليهم بسخطه، فيصيبك بها معهم.

«يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك».

ومن وصاياه: «يا بني اتخذ طاعة الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة».

«يا بني! إياك وكثرة النوم والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤد حقا، وإذا ضجرت لم تصبر على حق».

وقال: «يا بني عليك بمجالس العلماء، واسمع كلام الحكماء؛ فإن الله يحيي القلب الميت بالحكمة كما يحيي الأرض بوابل المطر».

يا بني: لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطًا، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.

وفي ذات مرة قال ابن لقمان الحكيم لأبيه: يا أبت أي الخصال من الإنسان خير؟ قال: الدين، قال: فإذا كانت اثنتين؟ قال: الدين والمال. قال: فإذا كانت ثلاثًا؟ قال: الدين والمال والحياء، قال: فإذا كانت أربعًا؟ قال: الدين والمال والحياء وحسن الخلق، قال: فإذا كانت خمسًا؟ قال: الدين والمال والحياء وحسن الخلق والسخاء، قال: فإذا كانت ستًا؟ قال: يا بني إذا اجتمعت فيه الخمس خصال فهو نقي تقي ولله ولي ومن الشيطان بريء.

وسأله رجل أي شيء خيرًا؟ قال: صبر لا يتبعه أذى، قال: فأي الناس خيرًا؟ قال: الذي يرضى بما أوتي، قال: فأي الناس أعلم؟ قال: الذي يأخذ من علم الناس إلى علمه، قيل: فمن خير الكنز من المال أو من العلم؟ قال: سبحان الله بل المؤمن العالم الذي إن اُبتغى عنده خيرًا وجد، وان لم يكن عنده كف نفسه وبحسب المؤمن أن يكف نفسه.

ويروى عن لقمان أنه قال لابنه: «يا بنى عوّد لسانك اللهم اغفر لي. فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا».

عباد الله: بعد هذه الوصايا المباركة نسأل الله أن يُصلح ذرياتنا، ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾.

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 126.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 123.87 كيلو بايت... تم توفير 3.06 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]