|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الكلمة الطيبة منهاج حياة الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري لا إله إلا الله منهاج حياة: الله أكبر كلُّ همٍّ ينجلي عن قلب كل مكبِّرٍ ومهلِّل. معنى كلمة لا إله إلا الله: لا معبود بحقٍّ إلا الله، وإن عُبِدَ غيره فبباطل؛ قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]. وقد قدَّم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أرواحهم من أجل لا إله إلا الله، وقُطعت رؤوسهم من أجل أن ترتفع لا إله إلا الله، ومُزِّقت لحومهم من أجل بقاء لا إله إلا الله، وهي الكلمة التي من أتى بها يوم القيامة، فقد سعِد سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، ومن أعرض عنها وكفر، شقِيَ شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الصافات: 35]، وأنزل سبحانه وتعالى على رسولنا عليه الصلاة والسلام كلمةَ التوحيد، وقَرَنَها بالاستغفار من الذنب؛ فقال: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قرن سبحانه وتعالى بين التوحيد والتنزيه عن الأنداد والأضداد، وبين الاستغفار من الذنوب؛ فقال: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [محمد: 19]. وقرن سبحانه وتعالى بين ذلك في قصة ذي النون بن متى؛ في قوله: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]. فانظر كيف اعترف بالوحدانية، ثم اعترف بالذنب، فإنه لما أصبح في ظلمات ثلاث، انقطع حبله عن الأولاد، وعن الزوجة، وعن الأحباب، وعن الأقارب، وما بقِيَ إلا حبل الله، وهذه الكلمة التي تستخدم في وقت الأزمات، قالها صلى الله عليه وسلم وهو يُعتدَى عليه، ويقول: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، ويقول: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما))[1]، وقالها فرعون في غبة البحر، فلم تنفعه؛ يقول: ﴿ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90]، فلم تنفعه؛ ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]. وورد عن نوح عليه السلام أنه جمع أولاده عند الوفاة، وقد عاش ألف سنة إلا خمسين عامًا في صبر، وجاهد من أجل لا إله إلا الله، وما أسلم معه إلا رهط قليل، قيل: اثنان، وقيل: ثلاثة، وفي هذا درس للدعاة وطلبة العلم والعلماء ألَّا يستعجلوا الثمار، وأن يعلموا أن أجرَهم عند الله عز وجل، سواءٌ أسْتَجابَ لهم الناس أم لم يستجيبوا لهم، وسواءٌ أتاب الناس على أيديهم أم لم يتوبوا، المهم أن تبلِّغَ وتدعو وتُسمِع الناس: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلما حضرته الوفاة قال: يا أبنائي، قولوا: ((لا إله إلا الله، فإن لا إله إلا الله لو كانت في حلقة من حلقات الحديد، لقصمتها لا إله إلا الله))، والمعنى أنَّ لا إله إلا الله تنقذ صاحبها إذا أتى بها صادقًا مخلصًا. فائدة نفيسة: كلمة (يحيي ويميت) متى تُقال في ذكر: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)؟ الفائدة الأولى: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) التي ليس فيها كلمة (يحيي ويميت). 1- تُقال في الصباح وفي المساء مرة: واحدة عن أبي عياش رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كان له عَدْلُ رقبة من ولد إسماعيل، وكُتب له عشر حسنات، وحُطَّ عنه عشر سيئات، ورُفع له عشر درجات، وكان في حِرْزٍ من الشيطان حتى يمسي، وإن قالها إذا أمسى، كان له مثل ذلك حتى يصبح))[2]. 2- تُقال بعد الصلاة المكتوبة مرة: عن أبي الزبير، قال: ((كان ابن الزبير يقول في دُبُرِ كل صلاة حين يسلِّم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلِّل بهنَّ دُبُرَ كل صلاة))[3]. 3- تُقال بعد الصلاة المكتوبة ثلاث مرات: عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة: أن معاوية كتب إلى المغيرة: أن اكتب إليَّ بحديثٍ سمِعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكتب إليه المغيرة: إني سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ ثلاث مرات، قال: وكان ينهى عن قيلَ وقالَ، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، ومَنَعَ وهات، وعقوق الأمهات، ووأد البنات))[4]. سُئل فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: هل يجب ترتيب الأذكار الواردة بعد الصلاة؟ فأجاب بقوله: "حسب ما ورد، الأفضل أن يأتي بها حسب ما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه كان يبدأ أولًا إذا سلَّم من الفريضة بالاستغفار ثلاثًا يقول: ((أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام))؛ كما ثبت ذلك من حديث ثوبان عند مسلم، وثبت بعضه عن عائشة عند مسلم أيضًا أنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقعد بعد السلام مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام))؛ يعني: ثم ينصرف إلى الناس ليعطيهم وجهه، ثم يقول بعد هذا: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)). جاء في حديث ابن الزبير والمغيرة ما يدل على أنه يقولها واحدة، وجاء في رواية أخرى ما يدل على التثليث يعني يقولها ثلاثًا، يكررها"[5]. 4- تُقال في يوم مائة مرة: عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحِيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرْزًا من الشيطان، يومه ذلك، حتى يمسي ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاء به إلا أحد عمِل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حُطَّت خطاياه ولو كانت مثل زَبَدِ البحر))[6]. 5- عند الذكر دبر الصلاة: التسبيح ثلاثًا وثلاثين، والتحميد ثلاثًا وثلاثين، والتكبير ثلاثًا وثلاثين، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، تمام المائة؛ عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من سبَّح الله في دُبُرِ كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمِد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غُفِرت خطاياه وإن كانت مثل زَبَدِ البحر))[7]. 6- دعاء يوم عرفة: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفةَ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))[8]. 7- تُقال في دعاء من تعارَّ من الليل: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استُجِيب له، فإن توضأ وصلى، قُبِلت صلاته))[9]. 8- تُقال في دعاء حين يأوي إلى فراشه: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غفر الله ذنوبه - أو خطاياه شكَّ مِسْعَرٌ - وإن كان مثل زبد البحر))[10]. الفائدة الثانية: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير) التي فيها كلمة (يحيي ويميت). 1- تُقال في الصباح والمساء عشر مرات: عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات، وحطَّ عنه بها عشر سيئات، ورفعه الله بها عشر درجات، وكُنَّ له كعشر رقاب، وكن له مَسْلَحَة من أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يومئذٍ عملًا يقهَرهن، فإن قالها حين يمسي، فكذلك))[11]. 2- تُقال على إثر المغرب عشر مرات: عن عمارة بن شبيب السبئي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، على إثر المغرب، بعث الله له مَسْلَحَةً يحفظونه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسنات موجِبات، ومحا عنه عشر سيئات موبِقات، وكانت له بعدل عشر رقاب مؤمنات))[12]. 3- تُقال قبل الانصراف من صلاة المغرب والصبح عشر مرات: عن عبدالرحمن بن غنم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((من قال قبل أن ينصرف، ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كُتِب له بكل واحدة عشر حسنات، ومُحِيت عنه عشر سيئات، ورُفع له عشر درجات، وكانت حرزًا من كل مكروه، وحرزًا من الشيطان الرجيم، ولم يحل لذنب يدركه إلا الشرك، وكان من أفضل الناس عملًا إلا رجلًا يفضُله، يقول أفضل مما قال))[13]. 4- تُقال في دُبُرِ صلاة الغداة مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير؛ مائة مرة؛ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في دُبُرِ صلاة الغداة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير؛ مائة مرة، قبل أن يثني رجليه، كان يومئذٍ أفضلَ أهل الأرض عملًا، إلا من قال مثل مقالته، أو زاد على ما قال))[14]. الفائدة الثالثة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير): التي فيها كلمة (يحيي ويميت وهو حي لا يموت). عن سالم بن عبدالله بن عمر، حدثني، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من دخل السوق، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة))[15]. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))[16]. فهو ذكر عظيم له من الأجر ما لا يعلمه إلا الله، فهو بعد كونه من أعظم أبواب ذكر الله تعالى، سبب لغفران الذنوب. ما يكون من أذكار النوم: فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استُجيب له، فإن توضأ وصلى قُبِلت صلاته))[17]. ((من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، غفر الله ذنوبه - أو خطاياه شكَّ مِسْعَرٌ - وإن كان مثل زبد البحر))[18]. وصية نوح صلى الله عليه وسلم: عن عبدالله بن عمرو، قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من أهل البادية، عليه جُبَّة سِيجان مَزْرُورة بالدِّيباج، فقال: ألَا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس - قال: يريد أن يضع كل فارس ابن فارس، ويرفع كل راعٍ ابن راعٍ - قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جُبَّتِه، وقال: ألَا أرى عليك لِباسَ من لا يعقل؟ ثم قال: إن نبي الله نوحًا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصٌّ عليك الوصية: آمُرُك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله؛ فإن السماوات السبع، والأرَضين السبع، لو وُضِعَت في كِفَّة، ووُضِعت لا إله إلا الله في كِفَّة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع، والأرضين السبع، كُنَّ حلقةً مبهمةً، قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يُرزَق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكِبْرِ))[19]. قوله صلى الله عليه وسلم: ((وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء))، في معنى قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44]؛ يعني: يسبح بحمده سبحانه كل شيء؛ قال ابن كثير رحمه الله: "أي: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله، ﴿ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾؛ أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس؛ لأنها بخلاف لغاتكم، وهذا عام في الحيوانات والجمادات والنباتات"؛ [انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 73)]. وقال السعدي رحمه الله: "﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ من حيوان ناطق وغير ناطق، ومن أشجار ونبات وجامد، وحي وميت، إلا يسبح بحمده بلسان الحال، ولسان المقال. ﴿ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾؛ أي: تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم، بل يحيط بها علَّام الغيوب"؛ [انتهى من "تفسير السعدي" (ص: 459)]. ولذلك فإن العلماء يَرْوُون هذا الحديث عند تفسير هذه الآية، وقوله: (وبها يُرزَق الخلق): أي: إن التسبيح من مفاتيح الرزق على العباد، وذلك باعتبارين: الاعتبار الأول: أن التسبيح تنزيهُ الله أن يكون معه نظيرٌ يخلق معه الخلق أو يرزقهم؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 40]، فالتسبيح شهادة من العبد أنه لا رازق إلا الله، كما أنه لا خالق إلا هو، ولا محيي ولا مميت إلا هو سبحانه، وهذه الشهادة أول مفاتح الرزق. الاعتبار الثاني: الحمد في قوله: (سبحان الله وبحمده)، ومعلوم أن الحمد والشكر يفتح أبواب الرزق ويزيد النعمة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]؛ قال ابن كثير رحمه الله: "أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها"؛ [انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 479)]. قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ألَا أرى عليك لباس من لا يعقل؟). لأنه يرتدي جُبَّة من سِيجان، وهو جمع ساج، وهو الطَّيلسان الأخضر، مَزْرُورَة بالدِّيباج، وهو من الحرير الطبيعي؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما يلبَس الحرير من لا خَلاقَ له))[20]، والطيلسان من لباس العجم، وليس من لباس العرب؛ قال في (تاج العروس 16/ 204): "يُقال في الشتم: يا بن الطيلسان، أي: إنك أعجمي؛ لأن العجم هم الذين يتطيلسون، نقله الزمخشري والصاغاني"؛ [انتهى]، وتشبَّه العربي بالعجمي من السَّفَه وقلة العقل؛ ولذلك قال له: (ألَا أرى عليك لباس من لا يعقل؟)، وهذا من فطنته صلى الله عليه وسلم وفِراسته ومعرفته بأحوال الناس، بما تدل عليه أقوالهم وأحوالهم. من أسماء كلمة لا إله إلا الله: الطيب من القول، والقول الثابت، والقول الصواب، والقول السديد، وكلمة التوحيد، والدين الخالص، كلمة الإخلاص، وكلمة الشهادة، وكلمة الله العليا، والكلمة الطيبة، وكلمة الاستقامة، وكلمة النجاة، وكلمة الفلاح، والكلمة الباقية، وكلمة التقوى، وكلمة الصدق، وكلمة السواء، وكلمة العدل، والعروة الوثقي، والمثل الأعلى، وشهادة الحق، ودعوة الحق، والعهد، والإحسان، والحسنة، والحسنى. فضل كلمة التوحيد: من المعلوم من الدين بالضرورة عند كل مسلم أن كلمة التوحيد هي لا إله إلا الله، وهي التي يدخل الإنسان بها في الإسلام، وهي كلمة الإخلاص والتقوى، هي كلمة طيبة، ودعوة الحق، والعروة الوثقى، وهي ثمن الجنة، ومفتاح دار السلام؛ قيل لوهب بن منبه رحمه الله: "أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتِح لك، وإلا لم يُفتح لك"[21]. لا إله إلا الله هي التي من أجلها أرسل الله تبارك وتعالى الرُّسُلَ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]. وقال تعالى: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2]. ومن أجلها وُضِعَتِ الموازين، ومن أجلها جُرِّدت سيوف الجهاد في سبيل الملك العلَّام، ومن أجلها حُقَّت الحاقة، ووقعت الواقعة، وصار الناس فريقين: فريقًا في الجنة، وفريقًا في السعير. معنى كلمة لا إله إلا الله: ولا إله إلا الله كلمة لها معنًى هو أنه لا معبود حقًّا أو بحقٍّ إلا الله، فكل معبودات عُبدت فإن ذلك يكون بغير الحق؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]. وفي هذا تنبيه لمن فسَّر هذه الكلمة بأن معناها أنه: لا إله في الوجود إلا الله، فهذا ليس صحيحًا بإطلاقه، وذلك لأن الله أخبر في كتابه الكريم عن وجود آلهة كثيرة للمشركين اتخذوها من دون الله؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [هود: 101]. فسماها عز وجل آلهة، لكنها آلهة باطلة كما في الآية المتقدمة، وتبين أن الإله الحق والمعبود بالحق هو الله سبحانه وحده لا شريك له. وفي هذا المقام سنذكر بعض ما ورد في فضل هذه الكلمة: 1- أنها القول الثابت الذي يثبت الله به الذين آمنوا؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27]. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم إذا سُئل في القبر، شهِد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]))[22]. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "هو لا إله إلا الله"[23]. وعن طاووس بن كيسان في قوله تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [إبراهيم: 27] قال: "لا إله إلا الله"[24]. وقال الله تبارك وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 24]. وقال علي بن أبي طلحة في قوله تعالى: " ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ [إبراهيم: 24]: "لا إله إلا الله"، ﴿ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ [إبراهيم: 24]، قال: المؤمن، ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ [إبراهيم: 24] لا إله إلا الله ثابتة في قلب المؤمن"[25]. وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله، في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾ [إبراهيم: 24]: "هي شهادة أن لا إله إلا الله، وفروعها ﴿ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ [إبراهيم: 24] وهي النخلة، ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾ [إبراهيم: 24] في الأرض، ﴿ وَفَرْعُهَا ﴾ [إبراهيم: 24] منتشر ﴿ فِي السَّمَاءِ ﴾ [إبراهيم: 24]، وهي كثيرة النفع دائمًا"[26]. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كلمة التوحيد لا شيء أحلى منها، كشجرة طيبة وهي النخلة، وليس في الثمار أحلى من الرطب؛ ولذلك شبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن في حلاوته ولِينه، وقوته وثبات أصله بالنخلة، فقال: ((لا يسقط ورقها، مَثَلُها كمثل المؤمن))[27]. 2- أن من أتى بها لا يخلُد في النار حتى ولو كان عمل من الخير قليلًا، ما دام أتى موحِّدًا؛ لحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير))[28]؛ قال أبو عبدالله البخاري رحمه الله: قال أبان: حدثنا قتادة حدثنا أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من إيمان)) مكان ((من خير))[29]. أي: إنه يُعذَّب على قدر معاصيه، ثم يكون في نهاية الأمر إلى الجنة، ولا بد من الإخلاص في ذلك؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فإن الله قد حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله))[30]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزِنُ شُعَيْرَة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزِن بُرَّة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه ما يزِن من الخير ذرة))[31].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |