خطبة الوقافون عند آيات الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4952 - عددالزوار : 2055850 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4527 - عددالزوار : 1323660 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-10-2023, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة الوقافون عند آيات الله

خطبة الوقافون عند آيات الله (1)
الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني


عباد الله، أنزل الله القرآن على القلوب ليؤثر فيها فتتحرَّك لتعظيم ربها وأمره فتتمثل الأمر وتجتنب النهي، فالقرآن أنزله الله هداية وبشارة للمؤمنين ونذارة للكافرين، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192 - 195].


فمن عمل به رشد، ومن تكبَّر عن أمره ونهيه هلك، وبقدر تعظيم النصوص والعمل بها قلةً وكثرةً تكون منزلة العبد عند ربه، فالله أنزل كتابه نورًا يهتدي به المؤمنون فينير دروبهم ويعلمون به أمر ربهم، فما حالنا مع كتاب ربنا؟ هل كان لنا هاديًا ودليلًا وبرهانًا أم هجرنا قراءته وتعلُّمه وتدبُّره، لقد كان من هدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول ابن مسعود رضي الله عنه، كنا لا نتجاوز العشر آيات حتى نتعلَّمها فتعلَّمنا العلم والعمل معًا، وأتى رجل لابن مسعود، فقال له: اعهد إليَّ، فقال: إذا سمِعتَ اللَّهَ يقولُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعِها سمعَكَ، فإنَّهُ خيرٌ يأمرُ بِهِ أو شرٌّ ينهَى عنهُ.


والقرآن ناطق بالمعجزات والبراهين على مَرِّ السنين، قال جل جلاله: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت: 53]، ولقد جعل الله لكل أحد دليلًا عليه، فمنهم من آمن، فلزم واستقام، ومنهم من أعرض وسيندم، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.


عباد الله، إن كلام ربنا نور يهدي به الله من اتَّبَع رضوانه سبل السلام، فاهتدوا بهدي القرآن والسنة، واستمسكوا بأمرهما، ففيهما النجاة في الدنيا والآخرة.


من تأمَّل في كلام الله وجد له أثرًا عظيمًا، فلقد أثر القرآن أثرًا بالغًا فيمن أنزل عليه وهو رسولنا صلى الله عليه وسلم فيتأثر في سلوكه وتصرُّفاته، فكان قرآنًا يمشي على الأرض، يقرأ القرآن فيتأثر به ويبكي، وكذا حين يُقرأ عليه، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأ عليَّ"، قال: أقرأ عليك وعليك أنزل! قال: "فإني أحب أن أسمعه من غيري"، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء: 41] قال: "أمسك" فإذا عيناه تذرفان؛ أخرجه البخاري.


فهل أثَّر القرآن في نفوسنا فوقفنا عند آياته وعملنا بأحكامه.


ولقد أثر القرآن في الملائكة فتنزَّلت لتستمع إليه، فتجتمع ملائكة النهار وملائكة الليل في صلاة الفجر لتستمع القرآن؛ ولذا تستحب إطالة القراءة في صلاة الفجر، قال تعالى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء: 78].


وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه أن أسيد بن حضير بينما هو في ليلة يقرأ في مِرْبَده إذ جالت فرسه، فقرأ، ثم جالت أخرى، فقرأ ثم جالت أيضًا، قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى، فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج، عرجت في الجو حتى ما أراها، قال: فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي، فقال رسول الله: "اقرأ ابن حضير"، قال: فقرأت ثم جالت أيضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ ابن حضير"، قال: فانصرفت وكان يحيى قريبًا منها، خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم"؛ رواه مسلم.


ولقد أثَّر القرآن في الجن فآمنوا، ودعوا قومهم وأنذروهم من مخالفة أمر الله لما سمعوا من عظمة هذا القرآن، فلقد سمعوا ما لا تطيق أنفسهم السكوت عنه، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الأحقاف: 29 - 32].


ما أعظم بلاغة القرآن! وما أعظم أثره في الإنس والجن والملائكة! فهل أثر القرآن في نفوسنا فوقفنا عند آياته وعملنا بأحكامه.


عباد الله، لقد بلغ تأثير القرآن مبلغًا على كفَّار قريش وعلموا عظمة القرآن وعلو منزلته، فمنهم من آمن فسعد، ومنهم من تكبَّر وعاند، ولما علموا من عظم أثره، نهوا الناس عن الاستماع له، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26].


ولعظيم أثر القرآن ولذيذ خطابه لا سيَّما لأهل البلاغة والفصاحة، فلقد كان سادات قريش، ومنهم أبو جهل وأبو سفيان والأخنس بن شريف كانوا يتسلَّلون فيجلسون في مجلس يستمعون فيه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يرى بعضهم بعضًا فيتعاهدوا ألَّا يأتوا مرة أخرى، فينكث كل منهم موعده، فيأتي ليستمع ولكن منعهم الكِبْر من الإسلام.


وهذا عتبة بن ربيعة حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أوائل سورة فُصِّلت تأثَّر وسأل الرسول بالرحم أن يوقف قراءته، فرجع إلى قريش وقال: إني والله قد سمعت قولًا ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ.


أثر القرآن في أقوام فأسلموا، فهذا جبير بن مطعم بن عدي بعد وقعة بدر في فداء الأسارى وكان إذ ذاك مشركًا، وكان سماعه لآيات من سورة الطور سببًا في إسلامه، فلقد قرأ رسول الله حتى وصل إلى قوله تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 35 - 37] يقول: كاد عقلي أن يطير.


وتستمر السنوات تِلْوَ السنوات ولا يزال القرآن باعثًا لدخول الناس في الإسلام، فلقد انبرى أستاذ في المنطق والرياضيات للقرآن لينقده نقدًا لاذعًا منطقيًّا ليقدم خدمة للكنيسة، فماذا وإلى أي شيء قادته تلك الرؤيا.


فيقول: لقد استفزتني لغة التحدي في القرآن ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82] وآيات أخرى تتحدَّى أن يؤتى بمثله أو عشر سور أو سورة أو آية ولم يتقدم بلغاء العرب وفصحاؤهم للإتيان بمثله؛ مما أثار عندي التحدي لنقده، فانظروا إلى أي شيء قادته رؤيته:
1- استوقفني قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل: 98] ومن المستقر عندنا أن من أعان محمدًا على القرآن الشياطين، فكيف يطلب من الناس أن يتعوَّذوا منه.


2- لم يكن القرآن كتابًا خاصًّا بمحمد، فلم يخلد سيرته الذاتية ولم يكتب عن معاناة فقده لزوجه وأولاده؛ مما يؤكد أنه كتاب منهج لا كتاب شخصي.


3- شدني حفاوة القرآن بعيسى بن مريم فقد ذكر خمسًا وعشرين مرة، وحفاوة القرآن بمريم عليها السلام فوضعت لها سورة باسمها.


4- كان القرآن يأتي بأخبار الأمم السابقة ويقول: ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا، ولم يعترض من الكُفَّار أحد ولو زورًا.


5- وأما قصة الغار التي أكدت العناية الإلهية بمحمد صلى الله عليه وسلم وحال محمد في الغار واطمئنانه فيه حين وقف الكفار عند فوهة الغار كان يقول لصاحبه: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40] يأتي بالحقائق العملية، ثم يطالب من يجهل بسؤال أهل الذكر عند الجهل.


6- استوقفتني سورة المسد وأبو لهب، فقد حكمت بالكفر على أبي لهب قبل موته بعشر سنين ولم يسلم ولو حتى زورًا؛ ليثبت كذب محمد ولكن العجب العجاب أنه زاد عداوة لابن أخيه وصدق رب العالمين.


7- وربما تكون هذه الآية المؤكدة للواقع السياسي المشاهد وحالته هو شخصيًّا قادته لدخول الإسلام؛ وهي قوله تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ [المائدة: 82، 83]، فنظرت في علاقة اليهود مع الفلسطينيين ثم شعر بما قالت الآيات فداخله الإسلام ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125] ثم أسلم وحسن إسلامه، وكان من الدعاة إليه بعدما كان من أشد أعدائه وأكثرهم حقدًا عليه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-10-2023, 04:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خطبة الوقافون عند آيات الله


خطبة الوقافون عند آيات الله (2)
الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني


الحمد لله الذي عز وارتفع، وذل كل شيء لعظمته وخضع، رفع من شاء من عباده ووضع، فتفرق الناس إلى عاصٍ وطائع، وعد بجنته من سلك طريق الهدى واتَّبَع، وتوعَّد بالنار لمن لهواه وشيطانه خضع.


جعل الدلائل والبراهين الواضحة على عظمته، ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، فسبحانه وبحمده، ما أعظم حلمه! وما أكثر فضله عم خيره، ولم يسع الخلق غيره، خلق الناس من العدم وربَّاهم بالنعم، ودلهم على طريق سعادتهم ونجاتهم، جعل الراحة والطمأنينة والسلام لمن اختار الإسلام والشفاء، والنكد وضيق البال لمن خالف سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نحيا ونموت ونُبعَث عليها برحمة الله وفضله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أمَّا بعد:


عباد الله، اتقوا الله حق التقوى، فالتقوى حمت أولياء الله من محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته، استقربوا الأجل فبادروا العمل، وكذبوا الأمل فلاحظوا الأجل، عباد الله بالتقوى تُستجلَب الرحمات، وتتنزَّل الخيرات، وتُفتَح للأمة البركات، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96].


أيَّد الله رُسُله بالمعجزات والبراهين، لتؤيدهم وتبين صدقهم للعالمين، وأنزل مع كل رسول حجةً تناسب أهل زمانه، وكان من معجزات رسولنا صلى الله عليه وسلم الكتاب المبين الذي احتفى به ربُّ العالمين، فهو كلام الله تعالى، والمنزَّل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام المعجز بلفظه ومعناه، المُتعبَّد بتلاوته، المُتحدَّى بأقصر سورة منه، المنقول إلينا بطريق التواتر، المكتوب في المصاحف من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، قال الإمام السعدي رحمه الله في مقدمة تفسيره: "جعل الله القرآن برحمته هدًى للناس عمومًا، وللمتقين خصوصًا، من ضلال الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والتقوى والعلم، أنزله شفاءً للصدور من أمراض الشبهات والشهوات، يحصل به اليقين والعلم في المطالب العاليات، وشفاء للأبدان من أمراضها وعللها وآلامها وأسقامها، وأخبر أنه لا ريب فيه، ولا شكَّ فيه بوجه من الوجوه، وذلك لاشتماله على الحق العظيم في أخباره وأوامره ونواهيه، وأنزله مباركًا، فيه الخير الكثير والعلم الغزير، والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة، فكل بركة وسعادة تُنال في الدنيا والآخرة، فسببها الاهتداء به واتباعه، والقرآن هادٍ لدار السلام، مُبين لطريق الوصول إليها، وحاثٌّ عليها، كاشف عن الطريق الموصلة إلى الجحيم ومُحذِّر منها، كتاب أُحكِمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير، أقسم الله بالقرآن ووصفه بأنه مجيد، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها، ووصفه بأنه ذو الذكر؛ أي: يتذكر به العلوم الإلهية، والأخلاق الجميلة، والأعمال الصالحة، ويعظ به من يخشى، أمر الله بتدبُّر كتابه؛ لأن تدبُّره مِفْتاح كل خير، محصل للعلوم والأسرار، فلله الحمد والشكر والثناء الذي جعل كتابه هدًى وشفاءً ورحمةً ونورًا، وتبصرةً وتذكرةً وبركةً وهدًى وبشرى للمسلمين، فحقيق على كل عبد أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في تعلُّمه وتفهُّمه بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك.


عباد الله، عظمة القرآن مستمدة من قائله جل جلاله وتقدَّست أسماؤه، كان عظيم التأثير، آخذًا بلُبِّ من قرأه، قائدًا لكثير من الناس للطريق القويم.


وها هو الصدِّيق رضي الله عنه وقَّاف عند آيات الله، مُعظِّم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ففي قصة الإفك يتلقَّى الناس ويتلقفون وينقلون بلا بينة ولا تثبُّت الجرم الكبير والبهتان العظيم حين تُرْمى الطاهرة العفيفة بما ليس فيها، ويتحسَّر الأب الشيخ الكبير ويقول بألم وحرقة: والله ما رضينا بها في الجاهلية، فكيف نرضى بها في الإسلام، ثم يأتي الفرج من الله وتتنزَّل الآيات ببراءتها رضي الله عنها وعمَّن ترضَّى عنها، وكان من المتجرئين على أُمِّ المؤمنين مسطح بن أثاثة رضي الله عنه قريبه والذي يتولى الصدِّيق النفقة عليه، فحلف الصديق ألَّا يُنفِق عليه وحُقَّ له، ولكنه نكث يمينه ورجع ينفق عليه ولكن لِمَ؟ لأن القرآن ينزل آمِرًا بالعفو فيمتثل، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور: 22]، فقال: بل أحب أن يغفر الله لي، فما أعظم امتثالهم! حتى وإن خالف رغباتهم تلك الطاعة الحقة والوقوف عند آيات الله وحدوده.


وحين نزل قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2]، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يكلم رسول الله إلا كأخي السرار، وما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ثم نزل قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات: 3]، وفي اليوم الذي أظلمت فيه المدينة بوفاة نبيِّها عليه الصلاة والسلام كما يقول أنس، قال المغيرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا عمر، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين، ثم جاء أبو بكر فرفع الحجاب فنظر إليه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قبل رأسه فحدرناه، فقبَّل جبهته، ثم قال: وانبيَّاه! ثم رفع رأسه فحدرناه وقبَّل جبهته، ثم قال: واصفياه! ثم رفع رأسه وحدرناه وقبَّل جبهته وقال: وا خليلاه! مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول: إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين، فتكلَّم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله يقول: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: 30] حين فرغ من الآية ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144]، ثم قال: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن يعبد الله فإن الله حي لا يموت.


فقال عمر: أو إنها في كتاب الله، فجثا على ركبتيه واسترجع، والذي جعله يتراجع من كلامه أنه وقَّاف عند آيات الله.


وعند البخاري من حديث ابن عباس قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الجد بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، فقال عيينة لابن أخيه: استأذن لي عليه، قال: ابن عباس فاستأذن الجد لعيينة فأذن عمر، فلما دخل قال: هيه يا بن الخطاب، فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر حتى هَمَّ أن يوقع به، فقال له: العفو يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبيِّه: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]، وأن هذا من الجاهلين، يقول ابن عباس: والله ما جاوَزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله.


عباد الله، لم يكن الوقوف عند آيات الله خاصًّا بكبار الصحابة فحسب؛ بل هذا ديدن سلف الأمة عليهم رحمة الله، ولن يصلح حال آخر الأمة إلا بما صلح به أولها، فعودوا لتعظيم كتاب الله وسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسعدوا وتنتصروا.


فهذا أنس بن مالك قائم ليسقي الخمر أبا طلحة وفلانًا وفلانًا إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر، فقالوا: وما ذاك؟ قال: حُرِّمت الخمر، قالوا: أهرِقْ هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل، وأراقوا الخمر في طرقات المدينة، أولئك أناس عظَّمُوا الله فوقفوا عند آياته.


وحين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالنفير يوم تبوك لم يبق في المدينة إلا العجزة والضعفة ومن عذرهم الله أو من أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقاء في المدينة؛ كعلي بن أبي طالب أو منافقين معلومي النفاق كما يقول كعب بن مالك.


وحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ألَّا يُخاطبوا الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت لم يخاطبهم أحد، استمع لوصف حالهم: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة: 118].


وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي عليه السلام: "لا والذي نفسي بيده حتى أكونَ أحبَّ إليك من نفسك"، فقال عمر: فإنه الآن، والله لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر".


وما أجمل كلام ابن مسعود رضي الله عنه وهو يقول: "إذا سمعت ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعها سمعك؛ فإنه خيرٌ تُؤمَر به، أو شَرٌّ تُنهى عنه! والذي ينبغي على العبد أن يكون وقَّافًا عند آيات الله وحدوده، فيمتثل الأمر ويجتنب النهي، ويرضى ويسلم تمام التسليم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب: 36]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65].


لقد أرانا الله من آياته ما يُوجِب تعظيمه، وأرانا من آثار رحمته ما يجعلنا نتعلَّق بعظيم رحمته، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 28]، فأنزل الغيث واهتزَّت الأرض وربت، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت: 39، 40].


وأعظم الممتثلين لأمر ربِّ العالمين والوقَّافين عند حدوده وآياته هم رسله عليهم الصلاة والسلام، فيحكي الله عن أبينا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة: 131]، ويدعو لأبيه ويستغفر له، فلما تبيَّن عداوته تبرَّأ منه، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة: 114] يأمره ربه أن يبقي ولده وأمه عند البيت الحرام فيمتثل، يتشوَّق للولد، فلما بلغ معه السعي حتى أُمر بقتله فاستسلم للأمر ثم جاء الفرج، قال تعالى: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 100 - 107] فكان الخليل أمة؛ لأنه كان وقَّافًا عند أوامر الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، محمد وآله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن رسولكم صلى الله عليه وسلم كان أعظم الوقَّافين والمُعظِّمين لآيات الله.


سُئلت عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري ومسلم عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان خُلُقه القرآن"، فلقد عفا عن ابن عمِّه المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب الذي ناصبَه العداء عشرين عامًا بعد أن أعرض عنه وتنحَّى عنه حين تأوَّل القرآن، وقال: لا تثريب يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تثريب يا أبا سفيان"، ثم أسلمه لعلي وقال له: "علم ابن عمِّك الوضوء والسُّنة"، وامتثل أمر الله في زيد بن حارثة ودعوته لأبيه لما جاء قول تعالى: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب: 5]، وترك زيد بن محمد وتزوَّج زوجة مُتبنِّيه قديمًا زيد بن حارثة امتثالًا لأمر الله، قال الله تعالى ممتدحًا رسوله: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [الأحزاب: 39].


عباد الله، إن أوامر الله والعمل بمقتضاها واجبٌ على الفرد والأمة، وبه وعليه صلاح الفرد والجماعة، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، ومن أراد الرقي والتقدم في غير الكتاب والسُّنَّة فقد ضلَّ ضلالًا بعيدًا.


من علم ذلك فليلزم، وإلا فلا يلومَنَّ إلا نفسه، فالله أنزل الكتاب، وأرسل الرسل حجةً على العالمين، وإنكم عن كتاب ربكم وعملكم لمسؤولون، فبمَ تستجيبون؟ قال تعالى: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: 6].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.81 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]