فلنختتم أعمارنا بخير أعمالنا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 499 - عددالزوار : 16478 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12817 - عددالزوار : 225606 )           »          أسباب انقطاع المطر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أصناف الناس بعد رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          غزوة أحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          الإيمان والأمل وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (8): حفصة بنت عمر رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          كيف يحقق المؤمن عبودية الافتقار إلى الله تعالى؟ (8) (فقه الأسماء الحسنى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          بين يدي أعظم سورة في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          فضل دعاء غائب لغائب وما يحمله من معاني عظيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-08-2023, 10:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,788
الدولة : Egypt
افتراضي فلنختتم أعمارنا بخير أعمالنا

فلنختتم أعمارنا بخير أعمالنا
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]،﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.


أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يُقرِّب إلى النار، اللهم آمين آمين.


إخواني في دين الله، فلنختم أعمارنا بخير أعمالنا.


هذا شهر ذي الحجةمن أشهر الحج، ومن الأشهر الحُرُم، وهو نهاية العام، العمل الصالح في العشر الأوائل منه أفضل من الجهاد في سبيل الله، والعشر الثانية منه أيام عيد، أيام أكل لحمٍ وفرح وسرور، والعشر الأخيرة منه التي نحن فيها أيام فرح باستقبال الحجيج الذين رجعوا بعد زيارة البيت العتيق، بحج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور، وتجارة لن تبور، إن شاء الله تعالى.


لقد مضى عامٌ من أعمارنا، مضى بعُجَرِه وبُجَره، بخيره وشره، وحُلوه ومُرِّه.


انتهى عام، فانقرضت من أعمارنا أعوام، عَبَدَ فيها ربَّه مَن عبد، وأطاع مَن أطاع، واغتنم أوقاتها أحسن اغتنامٍ من اغتنم.


انتهى عام من الأعوام، عصى فيه مَن عصى، وأساء مَن أساء، وقَتلَ مَن قتل، وظَلمَ مَن ظلم، ونامَ فيه عن الخير مَن نام، وقام مَن قام، فلم يحسن الاغتنام.


انصرمت سنةٌ غبراء شهباءُ، خُتمت بما حدث في (جِنين)؛ من سفك الدماء، وقتل الأبرياء، من الأطفال والشيوخ والنساء، رحم الله من افتقدناه، وشفى الله الجرحى والمرضى، وعوَّض الله أهل المصاب خيرًا مما أصابهم، وجعله في ميزان حسناتهم، وانتقم ممن ظلمهم.


أما العامُ الجديدالقادم بعد أيام؛ فماذا ينتظر الأمةَ فيه؟ وما الذي ستجده وتلاقيه؟ ﴿ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [يونس: 102].


هل سيزول ظلمُ الطغاةِ الظالمين في هذا العام الجديد؟ أم هل ستخفُّ وطأة المستبدِّين؟ وهل ستُحرَّر أراضي المسلمين من المغتصبين؟ ويطلقُ سراح المسجونين والمعتقلين؟ وهل سترفرف رايةُ النصر على عباد الله المؤمنين؟ وهل سيستنشق عَبَقَ الحريةِ عبادُ الله المستضعفون؟ نسألُ الله ذلك! [مقتبس من خطبة لي سابقة].


وهل نحن سنقلع عن فعل المعاصي واقتراف السيئات، ونقبل على الله بالطاعات والأعمال الصالحات؟ وهل سنترك في هذا العام الجديد الخلافات والخصومات؟ ونجتنب المراشقات الكلامية والفعلية والنزاعات؟


أين نحن من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ»؟ صحيح البخاري (6076).


فإذا كانت تحرم المقاطعة، ولا يحلُّ هجرُ المسلم لأخيه المسلم، لكن يجب هجرُ المنكرات، وتركُ الأعمال السيئات، والألفاظِ القبيحات، والكلماتِ المكروهات، والقيلِ والقال، وكثرةِ السؤال.


ولنهجر مجالسَ السوء، وأماكنَ الغفلة، ولنفارقْها إلى ما هو أرفق بنا في حياتنا وبعد الممات.


ولنحسن إلى إخواننا وجيراننا، ولنصل أرحامنا بالقول والفعل.


لقد لقي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه رضي الله عنهم، لقوا من قومهم بمكة الضيقَ والعنتَ والعذابَ والظلم؛ فهاجر صلى الله عليه وسلم.


ففي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكةَ المكرمةِ إلى المدينةِ المنورة، خلَّف وراءه الظلمَ والاضطهاد، والقهرَ للمؤمنين والاستذلالَ والاستعباد والاستبداد، وأقبل على عامِه الأوَّلِ الجديد بالمدينة، فكان ينتظر الأمَّةَ آنذاك النصرُ والتمكينُ، والرفعةُ والعِزَّةُ، وصَدحَت المآذنُ بنداء التوحيد: (الله أكبر، الله أكبر)، وتوحَّدت بتوحيد الله جلَّ جلالُه الأوسُ والخزرجُ، وسائر القبائلِ المتقاتلةِ المتناحرة؛ وذلَّت للمسلمين يهود وفارس والروم، وسائرُ الدول المجاورة.


فلنُسارِع بالأعمال الصالحات، فتن عَصيبةٌ، وأحوال غريبة، منها ما وقع، ومنها ما لم يقع بعد، روى مسلم في صحيحه (118) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ["بَادِرُوا"؛ أي: استعجلوا وسارعوا "بِالأَعْمَالِ"؛ أي: استعجلوا بأعمال صالحات وطاعات، ماذا نبادر يا رسول الله؟ قال: "فِتَنًا" ومصائبَ، وهذه الفتن "كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ"؛ فتنٌ مظلمةٌ سوداء مدلهِمَّة، فسارعوا بالعمل الصالح قبل تعذُّرِه، أو تعسُّره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرةِ، والمتلاطمة والمتراكمةِ كتراكم ظلام الليل، هذه الفتن يقول فيها صلى الله عليه وسلم: "يُصْبِحُ الرَّجُلُ فيها"؛ أي: في هذه الفتن يصبح "مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا"... وهذا لعِظَمِ الفتن، يتقلُّب قلب الإنسانُ بين الكفر والإيمان، في اليومِ الواحدِ هذه الانقلابات، "يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"؛ أي: بقليل من حطامها، يبيع دينه في سوقٍ أو مهرجانٍ، أو مظاهرة أو ساحة أو ميدان،... هذا وما أشبهُه من أحاديثِ الفتن من جملةِ معجزاته صلى الله عليه وسلم الاستقبالية، التي أخبر أنها ستكون بعده، وكانت وستكون]؛ بتصرف من فيض القدير (3/ 193).


هذا الحديث كأنه يحكي حالَ كثيرٍ من المسلمين اليوم، الذين باعوا دينهم بحطام من الدنيا قليل.


ومن الفتن ما يكون في الأمَّة، وهو تمحيصٌ لها وابتلاء، من أحداثٍ واضطراباتٍ، وحروبٍ ومنازعاتٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا"، يعني ثلاث مسائل، أو ثلاث دعوات "فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً؛ سَأَلْتُ رَبِّي: أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ –أي: بالقحط والجدب- فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا"؛ صحيح مسلم (2890)، فبأسُ المسلمين بينهم إلا من رحم الله.


فتنٌ وجدت ولم تنتهِ؛ بل تزداد، لقد استخفَّ الناسُ بالدماء، بدل تعظيمها وتكريمها.


ولم يعظَّم القرآن فاتخذ مزامير، ومن أجل عرض من الدنيا زائل، بدل التخلق والعمل بما فيه، وصار الحكمُ والمسئوليةُ تجارةً، بدل أن يكون لمصلحة الأمة، وتَسلَّطَ على الناس الصبيان والسفهاء، بدل الحكماء والعقلاء، وقُطِّعت الأرحام، بدل صلتها ومودتها بالرحمة.
هذا ما رأيناه ونراه من فتن جاء خبرها عبر الأحاديث النبوية، فتن يقودها الصغار، ويُؤجِّج نارها الصبيان، الذين تحركهم العواطف، وتدفعهم الأهواء، مع جهل شديد بالدين وتعاليمه، وتكبُّر وتعالٍ على علماء الأمَّة وكبارِها، قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ)؛ ونحن نسأل: ما هو هذا الشرُّ الذي اقترب للعرب؟


إنه (إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ، إِنْ أَطَاعُوهُمْ أَدْخَلُوهُمُ النَّارَ، وَإِنْ عَصَوْهُمْ ضَرَبُوا أَعْنَاقَهُمْ)؛ مصنف ابن أبي شيبة (7/ 531) (37751).


وكلُّ ذلك ابتلاءٌ للأمة التي فشا في بعض أفرادِها القتلُ والزنا والربا، والفحشُ والتفحُّش وآلاتُ الطربِ والموسيقى والغِناء، والكذبُ والغِيبةُ والنميمةُ، والخمرُ والسرقةُ والقطيعةُ، والغشُّ والمكرُ والخديعةُ، فعَنْ كَعْبٍ، قَالَ: (لِكُلِّ زَمَانٍ مُلُوكٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْرًا بَعَثَ فِيهِمْ مُصْلِحَهُمْ، وَإِذَا أَرَادَ بِقَوْمٍ شَرًّا بَعَثَ فِيهِمْ مُتْرَفِيهِمْ)؛ مصنف ابن أبي شيبة (7/ 529) (37735).


أيها الناس، ليس الدين بطولِ الإنسانِ وصورتِه الجميلة، وعَرضِه وقوَّته، ولا بقبيلتِه وحزبِه وحركتِه، وليس التديُّنُ بالتقعُّرِ في الكلامِ والتمشدُقِ به، ولا بالملابس البيضاءِ وطهارتِها ونظافتها، كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه يَسِيرُ فِي الْجَيْشِ وَهُوَ يَقُولُ: (أَلا رُبَّ مُبَيِّضٍ لِثِيَابِهِ مُدَنِّسٌ لِدِينِهِ، أَلا رُبَّ مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَهَا مُهِينٌ، أَلا بَادِرُوا السَّيِّئَاتِ الْقَدِيمَاتِ بِالْحَسَنَاتِ الْحَدِيثَاتِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَسَاءَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)، طول الأعوام والأمر الماضي كله سيئات (ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً لَغَلَبَتْ سَيِّئَاتِهِ حَتَّى تَقْهَرَهُنَّ)؛ مصنف ابن أبي شيبة (7/ 116) (34621)، الزهد لأبي داود (ص: 127) (116)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 102).


بادروا بالأعمال الصالحات؛ لأن الأعمال الصالحات تذهب السيئات، ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114] أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين محمدِ بنِ عبدالله، وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.


عباد الله، سارعوا وبادروا وعجِّلوا بالأعمال الصالحات قبل حلولِ الموتِ ونزولِ الفتن، ووقوعِ الأمراض والانشغالات.


فلنبادر بالصلوات في أوقاتها في بيوت الله سبحانه، قبل العوارض والموانع، وكذا بقية الطاعات.


ألا واعلموا يا عباد الله أن «مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْءٍ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ»؛ (حم) (14373)، وفي رواية: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ"؛ (م) 83- (2878)، فهل تدري متى ستموت؟ وعلى أي شيء ستموت؟ هل ستموت على طاعة أو تموت على معصية؟ لا تعلم ذلك يا عبد الله.


فلنحذر أن نموت على معصية، ولنحرص أن نموت على طاعة وعبادة، جَاءَ رَجُلٌ مِنْ قُضَاعَةَ إلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَصُمْتُ الشَّهْرَ، وَقُمْتُ رَمَضَانَ، وَآتَيْتُ الزَّكَاةَ؟!) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"؛ (خز) (2212)، (حب) (3438)، انظر: صَحِيح التَّرْغِيبِ: (749).


وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا"؛ (د) (3114)، (حب) (7316)، الصحيحة (1671).


قَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه: (لَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ خَيْرًا وَلَا شَرًّا حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُخْتَمُ لَهُ، يَعْنِي بَعَدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَمَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلَابًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَتْ غَلْيًا»؛ (حم) (23816)، (صم) (226)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (5147)، والصَّحِيحَة: (1772).


القلبُ يتغير في كلِّ لحظة، فلا تدري ما هذا الذي تحكم عليه بأفعاله، من فعل المعاصي قد تحكم عليه أنه من أهل النار، لا تدري نهايته كيف تكون؟ ورجل يصلي ويصوم ويركع ويسجد لا تدري ما نهايته تكون، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.


وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خُتِمَ لَهُ"؛ أي: مات، آخر عمل كان له أنه ختم له "بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ مُحْتَسِبًا عَلَى اللهِ عز وجل دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ خُتِمَ لَهُ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُحْتَسِبًا عَلَى اللهِ عز وجل"؛ أي: لله خالصًا؛"دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ خُتِمَ لَهُ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحْتَسِبًا عَلَى اللهِ عز وجل دَخَلَ الْجَنَّةَ"؛ رواه ابن شاهين في الجزء الخامس من الأفراد، والمخلص في الفوائد المنتقاة (23/ 2)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 218- 219)، صَحِيح الْجَامِع: (6224)، الصَّحِيحَة: (1645)، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (985).


وَعَنْ عبدالرحمن بْنِ أَبِي قُرَادٍ رضي الله عنه قَالَ: (تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ)، يأخذون الماء المتساقط، ويمسحون وجوههم وجلودهم، (فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم): "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى هَذَا؟!" قَالُوا: (حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ)، يعني من شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم يتمسحون بوضوئه، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم): "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحِبَّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ؛ فَلْيَصْدُقْ حَدِيثَهُ إِذَا حَدَّثَ، وَلْيُؤَدِّ أَمَانَتَهُ إِذَا ائْتُمِنَ، وَلْيُحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَهُ"؛ (طس) (6517)، انظر الصَّحِيحَة: (2998)، المشكاة: (4990).

إنَّا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها
وكلُّ يومٍ مضى يُدني من الأجلِ
فاعملْ لنفسِك قبلَ الموتِ مجتهدًا
فإنَّما الربحُ والخسرانُ في العملِ


قال بعض الحكماء: (كيف يفرحُ بالدنيا من يومُه يهدِمُ شهرَه؟ وشهرُه يهدِمُ سنتَه؟ وسنتُه تهدمُ عُمُرَه؟ كيف يفرحُ من يقودُه عُمُرُهُ إلى أجله، وحياتُه إلى موتِه؟!)؛ من لطائف المعارف (ص: 304).


فلنختم ما تبقَّى من عامنا الماضي بخير، ولنستقبل عامنا الجديد بأعمال صالحة تزيد في الحسنات، ونجتنب السيئات، ولنكن جميعًا يدًا على من سوانا، وننبذ الفرقة والخصام، والتفرقَ والانقسام من وراءنا، وعلينا بالجماعة والوحدة والاتحاد، فإنَّ يدَ اللهِ على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.


ألا واعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال تعالى قولًا كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وارضَ اللهم عن الأربعةِ الخلفاءِ الراشدين، والأئمةِ المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر وعمر، وعثمان وعليٍّ، وعن الصحابةِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانك يا أرحم الراحمين.


اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، وانصرْ عبادَك الموحدين.


اللهم ادفع عنا الغلاءَ والوباءَ، والربا والزنا، والزلازلَ والمحنَ، وسوءَ الفتن، ما ظهرَ منها وما بطنَ، عن بلدِنا هذا خاصة، وعن سائرِ بلادِ المسلمين عامة، يا ربَّ العالمين.


﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201]، ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23].


عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم، واشكروه على نعمه يزدْكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45]؛ بتصرف من مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار للسلمان (2/ 253).


وأقم الصلاة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.14 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]