|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() { ثم تاب عليهم ليتوبوا } عصام الدين أحمد كامل يترادف في الذهن معنى آيتين كريمتين، هما قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الإنسان: 30]، وظاهر هاتين الآيتين هو أنهما يربطان علم الإنسان النسبي بعلم الله عز جاهه المطلق، وقدرة الإنسان النسبية بقدرة القوي العزيز المطلقة، ولا جرم بداهةً ومنطقًا أن علم الإنسان مستمد من علم خالقه المحيط ولا ينفصل عنه، ومشيئة الإنسان مستمدة من مشيئة الرحمن، وأن قدرته لا تتعدى قدرة من برأه وأنشأه من العدم، ولا تخرج عن نطاقها، فأجد اللسان يرتل دون إرادة مني تلك الآية الكريمة -وكأنما فيها الجواب- وهي قوله تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53]. يقول الإمام ابن باز رحمه الله: الله سبحانه له إرادتان: قدرية وشرعية، قدرية سبق بها علمه، ومرادها نافذ، كما في قوله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، وللمولى إرادة شرعية كما قال عز جاهه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]، هذه إرادة شرعية، فقد أراد الله اليُسْر لعباده، وأمرهم بما يقدرون عليه، لكن قد يحصل العُسْر لبعض الناس، وقد لا يحصل اليُسْر، فقد يُبتلى بالعسر، قد أراد الله من الناس أن يصلوا، وأن يصوموا، وأمرهم بهذا، وأن يعبدوه وحده، فمنهم من صلى وصام وعبد الله، ومنهم من كفر وهم الأكثرون، هذه إرادة شرعية. فالمطيع الموحِّد حقًّا قد اجتمعت فيه الإرادتان، وافق إرادة الله الكونية، وحَّد الله وأطاعه، ووافق الإرادة الشرعية، وهو بطاعته لله وتوحيده لله قد وافق الإرادة الشرعية أيضًا، وقد وافقت مشيئته مشيئة الله، فكانت مشيئة الله الشرعية هي هي مشيئته، كيفما كانت يسرًا أو عسرًا. أما العاصي فقد وافق الإرادة الكونية، ولكنه خالف الإرادة الشرعية، والأمر الشرعي، وهكذا الكافر. والضوابط التي تحكم ذلك تتمثل في قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]، فمشيئة الله غالبة نافذة سابقة، ومشيئة الإنسان محددة بما كلف به مما يستطيعه، ومن تلك الضوابط قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وأفضل ما قرأت تفسيرًا للفظ ﴿ بِقَدَرٍ ﴾؛ أي: بما يقدر ويستطيع؛ أي: إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدرناه وقضيناه. ومن تلك الضوابط قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))؛ رواه أبو داود والترمذي وصححه، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن القدر وما يعمل الناس فيه؟ يا رسول الله، العمل فيما جفَّ به القلم، وجرت به المقادير، أم في أمر مستقبل؟ قال: ((بل فيما جفَّ به القلم وجرت به المقادير، وكل مُيسَّر لما خُلِق له))؛ رواه ابن ماجه بهذا اللفظ، وهو يبين لكل ذي لُبٍّ إحاطة علم الله عز وجل بالماضي والحاضر والمستقبل، فالزمان كله في علم الله كصفحة كتاب، ومن صفات الإله كما يقول بذلك أهل العقل والمنطق أنه عَزَّ جاهُه لا يعتريه نقص علم أو قدرة أو حكمة أو أي صفة. وأكثر ضلال من ضلُّوا هو في فهم الصفات السنية لرب البريَّة، وقياسهم الفاسد على ما لدى سائر خلقه من الصفات، وسنورد في عجالة بعض ما قال علماؤنا في الصفات قبل أن نعود إلى موضوعنا. صفات الله وحقيقتها: قال العلماء بأنها قسمان: صفات ثبوتية، وصفات سلبية. فالصفات الثبوتية هي التي أثبتها الكتاب والسنة من سمع وكلام وبصر وحياة وقدرة وعلم وحكمة وعلو، وهي تنقسم بدورها إلى: صفات ذاتية: مثل العلم والسمع والبصر والحياة. صفات فعلية: تتعلق بإرادة الله ومشيئته مثل الحلم والمحبة والغضب والنزول والرِّضا. • والصفات السلبية هي التي نفاها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ربِّ البرية؛ كالعجز، والظلم، والولد والصاحبة وغيرها. • وكما أن كل صفات الحق عز جاهه تؤخذ من منظور "ليس كمثله شيء" و "لم يكن له كفؤًا أحد" وهذا يطرح عن الأذهان كل ما يخطرعليها من التشبيه والتجسيم. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو القديم المنزل، ولفظ "القديم" أول من أحدثه هو عبدالله بن سعيد بن كلاب، وسار عليه طوائف، فـالأشاعرة يرون أن كلام الله قديم، وكذلك السالمية يعتقدون أن كلام الله قديم؛ ولهذا تُحمل كلمة القديم على معنى يقصد به، وهو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة في كلام الله بأنه قديم النوع حادث الآحاد، متعلق بالإرادة والمشيئة بحرف وصوت يسمع، وكل لفظ وجزئية من هذه العبارة ترد على طائفة انحرفت. وقد بيَّن العلامة ابن عثيمين رحمه الله معنى ما قرره أهل السنة والجماعة من أن كلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد، فقال في شرح لمعة الاعتقاد: ومعنى قديم النوع أن الله لم يزل ولا يزال متكلمًا، ليس الكلام حادثًا منه بعد أن لم يكن، ومعنى حادث الآحاد أن آحاد كلامه؛ أي: الكلام المعين المخصوص حادث؛ لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلَّم بما شاء كيف شاء. وقد قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف: 143]، فقد كلم الله موسى بكلام في وقت معين، وكان قبل ذلك موصوفًا بالكلام على ما يليق به جل وعلا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكلام الله غير مخلوق عند سلف الأمة وأئمتها، وهو أيضًا يتكلم بمشيئته وقدرته عندهم لم يزل متكلمًا إذا شاء فهو قديم النوع، وأما نفس النداء الذي نادى به موسى ونحو ذلك فحينئذٍ ناداه كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى ﴾ [طه: 11]، وكذلك نظائره، فكان السلف يفرقون بين نوع الكلام وبين الكلمة المعينة. والقول بأنه "قديم النوع" فيه رد على الكرامية التي تعتقد أن الكلام حدث لله بعد أن لم يكن متكلمًا فكان، لم يكن متكلمًا ثم حدثت له صفة الكلام، وهذا الكلام ليس صحيحًا بل باطلٌ، والسبب أنه يؤدي إلى أن يكون الله ناقصًا ثم وجد له الكلام فأصبح كاملًا به، ولهذا قالوا: أصلها قديم؛ أي: إنه ليس بداية لكلام الله تعالى، بل الله سبحانه وتعالى موصوف بالكلام أزلًا وللأبد. والقول بأنه "حادث الآحاد"؛ أي: إن آحاده متجددة، فالحق تعالى خاطب الملائكة قبل خلق آدم فقال: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، وبعد خلق آدم قال له: ﴿ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ﴾ [البقرة: 35]، وقال تعالى بعدها: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 38]، فهل كان هذا الكلام وذاك الكلام في نفس الزمن، فهو كلام متعلق بحدث، فهو متعلق بالإرادة والمشيئة: بمعنى: ﴿ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]. يقول أهل السنة والجماعة: "كلام الله قديم النوع، حادث الآحاد، متعلِّق بالإرادة والمشيئة، وأنه بحرف وصوت يسمع، يقول بعضهم: يجب علينا أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يتكلم بكلام حقيقي، وليس كلامه مجازيًّا، حتى لا يُقال: هذا معنى أو عبارة عن كلام الله تعالى، وكما يقول بعض المبتدعة في تأويلهم لصفات الرب سبحانه وتعالى فيقولون: اليد مجازية، والكلام مجازي، والسمع مجازي، بل نقول: كلام الله على الحقيقة، وأنه يتكلم متى شاء، وكيف شاء، فدل على أنه متعلق بالإرادة والمشيئة، وأنه بحرف وصوت، وصوت الرب ليس كصوت الآخرين المخلوقين أبدًا". ومن عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن "أن كلام الله منزل، ودل على تنزيله قوله تعالى: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 2]، وكذلك قوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، كذلك نقول: إنه غير مخلوق والدليل قوله تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، والخلق غير الأمر، والقرآن من الأمر وليس من الخلق). أما معنى قولهم: منه بدأ وإليه يعود.. (يقول العلماء: أي إن الله هو الذي ابتدأ بالكلام، وتكلم به أولًا، والقرآن أضيف إلى الرب سبحانه وتعالى في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]، وأضيف كذلك إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأضيف إلى جبريل ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ [الحاقة: 40]، فإضافته إلى الرب إضافة ابتداءٍ؛ أي: إن الله هو المبتدئ بالكلام به، وإضافته إلى جبريل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: إضافة تبليغ، فمحمد صلى الله عليه وسلم مبلغ وجبريل عليه الصلاة والسلام كذلك مبلغ عن الله، لم يأتِ بالكلام من عند نفسه أبدًا). وقولهم: (وإليه يعود).. (يحتمل معنيين: المعنى الأول: إليه يعود، كما روي في بعض الآثار أنه إذا لم يعمل الناس بالقرآن؛ أي: أطبقت الأرض على عدم العمل به، ينزه الله كتابه فيرفعه من صدور الناس ومن مدادهم، وقد روي فيها بعض الآثار، قالوا: وذلك حين تهدم الكعبة، وقالوا: قياسًا على الكعبة، فإنها إذا تعطَّلت فلا أحد يستفيد منها ولا يحجُّون إلى بيت الله، ولا يعتمرون ولا غيره أرسل الله ذا السويقتين رجلًا من الحبشة يأتي بقومه من جهة البحر، ثم ينقضون الكعبة حجرًا حجرًا، وترمى في البحر، قالوا: ومثله القرآن يُسَرَّى به من القلوب ومن المداد، فلا يبقى منه شيء، والمعنى الثاني؛ أي: إنه يعود إلى الله تعالى وصفًا، فهو الموصوف به سبحانه وتعالى، لا يُوصَف به أحد سوى الرب سبحانه وتعالى). وبالنسبة لكلام الله فينقسم إلى: • كوني قدري: وهو الذي توجد به الأشياء كلها، من نزول الأمطار، وإحياء الأرض بعد موتها، وكذلك في خلق الناس وإيجادهم وغيره، قالوا: هذه تتعلق بالكوني القدري، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]. • ديني شرعي: وهو المتعلق بالتشريع والتحليل والتحريم، وبالكتب المنزلة التي أنزلها الله على رسله عليهم الصلاة والسلام، وتكليم الله تعالى لخلقه يكون بأنواع: تكليم بلا واسطة: كما كلَّم موسى وكلَّم محمدًا صلى الله عليه وسلم وكلَّم الأبوينِ. تكليم بواسطة: وهي التي تكون عن طريق إرسال الرسل إليهم، وهذه حدثت لأنبياء الله وللرسل عليهم الصلاة والسلام. ومن هؤلاء الذين ضلُّوا الجعد بن درهم، فهو أول من أحدث القول بخلق القرآن، ثم تبعه الجهم بن صفوان، وتبعهم المعتزلة واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهما، وقد قيَّض الله لهما صديق الأمة الثاني "الإمام أحمد بن حنبل " رضي الله عنه، لكن أول من قال بأن القرآن قديم هو عبدالله بن سعيد بن كلاب، وقبل هؤلاء كان قد مَرَّ قرنان على نزول القرآن، فما قال بهذا أحد من الصحابة أو التابعين أو السلف؛ بل كانوا يقولون بما دلَّ عليه الكتاب والسنة من إثبات صفة الكلام لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته. وكما أن الكلام من الصفات الذاتية الفعلية التي تتعلق بإرادة ومشيئة من ليس كمثلة شيء عَزَّ جاهه، فيترتب على ذلك القول بما قال أهل السنة والجماعة: (إن هذا القرآن الذي نقرؤه بألسنتنا، ونحفظه في صدورنا، ونكتبه بألواحنا، وكذلك نعلم أنه كلام الله تعالى لفظه ومعناه، الواجب علينا ألا نبحث عن كيفيته، نعرف مدلول الكلام؛ لكن كيف يتكلَّم الرب وغيره، الله أعلم بها، فهو ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، وهو "لم يكن له كفوًا أحد"، بل يجب أن نقول كما قال الإمام مالك عن استوائه على العرش: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهذا مما يجب على كل مؤمن أن يقول به). وقد جاءت صفة الكلام صفة كمال وثبوت، وفي الضد "عدم القدرة على الكلام" صفة نقص وسلب، فقال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ ﴾ [الأعراف: 148]، فدلَّ على أن من لم يتكلم فهو ناقص، والله هو المتكلم، وله الكمال المطلق سبحانه وتعالى. وقد جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم سُئل: يا رسول الله، أرأيتَ ما نعمل فيه ونكدح، هل هو في أمرٍ مضى قد فُرغ منه وكُتب، أم في أمرٍ مُستأنفٍ؟ قال: بل في أمرٍ قد مضى وفُرغ منه، قالوا: يا رسول الله، ففيمَ العمل؟ قال: اعملوا فكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له: أما أهل السَّعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السَّعادة، وأما أهل الشَّقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشَّقاوة، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7]. قال الإمام ابن باز رحمه الله: الإيمان بالقدر على مراتب أربعٍ مَن جمعها جمع الإيمانَ بالقدر: الأول: الإيمان بعلم الله بالأشياء، وأنه يعلم كلَّ شيءٍ من أعمالنا وآجالنا وأرزاقنا وغير ذلك. المرتبة الثانية: الكتابة، وأنه كتب ذلك سبحانه وتعالى عنده، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ ﴾ [الحج: 70]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 75]، وقال تعالى: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]. الثالث: أنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يقع في ملكه ما لا يُريد، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾ [الأنعام: 112]، وقال تعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 28، 29]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [المدثر: 55، 56] فلا بدَّ من الإيمان بمشيئة الله، وأنه لا يقع شيءٌ في ملك الله بدون مشيئته، فأعمالنا وسائر حركاتنا وسكناتنا كلها بمشيئة الله، ولا نشاء شيئًا إلا بعد مشيئته جلَّ وعلا. الرابعة: الإيمان بأنه خالقُ الأشياء ومُقدِّرها ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62]، وقال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ [الحديد: 22]. هذه مراتب القدر: العلم، والكتابة، والإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والإيمان بأنه خالق الأشياء، ومُوجِدها، هذه أربع مراتب نبَّه عليها شيخُ الإسلام ابن تيمية في "الواسطية"، ونبَّه عليها العلماء في كُتبهم، ونبَّه عليها العلامةُ ابن القيم في كتابه "شفاء العليل". فالإنسان مُخيَّرٌ ومُسَيَّرٌ، أعطاه الله عقلًا، وأعطاه الله إرادةً، وأعطاه مشيئةً، فهو مُخيَّرٌ من هذه الحيثية، يعمل عن مشيئةٍ، وعن إرادةٍ، كما قال تعالى: ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ﴾ [الأنفال: 67]، وقال تعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 28، 29]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 153]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس: 36]، فللعباد فعلٌ، ولهم مشيئةٌ، ولهم اختيارٌ، ولكن لا يشاءون إلا ما شاءه الله، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [التكوير: 29]، ويقول تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [يونس: 22]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |