|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إبراهيم عليه السلام ووالده آزر: دروس وعبر د. سامي بشير حافظ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه...؛ أما بعد عباد الله: فإن من أنبياء الله ورسله إبراهيمَ عليه السلام؛ فهو أبو الأنبياء، وخليل الرحمن، وأحد أولي العزم من الرسل، وقد جعله الله إمامًا للناس، وقد ذكر الله اسمه في القرآن كثيرًا، وأمر الله عباده أن يقتدوا به وبسيرته؛ فقال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]، وله في القرآن مواقف عدة، دعونا نلتمس بعضًا من هذه المواقف، ونستلهم منها الدروس والعِبر، ونقتدي به، كما أمر الله بذلك. أيها المؤمنون: من القصص التي ذكرها الله لنا في كتابه في سورة مريم، قصة إبراهيم مع أبيه آزر، ودعوته له، فبدأت قصته بقوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 42]، إبراهيم عليه السلام دعا أباه آزرَ إلى الإيمان بالله عز وجل، فاستخدم مع أبيه وسيلة من وسائل الدعوة والنصيحة؛ وهي الإقناع العقلي؛ حيث أنكر عليه عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يملك، ولا يغني شيئًا من دفع ضرٍّ أو جلب نفع؛ كالأصنام من الحجارة، ومن الدروس والعبر أن على المسلم أن يدعوَ غيره، وينصحه بالرفق واللين، سواء كان هذا المدعوُّ أبًا أو ولدًا أو صديقًا، أو أي أحد من البشر، وعليه باختيار العبارات اللطيفة التي لا تؤذي الآخرين، وتدخل إلى قلوبهم، فتؤثر فيهم؛ فإبراهيم عليه السلام مع أن أباه كان كافرًا مشركًا، ناداه بقوله: ﴿ يَا أَبَتِ ﴾ بعبارة جميلة لطيفة، وإذا كان هذا الخطاب مع الأب الكافر، فلا شك أن الأب المسلم العاصي أولَى منه بذلك، إن من وسائل النصيحة الإقناع العقلي؛ حيث إن مثل هذه الوسيلة تجعل المنصوح يرجع إلى نفسه، ويُعْمِل عقله وفِكْرَه، ويفكر تفكيرًا صحيحًا يقتنع من خلاله بصحة ما دُعِيَ إليه، كم نحن بحاجة إلى الإقناع العقلي مع أبنائنا وبناتنا، وإقناعهم بما فيه ضررٌ عليهم، أو ربما يكون معصية لربهم! وأما فرض الرأي عليهم بالأوامر والنواهي فقط، فلا يكفي. ثم قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43]، ومن الدروس والعبر: إبراهيم عليه السلام تأدَّب مع أبيه وتواضع له، فلم يَدَّعِ أن عنده كل العلم؛ بل قال له: ﴿ قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ﴾ [مريم: 43]؛ أي: عندك علم وعندي شيء من العلم لم يَصِلْك، مع أنه عليه السلام أبو الأنبياء، ورسول، ونبي، وأعلم الناس بربه. إن على المسلم - ولو كان عنده علم شرعيٌّ أو دنيويٌّ - ألَّا يدَّعِيَ أنه يعلم كل شيء، بل عليه أن يتواضع، ويبين أن عنده شيئًا من العلم مما آتاه الله إياه، فالتواضع يرفع العبد، ويكتب له قبول الآخرين له. أيها المؤمنون: من الدروس والعبر أنْ يُعلَم أنَّ الأب مهما بلغ علم ولده ومكانته، فإنه يراه صغيرًا جاهلًا أمام عينيه؛ فلذا قد تأخذه العزة بالإثم، فلا يستجيب له، فوجب على الولد أن يتلطف معه بقدر الإمكان عند نصحه وبيان الحق له، وأن يعامله معاملة حسنة مختلفة عن الآخرين، وأن يكرر نصحه له، وأن يتواضع له، ويلين جانبه؛ فحقُّ الوالدين عظيم ولو كانوا مشركين، إن من الدروس والعبر أن فُسوقَ الوالد وعصيانه أو كفره ليس مبررًا للغلظة والشدة معه في القول والفعل، بل أمر الله الولد أن يصاحبهما بالمعروف، ولو بلغوا في الكفر غايته بالدعوة إليه، بل بمجاهدة الولد على ذلك؛ فقال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]. ثم قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 45]، ومن الدروس والعبر: أن المسلم دعوته ونصيحته للآخرين هي من باب الشفقة والرحمة بهم، ﴿ إِنِّي أَخَافُ ﴾، فهو لا يرجو من دعوته إلا حب الخير للآخرين، وإنقاذهم من دركات الشقاء، ووحل المعاصي والآثام، إلى درجات الجنان والطاعات والخيرات، ولقد تلطَّف إبراهيم مع والده، فحذَّره بلطف ولين؛ فقال له: ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 45]، ولم يقل له: يدخلك النار، فعبر بقوله: ﴿ يَمَسَّكَ ﴾، ثم ختمها بقوله: ﴿ عَذَابُ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾، مع أن صفة الرحمن لا تناسب العذاب، ولكن ذكرها هنا من باب تذكير والده بأن الله رحمن رحيم، يرحم عباده إذا رجعوا وتابوا، وأنابوا إليه. عباد الله: إن على المسلم أن يكون رفيقًا مع والديه، مجتنبًا كلَّ قول وفعل من علامات العقوق من رفع صوت، أو حِدَّة بصر، أو ردٍّ بجفاء وغلظة، أو عدم استجابة لمطالبهما ما لم تكن إثمًا، ومن الدروس والعبر أهمية تذكير الآخرين بصفات الله عز وجل، فالظالم والمعتدي والمستكبر يخوَّف ويُذكَّر باسم الله الجبار والمتكبر والكبير، وأما غيره ممن وقع في بعض الذنوب، فيذكَّر باسم الله الرحيم الرحمن الكريم التواب، وهكذا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله وصحبه ومن اقتفى؛ أما بعد:ثم بعد أن انتهى إبراهيم من دعوة أبيه جاءه الرد القاسي الجافي الغليظ من أبيه؛ فقال تعالى عن أبيه: ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مريم: 46، 47]، فكان رد إبراهيم عليه لطيفًا لينًا؛ قال له: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾؛ أي: لن تسمع مني ما يؤذيك، وأنت في سلام مني ومن قولي وفعلي، ومن الدروس والعبر: قد يرفُق المسلم الناصح بالمنصوح، ويخاطبه بأجمل الخطابات والعبارات، ومع ذلك قد لا يجد منه استجابة وردًّا حسنًا، بل يجد عنادًا واستكبارًا، وردًّا غليظًا شديدًا، فعليه أن يحتسب الأجر عند ربه، وإن من صفات المسلم عدم مقابلة السيئة بالسيئةِ، بل يرُد بالحسنى؛ قال تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]. اللهم اغفر لنا وارحمنا، وتجاوز عنا، واجعلنا هداة مهتدين ناصحين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |