أيهما أفضل يوم عاشوراء أو يوم عرفة؟

[ابوالوليد المسلم]

أيهما أفضل يوم عاشوراء أو يوم عرفة؟
محمد أنور محمد مرسال

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:
فأيهما أفضل يوم عاشوراء أو يوم عرفة؟
اختلف العلماء في أي اليومين أفضل: عرفة أو عاشوراء:
القول الأول:
يوم عرفة أفضل من يوم عاشوراء؛ وهذا قول أكثر أهل العلم، وعليه أكثر شُرَّاح الحديث[1].


واستدلوا على ذلك بأدلة:
الدليل الأول:
عن أبي قتادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صيام يوم عرفة: إني أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء: إني أحتسب على الله أن يكفِّرَ السنة التي قبله))[2].


وجه الاستدلال: أن صيام عرفة سبب في تكفير سنتين[3]، وعاشوراء سبب في تكفير سنة واحدة، وهذا يدل على أفضلية يوم عرفة؛ لأن التكفير مناط الأفضلية.


الدليل الثاني:
أن يوم عرفة في عشر ذي الحجة، وهي أفضل من عشر المحرم.

الدليل الثالث:
أن يوم عرفة يختص بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكن عاشوراء لموسى صلى الله عليه وسلم، ومحمد أفضل من موسى، صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، فكان يومه الذي اختُصَّ به، واختُصَّت به أُمَّتُه أفضل[4].

الدليل الرابع:
ولأن الدعاء فيه أفضل من غيره[5].

القول الثاني:
يوم عاشوراء أفضل من يوم عرفة؛ وبهذا قال بعض المالكية[6].
واستدلوا على ذلك: بأنه كان واجبًا، ثم نُسِخ[7].


الترجيح:
الراجح في نظري والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان: أن عاشوراء أفضل سابقًا حتى فُرِض رمضان، وعرفة أفضل حاليًّا.


برهان أفضلية عاشوراء سابقًا:
أن عاشوراء قبل فرض رمضان كان واجبًا في نظري[8]، والفرض مقدَّم وأفضل من المندوب بالاتفاق، أو على أقل الأحوال صوم عاشوراء مختلَفٌ في وجوبه؛ فعاشوراء أفضل من هذه الجهة الماضية.


برهان أفضلية يوم عرفة بعد النسخ:
أنهما استويا في الحكم (الندب)، ولكن تميَّز عرفة بميزات ليست لعاشوراء؛ ومنها:
أولًا:
أنه سبب في تكفير سنتين، بخلاف عاشوراء: سبب في تكفير سنة.


ثانيًا:
أن يوم عرفة يأتي في أعظم أيام الدنيا العشر الأُوَل من ذي الحجة.


ثالثًا:
وفيه ركن الحج الأعظم.


رابعًا:
ولأنه يوم عِتْقٍ من النار، ويدنو فيه ربنا، ويباهي بأهل الموقف؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من يوم أكثر من أن يُعْتِقَ الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟))[9].


هــ- وهو يوم إكمال الدين، وأقسم الله به[10]، وأفضل الدعاء فيه[11]... إلخ.


فكان يوم عرفة أفضل لذلك.
والله أعلم ...
وبالله التوفيق ...


[1] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، الحطاب (3/ 314)، ط (دار الكتب العلمية) بيروت، لبنان، المجموع بشرح المهذب، النووي (6/ 430)، ط (دار إحياء التراث العربي)، ت: المطيعي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي (3/ 237)، ط (دار الفكر)، بيروت، لبنان.
وانظر: فتح الباري، ابن حجر (4/ 292)، ت: عبدالقادر شيبة، ط (الأمير/ سلطان بن عبدالعزيز آل سعود)، التوشيح شرح الجامع الصحيح، السيوطي (2/ 404)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت، لبنان.

[2] رواه مسلم (1162)، وأبو داود (2425)، والترمذي (752)، وابن ماجه (1730)، وابن حبان (3632).

[3] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي (3/ 237)، ط (دار الفكر)، بيروت، لبنان، التوشيح شرح الجامع الصحيح، السيوطي (2/ 404)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت، لبنان.

[4] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، الحطاب (3/ 314)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت، لبنان، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي (3/ 238)، ط (دار الفكر)، بيروت، لبنان، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، الشربيني (2/ 197)، ط (المكتبة التوفيقية)، القاهرة، حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب، (2/ 320)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت، لبنان.
وانظر: فتح الباري، ابن حجر (4/ 292)، ت: عبدالقادر شيبة، ط (الأمير/ سلطان بن عبدالعزيز آل سعود)، التوشيح شرح الجامع الصحيح، السيوطي (2/ 404)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت، لبنان، فيض القدير، المناوي (4/ 277) حديث رقم: (5055)، ط (مكتبة مصر).

[5] التمهيد لِما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ابن عبدالبر (4/ 40)، ت: بشار عواد، ط (مؤسسة الفرقان)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي (3/ 237)، ط (دار الفكر)، بيروت، لبنان.

[6] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، الحطاب (3/ 314)، ط (دار الكتب العلمية)، بيروت، لبنان.

[7] المصدر السابق.

[8] وفي المسألة خلاف مشهور، على قولين:
القول الأول: أن عاشوراء كان صومه فرضًا قبل رمضان، ثم نُسِخ؛ وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، وهو وجه عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة.
القول الثاني: صوم عاشوراء لم يكن فرضًا، إنما كان مستحبًّا؛ وهذا مذهب الشافعية في الصحيح عندهم، ورواية عن أحمد، وهي المذهب عند الحنابلة.
والأقرب في نظري أن صوم عاشوراء كان واجبًا قبل فرض صوم رمضان.
برهان ذلك:
أ- أحاديث فيها الأمر بصيام عاشوراء؛ ومنها:
قول عائشة رضي الله عنها: ((أن قريشًا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فُرِضَ رمضان...))؛ [رواه البخاري (1893)، ومسلم (1125)].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((... من أصبح صائمًا فليتم صومه...))؛ [رواه البخاري (1960)، ومسلم (1136)].
وفي رواية: ((... فأتموا بقية يومكم واقضوه))؛ [صحيح دون لفظة "واقضوه": رواه أبو داود (2447)].
والأمر للوجوب.
ب- ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر من أفطر أن يُمسِكَ بقية يومه؛ كما في الحديث: ((ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه))؛ [رواه البخاري (1960)، ومسلم (1136)]، ولا يلزم من نفي الفرضية كما في حديث معاوية رضي الله عنه، عدمها بالكلية، وإنما المقصود: "لم يكتب الله عليكم صيامه بعد فرض رمضان".

[9] رواه مسلم (1348)، والنسائي (3003)، وابن ماجه (3014).

[10] على وجه من وجوه التفسير في قوله: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج: 3]، ذهب جماعة من أهل التفسير إلى أن الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة؛ صحَّ هذا عن أبي هريرة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وورد عن ابن عباس بسند ضعيف، وثبت عن قتادة وعن ابن زيد، والحسن؛ [انظر: تفسير الطبري (11/ 481، 482)، رقم: (36942)، (36943)، (36944)، (36946)، (36948)، ط (دار الحديث)، القاهرة.

[11] كما ورد في الحديث؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))؛ [حسن: رواه الترمذي (3585)].