|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() قواعد بناء المجتمع وصلاحه يحيى سليمان العقيلي معاشر المؤمنين: لنتأمل كتاب ربنا - عباد الله - نتلمس قواعدَ بناء المجتمع الصالح الذي نرجوه، ونستشرف مستقبلًا مشرقًا لبلادنا؛ فإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم في جميع مجالات الحياة، في وقت أحوج ما نكون لبناء مستقبل مشرق وآمن لبلادنا، بتوفيق الله وهدايته؛ لنتأمل - عباد الله - قول ربنا جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58]. إن أولى قواعد بناء المجتمع الصالح - عباد الله - هي في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]. فعلى كل من تولَّى المسؤولية أن يدرك أنها ميدانُ تمحيصٍ واختبار، وموطنُ ابتلاء وامتحان، وأنها أمانة ومسؤولية قبل أن تكون سلطةً ووَجاهةً، وأنه سيُسأل عنها أمام الله جل وعلا؛ ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق: 9، 10]؛ كما قال صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه، أحفِظ أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته))؛ [ابن حبان في صحيحه]. لو شاع هذا الشعور بالمسؤولية عباد الله، وارتقى كل مسؤول لمستوى الأمانة التي أُوكِلَتْ إليه، لَوجَدَ الإصلاح في بلادنا الأبوابَ له مشرعة، والطرق له مُمهَّدة، ولأُوصِدت الأبواب أمام الفساد والمفسدين. دخلت فاطمة بنت عبدالملك زوجة عمر بن عبدالعزيز بعد أن تولَّى الخلافة؛ فتقول: "دخلت عليه يومًا وهو جالس في مُصلَّاه، واضعًا خده على يده، ودموعه تسيل على خديه، فقالت: ما لك؟ قال: ويحكِ يا فاطمة، لقد وُلِّيتُ من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت في الفقير الجائع، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير، والمريض الضائع، والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، وذي المال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن الله عز وجل سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خَصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت ألَّا يثبُتَ لي حُجَّة عند خصومته، فرحِمتُ نفسي وبكيتُ". معاشر المؤمنين: ومن قواعد بناء المجتمع الصالح التي أشارت لها الآية: الحكم بالعدل؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: 58]؛ وذلك بالأخذ بالعدل سياسةً عامة لكل مسؤول؛ استجابةً لأمر الله تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: 26]. فالحق هو جوهر العدل وغايته ومبتغاه، ولا صلاحَ لمجتمع ولا نهضة ولا تقدم دون إقامة الحق والعدل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابرَ من نورٍ، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدِلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا))؛ [صحيح مسلم]. ولا يقتصر العدل - عباد الله - على القضاء فقط؛ فالعدل مطلوب في تشخيص المشكلات، وتحري مواطن القصور، ورسم سياسات الإصلاح، وسن التشريعات والقوانين، والرقابة والمحاسبة على الأداء، وشغل المسؤوليات والوظائف، فكل تلك الأدوار إذا لم تتحرَّ الحق والعدل، فلا سبيل للاستقرار المنشود، ولا للإصلاح المقصود. وفَّقنا الله لِما يحب ويرضى، وأعاننا على البر والتقوى، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. معاشر المؤمنين: أما ثالثة قواعد بناء المجتمع وصلاحه؛ فهي في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58]؛ إي والله يا عباد الله، فأي صلاح وفلاح يُرتَجَى بغير موعظة ربنا وشرعه وحكمه؟ فإقامة شعائر الدين وتوقير الشريعة، وترسيخ الإيمان هي قاعدة بناء المجتمع وصلاحه، فمجتمع بغير توقير لأحكام الشرع، وثوابت الدين، لا يُرتجى منه صلاح ولا فلاح، وسلطة لا تعظِّم الشرع، ولا تقيم أركانه، ولا توقِّر ثوابته، لا يُتأمَّل منها فلاح ولا نجاح؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57]. ومن لوازم إقامة شعائر الدين، وتوقير أحكامه تعزيزُ الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بغرس روح المسؤولية المجتمعية لدى الجميع؛ ليكون كل فرد حارسًا على أمن مجتمعه وصلاحه، وقِيَمِه وثوابته، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - عباد الله - صِمَام الأمن الاجتماعي، وعُنوان الخيرية والفلاح؛ بشهادة ربنا جل وعلا الذي قال في محكم كتابه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110]. ومن مواعظ ربنا جل وعلا: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46]. فقد آن الأوان أن يسود الوئام؛ لتنعَم بلادنا بالاستقرار الذي غدا هدفًا أسمى للمصلحين والمخلصين. أما خاتمة تلك القواعد؛ فهي خاتمة الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: 58]؛ سميعًا لأقوالكم، بصيرًا بأفعالكم، عليمًا بأحوالكم، فرقابة الله تعالى فوق كل رقابة، بها تُوقَد جذوة الإيمان، وعليها تحيا الضمائر، ومنها تستنير البصائر، وبظلالها يتحقق الصلاح والفلاح والنجاح.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |