|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة: وقفات مع آيات يحيى سليمان العقيلي معاشر المؤمنين: نقف اليوم مع آيتين من كتاب الله تعالى، نتدبر ما فيهما من معانٍ جليلة، وثمرات جميلة، ومواعظَ بليغة، تَلَوناها كثيرًا، ولكن التدبر والنظر يفتح من المعاني والعِبر ما لا يدركه المرء في تلاوة السرد والحَدْرِ؛ وكما قال ربنا جل وعلا: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]. أما الآية الأولى؛ فهي قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]. فاذكروني - أيها المؤمنون - بطاعتكم إياي فيما آمركم به، وفيما أنهاكم عنه، أذكِّركم برحمتي إياكم، ومغفرتي لكم؛ وعن سعيد بن جبير قال: "اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي"، وعن الربيع قال: "إن الله ذاكرٌ مَن ذكره، وزائد من شكره، ومعذِّب من كفره". ما أيسره من عمل، وأعظمه من جزاء! وما أرفعه من شرف! يا عبدالله، تذكَّر الله ربك وخالقك، وربَّ كل شيء ومليكه؛ فيذكرك؛ تذكره في نفسك، فيذكرك في نفسه، تذكره في ملأ، فيذكرك في الملأ الأعلى، تذكره في الرخاء، فيذكرك في الشدة، تذكره في العافية، فيذكرك في البلاء، تذكره في الضراء، فيذكرك في السراء. روى ابن ماجه عن عبدالله بن بسر أن أعرابيًّا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شرائع الإسلام قد كثُرتْ عليَّ فأنْبِئني منها بشيء أتشبَّث به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عز وجل)). وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني، وتحركت بي شفتاه)). وذِكْرُ الله تعالى أفضلُه ما تواطأ عليه القلب واللسان، وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته، وكثرة ثوابه؛ قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "ما عمِل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله". ثم قال جل وعلا: ﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]؛ أي: على ما أنعمت عليكم بهذه النِّعَمِ، ودفعت عنكم صنوف النِّقم، والشكر يكون بالقلب إقرارًا، بالنعم اعترافًا، وباللسان ذكرًا وثناءً، وبالجوارح طاعةً لله وانقيادًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، فالشكر - عباد الله - فيه بقاء النعمة الموجودة، وزيادة في النعم المفقودة؛ قال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]. وفَّقنا الله لرضاه، وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. معاشر المؤمنين: نقف مع آية أخرى؛ وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197]؛ آية تسكُبُ في قلبك - يا عبدالله - الطمأنينة والثقة، وتملؤه باليقين والأنس، فخيرُك محفوظٌ عند الله جل وعلا؛ فهو الحفيظ العليم، وهو الودود الشكور تبارك وتعالى، وإن أردت مزيدًا؛ فهذا قوله تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ [آل عمران: 115]. وإن أردت كذلك يقينًا، فاستمع لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء: 94]. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يُربِّيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل))؛ [متفق عليه]. فلا تَمَلَّ – يا عبدالله - من أعمالك الصالحة، ولا يخذُلَنَّك الشيطان عنها بالتثبيط والتشكيك، وبالتيئييس والغفلة، ولا تستكثر على ربك شيئًا مما عملته أو ستعمله، ولا تستطيل الشهور والأعوام في طاعة الله، فربُّنا جل وعلا أوصى نبيه صلى الله عليه وسلم باستدامة العبادة حتى يلقاه؛ فقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]؛ يقول ابن الجوزي رحمه الله: "أسفًا لعبد كلما كثرُت أوزاره قلَّ استغفاره، وكلما قرُب من القبور، قوِيَ عنده الفتور". فلنحمَدِ الله - عباد الله - أن هدانا للإيمان، ولندعُهُ بكرةً وعشيًّا أن يثبتنا على طاعته، وأن نستقيم على صراطه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() خطبة: وقفات مع آيات(2) يحيى سليمان العقيلي معاشر المؤمنين: نواصل اليوم التدبر لبعض آيات كتاب الله، وكما أمر ربنا جل وعلا وقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]. فالتدبر والفَهم يُعلِّم الجاهل، ويُذكِّر الناسي، وينبِّه الغافل، ويعِظ المدَّبِّر، ويُثبِّت المستقيم على أمر الله، ونقف اليوم مع آيات من سورة آل عمران، لنجد العَجب العُجاب من سعة رحمة الله ومغفرته وكرمه، لنتأمل هذه الآيات - عباد الله - في استهلالها، ثم فيما جاء في وسطها، ثم لنتدبر ما جاء في خاتمتها من البشارة. قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]. بدأت الآيات بالأمر بالمبادرة والمسارعة لِنَيلِ مغفرة الله، التي هي سبب للفوز بجنة سَعَتُها السماوات والأرض، أعدها الله تعالى لعباده المتقين، الذين اتَّقَوا مخالفة أمره، وتجنبوا التعرض لسخطه؛ بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، ثم شرعت الآيات بذكر خصال وأفعال أولئك المتقين، التي كانت سببًا لفوزهم بهذا النعيم المقيم؛ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]. فهم يبذلون أموالهم في سبيل الله، وابتغاء مرضاته في وقت السعة والسراء، وكذلك في وقت الشدة والضراء، ثم هم متسامحون مع من يخطئ فيهم، يأخذون بالعفو والمسامحة وكظم الغيظ، مع القدرة على الرد؛ وذلك لعلمهم بثواب ذلك عند الله تعالى، وكما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَه، دعاه الله سبحانه على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيِّرَه من الحور العين ما شاء))؛ [صحيح الترغيب]؛ ولذلك وصفهم الله تعالى بالمحسنين، وكافأهم بمحبته جل وعلا، فهم قد أنفقوا من أموالهم، كما بذلوا من سعة صدورهم وأخلاقهم، والله يحب المحسنين. معاشر المؤمنين: ومع هذه الخصال الكريمة والأفعال الصالحة لأولئك المتقين، فإنهم لم يخرجوا عن بشريَّتِهم، فأصابهم ما يصيب بني آدم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون))؛ [صحيح الترمذي]. وتأملوا - عباد الله - كيف أن هؤلاء المتقين وقعوا فيما وصف ربنا جل وعلا وقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135]. أسمعتم عباد الله؟ فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم، والفاحشة هي ما قبُح من الذنوب، وظلموا أنفسهم، ومع ذلك، لم يقعوا فريسةً لتَيْئِييس الشيطان وإغوائه، كما يقع البعض، هداهم الله، إذا أذنب أحدهم ذنبًا، وسوس له الشيطان: "أنت ميؤوس منك ولا خير فيك"، وإذا تردد على المساجد قال له: "إنك منافق، كيف تذنب وتأتي لتصلي مع أولئك الصالحين الذين ليسوا مثلك؟ هذا نفاق، والخير ألَّا تأتي المسجد؛ فأنت لا تصلح لهداية ولا لاستقامة، واستمرَّ في غيِّك أفضل". وهكذا حتى ييأس هذا المذنب من رحمة الله؛ كما في قصة قاتل المائة نفس التي قصها صلى الله عليه وسلم لصحابته، عن رجل قتل تسعةً وتسعين نفسًا ثم ندم، وسأل عمن يفتيه، فدلوه على عابد ولكنه ليس بعالم، فذهب إليه وسأله: هل له من توبة، فرده هذا العابد وصدَّه، وقال: "لا توبة لك"، فلما أيأسه، قتله وكمل به المائة، ثم ندم وعاد يسأل، فدلوه على عالم، فلما سأله قال العالم: ((نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أناسًا يعبدون الله تعالى، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء)). وهكذا عباد الله، فإن هؤلاء الذين فعلوا الفاحشة أو ظلموا أنفسهم، ذكروا الله تعالى، فندِموا، وأنابوا إلى ربهم، وتابوا من ذنوبهم، ولم يصروا ويقيموا عليها، بل أقلعوا عنها؛ وصدق الله جل وعلا إذ يقول: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]. وفَّقنا الله لِما يحب ويرضى، وأعاننا على البر والتقوى، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: معاشر المؤمنين:وماذا كانت عاقبة أولئك؟ وماذا كان جزاؤهم؟ قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: 136]. نعم، عباد الله، جزاء أولئك الذين اتصفوا بتلك الصفات الجليلة الجميلة مغفرة وستر لذنوبهم، ثم جنات فيها البهجة والسرور والبهاء، والقصور، والمنازل العالية الأنيقة، والأشجار المثمرة البهية، والأنهار الجارية في تلك المساكن الطيبة، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [آل عمران: 136]، لا يَحُولون عنها، ولا يبغون عنها بدلًا، ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [آل عمران: 136]؛ عمِلوا لله قليلًا فأُجِروا كثيرًا، فتأملوا - أثابكم الله - في سَعَةِ رحمة الله، وانظروا في تلك الخصال الكريمة التي امتدح ربنا أهلها، وتدبروا فيما ينبغي على المؤمن فعله إذا أذنب أن يبادر إلى التوبة والأوبة والاستغفار، كما رغَّبنا ربنا جل وعلا؛ وقال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() خطبة: وقفات مع آيات(3) الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، أَنَارَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مَلَأَ بِمَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَفَتَحَ أَبْوَابَ الرَّجَاءِ والرحمة لِلْعَامِلِينَ، وَأَمَرَهُمْ بِحُسْنِ الظَّنِّ وَالْيَقِينِ، وَوَعَدَهُمْ بِالْقَبُولِ وَالْجَزَاءِ الْعَظِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سيد المرسلين والنبيِّين وإمام المتَّقين، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّينِ؛ أَمَّا بَعْدُ:يحيى سليمان العقيلي فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى عباد الله، وَأَطِيعُوهُ، وتوبوا إليه واستغفروه ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. معاشر المؤمنين، فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ آيَاتٌ هِيَ أَرْجَى الْآيَاتِ، يَفْرَحُ بِهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ والقرآن، ويتأمل بها أهل الغفلة والعصيان، وَمِنْ تِلْكُمُ الْآيَاتِ فواتحُ سُورَةِ غَافِرٍ، وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ بِهَا ﴿ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر: 1 - 3]. عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قوله: "إنَّهَا أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى"، وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: «أَنَّ رَجُلًا كَانَ ذَا بَأْسٍ، وَكَانَ يُوفَدُ عَلَى عُمَرَ لِبَأْسِهِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَنَّ عُمَرَ فَقَدَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَتَابَعَ فِي هَذَا الشَّرَابِ، فَدَعَا كَاتِبَهُ فَقَالَ: اكْتُبْ: مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلى فُلَانٍ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [غافر: 3]، ثُمَّ دَعَا للرجل وَأَمَّنَ مَنْ عِنْدَهُ على دعائه، وَدَعَوْا لَهُ أَنْ يُقْبِلَ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَلْبِهِ، وَأَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَتِ الصَّحِيفَةُ الرَّجُلَ جَعَلَ يَقْرَأُهَا وَيَقُولُ: ﴿ غَافِرِ الذَّنْبِ ﴾ قَدْ وَعَدَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لِي، ﴿ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ﴾ قَدْ حَذَّرَنِي اللَّهُ تَعَالَى عِقَابَهُ ﴿ ذِي الطَّوْلِ ﴾ وَالطَّوْلُ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ نَزَعَ فَأَحْسَنَ النَّزْعَ -أَيْ: تَابَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ- فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ أَمْرُهُ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا، إِذَا رَأَيْتُمْ أَخًا لَكُمْ زَلَّ زَلَّةً فَسَدِّدُوهُ، ووَفِّقُوهُ، وَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ، وَلَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ»؛ (رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ). فتأملوا عباد الله، كيف انتفع هذا الرجل بتدبُّره لهذه الآيات المباركات توبةً نصوحًا وأوْبةً صادقة، فهجر ما كان عليه من الذنوب وتاب وأناب. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «غَافِرُ الذَّنْبِ لِمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَابِلُ التَّوْبِ مِمَّنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، شَدِيدُ الْعِقَابِ لِمَنْ لَا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ذُو الْغِنَى عَمَّنْ لَا يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». وتأملوا -أثابكم الله- الآية كيف أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمَغْفِرَةَ وثنَّى بقَبُولِ التَّوْبَةِ، وَقَدَّمَهُمَا جَمِيعًا عَلَى التَّرْهِيبِ وَالتَّخْوِيفِ، وكما قال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي»، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي»؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فإِذَا كَانَ رَجَاءُ الْعَاصِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى حُصُولَ الْمَغْفِرَةِ، وَرَجَاءُ التَّائِبِينَ قَبُولَ التَّوْبَةِ، عباد الله، فَكَيْفَ بِالطَّائِعِينَ الْمُخْبِتِينَ؟ فَطِيبُوا قَلوبًا بِمَا هُدِيتُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ حليمٌ شكور، وَامْلَئُوا قُلُوبَكُمْ بِالرَّجَاءِ وَالْإِنَابَةِ، فإنَّه رحيمٌ غفور ﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]. وفَّقَنا الله لرضاه، وأعاننا على ذكره وشكره وحُسْن عبادته، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية معاشر المؤمنين، وَمِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي يَفْرَحُ بِهَا الْمُؤْمِنُون، وَيَزْدَادُ رَجَاؤُهُم بِهَا، خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله تعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5] عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.وَسَبَبُ الرَّجَاءِ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيُعْطِيهِ حَتَّى يَرْضَى، وَعَطَاؤُهُ سُبْحَانَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَالُ بَرَكَتُهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّتِهِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5]، قَالَ: "رِضَاهُ أَنْ تُدْخِلَ أُمَّتَهُ كُلَّهُمُ الْجَنَّةَ"؛ (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ)، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تَلا قَوْلَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبْراهِيمَ: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي... ﴾ [إبراهيم: 36] الآيَةَ، وقوله تعالى عن عِيسَى عليه السَّلامُ: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ»؛ (رواه مسلم).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |