مدرسة رمضان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4953 - عددالزوار : 2056048 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4528 - عددالزوار : 1323904 )           »          احمى أسرتك وميزانيتك.. دليلك الشامل لشراء أفضل اللحوم الطازجة والمجمدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          4 خطوات تقلل من شيب الشعر وتجعله صحيا وحيويا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          4 وصفات سموزي مناسبة للرجيم.. نكهات لذيذة لحر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          طريقة عمل الفراخ في المقلاة الهوائية بطعم حكاية.. السر في العسل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح الأندر أرم.. تقشير آمن وترطيب للبشرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          4 أفكار مختلفة لتصميمات مطبخ عصري.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          خلصي بيتك من السموم في 5 خطوات.. أهمها تغيير أدوات الطهي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          7 خضراوات تحتوي على فيتامين سي أكثر من البرتقال.. هتنور وشك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-04-2023, 06:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي مدرسة رمضان

مدرسة رمضان (1)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


عناصر الخطبة:
1- مادة مقاصد الصيام.
2- مادة التدبير الزمني لرمضان.
3- مادة المناهج وبرامج رمضان.

الخطبة الأولى
إن الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربَّنا على ما أنعمتَ به علينا من نِعَمِك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا؛ أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:

فشهر رمضان شهر الصيام، فضله لا يخفى بين الشهور، وهو بحقٍّ مدرسةٌ لمن أحسن استثمارها والقيامَ بحقها، وبذل الجهد وثابر حتى يكون من الفائزين في هذا الشهر، وهي مدرسة تأسَّست يومَ أنْ فُرِض الصيام؛ في يوم الاثنين من شهر شعبان من السنة الثانية من الهجرة النبوية، ومقرها في كل ضمير حي، فكم كانت هذه المدرسة سببًا في هداية أُناس إلى طريق الحق، وكانت سببًا في تنبيه الغافلين وإيقاظهم من سُباتهم العميق.

مدرسة وضع أساسها رب العزة والجلال في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وأرسى منهاجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفدت الشياطين، ومَرَدَة الجن، وغُلقت أبواب النار، فلم يُفتَح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة، فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغي الشر أقْصِرْ، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة))[1].

عباد الله، مدة الدراسة والتكوين في هذه المدرسة تستغرق شهرًا كاملًا، ويتوج ذلك بأرقى شهادة من عند رب العالمين؛ في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة))[2]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه))[3]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعتُه الطعامَ والشهواتِ بالنهار، فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النوم بالليل، فشفِّعني فيه، قال: فيشفعان))[4]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفَّارة لِما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات ما بينهن إذا اجتَنَبَ الكبائر))[5]، وغيرها من الآثار الواردة في فضل هذه المدرسة.

عباد الله، مواد الدراسة والتخرج في مدرسة الصيام متنوعة، ولعلي في هذه الخطبة أكتفي لكم بثلاث مواد:
المادة الأولى: مادة مقاصد الصيام:
وفي هذه المادة ينبغي أن نتعلم: لماذا فرض الله علينا الصيام؟ ما أهدافه؟ ما غاياته؟ ومعرفة الحكمة من التشريع يساعد في العبادة على بيِّنة؛ ومن هذه المقاصد:

1- مقصد طاعة الله بالصيام: الله أمرك بالصيام وقال لك: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، فصُمْ، ودرِّب أبناءك على الصيام.

2- مقصد تحقيق التقوى: وهي الغاية العظمى لفريضة الصوم؛ في قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، والتقوى هي طاعة الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، هذا ما ينبغي أن نتعلمه من الصيام، فمَن مرَّ عليه الشهر وزعم أنه صائم قائم، ثم بعد رمضان رجع إلى ما كان عليه من الفجور، ولم يُحِسَّ أنه ازداد قربًا من الله، أو أنه يُكْثِر من السبِّ والشتم في رمضان، فهذا ما حقق المقصد الحقيقي من الصيام؛ وهو التقوى.

3- مقصد تحقيق الفوائد الصحية: فالصوم يحقق منافع بدنية بالتبعية، ولكن وجب الحذر – إخواني - من أمر النية في الصوم، ولا بد من تصحيحها، فنحن نصوم طاعة لله أصالةً، ثم بعد ذلك إن تحققت لنا منافع صحية؛ كامتصاص السموم من الجسم، وتوفير الراحة للمعدة والأمعاء، والحد من الاكتئاب والقلق والتوتر، وغيرها مما هو من اختصاص الأطباء، وما أسفرت عنه البحوث العلمية في الصوم؛ فهذا بركة وفضل من الله.

المادة الثانية: التدبير الزمني لرمضان:
الناس في رمضان يضبطون مواقيتهم وساعاتهم، فيحرصون على معرفة وقت أذان الفجر، ووقت أذان المغرب، فضلًا عن أوقات باقي الصلوات، والمرأة تضبط الوقت كي يكون الفطور في موعده، وكذلك السحور، والناس تضبط مواعيدها، وهم مع ذلك يحسبون الأيام حسابًا دقيقًا، فيقولون: رمضان مضى منه كذا، ونحن في الأسبوع الثاني، أو قد دخلنا في العشر الأواخر؛ حرصًا منهم على المزيد من الاجتهاد لإدراك ليلة القدر أو الاعتكاف.

وإذا بقِيَ يومان يتأهبون لاستقبال العيد، ويسألون عن مدى إمكانية إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، وهكذا.

والخلاصة: إن رمضان يعلمنا تدبير أوقاتنا، ولكن للأسف نجد مِنَ الناس مَن لا يحسن هذا التدبير، فيضيع وقته بين الهاتف والتلفاز، ووسائل التواصل الاجتماعي، والرفقة السيئة، أو في النوم، وقد ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء قصةً ليحيى بن يحيى الليثي وقد ذهب من الأندلس لتلقي العلم عن الإمام مالك، وبينما هم في مجلسه، هبُّوا جميعًا لرؤية فيل دخل إلى المدينة، فلم يبقَ مع الإمام مالك إلا يحيى بن يحيى الليثي، فقال له مالك: لماذا لم تذهب أنت لرؤية الفيل؟ قال: أنا جئت من الأندلس لرؤية الإمام مالك، وليس الفيل.

فكانت رواية يحيى بن يحيى الليثي للموطأ أجود رواية، ولم يذكر لنا التاريخ أحدًا ممن ذهبوا لرؤية الفيل، والفائدة - إخواني - من القصة أن الكثير من الناس إذا دخل رمضان، انشغلوا برؤية الفيل المتمثل في لصوص رمضان الذين يعدون البرامج التافهة قبل رمضان لإشغال الناس بها، الذين سخَّرهم الشيطان الأكبر لينوبوا عنه في تنفيذ المهمة قبل تصفيده، وغَفَلُوا عن استثمار أوقاته فيما ينفعهم من أنواع الطاعات والقُرُبات.

فاللهم أرِنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد:
المادة الثالثة: مادة المناهج وبرامج رمضان.
عباد الله: التخطيط أساس النجاح، فكيف نستغل فرصة إدراكنا وانتسابنا لمدرسة رمضان؛ حتى يتحقق لنا الفوز الذي وُعِدنا به في رمضان؟ هذا ما سأختصره لي ولك في النقاط الآتية؛ فأَعِرْني سمعك وقلبك؛ لأن المقام يقتضي الفَهم، ثم العمل بعد ذلك.

ضع برنامجًا مناسبًا لتحقيق المقاصد السابقة في رمضان مع التدبير الزمني لوقتك.

وأقترح عليك - مثلًا - أن يتضمن البرنامج الآتي:
عدد مرات ختمك للقرآن خلال هذا الشهر: حاول ختم القرآن على الأقل مرة في هذا الشهر، فإذا قرأت حزبًا في الصباح، وحزبًا في المساء، ختمتُه، وإن زدتَ أكثر من ذلك، فهذا فضل.

برنامج للمحافظة على الصلوات: الخمس في أوقاتها، ولصلاة التراويح مع الجماعة، وبرنامج لقيام خاص بك، صُغ لأبنائك ورقةً تتضمن الصلوات الخمس، وصلاة التراويح، وبعض أنواع الطاعات الأخرى.

برنامج صدقات وإنفاق في سبيل الله: فلا يمر عليك اليوم إلا وتصدقت بشيء، ولو يسيرًا، فاتقوا النار ولو بشق تمرة.

برنامج لتفطير الصائمين: فمن فطَّر صائمًا، كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئًا.

برنامج للأسرة: يتضمن صوم الأطفال، وجلسات للذكر، وقراءة القرآن، وتفسير آية أو شرح حديث بصورة يومية منتظمة.

حدد أدعية بالأمور التي تريد من الله أن يحققها لك؛ لتكررها عند الإفطار، وفي السَّحَرِ يوميًّا، وتعرَّف على جوامع الأدعية؛ مثل: ((اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني)).

حدد خُلُقًا سيئًا تريد التخلص منه؛ فرمضانُ خير معين لك؛ كالتدخين، وظاهرة السب والشتم، أو الغضب، وغيرها.

حدد خلقًا حسنًا تريد تنميته؛ كالمحافظة على الصلاة، والالتزام بالحجاب الشرعي.

وكلٌّ منا أدرى بما سيضيفه في برنامجه، واحرص أن يكون مكتوبًا؛ لأنك في مدرسة الصيام التي يُرجَى منها تحقيق النتائج إن صدقت عزيمتك، وصحَّ توكلك على الله.

فاللهم بارك لنا في رمضان، واهدِنا فيه لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها؛ فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

تتمة الدعاء.

[1] رواه الترمذي برقم: 682، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم: 1960.
[2] سبق تخريجه.
[3] رواه البخاري برقم: 38.
[4] صحيح الترغيب والترهيب برقم: 984.
[5] رواه مسلم برقم: 203.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-04-2023, 06:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مدرسة رمضان

مدرسة رمضان (2)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت



الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربَّنا على ما أنعمت به علينا من نِعَمِك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا؛ أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:
فقد سبق الحديث في الخطبة الماضية عن بعض مواد التدريس والتخرج من مدرسة الصيام؛ وهي مادة مقاصد الصيام؛ فعرفنا فيها أننا نصوم طاعةً لله وتحقيقًا للتقوى، ومادة التدبير عرفنا فيها أهمية استثمار وقت رمضان وفرصته، وعدم تضييعه فيما لا يفيد، ومادة البرامج والمناهج عرفنا من خلالها أهمية التخطيط ووضع برنامج شامل في شهر رمضان.

ويستمر الحديث في هذه الخطبة عن بعض مواد التدريس في شهر الصيام، واليوم سندرس المادتين الآتيتين:
المادة الرابعة: مادة الاقتصاد:
في هذه المادة في شهر رمضان نتعلم سلوكات اقتصادية إيجابية مطلوبة، وأخرى سلبية وجب تجنُّبُها.

أولًا: الاقتصاد والإنفاق المستحب في شهر رمضان:
1- الزيادة في الإنفاق التطوعي: وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جوَّادًا طيلة العام، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارِسه القرآن، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة))[1]، والجود: كثرة الإعطاء، فلماذا يزيد النبي صلى الله عليه وسلم من الإنفاق والجود في رمضان؟ قال الإمام ابن الجوزي عليه رحمة الله: "وإنما كثُرُ جُودُه عليه السلام في رمضان لخمسة أشياء:
أحدها: أنه شهر فاضل، وثواب الصدقة يتضاعف فيه، وكذلك العبادات؛ قال الزهري: تسبيحة في رمضان خير من سبعين في غيره.

والثاني: أنه شهر الصوم؛ فإعطاء الناس إعانة لهم على الفطر والسحور.

والثالث: أن إنعام الحق يكثُر فيه؛ فقد جاء في الحديث: ((أنه يُزاد فيه رزق المؤمن، وأنه يُعتَق فيه كل يوم ألف عتيق من النار))؛ فأحب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوافق ربه عز وجل في الكرم.

والرابع: أن كثرة الجود كالشكر لترداد جبريل عليه السلام إليه في كل ليلة.

والخامس: أنه لما كان يدارسه القرآن في كل ليلة من رمضان، زادت معاينته الآخرة؛ فأخرج ما في يديه من الدنيا[2].

فهل بحثنا عن الفقراء والمحتاجين؟ هل أنفقنا على اليتامى؟ هل نفَّسنا عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؟ هل يسَّرنا على مُعسِر؟ هل ساعَدْنا مريضًا في إجراء عملية جراحية أو شراء دواء؟ وغيرها من أنواع الإنفاق؛ قال تعالى: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[3]، وأبشِرْ أيها المنفق؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعْطِ منفقًا خَلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا))[4].

2- تفطير الصائمين: سواء استقدمتهم إلى منزلك، أو هيأتَ طعامًا فذهبت به إليهم، أو أعددت قفةً رمضانية فتصدقت بها عليهم، أو شاركت بمالك في مشروع تفطير الصائمين، أو ما أشبه ذلك، وهذا لا شك يستلزم إنفاقًا.

والفائدة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((من فطَّر صائمًا، كُتب له مثل أجره، إلا أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء))[5]، فهل أعددنا مشروعًا لتفطير الصائمين؟ وبذلك تستطيع أن تصوم شهرين عوض شهر، لو فطَّرت ثلاثين صائمًا خلال شهر.

ثانيًا: الاقتصاد والإنفاق غير المستحب في شهر رمضان؛ ومن ذلك:
1- الإسراف: كثير من الناس يسرف في موائد الإفطار، فيُوضَع على المائدة من الطعام ما يكفي الكثير من الناس، ويكثر من الأنواع إلى درجة أنك لا تعرف من أين تبدأ، ويُصاب بهستيريا الشراء فيشتري كل ما تقع عليه عينه. ثم لا يأكل من كل هذا إلا القليل، فيُهدر الباقي في أكياس القمامة، في حين هناك من يحتاج هذا الطعام، هو يشتكي من التُّخَمة، وغيره يشتكي من الجوع، هل هذه حكمة الصيام التي من تجلياتها ترك الأكل والشرب لتذكُّر الفقراء؟ وهل هذا هَدْيُ الإسلام في قوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أُكُلات يُقِمْنَ صُلبه، فإن كان لا محالة، فثُلُثٌ لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه))[6].

2- البخل: والتقتير على نفسه وعياله حتى الضروري من النفقة، وهذا أيضًا غير مستحب، فالإسلام دين الوسط؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]؛ فالبخيل لا يؤدي حق الله فيما أوجبه عليه من الزكاة، ولا حق الأبناء والعيال فيما أوجبه الله عليه من النفقة الواجبة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوتَه))[7].

ورحمة الله على القائل:
إذا كنت جمَّاعًا لمالك ممسكًا
فأنت عليه خازن أمينُ
تؤدِّيه مذمومًا إلى غير حامدٍ
فيأكله عفوًا وأنت دفينُ


وصدق والله؛ فلكم رأينا من الناس ما أدوا حق الله، وتركوا المال لورثتهم وفيرًا، يعبثون فيه، فضيَّعوه، وبقِيَ هو في قبره حسيرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

فاللهم اجعلنا ممن أدَّوا حق المال، ومن المنفقين لأموالهم في أنواع الطاعات، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد:
المادة الثالثة: مادة مكارم الأخلاق:
عباد الله، الأزمة التي تعانيها الأمة اليوم في أفرادها ومجتمعاتها هي أزمة القيم والأخلاق.
فلعلك تشتكي من سماع سبٍّ وشتم وكلام فاحش، وأنت تمر في الشارع، أو جالس في بيتك.

ولعلك ترى من يعاقر الخمر، أو شاب وشابة يتعانقان في الشارع على مرأى من الناس.

ولعلك ترى التحرش الجنسي في الشوارع؛ سواء تحرش الفتيان بالفتيات بكلام فاحش، أو تحرش الفتيات بالفتيان من خلال كلامهن وتغنُّجهن ولباسهن.

ولعلك ترى من يسمع النداء: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وهو ماضٍ في عمله الدنيوي، لا تهُمُّه الاستجابة لنداء الرحمن.

ولعلك ترى من يخرب الممتلكات العامة من حدائق وملاعب وتجهيزات.

ولعلك ترى من يسيء إلى والديه ويعقُّهما؛ فنسِيَ ما كان منهما من فضل سابق.

ولعلك ولعلك؛ أسئلة ومشاكل لا تنتهي، هي عنوان أزمتنا الحقيقية؛ إنها أزمة الأخلاق.

وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لغاية سامية فقال: ((إنما بُعثتُ لأُتمم صالح الأخلاق))[8]. وكان يدعو الله ويقول: ((اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اصرف عني سيِّئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت))[9]، وسأل هشام بن عامر عائشةَ رضي الله عنها فقال لها: ((يا أمَّ المؤمنين، أنبئيني عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خُلُق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن))[10].

ورمضان فرصة للرقي بأخلاقنا في مدرسته؛ فهو مدرسة لإتقان أنواع الطاعات، ومدرسة لترك الغِيبة والنميمة، والسب والشتم، والكلام الفاحش وغيرها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحد، أو جهل عليك، فقل: إني صائم))[11]، مدرسة نتعلم فيها الانضباط وحسن السلوك، فتصوم جوارحنا عما حرم الله، إلى جانب صيام المعدة عن الأكل والشرب؛ وقد كان أبو بكر رضي الله عنه أحيانًا يضع حصاةً في فيه؛ يمنع نفسه بها عن الكلام، وكان يشير على لسانه ويقول: "هذا الذي أوردني الموارد"، هكذا كانوا - رحمهم الله - يربون أنفسهم على مكارم الأخلاق.

فاللهم بارك لنا في رمضان، واجعلنا ممن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا، واهدنا فيه لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها؛ فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
تتمة الدعاء.

[1] رواه البخاري برقم: 6.

[2] كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي: 2/ 312-313.

[3] رواه مسلم برقم: 2699.

[4] رواه البخاري برقم: 1442.

[5] رواه أحمد في المسند برقم: 17033، وصحَّحه شعيب الأرنؤوط.

[6] رواه الترمذي برقم: 2380، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[7] رواه مسلم برقم: 696.

[8] رواه أحمد في المسند برقم: 8952، وصحَّحه شعيب الأرنؤوط.

[9] رواه مسلم برقم: 696.

[10] رواه مسلم برقم: 746.

[11] أخرجه الحاكم في المستدرك برقم: 1570، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26-04-2023, 05:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مدرسة رمضان

مدرسة رمضان (3)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت



6- مادة الجهاد (غزوتا بدر وفتح مكة...).
7- مادة الاجتهاد (العشر الأواخر).

الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّه، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفِسِنَا وَمَنْ سَيِّئاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَحْمَدُكَ رَبَّنَا عَلَى مَا أنعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمِكَ العَظِيمَةِ، وآلائِكَ الجَسِيمَةِ؛ حَيْثُ أرْسَلتَ إلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِكَ، وأنْزَلْتَ عَلَينَا خَيْرَ كُتُبِكَ، وشَرَعْتَ لَنَا أَفْضَلَ شَرائِعِ دِينِكَ، فَاللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إذَا رَضِيتَ، وَلَكَ اَلْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، أَمَّا بَعْدُ:
أيُّهَا الإخْوَةُ المُؤمِنُونَ، من المواد التي نتعلَّمها من مدرسة رمضان:
6-مادة الجهاد (غزوة بَدْر وفتح مكة...):
رَمضَان شهر الجدِّ والاجتهاد، وشهر الفُتوحات – لا كما يُريد البعض أن يجعله شهر الكسَل والخُمول، وشهر التراجُع في العمل والإنتاج – فهو شهر العطَاء وشهر الانتصاراتِ؛ ففي رمضان فُتِحت الأندلس بقيادة البطل المُسلم طارق بن زياد (92هـ)، وفيه وقعت معركة الزلَّاقة بين المرابِطين والمَلِك القشتالي ألفونسو السادس (479هـ)، وفيه وقعت عين جَالوت بين جيش المَماليك بقيادة سيف الدين قُطز وجيش المغول (658هـ)، وفيه وقع حرب رمضان بين الأمة العربية والكيان الصهيوني (1973م)، ومن تِلكُم المَلاحم التي وقعت في رمضان غزوة بَدْرٍ وفتح مكَّة، وهذا موضوع خُطبتنا اليوم.


عباد الله، غزوة بدر وقعت في 17 رمضان من السنة الثانية من الهِجرة، في مكان يُسمَّى بِبَدْر، يبعُد عن المدينة بنحو 160 كلم، والسَّبب فيها: اعتراضُ قافلةٍ لقريش عائدة من الشام؛ حيث ألِفُوا رحلة الصَّيف إلى هناك؛ كما قال تعالى: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴾ [قريش: 1، 2]، فندبَ رسول اللهصلى الله عليه وسلم أَصحابه للخروج، فخرجوا في نحو314 رجلًا، معهم فَرَسانِ وسبعُون بَعيرًا؛ لكنَّ أبا سفيان استطاع أن يعلم بخروج المسلمين، فسَلَكَ ناحيةَ البحر الأحمر، وأرسل إلى قريش يستنفرهم، فخرجوا في نحو 1000 مقاتل، معهم 200 فَرَس، و700 بعير، وعَلِمَ النبيُّصلى الله عليه وسلم بخروجهم، فاستشار أصحابه لِلِقائهم فكلُّهم وافقوا، فجمع الله بينَهم من غير مِيعاد، قال تعالى:﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 42].

عبادَ الله، كان من نتائج هذه الغزوةِ أنْ نَصَرَ اللهُ المُسلمين، واستُشهِد منهم أربعةَ عشرَ صحابيًّا، وقُتِل من المشركين سبعُون، وأُسِرَ سبعون، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].

وأمَّا غزوة فتح مكة: فكانت في 18 رمضان من السَّنة الثامنة من الهجرة، ومن أسبابها نقضُ قريشٍ للعهد المُبرم مع الرسولصلى الله عليه وسلم في صُلْح الحُديبية حِينما منعَتْه قريش من أداء العُمرة، وانتهى الأمر بصُلْح؛ اتفقوا من خلاله على وضع الحرب على النَّاس عشر سنين، لكن قريش أعانت حُلفاءَها من بَني بَكر خُفية، على خُزَاعَة حُلفاء المسلمين، فهجموا عليهم وقتلوا منهم نحو عشرين رجلًا، فكان هذا غدرًا وخيانةً واضحة؛ فعزم النبيصلى الله عليه وسلم على فتح مكة وقال: "اللهُمَّ خذ العيونَ والأخبارَ عن قريشٍ حتى نبغتَها في بلادِها"[1]، فما دَروا حتَّى بَاغتهم الرسولصلى الله عليه وسلم وتَمَّ الفتحُ المُبين، وهدَم النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام حوالي الكعبة، وكان عددُها ثلاثمائة وستين، وهو يقول: "جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ، إنَّ البَاطِلَ كانَ زَهُوقًا، جَاءَ الحَقُّ وما يُبْدِئُ البَاطِلُ وما يُعِيدُ"[2]، وخطب خُطبة الفتح، وافتتحها بقوله: "الحمدُ للَّهِ الذي صدَق وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزم الأحزابَ وحدَه"[3]، وأقام في مكة تسعةَ عشرَ يومًا، وأصبحت شوكةُ المسلمين قويةً، وارتفع نجمُ الإسلام، وأذَلَّ اللهُ الشركَ والمُشركين.


عبادَ الله، من الدروس والعِبَر التي يمكن استخلاصها من الغزوتينِ ما يلي:
أنَّ غزوة بَدْر فَرَّق الله بها بين الحقِّ والباطل، وبين عهد الاستضعاف والصَّبر والمُصابرة على أذى المُشركين، وعهد القوَّة والانطلاق والدعوة إلى الله تعالى ونشر الحقِّ، وهي عكسُ مقاصد المشركين لمَّا أرسل إليهم أبو سفيان بالرجوع؛ لنجاة القافلة، قال أبو جهل: "والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنُقيم عليه ثلاثًا، فننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان (الجواري)، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا بعدها"[4]، أرادوا العزَّة لأنفسهم بالإثم والعُدوان، فأبى اللهُ إلَّا أن تكون العِزَّة لرسوله وللمؤمنين، وقبل الفتح كانت مكة دارَ كُفْرٍ وباطِلٍ، وبعده صارت دار إسلام، فانقطعت الهجرة إلى المدينة بفتح مكة، فقالصلى الله عليه وسلم: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ"[5].


في قوله صلى الله عليه وسلم: "ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ"[6]، نستفيد أن رجوعنا للحق لا بُدَّ من السَّعي والجهاد لأجله، مجاهدة النفس وتزكيتها، وحينئذٍ تقوى على مُجابهة الباطل، فالباطل له صَولة وجَولة إذا خبا صوتُ الحق، ومن سُنن الله المُدافعة بين الحق والباطل.


أن أهلَ الحقِّ لا ينتصرون على أهل الباطل بعدد ولا عُدَّة – رغم أهمية الإعداد ولزومه- لقوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، وإنما المعوَّل عليه بعد الإعداد رجاء مَعونة الله والتوكُّل عليه ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ[آل عمران: 126]﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى[الأنفال: 17].

أن هذه الفتوح وغيرها من الفتوح التي ستأتي ستُغيِّر مَجرى التَّاريخ، وتبيِّن أن العاقبةَ للإسلام، قال تعالى:﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]، ويصدقُ فيها قول أبي تمَّام الشاعر في فتح عمورية:
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَّماءِ لَهُ
وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ انصَرَفَت
مِنكَ المُنى حُفَّلًا مَعسولَةَ الحَلَبِ
أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ
وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِّركِ في صَبَبِ


فاللهم أبْقِ راية الاسلام عَاليةً، وأعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، آمِينْ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَصَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن اقْتَفَى، نختم هذه الخطبة بمادة سابعة وهي:
7-مادة الاجتهاد (العشر الأواخر):
عِبَادَ اللَّهِ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ"[7]، استفدنا من الحديث أن النبيصلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأوَاخِر كان:
أولًا: يشدُّ مئزرَه: والمئزرُ: ما يشد من الثياب أسفل البدن، والمقصود من الحديث أمران:
الأول: أن التعبير بشد المئزر كناية عن اعتزال النساء، فلا يَقرَبصلى الله عليه وسلم أزواجَه – ليس لأنه حرام – وإنَّما للتفرُّغ للعبادة.


والثاني: الجدُّ في العِبادة، كما نقول نحن باللسان الدارج (زيرْ السمْطَا) يعني: اجتهد وابذل ما تستطيع من الجُهْد.


ثانيًا: أحيا ليلَه: وهذا لازم للأول، كيف يشدُّ النبيصلى الله عليه وسلم مِئزره ويجتهد في العِبادة؟ الجواب: أنه يُحيي اللَّيل، قيل: كلُّه، وقيل: معظَمُه، والأمرُ يختلف بحسبِ طاقة الإنسان.


كيف يُحيي هذا الليل؟ يُحييه بالطَّاعة:
فيشتغل أولًا بصلاة الفرض فيُصلي المغرب والعشاء والفجر يَؤمُّ الناس في مسجدهصلى الله عليه وسلم، ونحن علينا بالالتزام بحضورها مع الجماعة في المسجد تطبيقًا لهديهصلى الله عليه وسلم، القائل: "مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ "[8].


ويشتغل بصلاة القيام: قالصلى الله عليه وسلم عن صلاةِ التراويح: "مَنْ قامَ معَ الإمامِ حتَّى يَنصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قيامُ لَيلةٍ"[9]، وإذا أنهى الإمام الصلاة، ولايزال فيك من الجهد والاجتهاد فضع برنامجًا للقيام بمفردك، أو أهل بيتك، ولابأس أن تُطيل إذ ذاك ما شئتَ إذا كُنت وحدك تُناجي ربَّك في قِيامك، فتقرأ قراءة طويلة من حفظك، ولابأسَ إذا لم تكن حافظًا من الاستعانة بالمُصحف، أو تكرار المحفوظ، وتُكثر من ذكره ومحامِده وتعظيمه بأنواع الذِّكر المشروعَة، وتُكثر من الدُّعاء بين يَديه، وخاصَّة في لحظة سُجودك الطويل، قالصلى الله عليه وسلم: "فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ"[10]، وإذا أحسَسْتَ بالتعب فيُمكن أخذ قسطٍ من الراحة؛ لتُعاود الكرَّة من جديد، ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8].

ثالثًا: أيقظ أهله: كانصلى الله عليه وسلم يُوقِظ زوجاته في العشر الأواخر؛ لأجل نيل الفلاح، فأنت تُريد الخير لِنفسك، لا تُحرم مِنه أهلك وأولادك، فكن قدوةً لهم في الخير، وأتعجَّب ممَّن يقوم الليل ويقرأ القرآن، وينهَل من أنواع الخير، وزوجتُه وأبناؤه في وادٍ، لا يتعهدهم بالنُّصح والتذكير، بل والأمر؛ لأنه قيِّم الأسرة وسائسُها وقد استيقظ صلى الله عليه وسلم ليلةً فقال: "سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ؟ يا رُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ"[11].


فاللَّهُم بارك لنا في رمضان، واجعلنا مِمَّن صام وقَام رمضَان إيمَانًا واحتِسابًا. (تتمَّة الدعاء).

[1] سيرة ابن هشام: 2/ 397، وضعَّفَه الألباني في ضعيف السيرة برقم: 374.
[2] رواه البخاري برقم: 4720.
[3] تاريخ الإسلام للذهبي: 2/ 556.
[4] سيرة ابن هشام: 1/ 619.
[5] رواه البخاري برقم: 2783.
[6] سبق تخريجه.
[7] رواه البخاري برقم: 2024.
[8] رواه مسلم برقم: 656.
[9] صحيح الترمذي برقم: 806.
[10] رواه مسلم: 479.
[11] رواه البخاري برقم: 1126.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-04-2023, 05:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مدرسة رمضان

مدرسة رمضان (4)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


8- مادة الاعتكاف.
9- مادة التفسير (تفسير سورة القدر).
10- مادة الفقه (فقه زكاة الفطر).


الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ اَلْحَمْدَ لِلَّه، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفِسِنَا وَمَنْ سَيِّئاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَحْمَدُكَ رَبَّنَا عَلَى مَا أنعَمْتَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمِكَ العَظِيمَةِ، وآلائِكَ اَلْجَسِيمَةِ؛ حَيْثُ أرْسَلتَ إلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِكَ، وأنْزَلْتَ عَلَينَا خَيْرَ كُتُبِكَ، وشَرَعْتَ لَنَا أَفْضَلَ شَرائِعِ دِينِكَ، فَاللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إذَا رَضِيتَ، وَلَكَ اَلْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، أَمَّا بَعْدُ:

أيُّهَا الإخْوَةُ المُؤمِنُونَ، من المواد التي نتعلَّمها من مدرسة رمضان:
8- مادة الاعتكاف:
سبق الحديث عن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلمفي العشر الأواخر من رمضان، ومن مظاهر هذا الاجتهاد أنه يعتكف فيها؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُجَاوِرُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ ويقولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ" [1].


ومعنى المُجاورة الاعتكاف، فكانَ يُلازم المَسجد لا يُفارقه طيلة العشر، يخلو بربِّه ويُناجيه، ويعتزل شرور الناس - نسأل الله عز وجل أن يُيسِّر أمر إحياء هذه السُّنَّة في مساجدنا - قال الزهري: "عَجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف وإن النبيصلى الله عليه وسلم لم يَتركه منذ دخلَ المدينةَ كل عامٍ في العشر الأواخرِ حتَّى قَبضَه الله تعالى"، أمَّا والحالة هذه والأمر يصعبُ، فيُمكن الأخذ بمذهب الجُمهور القائلين بأن: أقلَّ مدة الاعتكافِ لحظةً، فأنتَ جالسٌ في المسجدِ بين المغرب والعشاء، أو بعدَ الظهر أو العصر أو الفجر لحظات تنوي بها الاعتكاف، يحصل لك الأجر بنيَّتِك إن شاء الله.


وإن لم يتيسَّر لك هذا ولا ذاك فاعتزِل الشرَّ، وليسَعكَ بيتُك، تذكُر ربَّك وتبكِي على خطيئتِك، فهذه الخَلوة فرصةٌ لتختلِي بنفسِك وتُجدِّد إيمانك.

9- مادة التفسير (تفسير سورة القدر):
لماذا يقوم النبيصلى الله عليه وسلم بكل ما أسلفنا؟ كان يفعل كل الاجتهادات السابقة؛ من شدِّ المئزر، وإحياء اللَّيل، وإيقاظ الأهلِ والاعتكاف؛ يتحرَّى ليلة القدر، هذه الليلة المباركة التي هي خيرٌ من ألف شهر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].

قال المفسِّرون:
1- ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾: إنا أنَزلنا القرآن جملةً إلى السماء الدنيا كما ابتدأنا إنزاله على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة القدر من شهر رمضان.


2- ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾: وهل تدري -أيها النبي- ما في هذه الليلة من الخير والبركة؟!


3- ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ: هذه الليلة ليلة عظيمة الخير، فهي خير من ألف شهر لمن قامها إيمانًا واحتسابًا، العمل الصالح فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيه ليلة القدر.


4- ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾: تنزل الملائكة وينزل جبريل عليه السلام فيها بإذن ربهم سبحانه بكلِّ أمر قضى الله في تلك السنة رزقًا كان أو موتًا أو ولادة أو غير ذلك مما يقدره الله.


5- ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾: هذه الليلة المباركة خير كلها من ابتدائها حتَّى نهايتها بطلوع الفجر.


عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: "اعْتَكَفَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشْرَ الأُوَلِ مِن رَمَضَانَ واعْتَكَفْنَا معهُ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقالَ: إنَّ الذي تَطْلُبُ أمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا معهُ فأتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقالَ: إنَّ الذي تَطْلُبُ أمَامَكَ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِن رَمَضَانَ، فَقالَ: مَن كانَ اعْتَكَفَ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلْيَرْجِعْ، فإنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُهَا، وإنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، في وِتْرٍ، وإنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أسْجُدُ في طِينٍ ومَاءٍ وكانَ سَقْفُ المَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وما نَرَى في السَّمَاءِ شيئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ، فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى رَأَيْتُ أثَرَ الطِّينِ والمَاءِ علَى جَبْهَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ"[2].


استفدنا من الحديث السابق جملة أمور؛ منها:
أن ليلة القدر في رمضان، وأنها في العشر الأواخر.

أنها في الأوتار من العشر الأواخر؛ وهي ليلة:21 و23 و25 و27 و29، وأرجى ليلة هي ليلة سبع وعشرين عند جماهير العلماء، فاجتهد في العشر كلها بأشفاعها وأوتارها تدركها بإذن الله، ولا تجزم بأنها ليلة سبع وعشرين للروايات المتعددة، قال الإمام النووي عليه رحمة الله: لا طريق للجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها.


أنه كان يعتكف فيها وقد سبق الحديث عن الاعتكاف.


أن لها علامات، ومن علامتها في تلك السنة أن يسجد النبيصلى الله عليه وسلم صبيحتها في مَاء وطين.


فما العمل في هذه اللَّيالي لمن يَرُوم إدراك ليلة القدر؟
1- الصلاة والقيام وقراءة القرآن: صلِّ العِشاء والفجر في جماعة، صلِّ صلاة التراويح، صلِّ ما شِئت من صلاة التَّهجُّد مع الجَماعة أو بمفردِك، اختم ذلك كله بوِتر؛ قالصلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"[3].


2- الإكثار من الصَّدقة: على الفُقراء والمُحتاجين، فالصَّدقة يعظُم قدرُها في رمضان كلِّه، وفي ليلة القدر إن وفِّقت لإدراكِها.


3- الإكثار من الدعاء: سواءٌ بالمأثور أو بما تعرفُه من خيري الدنيا والآخرة؛ عن عائشة رضي الله عنها: "قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: " قُولِي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي "[4].


4- الإكثار من التَّوبة والاستغفار: تُبْ إلى الله فيما قصَّرت فيه من حُقوقه؛ كالصَّلاة وإخراج الزكاة، تُبْ إلى الله فيما قصَّرت فيه من حقوق العِباد وذلك بردِّ الحقوق إلى أصحَابها، صَالِح إخوانَك وأقاربَك إذا كان بينَكم شَنَئَان، لِيَلهَج لسانُك بالذكر والاستغفار؛ قال تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[الذاريات: 18].


فاللهم اجعلنا من المُجتهدين في هذه العشر الأواخر، ووفِّقنا لإدراكِ ليلة القَدر، آمِينْ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَصَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن اقْتَفَى، نختم هذه الخطبة بمادَّة عاشرة، وهي:
6- مادة الفقه (فقه زكاة الفطر):
عِبَادَ اللَّهِ،نُكْمِل صِيامنا بإخراجِ زكاةِ الفطر؛ لِنفرِح معنا الفقراء والمساكين، ونُحقِّق التضامن والتعاون داخل المجتمع؛ إذ المسلمون كالجسد الواحد "إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ"[5].


ما مقاصد زكاة الفطر ولمَنْ تُدفَع؟
من مقاصدِها، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ"[6]، فهي طُهرة للصَّائم فتكون بمثابة سجدتي السهو للصلاة، وإغناء للمساكين عن السؤالِ في يوم العِيد، ثم إننا نشكر الله على إتمام الصِّيام، وحُصول الأجرِ وتمام السرورِ، فهي إذن تدفعها للفقراء في محلِّ سُكناك، ولا تُنقل إلى مكان آخر إلا لضرورة، ويجوز تفريق زكاة فطر رجل واحد على فقراء متعددين، ويجوز جمع زكاة متعدِّدين لفقير واحدٍ.


على من تجب؟
زكاة الفِطر تجب على كلِّ مُسلم صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، والجَنِين في بطنِ أمِّه لا تجب ولكن تُستحبُّ، والأبُ يُخرِجُها عن أولادِه الصِّغار، ويُخرِجُها الزَّوج عن زوجتِه، وتَجِب على كلِّ مَنْ مَلَك قُوتَ يَومِه، وأجمعَ أهلُ العِلم أنَّها لا تَجبُ على المُعسر الذي لا شيءَ لَه.


متى نُخرجها؟
لزكاةِ الفطر وقتَان:
وقتُ فضيلة: من غروب الشمس ليلة العيد إلى ما قبيل صلاة العيد، وأفضله بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وهذا لِمن يوجد الفقير بالقربِ منه.


ووقت إجزاء: وهو جواز إخراجها قبل يوم العِيد بيوم أو يومين، ويحرمُ إخراجها بعد صلاة العيد إلا لِمن له عذر كالنِّسيان، فمن نَسي؛ أخرجها قضاءً، كما أنه يجوز التوكيلُ في إخراجها (مثلًا من له قريب في ديار المهجر فيوكِّله لإخراجها بدلًا منهُ).


مِمَّ أخرجها؟ وما مقدار ما أخرجُه؟
تُخرج من غالب قوت أهل البلدِ، ومقدارها صاع نبوي (أي: أربع حفنات)، وقدِّر اليوم ب 2.5 كيلو، ومن رَغب في إخراجها قيمةً فلَه ذلك؛ لوجود اجتهاد فقهي مُعتبر، ووفاقًا لفتوى المجلس العلمي الأعلى الذي أفتى بجواز إخراجها قيمةً؛ تيسيرًا على النَّاس ورفع الحَرج، والأمر في ذلك واسع، وعلى القول بالقيمة نُخرجُ قيمة 2.5 كيلو بالدراهم، وإن زدتَ على ذلك فهو فضلٌ وخيرٌ.


فاللَّهم طهِّر صِيَامنا من اللَّغو والرَّفث، اللهم إنَّك عفوٌّ تحِبُّ العفوَ فاعفُ عَنَّا. (تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري برقم: 2020.

[2] رواه البخاري برقم: 813.

[3] رواه مسلم برقم: 760.

[4] صحيح الترمذي برقم: 3513.

[5] رواه مسلم برقم: 2586.

[6] صحيح أبي داود برقم: 1427.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26-04-2023, 05:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مدرسة رمضان

مدرسة رمضان (5)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت



عناصر الخطبة:
1- حفل التخرج (عيد الفطر وآدابه).
2- ماذا بعد مدرسة رمضان؟

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نِعَمِك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رسلك، وأنزلت علينا خير كُتُبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، ولك الحمد بعد الرضا؛ أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:
فمن المواد التي نتعلمها من مدرسة رمضان:
3- حفل التخرج (عيد الفطر وآدابه):
بعد إخراج زكاة الفطر التي سبق الحديث عن فقهها في الخطبة الماضية، نكون قد أنهينا دراسة بعض مواد التخرج من مدرسة الصيام بإقامة حفل التخرج في يوم عيد الفطر، فما هَدْيُ النبي صلى الله عليه وسلمفي هذا اليوم؟

1- إخراج زكاة الفطر: خاصة لمن يود إخراجها في وقت الفضيلة؛ وهو من غروب الشمس ليلة العيد إلى ما قُبَيل صلاة العيد، وأفضله بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وهذا لمن يوجد الفقير بالقرب منه، وأما فقه زكاة الفطر، فقد سبق الحديث عنه.

2- القيام بمجموعة آداب؛ منها:
الاغتسال، ولُبْس أحسن الثياب، والتطيُّب؛ روى الإمام مالك، عن نافع: ((أن عبدالله بن عمر رضي الله عنه كان يغتسل يوم الفطر، قبل أن يغدو إلى المصلَّى))[1]؛ وهذا قياسًا على الغسل يوم الجمعة؛ لأنه يوم عيد، فيكون المؤمن في أبهى حُلَّة؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، وهنا ننبه المرأة إلى عدم الخروج متزينة متعطرة؛ للنهي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شهِدت إحداكن المسجد، فلا تمسَّ طِيبًا))[2]؛ وذلك خشية الفتنة.

الأكل قبل الخروج للمصلى؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترًا))[3]، وقال المهلب: "والحكمة من الأكل قبل الذهاب سدُّ ذريعة أن يظن ظانٌّ لزومَ الصوم حتى يصلي العيد، وفيه معنى النهي عن التشدد في الدين".

المشي إلى صلاة العيد مبكرًا سيرًا على الأقدام ذهابًا وإيابًا؛ عن علي رضي الله عنه، قال: "من السُّنَّة أن تخرج إلى العيد ماشيًا، وأن تأكل شيئًا قبل أن تخرج"[4]، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيًا، وألَّا يركب إلا من عذر، وأن يخرج مبكرًا لأخذ مجلسه.

خروج النساء والصبيان؛ عن أم عطية، قالت: ((كنا نُؤمَر أن نخرج يوم العيد حتى نُخرِجَ البِكْرَ من خِدرها، حتى نُخرِج الحُيَّض، فيكُنَّ خلف الناس، فيكبِّرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم؛ يرجون بركة ذلك اليوم وطُهْرتَه))[5]، والبكر هي التي لم تتزوج بعدُ، وهذا لحضور دعوة المسلمين والفرح بذلك اليوم.

الجهر بالتكبير يوم العيد حتى خروج الإمام للصلاة؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أنه كان يخرج في العيدين من المسجد فيكبر حتى يأتي المصلَّى))[6]، وجمهور العلماء أن التكبير في عيد الفطر يبدأ من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة، ولم ترِدْ صيغة مأثورة؛ ومما حُفِظ عن عليٍّ وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)[7]، والحكمة من التكبير إحياء عظمة الله وكبريائه في القلوب؛ فهو أكبر من كل كبير.

مخالفة الطريق؛ عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يومُ عيدٍ، خالف الطريق))[8]، قال ابن رشد: "وأجمعوا على أنه يُستحَبُّ أن يرجع على غير الطريق التي مشى عليها؛ لثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام"[9]، ومن الحِكَمِ في ذلك: أن يشهد له من يمر عليه من شجر وحَجَر، أو أن يلاقي الإخوان للتهنئة والصلة وغيرها.

التهنئة: تهنئ إخوانك بالعيد بأي صيغة معروفة، ومن الصيغ الواردة: (تقبل الله منا ومنك)[10].

التوسعة على الأهل والعيال، وإدخال السرور عليهم بشيء من اللهو المباح مع احترام الضوابط الشرعية؛ لأنه يوم عيد.

صلة الأرحام: كما يجب عدم نسيان الأقارب، واستغلال فرصة العيد لصلتهم والاتصال بهم؛ لِما ورد من فضل صلة الرحم، والوعيد الشديد في قطعها.

فاللهم اجعلنا من الملتزمين بهدي نبيك في الفرح والحزن، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى؛ أما بعد:
فنختم خطبتنا هذه بكلمة في وداع مدرسة رمضان.

4- ماذا بعد مدرسة رمضان؟
عباد الله: لكل شيء إذا ما تم نقصان، مدرسة رمضان هذا العام ولَّت ولن تعود، وإن عادت باسمه، فإنها مدرسة أخرى لسنة ومرحلة أخرى، لقد ولَّى رمضان ولا ندري أندرك رمضان الموالي أم لا، علمُ ذلك عند ربي في كتاب، لا يضل ربي ولا ينسى.
كم من مستقبل يومًا لا يستكمله
ومؤمِّل غدًا لا يُدركه




ها نحن نودع رمضان؛ شهر الصيام، والقيام، والصبر، والتقوى، والدعاء، والتوبة، والجهاد، والصدقة، والجود، والرحمة، والمغفرة، والعتق من النار.

ها نحن نودعه، وقد أودعناه ما عمِلناه من أعمال حسنها وسيئها، والأيام خزائن حافظة لأعمالنا نُدعى بها يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30]، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أُوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا، فليحمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومَنَّ إلا نفسه))[11].

رمضان كسوقٍ انتصب ثم انفض، ربِح فيه الرابحون، وخسِر فيه الخاسرون، فيا سعادة من عمَرَ أوقاته بالطاعات، ذهبت مشقة الطاعة عنه، وبقِيَت لذة الفوز، ويا خسارة من فرط فيه، ذهبت لذة النوم واللهو والتفريط، وبقيت حسرة الندامة والخسران، في يوم توزَّع فيه الأرباح.

انقضاء رمضان عِبرة وعِظة، فما مضى منه لن يعود، وهو كأعمارنا؛ قال الحسن البصري رحمه الله: "يا بن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يومك، ذهب بعضك".
تمر بنا الأيام تترى وإنما
نُساق إلى الآجال والعين تنظرُ
فلا عائدٌ ذاك الشباب الذي مضى
ولا زائل هذا الشيب المكدرُ


عباد الله، الناس بعد رمضان على أصناف ثلاثة:
الصِّنف الأول: يحافظون على ما كانوا عليه من الخير في رمضان، فتراهم يحافظون على الصلوات الخمس في المسجد، ويداومون على القيام، وعلى الصيام، وأول صوم يصومونه صيام ستة أيام من شوال؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوَّال، كان كصيام الدهر))[12]، ويداومون على العمل الصالح، ويهجرون اللغو والمنكرات، فلهؤلاء نقول: هنيئًا لكم حصدكم لثمرات صيامكم، وقَبوله عند ربكم، فمن علامات قبول رمضان المداومة على العمل الصالح بعده.

الصنف الثاني: لم يكونوا على ما يُرام قبل رمضان، ولا في رمضان، ولا بعد رمضان، فلم يغير رمضان من حالهم، ويفرحون لزواله حتى ينطلقوا في شهواتهم الآثمة، فهؤلاء شر الأصناف الثلاثة، سلمني الله وإياكم منهم.

الصنف الثالث: اجتهدوا في رمضان، واستقبلوه بالتوقير والاحترام، واجتهدوا فيه مبلغ جهدهم من أنواع الطاعات وتجنب المعاصي، لكنهم بعد رمضان ولَّوا أدراجهم؛ فتركوا الصلوات أو فرطوا فيها، وتركوا صيام النوافل، وتركوا عمارة المساجد، وهجروا القرآن، فلهؤلاء نقول: لا تكونوا عُبَّاد المواسم، لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، نذكرهم بقول بشر الحافي: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان"، وبقول الشبلي وقد سُئل: أيهما أفضل رجب أم شعبان؟ فقال: "كن ربانيًّا، ولا تكن شعبانيًّا"، ونحن على منواله نقول: كن ربانيًّا ولا تكن رمضانيًّا.
صلى المصلِّي لأمرٍ كان يطلبه
لمَّا انقضى الأمر لا صلى ولا صاما




قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، وقال: ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشرح: 7، 8]، وعن عائشة رضي الله عنها: ((كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه))[13].

فاللهم اجعلنا من المداومين على الطاعة حتى نلقاك، ونعوذ بك من العمى بعد البصيرة، ومن الضلال بعد الهدى، تتمة الدعاء.


[1] رواه مالك في الموطأ، برقم: 609.
[2] رواه مسلم، برقم: 443.
[3] رواه البخاري، برقم: 953.
[4] رواه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، برقم: 530.
[5] رواه البخاري، برقم: 971.
[6] رواه الحاكم في المستدرك، برقم: 1106.
[7] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم: 5653، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، انظر: 3/125.
[8] رواه البخاري، برقم: 986.
[9] بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 1 /233.
[10] رواه البيهقي في السنن الكبرى، برقم: 6294، وضعفه الألباني؛ [انظر: السلسلة الضعيفة برقم: 5666].
[11] رواه مسلم، برقم: 2577.
[12] رواه مسلم، برقم: 2577.
[13] رواه البخاري، برقم: 6462.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 126.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 123.42 كيلو بايت... تم توفير 3.52 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]